نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

لا من لوازم نفس المعلوم والمنكشف بما هو ، والجزم بان التكليف في اي مرتبة وزمان لا يمكن تنجزه الا في ظرف العلم به لاستحالة تأثير العلم من حين وجوده في تنجز معلومه في المرتبة السابقة عن تحقق نفسه كما هو الشأن في كل علة بالنسبة إلى معلومه نقول ) انه لا مجال لتوهم انحلال العلم السابق بالتكليف بين الملاقي والطرف بالعلم اللاحق بالتكليف بين الملاقى والطرف بمحض سبق معلومه رتبة على المعلوم بالعلم السابق ، الا بفرض امكان تأثير العلم اللاحق في التنجيز السابق على وجوده أو فرض كون التنجيز من لوازم نفس التكليف الواقعي لا من لوازم وصوله وانكشافه ، وبعد بطلان الفرضين لا محيص في الفرض المزبور من تخصيص التنجيز بالعلم بالملاقي بالكسر ، لأنه بسبقه رتبة على العلم بالملاقى يؤثر في التنجيز وبتأثيره لا يبقى مجال لتأثير العلم اللاحق في تنجيز التكليف السابق ولو في ظرف وجوده ، ولا يجديه مجرد سبق معلومه بعد تأخر علمه عن علمه الموجب لقيامه على ما تنجز أحد طرفيه بمنجز سابق عليه رتبة ( وما قيل ) من أن التنجز وان كان من لوازم العلم بالتكليف وحيث انكشافه ، ولكنه بعد أن كان العلم من لوازم المعلوم وتوابعه كان سبق السبب على المسبب موجبا لسبق علمه على العلم بمسببه أيضا على معنى اقتضائه لتقدم الانكشاف القائم بالسبب على الانكشاف القائم بالمسبب وبهذه الجهة يكون تنجزه أيضا سابقا على العلم بالمسبب ( مدفوع ) غاية الدفع بأنه مع فرض تأخر العلم بالسبب في مرتبة تحققه عن العلم بالمسبب كيف يتصور اقتضاء تقدم السبب لتقدم علمه على العلم بالمسبب ( واما دعوى ) اباء الذوق المستقيم عن وجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقي مع كون التكليف به جائيا من التكليف بالملاقي ( مدفوع ) أيضا بان مجرد تبعية أحد المحكمين للاخر ثبوتا لا يقتضي التبعية في مقام التنجز أيضا ( كيف ) وان كل تكليف لابد في تنجزه من قيام الطريق إليه بخصوصه ولا يكفي مجرد العلم بأحد الحكمين في تنجز الحكم الاخر بلا كونه بنفسه طرفا لعلم اجمالي منجز ، فإذا كان العلم الاجمالي بين الملاقي والطرف منجزا للتكليف في الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح لسقوط علمه عن قابلية المؤثرية لأجل تأثير العلم السابق ، فأي ذوق يستوحش من التفكيك بينهما في مرحلة التنجز

٣٦١

( مع أن القائل المزبور على مختاره من القول بالاقتضاء لا يحتاج في الحكم بطهارة الملاقي بالكسر إلى اتعاب النفس لاسقاط العلم بالمسبب عن التأثير ، فإنه على مبناه من جعل منشأ سقوط الأصول في أطراف العلم هي المعارضة يجرى الأصل المسببي في الملاقي بالكسر بلا معاوض لسقوط أصالة الطهارة الجارية في طرفه في المرتبة السابقة بمعارضتها مع أصالة الطهارة الجارية في السبب وهو الملاقى ( نعم ) بناء على علية العلم الاجمالي ومنعه عن جريان الأصل ولو في طرف واحد يحتاج الحكم بطهارة الملاقي إلى دعوى انحلال علمه بالعلم المتأخر بالتكليف بين الملاقى بالفتح والطرف ( ولكنك ) عرفت انه لا سبيل إلى دعواه ، وانه لابد بمقتضى قواعد العلم الاجمالي من تخصيص التنجيز بالعلم بالتكليف بين الملاقي والطرف ، لأنه بسبقه رتبة على العلم بالملاقي بالفتح يؤثر في التنجيز في الرتبة السابقة فلا يبقى بعد مجال لتأثير العلم اللاحق رتبة لأنه انما يتحقق في رتبة غير قابلة للتأثير فيرجع الشك بالنسبة إلى الملاقى بالفتح بدويا تجري فيه أصالة الطهارة ( ثم انه بالتأمل ) فيما ذكرناه يظهر الحال في الصورة الثالثة وهي صورة عرضية العلمين كما فرضنا ( فإنه ) بعد عدم اقتضاء سبق المعلوم في أحد العلمين على المعلوم بالعلم الآخر لسبق تنجزه لابد بمقتضى عرضية العلمين وتقارنهما من الاجتناب عن الملاقي والملاقى معا والطرف لتأثير كل من العلمين ـ ح ـ بوروده على غير المنجز أحد طرفيه بمنجز سابق في تنجز متعلقه ، وفى الحقيقة مرجع ذين العلمين إلى علم واحد بالتكليف المردد بين تكليف واحد في طرف وتكليفين في طرفين آخرين ومقتضاه هو وجوب الاجتناب عن الجميع ( هذا كله ) بناء على كون نجاسة الملاقي بالكسر في طول نجاسة الملاقى اما بمناط التعبد محضا أو بمناط السراية بمعنى السببية كما هو المختار ( واما بناء ) على عرضية نجاستهما كما هو لازم السراية بمعنى الانبساط والاتساع ( فقد يقال ) بكفاية مجرد العلم الاجمالي بنجاسة الملاقى والطرف في وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر بلا حاجة إلى كونه بنفسه طرفا للعلم الاجمالي ، لأنه على هذا تكون نجاسته من شؤون نجاسة الملاقى بالفتح بل عين نجاسته فيكفي في وجوب الاجتناب عنه بمجرد العلم بنجاسة الملاقى والطرف ( ولا يخفى ) ما فيه فإنه وان كان نجاسة الملاقي بناء على الانبساط مرتبة من نجاسة الملاقى بالفتح ، ولكنه بعد أن كان الملاقي معروضا مستقلا للنجاسة لابد وأن يكون التكليف المتولد من نجاسته أيضا تكليفا مستقلا في عرض التكليف المتولد من نجاسة الملاقي ومع تعدد

٣٦٢

تكليفهما لا محيص في تنجز كل تكليف من العلم به مستقلا فلا معنى لدعوى كفاية العلم بالتكليف بين الملاقي والطرف في تنجز التكليف بالملاقى ولو مع عدم كونه بنفسه طرفا للعلم الاجمالي كما هو ظاهر وحينئذ فلا محيص في وجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر من فرض وقوعه بنفسه طرفا للعلم الاجمالي ليدخل بذلك في صغرى العلم الاجمالي اما بتكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرفين آخرين ( ثم انه بما ذكرنا كله ) ظهر حال النماء والمنفعة بالنسبة إلى ذي النماء والعين على كل من فرضي كون ملك النماء والمنفعة في طول ملك العين بحيث اخذ ملكية العين علة لملك النماء والمنفعة أو في عرض ملك العين بحيث كان تبعيتهما للعين بحسب الوجود محضا لا بحسب الملكية أيضا ، فإذا كانت الشجرة المثمرة طرفا للعلم الاجمالي بالغصب يجري في الشجرة وثمرتها جميع ما ذكرناه في الملاقى والملاقي حرفا بحرف ( تذييل ) لبعض الأجلة من المعاصرين قده اشكال على من خصص وجوب الاجتناب بالملاقى بالفتح والطرف دون الملافي بالكسر بتقريب ان التكليف بالملاقى وان كان جائيا من قبل التكليف بالملاقى وبذلك تكون رتبة الأصل الجاري في السبب وهو الملاقى بالفتح متقدمة على الأصل الجاري في الملاقي ولا تصل النوبة إليه مع جريان الأصل السببي ، الا انه بعد سقوط أصالة الطهارة في الملاقى بمعارضتها مع أصالة الطهارة الجارية في الطرف ينتهي الامر إلى أصل مسببي آخر وهي أصالة الحلية من جهة سببية الشك في حلية كل من الملاقى والطرف عن الشك في طهارته ، وحيث إن هذا الأصل في عرض أصالة الطهارة الجارية في الملاقي بالكسر فلا محالة في هذه المرتبة تسقط الأصول الثلاثة ، وبعد سقوطها تصل النوبة إلى أصالة الحلية في الملاقي بالكسر لسقوط معارضها وهي أصالة الحلية في الطرف في المرتبة السابقة فيلزم الحكم حينئذ بجواز شربه مع عدم صحة الوضوء به ونحوه مما هو مشروط بطهارته ، مع أن هذا التفكيك مما لا قائل به فان كل من قال بجواز شربه قال بصحة الوضوء به لأصالة طهارته ( ولا يخفى عليك ) انه على المختار من علية العلم الاجمالي ومانعيته عن جريان الأصل النافي ولو بلا معارض لا وقع لهذا الاشكال ، فإنه بتأثير العلم السابق بنجاسة الملاقى بالفتح أو الطرف لا مجال لجريان شيء من الأصول الجارية في الطرف حتى أصالة الحلية ولو على فرض خلوها عن المعارض ومعه لا تجري أصالة الحلية في الطرف كي تصلح للمعارضة مع أصالة الطهارة في الملاقي بالكسر فتجري حينئذ أصالة الطهارة في الملاقي لرجوع الشك في نجاسته

٣٦٣

إلى الشك البدري ( نعم ، بناء على مسلك اقتضاء العلم وحصر سقوط الأصول بالمعارضة لا مناص عن الاشكال المزبور ، ولا يجديه أيضا دعوى انحلال العلم الاجمالي بين الملاقي والطرف وسقوطه عن التأثير بتأثير العلم السابق بالتكليف بين الملاقى بالفتح والطرف ، لان مناط سقوط الأصول على هذا المسلك انما هي المعارضة ، فمع تحقق المعارضة بين أصالة الطهارة في الملاقي وأصالة الحلية في الملاقى والطرف لا محيص من جريان أصالة الحلية في الملاقي فيتوجه شبهة التفكيك المزبور.

( فرعان ) الأول لو فقد الملاقى بالفتح فان كان ذلك بعد العلم الاجمالي بنجاسته أو المشتبه الآخر فلا اثر لفقده بالنسبة إلى ملاقيه ( واما لو كان ) ذلك قبل العلم الاجمالي كما إذا حصل الملاقاة وفقد الملاقى بالفتح ثم حصل العلم الاجمالي اما بنجاسة المفقود أو المشتبه الاخر ، فعلى مسلك علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية لا اشكال في وجوب الاجتناب عن ملاقيه للعلم الاجمالي بالتكليف بينه والطرف وعدم ما يوجب منعه عن التأثير من أصل أو قاعدة اشتغال مثبت للتكليف في بعض أطرافه بعد انعزال العلم الاجمالي السابق بين الملاقى بالفتح والطرف عن التأثير بحدوثه بعد خروج بعض أطرافه عن الابتلاء ( واما على مسلك ) الاقتضاء فقد يقال بقيام ملاقيه مقامه في وجوب الاجتناب نظرا إلى معارضة الأصل الجاري فيه مع الأصل الجاري في الطرف بعد عدم جريانه في المفقود والخارج عن الابتلاء ( وفيه ان ) عدم جريان الأصل في التالف أو الخارج عن الابتلاء انما هو بالنسبة إلى اثره الخارج عن مورد ابتلاء المكلف فعلا من نحو حرمة ارتكابه ووجوب الاجتناب عنه ، واما بالنسبة إلى اثره المبتلى به فعلا كنجاسة ملاقيه فلا باس بجريان الأصل فيهما بلحاظ هذا الأثر ، ولذا ترى بنائهم على اجراء أصالة الطهارة في الماء التالف فعلا عند الابتلاء بأثره من نحو صحة الوضوء به وطهارة البدن والثوب المغسول به بلا التفات منهم إلى الأصول الجارية في نفس الأمور المزبورة ( وعليه نقول ) انه بعد أن كان نجاسة الملاقي بالكسر ووجوب الاجتناب عنه من آثار نجاسة الملاقي بالفتح ، تجرى فيه أصالة الطهارة بلحاظ هذا الأثر ولو في ظرف تلفه وخروجه بنفسه عن الابتلاء ، فتعارض أصالة الطهارة الجارية في المشتبه الاخر وبعد سقوطهما تصل النوبة إلى الأصل

٣٦٤

الجاري في المسبب وهو الملاقي بالكسر ، فتجري فيه أصالة الطهارة لسقوط معارضها في المرتبة السابقة بالمعارضة مع الأصل الجاري في الملاقى بالفتح كما في في صورة عدم فقده ( واما توهم ) ان المجعول في الملاقي بالكسر لا يكون الا طهارة واحدة لا طهارتان لامتناع جعل طهارتين لشئ واحد ومع سقوطها بالمعارضة مع الأصل في الطرف لا يبقى مجال لجريانها ثانيا في الملاقي ( فمدفوع ) بان الممتنع انما هو جعل طهارتين لشئ في عرض واحد واما جعل الطهارتين الطوليتين إحداهما من حيث نفسه والأخرى من حيث سببه بنحو لا يكاد اجتماعهما في مرتبة واحدة بل وزمان واحد ، فلا برهان يقتضى امتناعه ، والا اقتضى المنع عن جريان أصالة الطهارة فيه حتى في ظرف بقاء الملاقى بالفتح ، مع أنه لا يلتزم به المتوهم المزبور أيضا ( ومع الغض ) عن ذلك ، نقول انه بعد أن كان لهذه الطهارة الواحدة المجعولة طريقان أحدهما في مرحلة الدلالة والحجية في طول الاخر بحيث لا تصل النوبة إلى الثاني الا بعد سقوط الأول عن الحجية ولو بالتعارض ، فلا مانع عن الاخذ بالأصل الجاري في الملاقي بعد سقوط الأصل في الطرف بمعارضته مع الأصل الجاري في الملاقى ، لان ذلك هي نتيجة جعل الطريقين الطوليين ، والا لا يجرى الأصل فيه حتى في ظرف وجود الملاقى بالفتح كما هو ظاهر وحينئذ فلا محيص من التفصيل في وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر عند فقد الملاقى قبل العلم بين المسلكين في العلم الاجمالي ، ولعل اطلاق كلام الشيخ قده بقيام الملاقي بالكسر مقام الملاقى بالفتح عند فقده مبنى على القول بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية كما هو مختاره قده ، والا فعلى القول بالاقتضاء لا وجه لدعوى قيامه مقام التالف ومعارضة الأصل الجاري فيه مع الأصل الجاري في الطرف ، بل اللازم على هذا المسلك هو عدم التفصيل في جريان أصالة الطهارة في المسبب وهو الملاقي بين صورة وجود الملاقى بالفتح وبين صورة فقده أو خروجه عن الابتلاء ( نعم ) انما يتجه التفصيل المزبور بين صورة وجود الملاقى وفقده فيما إذا كان الأصل من الأصول غير التنزيلية ، كاصالة الحلية على وجه ، فإنه بعد عدم جريانها في التالف بعدم صلاحية التالف لجعل الحلية الظاهرية فيه ، ينتهي الامر مع فقده في أصالة الحلية في الملاقي ، فتعارض الأصل الجاري في الطرف ، وبعد تساقطهما يؤثر العلم الاجمالي بينهما اثره ( ثم لا يخفى ) ان ما ذكرنا من وجوب

٣٦٥

الاجتناب عن ملاقي المفقود على العلية ، انما هو في صورة عدم علمه بعود المفقود بعد ذلك وصيرورته مورد ابتلاء المكلف ، والا ففي فرض عوده في زمان يمكن فيه الامتثال لا يجب الاجتناب عن الملاقي من جهة سقوط علمه حينئذ عن التأثير بسبقه بعلم اجمالي آخر وهو العلم بتكليف غير محدود في الطرف أو بتكليف محدود في الملاقى بالفتح ، فإنه بتأثير هذا العلم في التنجيز يخرج العلم بين الملاقي والطرف عن صلاحية المنجزية ، فيرجع الشك بالنسبة إلى الملاقي بدويا تجري فيه أصالة الطهارة كما هو ظاهر ( الثاني ) إذا كان لاحد طرفي العلم الاجمالي اثر واحد وللآخر اثران ولكنه يشك في أن الاثرين عرضيان أو طوليان كما في نجاسة الملاقى والملاقي بناء على الشك في أن نجاسة الملاقي من باب السراية بمعنى الانبساط أو من باب السراية بمعنى الاكتساب أو التعبد ، وكما في ضمان المنافع مع الشك في كونه في عرض ضمان العين بلحاظ ان اليد على العين يد على العين والمنفعة ، أو في طول ضمان العين ( فنقول ) ان الصور المتصورة في ذلك ثلاثة ، فإنه تارة يكون الدوران بين العرضية والطولية في كل واحد من الاثرين « وأخرى » يكون احتمال العرضية والطولية في خصوص أحد الاثرين ، واما الاخر فلا يحتمل فيه ذلك ، بل امره يدور بين ان يكون في عرض ذلك الأثر أو في رتبة سابقة عليه ، كما في نجاسة الملاقي والملاقى ، وكما في ضمان المنافع في الأعيان المغصوبة « وثالثة » لا يحتمل العرضية في شيء من الاثرين ، بل الدوران بينهما كان في الطولية خاصة لاحتمال السببية والمسببية في كل منهما كما يفرض ذلك في الملاقي والملاقى بناء على السراية بمعنى السببية فيما لو اشتبه الملاقي بالملاقى ولم يدر أيهما هو الملاقى ( فهذه ) هي الصور المتصورة في المقام ( واما حكمها ) ففي جميع الصور المزبورة على كل واحد من مسلكي العلية والاقتضاء في العلم الاجمالي هو الاحتياط ، وذلك ( واما على مسلك ) الاقتضاء فظاهر ، لان جريان الأصل النافي على هذا المسلك في بعض الأطراف انما هو بمناط السببية والمسببية الموجبة لحكومة أحد الأصلين على الاخر ، ومن الواضح ان ذلك انما يكون في فرض العلم بوجود الحاكم واحرازه بعينه المتوقف على العلم بالطولية بين الاثرين أيضا ، والا فلا يكفي مجرد احتمال وجود الحاكم واقعا في رفع اليد عن أصل المحكوم ، وحينئذ فعند الشك وعدم احراز الحاكم بعينه لابد من الاحتياط للشك في أصل وجود الحاكم ، في

٣٦٦

الصورة الأولى ، والثانية ، وفي تعيينه في الصورة الثالثة ( واما على مسلك ) علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية فلما عرفت غير مرة من أن جواز الرجوع إلى الأصل النافي ولو في بعض الأطراف انما يكون بانحلال العلم الاجمالي بقيام ما يوجب انحلاله أو بدلية بعض الأطراف تعيينا عن الواقع ، ومن الواضح انه لابد في ذلك من العلم بالانحلال وجعل البدل ووصولهما إلى المكلف ، والا فلا يكفي مجرد احتمالهما في رفع اليد عما يقتضيه العلم الاجمالي من لزوم الاحتياط كما هو ظاهر ( وكيف كان ) فهذا كله في الشبهة الموضوعية التحريمية ( واما الشبهة ) الحكمية فيعلم حكمهما مما ذكرنا في الشبهة الموضوعية ، حيث يجرى فيها جميع ما ذكرناه من منجزية العلم الاجمالي وعليته لوجوب الموافقة القطعية حرفا بحرف فلا يحتاج إلى إعادة البحث فيها ( هذا كله ) إذا كان الحرام المشتبه مرددا بين المتبائنين ( واما ) إذا كان مرددا بين الأقل والأكثر فسيتضح حكمه انشاء الله تعالى في طي الشبهة الوجوبية

المبحث الثاني في الشبهة الوجوبية

وفيها مقامان ( الأول ) فيما إذا كان الواجب مرددا بين أمرين متباينين كما لو تردد الامر بين وجوب الظهر والجمعة في يوم الجمعة ، وبين القصر والاتمام في رأس أربعة فراسخ ، ونحو ذلك ( والأقوى ) فيها وجوب الاحتياط بالموافقة القطعية ، لعين ما تقدم في الشبهة التحريمية من منجزية العلم الاجمالي وعليته بحكم العقل لحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية على وجه يمنع عن مجيء الترخيص الظاهري على خلاف التكليف المعلوم بالاجمال ولو في بعض الأطراف ، الا إذا كان هناك ما يوجب انحلال العلم الاجمالي أو بدلية بعض الأطراف عن الواقع من أصل موضوعي أو حكمي مثبت للتكليف في بعض الأطراف ، من غير فرق في ذلك كله بين كون الشبهة موضوعية ، أو حكمية ، ولا في الثاني بين كون منشأ الاشتباه هو فقد نص المعتبر ، أو اجماله ، أو تعارض النصين ( نعم ، في فرض تعارض النصين يكون الحكم هو التخيير في الاخذ بأحد الخبرين ، للنصوص الامرة في التخيير في الاخذ بأحدهما فيخرج مثل هذه الصورة عما هو معقد البحث في العلم الاجمالي ( نعم ، يدخل في المقصد تعارض الآيتين والاجماعين المنقولين

٣٦٧

بناء على عدم الحاقهما بالخبرين المتعارضين في الحكم المزبور كما هو التحقيق أيضا ، فيرجع فيهما بعد التساقط إلى قواعد العلم الاجمالي ( ثم انه قد يتمسك ) بالاستصحاب لوجوب الاتيان بالمحتمل الاخر عند الاتيان بأحد المحتملين ، اما مطلقا ، أو في مورد لم يكن هناك قاعدة اشتغال ، كما لو حدث العلم الاجمالي بوجوب أحد الامرين بعد الاتيان بأحدهما ، وذلك تارة باجرائه في الموضوع باستصحاب عدم الاتيان بما هو الواجب المعلوم في البين ، وأخرى في الحكم باستصحاب بقاء وجوب ما وجب سابقا وعدم سقوطه بفعل أحدهما ، نظرا إلى تمامية أركانه فيهما من اليقين السابق والشك اللاحق ( ولكن فيه ما لا يخفى ) اما الأول ، فهو وان تم فيه أركان الاستصحاب لتعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين السابق وهو العنوان الاجمالي المعبر عنه بأحد الامرين ، الا ان الاشكال فيه انما هو من جهة عدم تعلق اليقين والشك بعنوان ذي اثر شرعي ، فان العنوان الذي تعلق به اليقين والشك وهو العنوان الاجمالي لا يكون بهذا العنوان مما له الأثر الشرعي حتى يصح التعبد ببقائه ، وماله الأثر الشرعي انما هي العناوين التفصيلية كعنوان صلاة الظهر والجمعة والقصر والاتمام ، ومثل هذه العناوين مما اختل فيه أحد ركني الاستصحاب من اليقين السابق أو الشك اللاحق ( وبهذه الجهة ) نقول أيضا بعدم جريان الاستصحاب في الفرد المردد ، ولا في المفهوم المجمل المردد بين الأقل والأكثر كعنوان الرضاع المحرم ( لان ) ما هو مشكوك البقاء لا اثر له وما له الأثر وهو العنوان التفصيلي مردد بين ما هو متيقن الارتفاع وما هو متيقن البقاء « فعلى كل حال » لا يجرى الاستصحاب ، اما لفقد الأثر ، واما لاختلال أحد ركني الاستصحاب وهو الشك في البقاء ( ولا يقاس ) المقام بباب استصحاب الكلى والقدر المشترك بين الفردين كاستصحاب الحدث المردد بين الأكبر والأصغر ، للفرق الواضح بين المقام وما هناك ، حيث إن الكلى بنفسه موضوع للأثر الشرعي فيجري فيه الاستصحاب ـ بخلاف المقام ـ فإنه ليس لذلك العنوان المعلوم بالاجمال وهي الصلاة المرددة بين القصر والاتمام أو الظهر والجمعة اثر شرعي بهذا العنوان حتى يصح التعبد ببقائه بلحاظه وهو واضح ( نعم لو اغمض عما ذكرنا ) وقلنا بكفاية مرأتية عنوان المشكوك بقائه لما له الأثر الشرعي في صحة التعبد ببقائه ـ لا يرد عليه ما عن بعض الاعلام من الاشكال باستلزامه التعبد بما هو معلوم

٣٦٨

البقاء وما هو معلوم العدم ـ من جهة ان معنى استصحاب الفرد المردد انما هو التعبد ببقاء الفرد الحادث على ما هو عليه من الترديد وهو يقتضي الحكم ببقاء الحادث على كل تقدير سواء كان هو الفرد الباقي أو الزائل ـ وهو ينافي العلم بارتفاع الحادث على تقدير وبقائه على تقدير آخر ( حيث إن الاشكال ) المزبور مبني على سراية اليقين والشك من متعلقه الذي هو العنوان الاجمالي إلى العناوين التفصيلية ـ والا فبناء على وقوفهما على نفس العنوان الاجمالي كما هو التحقيق بشهادة اجتماع اليقين الاجمالي بالشيء مع الشك التفصيلي بالنسبة إلى خصوصيات الأطراف ـ فلا يقتضي استصحاب الفرد المردد أيضا الا التعبد ببقاء ما هو المعلوم سابقا من دون تعديه إلى العناوين التفصيلية ( كيف ) وان التعبد الاستصحابي انما هو تابع شكه وبعد عدم تعدي الشك عن مورده الذي هو متعلق اليقين الاجمالي إلى العناوين التفصيلية لا يكاد يتعدى التعبد بالبقاء أيضا عن مورد شكه ـ كي يقتضى ابقاء كل واحد من الطرفين المعلوم تفصيلا بقاء أحدهما وارتفاع الاخر وحينئذ فالعمدة في الاشكال على الاستصحاب المزبور هو ما ذكرناه ـ فتدبر ( هذا كله ) في استصحاب الموضوع ( واما استصحاب ) الحكم والتكليف المعلوم وجوده في البين ( فان ) أريد به استصحاب شخص التكليف المعلوم بالاجمال بما هو مردد بين الوجوب المتعلق بالظهر أو الجمعة ( يتوجه عليه ) الاشكال المتقدم من عدم كون المستصحب بهذا العنوان الاجمالي اثرا شرعيا كي يجري فيه الاستصحاب ( وان أريد ) به استصحاب الكلى والقدر المشترك بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع ـ ( فله ) وجه بناء ـ على أن نتيجة استصحاب الحكم والتكليف عبارة عن جعل المماثل ـ حيث إنه بعد عدم امكان جعل الجامع الا في ضمن الفصل والخصوصية أمكن اثبات خصوص وجوب الفرد الباقي بالاستصحاب المزبور ـ لأنها حينئذ تكون من اللوازم العقلية لمطلق وجود الكلى والجامع ولو ظاهرا ـ لا انها من لوازم خصوص الواقع كي يرد عليه اشكال المثبتية ـ وبعد عدم امكان كون فصله هي الخصوصية المرتفعة فبالاستصحاب المزبور بتعين خصوص وجوب الباقي ـ وبذلك لا يبقى مجال لجريان قاعدة الاشتغال من جهة ورود الاستصحاب عليها لكونه بيانا ورافعا لموضوعها كما في استصحاب شخص التكليف في موردها وهو ظاهر ( نعم ) بناء على المختار من كون نتيجة الاستصحاب سواء في الحكم أو الموضوع عبارة عن مجرد الامر بالمعاملة مع المشكوك

٣٦٩

معاملة المتيقن في لزوم الجري العملي على وفقه بلا جعل حكم في البين « يتوجه عليه » اشكال المثبت على تقدير إرادة اثبات وجوب الفرد الباقي ، كما أنه على تقدير عدم اثبات ذلك يتوجه عليه محذور لغوية الاستصحاب المزبور « لوضوح » انه انما يجري استصحاب الجامع في صورة الجزم بترتب الأثر العملي عليه ، وهذا انما يكون في ظرف اليقين بان المورد مورد عمله وامتثاله واحراز انه مصداق للجامع ، والا فمع الشك فيه كما في المقام لم يحرز لهذا الجعل اثر عملي فلا يجري الاستصحاب كي يقتضى وجوب الاتيان بالمحتمل الاخر ، وان لم يكن في البين قاعدة اشتغال أيضا كما هو ظاهر.

« وينبغي التنبيه على أمور » الأول ( قد يقال ) بعدم وجوب الاحتياط في موارد الشبهة الموضوعية في الشرائط والموانع كالقبلة والساتر وما يصح السجود عليه ـ بدعوى سقوط الشرطية عند الاشتباه وحكي عن الحلي قده الحكم بوجوب الصلاة عاريا عند اشتباه الساتر الطاهر بالنجس لسقوط وجوب الستر حينئذ ـ ولم يعلم وجه لسقوط الشرطية بمجرد الجهل بالموضوع وتردده بين أمور محصورة ـ الا إذا استفيد من دليل الشرطية اختصاصها بصورة العلم بموضوعها تفصيلا ـ والا فعلى فرض اطلاق أدلتها ـ لا محيص بمقتضى العلم الاجمالي من الاحتياط وتكرار الصلاة ( نعم ) في فرض اشتباه الساتر الطاهر بالنجس ـ أمكن دعوى سقوط الشرطية حينئذ لأهمية حيث مانعية النجاسة من شرطية الساتر في الصلاة ـ كما هو ذلك في فرض انحصار الساتر بالنجس ـ حيث إنه أفتى جماعة ـ بل قيل إنه المشهور بوجوب الصلاة عاريا ـ فيقال حينئذ ان لزوم ترك لبسهما في الصلاة بمقتضى العلم الاجمالي مستتبع لعدم القدرة على الساتر وهو موجب لسقوط شرطيته عند الاشتباه بالنجس ( ولعله ) إلى ذلك أيضا نظر الحلي قده في مصيره إلى الغاء شرطية الستر ووجوب الصلاة عاريا ـ لا انه من جهة استفادة اختصاص الشرطية من دليل الشرط بصورة العلم التفصيلي بطهارة الثوب ( ولكن ) مثل هذا الكلام انما يتم في صورة ضيق الوقت بحيث لا يفي الا لصلاة واحدة ـ واما مع سعة الوقت والتمكن من تكرار الصلاة فيهما ـ فلا مجال لهذه المزاحمة ـ بعد امكان حفظ كل من شرطية الستر ومانعية النجاسة بتكرار الصلاة فيهما ـ اللهم الا ان يكون نظر الحلي قده في حكمه بوجوب الصلاة

٣٧٠

عاريا إلى تقديم اعتبار الامتثال التفصيلي في العبادة على شرطية الستر ـ كما يكشف عنه حكمه بعدم جواز الاكتفاء بالاحتياط إذا توقف على تكرار العبادة حتى مع عدم التمكن من الامتثال التفصيلي ( ولكن ) سيجيء ما فيه انشاء الله تعالى.

( الثاني ) إذا كان المعلوم بالاجمال من العبادات ، فهل يكفي في صحتها مجرد الاتيان بها بداعي احتمال الامر والمطلوبية كما في الشبهات البدوية المحضة ، أو لا يكتفي بذلك ، بل لابد من قصد امتثال الامر المعلوم بالاجمالي على كل تقدير المتوقف على أن يكون المكلف حال الاتيان بأحد المحتملين قاصدا للاتيان بالمحتمل الآخر أيضا ( فيه وجهان ) مبنيان على المسلكين في مبحث قصد القربة من البراءة والاشتغال في نحو هذه القيود غير المأخوذة في متعلق الامر « فعلى القول بالبرائة هناك كما هو المختار » يجوز الاكتفاء في المقام بداعي احتمال الامر في الخروج عن العهدة كما في موارد الشبهات البدوية ولا يعتبر في صحة الماتى به ان يكون حال الاتيان به قاصدا للاتيان بالمحتمل الاخر بل يصح ذلك ويحصل الامتثال به على على تقدير تعلق الامر به واقعا ولو كان قاصدا لعدم الاتيان بالمحتمل الآخر ( واما على القول ) بالاشتغال فلابد في صحة المأتي به والخروج عن عهدة الامتثال من قصد امتثال الامر المعلوم بالاجمال على كل تقدير ولا يجوز الاكتفاء بقصد احتمال تعلق الامر به ( ومن العجب ) ان بعض الاعلام قده مع التزامه باعتبار الامتثال الجزمي في العبادة مهما أمكن في حسن الطاعة وتحقق الامتثال وبنائه على الاشتغال في نحو هذه القيود عند الشك في اعتبارها ، التزم في المقام بجواز الاكتفاء بداعي احتمال تعلق الامر بالمأتي به ، نظرا إلى تخيل كون الامتثال احتماليا على كل تقدير ( حيث ) أورد على الشيخ قده القائل بلزوم قصد امتثال الامر المعلوم بالاجمال على كل تقدير في حسن الطاعة والامتثال وعدم جواز الاكتفاء بمجرد قصد احتمال الامر ( بان ) مجرد العلم بتعلق الامر بأحد المحتملين لا يوجب فرقا في كيفية النية في الشبهات بين البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالي ، فان الطاعة والامتثال على كل حال لا تكون الا احتماليا ، لأنه لا يتمكن المكلف بأزيد من قصد امتثال الامر الاحتمالي عند الاتيان بكل من المحتملين ، فلا يتوقف تحقق الامتثال في كل منهما على قصد الامر المعلوم بالاجمال ، بل لو اتى المكلف بأحد

٣٧١

المحتملين من دون ان يكون قاصدا للاتيان بالمحتمل الاخر يحصل الامتثال ( ولا يخفى عليك ) وضوح الفرق بين ان يكون الداعي على الاتيان بالمحتمل احتمال تعلق الامر به ، وبين ان يكون الداعي على الاتيان به هو احتمال انطباق العبادة المعلومة بالاجمال المأتية بداعي امره الجزمي عليه ، فان الانبعاث على الثاني يكون انبعاثا عن الامر الجزمي وان الاحتمال مقدمة لتطبيق ما يدعوه جزما على مورده ، لا ان ما يدعوه إليه هو احتمال الامر والمطلوبية ، بخلاف الأول فإنه انبعاث عن الامر المحتمل بما هو محتمل ، وبعد الالتزام باعتبار الانبعاث الجزمي في صحة العبادة مهما أمكن لا مناص من المصير في المقام إلى لزوم قصد الامر المعلوم بالاجمال في كل من المحتملين المتوقف على كونه حال الاتيان بأحد المحتملين قاصدا للاتيان بالمحتمل الآخر ، فتدبر فيما ذكرنا فإنه دقيق وبالقبول حقيق.

( الثالث ) لو كان المعلوم بالاجمال أمرين مترتبين ، كالظهر والعصر المردد بين القصر والاتمام ، أو بين الجهات الأربع عند اشتباه القبلة ، فهل يعتبر في صحة الدخول في محتملات العصر ان يكون بعد استيفاء جميع محتملات الظهر ، أو انه لا يعتبر ذلك ، فيجوز الاتيان ببعض محتملات العصر قبل استيفاء جميع محتملات الظهر بان يأتي بكل واحد من محتملات العصر عقيب فعل كل واحد من محتملات الظهر إلى الجهة التي صلى الظهر إليها بنحو يحصل له اليقين بحصول الترتيب بينهما بعد الاتيان بمجموع محتملات المشتبهين ( فيه وجهان ) قد يقرب الأول من جهة دعوى تقدم رتبة الامتثال التفصيلي مهما أمكن على الامتثال الاجمالي ، ببيان انه كما يجب تقديم الامتثال التفصيلي مع الامكان في موارد اشتباه القبلة واشتباه الثوب الطاهر بالنجس ، فلا يجوز تكرار الصلاة كذلك في المقام ، فإنه بعد اشتراط الترتيب بين الظهرين لابد في مقام الامتثال من احراز تحقق الترتيب حال الاتيان بمحتملات العصر ، ولا يكفي مجرد العلم بتحققه بعد الاتيان بمجموع محتملات المشتبهين بعد امكان رفع الترديد من جهة شرطية الترتيب ، بان يكون شروعه في محتملات العصر بعد القطع بفراغ ذمته عن التكليف بالظهر ( ولكن فيه ) أولاً منع تقدم رتبة الامتثال التفصيلي على الامتثال الاجمالي ، بعد كون الثاني كالأول في الخروج عن العهدة ، لعدم تمامية ما أفادوه في وجه تقديم الامتثال التفصيلي كما حققناه في محله

٣٧٢

( ولو سلم ذلك ) فإنما هو إذا كان اهماله موجبا للتردد في أصل الواجب بنحو يلزم منه التكرار في العبادة ، فلا يجري في مثل المقام ـ حيث لا يلزم من اهماله تكرار زائد عما يقتضيه حيث اشتباه القبلة مثلا ـ كي يقال انه كما يجب رفع أصل الترديد مع الامكان ـ كذلك يجب تقليله مهما أمكن « وثالثا » مع الغض عن ذلك ( نقول ) ان ذلك انما ينتج إذا كان المعتبر في الصلاة هو القطع بوقوع محتمل العصرية بما انه محتمل عقيب الظهر الواقعي ( والا ) فبناء على أن المعتبر هو القطع بوقوع العصر الواقعي عقيب الظهر الواقعي ـ فلا يفرق بين الصورتين ( فان الإضافة ) القبلية كما انها مشكوكة في الصورة الثانية حال الاتيان بكل واحد من محتملات العصر ، كذلك تكون مشكوكة في الصورة الأولى ـ نظرا إلى الشك في عصرية المحتمل المأتى به ـ غير أن الفرق بينهما انه في الصورة الثانية يكون الشك في تحقق الإضافة القبلية ناشئا عن الشك في تحقق طرفي الإضافة ، وفي الصورة الأولى يكون الشك فيها ناشئا عن الشك في تحقق طرف واحد وهو عصرية المأتي به ، وهذا المقدار من الفرق غير مجد في التفرقة بينهما ( واما الجزم التقديري ) بتحقق الترتيب بينهما ـ فهو كما أنه حاصل في الصورة الأولى ـ كذلك هو حاصل في الصورة الثانية ـ فإنه على تقدير كون المأتي به عصرا واقعيا يقطع بتحقق الترتيب بينهما ـ من جهة ملازمة عصرية الماتى به واقعا لكون تلك الجهة هي القبلة الملازم لكون الماتى به أولاً إلى تلك الجهة بعنوان الظهرية واقعيا ( ولئن شئت قلت ) ان الشك في جميع المحتملات متعلق بالقبلة محضا. والا فمن حيث الترتيب لا شك فيه ولا ترديد بل هو مما يقطع بتحققه في فرض كون القبلة هي الجهة التي صلى الظهرين إليها ، لا ان هناك ترديد ان يتعلق أحدهما بالقبلة ـ والاخر بالترتيب ـ كي يقال بلزوم رفع الجهل والترديد وتقليله مع الامكان ( كيف ) ولازم تعدد الجهل انما هو بقاء أحدهما في فرض ارتفاع الاخر ـ كما في الجهل الحاصل من جهة القبلة واللباس وليس كذلك في المقام ـ فإنه لو فرض ارتفاع الجهل من جهة القبلة لا ترديد من جهة الترتيب وذلك لا من جهة لملازمة ارتفاع الترديد من جهة القبلة لارتفاعه من جهة الترتيب ، بل من جهة عدم كونه بنفسه مع قطع النظر عن الجهل بالقبلة موردا للشك والترديد ( وحينئذ ) فالتحقيق هو الوجه الثاني ـ وهو كفاية فعل بعض

٣٧٣

محتملات الظهر في صحة الشروع في محتملات العصر على نحو يحصل اليقين بحصول الترتيب بينهما بعد الاتيان بمجموع محتملات المشتبهين فتدبر ( هذا كله ) فيما كان الواجب مرددا بين المتبائنين.

المقام الثاني

في الأقل والأكثر ، وهو اما استقلالي أو ارتباطي ، والفرق بينهما انما هو من جهة وحدة التكليف والغرض في ظرف وجوب الأكثر في الثاني وتعدده في الأول المستتبع لتعدد المثوبة والعقوبة عند الموافقة والمخالفة ، ولتحقق الإطاعة بمجرد الاتيان بالأقل ولو لم يكن في ضمن الأكثر ، بخلاف الارتباطي ، فان امتثال الأقل على فرض وجوب الأكثر منوط بكونه في ضمن الأكثر ( ثم انه لا اشكال ) في جريان البراءة عن الأكثر في الأول ، لانحلال العلم الاجمالي فيه حقيقة حسب انحلال الخطاب إلى خطابات متعددة مستقلة إلى علم تفصيلي بالتكليف بالأقل وشك بدوي في التكليف بالأكثر ، فتجري فيه البراءة عقليها ونقليها ، سواء فيه بين كون الشبهة وجوبية أو تحريمية ، وسواء فيه بين كون منشأ الاشتباه هي الأمور الخارجية وبين كونه فقدان النص ، أو اجماله ، أو تعارض النصين نعم فيه يكون الحكم هو التخيير بمقتضى النصوص الخاصة.

( وانما الكلام والاشكال ) في جريانها في الأقل والأكثر الارتباطي « وقبل » الخوض في البحث ينبغي تقديم أمور ( الأول ) ان محل الكلام في المقام ، انما هو إذا كان الأقل بنفس ذاته وحصته المعينة سوى حد الأقلية محفوظا في ضمن الأكثر ، مع كونه من جهة الزيادة مأخوذا على نحو لا بشرط « واما » إذا لم يكن الأقل محفوظا بذاته في ضمن الأكثر ، أو كان مأخوذا من جهة الزيادة على نحو بشرط لا ( فهو خارج ) عن مركز هذا النزاع ، وبذلك يخرج ما كان الدوران فيه بين الطبيعي والحصة كالانسان بالنسبة إلى زيد عن موضوع الأقل والأكثر ، لان الطبيعي باعتبار قابليته للانطباق على حصة أخرى منه المبائنة مع زيد لا تكون محفوظا بمعناه الاطلاقي في ضمن الأكثر ، فيدخل في التعيين والتخيير الراجع إلى المتبائنين ( كما أنه ) يخرج

٣٧٤

باب الدوران بين القصر والاتمام عن موضوع هذا البحث ، فإنه باعتبار اخذ الأقل فيه بشرط لا عن الزيادة داخل في عنوان المتبائنين لتبائن الأقل المحدود بكونه بشرط لا مع الأكثر ( الثاني ) الظاهر هو رجوع هذا النزاع في المقام بين الاعلام إلى بحث صغروي في أن المورد من موارد الشك في التكليف الجاري فيه البراءة ، أو الشك في المكلف به الجاري فيه الاحتياط ، حيث إن هم القائل بالبرائة فيه انما هو اثبات اندراجه في صغري الشك في التكليف ، كما أن هم القائل بالاشتغال اثبات كونه من صغريات الشك في المكلف به الجاري فيه الاحتياط ، لا ان النزاع بينهم كان في أصل الكبرى حتى مع تسليم اندراج المقام في الشك في التكليف أو المكلف به ( كيف ) وهو مع بعده في نفسه ، تنافيه قضية استدلالاتهم في المقام بارجاع الشك في الأكثر إلى الشك في التكليف كما عن القائل بالبرائة ، والى الشك في المكلف به والخروج عن عهدة التكليف كما عن القائل بالاشتغال ( الثالث ) الظاهر أنه لا اختصاص لهذا النزاع بخصوص المركبات ، بل يجري في البسائط أيضا إذا كانت ذات مراتب متفاوتة ( حيث ) ان الامر البسيط باعتبار مراتبه يدخل في عنوان الأقل والأكثر فيجري فيه النزاع ( ولذلك ) قلنا في مبحث الصحيح والأعم انه لا يبتنى النزاع في الصلاة من جهة الوضع للصحيح أو الأعم ، وكذا في مرجعية البراءة ، أو الاشتغال عند الشك في دخل شيء فيها بنحو الشطرية أو الشرطية على خصوص القول بالتركب فيها ، بل يجري فيها كلا النزاعين ولو على البساطة أيضا إذا فرض كونها ذات مراتب مختلفة حاصل كل مرتبة منها من قبل جزء أو شرط ( لان ) مرجع الشك في مدخلية شيء بنحو الجزئية أو الشرطية إلى الشك في التكليف بالنسبة إلى تلك المرتبة المتحققة من قبل المشكوك فيه على تقدير دخله ، فيرجع إلى الأقل والأكثر ( نعم ) انما لا يجري هذا النزاع إذا كان البسيط أمرا وحدانيا غير مختلف المراتب ، كما أنه عليه لا يجري النزاع المعروف هناك من حيث الوضع للصحيح أو الأعم ، لدورانه حينئذ بين الوجود والعدم ، فلا يتصور له وجود يتصف بالصحة تارة ، وبالفساد أخرى حتى يجري فيه النزاع من حيث الوضع للصحيح أو الأعم كما هو ظاهر.

« وبعد ما عرفت ذلك » ( نقول ) ان للأقل والأكثر اقسام كثيرة

٣٧٥

( فان ) الترديد بين الأقل والأكثر ، اما ان يكون في نفس المأمور به أعني فعل المكلف وتركه المطالب به أو لمتعلقه فيما كان لمعروض التكليف تعلق بموضوع خارجي ، واما ان يكون في الأسباب والمحصلات الشرعية أو العقلية والعادية ( وعلى التقديرين ) تارة يكون الأقل والأكثر من قبيل الجزء والكل ( وأخرى ) يكون من قبيل الشرط والمشروط ، ( وثالثة ) يكون من قبيل الجنس والنوع ، ثم ما كان من قبيل الشرط والمشروط ، ( تارة ) يكون منشأ انتزاع الشرطية أمرا خارجا عن المشروط مغايرا معه في الوجود خارجا كالطهارة والستر بالنسبة إلى الصلاة ( وأخرى ) يكون متحدا مع المشروط وقائما به نظير قيام العرض بمعروضه كما في جميع المحمولات بالضميمة ( وعلى التقادير ) تارة تكون الشبهة وجوبية ( وأخرى ) تحريمية ومنشأ الاشتباه ، اما ان يكون هو فقد النص المعتبر واما اجماله ـ أو تعارضه ، ورابعة الأمور الخارجية ( ولنقدم الكلام ) في القسم الأول من الصورة الأولى وهو ما يكون الترديد بين الأقل والأكثر في اجزاء المركب المأمور به كالشك في جزئية السورة أو جلسة الاستراحة للصلاة ( فنقول ) انه اختلف فيه كلماتهم على أقوال ثلاثة ( أحدها ) البراءة عقلا ونقلا ( وثانيها ) الاحتياط كذلك ( وثالثها ) الاحتياط عقلا والبرائة نقلا ( ولكن المختار ) هو القول الأول وتوضيح المرام يستدعي تقديم أمور.

( الأول ) في أن الاجزاء في المركبات هل هي مقدمة للكل والمركب بحيث كان فيها ملاك المقدمية

( وعلى فرض ) تحقق ملاك المقدمية فيها لتحقق المركب الاعتباري ، هل يمكن ان تتصف بالوجوب الغيري علاوة عن اتصافها بالوجوب النفسي ( فنقول ) الذي يظهر منهم في مبحث مقدمه الواجب من تقسيمهم المقدمة إلى الداخلية والخارجية وعدهم الاجزاء من قبيل الأول الذي يكون دخله في أصل حقيقة الشيء وماهيته هو القول بمقدمية الاجزاء للمركبات ودخولها في حريم النزاع ( وغاية ) ما قيل أو يمكن ان يقال في وجه ذلك ، هو دعوى ان الاجراء عبارة عن ذوات الاجزاء لا بشرط من حيث الانضمام إلى الأكثر والمركب عبارة عن الذوات المزبورة بشرط الاجتماع بنحو كان لوصف الاجتماع الطارئ عليها دخل في المركب نظير الهيئة الخاصة في

٣٧٦

السرير في المركب الخارجي الحاصلة من انضمام ذوات الأخشاب بعضها ببعض على هيئة مخصوصة فذوات الاجزاء حينئذ بملاحظة كونها وجودات مستقلة معروضة للهيئة الاجتماعية المقومة للكل والمركب متقدمة طبعا على الكل والمركب وبذلك تكون فيها ملاك المقدمية للمركب ، وباعتبار كونها وجودات ضمنية للمركب تكون عين الكل والمركب ( وبهذين ) الاعتبارين يقرب أيضا وجه صحة عروض الوجوب الغيري والنفسي عليها ولو مع اتحادها مع المركب في الخارج ( وذلك أيضا ) بضميمة ما مر منا مرارا من كون معروض الإرادة والكراهة وغيرهما من الصفات القائمة بالنفس هي الصور الحاكية عن الخارج بنحو لا يلتفت إلى ذهنيتها في ظرف وجودها ، مع عدم تعديها من الصور إلى الموجود الخارجي ، إذ الخارج ظرف اتصافه بها ، لا ظرف عروضها ، لان ظرف عروضها لا يكون الا الذهن ( فيقال ) حينئذ انه بعد تغاير هذين الاعتبارين في الذهن ووقوف الطلب على نفس العناوين والصور ، لا مانع من اتصاف الاجزاء بأحد الاعتبارين بالوجوب الغيري وبالاعتبار الاخر للوجوب النفسي الضمني ـ فان ـ المتصور في الذهن بهذين الاعتبارين صورتان متغايرتان غير الصادق إحداهما على الأخرى ـ نعم ـ بناء على تعلق الاحكام بالخارج اما بدوا أو بالسراية بتوسيط الصور ، يستحيل اتصاف الاجزاء بالوجوبين لكونه من اجتماع المثلين الذي هو في الاستحالة ، كاجتماع الضدين ، وفى مثله لا مجال لتوهم التأكد أيضا ـ لأنه ـ انما يصح إذا كان الحكمان في عرض واحد ومرتبة فأرده ، لا فيمثل المقام الذي كان أحد الحكمين معلولا للاخر وفي مرتبة متأخرة عنه ـ فان ـ تأخر أحد الحكمين حينئذ رتبة يمنع عن التأكد كما هو ظاهر ـ ولكن ـ أصل المبنى فاسد جدا ، لما عرفت مرارا من أن معروض الاحكام انما هي العناوين والصور ، وعليه يتجه اتصافها بالوجوب الغيري والنفسي ، هذا ( ولكن لا يخفى عليك ) فساد القول بمقدمية الاجزاء فان مناط مقدمية شيء لشئ ليس الا كونه مما يتوقف عليه وجود الشيء وفي رتبة سابقة عليه بنحو يتخلل بينهما الفاء في قولك وجد فوجد على ما هو الشأن في كل علة باجزائها بالنسبة إلى المعلول ـ ومن الواضح ـ استتباع ذلك للمغايرة والا ثنينية بين المقدمة وذيها في الوجود علاوة عن اختلافهما مرتبة ، والا فبدونه لا يكاد يصح انتزاع هذا العنوان عن

٣٧٧

الشئ وبعد ذلك ، نقول انه من الواضح عدم تحقق هذا المناط بالنسبة إلى اجزاء المركب ، فإنها باعتبار كونها عين المركب بحسب الهوية والوجود لا يكاد يتصور فيها ملاك المقدمية ، ولو على القول بان المركب عبارة عن الاجزاء مع وصف الاجتماع ، لان لازم ذلك هو دخول الاجزاء في المركب وعينية وجودها مع وجوده ، غاية الامر على نحو الضمنية ـ لا الاستقلالية ـ ولازمه انتفاء ملاك المقدمية فيها أعني استقلال كل من المقدمة وذيها في الوجود وتقدمها على ذيها رتبة ـ نعم ـ لازم ذلك هو تقدم بعض اجزاء المركب على البعض الاخر وهو الجزء الصوري أعني وصف الاجتماع ، نظير تقدم ذوات أخشاب السرير على الهيئة السريرية العارضة عليها ـ وذلك غير مرتبط بمقدمية الاجزاء للمركب ـ لان المركب حينئذ عبارة عن الاجزاء الخارجية مع الجزء الصوري ـ لا انه عبارة عن خصوص الجزء الصوري والهيئة الاجتماعية ـ والا يلزم خروج الاجزاء عن كونها مقدمات داخلية ـ لاندراجها حينئذ في المقدمات الخارجية ، نظير الطهارة والستر والقبلة بالنسبة إلى الصلاة ـ وهو خلف ـ على أنه ـ من الواضح انه ليس مناط تركب الواجب بما هو واجب وارتباطه على مثل هذه الوحدة الناشئة عن اجتماع أمور متكثرة تحت هيئة واحدة خارجية ، بل المناط كله في تركب الواجب وارتباط بعض اجزائه بالآخر واستقلاله ، انما هو بوحدة الغرض والتكليف المتعلق بأمور متكثرة وتعددهما ( فإنه ) بقيام تكليف واحد بأمور متكثرة تبعا لوحدة الغرض القائم بها ، ينتزع منها في مرتبة متأخرة عن تعلق الوجوب بها عنوان التركب والارتباط للواجب وعنوان الكلية للمجموع والجزئية لكل واحد منها ولو لم تكن تحت هيئة واحدة خارجية أو غيرها من زمان أو مكان ونحو ذلك ، كما في اطعام ستين مسكينا في الكفارة ( كما أنه ) بتعلق تكاليف متعددة مستقلة وأغراض كذلك بكل واحد منها ، ينتزع منها استقلال كل واحد منها في عالم الواجبية ، فيكون كل واحد واجبا مستقلا ناشئا عن غرض مستقل له امتثال وعصيان مستقل في قبال الاخر ولو مع فرض كونها في الخارج تحت هيئة مخصوصة خارجية كهيئة السير مثلا ، غاية الامر اعتبار كونها تحت هيئة خاصة أوجب تلازم امتثالها خارجا ( ولكن ) مجرد ذلك لا يوجب خروجها عن كونها واجبات مستقلة غير مرتبط أحدها

٣٧٨

بالآخر في عالم واجبيته حتى في فرض دخل الهيئة المخصوصة على نحو الشرطية في تعلق الوجوب بكل واحد منها ، فضلا عن فرض عدم دخلها ( وبمثل هذا البيان ) نفرق بين العام المجموعي والافرادي أيضا ، حيث نقول ان العمدة في الفرق بينهما انما هو من جهة وحدة الحكم المتعلق بالافراد لبا وتعدده على نحو ينحل الحكم الواحد انشاء إلى احكام عديدة مستقلة حسب تعدد الافراد ـ ويكون لكل إطاعة مستقلة وعصيان مستقل ـ لا ان الفرق بينهما من جهة خصوصية في المدخول توجب اختلافا في نحوي العموم كما توهم ، وحينئذ فإذا لم يكن مدار تركب الواجب بما هو واجب واستقلاله الا على وحدة التكليف المتعلق بالمتكثرات الخارجية وتعدده تبعا لوحدة الغرض القائم بها وتعدده ( نقول ) من الواضح انه لابد من تجريد متعلق الوجوب في عالم عروضه عن الارتباط الناشئ من قبل وحدة الوجوب أيضا لاستحالة اعتبار مثل هذا الارتباط والتركب الناشئ من قبل وحده الوجوب في معروضه ( كيف ) وان اعتبار التركب والكلية والجزئية للواجب بما هو واجب انما هو في رتبة متأخرة عن تعلق الوجوب ، وهذه الرتبة لا تكون صقع عروض الوجوب عليها وانما صقع عروضه هي المرتبة السابقة ، وفى هذه المرتبة لا يكون اعتبار الكلية والتركب للواجب كي يتعلق الوجوب بالمركب ( وحينئذ ) فلا يتصور لمتعلق الوجوب تركب وارتباط في في مرحلة عروضه ، كي يبقى مجال توهم مقدمية اجزاء الواجب ، وينتهي الامر إلى البحث عن وجوبها الغيري ، كما هو ظاهر ـ لا يقال ـ ان الممتنع انما هو اخذ الارتباط الناشئ من قبل وحدة التكليف في متعلق نفسه وكذا الارتباط الناشي من قبل اللحاظ والمصلحة في متعلقهما ـ واما اعتبار الوحدة الناشئة من قبل وحدة اللحاظ والمصلحة في متعلق الامر والتكليف ، فلا مانع عنه لامكان تعلق اللحاظ أو لا بما هو المؤثر والمتصف بالمصلحة ، وتعلق الوجوب بما هو المتصف بالملحوظية بهذا العنوان الطاري ، فيكون تركب الواجب وكليته حينئذ بهذا الاعتبار ـ فإنه يقال ـ ان ذلك وان كان ممكنا في نفسه ، ولكنه بهذا العنوان لا يكون معروضا للوجوب وانما معروضه هو ما تقوم به اللحاظ والغرض وهو لا يكون الا نفس المتكثرات الخارجية لكونها هي المؤثرة في الغرض

٣٧٩

والمصلحة ، لا العنوان الطاري عليها من قبل قيام وحدة اللحاظ أو المصلحة بها كما هو ظاهر ، وحينئذ فإذا كان انتزاع تركب الواجب بما هو واجب أو كليته ممحضا بكونه من جهة تعلق وجوب واحد بأمور متكثرة ، فلا يتصور في معروض هذا الوجوب تركب وكلية للواجب كي يصير مركز البحث في مقدمية اجزائه ووجوبها غيريا ( نعم ) لو كانت الوجودات المتكثرة في نفسها تحت هيئة واحدة خارجية كاجزاء السرير مثلا وتعلق وجوب واحد بكل واحد من الذوات مع الهيئة المخصوصة العارضة عليها ، لا بأس بدعوى مقدمية بعض الواجبات الضمنية لواجب ضمني آخر وهي الهيئة المخصوصة ( ولكن ذلك ) مع كونه غير مرتبط بمقام تركب الواجب بما هو واجب ، لا يكاد يصلح هذا المقدار مع وحدة الوجوب المتعلق بالجميع لترشح الوجوب الغيري إليها ( فإنه ) مع وجوب كل واحد من ذوات الاجزاء في الرتبة السابقة بعين وجوب الجزء الاخر يستحيل ترشح الوجوب الغيري إليها ثانيا عما هو متحد مع وجوبها ، ولا مجال في مثله للتأكد أيضا ، لان ذلك انما هو فيما كان الوجوبان في عرض واحد ( نعم ) انما يتجه ذلك فيما لو كان كل واحد من الذوات المزبورة مع الهيئة المعارضة عليها واجبا مستقلا في قبال الاخر ، فإنه مع تعدد الوجوب لا بأس بمقدمية بعض الواجبات المستقلة لواجب آخر مستقل وترشح الوجوب الغيري من ذي المقدمة إلى مقدمته ، حيث إن نتيجة ذلك بعد عرضية الوجوبين انما هو تأكد وجوبه ، ولكن أين ذلك والمقام الذي لا يكون كذلك ، فتدبر.

« الامر الثاني » لا شبهة في أن من لوازم ارتباطية الواجب ، هو ان يكون دخل كل واحد من ذوات الاجزاء في تحقق الغرض والمصلحة على نحو المؤثرية الضمنية لا الاستقلالية ، كما هو الشأن في جميع العلل المركبة بالنسبة إلى معاليلها ، حيث يكون دخل كل واحد من ذوات اجزاء العلة في تحقق المعلول بنحو المؤثرية الضمنية الراجع إلى مؤثرية كل جزء منها لسد باب عدم المعلول من قبله ( ولازمه ) بعد عدم قابلية الغرض الواحد القائم بذوات الاجزاء للتبعيض عقلا ، وان كان إناطة الغرض في مقام تحققه بتحقق جميع الاجزاء بأسرها ، الملازم لعدم اتصاف شيء من الاجزاء بالوجوب الفعلي والمؤثرية الفعلية الا في ظرف انضمام

٣٨٠