نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

رجوعه إلى انكار دخل القدرة العادية في صحة التكليف وحسنه رأسا حتى في الخطابات التحريمية ، لعدم اجداء العجز العادي حينئذ شيئا سوى كونه منشأ للانتراك الذي هو الموجب للغوية النهى واستهجانه ، فلا يكون تفصيلا في اعتبار القدرة العادية ، ان اللازم بمقتضى التقابل بين الأمر والنهي هو الالتزام بلغوية الامر أيضا في مورد لا يتمكن المكلف من الترك عادة ، فإنه مع الجزم للأبدية؟ المكلف من الايجاد عادة لولا الامر يكون احداث الداعي في حقه لغوا ، مع أنه ليس كذلك جزما ، بل اللازم بمقتضى المناط المزبور هو لغوية النهى في كل مورد يكون حصول الترك من جهة تنفر الطبع على الاقدام على الايجاد ، كما في كشف العورة بمنظر من الناس خصوصا بالنسبة إلى أرباب المروة ، والكذب بالنسبة إلى أهل الشرف ، وكذا شرب الخمر بالنسبة إلى كثير من الأشخاص ولو لم يكن في البين نهى أصلا ، حيث لا فرق في الاستهجان بمقتضى المناط المزبور بين ان يكون الترك حاصلا من جهة عدم القدرة العادية على الايجاد ، أو من جهة تنفر الطبع عنه « فلابد » من قصر النواهي الشرعي بمن لم يتنفر طبعه من ايجاد المنهي عنه بتقييد الخطاب بعدمه كتقييده بالقدرة ، مع أن ذلك مما لا يمكن الالتزام به « ودعوى » ان الترك الناشئ من تنفر الطبع راجع إلى عدم إرادة المكلف للفعل وهي مما لا دخل لها في حسن الخطاب كي يقيد بحال وجودها ، بل لا يعقل ذلك ( لان ) الخطاب انما هو لتحريك المكلف من قبله وبعث ارادته بجعله داعيا إلى المأمور به فعلا أو تركا فلا يمكن اخذها قيدا في التكليف ( مدفوعة ) بمنع رجوع التقييد به إلى التقييد بالإرادة بل تنفر الطبع بنفسه مانع عن الاقدام على الفعل وكانت الإرادة من تبعاته كتبعيتها للقدرة فلا مانع حينئذ من تقييد الخطاب بعدمه ، فيكشف ذلك عن انه لا يكون مجرد ذلك مناطا لاستهجان الخطاب ، وان المناط فيه انما هو بعد تمكن المكلف من العمل بمثابة يرى العرف كونه أجنبيا عنه وغير متمكن منه بحسب العادة ، وعليه لا فرق في الاستهجان بين كون الخطاب تحريميا أو ايجابيا ( وكيف كان ) فما ذكرنا من سقوط العلم الاجمالي عن التأثير حتى بالنسبة إلى الطرف المبتلى به انما يكون إذا كان خروج بعض الأطراف عن الابتلاء قبل العلم الاجمالي أو مقارنا له ( وأما إذا ) كان خروجه عن الابتلاء بعد العلم الاجمالي ، فلا شبهة في منجزية

٣٤١

العلم الاجمالي ووجوب الاجتناب عن الطرف المبتلى به ( وتوهم ) عدم الوجوب في هذه الصورة أيضا لانتفاء العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير عند خروج بعض الأطراف عن الابتلاء ، لاحتمال كون الظرف الخارج عن الابتلاء هو المعلوم بالاجمال ( مدفوع ) بكفاية وجود العلم الاجمالي التدريجي في وجوب الاجتناب عن الطرف المبتل به فعلا كما شرحناه في طي مبحث الانحلال فراجع ( نعم ) يبقى الكلام فيما إذا شك في أن خروج الطرف عن الابتلاء كان قبل العلم أو بعده ، فإنه قد يقال بعدم وجوب الاجتناب عن الطرف المبتلى به فعلا لعدم العلم بالتكليف الفعلي مع الشك المزبور ( ولكن ) التحقيق خلافه فإنه وان يستتبع الشك المزبور الشك في ثبوت التكليف الفعلي ، ولكنه بعد ما لم يكن ذلك لقصور في اقتضاء التكليف من المولى ، بل كان ذلك لاحتمال قصور العبد عن الامتثال مع تمامية مقتضيات التكليف فلا جرم يدخل في الشك في القدرة ويكون مصبا لقاعدة دفع الضرر المحتمل لا قبح العقاب بلا بيان كما هو ظاهر ( نعم ) لو اغمض عن ذلك لا مجال لاثبات الوجوب باستصحاب بقاء القدرة وعدم خروج الطرف عن الابتلاء إلى زمان حدوث العلم الاجمالي ، لوضوح ان الأثر المقصود وهو تنجز المعلوم بالاجمال لا يكون من الآثار الشرعية للمستصحب وانما هو من الآثار العقلية المحضة والاستصحاب المزبور لا ينتج الأثر المقصود كي يترتب عليه بحكم العقل وجوب الاجتناب عن الطرف المبتلى به ( كما لا مجال ) أيضا لاستصحاب عدم وجوب الاجتناب عن المشكوك قبل العلم الاجمالي ( إذ هو ) انما يجدى إذا كان الشك في الوجوب من جهة القصور في الكاشف أو المنكشف وهو الجعل الشرعي في مرحلة اقتضائه ، لا فيما كان الشك من جهة شرائط التنجيز الراجع إلى الشك في قابلية المحل للتنجز على كل تقدير كما هو مفرض الكلام فإنه لا ينفع الأصل المزبور من هذه الجهة ، لعدم العدم المزبور حينئذ مجعولا شرعيا ولا موضوعا لاثر مجعول حتى يجرى فيه التعبد بعدم نقض اليقين بالشك ، فتدبر.

( وبما ذكرنا يظهر ) ان الحكم كذلك في صورة الشك في خروج بعض أطراف العلم عن مورد الابتلاء من جهة الشبهة المصداقية أو الشبهة في الصدق كالشك في صدق الخروج عن الابتلاء بالنسبة إلى الخمر الموجود في البلاد المتوسطة

٣٤٢

بين القريبة والبعيدة المستتبع للشك في ثبوت التكليف المنجز بالاجتناب عنه ( فان ) الواجب حينئذ هو مراعاة العلم الاجمالي بالاحتياط ( لوجهين ) أحدهما وهو العمدة ما عرفت من رجوع الشك المزبور إلى الشك في القدرة المحكوم عقلا بوجوب الاحتياط ( فإنه ) بعد تمامية مقتضيات التكليف من طرف المولى وعدم دخل قدرة المكلف بكلا قسميها من العقلية والعادية في ملاكات الاحكام ، يستقل العقل بلزوم رعاية الملاك بالاحتياط وعدم الاعتناء باحتمال الموانع الراجعة إلى قصور العبد عن الامتثال إلى أن يتبين العجز ، ولا مجال في مثله لجريان قبح العقاب بلا بيان ، لما عرفت من أن مصب تلك القاعدة انما هو صورة احتمال القصور من ناحية تمامية اقتضاء التكليف من طرف المولى ( وقد يتوهم ) اقتضاء المناط المزبور لوجوب الاجتناب عن الطرف المبتلى به حتى في فرض الجزم بخروج بعض الأطراف عن الابتلاء نظرا إلى تخيل صدق الشك في القدرة فيه أيضا ( ولكنه ) تخيل فاسد ناش عن قلة التأمل ، ضرورة وضوح الفرق بين الفرضين ( فان ) موضوع حكم العقل بالاحتياط انما هو الشك في القدرة في مورد الملاك والمصلحة ، وهذا المعنى متحقق في فرض الشك في خروج بعض الأطراف عن الابتلاء ، حيث إن الطرف المشكوك على فرض كونه ظرفا لوجود الملاك والمصلحة يشك فيه في القدرة ( بخلاف ) الفرض السابق فإنه لا شك فيه في القدرة على مورد المصلحة ، فإنه على تقدير وجود المصلحة في الخارج عن الابتلاء يقطع فيه بعدم القدرة ، وعلى تقدير وجودها في غيره يقطع فيه بالقدرة فليس للمكلف شك في القدرة على كل تقدير ، وانما الشك في أن مورد الملاك والمصلحة اي الامرين منهما ، ومرجع ذلك إلى الشك في وجود الملاك في المقدور لا في القدرة وبين الامرين فرق واضح ( الوجه الثاني ) هو ما افاده الشيخ قدس‌سره من التمسك باطلاق أدلة المحرمات ، بتقريب ان من البين شمول اطلاق ما دل على حرمة شرب الخمر أو النجس لكلتا صورتي الابتلاء به وعدمه ، والمقيد لذلك انما هو حكم العقل باعتبار التمكن العادي من موضوع التكليف وعدم خروجه عن الابتلاء في حسن التكليف والخطاب واستهجانه بدونه وبعد اجمال مفهوم القيد وتردده بين الأقل والأكثر لابد من الاقتصار في تقييد اطلاقه على المتيقن خروجه عن الابتلاء والرجوع في الزائد إلى أصالة

٣٤٣

الاطلاق ، لما تقرر في محله من أن التخصيص والتقييد بالمجمل مفهوما المردد بين الأقل والأكثر لا يمنع عن التمسك بالعام والمطلق فيما عدى القدر المتيقن من التخصيص والتقييد خصوصا إذا كان المقيد لبيا كما في المقام ( وقد أورد عليه ) بوجوه ، الأول ان جواز الرجوع إلى العام والمطلق عند اجمال المخصص والمقيد وتردده بين الأقل والأكثر انما هو في المخصصات المنفصلة من اللفظية وما بحكمها من العقليات النظرية ( واما ) في المخصصات المتصلة اللفظية وما بحكمها من العقليات الضرورية الارتكازية ، فلا يجوز ذلك لسراية اجمالها حينئذ إلى العام والمطلق باتصالها بهما فلا ينعقد معهما ظهور للعام والمطلق في جميع ما يحتمل انطباق مفهوم المخصص والمقيد عليه حتى يجوز الاخذ بهما في المشكوك ويحكم عليه بحكم العام والمطلق ( ومن المعلوم ) ان المخصص في المقام انما يكون من قبيل الثاني ، لان حكم العقل باعتبار القدرة العادية على موضوع التكليف في صحة التكليف به واستهجان توجيه الخطاب بما لا يمكن ابتلاء المكلف به عادة انما يكون من الضروريات العقلية المرتكزة في أذهان العرف والعقلاء بحيث ينتقل إليه الذهن بمجرد صدور الخطاب ويرى صرفه بحسب الارتكاز عما لا يقدر عليه المكلف ، فإذا اشتبه حاله وتردد لاجمال مفهومه بين الأقل والأكثر فلا محالة يسرى اجماله إلى العمومات والمطلقات فتسقط عن قابلية التمسك بها ( وفيه ) منع كون حكم العقل باعتبار القدرة مطلقا على موضوع التكليف في الارتكاز بمثابة يكون كالتخصيص بالمتصل في كونه من القرائن المحفوفة بالكلام ( ولو سلم ) ذلك فإنما هو في القدرة العقلية خاصة ، لا في مثل القدرة العرفية العادية التي بدونها يستهجن البعث والزجر ، فان من الواضح انه ليس اعتبار هذه عند العقل في الوضوح بمثابة يكون من الضروريات المرتكزة في أذهان العرف والعقلاء بحيث ينتقل الذهن بدوا إلى اعتبارها عند صدور الخطاب ، بل انما هي من الأمور المحتاجة اعتبارها في صحة توجيه الخطاب إلى نحو تأمل من العقل وتدبر منه ، وعليه يكون المقيد في المقام من المقيدات المنفصلة غير الكاسرة لظهور المطلقات ، ولازمه بعد الاعتراف باجمال القيد مفهوما وتردده بين الأقل والأكثر هو الاخذ باطلاق الخطابات فيما عدى القدر المتيقن من التقييد هذا ( وأجاب عنه ) بعض الأعاظم قدس‌سره على ما في تقرير بعض تلاميذه تارة بنحو ما ذكرنا ، وأخرى

٣٤٤

بعد تسليم انه من قبيل المخصص المتصل ، بما حاصله ان المخصص المتصل على قسمين ( أحدهما ) ان يكون الخارج عن العام عنوانا واقعيا غير مختلف المراتب كعنوان الفاسق المردد مفهومه بين خصوص مرتكب الكبيرة أو الأعم منه ومن مرتكب الصغيرة ( وثانيهما ) ان يكون الخارج عن العام عنوانا ذا مراتب مختلفه كعنوان عدم الابتلاء في المقام ( فالتزم ) بقدح اجمال المخصص في الأول دون الثاني نظرا إلى أن مراتب المخصص بمنزلة مخصصات عديدة ، فيقتصر في تخصيص العام على المرتبة المتيقن خروجها ويتمسك به فيما عداها من المراتب الاخر لرجوع الشك فيها إلى الشك في ورود مخصص آخر للعام غير ما علم التخصيص به ( وفيه ) أولاً ان غاية ما يقتضيه البيان المزبور انما هو رجوع الشك في التخصيص في الزائد عن القدر المتيقن إلى الشك البدوي لانحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بالأقل والشك البدوي في غيره ، ولكنه لا يدفع غائلة لزوم اجمال العام ، فإنه يكفي فيه اتصاله بما يصلح للقرينية عليه ولو بنحو الشك البدوي كما في موارد الاستثناء المتعقب لجمل متعددة ، ولذا ترى بنائهم على الحكم بالاجمال فيما عدى الجملة الأخيرة ، لا الاخذ بالعموم نظرا منهم إلى صلاحيته للرجوع إلى الجميع ، وما يترائى منهم من التمسك بأصالة العموم والاطلاق والحقيقة عند الشك في القرنية فإنما هو فيما كان الشك في أصل وجود القرنية ، لا فيما كان الشك في قرينية الموجود المحفوف بالكلام ، وحينئذ فبعد تسليم كون المقام من قبيل المخصص المتصل فلا محالة يكفي في اجمال العام مجرد الشك البدوي في التخصيص به ، ومعه لا يفرق بين كون الخارج عن العام عنوانا واقعيا غير مختلف المراتب ، وبين كونه عنوانا ذا مراتب مختلفة فان الملاك في القدح انما هو اتصال المجمل به لا كونه ذا مرتبة واحدة ( وثانيا ) منع كون المقام من قبيل التخصيص بمختلف المراتب ، بل هو من قبيل التخصيص بعنوان غير ذي مراتب ، نظير عنوان الفاسق الخارج عن عموم اكرام العلماء الذي اعترف بسراية اجماله إلى العام عند اتصاله به ، لوضوح ان البحث في المقام انما هو في الشك في تحقق عنوان الخروج عن الابتلاء بكون موضوع التكليف في البصرة مثلا بعد القطع بان الخارج بحكم العقل هو مطلق مراتبه الصادق على أول وجوده ، فكان الشك ح في أن أول وجود الخروج عن

٣٤٥

الابتلاء يتحقق بأي مرتبة من البعد من موضوع التكليف ، لا ان الشك في أن أي مرتبة من الخروج عن الابتلاء فارغا عن صدق العنوان عليه مخصص للعام حتى يكون من قبيل التخصيص بعنوان ذي مراتب ، فيكون المقام من هذه الجهة نظير عنوان الفسق الذي يشك في حصوله بارتكاب الصغيرة ( نعم ) انما يكون المقام من قبيل التخصيص بمختلف المراتب فيما لو كان حكم العقل بخروج الخارج عن الابتلاء على نحو الاهمال ، ولكنك عرفت ما فيه وعرفت أيضا عدم اجدائه لرفع غائلة اجمال العام باتصاله بالمجمل ( الثاني ) من وجوه المنع عن التمسك بالاطلاق ما افاده المحقق الخراساني قدس‌سره في كفايته ، من أن صحة الرجوع إلى الاطلاق انما هو فيما إذا شك في التقييد بشيء بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه ، لا في الشك في تحقق ما هو معتبر جزما في صحته ( وحاصله ) بتحرير منا هو ان القدرة على موضوع التكليف بكلا قسميها من العقلية والعادية كما انها شرط في صحة الخطاب الواقعي وتشريع الحكم النفس الأمري وبدونها يقبح التكليف ويستهجن الخطاب بعثا وزجرا ، كذلك شرط في الخطاب الظاهري الدال على ايجاب التعبد بظهور الخطاب أو صدوره أيضا ، ولذا لا يصح التعبد بالظهور أو الصدور في الخارج عن الابتلاء لعدم ترتب اثر عملي حينئذ على التعبد بمثله ، وحينئذ فكما ان الخطاب الواقعي مشكوك مع الشك في القدرة على موضوع التكليف ، كذلك الخطاب الظاهري الدال على ايجاب التعبد بظهوره مشكوك أيضا ( فان ) مرجع التعبد بظهور الخطاب انما هو إلى جعله طريقا إلى الواقع مقدمة للعمل ومع الشك في القدرة على موضوع التكليف يشك في الأثر العملي فلا يقطع بحجية الخطاب حتى يجوز التمسك به لاثبات التكليف الفعلي في المورد المشكوك فيه ( فمرامه ) قدس‌سره في المنع عن التمسك بالاطلاق انما هو من جهة عدم احراز قابلية المورد اثباتا لحجية الخطاب مع الشك في القدرة التي هي شرط أيضا للحكم الظاهري ، لا انه من جهة اشتراط احراز قابلية الحكم النفس الأمري للاطلاق على وجه يعم المشكوك فيه ( وعليه لا وجه ) لرمي كلامه بالغرابة بمخالفته لما عليه ديدن الأصحاب من التمسك بالمطلقات واستكشاف الاطلاق النفس الأمري من اطلاق الكاشف ، والاشكال عليه باقتضائه لسد باب التمسك بالمطلقات والعمومات

٣٤٦

اللفظية كلية ( إذ ما ) من مورد يشك في قيدية شيء الا ويرجع الشك فيه إلى الشك في امكان تسرية الحكم النفس الأمري إلى حالة عدمه خصوصا على مذهب العدلية من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد الكائنة في متعلقاتها ، لملازمة الشك في قيدية شيء للشك في ثبوت المصلحة الموجبة للتقييد به المستلزم على تقدير ثبوتها في الواقع لامتناع الاطلاق للنفس الأمري على وجه يشمل حال عدمه ( كما لا وجه ) للاعتراض عليه بمنافاة ذلك لما بنى عليه في مبحث العام والخاص من جواز التمسك بالعموم والاطلاق فيما إذا خصص أو قيد بأمر لبى عقلي أو غيره كقوله لعن الله بني أمية قاطبة مع حكم العقل بقبح لعن المؤمن ، بدعوى ان الملاك جاز في جميع القيود العقلية وليس لعدم الابتلاء خصوصية ( لوضوح الفرق ) بين المقامين ، فان المخصص العقلي هناك بقبح لعن المؤمن يكون مقيدا لخصوص الحكم الواقعي فجاز التمسك باطلاق اللعن لاثبات عدم ايمان من شك في ايمانه من تلك الشجرة الخبيثة وتسرية الحكم النفس الأمري بالنسبة إليه ( بخلاف ) حكمه باعتبار القدرة التي هي شرط للحكم الظاهري أيضا ، فإنه مع الشك فيها يشك في الحكم الظاهري ، فلا يقطع بحجية الخطاب ، حتى يجوز التمسك باطلاقه لاثبات فعلية التكليف للمشكوك فيه هذا ( ولكن ) فيه ان ما أفيد من شرطية القدرة عقلا في الخطابات الظاهرية انما يتم على القول بالموضوعية ( واما ) على ما هو التحقيق فيها من الطريقية الراجعة إلى مجرد الامر بالبناء العملي على مطابقة الظهور للواقع بلا جعل تكليف حقيقي في البين ، فلا يلزم محذور ، فان مرجع الامر المزبور حينئذ إلى كونه منجزا للواقع في صورة المصادفة مع كونه ايجابا صوريا في فرض عدم المصادفة ( ومن ) الواضح انه مع الشك في القدرة على موضوع التكليف لا محذور في توجيه مثل هذا التكليف إلى المكلف فتأمل ولازمه بمقتضى العلم الاجمالي هو الاجتناب عن الطرف المبتلى به عقلا ( الثالث ) من وجوه المنع ما افاده المحقق الخراساني قدس‌سره في حاشيته من أن الرجوع إلى الاطلاقات انما يجوز فيما لو كان القيد من الانقسامات السابقة على الخطاب بحيث يكون من أحوال ما أطلق وأطواره ، لا فيما كان من القيود اللاحقة للخطاب كقيد الابتلاء بموضوع التكليف ، فإنه بحكم العقل والعرف يكون من شرائط تنجز الخطاب المتأخر عن

٣٤٧

أصل انشائه ويكون رتبة وجوده متأخرة عن رتبة أصل الخطاب ، فكيف يرجع إلى الاطلاقات الواردة في مقام أصل انشائه في دفع ما شك في اعتباره في تنجزه ( وفيه ) ما لا يخفى إذ نمنع كون الابتلاء بموضوع التكليف من القيود المتأخرة عن الخطاب ، بل هو كالقدرة العقلية من الانقسامات السابقة على التكليف والأوصاف العارضة على المكلف قبل التكليف من حيث كونه قادرا في نفسه على ايجاد موضوع التكليف مع قطع النظر عن تعلق التكليف به ، فأمكن حينئذ لحاظها في المرتبة السابقة على التكليف كغيرها من القيود الاخر كالاستطاعة والستر والطهارة ، فارجاع القدرة حينئذ إلى كونها من شرائط تنجيز الخطاب كالعلم به لا من شرائط نفسه مما لا نفهم له وجها ( فان ) العلم بالخطاب لكونه من شؤونه وفي رتبة متأخرة عنه غير صالح لتقييد مضمونه ، فمن ذلك لا محيص من ارجاعه إلى شرائط تنجيز الخطاب دون نفسه ، وأين ذلك من القدرة التي تصلح لتقييد نفس الخطاب في الرتبة السابقة عن تنجزه ، ولهذا ترى بناء الأصحاب طرا على الفرق بين العلم والقدرة في صلاحية القدرة لتقييد الخطاب ولو عقلا بخلاف العلم به ( نعم ) على فرض تسليم كونها من الانقسامات اللاحقة غير الموجبة لتقييد الخطاب بها لا مجال للاشكال عليه بان شرط التنجيز منحصر بالعلم وما يقوم مقامه فلا سبيل إلى دعوى كونها من الشرائط الموجبة للتنجيز ( إذ يمكن ) دفع ذلك بان المقصود من تنجيز الخطاب انما هو كونه منشئا لاستحقاق العقوبة على المخالفة ، وهذا كما أن للوصول دخل فيه كذلك للقدرة دخل فيه ، إذ لا يترتب ذلك على مجرد الوصول محضا ( ثم لا يخفى ) ان صحة التمسك بالاطلاقات انما هو فيما كان الشك في الابتلاء وعدمه من جهة الشبهة في الصدق ، واما لو كان ذلك من جهة الشبهة المصداقية فلا يجوز التمسك بها لما حققناه في محله من عدم جواز التمسك بالعمومات والمطلقات في الشبهات المصداقية حتى في المخصصات اللبية.

إزاحة شبهة قد يقال كما عن بعض انه يلحق بالخروج عن الابتلاء موردان ( أحدهما ) ماذا كان بعض أطراف العلم الاجمالي مما لا يقدر المكلف على التصرف فيه شرعا كما لو كان ملكا للغير الذي لا يرضى بالتصرف فيه ، فالتزم فيه بعدم تأثير العلم الاجمالي بنجاسته أو نجاسة الاخر الذي هو ملكه وتحت تصرفه الا إذا كان في معرض

٣٤٨

البيع والشراء وكان المكلف بصدد شرائه بدعوى ان النهى الشرعي عن التصرف في ملك الغير موجب لسلب القدرة عنه ولأجله يصير بمنزلة غير المقدور العادي في استهجان التكليف بالاجتناب عنه فيسقط العلم الاجمالي عن التأثير ، وبسقوطه يبقى الأصل النافي الجاري في الطرف الآخر بلا معارض ( وثانيهما ) ما إذا كان بعض الأطراف مما يبعد عادة اتفاق ابتلاء المكلف به كما لو علم اجمالا بنجاسة أحد الترابين أحدهما التراب الذي أعده للسجود عليه أو التيمم به ، والاخر تراب الطريق الذي يبعد عادة اتفاق ابتلائه به من السجود عليه أو التيمم به ، فالتزم فيه أيضا بعدم تأثير العلم الاجمالي ( ولا يخفي عليك ما فيه ) اما المورد الأول ، فلان مجرد المنع الشرعي عن بعض أطراف العلم بوجه خاص كالغصب ونحوه لا يقتضى خروجه عن قابلية توجيه النهى إليه بوجه اخر حتى يقتضى سقوط العلم الاجمالي عن التأثير ( فان ) المعتبر في منجزية العلم الاجمالي كما أشرنا إليه واعترف به القائل المزبور ، هو ان يكون كل من الأطراف بحيث لو علم تفصيلا كونه هو المعلوم بالاجمال لصح من المولى توجيه التكليف الفعلي بالاجتناب إليه ( ومن الواضح ) صدق هذا المعنى في المقام ، فإنه على تقدير كون النجس المعلوم بالاجمال الاناء الذي هو ملك الغير لا قصور في صحة توجيه الخطاب بالاجتناب عنه من جهة نجاسته بعد فرض قدرة المكلف عادة على التصرف فيه بغصب أو سرقة واستيلائه عليه خارجا ( والا ) لاقتضى ذلك في المورد العلم التفصيلي أيضا ، ولازمه المنع عن امكان اجتماع النواهي المتعددة في شيء واحد بجهات عديدة وملاكات مختلفة ( مع أن ) البداهة قاضية ببطلانه ، فإنه لا شبهة في أن من شرب الخمر التي هي ملك الذمي غصبا يكون عاصيا من جهتين ويعاقب عقاب الغاصب وشارب الخمر ويترتب على النهى من كل جهة اثره الخاص من وجوب الحد عليه وضمان القيمة للذمي ، وكذا فيمن زنى بجارية الغير حال طمثها فان العصيان فيه يكون من جهات ، ولا يكون ذلك الا لكونه مجمع النواهي المتعددة ، والأمثلة لذلك كثيرة لا تحصى ، ولذا ربما تجرى البراءة عن بعض تلك النواهي إذا شك فيه من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية حيث يجرى فيه حديث الرفع والحجب ، بل ودليل الحلية أيضا على اشكال فيه ، ويترتب عليه استحقاق العقوبة من الجهة المحرمة المعلومة دون الجهة المشكوكة ، وإذا كانت

٣٤٩

الجهة المعلومة في نفسها من الصغاير لا يترتب على ارتكابه اثار الفسق بعد جريان البراءة بالنسبة إلى الجهة المشكوكة ( واما المورد الثاني ) الذي أفاد الحاقه بالخارج عن الابتلاء ، ففيه ان البعد المتصور في نحو المثال ان كان بمثابة يعد المكلف عرفا أجنبيا عنه عادة فهو من مصاديق الخارج عن الابتلاء لا ملحق به ، وان لم يكن كذلك بل كان بعد اتفاق ابتلاء المكلف به من جهة بناء شخص المكلف على عدم ارتكابه واستقرار عادته على ترك السجود على تراب الطريق والتيمم به أو لكونه معرضا عنه بالطبع لمكان خسته وحقارته مع القدرة العادية عليه فلا وجه للالحاق ( كيف ) ولازمه تخصيص النواهي الشرعية بمن ينقدح في نفسه إرادة الفعل لولا النهى وهو كما ترى ، فإنه لا شبهة في صحة النهي وحسنه في الموارد التي يكون المكلف بالطبع غير مريد للفعل كما في كشف العورة بمنظر من الناس ونحوها التي يمتنع عنها الطبع البشري لولا النهي « فرع » إذا كان المكلف محدثا وكان عنده ماء وتراب وعلم بنجاسة أحدهما مع انحصار الطهور بهما ، ففي وجوب الجمع بين الوضوء والتيمم أو وجوب الوضوء فقط أو عدم وجوب شيء عليه لكونه بحكم فاقد الطهورين ، وجوه « والتحقيق » ان يقال انه ان كان التراب مورد ابتلائه أيضا من غير جهة التيمم به ، فاللازم هو الجمع بين الوضوء والتيمم للعلم الاجمالي والتمكن من تحصيل الطهارة ، بل الواجب هو تقديم التيمم على الوضوء لان في فرض العكس يعلم تفصيلا ببطلان تيممه اما من جهة نجاسة محاله أو من جهة نجاسة ما يتيمم به ( واما ) إذا لم يكن التراب مورد ابتلائه الفعلي من غير جهة التيمم به ، فالواجب هو الوضوء فقط ، لا لان أصل الطهارة الجاري في الماء يرفع الابتلاء بالتيمم كما عن بعض المعاصرين ، بل لعدم اقتضاء العلم الاجمالي حينئذ لاحداث التكليف الفعلي على كل تقدير فإنه على تقدير كون النجس هو التراب لا يحدث من قبل نجاسته تكليف بالاجتناب عنه ( لان ) فرض نجاسته ملازم لطهارة الماء المستتبع للتكليف بالطهارة المائية ، فعدم تكليفه حينئذ بالتيمم به ليس من جهة نجاسته بل هو من جهة كونه واجدا للماء الطاهر ، وحينئذ فبعد سقوط العلم الاجمالي المزبور عن التأثير يرجع الشك في نجاسة الماء إلى كونه بدويا فتجري فيه أصالة الطهارة ويترتب على جريانها وجوب الوضوء.

٣٥٠

( الامر السابع ) إذا اضطر إلى ارتكاب بعض أطراف العلم الاجمالي ، ( فتارة ) يكون الاضطرار إلى البعض المعين ( وأخرى ) إلى غير المعين ( وعلى التقديرين ) تارة يكون الاضطرار قبل العلم بالتكليف أو مقارنا لحدوثه ، ( وأخرى ) بعده بزمان يمكن فيه الامتثال ، وعلى الأول فاما أن يكون أمد الاضطرار بمقدار أمد التكليف المعلوم بالاجمال ، أو يكون أقل منه كما لو كان أمد الاضطرار من أول الصبح إلى الزوال وكان أمد التكليف من الصبح إلى الغروب وربما يتصور صور أخرى بمقايسته مع زمان تعلق التكليف من حيث السبق واللحوق ولكنه لما لم يوجب اختلافا في الحكم نقتصر على الصور المزبورة « فنقول » : أما إذا كان الاضطرار إلى المعين ، فان كان قبل العلم أو مقارنا لحدوثه وكان أمده أيضا بمقدار أمد التكليف أو أزيد ، فلا شبهة في عدم وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر ، فإنه بعد احتمال انطباق المعلوم على الطرف المضطر إليه لا علم بالتكليف الفعلي ، فيرجع الشك في الطرف الآخر بدويا والمرجع فيه هي البراءة ومثله ما إذا كان الاضطرار بعد العلم ولكنه بزمان لا يمكن فيه الامتثال ، من غير فرق في ذلك كله بين سبقه أيضا على التكليف المعلوم أو لحوقه له ، لان التنجيز انما يكون من لوازم العلم والكاشف لا المعلوم والمنكشف فإذا لم يكن العلم مؤثرا في تنجيز التكليف بالإضافة إلى زمان قبل وجوده ، فلا اثر لمجرد سبق زمان حدوث التكليف على الاضطرار كما هو ظاهر ( وأما إذا كان ) الاضطرار بعد العلم الاجمالي بزمان يمكن فيه الامتثال ، فالواجب هو الاجتناب عن الطرف غير المضطر إليه للعلم الاجمالي التدريجي بالتكليف في الطرف المضطر إليه قبل طرو الاضطرار أو في الطرف الآخر بقاء أحال طروه وهو كاف في المنجزية كما شرحناه في طي مبحث الانحلال وان شئت قلت بوجود العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين المحدود في الطرف المضطر إليه وغير المحدود في الطرف الآخر فان مقتضاه هو لزوم الاجتناب عن الطرف غير المضطر إليه ( وهكذا ) الكلام في عكس الفرض وهو ما يكون الاضطرار مقارنا للعلم الاجمالي مع كون أمده أقل من أمد التكليف ، فان الواجب فيه أيضا هو الاجتناب عن الطرف الآخر للعلم الاجمالي المزبور ، هذا كله في الاضطرار إلى المعين ( واما الاضطرار ) إلى غير المعين ففي كونه كالاضطرار

٣٥١

إلى المعين كما اختاره المحقق الخراساني ( قده ) قولان « أقواهما » العدم من غير فرق بين ان يكون الاضطرار قبل العلم أو بعده فإنه على كل تقدير لابد من مراعاة العلم الاجمالي بالاجتناب عن غير ما يدفع به الاضطرار ( لان ) غاية ما يقتضيه الاضطرار المزبور بعد رجوعه إلى الاضطرار إلى ترك الجمع بين المحتملين في الامتثال انما هو رفع الحكم الظاهري بوجوب الجمع بينهما المعبر عنه بالموافقة القطعية لا رفع أصل فعلية التكليف كما في الاضطرار إلى المعين كي يلزم سقوط العلم بالمرة عن التأثير حتى بالنسبة إلى المخالفة القطعية ، ولازمه وان كان هو الترخيص في تطبيق الاضطرار على مورد التكليف ولكنه لما لم يكن الاضطرار المزبور بنفس وجوده مزاحما للتكليف مع قطع النظر عن الجهل بموضوعه كالاضطرار إلى المعين بل كان يلائمه كمال الملائمة بشهادة لزوم صرفه إلى غير مورد التكليف في فرض تبين الحال والعلم به تفصيلا ، فلا محالة كان الواقع على فعليته ، ولازمه بقاء العلم الاجمالي على تأثيره غير أنه يرفع اليد لأجله عن لزوم الموافقة القطعية ويجمع بين هذا الترخيص الظاهري في هذه المرتبة وبين فعلية الواقع بما يجمع به بين الاحكام الواقعية والظاهرية بلا مضادة بينهما « نعم » بناء على علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية لابد من رفع اليد عن فعلية الواقع ولو بمرتبة منه ، لأنه بدونه يستحيل الترخيص في ترك الموافقة القطعية ولو بمناط الاضطرار فان حكم العقل تنجيزيا بلزوم الموافقة القطعية عند العلم بالتكليف ليس مما تناله يد الجعل وضعا ورفعا « فلو » ورد حينئذ ترخيص في ترك الموافقة القطعية ولو بعنوان الاضطرار إلى الجامع لابد وأن يكون برفع اليد عن منشأه أعني فعلية التكليف على تقدير تطبيقه على مورد التكليف « وعليه » قد يتوجه الاشكال بأنه إذا كان التكليف فعليا على تقدير دون تقدير فلا يصلح العلم به للمنجزية لان الشرط في تنجيزه ان يكون متعلقا بتكليف فعلي على كل تقدير ، ولعله إلى هذه الجهة نظر المحقق الخراساني « قده » فيما افاده في وجه الحاق الاضطرار إلى غير المعين بالمعين من دعوى مضادة الترخيص لأجل الاضطرار للتكليف الفعلي « لا إلى » كلية المضادة بين الاحكام الواقعية والظاهرية كي يجاب عنه بمنع

٣٥٢

المضادة بينهما بعد عدم تكفل اطلاق الخطابات الواقعية للمرتبة المتأخرة عن الجهل بها هذا ( ولكن ) يمكن دفع ذلك بان غاية ما يقتضيه البيان المزبور انما هو رفع اليد عن قضية اطلاق فعلية التكليف في كل محتمل بالنسبة إلى حال الاجتناب عن المحتمل الآخر وعدمه بتقييده بحال الاجتناب عن المحتمل الاخر ، لا رفع اليد عن أصل فعليته بقول مطلق كي يوجب سقوط العلم عن التأثير رأسا ، فإنه بمثل هذا التقييد يرتفع المحذور المزبور ويترتب عليه رفع الحكم بلزوم الموافقة القطعية مع بقاء العلم الاجمالي على تأثيره بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية ( ومرجع ) ذلك إلى انقلاب العلم بالتكليف المطلق إلى العلم بالتكليف الناقص الحافظ للمتعلق بمرتبة منه بالنسبة إلى المحتملين الراجع إلى الترخيص في دفع الاضطرار بكل واحد منهما مشروطا بالاجتناب عن المحتمل الاخر ، ومرجعه إلى اثبات تكليف توسطي بين نفي التكليف رأسا وبين ثبوته بقول مطلق الحافظ لمتعلقه تعيينا على كل تقدير إذ لا نعني من التوسط في التكليف الا هذا التكليف الناقص ، لا ما كان فعليا على تقدير وغير فعلي على تقدير آخر كما افاده بعض الاعلام كي يلزم صدقه في الاضطرار إلى المعين أيضا ، وبذلك أيضا يجمع بين هذا الترخيص الاضطراري وبين فعلية الواقع بلا مضادة بينهما لما عرفت من أن ما يضاد الترخيص انما هي الفعلية المطلقة لا مطلق الفعلية وبعد رفع اليد عن اطلاق فعلية الواقع بالمعنى الذي عرفت لا يبقى مضادة بينهما كما لا يخفى ( ثم إن ) ذلك بناء على المختار من علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ( واما ) بناء على اقتضاء العلم لذلك فالامر أوضح لما عرفت من أن للشارع الترخيص الظاهري في ترك الموافقة القطعية والاذن في رفع الاضطرار بما يختاره خارجا وان كان منطبقا على مورد التكليف بلا احتياج إلى التصرف في الواقع ولو برفع اليد عن فعليته المطلقة بارجاعه إلى إلى التكليف الناقص ، فإنه بعد أن كان الترخيص المزبور في طول الواقع أمكن الجمع بين بقاء الواقع على فعليته المطلقة وبين هذا الترخيص الاضطراري في هذه الرتبة بما يجمع به بين الاحكام الواقعية والظاهرية ( ومرجع ) ذلك إلى التكليف المتوسط بين نفي التنجيز رأسا الملازم لجواز المخالفة القطعية وبين ثبوته بقول مطلق الملازم لوجوب الموافقة القطعية هذا « ولكن التحقيق » انه لا فرق بين القول بالاقتضاء والعلية فإنه على كل القولين لا محيص من التوسط في التكليف نفسه

٣٥٣

بالتقريب الذي قدمناه « والتفصيل » المزبور انما يصح بالقياس إلى إضافة الاضطرار إلى الحكم العقلي بوجوب الجمع بين المحتملين في ظرف قبل الاختيار ، لا بالقياس إلى اضافته إلى الواقع في ظرف تطبيق المختار على موضوع التكليف الذي هو ظرف مصداق المضطر إليه ، فان في ظرف التطبيق يصلح الاضطرار المزبور للمزاحمة مع التكليف الواقعي لكونه من حدوده وقيوده ومع الصلاحية المزبورة واحتمال انطباق مورد التكليف على ما يختاره المكلف في مقام التطبيق لا محيص ولو على الاقتضاء من التصرف في التكليف ولو برفع اليد عن اطلاق فعليته في كل طرف من حيث الاجتناب عن الاخر وعدمه لا عن أصل فعليته ونتيجة ذلك هو التوسط في التكليف نفسه لا في تنجيزه فتدبر.

« الامر الثامن » هل الملاقي لاحد أطراف العلم الاجمالي بالنجاسة في الشبهة المحصورة محكوم بحكم الملاقى في وجوب الاجتناب عنه واجراء احكامه عليه ، فيه خلاف « وتحقيق » القول في المقام يستدعى تقديم أمور « الأول » انه غير خفي في أن مركز هذا البحث انما هو فيما إذا لم يكن هناك ملاقي آخر لبقية الأطراف الاخر ، والا فيخرج عن مفروض البحث بلا كلام ، إذ لا شبهة حينئذ في وجوب الاجتناب عن كلا المتلاقيين للعلم الاجمالي بنجاسة أحدهما « كما » انه لابد أيضا من فرض الكلام فيما إذا لم يكن في البين ما يقتضي نجاسة كلا المشتبهين أو أحدهما المعين كالاستصحاب ونحوه ، والا فيخرج أيضا عن موضوع البحث ، فان في فرض قيام الاستصحاب على نجاسة الطرفين أو خصوص الملاقى لا اشكال في كونه اي الملاقي محكوما بالنجاسة ووجوب الاجتناب لأنها من الآثار الشرعية لنجاسة الملاقى بالفتح فكان التعبد بنجاسته تعبدا بنجاسة ملاقيه أيضا كما أن في فرض قيامه على نجاسة طرف الملاقى لا اشكال أيضا في عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى فضلا عن ملاقيه لانحلال العلم الاجمالي بالنجاسة حينئذ بالعلم بالتكليف في خصوص الطرف وصيرورة الشك بدويا في الملاقى ( الامر الثاني ) لا اشكال نصا وفتوى بل وضرورة في نجاسة ملاقي النجس ووجوب الاجتناب عنه « وانما الكلام » في وجه نجاسته ، وغاية ما قيل أو يمكن ان يقال في ذلك أمور « أحدها » ان تكون نجاسته لمحض التعبد الشرعي بان يكون

٣٥٤

الملاقي للنجس موضوعا مستقلا حكم الشارع بنجاسته ووجوب الاجتناب عنه في قبال جعل النجاسة للملاقى بالفتح نظير نجاسة الكلب في قبال نجاسة الخنزير ، غاية الامر كان هذا الحكم في ظرف ملاقاته للتنجيس بحيث يكون مثل هذه الجهة مأخوذا في موضوعه على نحو الشرطية من دون ان تكون نجاسته من جهة السراية من الملاقى بأحد الوجهين الآتيين ( ثانيها ) ان تكون من جهة السراية بمعنى الاكتساب بان تكون نجاسة الملاقي ناشئة عن نجاسة الملاقي بالفتح ومسببة عنها وفي طولها نظير نشو حركة المفتاح من حركة اليد فكان الملاقاة سببا لهذا النشو لا انها حكم مجعول مستقل في عرض الحكم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ ، ولا كونها انبساطا للنجاسة الثابتة للملاقى « ثالثها » ان تكون نجاسته لأجل السراية بمعنى الانبساط بان يكون الملاقاة منشأ لاتساع دائرة نجاسة الملاقى وانبساطها إلى الملاقى كاتساعها في صورة اتصال الماء المتنجس بغيره وامتزاجه به فكانت نجاسة الملاقي حينئذ من مراتب نجاسة الملاقى بل بوجه عينها ، لا انها فرد آخر من النجاسة في قبال نجاسة الملاقى كما في الصورة الأولى ، ولا مسببا عن نجاسته بحيث تكون في طول نجاسته وفى رتبة متأخرة عنها ( هذه ) وجوه ثلاثة متصورة في وجه نجاسة الملاقي للنجس ( وبتأتي ) مثلها أيضا بالنسبة إلى ملكية المنفعة والنماءات المتصلة والمنفصلة ، فان ملكية النماء والمنفعة ( تارة ) تعتبر ملكية مستقلة تعبدية في عرض ملكية العين بان كان تبعيتهما للعين بحسب الوجود محضا لا بحسب الملكية ( وأخرى ) تعتبر كونها ناشئة عن ملكية العين بحيث أخذ ملكية العين علة لملك النماء والمنفعة ( وثالثة ) تعتبر ملكيتهما من مراتب ملكية العين ومقام انبساطها بما يشمل النماء والمنفعة ( فعلى الوجه ) الأخير لا شبهة في أنه مع العلم الاجمالي بنجاسة أحد الشيئين أو غصبيته يجب الاجتناب عن الملاقي لاحد طرفي العلم وعماله من التوابع المتصلة والمنفصلة لوقوع الملاقي والنماء بمقتضى الانبساط المزبور طرفا للعلم الاجمال بالتكليف في عرض طرفية الملاقى والعين المثمرة الموجب لرجوع العلم الاجمالي إلى العلم بتكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرف آخر ، بخلافه على الوجهين الأوليين ، فإنه لا يجب الاجتناب فيهما عن الملاقي للشك في ملاقاته للنجس المعلوم في البين وعدم احراز صغرى

٣٥٥

الخطاب بالاجتناب عن ملاقي النجس ولو اجمالا هذا ( ولكن الوجه الأخير ) منها وكذا الوجه الأول ، غاية البعد ، فإنه مما لا يساعد عليه كلمات الأصحاب من التعبير بمثل ينجسه أو لا ينجسه ويفعل ونحوه ، فان الظاهر من نحو هذه التعبيرات هو كون نجاسة الملاقي من جهة السراية بمعنى السببية لا الانبساط ولا من جهة التعبد ، وكذا ما في متفرقات النصوص من التعبير بنحو ما ذكر كقولهم (ع) ( الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء ) الظاهر في سببية نجاسة الشيء لنجاسة الماء عند عدم بلوغه كرا ( بل كلماتهم ) مشحونة بالسراية بمعنى السببية كما يشهد له بنائهم على ملاحظة السببية والمسببية بينهما والتزامهم بعدم معارضة أصالة الطهارة في الملاقي مع استصحاب النجاسة في الملاقى ـ بالفتح ـ ( والا فعلى ) السراية بمعنى الانبساط والاتساع لا مجال لهذا الكلام فان نجاسة الملاقى حينئذ انما تكون في عرض نجاسة الملاقى لكونها مرتبة سعة نجاسته وبعد عدم اقتضاء التعبد بنجاسة الملاقى لاثبات السراية التي هي من اللوازم العادية الواقعية تجري أصالة الطهارة في الملاقي فتعارض مع استصحاب النجاسة في الملاقى مع أنهم لا يلتزمون بذلك ، كل ذلك مضافا إلى قضاء الارتكاز العرفي في التنجيسات العرفية وقذاراتهم ، فان مقتضى الارتكاز العرفي هو كون نجاسة الملاقي من شؤون نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ وجائية من قبل ما لاقاه ، لا انها مرتبة سعة نجاسة الملاقى كطول الخط بالنسبة إلى ذاته ، ولا انها نجاسة مستقلة تعبدية في قبال نجاسة الملاقى ، ولذا ترى اباء ، ارتكازهم عن سراية النجاسة إلى الماء العالي الوارد ( وحينئذ ) فالمتعين من مجموع الكلمات والنصوص بضميمة الارتكاز العرفي هو الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المتقدمة لا الوجه الأول ولا الوجه الثالث فإنهما مما لا شاهد عليه لا من الاخبار ولا من الكلمات ، بل كان الشاهد فيهما على خلافهما ، ( الامر الثالث ) لا اشكال في أن كل طريق معتبر إذا قام على عنوان ذي أثر يوجب بقيامه عليه بحكم العقل ترتيب كل ما لذلك العنوان من الآثار التكليفية والوضعية عليه من غير فرق بين كون الطريق هو العلم الوجداني أو غيره ومن غير فرق بين كونه تفصيليا أو اجماليا ، فمع العلم الاجمالي بعنوان ذي أثر كالعلم بخمرية أحد المايعين يترتب على عنوان المعلوم جميع ما له من الآثار التكليفية والوضعية كحرمة شربه ونجاسة ملاقيه وفساد بيعه ووجوب الحد على شربه ،

٣٥٦

ولكن ترتب الآثار المزبورة انما يكون على نفس عنوان المعلوم بالاجمال لا على كل واحد من المشتبهين ( فان ) نتيجة منجزية العلم الاجمالي للتكليف بالجامع لا تكون الا وجوب الاجتناب عقلا عن كل واحد من المشتبهين من باب المقدمة العلمية ومناط الفرار عن الضرر المحتمل لعدم الامن عن كون ما ارتكبه هو الحرام المنجز في البين وهذا المقدار لا يقتضي اشتراكهما مع المعلوم بالاجمال في جميع الآثار ، فلو فرض حينئذ انه لم يرتكب الا أحد الطرفين بشرب أو بيع ونحو ذلك لا يترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة على المعلوم بالاجمال من الحرمة والنجاسة وفساد البيع ( كيف ) وان ثبوت تلك الآثار بحسب الجعل الأولي انما كان للعناوين الواقعية ولابد في ترتيبها على موضوع من احراز انطباق عناوينها عليه كي به يحرز صغرى الخطاب فيترتب عليه الآثار المزبورة ، ومع الشك الوجداني في انطباق المعلوم بالاجمال على كل واحد من الطرفين لا مجال لترتب الآثار الشرعية المترتبة على المعلوم بالاجمال عليهما ، بل لابد في كل منهما من الرجوع إلى الأصول الجارية فيه بالخصوص فيرجع في المثال المزبور بالنسبة إلى كل أثر إلى الأصل الجاري فيه من أصالة عدم موجب الحد بشربه ، وأصالة عدم نجاسة ملاقيه ، وأصالة عدم فسقه بارتكابه بناء على عدم كون التجري موجبا للفسق ويرجع في البيع الواقع عليه خارجا إلى أصالة الفساد بناء على علية العلم الاجمالي للموافقة القطعية ومنعه عن جريان الأصل النافي في بعض الأطراف ولو بلا معارض ( نعم ) على القول بالاقتضاء يكون المرجع فيه هي أصالة الصحة لو لم يكن هناك أصل حاكم عليها كاصالة عدم السلطنة وأصالة عدم الملكية من جهة خلوها حينئذ عن معارضة جريانها في الطرف الآخر لفرض عدم وقوع البيع الا على أحدهما ( وتوهم ) معارضتها بأصالة عدم السلطنة على بيع الاخر كما عن بعض ، بدعوى ان الصحة والفساد عبارة أخرى عن السلطنة وعدمها غير أنه قبل البيع يعبر عنهما بالسلطنة على البيع وعدم السلطنة عليه وبعد البيع يعبر بالصحة والفساد فمع معارضة أصالة السلطنة وسقوطها بمقتضى العلم الاجمالي من الطرفين لا يبقى مجال الحكم بالصحة فيه ( مدفوع ) بمنع رجوع الفساد إلى السلطنة المسلوبة بل انما هو مسيب عنها ، فإنه كما أن القدرة وهي السلطنة على البيع تكون متقدمة على البيع لكونها سبب ايجاده ، كذلك في طرف النقيض يكون عدم

٣٥٧

السلطنة مقدما رتبة على عدم البيع ، ومعه كيف يمكن دعوى عينية كل من الصحة والفساد مع السلطنة ونقيضها ( وعليه ) لا محيص من اعتبار الصحة والفساد في ظرف وقوع البيع خارجا كما اعترف به القائل المزبور في العلم الاجمالي بين أمرين تدريجيين ، ولازمه خصوصا على ما اختاره من عدم جريان الأصول التنزيلية مطلقا في أطراف العلم هو الرجوع إلى أصالة الصحة التي لا يكون مجراها الا بعد البيع أو مقارنه ( نعم ) على المختار من جريان الأصول التنزيلية في أطراف العلم في صورة عدم استلزام جريانها للمخالفة العملية للمعلوم بالاجمال لا بأس بالحكم بالفساد بمقتضى أصالة عدم السلطنة أو أصالة عدم ملزومها وهي الملكية لو فرض جريانها ولو على القول بالاقتضاء ( الامر الرابع ) لا يخفى انه عند العلم بنجاسة أحد الشيئين وملاقاة ثالث لأحدهما كما يكون العلم الاجمالي بالنجاسة حاصلا بين الشيئين نفسهما ، كذلك يكون حاصلا بين الثالث الملاقي لأحدهما وبين طرف الملاقى ، بل العلم الاجمالي حاصل أيضا بين المتلاقيين أو الطرف ( الا ) ان العلم بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ قد يكون ناشئا عن العلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ ومسببا عنه كما لو علم بالملاقات بعد العلم بنجاسة أحد الشيئين ، وقد يكون سببا للعلم بنجاسة الملاقى بالفتح كما لو علم من الأول بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف ثم علم بأنه على تقدير كون النجس المعلوم هو الملاقي لا يكون السبب في نجاسته الا جهة ملاقاته للملاقي ـ بالفتح ـ حيث أنه من قبل هذا العلم الاجمالي يحدث علم اجمالي آخر بنجاسة الملاقى بالفتح أو الطرف بحيث كان العلم بنجاسته في طول العلم بنجاسة الملافي وفى رتبة متأخرة عنه وان كان المعلوم بهذا العلم المتأخر ثبوتا في رتبة سابقه عن المعلوم بالعلم السابق ، وثالثة يكون العلمان ناشئين عن وجود ثالث بلا سبق رتبي لأحدهما على الاخر كما لو علم بنجاسة المتلاقيين من الأول لا من جهة الملاقاة بل بأمر آخر مفيد للعلم ، ثم علم بانحصار منشأ نجاسة الملاقي بملاقاته مع الملاقى ـ بالفتح ـ.

( إذا عرفت هذه الأمور فاعلم ) انه بناء على المختار في وجه نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ من كونه لأجل السراية بمعنى السببية الموجب لكون نجاسة الملاقي في طول نجاسة الملاقي وناشئة عن نجاسته ، فعلى القول باقتضاء العلم الاجمالي

٣٥٨

للموافقة القطعية لا اشكال في أن لازمه هو الاقتصار في وجوب الاجتناب على خصوص الملاقى ـ بالفتح ـ والطرف نظرا إلى جريان أصالة الطهارة في الملاقي ـ بالكسر ـ بلا معارض ، من غير فرق في ذلك بين طولية العلمين أو عرضيتهما ( فان ) المانع عن جريان الأصل على هذا المسلك انما هو ابتلائه بالمعارضة بجريانه في الطرف الآخر ، وبعد مسببية الشك في نجاسة الملاقي والتكليف بالاجتناب عنه عن الشك في نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ وسقوط الأصل الجاري في الطرف بمعارضته مع الأصل الجاري في السبب وهو الملاقى في المرتبة السابقة يبقى الأصل الجاري في الملاقي ـ بالكسر ـ في ظرف جريانه بلا معارض ( وبذلك ) يظهر أنه على هذا المسلك لا يحتاج في الحكم بطهارة الملاقى إلى التشبث بالانحلال ولحاظ طولية العلمين ، فإنه في فرض عدم الانحلال أيضا تجري فيه أصالة الطهارة لخلوها عن معارضة جريانها في الطرف الآخر ، بل الحكم كذلك حتى في فرض خروج الملاقى ـ بالفتح ـ عن الابتلاء بتلف ونحوه قبل العلم الاجمالي ، لما يأتي من أن مجرد خروجه عن الابتلاء قبل العلم لا يوجب سقوط الأصل الجاري فيه بعد فرض الابتلاء بأثره الذي هو نجاسة ملاقيه ، فان لازمه هو معارضة الأصل الجاري فيه بملاحظة هذا الأثر مع الأصل الجاري في الطرف الآخر في المرتبة السابقة فيبقى الأصل في الملاقي في مرتبة جريانه سليما عن المعارض ( واما على القول بعلية العلم الاجمالي ) للموافقة القطعية ومنعه عن جريان الأصل النافي ولو في بعض الأطراف كما هو التحقيق ، فحيث ان الملاقي بنفسه يكون طرفا للعلم الاجمالي بالنجاسة بينه وبين الطرف كالملاقي ـ بالفتح ـ لا انه من قبيل ضم مشكوك بمعلوم بشهادة وجود العلم الاجمالي بينه وبين الطرف حتى مع فرض تلف الملاقى ـ بالفتح ـ ، كان اللازم هو التفصيل في منجزية هذا العلم بين الشقوق المتصورة سابقا في العلمين من حيث الطولية والعرضية ( وعليه ) نقول انه إذا كان العلم بنجاسة الملاقي أو الطرف ناشئا عن العلم بنجاسة الملاقى أو الطرف ، فلا شبهة في اختصاص التأثير بالعلم الاجمالي السابق بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف وانه لا أثر معه للعلم الاجمالي المتأخر رتبة من جهة تنجز التكليف بالاجتناب عن الطرف في المرتبة السابقة بالعلم الاجمالي السابق رتبة ، فإنه يعتبر في منجزية العلم الاجمالي ان لا يكون مسبوقا بمنجز آخر

٣٥٩

موجب لتنجز أحد طرفيه والا فيخرج عن صلاحية المنجزية ومعه يرجع الشك في نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ ووجوب الاجتناب عنه إلى الشك البدوي فتجري فيه أصالة الطهارة ( وأما إذا كان ) الامر بعكس هذه الصورة بان كان العلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ ناشئا عن العلم بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف ومسببا عنه ، فاللازم حينئذ هو الاجتناب عن خصوص الملاقي والمشتبه الاخر دون الملاقى ـ بالفتح ـ لان العلم بنجاسة الملاقي أو الطرف بسبقه رتبة يؤثر في وجوب الاجتناب عن الملاقي والطرف وبعده لا يبقى مجال لتأثير العلم المتأخر رتبة بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف في التنجيز كي يقتضي وجوب الاجتناب عن الملاقى فضلا عن اقتضائه لانحلال العلم السابق رتبة بين الملاقي والطرف ( لا يقال ) ان العلم الاجمالي بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف وان كان سابقا رتبة على العلم بنجاسة الملاقى بالفتح ولكن المعلوم بالاجمال في العلم اللاحق لما كان مقدما بحسب الرتبة على المعلوم بالاجمال في العلم السابق أوجب ذلك انحلال العلم الاجمالي السابق بالعلم الاجمالي اللاحق بنجاسة الملاقى بالفتح والطرف ، لان المدار في تأثير العلم في التنجز انما هو على سبق المعلوم والمنكشف لا على سبق العلم والكاشف ، فإذا كان التكليف بالملاقى سابقا في الرتبة على التكليف بالملاقي بالكسر لكون التكليف به جائيا من قبل التكليف بالملاقى ، فلا محالة في جميع فروض العلم الاجمالي يكون سبق التكليف المعلوم بين الملاقى بالفتح والطرف على التكليف المعلوم بين الملاقي والطرف موجبا لسبق تنجزه أيضا وان كان تعلق العلم به في طول العلم بالتكليف بالملاقي بالكسر وناشئا من قبله ، ولازمه سقوط العلم الاجمالي بنجاسة الملاقي والطرف عن التأثير في جمع فروض المسألة لانقلابه من حين حدوث العلم بالتكليف بين الملاقى والطرف عن صلاحية المؤثرية في تنجيز متعلقه ، فترجع الشبهة بالنسبة إلى الملاقي بالكسر بدوية تجرى فيه أصالة الطهارة بلا معارض ( فإنه يقال ) ان هذه شبهة أوردها بعض الاعلام ( قده ) على المحقق الخراساني ( قده ) بما افاده من التفصيل بين فروض المسألة في وجوب الاجتناب عن الملاقي تارة ، والملاقى أخرى ، وثالثة عنهما بما يرجع حاصله إلى ما ذكر ( ولكنه ) من غرائب الكلام ، إذ بعد الجزم بان التنجز من لوازم العلم بالتكليف وحيث انكشافه

٣٦٠