نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

المتزاحمين بعد سقوط التكليفين ، لوجود الملاك التام في كل من الحليتين كالتسهيل على المكلفين ونحوه لا البناء على التساقط واخراج كلا الفردين عن عموم الحلية ، ولعمري ان هذا الاشكال على القول بالاقتضاء في الوضوح بمثابة لا مجال للخدشة فيه ولا للذب عنه الا بالالتزام بعلية العلم الاجمالي للموافقة القطعية.

( ثم إن لازم ) القول بالاقتضاء جواز الرجوع إلى الأصل النافي للتكليف في بعض الأطراف عند خلوه عن المعارض في الطرف الآخر كما يفرض ذلك في العلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين اللذين كان أحدهما متيقن الطهارة سابقا ، فان مقتضى ذلك بعد تعارض أصالة الطهارة الجارية في الطرف الآخر مع استصحاب الطهارة في متيقن الطهارة ، هو الرجوع إلى قاعدة الطهارة في الاناء الجاري فيه استصحابها ، نظرا إلى سلامتها عن المعارض في ظرف جريانها ، لسقوط معارضها في المرتبة السابقة عن جريانها بمعارضته مع الاستصحاب الحاكم عليها ( مع أن ذلك ) كما ترى لا يظن التزامه من أحد ، حيث إن ظاهر الأصحاب قدس الله اسرارهم هو التسالم على عدم ترتيب اثار الطهارة على مثله من جواز شربه واستعماله فيما يعتبر فيه الطهارة كما يكشف عنه حكمهم بلزوم اهراقهما والتيمم للصلاة كما في النص الشامل باطلاقه لمثل الفرض ( وقد يقال ) في التفصي عن ذلك بان عدم التزامهم بالطهارة في نحو الفرض المزبور انما هو من جهة سقوط أصالة الطهارة فيه بمعارضتها مع أصالة الطهارة الجارية في الاناء الاخر ( بتقريب ) ان تعارض الأصول انما هو باعتبار تعارض مؤدياتها وما هو المجعول فيها ( وحيث ) ان المجعول والمؤدى في كل من القاعدة والاستصحاب لا يكون الا طهارة واحدة لمشكوك الطهارة والنجاسة ، لا طهارتان مستقلتان ، تارة بمقتضى الاستصحاب وأخرى من جهة القاعدة ، لوضوح عدم امكان جعل الطهارتين لشئ واحد ، لأنه مضافا إلى لغوية الجعل الثاني بعد جعل الأول بمقتضى الاستصحاب ، يلزم اجتماع المثلين في موضوع واحد ( فلا جرم ) بعد العلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين ووحدة المؤدى والمجعول في كل من الاستصحاب والقاعدة ، تعارض قاعدة الطهارة في الاناء الاخر مع كل من

٣٢١

الاستصحاب والقاعدة في متيقن الطهارة ، فتسقط الجميع في عرض واحد ، ولا يلتفت إلى ما بين استصحاب الطهارة وقاعدتها من الحكومة بعد اتحاد المجعول فيهما ( ولكن فيه ) أولاً ان الممتنع انما هو جعل الطهارتين لشئ واحد في عرض فارد ، واما جعل الطهارتين الطوليتين بنحو يكون أحد الجعلين في طول الجعل الاخر وفي ظرف عدم ثبوته ، فهو في غاية الامكان ، إذ لا محذور من مثل هذين الجعلين بعد عدم اجتماعهما في زمان واحد بل ومرتبة واحدة وعدم ثبوت المتأخر الا عند عدم ثبوت المتقدم ومعه يبقى الاشكال على حاله لجريان قاعدة الطهارة في الاناء الجاري فيه استصحابها بلا معارض ( وثانيا ) مع الاغماض عن ذلك ، نقول انه بعد جعل الشارع لهذا المجعول الواحد طريقين أحدهما في مرتبة الدلالة والحجية في طول الاخر بحيث لا يكاد وصول النوبة إلى التعبد بعموم الثاني الا بعد سقوط عموم الأول عن الحجية ولو بالتعارض ، لا بأس في الاخذ بالقاعدة والتمسك بعمومها في ظرف سقوط الاستصحاب عن الحجية بالتعارض ( وما أفيد ) من معارضه قاعدة الطهارة في الاناء الاخر مع كل من الاستصحاب والقاعدة في متيقن الطهارة « مدفوع » بان الأصل الواحد الجاري في طرف وان كان يعارض الأصول المتعددة في الطرف الآخر ، الا انه لا يعارض الا ما كان جاريا في ظرف جريانه « وبعد ما » لا تجرى قاعدة الطهارة في مستصحب الطهارة الا في ظرف سقوط أصالة الطهارة في الطرف الآخر في المرتبة السابقة عن جريانها بالمعارضة مع الاستصحاب الحاكم عليها ، لا مجال لدعوى السقوط فيها كما هو واضح « مع أن » لازم البيان المزبور هو المنع عن جريان قاعدة الطهارة في طرف المسبب أيضا عند سقوط الأصل الجاري في السبب بالمعارضة كما في الثوب المغسول في الاناء المتيقن طهارته في الفرض ، وكذا المغسول بالماء المتمم كرا بطاهر أو نجس ، نظرا إلى ما يلزمه من تعدد الجعل فيه « تارة » من ناحية الأصل الجاري في السبب وهو الماء بلحاظ كونه من الآثار الشرعية المترتبة على طهارة الماء المغسول به الموجب لكون التعبد بطهارته تعبدا بطهارة الثوب أيضا ( وأخرى ) من جهة الأصل الجاري في نفس الثوب في ظرف سقوط الأصل السببي ( فلا بد ) ح من المنع عن جريان استصحاب

٣٢٢

الطهارة أو قاعدتها فيه بعين مناط المنع عن جريان قاعدة الطهارة في الطرف الجاري فيه استصحابها ، وهو كما ترى لا يظن توهمه من أحد « فلا محيص » من الالتزام بجريان أصالة الطهارة في طرف الثوب في نحو المثال المزبور عند سقوط الأصل الجاري في طرف السبب ، اما بمناط الطولية بين الجعلين كما ذكرناه ، واما بمناط الطولية بين الطريقين في فرض وحدة المجعول وعدم تعدده « ولازمه » المصير في المقام إلى طهارة أحد الطرفين لجريان قاعدة الطهارة فيه بلا معارض ، وهذا أيضا مما لا يكون له دافع الا الالتزام بعلية العلم الاجمالي للموافقة القطعية ومنعه عن جريان الأصل النافي للتكليف في بعض الأطراف ولو بلا معارض.

بقى التنبيه على أمور

( الأول ) لا فرق في منجزية العلم الاجمالي وعليته لوجوب الموافقة القطعية ، بين ان يكون المعلوم بالاجمال عنوانا معينا ذا حقيقة واحدة كالعلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين ، وبين ان يكون عنوانا مرددا بين عنوانين مختلفي الحقيقة كما في العلم الاجمالي اما بنجاسة هذا الاناء أو غصبية الاناء الاخر ، فيجب الاجتناب عن الجميع للأدلة المتقدمة ( خلافا ) للمحكي عن صاحب الحدائق قدس فاعتبر ان يكون المعلوم بالاجمال عنوانا معينا غير مردد ، نظرا إلى أنه مع التردد بين العنوانين لا علم بخطاب جامع بينهما ( لان ) المعلوم فيه انما هو مفهوم الخطاب وهو غير صالح للتنجز « ولكن » فيه انه يكفي في تنجيز الواقع العلم بما هو منشأ انتزاع هذا المفهوم وهو الالزام المولوي بعثا وزجرا فان مناط التحميل بنظر العقل انما هو احراز طبيعة امر المولى أو نهيه بلا دخل خصوصية فيه فمع فرض انكشاف ذلك لدى العقل وعدم قصور العلم في كشفه عن الالزام المولوي بالاجتناب عن أحد الانائين يتحقق موضوع حكمه بالاشتغال ووجوب الموافقة القطعية « واما توهم » عدم تأثير العلم الاجمالي في الفرض المزبور ، بدعوى ان حرمة التصرف في العصب انما هي من الآثار المترتبة على العلم بالغصبية بحيث كان للعلم والاحراز دخل في ترتبها ، لا انها من لوازم الغصب الواقعي بشهادة بنائهم

٣٢٣

على صحة الوضوء والغسل بالماء المغصوب مع الجهل بالغصبية حين الوضوء ، ومع عدم احرازها لا اثر للعلم الاجمالي المزبور ، إذ لا يحدث من مثله العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير « لان » أحد الطرفين وهو مشكوك الغصبية لا تكليف بالاجتناب عنه ، والطرف الآخر وهي النجاسة يرجع الشك فيها إلى الشك البدوي ( فمدفوع ) بمنع دخل العلم والاحراز في موضوع الحرمة في طرف الغصب ، بل تمام الموضوع لها كما تقتضيه النصوص وكلمات الأصحاب انما هو الغصب الواقعي علم به المكلف أو جهل ، غاية الامر مع الجهل به يكون المكلف معذورا كمعذوريته في شرب النجس مع الجهل بالموضوع أو الحكم لا عن تقصير ، وبنائهم على صحة العبادة مع الجهل بالغصبية ولو على الامتناع وتغليب المفسدة ، انما هو من هذه الجهة لاشتمال الماتى به « ح » على المصلحة وتأثيرها في حسنه الفعلي ولو من حيث صدوره عن الفاعل بعد عدم تأثير المفسدة الغالبة مع المعذورية بالجهل المزبور في المبغوضية الفعلية ، ولذلك لا يفرقون في الحكم بالصحة والمعذورية من جهة العقوبة بين الجهل بالموضوع والجهل بالحكم لا عن تقصير ( و ح ) فإذا لم يكن قصور في العلم الاجمالي في كشفه عن الالزام المولوي المردد في البين ، فلا محالة يؤثر في التنجيز ولازمه بحكم العقل هو الخروج عن عهدة التكليف بترك التصرف في كل من الانائين وترتيب اثار كل من النجاسة والغصب على كل منهما تحصيلا للموافقة القطعية لكلا الحكمين.

( الامر الثاني ) الظاهر أنه لا فرق في تأثير العلم الاجمالي في وجوب الموافقة القطعية ، بين الموجودات فعلا ، والموجودات تدريجا لجريان الأدلة المتقدمة واتحاد المناط فيهما فيجب على المرأة المضطربة التي تعلم أنها تحيض في الشهر ثلاثة أيام الاجتناب عن قرائة الغرائم ودخول المساجد ويجب على زوجها الاجتناب عن وطيها في تمام الشهر ( وكذا ) يجب على التاجر الذي يعلم ابتلائه في يومه أو شهره بالمعاملة الربوية الامساك عن ما لا يعلم حكمه من المعاملات في تمام اليوم والشهر ( من غير فرق ) في ذلك بين ما يكون الزمان فيه مأخوذا على نحو الظرفية المحضة بلا دخل فيه لا في التكليف ولا في موضوعه كما في المثال الثاني ، وبين ما يكون الزمان فيه مأخوذا على نحو القيدية ، للمكلف به كما

٣٢٤

لو نذر أو حلف على ترك الوطي في ليلة خاصة واشتبهت بين ليلتين أو أزيد ، أو لنفس التكليف كمثال الحيض المتقدم فان لأيام الحيض دخل في ملاك الحكم وفي أصل التكليف بترك الوطي والعبادة ودخول المساجد وقراءة العزائم ( فان ) في جميع هذه الصور لابد بمقتضى العلم الاجمالي من الاحتياط بالاجتناب عن جميع الأطراف ( اما الصورة الأولى ) كمثال العلم بالابتلاء بالمعاملة الربوية في خلال اليوم أو الشهر ، فظاهرة « للعلم » بالتكليف الفعلي من أول اليوم أو الشهر بالاجتناب عن المعاملة الربوية في تمام اليوم أو الشهر ، فلابد من التحرز في تمام اليوم والشهر عن كل معاملة يحتمل كونها ربوية « نعم بناء » على عدم التفكيك بين ظرف فعليته التكليف وظرف فاعليته الذي هو ظرف المأمورية وارجاع الواجب المعلق لأجله إلى الواجب المشروط بزمانه « لابد » من الحاق هذه الصورة بالواجب المشروط للاشكال حينئذ في تأثير مثل هذا العلم الاجمالي بعدم تعلقه بالتكليف الفعلي على كل تقدير ( بداهة ) انه على المبنى المزبور لا يكاد يكون التكليف بالترك في اخر اليوم والشهر فعليا من أول اليوم والشهر كي يصدق العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي على الاطلاق من أول اليوم والشهر ، بل لابد وأن يكون التكليف بالترك في اخر اليوم مشروطا بزمانه لرجوعه إلى دخل الزمان فيه في أصل الخطاب وتوجيه التكليف الفعلي بالنسبة إليه وان لم يكن له دخل في ملاك الحكم ، ولازمه جريان الأصول النافية للتكليف في جميع الأطراف لولا دعوى استقلال العقل حينئذ بقبح الاقدام على ما يؤدى إلى تفويت مراد المولى ( وبما ذكرنا ) ظهر الحال في الصورة الثانية أيضا ، فإنه على المختار من امكان المعلق كما حققناه في مبحث مقدمة الواجب لا اشكال في وجوب الاجتناب ، لامكان التكليف الفعلي من الحين بالنسبة إلى الامر الاستقبالي قبل مجيء وقته فيجب بمقتضى العلم الاجمالي الاحتياط بترك الوطي في كل من الليلتين ولزوم حفظ القدرة فعلا على الطرف الآخر في ظرفه وموطن قيده ، لاقتضاء فعلية الخطاب حينئذ لاحداث الإرادة الغيرية نحو المقدمات المفوتة حتى في الموقتات قبل وقتها ، كما يكون ذلك هو الشأن في فرض كون الخطاب وجوبيا ( فإنه ) مع العلم الاجمالي بوجوب أحد الامرين يحكم العقل بلزوم الآيتان بالطرف الفعلي مع حفظ القدرة على الطرف

٣٢٥

الاخر في موطنه ، من دون احتياج إلى خطاب آخر مسمى بمتمم الايجاب وبالوجوب التهئ ، ولا إلى اتعاب النفس باثبات انه مع العلم بتحقق الملاك الملزم فيما بعد يستقل العقل بقبح تفويته ( نعم ) انما يتجه ذلك بناء على ارجاع المعلق إلى المشروط لعدم التفكيك بين ظرف فعلية التكليف وظرف المأمور به ( فإنه بعد ) ما لا يكون التكليف بترك الوطي في الليلة المتأخرة فعليا من الليلة الحاضرة لخروجه عن القدرة فعلا ، يحتاج في المنع عن جريان الأصول النافية إلى دعوى استقلال العقل في ظرف العلم بتحقق الغرض الملزم من المولى ، بلزوم حفظ القدرة على تحصيله وقبح الاقدام على ما يوجب فواته المنتج في المقام لحكمه بترك الاقتحام في الطرف الفعلي مع حفظ القدرة على الطرف الآخر في زمانه ( وبذلك اتضح ) حكم ما إذا كان للزمان دخل في كل من الملاك والخطاب كالحيض المردد بين كونه في أول الشهر أو اخره ( فإنه ) وان لم يكن تأثير للعلم الاجمالي لعدم تعلقه بالتكليف الفعلي في شيء من آنات أزمنة الشهر ( الا انه ) بعد استقلال العقل بقبح الاقدام على ما يوجب فوات مطلوب المولى لابد من الاحتياط بترك الاقتحام في الطرف الفعلي مع حفظ القدرة على الطرف الآخر في زمانه ، لرجوع العلم الاجمالي المزبور مع هذا الحكم العقلي إلى العلم بلزوم أحد الامرين عليه ، ومعه لا يبقى المجال لجريان الأصول النافية للتكليف في الأطراف كي ينتهى الامر إلى جواز المخالفة القطعية ( ثم إن ذلك ) على ما هو المشهور في الواجب المشروط من إناطة فعلية البعث والتكليف بوجود الشرط خارجا ( واما على ) ما هو المختار فيه كما حققناه في محله من عدم اناطته الا بفرض وجود الشرط ولحاظه طريقا إلى الخارج من دون توقف لفعليته على وجوده في الخارج فالامر أوضح ، نظرا إلى فعلية الايجاب والإرادة التي هي مضمون الخطاب في الفرض المزبور ، غاية الامر محركية مثل هذه الإرادة وفاعليتها انما تكون في ظرف وجود القيد في الخارج وتطبيق العبد إياه على المورد ، ولكن مثل هذه المرحلة خارجة قطعا عما هو مفاد الانشاء في الخطابات التكليفية ، لأنها انما تنتزع عن مرتبة تأثير الخطاب في تحريك العبد نحو الإطاعة التي هي متأخرة عن مرتبة الخطاب ومضمونه فلا يمكن اخذ مثل هذه الجهة في مضمون

٣٢٦

الخطاب في عالم جعل الاحكام ولتحقيق الكلام في هذه الجهة مقام آخر ، والمقصود في المقام بيان انه على المختار في الخطابات التكليفية طرا من كفاية مجرد فرض وجود الموضوع بحدوده وقيوده في لحاظ المولى طريقا إلى الخارج في فعلية مرتبة من الإرادة الباعثة إلى التوصل إلى حفظ المراد من ناحية انشاء الخطاب واقتضائها بحكم العقل بلزوم حفظ القدرة من ناحية غير شرط الوجوب ، لا قصور في المقام في صدق العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي ومنجزيته عقلا ، فإنه في ظرف العلم بحصول شرط الوجوب في موطنه بحكم العقل بمقتضى العلم الاجمالي بلزوم ترك الطرف الفعلي مع حفظ القدرة على الطرف الآخر في موطنه كما هو ظاهر.

( الامر الثالث ) الظاهر أنه لا فرق في وجوب الاحتياط بالموافقة القطعية ، بين ان يكون ثبوت التكليف في البين من جهة العلم الوجداني كما في العلم الاجمالي بنحاسة أحد الكأسين أو خمرية أحد المايعين ، وبين ان يكون بقيام طريق تعبدي عليه كما لو قامت البينة على خمرية أحد المايعين ففي الثاني أيضا لابد من اجراء قواعد العلم الاجمالي من حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية ومقتضاه هو المنع عن جريان الأصول النافية أيضا ولو في طرف واحد بلا معارض فضلا عن جريانها في الطرفين كل ذلك لدليل التعبد بالبينة ( نعم ) قد يتوهم حينئذ وقوع التنافي بين التعبد بنجاسة أحد الكأسين بمقتضى البينة ، وبين التعبد بطهارة كل من الكأسين بمقتضى الأصل الجاري فيهما ( بتقريب ) ان مفاد البينة لما لا يكون الا نجاسة أحد الكأسين بهذا العنوان الاجمالي ، فلا جرم تجرى أصالة الطهارة في كل واحد من الكأسين بعنوانهما التفصيلي لمكان تحقق موضوعها هو الشك الوجداني في كل واحد منهما وعدم ارتفاعه لا بالوجدان ولا بالتعبد ، لاختلاف موضوع التعبد بالبينة مع موضوع التعبد بالطهارة في الأصلين ( ومع جريان ) أصالة الطهارة فيهما يقع التنافي بين التعبد بالبينة بالنسبة إلى العنوان الاجمالي المعبر عنه بأحد الكأسين ، وبين التعبد بكل من الأصلين في كل واحد من الكأسين ، ولا ترجيح في تقديم التعبد بالبينة على التعبد بالأصل الجاري في الطرفين ( ولا يقاس ) ذلك بالعلم الوجداني بنجاسة أحد الكأسين ، لان

٣٢٧

العلم الاجمالي لما كان بنفسه كاشفا تاما عن الواقع وحجة على ثبوت التكليف في البين كان مانعا بحكم العقل عن مجيء الترخيص على خلافه في الأطراف ( وهذا بخلاف ) مثل البينة حيث إن طريقيتها لثبوت التكليف لا يكون ذاتيا كالعلم لمكان احتمال الخلاف بالوجدان وانما كان ذلك بمعونة جعل شرعي بالتعبد بها ، ومع فرض التنافي بين قضية التعبد بها وبين التعبد بالأصل الجاري في كل واحد من الأطراف ، يتوجه الاشكال في تقديم البينة على الأصل الجاري في الأطراف بعد تغاير موضوعهما وعدم اقتضاء البينة ولو بدليل اعتبارها لرفع موضوع الأصل ( ولكن يندفع ذلك ) بان مفاد البينة في مفروض البحث وان كان نجاسة أحد الكأسين بهذا العنوان الاجمالي الا ان تقديمها على الأصل الجاري في الطرفين انما يكون بمناط الحكومة لمكان ورودها على موضوع الأصلين واقتضائها بالالتزام لنفى الطهارة الثابتة في كل من الطرفين بنحو يلازم نفيها في كل طرف لثبوتها في الطرف الآخر ( توضيح ذلك ) انه لا شبهة في أن مقتضى أصالة الطهارة في الطرفين مع قطع النظر عن قيام البينة على نجاسة أحدهما انما هو طهارة كل واحد من الكأسين بالطهارة المطلقة المجتمعة مع طهارة الكاس الاخر ، واما بعد قيام البينة على نجاسة أحدهما ، فحيث انه يلازم قيامها على ذلك لقيامها على انتفاء تلك الطهارة المطلقة التي يقتضيها الأصل في كل منهما ، فلا محاله بشمول دليل اعتبارها لمدلولها الالتزامي ترتفع تلك الطهارة المطلقة الثابتة بمقتضى الأصل لكل واحد من الطرفين ، ولازمه الغاء التعبد بالأصلين في كل من الطرفين من هذه الجهة لحكومة دليل التعبد بالبينة من هذه الجهة حسب اقتضائه لتتميم الكشف على دليل التعبد بالطهارة فيهما ( نعم ) بعد قيام البينة على نحاسه أحد الكأسين واقتضائها بدليل اعتبارها لالغاء احتمال تلك الطهارة المطلقة فيهما ، يحدث شك اخر في طهارتهما على نحو يلازم طهارة كل منهما لنجاسة الاخر ( ولكن ) نشؤ هذا الشك حيث كان من قبل قيام البنية على نجاسة أحدهما ، يتمحض التنافي في هذه المرحلة بين الأصلين الجاريين في الطرفين لاقتضاء كل أصل لقصر الطهارة في مورده وفى مثله لابد من اعمال قواعد العلم الاجمالي من حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية المستلزم للمنع عن جريان الأصل ولو في طرف

٣٢٨

واحد بلا معارض.

( الامر الرابع ) لو كان العلم الاجمالي في أطراف غير محصورة عرفا ، ففي تأثيره في وجوب الاجتناب مطلقا أو بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية وعدمه خلاف بين الاعلام والمشهور على عدم وجوب الاحتياط ، وتنقيح الكلام فيه يقع من جهتين ( الأولى ) في بيان الضابط لكون الشبهة غير محصورة ( الثانية ) في بيان حكمها ( اما الجهة الأولى ) فقبل التعرض لها لا بأس بتمهيد مقدمة في تحرير موضوع البحث ، وهي انه لا شبهة في أن البحث في المقام عن منجزية العلم الاجمالي وعدمه كما يقتضيه ظاهر العنوان في كلماتهم ممحض في مانعية كثرة الأطراف عن تأثير العلم وعدمه فلابد حينئذ من فرض الكلام في مورد يكون خاليا عن جميع ما يوجب المنع عن تأثير العلم الاجمالي كالعسر والحرج وكالاضطرار إلى ارتكاب بعض الأطراف ، أو خروجه عن مورد الابتلاء ، بحيث لولا كثرة الأطراف لكان العلم الاجمالي منجزا بلا كلام ، والا فمع طر واحد هذه الطوارئ لا يفرق بين المحصور وغيره ، لان في المحصور أيضا لا يجب الاحتياط فلا خصوصية حينئذ لغير المحصور كي يصح جعله عنوانا برأسه في قبال المحصور ( وعليه ) فلا مجال للاستدلال في المقام على عدم وجوب مراعاة العلم الاجمالي ، بالعسر والحرج تارة ، وبعدم كون جميع الأطراف محل الابتلاء أخرى ، وثالثه بغير ذلك من الطوارئ المانعة عن تأثير العلم الاجمالي ( وتوهم ) ان ذلك من جهة ملازمة كثرة الأطراف مع أحد هذه الموانع خصوصا العسر والحرج ( مدفوع ) بأنه لو سلم ذلك فإنما هو في العلم الاجمالي في الواجبات ( واما ) في المحرمات المقصود منها مجرد الترك فلا ، لان كثيرا ما يتصور خلو كثرة الأطراف عن الموانع المزبورة ( مع أن العبرة ) حينئذ تكون بها لا بكثرة الأطراف ( وبعد ما عرفت ) ذلك نقول انهم ذكروا وجوها في ضابط كون الشبهة غير محصورة ( منها ) ما عن الشيخ قدس‌سره من تحديده بما بلغ كثرة الأطراف إلى حد يوجب عدم اعتناء العقلاء بالعلم الاجمالي فيها ، لما هو المعلوم من اختلاف حال العلم الاجمالي عند العقلاء في التأثير وعدمه مع قلة المحتملات وكثرتها ، كما يرى بالوجدان الفرق الواضح بين قذف أحد

٣٢٩

الشخصين لا بعينه وبين قذف أحد من في البلد ، حيث يرى تأثير كلا الشخصين في الأول وعدم تأثير أحد من في البلد في الثاني وكذا لو أخبر شخص بموت شخص مردد بين ولده وشخص اخر أجنبي ، فإنه يضطرب حاله بمجرد سماع هذا الخبر ، بخلاف صورة الاخبار بموت شخص من أهل بلده مرددا كونه في نظره بين ولده وبين غيره من أهل البلد ، حيث لا يتأثر ولا يضطرب حاله من الاخبار المزبور ( وفيه ان ) ما أفيد من عدم اعتناء العقلاء بالضرر مع كثرة الأطراف ، انما يتم في مثل المضار الدنيوية ، وذلك أيضا فيما يجوز توطين النفس على تحملها لبعض الاعراض ، لاما يكون مورد الاهتمام التام عندهم كالمضار النفسية ، والا ففيها يمنع اقدامهم على الارتكاب بمحض كثرة الأطراف لو علم بوجود سم قاتل في كأس مردد بين الف كؤوس أو أزيد يرى أنه لا يقدم أحد على ارتكاب شيء من تلك الكؤوس وان بلغت الأطراف في الكثرة ما بلغت ، لا في المضار الأخروية التي يستقل العقل فيها بلزوم التحرز عنها ولو موهوما ، فان في مثله لابد في تجويز العقل للارتكاب من وجود مؤمن يوجب القطع بعدم العقوبة على ارتكابه ولو باخراجه عن دائرة المفرغ بجعل ما هو المفرغ غيره من الأطراف الاخر ، والا فبدونه لابد من الاحتياط بالاجتناب عن كل ما يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه ولو موهوما ، نظرا إلى مساوقة احتمال المزبور لاحتمال الضرر والعقوبة المحكوم بحكم العقل بوجوب دفعه والتجرز عنه ( ومنها ) تحديده كما عن جماعة بما بلغ كثرة الأطراف إلى حد يعسر عدها في زمان قليل ( وفيه ) أيضا ما لا يخفى ، فان لازمه ان يكون العلم الاجمالي بنجاسة حبة من الحنطة أو الأرز أو غصبيتها في ضمن أوقية من غير المحصور للمناط المزبور ، مع أنه كما ترى لا يظن منهم الالتزام بذلك ( ومنها ) ما عن بعض الاعلام قدس‌سره من تحديد عدم حصر الشبهة ببلوغ كثرة الأطراف إلى حد لا يتمكن المكلف عادة من جمعها في الاستعمال من اكل أو شرب أو غيرهما ، لا مجرد كثرة الأطراف ولو مع التمكن العادي من المخالفة بالجمع بين الأطراف في الاستعمال ، ولا مجرد عدم التمكن العادي من الجمع بينها من دون كثرة الأطراف ( وفيه ) ان أريد من عدم التمكن من الجمع بين الأطراف في

٣٣٠

الاستعمال عدم التمكن منها ولو تدريجا بمضي الليالي والأيام ، فلا ريب في فساده إذ ما من شبهة غير محصورة الا ويتمكن المكلف من الجمع بين أطراف الشبهة ولو تدريجا وفى أزمنة طويلة ( وان أريد ) بذلك عدم التمكن من الجمع بينها في زمان قصير ، فهذا يحتاج إلى تحديده بزمان معين ولا معين في البين « مع أن لازمه » اندراج الشبهة الكثير في الكثير في غير المحصور من جهة تحقق الضابط المزبور كما في العلم الاجمالي بنجاسة الف ثوب في الفين ، مع أنه لا شبهة كما سيجيء في كونها ملحقة بالمحصور « وحينئذ فالأولى » ان يقال في تحديد كون الشبهة غير محصورة ان الضابط فيها هو بلوغ الأطراف في الكثرة بمثابة توجب ضعف احتمال وجود الحرام في كل واحد من الأطراف بحيث إذا لو خط كل واحد منها منفردا عن البقية يحصل الاطمينان بعدم وجود الحرام فيه الملازم للاطمينان بكون الحرام المعلوم في بقية الأطراف « وتوهم » منافاة الاطمينان بالعدم في كل واحد منها مع العلم الاجمالي بوجود الحرام في بعضها لضرورة مضادة العلم بالموجبة الجزئية مع الظن بالعدم في كل طرف بنحو السلب الكلي ( مدفوع ) بأنه كذلك في فرض اقتضاء ضعف الاحتمال في كل طرف للاطمينان بعدم التكليف فيه تعينيا ولو ملحوظا معه غيره من الأطراف الاخر ( واما ) اقتضاء الاطمينان بالعدم في كل طرف ملحوظا كونه منفردا عن البقية بنحو يلازم للاطمينان بالوجود فيما عداه فلا محذور فيه ، إذ لا يلزم منه اجتماع العلم بالموجبة الجزئية مع الظن بالسلب الكلي ، بل ما يلزمه انما هو العلم بالموجبة الجزئية مع الظن بالسلب الجزئي في كل طرف على البدل ولا تنافي بينهما كما هو ظاهر ( فإذا فرض ) حجية هذا الاطمينان لدى العقلاء لبنائهم على عدم الاعتناء باحتمال الخلاف البالغ في الضعف إلى هذه المثابة ولو لكونه من العلوم العادية لهم فلا يجب رعاية العلم الاجمالي بالاحتياط في الجميع ولو مع التمكن العادي من ذلك ( ثم اعلم ) ان العبرة في المحتملات قلة وكثرة انما هي بكثرة الوقايع التي تقع موردا للحكم بوجوب الاجتناب مع العلم بالحرام تفصيلا ، ويختلف ذلك في أنظار العرف باختلاف الموارد ، فقد يكون تناول أمور متعددة باعتبار كونها مجتمعة يعد في انظارهم وقعة واحدة كاللقمة من الأرز ويدخل المشتمل على الحرام

٣٣١

منها في المحصور كما لو علم بوجود حبة محرمة أو نجسة من الأرز أو الحنطة في الف حبة مع كون تناول الف حبة من الأرز في العادة بعشر لقمات فان مرجعه إلى العلم بحرمة تناول أحد لقماته العشر ومضغها لاشتمالها على مال لغير أو النجس ، وقد يكون تناول كل حبة يعد في انظارهم واقعة مستقلة كما لو كانت الحبوب متفرقة أو كان المقام يقتضي كون تناولها بتناول كل حبة حبة ، ومضغها منفردة فيدخل بذلك في غير المحصور ( واما الجهة الثانية ) فالمشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم شهرة عظيمة هو عدم وجوب الموافقة القطعية فيها على خلاف بينهم في حرمة المخالفة القطعية ، بل ونقل الاجتماع عليه مستفيض كما عن الروضى ومحكى جامع المقاصد ، بل عن المحقق البهبهاني قدس‌سره دعواه صريحا مع زيادة انه من ضرورة الدين قال في حاشيته على المدارك ان الاجماع وضرورة الدين وطريقة المسلمين في الاعصار والأمصار على عدم وجوب الاجتناب فيها ونحوه كلامه الاخر المحكى عن فوائده وهو كما أفادوه ، فإنه بالتتبع في كلماتهم في الفقه يظهر بان عدم وجوب الاجتناب في الشبهات غير المحصورة في الجملة عندهم من المسلمات ، بل يمكن دعوى كونه مغروسا في أذهان عوام المتشرعة أيضا ، ولا ينافي ذلك ما عن بعضهم من الاستدلال للحكم المزبور ، تارة بالعسر والحرج المنفيين ، وأخرى بعدم كون جميع الأطراف مع عدم الحصر مورد ابتلاء المكلف ، وثالثه بغير ذلك كالاضطرار ونحوه ، فان الظاهر أن ذلك منهم من قبيل بيان نكتة الشيء بعد وقوعه ، وبعد ذا لا يصغى إلى ما عن بعض من الوسوسة في الحكم المزبور ومصيره إلى الخلاف ، كل ذلك ( مضافا ) إلى كونه من مقتضيات الضابط الذي ذكرناه لغير المحصور ( فإنه ) مع بلوغ كثرة الأطراف إلى حد تورث الوهن في احتمال مصادفة كل فرد بشخصه للحرام الواقعي عند لحاظه منفردا عن البقية بحيث يطمئن فيه بالعدم ، يخرج احتمال التكليف في كل فرد عن مورد اعتناء العقلاء ، فلا يستقل العقل فيه بوجوب الاجتناب مراعاتا للاحتمال المزبور ( نعم ) لما كان ضعف احتمال وجود التكليف في كل فرد بانفراده ملازما لقوة احتمال وجوده في البقية ( أمكن ) دعوى ان بنائهم على عدم الاعتناء باحتمال التكليف في كل فرد ( انما ) هو لاخذهم بالظن القائم بالوجود في البقية

٣٣٢

الراجع إلى بنائهم على بدلية أحد الأطراف عن الواقع في المفرغية ولو تخييرا ( والا ) فضعف احتمال وجود التكليف في كل فرد لا يكون مصححا لجواز الارتكاب وان بلغ في الضعف ما بلغ خصوصا على مبنى علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ( ولعلة إلى ) ذلك يكون نظر الأصحاب في بنائهم على عدم وجوب الاحتياط ورعاية احتمال التكليف في كل فرد ، والا فمن البعيد جدا قيام اجماع تعبدي منهم في البين على الحكم المزبور كما هو ظاهر ( هذا بالنسبة ) إلى الموافقة القطعية ( واما المخالفة ) القطعية فيظهر حكمها مما ذكرناه ، فإنه على ما اخترناه من الضابط يكون العلم الاجمالي على تأثيره في حرمة المخالفة القطعية ، بل عرفت ان مقتضاه وجوب الموافقة أيضا كما في المحصور وان عدم وجوب الاجتناب عن كل فرد انما هو بمناط جعل البدل لا بمناط سقوط العلم عن التأثير بالنسبة إلى الموافقة القطعية ( والى ذلك يكون ) نظر الشيخ قدس‌سره في مصيره إلى حرمة المخالفة القطعية كما صرح به في صورة الشك في كون الشبهة محصورة ( نعم ) لو كان بناء العقلاء في عدم الاعتناء باحتمال التكليف في كل فرد من جهة عدم اعتدادهم بالعلم الاجمالي الحاصل في البين لخروجه لديهم عند كثرة الأطراف عن التأثير وصلاحية البيانية والمنجزية للواقع « لكان » مقتضاه جواز المخالفة القطعية أيضا « ولكن الشأن » في اثبات هذه الجهة ، ولا أقل من عدم احراز ذلك فيبقى العلم الاجمالي على تأثيره في حرمة المخالفة القطعية « ومنه يظهر » الكلام فيما لو كان المستند لجواز الارتكاب هو الاجماع ( فان المسلم منه ) هو قيامه على الترخيص في ترك تحصيل القطع بالموافقة بالاحتياط ، وذلك أيضا بمناط كشفه عن بدلية أحد الافراد عن الواقع في مقام المفرغية ولو بنحو كان اختيار تعينيه بيد المكلف ، والا فمع علية العلم الاجمالي حتى بالنسبة إلى الموافقة القطعية ، يستحيل بدونه الترخيص في البعض أيضا لمنافاته مع حكم العقل تنجيزيا بلزوم الخروج عن العهدة ، ومقتضى ذلك هو عدم جواز المخالفة القطعية لبقاء العلم الاجمالي على تأثيره في حرمتها ( نعم ) لو قيل بكشف الاجماع المزبور عن حجية تلك الظنون المتعلقة بعدم التكليف في كل فرد عند انفراده في اللحاظ عن غيره ، لأمكن دعوى عدم

٣٣٣

حرمة المخالفة القطعية ، فإنه بعد أن يلازم الظن بعدم التكليف في كل فرد للظن بالوجود في البقية ، يصير كل ظن بقيامه على عدم التكليف في كل فرد مخرجا له عن دائرة المفرغ لاقتضائه بالملازمة لكون الحرام المعلوم في غيره من الأطراف ، نظير الامارات القائمة على تعيين المعلوم بالاجمال في بعض الأطراف إلى أن ينتهى إلى الفرد الاخر فيكون الظن القائم بعدم التكليف فيه مخرجا له أيضا عن دائرة المفرغ لاثباته بالملازمة لكون المعلوم بالاجمال في غيره من الافراد التالفة الخارجة بآثارها عن مورد ابتلاء المكلف نظير الأمارة القائمة على تعيين المعلوم بالاجمال في أحد طرفي العلم بالخصوص بعد تلفه ( ولكن ) الكلام في استفادة ذلك من الاجماع المزبور ( فإنه ) غاية ما يقتضيه الاجماع انما هو الترخيص في ترك الموافقة القطعية بالاحتياط وبضميمة علية العلم الاجمالي للموافقة القطعية يكون المستكشف منه هو جعل بدلية أحد الافراد عن الواقع في مقام تفريغ الذمة بنحو يكون اختيار تعينيه بيد المكلف ( واما ) اقتضائه لحجية تلك الظنون فلا ، إذ ذلك يحتاج إلى دلالة وهي مفقودة ( ومع ) الغض عن ذلك ، فالمتيقن منها هو حجيتها تخييرا فيما عدى مقدار المعلوم بالاجمال الملازم لوجوب ابقاء مقدار الحرام وعدم ارتكابه ( لا حجية ) كل واحد منها تعينيا ( مضافا ) إلى العلم الاجمالي حينئذ بمخالفة أحد هذه الظنون للواقع الموجب بمقتضى بطلان الترجيح بلا مرجح لسقوط الجميع عن الحجية ( الا ان ) يدفع ذلك بأنه مع تدريجية هذه الظنون وعدم اجتماعها في زمان واحد لا يضر العلم الاجمالي المزبور ، إذ لا ينتهى الامر من حجية الجميع إلى التعبد بظنون متعددة على خلاف العلم في زمان واحد ، فتأمل ( وكيف كان ) فهذا كله على المشرب المختار في ضابط كون الشبهة غير محصورة ( واما ) على المشارب الاخر فعلى المشرب الأول الذي يرجع إليه ظاهر كلام الشيخ قدس‌سره من جعل ضابط عدم الحصر بلوغ كثرة الأطراف إلى حد يوجب عدم اعتناء العقلاء بالعلم الاجمالي الحاصل في البين وصيرورته لديهم كالشك البدوي ، لا اشكال في أن لازمة هو جواز المخالفة القطعية من غير فرق بين كون الشبهة وجوبية أو تحريمية ( واما ) على مشرب من جعل الضابط فيها بلوغ كثرة الأطراف حدا يوجب عدم التمكن العادي من الجمع بين المحتملات في الاستعمال ( فلازمه ) في الشبهة الوجوبية هو

٣٣٤

التبعيض في الاحتياط ووجوب الموافقة الاحتمالية نظرا إلى امكان المخالفة القطعية ح ، بترك جميع الأطراف ( نعم ) لما لا يتمكن من الموافقة القطعية بالجمع بين الأطراف في الاستعمال يسقط وجوبها ، ونتيجة ذلك هو التبغيض في الاحتياط كما أشرنا إليه ( واما ) في الشبهة التحريمية ، فقد يقال بافتضائه لسقوط العلم الاجمالي رأسا ( اما ) بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية فلعدم التمكن منها ، واما بالنسبة إلى الموافقة القطعية ، فلان وجوبها فرع حرمة المخالفة القطعية لان وجوب الموافقة القطعية متفرغ على تعارض الأصول وتساقطها وهو متفرغ على حرمة المخالفة القطعية ، فإذا لم تحرم المخالفة القطعية ، ولو بعدم التمكن العادي منها فلا تعارض بين الأصول ومع عدم تعارضها لا يجب الموافقة القطعية ، ثم أشكل على ما افاده الشيخ قدس‌سره من التفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية بحرمة الأولى وعدم وجوب الثانية ، بان حرمة المخالفة القطعية قرع التمكن من المخالفة ومع التمكن منها لا تكون الشبهة غير محصورة ( وفيه ) ان عدم امكان الجمع بين المحتملات بعدم التمكن من البعض غير المعين لا يقتضى الا عدم انتهاء الامر إلى القطع بالمخالفة لا عدم التمكن من المخالفة واقعا كي يقتضى عدم حرمة مخالفة المعلوم بالاجمال ، وحينئذ فمع فرض القدرة على فعل كل واحد في ظرف عدم الاخر ، تحرم المخالفة لا محالة ، وان لم ينتهى الامر إلى القطع بها ، ولازمه المنع عن جريان الأصول النافية الموجب لحكم العقل بوجوب الموافقة القطعية ( واما ) ما أفيد من تعليل عدم وجوب الموافقة القطعية بعدم تعارض الأصول في الأطراف ، نظرا إلى أن المانع من جريانها انما هي المخالفة القطعية العملية ومع عدم انتهاء الامر إلى القطع بها لا تعارض بينها فلا يجب الموافقة القطعية ( ففيه ) مضافا إلى جريان مثله في الشبهة المحصورة أيضا في فرض عدم تمكن المكلف من المخالفة القطعية بالجمع بين الأطراف كما لو علم بخمرية أحد المايعين ولم يتمكن الا من شرب أحدهما ، فإنه مع عدم التمكن من المخالفة القطعية لا ينتهى الامر على هذ المبنى إلى تعارض الأصول ، فلابد من المصير إلى جواز ارتكاب أحدهما ، مع أنه كما ترى لا يظن التزامه من أحد ، انه مبنى على القول باقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية ، ( والا فعلى ) القول بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ومانعيته عن جريان الأصل النافي للتكليف

٣٣٥

ولو في بعض الأطراف بلا معارض كما هو التحقيق ، فلا يتم ذلك ( لان ) مجرد عدم التمكن من المخالفة القطعية بالجمع بين المحتملات لا تقتضي سقوط العلم عن التأثير بالنسبة إلى الموافقة القطعية مع التمكن منها بترك جميع الأطراف كما هو ظاهر ( واما ) اشكاله على الشيخ قدس‌سره فالانصاف انه في غير محله ( إذ هو ) قدس‌سره لم يقل بالضابط المذكور بل ، ولا ذكره أيضا في عداد الضوابط ( نعم ) مقتضى ما افاده قدس‌سره من الضابط كما ذكرناه هو جواز المخالفة القطعية ، ولكنه اعرض عنه والتزم بنحو ما ذكرناه من مؤثرية العلم الاجمالي في التنجيز كما في المحصور بنحو يمنع عن الترخيص على خلافه ولو في البعض الا بجعل بعض الأطراف بدلا ظاهريا عن المعلوم بالاجمال يقتضى قيامه مقامه في مقام الامتثال وتفريغ الذمة فراجع ( بقى الكلام ) في حكم الشك في كون الشبهة غير محصورة ( والظاهر ) هو اختلافه باختلاف الوجوه المتقدمة في ضابط عدم حصر الشبهة ( فعلى الوجه ) الأول الذي ارتضاه الشيخ قدس‌سره يكون ملحقا بغير المحصور لرجوع الشك في الحصر وعدمه حينئذ إلى الشك في بيانية العلم الاجمالي لدي العقلاء وصلاحيته للمنجزية فيكون المرجع في مثله هي البراءة ( واما على الوجه الثاني ) وهو بلوغ كثرة الأطراف حدا لا يتمكن من الجمع بينها في الاستعمال ، فلازمه هو الحاق صورة الشك في الحصر بالمحصور في وجوب الاحتياط ( لرجوع ) الشك المزبور حينئذ إلى الشك في القدرة مع العلم بالخطاب ووجود الملاك ، فلابد من الاحتياط لاستقلال العقل في مثله بلزوم الجري على ما يقتضيه العلم وعدم الاعتناء باحتمال العجز ( وكذلك ) الحال على الضابط المختار فمقتضاه أيضا هو الحاق فرض الشك في الحصر بالمحصور في وجوب رعاية العلم الاجمالي ( لان ) مرجع الشك في الحصر إلى الشك في جعل البدل الذي هو المصحح للترخيص في ترك الاحتياط ، ومع الشك فيه وعدم احرازه لابد من مراعاة العلم الاجمالي فيجب الاحتياط بالاجتناب عن جميع المحتملات ، هذا اتمام الكلام في الشبهة غير المحصورة ( واما ) شبهة الكثير في الكثير وهي ما كان المردد بين الأمور غير المحصورة افراد كثيرة نسبة مجموعها إلى المشتبهات كنسبة الشيء إلى الأمور المحصورة ، كما إذا علم بوجود خمسمائة شاة موطوئة في الفين شاة ، حيث إن نسبة مجموع المعلوم بالاجمالي إلى

٣٣٦

المشتبهات كنسبة الواحد إلى الأربعة ، فحكمها حكم الشبهة المحصورة بل هي في الحقيقة من افرادها فتجري فيها قواعد العلم الاجمالي من حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية

( الامر الخامس ) الظاهر أنه لا فرق في وجوب رعاية العلم الاجمالي بالموافقة القطعية ، بين ان يكون العلم الاجمالي بالتكليف في دائرة واحدة كالعلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين ، وبين ان يكون العلم الاجمالي بالتكليف في دائرتين كما إذا علم بوقوع قطرة بول في أحد الانائين ، اما الأبيض منهما أو الأحمر ، مع العلم أيضا بوقوع قطرة أخرى من البول اما في الاناء الأبيض أو الأسود بحيث تقع الاناء الأبيض طرفا للعلمين الاجماليين ( ففي القسم الثاني ) أيضا لابد بمقتضى العلم الاجمالي من الاجتناب عن الأواني الثلاث ، لرجوع العلمين المزبورين إلى علم اجمالي ، اما بتكليف واحد متعلق بالاجتناب عن الاناء الأبيض ، أو تكليفين متعلق أحدهما بالاجتناب عن الاناء الأحمر ، والاخر بالاجتناب عن الاناء الأسود ( فان ) مقتضى ذلك بعد تردد المعلوم بالاجمال بين المتبائنين انما هو الاجتناب عن الجميع تحصيلا لليقين بالفراغ ( وتوهم ) ان الواجب حينئذ هو الاجتناب عن الانائين منها وهما الاناء الأبيض الذي هو المجمع وآخر من الانائين الباقيين مخيرا بينهما ( بتقريب ) ان مرجع ذلك بعد تقارن العلمين واحتمال انطباق المعلوم بالاجمال فيهما على الاناء الأبيض الذي هو المجمع ، انما هو إلى الأقل والأكثر حيث كان الاناء الأبيض من جهة وقوعه طرفا للعلمين مما يعلم بوجوب الاجتناب عنه على كل تقدير ، غير أنه لا بد من ضم أحد الانائين الآخرين إليه من جهة طرفيته له وبالاجتناب عنهما يصير الشك بالنسبة إلى الاناء الباقي بدويا ، فيرجع فيه إلى البراءة ( مدفوع ) بمنع رجوع الشبهة في المقام إلى الأقل والأكثر ، كيف وان ضابط كون الشبهة من صغريات الأقل والأكثر كما سيجيء انشاء الله تعالى هو ان يكون ما فرض كونه أقلا مما يعلم بوجوبه أو حرمته على كل تقدير بحيث كان الأقل محفوظا في ضمن الأكثر ولولا بحده كما في العلم باشتغال الذمة بالدين المردد بين كونه درهما أو درهمين ( كما أن ) ضابط كون الشبهة من المتائيين ، هو ان لا يكون هناك شيء متيقن الوجوب أو الحرمة على كل تقدير بان كان التكليف المعلوم في البين مرددا في أصله بين تعلقه

٣٣٧

بهذا الشيء المتيقن أو بذلك الاخر بحيث يستتبع تشكيل قضية منفصلة حقيقية من الطرفين ، فيقال اما ان يكون الواجب هذا أو ذاك الاخر ( ومن الواضح ) عدم صدق الضابط المزبور في الأقل والأكثر في مفروض المسألة ، بل الصادق فيه انما هو الضابط الثاني لعدم وجود القدر المتيقن في المأمور به ، والاناء الأبيض الذي فرضيناه مجمع العلمين لا يعلم كونه مكلفا بالاجتناب عنه على كل تقدير ، لان من المحتمل انطباق المعلوم بالاجمال في كل من العلمين على غيره من الانائين الآخرين ( ومعه ) أين يمكن دعوى اندراج المقام في الأقل والأكثر ( فلا محيص ) ح من الاجتناب عن الجميع لاندراجه في كبرى العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين تكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرف آخر ( نعم ) ما هو من قبيل الأقل والأكثر هو ان يكون المعلوم بالاجمال مرددا بين تكليف واحد في طرف أو تكليفين أحدهما ذاك التكليف الثابت في الطرف الخاص والاخر في غيره ( ولكنه انى ) يكون المقام من هذا القبيل فتدبر ( هذا ) إذ كان العلمان متقارنين زمانا ( واما لو كان ) أحدهما سابقا على الاخر ، فيمكن ان يقال انه لا اثر للعلم اللاحق لوروده على ما تنجز أحد طرفيه بالعلم الاجمالي السابق « فان » من شرط تأثير العلم الاجمالي هو ان يكون كل طرف منه قابلا للتنجز من قبله مستقلا وبعد عدم قابلية تكليف واحد للتنجزين تكون هذه القابلية مفقودة في العلم الاجمالي اللاحق ، إذ بتنجز أحد طرفيه بالعلم السابق يخرج ذلك الطرف عن قابلية التنجز بالعلم اللاحق مستقلا وبخروجه يخرج العلم الاجمالي عن تمام المؤثرية في معلومه وهو الجامع الاجمالي القابل للانطباق على كل طرف ، ولازمه عدم تأثيره في الطرف الآخر أيضا لرجوع الشك بالنسبة إليه إلى الشك البدوي ، فيرجع فيه إلى البراءة « ولكن فيه » ان ذلك انما يتم إذا كان العلم السابق يجدونه مؤثرا في التنجيز إلى الأبد « والا فعلى » ما هو التحقيق في كل طريق من أن التنجيز في كل آن منوط بوجود العلم في ذاك الان ، فلا فرق بين هذا الفرض والفرض السابق « فان » من حين حدوث العلم اللاحق يكون حاله بعينه حال صورة تقارن العلمين ، فلابد فيه أيضا من الاجتناب عن الأواني الثلاثة لرجوعه إلى العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين تكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرفين آخرين « ثم انه » يلحق بما ذكرنا

٣٣٨

في وجوب رعاية المحتملات في المحصور ما إذا اشتبه بعض أطراف العلم الاجمالي بغيره كما لو علم بنجاسة أحد الانائين ثم اشتبه أحدهما بثالث فان الواجب حينئذ هو الاجتناب عن الثلاثة لصيرورة الاناء الثالث أيضا طرفا للعلم الاجمالي.

« الامر السادس » يعتبر في الحكم بوجوب الاجتناب ان يكون العلم الاجمالي مؤثرا في ثبوت التكليف الفعلي بالاجتناب عن الحرام المشتبه على كل تقدير ، بمعنى اعتبار ان يكون كل واحد من الأطراف بحيث لو علم تفصيلا كونه هو الحرام المشتبه لكان التكليف بالاجتناب عنه منجزا « فلو لم يكن » بعض الأطراف كذلك ، بان كان بعضها مما لا يحدث العلم تكليفا بالنسبة إليه لكونه تالفا أو كثيرا لا ينفعل بملاقات النجس أو كونه مما اضطر المكلف إلى ارتكابه بسبب سابق على العلم الاجمالي ، لما كان للعلم الاجمالي تأثير في التكليف الفعلي بالاجتناب أصلا ولو بالنسبة إلى الطرف الآخر لرجوع الشك في التكليف بالنسبة إليه إلى كونه شكا في أصل التكليف لا في المكلف به « وكذا » إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محل ابتلاء المكلف بمثابة يوجب خروجه عن تحت القدرة ، اما عقلا ، أو عادة بنحو يعد المكلف أجنبيا عن العمل عرفا وغير متمكن منه « وهذا على » الأول واضح لامتناع تعلق الإرادة الفعلية على نحو التنجيز بما لا يقدر عليه المكلف ( وكذا ) على الثاني ، فإنه وان لم يكن مانعا عن أصل تمشى الإرادة عقلا ولكنه مانع عرفا عن حسن توجيه الخطاب لاستهجان الخطاب البعثي نحو الفعل أو الترك عند العرف بما يعد المكلف أجنبيا عنه الا بنحو الاشتراط بفرض ابتلائه وتمكنه العادي منه ، بل قد يكون بعد الوصول إلى الشيء لبعد المقدمات بمثابة يوجب استهجانه ولو بنحو التقييد والاشتراط كان يقال لعامي بليد إذا صرت مجتهدا يجب عليك التسهيل في الفتوى ، أو لدهقان فقير إذا صرت سلطانا فلا تظلم رعيتك ، حيث إنه وان أمكن عقلا بلوغ ذلك البليد إلى مرتبة الاجتهاد وكذا الدهقان الفقير إلى مرتبة الملوكية على خلاف ما تقتضيه العادة ، الا ان بعد المقدمات يوجب عرفا استهجان الخطاب المزبور ولو بنحو الاشتراط « وبما ذكرنا » ظهر ان المناط في استهجان توجيه الخطاب انما هو ببعد وصول المكلف إلى العمل بمثابة يعد كونه أجنبيا عنه عرفا وغير قادر عليه عادة لا ان المناط فيه هو متروكية العمل قهرا كما يظهر من الشيخ

٣٣٩

قدس‌سره وعليه فلا فرق في الاستهجان بين كون الخطاب أمرا أو نهيا « فإنه » كما أن العرف لا يحسنون توجيه الخطاب التحريمي إلى من يرونه أجنبيا عن العمل وغير قادر عليه بحسب العادة ، كذلك لا يحسنون توجيه الخطاب الايجابي أيضا في الفرض المزبور ، ولذا ترى استهجان الخطاب الايجابي على وجه التنجيز إلى سوقي فقير بتزويج بنات الملوك غير معلق بفرض الابتلاء والتمكن العادي منه ، بعين استهجان التكليف بالاجتناب عن تزويجهن ، وهكذا الخطاب بوجوب اكله من الطعام الموضوع قدام الملك أو لبسه الثياب التي لبسها الملك ونحو ذلك من الأمور التي يعد المكلف بحسب حاله أجنبيا عنها وغير قادر عليها عادة ، ومجرد كون الغرض من النهى هو الترك الحاصل قهرا ، ومن الامر الايجاد غير مجد في رفع استهجان الخطاب إلى من يرونه العرف غير قادر على العمل بحسب العادة « فان » محذور لغوية الخطاب لكونه تكليفا بأمر حاصل بالفعل غير محذور استهجانه من جهة كونه تكليفا بما هو غير مقدر عادى للمكلف ، وليس يجدي ارتفاع أحد المحذورين في ارتفاع المحذور الاخر كما هو ظاهر « فالتفصيل » حينئذ كما عن بعض في اعتبار القدرة العادية بين الخطاب التحريمي والخطاب الوجوبي باعتبارها في الأول في صحة الخطاب وحسنه دون الثاني لكفاية مجرد القدرة العقلية فيه في صحة الخطاب وحسنه « منظور فيه » يظهر وجهه مما قدمناه « نعم » يتجه الفرق المزبور بين الأمر والنهي لو كان مناط الاستهجان هو لغوية الخطاب من حيث كونه تكليفا بأمر حاصل ، لا كونه تكليفا بما هو غير مقدر عادى للمكلف « لان » المطلوب في النواهي بعد أن كان هو مجرد الترك واستمراره وعدم نقضه بالوجود فلا جرم بعدم القدرة العادية على الايجاد يتحقق الترك الذي هو المطلوب وبحصوله يصير النهي عنه لغوا مستهجنا لكونه من التكليف بترك ما يكون منتركا عادة فلا يبقى معه مجال لأعمال المولوية « بخلاف » الأوامر فان المطلوب فيها انما يكون هو الفعل لاشتماله على مصلحة لازمة الاستيفاء في عالم التشريع ، وحيث إن السبب لايجاده لا يكون الا دعوة امره وكان المفروض هو تمكن المكلف من الايجاد عقلا كان لأعمال المولوية فيه مجال واسع ، فله الامر بايجاده ولو بتحصيل الأسباب البعيدة الخارجة عن القدرة العادية للمكلف « ولكن ذلك كما ترى » إذ مضافا إلى

٣٤٠