نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

في الواقع أيضا ، بخلاف المقام فان للعنوان المعلوم بالاجمالي واقع محفوظ بنظر القاطع ولكنه مجهول عنده فلم يدر انه هذا أو ذاك ومن ذلك تنحل القضية المعلومة بالاجمال دائما إلى قضية معلومة على سبيل منع الخلو وهي وجوب أحد الامرين وقضيتين أو قضايا مشكوكة بالنسبة إلى كل واحد من الأطراف حيث كان انطباقه على كل واحد منها احتماليا محضا وبهذه الجهة يفترق هذا الجامع عن الجامع المأخوذ في متعلقات الاحكام ، حيث إن الجامع المأخوذ في حيز التكاليف عبارة عن الطبيعي قبل الانطباق لا بوصف تعينه وموجوديته خارجا بل في ظرف عدمه بنحو يكون الطلب محركا لايجاده ويكون تعينه بايجاده في الخارج والا فقبل الايجاد لا يكون له الا مجرد قابلية الانطباق على كل فرد ، ولذا يتحقق الامتثال باتيان أي فرد يختاره المكلف حتى في مثل النكرة التي تكون قابلية الانطباق فيها تبادليا وهذا بخلاف الجامع المتعلق للعلم الاجمالي فإنه عبارة عن الجامع المنطبق بوصف موجوديته وتعينه في الخارج وكان الترديد في أن المنطق عليه هو هذا أو ذاك ومن لوازم ذلك كما سيجيء هو سراية التنجز إلى الواقع بملاحظة كونه من توابع ما هو الموجود من الحكم في الخارج وان لم يسر إليه العلم لوقوفه على نفس العنوان الاجمالي.

الثالث الظاهر أنه لا قصور في شمول أدلة الأصول بذاتها للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي مع قطع النظر عن منجزية العلم ، وذلك اما الأصول غير التنزيلية فظاهر لتحقق موضوعها وهو الشك بالوجدان فان كل واحد من الانائين الذين علم بحرمة أحدهما أو بنجاسته مما يصدق عليه بعنوانه الخاص انه شيء لا يعلم حرمته أو نجاسته فتشمله حديث الرفع والحجب ودليل السعة والحلية والطهارة من غير فرق بين ما كان منها مذيلا بالغاية وهي المعرفة وبين غيره مما لم يكن مذيلا بهذا الذيل وهذا بناء على انصراف الغاية إلى العلم التفصيلي واضح وكذلك بناء على منع الانصراف المزبور وشمول المعرفة للعلم الاجمالي أيضا ، فان جريان الأصول انما كان في كل واحد من المشتبهين بعنوانه الخاص ، ومع تغاير متعلق كل من اليقين والشك في العلم الاجمالي ووقوف العلم على نفس عنوان معروضه من الصورة الاجمالية وعدم سرايته إلى الخارج ولا إلى العناوين التفصيلية ، لا قصور في شمولها لكل واحد من الأطراف بخصوصه ، حيث إن كل واحد منها مما يصدق عليه بعنوانه الخاص انه مما لا يعلم حرمته لا تفصيلا

٣٠١

ولا اجمالا فيكون حلالا بمقتضى عموم دليل الحلية وكان الناس في سعة من جهته وكان مرفوعا وموضوعا عنهم فان الذي علم حرمته انما هو العنوان الاجمالي المعبر عنه بأحد الامرين ، ولكن نفى السعة من جهته لا يقتضى نفيها من غير تلك الجهة كما أنه ليس مؤدى شيء من الأصول أيضا نفى الالزام بالنسبة إلى العنوان المزبور لما عرفت من أن مؤدياتها انما هو نفى الالزام في كل واحد من المشتبهين بخصوصه ( نعم ) لو كان مفادها هو نفى الالزام في كل واحد منضما مع الاخر ، لاتجه المنع عن جريانها لمكان العلم الاجمالي بحرمة أحدهما ولكنه ليس كك ، بل انما مفادها هو عدم حرمة هذا بخصوصه وذاك بخصوصه ، وبعد عدم تعلق العلم الاجمالي بحرمة شيء منهما بعنوانه الخاص لا يكاد يمنع العلم الاجمالي المزبور عن شمول العمومات المزبورة لكل واحد منهما بعنوانه الخاص خصوصا مع اقتران ذيل بعضها كعمومات الحلية بكلمة بعينه الظاهرة في العلم التفصيلي بمقتضى ظهورها في اتحاد متعلق الشك والغاية ( نعم ) في رواية السعة يمكن منع شمولها لأطراف العلم الاجمالي بناء على احتمال كون كلمة ما مصدرية ظرفية لا موصولة فإنه بناء على تعميم العلم فيها بالعلم الاجمالي يشكل شمولها لأطراف العلم الاجمالي ( ولكن ذلك ) مضافا إلى كونه خلاف الظاهر أنه يكفي * ح * سائر العمومات المرخصة حيث لا قصور في شمولها لكل واحد من الأطراف من حيث نفسه مع قطع النظر عن منجزية العلم الاجمالي.

( واما الأصول التنزيلية ) كالاستصحاب ونحوه مما كان ناظرا إلى الواقع فقد يمنع عن جريانها في أطراف العلم الاجمالي ولو مع قطع النظر عن منجزية العلم الاجمالي واستلزامه المخالفة العملية وقد أفيد في وجه المنع ) بوجهين أحدهما ما عن بعض الأعاظم قده من دعوى قصور المجعول فيها ثبوتا عن الشمول لجميع أطراف العلم نظرا إلى مضادة جعل الاستصحابين في الطرفين مع ذات العلم الاجمالي بتقريب ان مع العلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين يعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأطراف وانقلاب الاحراز السابق الذي كان في جميع الأطراف إلى احراز آخر يضاده ، فلا يمكن ثبوتا جعل الاستصحابين في الطرفين والتعبد ببقاء الاحراز السابق فيهما لامتناع اجتماع الاحراز التعبدي فيهما مع الاحراز الوحداني بالخلاف في أحدهما من غير فرق بين ان يلزم من جريان الاستصحابين مخالفة عملية للتكليف المعلوم بالاجمال

٣٠٢

وهو وجوب الاجتناب عن النجس بينهما وعدم جواز استعماله في المشروط بالطهارة ، وبين ان لا يلزم من جريانهما مخالفة عملية ، كما في الانائين مقطوعي النجاسة سابقا مع العلم بطهارة أحدهما لاحقا حيث لا يلزم من استصحاب نجاستهما مخالفة عملية للمعلوم الاجمالي فعلى كل تقدير لا يمكن ثبوتا جعل كلا الاستصحابين معا في الطرفين لامتناع اجتماع الاحراز التعبدي فيهما مع الاحراز الوجداني في أحدهما بالخلاف ( ولكن لا يخفى ما فيه ) إذ بعد ما عرفت في شرح العلم الاجمالي من تغاير متعلق اليقين والشك ووقوف العلم على معروضه الذي هو العنوان الاجمالي وعدم سرايته منه إلى الخارج ولا إلى العناوين التفصيلية للاطراف ، نقول انه لا وجه لدعوى المضادة المزبورة بين الاحراز التعبدي في كل من الطرفين بخصوصه مع الاحراز الوجداني بنحو الاجمال بالخلاف ، فان موضوع الابقاء التعبدي فيهما لا يكون الا المتيقن أو اليقين السابق بنجاسة كل من اناء زيد واناء عمر وبخصوصه ، وبالعلم الاجمالي المزبور لم « ينقلب » اليقين السابق في شيء منهما إلى اليقين بالخلاف إذ كل واحد منهما بعنوانه الخاص مما يشك وجدانا في بقاء طهارته بعد كونه مسبوقا باليقين بها ( نعم ) ما هو المنقلب بالعلم الاجمالي انما هو اليقين بأحد العنوانين أو أحد اليقينين بهذا العنوان الاجمالي ولكن موضوع التعبد بالبقاء لا يكون هو اليقين بأحد العنوانين ولا أحد اليقينين حتى ينافي العلم الاجمالي ( وانما الموضوع ) فيه هو خصوص اليقين بنجاسة اناء زيد واليقين بخصوص اناء عمرو وشئ منهما لا يعلم بانتقاضه حتى يمنع عن جعل كلا الاستصحابين ومجرد اتحاد العنوانين بحسب المنشأ والعنوان الخارجي لا يقتضى قلب الاحراز السابق فيهما إلى احراز اخر يضاده بعد فرض تغاير العنوانين ووقوف كل من اليقين والشك على نفس متعلقه من العنوان الاجمالي والتفصيلي ( نعم ) لو قيل بسراية اليقين من متعلقه الذي هو العنوان الاجمالي إلى الخارج لكان لما أفيد وجه وجيه ، ولكنه ممنوع جدا بشهادة اجتماع اليقين والشك في العلم الاجمالي بتوسط العنوان الاجمالي والتفصيلي فإنه لولا وقوف كل من الوصفين على عنوان معروضه للزم اجتماع اليقين والشك مع ما كان بينهما من المضادة في موضوع واحد « وعليه نقول » انه إذا لم يكن هذا الاحراز الوجداني القائم بالعنوان الاجمالي منافيا مع الشك بالعنوان التفصيلي ولو مع كونهما متحدين وجودا في

٣٠٣

الخارج ، فكيف يكون منافيا مع ما هو من احكام هذا الشك القائم بالعنوان التفصيلي المعبر عنه بالاحراز التعبدي ، وبالجملة لا تعرف وجها لانكار الجمع بين الاحراز التعبدي في كل من الطرفين مع الاحراز الوجداني بالخلاف في أحدهما بنحو الاجمال فإنه ان أريد بالعلم بالانتقاض انقلاب اليقين بخصوص اناء زيد وخصوص اناء عمرو إلى اليقين بالخلاف فهي مما يكذبه الوجدان ، وان أريد به انقلاب أحد اليقينين بنحو الاجمال أو اليقين بأحد الامرين فهو مسلم ولكنه لا يجدى في المنع عن جريان الاستصحابين في الطرفين بعد كون موضوع الابقاء التعبدي فيهما هو خصوص اليقين بطهارة اناء زيد وخصوص اليقين بطهارة اناء عمرو ، مع أن لازم البيان المزبور هو المنع عن جريان الأصول في الموارد التي يلزم من جريانها التفكيك بين المتلازمين كاستصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن عند الوضوء بمايع مردد بين الماء والبول نظرا إلى تحقق المناط المزبور وهو المضادة فيه أيضا فإنه كما أن التعبد بنجاسة الانائين ينافي الاحراز الوجداني بطهارة أحدهما كك التعبد ببقاء كل من الحدث وطهارة البدن ينافي الاحراز الوجداني بعدم بقاء أحدهما مع أن ذلك كما ترى خلاف ما تسالموا عليه من التفكيك بين المتلازمين والجمع بين الاستصحابين في نحو الفرض المزبور ، ودعوى الفرق بين القسمين بان المنع عن جريان الأصل في طرفي العلم الاجمالي انما يكون إذا كان الاستصحابان متحدين في المؤدي ومتوافقين على نفي ما علم تفصيلا ثبوته أو على ثبوت ما علم تفصيلا نفيه كما في استصحاب طهارة الانائين أو نجاستهما مع العلم بنجاسة أحدهما أو طهارته حيث كان الاستصحابان متوافقين على نفي ما يعلم تفصيلا من نجاسة أحدهما أو طهارته فيعلم تفصيلا بكذب ما يؤديان إليه ، وأما إذا لم يكونا كك بان كانا متخالفين في المؤدي كما في استصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث في المثال فلا مانع من جريانهما إذ لا يلزم من التعبد بهما العلم التفصيلي بكذب ما يؤديان إليه وانما يعلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع ولا ضير في هذا المقدار بعد عدم توافقهما على خلاف ما يعلم تفصيلا ثبوته أو نفيه ( مدفوعة ) بان مجرد مخالفة مؤدي الأصلين لا يجدى في رفع المضادة بين التعبد ببقاء كل من الامرين مع العلم بعدم بقاء أحدهما تفصيلا.

الثاني من وجهي المنع مما يظهر من بعض كلمات الشيخ قدس‌سره

٣٠٤

من المنع عن شمول أدلة الأصول لأطراف العلم بدعوى انه يلزم من الشمول لأطراف العلم الاجمالي مناقضة الصدر والذيل في مثل قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر ، حيث إن حرمة نقض اليقين بالشك في كل واحد من الامرين ينافي وجوب نقض اليقين بمقتضى الذيل والحكم بالأخذ بخلاف الحالة السابقة في أحدهما فمع العلم الاجمالي بارتفاع الحالة السابقة في أحد المستصحبين لابد من خروجهما عن عموم لا تنقض ، إذ لا يمكن ابقاء كل منهما تحت عمومه لمحذور المناقضة ، ولا ابقاء أحدهما المعين لعدم الترجيح بعد اشتراك الاخر معه في مناط الدخول ولا أحدهما المخير لعدم كونه من افراد العام إذ ليس فردا ثالثا غير الفردين المشخصين في الخارج « ولكن فيه » بعد الغض عن انصراف الذيل إلى اليقين المتعلق بما تعلق به الشك واليقين السابق في قوله (ع) لا تنقض غير الشامل لليقين الاجمالي ، انه يمنع كون وجوب النقض عند العلم بالخلاف ولو اجمالا حكما تعبديا كي يتحقق المناقضة المدلولية بين حرمة النقض في كل واحد من اليقينين وبين وجوب النقض في أحدهما كيف وان وجوب النقض عند اليقين بالخلاف ارتكازي عقلي غير قابل لتصرف الشارع فيه مولويا بخلاف حرمة نقض اليقين بالشك ، فلا محيص من أن يكون ارشادا محضا إلى ما يقتضيه حكم العقل من تنجيز الواقع في ظرف اليقين بالخلاف ، وذلك أيضا في فرض تعلق العلم الاجمالي بتكليف ملزم بنحو يلزم من جريان الأصل في الطرفين مخالفة عملية للتكليف المعلوم بالاجمال ، والا ففي فرض عدم تعلقه بالتكليف فلا يقتضي ذلك وجوب نقضه كما في العلم بطهارة أحد الانائين مع اليقين السابق بنجاستهما لان غاية ما يقتضيه ذلك هو عدم الاجتناب عنه عملا وهو غير مناف لوجوب الاجتناب عن كل منهما بمقتضى حرمة النقض ، نعم لو أريد بذلك تقييد الصدر بصورة عدم قيام العلم بالخلاف مطلقا ولو اجمالا لكان لما افاده وجه وجيه فان للشارع ان يجعل حكم الصدر مغيا بعدم العلم بالخلاف ولو اجمالا مطلقا ، ولكنه مضافا إلى بعده عن ظاهر الرواية لظهور الذيل فيها في كونه لمحض الارشاد إلى حكم العقل كما بيناه بلا نظر إلى حيث لتقييد المزبور ، مبني على اطلاق اليقين في الذيل وشموله للموارد التي لا يلزم من جريان الأصل في الطرفين طرح ونقض عملي للمعلوم بالاجمال

٣٠٥

وهو في محل المنع ولا أقل من اجماله من هذه الجهة فيؤخذ باطلاق الصدر الشامل لكلا الشكين ( وعلى فرض ) اجماله أيضا ولو من جهة اتصاله بالذيل المزبور لا مانع من الرجوع إلى اطلاق الاخبار الخالية عن هذا الذيل في الشمول لطرفي الشبهة ( مع أن ) لازم المنع عن الشمول لموارد العلم بارتفاع الحالة السابقة في أحدهما مطلقا ولولا يلزم مخالفة عملية هو المنع عنه في الصورة الثالثة في كلامه التي صرح بعدم مانعية العلم الاجمال عن العمل بالأصلين كاستصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث فيمن توضأ غفلة بمايع مردد بين الماء والبول لجريان مناط المنع فيها أيضا ( وكيف كان ) فالتحقيق انه لا قصور في شمول أدلة الأصول بنفسها لأطراف العلم الاجمالي ما لم يستلزم طرحا لتكليف منجز في البين من غير فرق فيه بين الأصول التنزيلية وغيرها ، وان عدم جريانها في أطراف العلم انما هو لمانعية العلم الاجمالي من جهة منجزيته لا من جهة قصورها بنفسها ولا من جهة مناقضة الصدر والذيل ( و ح ) على القول بعلية العلم الاجمالي للموافقة القطعية كما هو التحقيق لا مجال لجريانها ولو في بعض الأطراف حتى مع فرض الخلو عن المعارض ( كما أنه على ) القول بالاقتضاء بالنسبة إلى الموافقة القطعية دون المخالفة كان المانع عن جريانها معارضة كل منها مع الاخر الموجب لسقوط الجميع عن الجريان ، وهذا أيضا لولا ما سيجيء من شبهة التخيير الناشئ من تقييد جريان كل واحد من الأصلين في ظرف عدم العمل بالآخر لان علية العلم لحرمة المخالفة القطعية انما تكون مانعة عن الجمع بينهما وبعد التقييد المزبور لا باس بجريانهما واما على القول بالاقتضاء حتى بالنسبة إلى المخالفة القطعية وقابليته لمنع المانع فلا باس بجريانها في جميع الأطراف حتى الاستصحاب الذي هو من الأصول المحرزة نظرا إلى صلاحيتها للمانعية عن اقتضائه ، كما أنه في الأصول المثبتة الموافقة للمعلوم بالاجمال أيضا لا مانع من؟ جريانها في أطراف العلم كما هو ظاهر.

« وبعد ما عرفت هذه الأمور » فلنشرع في المقصود من صلاحية العلم الاجمالي للمنجزية وعليته بالنسبة إلى الحرمة المخالفة القطعية ( فنقول ) لا اشكال في أنه لا قصور في منجزية العلم الاجمالي لما تعلق به من التكليف ، وانه بنظر العقل بالإضافة إلى ما تعلق به كالعلم التفصيلي في حكمه بوجوب الامتثال ، إذ لا فرق بينهما الا من حيث اجمال

٣٠٦

المتعلق وتفصيله وهو غير فارق في المقام بعد كون مناط التحميل بنظر العقل احراز طبيعة امر المولى بلا دخل خصوصية فيه ، فمع فرض انكشاف ذلك لدى العقل يتحقق موضوع حكمه فيحكم بالاشتغال ووجوب الامتثال ، بل التحقيق ان حكمه بذلك يكون على نحو التنجيز بحيث يأبى عن الردع عنه بالترخيص على خلاف معلومه في تمام الأطراف ، كابائه عنه في العلم التفصيلي لكون ذلك بنظرة ترخيصا من المولى فيه معصيته وترك طاعته ، ومثله مما لا يصدقه وجدان العقل بعد تصديقه خلافه ، والشاهد على ذلك هو وجدان تلك المناقضة الارتكازية المتحققة في مورد العلم التفصيلي في المقام أيضا ( ومن الواضح ) انه لا يكون ذلك الا من جهة علية العلم الاجمالي وسببيته لحكم العقل تنجيزيا بصيرورة معلومه في العهدة بنحو يأبى عن الردع عنه ( والا ) فعلى فرض عدم اقتضاء العلم الاجمالي للاشتغال رأسا ، أو اقتضائه وتعليقية حكم العقل باشتغال العهدة بالتكليف بعدم مجيء الترخيص على الخلاف المفنى لطريقيته كالظن في حال الانسداد على ما قيل لم يكن مجال المناقضة المزبورة ( وذلك ) على الأول واضح ، إذ عليه لم يثبت شيء في العهدة حتى ينافيه الترخيص ( وكذلك على الثاني ) فإنه بالنسبة إلى فعلية الحكم الواقعي بمقدار يقتضيه ظهور الخطابات الواقعية لا تنافي بينهما بعد كون مرجع الردع عنه إلى الترخيص في المرتبة المتأخرة عن الواقع التي هي رتبة حكم العقل بالإطاعة ، ( بداهة ) اجتماع هذا المقدار من الفعلية مع الترخيص على الخلاف عند الجهل بالواقع ( نعم الذي ) لا يجتمع مع الترخيص انما هو الفعلي على الاطلاق حتى في ظرف الجهل بالواقع ، ولذا ينافيه الترخيص حتى في الشبهات البدوية المحضة الخارجة عن مفروض الكلام « دون الفعلي » من قبل الخطاب بمقدار اقتضائه واستعداده لحفظ وجود المرام « والأول » خارج عن مفروض الكلام « لان » محل البحث في علية العلم الاجمالي واقتضائه انما هو فرض تعلقه بصرف فعلية الخطابات الواقعية على وجه تتصف بالباعثية والزاجرية الفعلية عند قيام طريق منجز إليها عقليا كان أو شرعيا « و ح » فكما ان الترخيص في ظرف الجهل بالواقع غير مناف مع فعلية التكليف الواقعي « كك » الترخيص المحدث للجهل المفنى لطريقية الطريق بناء على التعليقية غير مضاد مع فعلية الواقع لعدم كون مثله موجبا لنقص في فعليته « واما بالنسبة »

٣٠٧

إلى حكم العقل بالاشتغال ولزوم المتابعة في الرتبة المتأخرة عن القطع ، فلان ثبوت المناقضة بينهما فرع تنجيزية حكم العقل بالاشتغال من قبل العلم الاجمالي ، لأنه من مبادئ المناقضة المزبورة ( والا ) فعلى فرض تعليقية حكمه بعدم الردع عنه بالترخيص على خلافه لا مجال للمناقضة في هذه المرحلة أيضا لوضوح ارتفاع موضوع حكم العقل بنفس الترخيص على خلاف « ولا فرق » فيما ذكرنا بين العلم الاجمالي والتفصيلي ، فإنه على مبنى اقضاء العلم التفصيلي أيضا وتعليقية طريقيته على عدم مجيء الترخيص على خلافه ، كان للشارع الغاء طريقيته بترخيصه على الخلاف « لان » مرجع تعليقية طريقيته إلى كونه قابلا لان لا يحصل به الاشتغال بالتكليف بترخيص الشارع على الخلاف من غير أن ينافي هذا الترخيص مع فعلية الواقع ولا مع حكم العقل بوجوب المتابعة والامتثال كما ذكرناه ( وحيث ) ان المناقضة الارتكازية في المقام متحققة فلا جرم يكشف مثلها انا عن علية العلم لاجمالي للاشتغال وتنجيزية حكم العقل من قبله بلزوم الامتثال بنحو يأبى عن الردع عنه بالترخيص على الخلاف في جميع الأطراف ، ولا نعنى من علية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية الا ذلك « هذا كله » فيما يتعلق بالجهة الأولى.

( واما الجهة الثانية ) فالتحقق فيها أيضا هو علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية على وجه يمنع عن مجيء الترخيص على الخلاف ولو في بعض الأطراف « ويظهر » وجهة مما قدمناه في الجهة الأولى « حيث نقول » ان من لوازم علية العلم الاجمالي بالتكليف للاشتغال به وسببيته لحكم العقل التنجيزي بتنجز ما يحكى عنه العنوان الاجمالي على المكلف وصيرورته في عهدته ، انما هو حكم العقل تنجيزيا بوجوب التعرض للامتثال ولزوم تحصيل الجزم بالفراغ والخروج عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف بأداء ما في العهدة ( ومقتضى ) ذلك بعد تردد المعلوم بالاجمال ومساوقة احتمال انطباقه على كل طرف لاحتمال وجود التكليف المنجز في مورده المستتبع لاحتمال العقوبة على ارتكابه ، هو حكم العقل بلزوم الاجتناب عن كل ما يحتمل انطباق المعلوم عليه من الأطراف وعدم جوز القناعة بالشك في الفراغ والموافقة الاحتمالية ، لعدم الا من من مصادفة ما ارتكبه لما هو الحرام المنجز عليه ، فتجري فيه قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، ولازمه

٣٠٨

اباء العقل أيضا عن مجيء الترخيص الشرعي ولو في بعض الأطراف من جهة كونه من الترخيص في محتمل المعصية الذي هو من الحكيم في الاستحالة كالترخيص في مقطوعها ( ولازمه ) بطلان التفكيك في علية العلم الاجمالي بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية ، بل بناء على العلية في طرف المخالفة لا محيص عن الالتزام بها في طرف الموافقة القطعية أيضا بنحو بمنع عن مجيء الترخيص الشرعي ولو في بعض الأطراف بلا معارض ( وبذلك يظهر ) اندفاع توهم الفرق بين المقامين من دعوى ان عدم تجويز العقل الاذن في الاقتحام في جميع الأطراف انما هو من جهة استلزامه الترخيص في نفس ما هو المعلوم المنجز في البين ، ومثله مما يمنع عنه العقل لكونه ترخيصا في المعصية ، بخلاف الاذن في الارتكاب بالنسبة إلى بعض الأطراف فإنه لما لا يستلزم ذلك لا يمنع عنه العقل لعدم تعلقه بنفس المعلوم بالاجمال وعدم العلم يكون الطرف المأذون فيه هو الحرام المعلوم في البين ( وجه ) الاندفاع ما عرفت من أن المنع عن الترخيص في كل طرف ، انما هو من جهة احتمال انطباق ما هو المنجز عليه الموجب لاحتمال العقوبة عليه ولكون الترخيص فيه ترخيصا في محتمل المعصية ( لا من جهة ) قصور أدلة الترخيص عن الشمول لأطراف العلم من جهة عدم الموضوع كي يصح الفرق المزبور بين المخالفة القطعية وموافقتها بعدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في الأولى وانحفاظها في الثانية ( واما دعوى ) ان شأن العلم تفصيليا أو اجماليا انما هو تنجيز متعلقه دون غيره وبعد وقوف العلم الاجمالي على نفس متعلقه وهو العنوان الاجمالي والجامع بين الافراد وعدم سرايته إلى الواقع ولا إلى خصوصيات الأطراف ( يلزمه ) لا محالة وقوف التنجيز أيضا تبعا للعلم على نفس الجامع بلا سرايته إلى الخارج ولا إلى العناوين التفصيلية لخصوصيات الأطراف ومع عدم سرايته يكون كل واحد من افراد الجامع تحت الترخيص العقلي بمناط عدم تمامية البيان ومعه لا موجب لوجوب الموافقة القطعية كي يمنع عن مجيئ الترخيص الشرعي في بعض الأطراف لعدم اقتضاء مثل هذا اليقين المتعلق بالجامع أزيد من حرمة المخالفة القطعية ، بل لازم ذلك جواز ترك الموافقة القطعية أيضا ولو لم يكن في البين ترخيص من قبل الشارع لكونه مقتضى الجمع بين تنجز الجامع وبين الترخيص العقلي في كل واحد من الافراد ( فمدفوعه )

٣٠٩

بان تنجز الاحكام انما هو من لوازم وجودها خارجا في ظرف وصولها إلى المكلف بأي طريق لا من لوازم وجودها ذهنا ولو بمرأتيته إلى الخارج ولذا عند كشف الخلاف وتبين عدم وجود الحكم لا تنجز في البين حقيقة وانما هو مجرد اعتقاد التنجز بتبع اعتقاد وجود الحكم ، ومجرد قيام العلم بالصور الذهنية وعدم قابليته للسراية إلى الخارج لا يقتضى عدم سراية التنجز إليه ، ( و ح ) فمع تنجز واقع التكليف بطريقه واحتمال وجوده في أي طرف يصير كل منهما لا محالة محتمل التنجز بعلمه فيجئ فيه احتمال الضرر والعقوبة ، فيندرج تحت كبرى وجوب دفع الضرر المحتمل لا كبرى قبح العقاب بلا بيان ( ولعل ) منشأ التوهم المزبور ، هو تخيل كون متعلق العلم الاجمالي عبارة عن صرف الطبيعي والجامع بين الافراد بما هو في حيال ذاته أو بما هو حاك عن منشئه محضا نظير الجوامع المأخوذة في حيز التكاليف القابلة للانطباق عرضيا أو تبادليا على أي فرد و ( لكنه ) توهم فاسد لما تقدم من الفرق بينهما وان الجامع المتعلق للعلم الاجمالي انما هو العنوان الاجمالي بما هو حاك عن الخصوصية الواقعية المرددة في نظر القاطع بين خصوصيات الأطراف بنحو تكون نسبته إليها نسبة الاجمال والتفصيل وينطبق عليها في فرض انكشاف الحال بتمامها لا بجزء تحليلي منها كما في الطبيعي المأخوذ في حيز التكاليف ( ومن ) الواضح ان من لوازم العلم بالجامع المزبور انما هو سراية التنجز منه إلى ما هو الموجود من الحكم خارجا ، فمع احتمال وجوده في كل طرف لا محيص بحكم العقل من الاجتناب عن الجميع ، لان في الاقتصار على البعض لا يؤمن من مصادفة ما ارتكبه لما هو الحرام المنجز عليه ( ولئن أبيت ) عن سراية التنجز إلى الواقع ( نقول ) بعد انحصار فرد هذا الجامع بأحد المحتملين ، انه يكفي في وجوب الموافقة القطعية مجرد تنجز الجامع المزبور ، لان من لوازم الاشتغال المزبور هو حكم العقل تنجيزيا بوجوب تحصيل الجزم بالفراغ بأداء ما في العهدة ولازمه وجوب الاجتناب عن الجميع ، لان الاقتصار على بعضها مساوق لاحتمال عدم الخروج عن عهدة ما تنجز عليه ، ولازمه اباء العقل عن الترخيص في ترك الموافقة القطعية بالاكتفاء بمشكوك الفراغ ( نعم ) لما لم يكن حكم العقل في مقام تفريغ الذمة مخصوصا بالمفرغ الوجداني الحقيقي ، بل يعم المفرغ الجعلي التعبدي ، كان للشارع

٣١٠

التصرف في هذه المرحلة بجعل بعض الأطراف بدلا ظاهريا عن الواقع في مقام تفريع الذمة ومصداقا جعليا لما هو المفرغ عما اشتغلت الذمة به من غير أن يكون ذلك منافيا مع حكم العقل في أصل تحصيل الجزم بالفراغ ، كما كان له ذلك في موارد ثبوت التكليف بالعلم التفصيلي الذي لا شبهة في كونه علة تامه لوجوب الموافقة القطعية ، كما في الامارات والأصول المجعولة في وادى الفراغ كقاعدتي التجاوز والفراغ والاستصحابات الموضوعية ونحوها المنقحة لموضوع الفراغ ، وهذا » بخلاف الترخيص في بعض الأطراف بلا جعل بدل ، فإنه مستلزم اما لتعليقية حكم العقل بالاشتغال من قبل العلم الاجمالي ، واما لتعليقية حكمه في ظرف الاشتغال بالتكليف بتحصيل القطع بالفراغ ، وهما كما ترى * كيف * وان لازم الأول تجويز المخالفة القطعية بمجئ الترخيص على الطرفين ، كما أن لازم الثاني تجويز الاكتفاء بمشكوك الفراغ حتى في موارد العلم التفصيلي بوجوب شيء كالصلاة ونحوها باجراء حديث الرفع ونحوه عند الشك في مصداق شرطه أو جزئه كموارد الشك في الطهارة عند تعاقب الحالتين وموارد الشك في المحصل ونحوه ، نظرا إلى اتحاد المناط فيهما ، إذ لا فرق في حكم العقل بتحصيل الجزم بالفراغ في ظرف الاشتغال بالتكليف بين ان يكون الاشتغال بطريق تفصيلي أو اجمالي ، ولا بين ان يكون الطريق عقليا أو جعليا ، مع أنه لا يلتزم به أحد ، فيكشف ذلك عن تنجيزية حكم العقل في المقامين * وعليه * لا محيص من عدم التفكيك في علية العلم الاجمالي بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية * ثم إن ما ذكرنا * من علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية هو الظاهر بل الصريح من كلام الشيخ قده في الجواب عن القائل بجريان أصالة الحل في الطرفين بقوله * قلت * ان أصالة الحلية غير جارية في المقام بعد فرض كون المحرم الواقعي مكلفا بالاجتناب عنه منجزا عليه على ما هو مقتضي الخطابات بالاجتناب عنه لان مقتضى العقل في الاشتغال اليقيني بترك الحرام الواقعي هو الاحتياط والتحرز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع في محذور فعل الحرام وهو معنى المرسل في بعض الكتب اترك ما لا بأس به حذرا عما به البأس فلا يبقى مجال الاذن في فعل أحدهما انتهى * وأصرح * من ذلك ما افاده في الشبهة الوجوبية في الجواب عن القول بالتفكيك بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية ، بقوله قلت

٣١١

العلم الاجمالي كالتفصيلي علة تامة لتنجز التكليف بالمعلوم الا ان المعلوم اجمالا يصلح لان يجعل أحد محتمليه بدلا عنه في الظاهر فكل مورد حكم الشارع بكفاية أحد المحتملين للواقع اما تعيينا كحكمه بالأخذ بالاحتمال المطابق للحالة السابقة واما تخييرا كما في موارد التخيير بين الاحتمالين فهو من باب الاكتفاء عن الواقع بذلك المحتمل لا الترخيص لترك الواقع بلا بدل فان الواقع إذا علم به وعلم إرادة المولى بشيء وصدور الخطاب عنه إلى العبيد وان لم يصل إليهم لم يكن بد عن موافقته اما حقيقة بالاحتياط واما حكما بفعل ما جعله الشارع بدلا عنه انتهى ، حيث إن كلامه ذلك كما ترى ينادى بأعلى الصراحة بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية بنحو يمنع عن مجيء الترخيص على خلافه ولو في بعض الأطراف « نعم » ربما يظهر من التصريح بتعارض الأصول النافية وتساقطها في بعض كلماته الاخر ما يوهم خلاف ذلك ، حيث يستفاد منه ان المانع من جريان الأصول النافية في أطراف العلم هي المعارضة ، ومثله يناسب القول بالاقتضاء للموافقة القطعية دون العلية ، لأنه على العلية لا تجرى الأصل النافي ولو في طرف واحد بلا معارض * ولعل * ذلك هو المنشأ لما عن بعض من نسبة التفصيل المزبور إليه قده والا فلم يكن في شيء من كلماته التصريح بهذه الجهة بل التصريح منه كان على خلافه * ولكن * لا يصلح هذا المقدار لنسبة التفصيل المزبور إليه ، لان غاية ما يقتضيه ذلك هو مجرد التلويح على القول بالاقتضاء ومثله لا يكاد يقاوم التصريح بالعلية ، فيمكن حمل كلامه ذلك على بيان كون المعارضة في الأصول وجها آخر لعدم جريانها في أطراف العلم ولو على الاقتضاء لا بيان حصر المانع بذلك كي يلزم جريانها في فرض عدم التعارض فينافي تصريحه بالعلية ( وكيف كان ).

فالظاهر أن المنشأ لتوهم التفصيل المزبور في العلم الاجمالي بين حرمه المخالفة ووجوب الموافقة انما هو من جهة الخلط بين المقام وبين مقام الانحلال ومرحلة جعل البدل ، بتخيل ان جواز الرجوع إلى الأصل النافي في موارد الانحلال عند قيام منجز عقلي أو شرعي على ثبوت التكليف في بعض الأطراف بلا عنوان وكذا موارد قيام الطريق على تعيين المعلوم بالاجمال وتطبيقه على طرف أو قيامه على نفي التكليف في طرف خاص كموارد جعل البدل ، انما هو من جهة الاكتفاء فيها

٣١٢

بالموافقة الاحتمالية ، فجعل ذلك شاهدا على اقتضاء العلم الاجمالي بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية وجواز الاذن في ترك تحصيل القطع بالموافقة بالترخيص في البعض ولو بلا جعل بدل ، بدعوى ان العلم الاجمالي ان كان علة تامة لوجوب الموافقة القطعية فلا يجوز الترخيص حتى مع جعل البدل وان كان مقتضيا فيجوز ولو بلا جعل بدل ( ولكنه فاسد جدا ) لوضوح الفرق بين مقامنا وذين المقامين ، وذلك اما مقام الانحلال فواضح * فان * جواز الرجوع فيه إلى الأصل النافي في غير ما قام عليه المنجز العقلي أو الشرعي انما هو من جهة انتفاء أصل الاشتغال وعدم مؤثرية العلم الاجمالي في الاشتغال بمعلومه واثباته في العهدة ، لان العلم انما ينجز التكليف المردد بين الطرفين في صورة قابلية كل طرف للتنجز من قبله مستقلا ومع خروج أحد الطرفين بقيام المنجز عليه عن القابلية المزبورة يخرج المعلوم المردد بما هو قابل للانطباق على كل طرف عن صلاحية التنجز من قبل العلم الاجمالي فلا يصلح؟ مثل هذا العلم للمنجزية لمعلومه * نعم * ما هو الصالح للتنجز انما هو التكليف المقيد انطباقه على الطرف الآخر ، ولكنه لا يكون متعلقا للعلم بل كان مشكوكا من الأول ففي الحقيقة يكون مرجع الانحلال إلى التصرف في أصل الاشتغال وهذا بخلاف المقام فان البحث عن اقتضاء العلم الاجمالي وعليته بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية انما هو في ظرف الفراغ عن أصل ثبوت الاشتغال بالتكليف بالعلم الاجمالي بلا قصور لا من جهة العلم والكاشف في المنجزية ولا من جهة المعلوم في قابليته للتنجز من قبله ومع ذلك أين يبقي مجال مقايسة المقام بباب الانحلال * واما مقام * جعل البدل كموارد قيام الامارة على تعيين المعلوم بالاجمال في طرف خاص اما مطابقة أو التزاما فلما عرفت من أن اكتفاء العقل بالأخذ بذلك في مقام تحصيل الفراغ انما هو من جهة كونه معينا لموضوع الفراغ عما اشتغلت الذمة به لا من جهة الاكتفاء بالشك في الفراغ وتجويز الترخيص في الاكتفاء بمشكوك الموافقة كما هو مورد البحث في المقام ، إذ ليس المقصود من علية العلم الاجمالي كونه علة لوجوب خصوص الفراغ الحقيقي الوجداني ، بل المقصود منه كونه علة لوجوب تحصيل مطلق ما يوجب معه الخروج عن عهدة التكليف الأعم من المفرغ الحقيقي أو الجعلي إذ لا خصوصية بنظر العقل في حكمه بالفراغ للمفرغ

٣١٣

الحقيقي الوجداني بل يكتفي فيه بما كان بحكم الشارع مصداقا لما اشتغلت الذمة به لكونه أيضا معينا للفراغ فكان للشارع التصرف في هذه المرحلة بجعل بعض الأطراف بدلا ظاهريا ومصداقا جعليا لما هو المفرغ ، من غير أن ينافي ذلك مع علية العلم الاجمالي لوجوب تحصيل الجزم بالفراغ ( كيف ) وليس حال العلم الاجمالي من هذه الجهة بأولى من العلم التفصيلي بالتكليف ، مع بداهة عدم انحصار الخروج عن العهدة في مورده بخصوص المفرغ الحقيقي بشهادة الطرق المجعولة في وادى الفراغ كقاعدتي التجاوز والفراغ والأصول الموضوعية ونحوها ، مع أنه لا شبهة في علية العلم التفصيلي بالتكاليف لوجوب الموافقة القطعية ، فكما ان جعل تلك الطرق والأصول الجارية في وادى الفراغ لا ينافي العلية في العلم التفصيلي بل كان مؤكدا لما يقتضيه العلم من لزوم تحصيل الجزم بالفراغ وعدم جواز الاكتفاء بالشك فيه ، كذلك في العلم الاجمالي فلا تنافي الامارة المعينة لموضوع الفراغ في بعض الأطراف مع العلية فيه أيضا ، لما عرفت من اكتفاء العقل بذلك في الخروج عن عهدة التكليف لكونه مصداقا جعليا لما هو المأمور به ( وهذا ) بخلاف صرف الترخيص في بعض الأطراف بلا جعل بدل فإنه ملازم للترخيص في الاكتفاء بالشك في الفراغ فينافي الحكم العقل التنجيزي في ظرف الاشتغال بالتكليف بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ بأداء ما في العهدة وجدانا أو تعبدا وابائه عن الترخيص في ترك تحصيل القطع بالفراغ بأحد النحوين ( ولا يندفع ) ذلك الا بالالتزام بتعليقية حكم العقل في هذه المرحلة ، وهذا مع أنه خلاف ما يقتضيه بداهة الوجدان ، يلزمه جواز الاكتفاء بمشكوك الفراغ حتى في مورد العلم التفصيلي عند الشك في مصداق شرطه أو جزئه باجراء مثل حديث الرفع ونحوه في المشكوك لاتحاد المناط فيهما ، مع أن ذلك كما ترى لا يلتزم به أحد ( وتوهم ) رجوع الترخيص في ارتكاب بعض الأطراف إلى جعل البدل في الطرف غير المأذون فيه ولو كان ذلك بمثل أصالة الإباحة والبرائة إذا فرض جريانهما في بعض الأطراف بلا معارض ( مدفوع ) بأنه ان أريد بذلك جعل الطرف الآخر معينا للفراغ ومصداقا جعليا للمعلوم بالاجمال فهو متين جدا ( ولكنه ) مضافا إلى كونه اعترافا بالعلية يحتاج إلى احرازه بطريق آخر لوضوح انه ليس المصحح للترخيص

٣١٤

عند العقل مجرد جعل البدل الواقعي وانما المصحح له هو ذلك بوجوده الواصل إلى المكلف وعليه لابد في تطبيق الأصول النافية من احراز البدلية من الخارج ، والا فلا يمكن احرازها بعموم دليل الترخيص من جهة لزوم الدور ، لان شموله فرع العلم بالبدلية والمصداقية في الطرف الآخر غير المأذون فيه فلا يمكن حصول العلم بها من نفس عموم دليل الترخيص وشموله « وان أريد به » جواز الاكتفاء بالطرف الاخر مع الشك في مصداقيته للمأمور به لمحض الاذن في ارتكاب بعض الأطراف نظرا إلى حصول المؤمن وهو الاذن كما يظهر ذلك من التزام هذا القائل في ذيل كلامه بان الأصل النافي للتكليف في بعض الأطراف إذا كان بلا معارض موجب للتأمين في الطرف الذي يجرى فيه ولو لم يقم دليل على كون الطرف الآخر بدلا ومصداقا للمعلوم بالاجمال ولا كان فيه أصل مثبت للتكليف من غير ناحية العلم الاجمالي ( فيتوجه ) عليه ما ذكرنا من لزوم جواز الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية في مورد العلم التفصيلي بالتكليف أيضا باجراء مثل حديث الرفع ونحوه عند الشك في تحقق شرطه أو جزئه لكونه موجبا للتأمين على ترك الموافقة المشكوكة أو المخالفة غير المعلومة ومانعا عن حكم العقل بعدم جواز الاكتفاء بمشكوك الفراغ ( وبما ذكرنا ) ظهر انه لا مجال لمقايسة الأصول المرخصة بالامارات النافية القائمة على نفي التكليف في طرف خاص ، حيث إن جواز الاخذ بالامارة النافية انما هو من جهة مثبتية الامارة بمدلولها الالتزامي لتعيين المعلوم بالاجمال في الطرف الآخر الموجب لكونه مصداقا جعليا للمأمور به في مقام تفريغ الذمة ، فان دليل الحجية كما يشمل ظهورها في المدلول المطابقي كذلك يشمل ظهورها في المدلول الالتزامي ( وهذا ) بخلاف الأصول المرخصة أو النافية للتكليف إذا فرض جريانها في بعض أطراف العلم بلا معارض ، فإنه ليس لها مثل هذه الدلالة ، لان غاية ما تقتضيه تلك الأصول انما هو البناء على الحلية والترخيص في الارتكاب في الطرف المأذون فيه ، واما اقتضائها للبناء على كون المعلوم بالاجمال هو المشتبه الاخر فلا « نعم » لازم البناء على الحلية في طرف مع العلم الاجمالي بحرمة أحد الامرين هو البناء على كون الحرام المعلوم في الطرف الآخر غير المأذون فيه ، ولكن الاخذ بمثل هذا اللازم مبنى على حجية المثبت ، بدعوى

٣١٥

شمول اطلاق التنزيل لمثل هذه اللوازم العقلية أو العادية ولكن ذلك مع أنه مخصوص بالأصول التنزيلية لا في مثل حديث الحجب والرفع ودليل الحلية على أحد الوجهين خلاف « ما هو التحقيق » من عدم حجية مثبتات الأصول فلا مجال لجريانها في طرف العلم بلا ثبوت جعل بدل من الخارج وان فرض كونها بلا معارض * ولا ينتقض * ذلك بما لو كان المتكفل لتطبيق دليل الترخيص على بعض أطراف العلم هو الشارع حيث يؤخذ بالترخيص في الطرف المأذون فيه ويكتفي في موافقة العلم بالاجتناب عن الطرف الآخر ( لان ) هذا الفرض لو فرض تحققه فلابد بمقتضى تنجيزية حكم العقل بتحصيل الفراغ الجزمي ، من التصرف في ترخيصه بجعله كناية عن جعل الطرف الآخر بدلا عن الواقع ، أو المصير إلى حجية المثبت في خصوص ذلك المورد فرارا عن الترخيص بلا جعل بدل ( كما لا ينتقض ) أيضا بموارد الدوران بين التكليفين المترتب أحدهما على عدم التكليف بالآخر كما في نذر الصوم المعلق على عدم كونه مديونا ، وكما في وجوب الحج المترتب على عدم كونه مكلفا بأداء دين ونحوه مما يوجب دعم الاستطاعة من جهته ، بدعوى انه لا شبهة في بنائهم على اثبات وجوب الصوم والحج في المثالين باجراء الأصول النافية مطلقا حتى غير التنزيلية بالنسبة إلى الدين ونحوه وانه لا يكون ذلك الا من جهة اقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية ، والا فبناء على علية العلم الاجمالي ومنعه عن جريان الترخيص في بعض الأطراف بلا جعل بدل في الرتبة السابقة ، لا مجال لاجراء الأصول المرخصة في المثالين بالنسبة إلى التكليف بأداء الدين فان في رتبة جريانها لم يثبت تكليف بالصوم والحج بل ثبوت التكليف بهما انما يكون في رتبة متأخرة عن جريان الأصول بالنسبة إلى التكليف بالدين ، ومثله لا يناسب علية العلم الاجمالي ( إذ نقول ) ان بنائهم على جريان الأصل النافي بالنسبة إلى الدين ونحوه في نحو المثال المزبور انما هو بالنظر إلى ما يترتب عليه من الأثر الوجودي وهو ثبوت التكليف بالصدقة في المثال الأول والحج في الثاني الموجب لسقوط العلم الاجمالي عن التأثير بالنسبة إلى طرفه ، لا انه بدوا بلحاظ صرف الترخيص والمعذورية فيه ( ومن الوضح ) انه مثله لا ينافي علية العلم الاجمالي ، لأنه بهذه الجهة يكون من قبيل الأصول المشتبه للتكليف في

٣١٦

بعض أطراف العلم الموجبة لسقوطه عن التأثير بالنسبة إلى الطرف الآخر ، ورجوع الشك فيه بدويا كما لو لم يكن له اثر غير ذلك ، ففي الحقيقة يكون ذلك نحو حيلة لايجاد العذر والتسهيل على المكلف باجراء الأصول النافية في بعض أطراف العلم ، ولكن لا بلحاظ نفس العذر والتسهيل كي ينافي علية العلم الاجمالي بل بمعونة احداث التكليف بالتصدق والحج الموجب لسقوط العلم عن التأثير ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون التكليف مترتبا شرعا على عدم التكليف بالدين واقعا ، أو على مطلق الحكم الأعم من الواقعي والظاهري ، غير أنه على الأول ينحصر الأصل الجاري في الدين في مقام اثبات التكليف بالأصول المحرزة كالاستصحاب ، بخلاف الثاني فإنه يكفي لاثبات التكليف المزبور الأصول غير التنزيلية أيضا ( ثم إن ذلك ) كله في فرض ترتب التكليف المزبور على عدم التكليف بالدين واقعا أو على مطلق عدم التكليف بالدين ولو ظاهرا ( واما لو كان ) مترتبا على مجرد معذورية المكلف عن الدين ولو عقليا كما في الحج بناء على ترتب وجوبه على القدرة الناشئة عن مطلق معذورية المكلف عن الدين أو عن تكليف آخر ، فجريان البراءة عن التكليف بالدين في هذا الفرض انما هو من جهة عدم منجزية مثل هذا العلم الاجمالي ( فان ) صلوح تأثيره في التنجيز انما يكون في فرض قابلية كل طرف من جهة احتمال انطباق المعلوم عليه للتنجز من قبله في عرض تنجز الطرف الآخر على نحو كان العلم الاجمالي محدثا عقلا لايجاب الحركة على وفق المحتملين كما في العلم الاجمالي بحرمة أحد الانائين حيث لا ينفك منجزية العلم الاجمالي في كل طرف عن منجزيته في الطرف الآخر ( ومن ) الواضح ان ذلك غير متصور في المقام ، إذ لا يكاد يجتمع منجزية العلم الاجمالي للتكليف بالحج مع منجزيته للتكليف بالدين لان في فرض منجزيته للتكليف بالدين نقطع بعدم وجوب الحج واقعا فلا يحتمل وجوبه كي يتنجز من قبله ومعه لا يصلح العلم المزبور للمنجزية ( وهذا ) بخلاف فرض ترتب وجوبه على عدم التكليف بالدين واقعا ( فان ) في فرض منجزية العلم للتكليف بالدين يحتمل وجوب الحج أيضا لاحتمال براءة ذمته عن الدين واقعا فلا قصور في العلم الاجمالي في منجزيته لكل من التكليفين لولا اقتضاء الأصل النافي للتكليف في طرف لاثبات التكليف في الطرف الآخر * وعلى كل حال *

٣١٧

لا مجال للتشبث بمثل هذه الموارد لاثبات اقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية لما عرفت من عدم كون الترخيص الجاري فيها منافيا مع علية العلم الاجمالي لوجوب تحصيل الجزم بالفراغ عند الاشتغال بالتكليف.

« هذا كله » مضافا إلى ما يلزم القول بالاقتضاء من الالتزام بالتخيير في الأصول النافية المشتملة على الترخيص على خلاف الواقع ، وذلك لا من جهة بقاء أحدهما لا بعينه تحت عموم دليل الترخيص كي يقال ان أحدهما المخير ليس من افراد العام ، بل من جهة تقييد اطلاق دليل الترخيص الجاري في كل طرف بحال عدم ارتكاب الاخر * لان * منجزية العلم الاجمالي وعليته لحرمة المخالفة القطعية على مسلك الاقتضاء انما يكون مانعا عن اطلاق الترخيص في كل واحد من طرفي العلم بالنسبة إلى حال الاجتناب عن الطرف الآخر وعدمه المستتبع لتجويز الجمع بينهما في الارتكاب ، وبالتقييد المسطور يرتفع المحذور المزبور ، ولا يحتاج إلى ارتكاب التخصيص باخراج كلا الفردين عن عموم أدلة الأصول ولو بضميمه بطلان الترجيح بلا مرجح ( إذ لا وجه ) لارتكاب التخصيص بعد امكان ابقاء كلا الفردين تحت عموم أدلة الأصول بتقييد الترخيص الجاري في كل طرف بحال عدم ارتكاب الاخر ( ونتيجة ) ذلك هو الالتزام بالتخيير في جريان الأصول في أطراف العلم ، لا التساقط * مع أن * ذلك مما لا يلتزم به أحد فيما اعلم * فان * بنائهم طرا على عدم جريان الأصول النافية في أطراف العلم الاجمالي ولو على نحو التقييد بالتقريب الذي ذكرناه * وقد أجاب * بعض الأعاظم قده عن هذا الاشكال بما حاصله ان التخيير في الموارد التي نقول به عند عدم قيام دليل عليه بالخصوص لابد وأن يكون بأحد الامرين ( أحدهما ) من جهة اقتضاء الكاشف والدليل الدال على الحكم ، كما لو ورد دليل عام على وجوب اكرام العلماء وعلم بخروج زيد وعمرو عن حكم العام في الجملة ، ولكنه شك في أن خروجهما عن عمومه هل هو على وجه الاطلاق بحيث لا يجب اكرامهما في حال من الأحوال ، أو أن خروجهما لا يكون على وجه الاطلاق بل كان خروج كل منهما مشروطا ومقيدا بحال اكرام الاخر بنحو يلزم من خروج كل منهما عن العام دخول الاخر فيه ، فالتزم في ذلك بان الوظيفة هو

٣١٨

التخيير في اكرام أحد الفردين وترك اكرام الاخر من جهة رجوع الشك بعد دوران التخصيص بين الافرادي والأحوالي إلى الشك في مقدار الخارج عن العموم المزبور ، المعلوم لزوم الاقتصار فيه على المتيقن خروجه وهو التخصيص الأحوالي فقط ( وثانيهما ) من جهة اقتضاء المدلول والمنكشف ولو مع عدم اقتضاء الدليل والكاشف لذلك ، كما في موارد تزاحم الواجبين في مقام الامتثال لعدم القدرة على الجمع بينهما ( وشئ ) من الوجهين غير تام في باب تعارض الأصول ( إذ لا ) شاهد عليه لا من جهة الدليل والكاشف ولا من جهة المدلول والمنكشف ، اما الأول فمن جهة اقتضاء دليل كل أصل من الأصول العملية جريانه عينا سواء عارضه أصل آخر أم لا ، وعدم ما يوجب التخيير في اجراء الأصلين المتعارضين ، واما الثاني فمن جهة ان المجعول في باب الأصول العملية انما هو مجرد الحكم بتطبيق العمل على مؤدى الأصل اما بقيد انه الواقع ، واما لا بقيد ذلك على اختلاف المجعول في باب الأصول التنزيلية وغيرها ، مع اعتبار أمور ثلاثة فيه ، أحدها الجهل بالواقع ، وثانيها امكان الحكم على المؤدى بأنه الواقع ، وثالثها عدم لزوم المخالفة العملية من اجرائها الموجب لانتفاء الحكم الظاهري بانتفاء أحد هذه الأمور الثلاثة ( وحيث ) انه يلزم من جريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي مخالفة عملية فلا يمكن جعلها جميعا ، وجعل أحدهما تخييرا وان كان ممكنا الا انه يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه ، لا من ناحية أدلة الأصول ولا من ناحية المجعول فيها لعدم كون المجعول فيها معنى يقتضى التخيير انتهى ( ولكن لا يخفى ) ما فيه فإنه لم يعرف وجه للفرق بين المقام وبين ما ذكره من المثال في موارد ثبوت التخيير من جهة اقتضاء الكاشف بل المنكشف أيضا ( إذ نقول ) ان عموم دليل الأصل كقوله كل شيء لك حلال بعدما يقتضى بنفسه الشمول للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي ، انما هو بمنزلة عموم اكرام العلماء في المثال ، وحكم العقل بقبح الترخيص في المخالفة القطعية المخرج لكلا المشتبهين في الجملة عن عموم دليل الحلية ، بعينه بمنزله ذلك المخصص المخرج لزيد وعمرو عن عموم اكرام العلماء ، والشك في أن خروج كل واحد من الطرفين عن عموم الحلية على وجه الاطلاق الشامل لحالي ارتكاب الاخر وعدمه

٣١٩

أولا على وجه الاطلاق بل مقيدا بحال عدم ارتكاب الاخر ، بمنزلة تردد خروج زيد وعمر وفي المثال في كونه على وجه الاطلاق أو مقيدا بحال عدم اكرام الاخر بنحو يلزم من خروج أحدهما عن العموم دخولي الاخر فيه ، فكما ان بعموم أكرم العلماء في المثال يعين التخصيص الأحوالي ويقال ان الوظيفة هو التخيير في اكرام أحدهما وترك اكرام الاخر « كذلك » بعموم دليل الحلية في المقام لكل من المشتبهين بعين التخصيص الأحوالي ويثبت التخيير في اجراء أحد الأصلين المتعارضين ، جمعا بين عموم دليل الحلية لكل واحد من الفردين ، وبين حكم العقل بعدم امكان الجمع بين الحليتين ، بل التخيير في المقام أوضح مما في المثال * لان * المنع العقلي فيه بدوا انما كان عن الاطلاق الحالي في الأصل الجاري في كل واحد من الفردين الموجب للجمع بينهما في الحكم بالحلية ، لا عن أصل عموم الحلية لكل واحد منهما ولو مقيدا بحال دون حال ، فبالتقييد الحالي يرتفع المنع العقلي ، وتصير النتيجة هو التخيير في اجراء أحد الأصلين ، بخلاف المثال فان الحكم بالتخيير فيه انما هو من جهة قضية الاقتصار على المتيقن خروجه بعد اجمال المخصص ودورانه بين كونه أفراديا وأحواليا ( وتوهم ) ان عدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي انما هو من جهة عدم انحفاظ مرتبه الحكم الظاهري مع العلم الاجمالي لا من جهة مخصص لعمومه * مدفوع * بما تقدم سابقا من عدم منافاة مجرد العلم الاجمالي مع قطع النظر عن منجزيته عن شمول الأصل ثبوتا لأطراف العلم بعد الشك الوجداني في كل واحد منها * وبما ذكرنا * ظهر امكان تطبيق التخيير في المقام على التخيير في باب المتزاحمين * بتقريب * ان عدم امكان الجمع بين الفعلين في المتزاحمين كما يكون مانعا عن الاخذ باطلاق التكليفين في الفعلية لكونه من التكليف بما لا يطاق « كذلك » يكون حكم العقل بامتناع الجمع بين الحليتين مانعا عن الاخذ باطلاق الحليتين ، وكما أن المانع في المتزاحمين لا يقتضى الا رفع اليد عن إحدى الفعليتين لا عن كليتهما ، كذلك لا يقتضي هذا المانع الا رفع اليد عن إحدى الحليتين لا عن كليتهما ( ولازمه ) هو الالتزام بالتخيير في المقام أيضا ، اما بالتقييد الحالي في اطلاق الحلية لكل من الطرفين ، واما لكشف العقل الحلية التخييرية بعين كشف الحكم التخييري في

٣٢٠