نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

حكمه بما هو مشكوك على مصلحة تقتضي استحبابه النفسي في هذه الرتبة حتى في فرض المخالفة للواقع من غير أن ينافي ذلك مع الحكم الواقعي كما توهم بتخيل ان الذات على هذا الفرض لما كانت واحدة يلزم اجتماع الضدين في ذات واحدة ، إذ بعد قصور الخطابات الواقعية عن الشمول لمرتبة الشك بنفسها كما تقدم بيانه في وجه الجمع بين الاحكام الواقعية والظاهرية لا مانع من تعلق حكم آخر في هذه المرتبة يقتضي استحبابه ( نعم ) على هذا المعنى لا مجال لدعوى رجحانه العقلي لما هو المعلوم من أنه لا يكون فعل ما شك في وجوبه بهذا العنوان مع قطع النظر عن نشوه عن داعي احتمال الوجوب مصبا لحكم العقل بالحسن والرجحان حتى يتأتى فيه الارشاد العقلي الاطاعي وان كان لتصور الارشاد بالمعنى الأول فيه مجال واسع ( وبما ذكرنا ) ظهر أنه لا مجال لما عن الشيخ قده وغيره من جعل المحتملات الأربعة المتقدمة في عنوان المسألة على منوال واحد ، لما عرفت من أنه على المعنى الأول للاحتياط لا تصلح الأوامر الشرعية لغير الارشاد العقلي الاطاعي ( وعلى ) المعنى الاخر وان كانت قابلة للمولوية وللارشاد بالمعنى الاخر ، ولكنه خارج عن مصب حكم العقل بالرجحان إذ لا حكم للعقل برجحان فعل المشتبه أو تركه بهذا العنوان ما لم يؤخذ فيه جهة نشوه عن دعوة احتمال الوجوب أو الحرمة وينطبق عليه عنوان الإطاعة والانقياد كما هو ظاهر ( وحيث ) ان الظاهر من عنوان الاحتياط خصوصا بقرينة اتفاقهم على حسنه عقلا هو العمل المأتى عن داعي احتمال الوجوب لا مجرد اتيان مشكوك الوجوب أو ترك مشكوك الحرمة بهذا العنوان ( فلا محيص ) من حمل الأوامر الشرعية المتعلقة بعنوان الاحتياط على الارشاد إلى حكم العقل برجحانه ( نعم ) هنا عنوان آخر قابل للرجحان العقلي والشرعي وهو جعل احتمال الوجوب أو الحرمة في المشتبه داعيا إلى الفعل أو الترك ، فان هذا المعنى مما يحسنه العقل تحصيلا للإطاعة والانقياد ويكون قابلا أيضا للامر المولوي ( ولكنه ) بعيد عن مساق الاخبار وعن الكلمات ( وبعد ) ان عرفت ذلك فلنرجع إلى بيان ما يستفاد من الاخبار الا مرة بالتوقف والاحتياط ( فنقول ) ان الأخبار الواردة في المقام على طوائف ( منها ) ما يشتمل على عنوان الاحتياط كقوله (ع) أخوك دينك فاحتط لدينك ، وقوله (ع) إذا أصبتم بمثل هذا فعليكم بالاحتياط

٢٦١

( ومنها ) ما يشتمل على عنوان المشتبه وهذه الطائفة على صنفين ( أحدهما ) ما يكون مذيلا بالتعليل بأنه خير من الاقتحام في الهلكة ( وثانيهما ) ما لا يكون له هذا الذيل ، كقوله (ع) من ترك الشبهات كان لما استبان له اترك ( اما الطائفة الأولى ) فلابد من حملها على الارشاد كأوامر الإطاعة والانقياد ( واما الطائفة الثانية فهي أيضا بمقتضى التعليل الواقع في ذيلها ظاهرة في الارشاد لكن لا إلى حكم العقل بحسن الإطاعة ، بل إلى عدم الوقوع في مخالفة التكاليف الواقعية والمفاسد النفس الامرية نظير أوامر الطبيب ونواهيه ( واما الطائفة الثالثة ) فهي وان كانت قابلة للارشاد وللمولوية الا ان ظهورها في المولوية ينفي الارشادية ( نعم ) يدور أمرها بين الاستحباب النفسي ، أو الطريقي كسائر الاحكام الطريقية المجعولة لحفظ الواقعيات المجهولة كما في أوامر الطرق والامارات على ما بيناه ، وحينئذ فظاهر تعلق الامر بعنوان المشتبه وان كان يقتضى كونه مستحبا نفسيا حكمته اعتياد المكلف على الترك بنحو يهون عليه الاجتناب عن المحرمات المعلومة ( ولكن ) لا يبعد ترجيح الطريقية نظرا إلى بعد الاستحباب النفسي عن مساق تلك الأخبار لظهورها الثانوي في كونها على حذو سائر الأحكام الطريقية المجعولة لأجل حفظ الواقع في موارد الشبهات من غير أن ينافي ذلك مع الحكمة المزبورة المؤدية إلى الاعتياد على الترك « مضافا » إلى بقاء اطلاق مصلحة الواقع على الطريقية في اقتضائها لمحبوبية الذات حتى في المرتبة المتأخرة عن الجهل بخطابه « بخلافه » على الموضوعية والاستحباب النفسي فإنه لابد من رفع اليد عن اقتضاء المصلحة للإرادة بجميع مباديها حتى المحبوبية نظرا إلى مضادة الاشتياق الذي هو من مبادي الإرادة الواقعية في مرتبة الشك مع الاشتياق بخلافه في هذه المرتبة وبهذه الجهة رجحنا الطريقية على الموضوعية في أوامر الطرق بلحاظ عدم اقتضاء الطريقية في ظرف المخالفة للواقع الا رفع اليد عن فعلية الإرادة في ظرف الشك لا عن مباديها من الاشتياق والمحبوبية لعدم التنافي بين محبوبية الواقع في هذه المرتبة وبين الترخيص على خلافه لمصلحة تقتضيه « فعلى هذا » صح لنا دعوى عدم استفادة الاستحباب المولوي النفسي من الأخبار الواردة في المقام حتى المشتمل منها على عنوان المشتبه.

٢٦٢

« المسألة الثانية » في الشبهة الحكمية التحريمية لأجل اجمال النص ، وهو قد يكون من جهة اجمال ما يدل على الحكم اما ذاتا كما لو قلنا باشتراك الصيغة في النهى بين الحرمة والكراهة ، واما من جهة وجود القرائن الحافة بالكلام المانعة عن ظهوره في الحرمة كما في النهى عقيب توهم الوجوب ، وقد يكون من جهة المتعلق ، سواء كان لأجل الشك في المراد منه مع العلم بوضعه كما إذا شك في شمول الخمر للخمر غير المسكرة ولم يكن في البين اطلاق يؤخذ به ، أم لأجل الشك في نفس المفهوم من جهة الوضع مع العلم بكون المراد ما هو مدلول هذا اللفظ ، كما في الغناء إذا قلنا باجماله وتردده بين مطلق الصوت المطرب أو خصوص الصوت المطرب مع الترجيع ، وكما في الفسق إذا قلنا باجماله وتردده بين خصوص المرتكب للكبائر أو ما يعم المرتكب للصغاير « ثم إن » التردد في المتعلق « تارة » يكون بين الأقل والأكثر كالأمثلة المزبورة « وأخرى » يكون بين المتبائنين كما لو دل الدليل على حرمة اكرام زيد وتردد بين شخصين « فهذه » صور الاجمال في المسألة ، ولكن الحكم فيما عدى الصورة الأخيرة هي البراءة « وذلك » اما في صورة الاجمال في ناحية الدال على الحكم اما ذاتا واما من جهة احتفافه بما يصلح للقرينية فظاهر لكون الشك حينئذ في أصل التكليف التحريمي فيكون كصورة فقد النص فيجرى فيه جميع ما ذكرناه من الأدلة الدالة على البراءة عقليها ونقليها « واما » في صورة اجمال المتعلق كمثال الغناء أو اجمال المراد منه فكذلك من جهة انتفاء العلم بالتكليف في الزائد عن المقدار المعلوم من غير فرق في ذلك بين ان يكون تعلق النهى على نحو الطبيعة السارية أو على نحو صرف الوجود فإنه في الجميع تجرى البراءة في المشكوك ويحكم فيه بجواز الارتكاب ( واما توهم ) ان المطلوب في النهى بعد أن كان عبارة عن ترك صرف الطبيعي كان اللازم هو الاحتياط بترك المشكوك مقدمة لامتثال التكليف المعلوم في البين ( فمدفوع ) بان هذا الاشكال لو تم لكان ساريا في جميع موارد الأقل والأكثر الارتباطيين ولا يكون له اختصاص بالمقام وسيجيء دفعه بما لا مزيد عليه انشاء الله تعالى « وحينئذ » يكون الحكم في جميع صور اجمال النص هي البراءة الا في فرض اجمال المتعلق وتردده بين المتبائنين ، فان المرجع فيه هي قاعدة

٢٦٣

الاحتياط للعلم الاجمالي بحرمة اكرام أحد الشخصين.

( المسألة الثالثة ) ما لو اشتبه الحكم الشرعي من جهة تعارض النصين كما لو قام نص على حرمة شيء وقام نص آخر على عدم حرمته والحكم فيها أيضا كما في صورة فقدان النص هي البراءة ( فان ) المناط فيها انما هو فقد الحجة على التكليف فلا يفرق فيها بين ان لا يكون في المسألة نص أصلا أو كان ولكنه سقط عن الحجية بالمعارضة ( وقد يستدل ) على الاحتياط بما في غوالي اللئالي من مرفوعة العلامة إلى زرارة عن أبي جعفر (ع) من قوله بعد ذكر المرجحات وفرض الراوي تساوى الخبرين في جميع ما ذكره الإمام (ع) من المرجحات فخذ الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط ( ولكن فيه ) بعد الغض عن ضعف الرواية ان الاحتياط حينئذ يكون مرجحا للخبر الموافق له لا مرجعا ، فيخرج عن مفروض الكلام ( فان ) مفروض الكلام في المقام انما هو صورة فقد الحجة الشرعية على التكليف وهذا انما يكون إذا لم يكن في البين ما يقتضى ترجيح أحد الخبرين ولو كان هي قاعدة الاحتياط بناء على القول به كما تقتضيه المرفوعة ( والا ) فمع وجود المرجح يخرج عن مفروض البحث ( نعم ) يتحد ذلك بحسب النتيجة مع القول بمرجعية الاحتياط ، ولكنه لا من جهة انه مورد فقدان الحجة الشرعية على التكليف ، بل من جهة كونه مورد قيام الحجة الشرعية على التكليف ( وبما ذكرنا ) ظهر انه لابد من فرض الكلام في المسألة براءة واشتغالا على القول بالتساقط في الخبرين المتعارضين ( والا ) فعلى القول بالتخيير في المتعارضين من الاخبار تخرج المسألة عن مفروض البحث بين الفريقين ( ولكن ) حيث إن الحكم في المتعارضين من الاخبار بمقتضى الاخبار العلاجية يكون هو التخيير اما مطلقا كما هو التحقيق أو في صورة فقد المرجحات المنصوصة أو صورة تكافئهما في الجميع لا التساقط كان الحري عدم ادخال هذه المسألة في مسألة البراءة نظرا إلى العلم بوجود حجة معتبرة في البين على التكليف وهو أحد الخبرين اما على التعيين أو على التخيير ( نعم ) يدخل في المسألة تعارض الآيتين وتعارض الاجماعين المنقولين بناء على عدم الحاقهما بالخبرين المتعارضين في الترجيح والتخيير « المسألة الرابعة » ما لو اشتبه الحكم الشرعي في الواقعة الجزئية لأجل الاشتباه في الأمور الخارجية كالشك في كون المايع الخاص خمرا أو خلا ولا اشكال ولا خلاف حتى من

٢٦٤

الأخباريين في أن مقتضى الأصل فيه الإباحة ، ويدل عليه مضافا إلى الاجماع الأدلة المتقدمة من الكتاب والسنة والعقل ، بل ظاهر بعضها هو الاختصاص بهذه المسألة كرواية مسعدة بن صدقه وغيرها.

المبحث الثاني

فيما لو دار حكم الفعل بين الوجوب وغير الحرمة كالدعاء عند رؤية الهلال المردد حكمه بين الوجوب والاستحباب « وفيه » أيضا المسائل الأربع المتقدمة في المبحث الأول ( والتحقيق ) فيها أيضا هو البراءة من غير فرق بين ان يكون منشأ الشك هو فقدان النص أو اجماله أو تعارض النصين أو الأمور الخارجية للأدلة المتقدمة من مثل حديث الرفع ودليل الحجب وحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وعدم الفصل بين المقامين لان كل من قال بالبرائة في المسألة الأولى قال بها في هذه المسألة وان لم يكن الامر بالعكس لمصير جماعة من محققي الأخباريين في الشبهة الوجوبية إلى البراءة وفاقا للمجتهدين مع قولهم بالاحتياط في الشبهة التحريمية الحكمية ، فلا يحتاج إلى افرادها بالبحث المستقل واطناب الكلام فيها « نعم ينبغي التنبيه على أمور » الأول في ذكر الشقوق المتصورة في الشبهة الموضوعية وان كانت تحريمية وبيان أحكامها « فنقول » وعليه التكلان ، اعلم أن متعلق الطلب وجوبيا أو تحريميا « تارة » يكون نفس فعل المكلف من دون تعلقه بموضوع خارجي كالصلاة والحج والكذب والغيبة « وأخرى » يكون له تعلق بالموضوع الخارجي كاكرام العالم وتوهينه « وعلى الثاني » فتارة يكون التكليف منوطا شرعا بوجود الموضوع في الخارج كما في مثال اكرام العالم « وأخرى » لا يكون كذلك بل كان التكليف مطلقا بالنسبة إليه بحيث يقتضى لزوم ايجاد الموضوع في الخارج مع التمكن منه في الأوامر واعدامه في النواهي في فرض عدم التمكن من الاجتناب عنه الا باعدامه « وعلى التقادير » فتارة يكون المطلوب في الطلب الوجوبي أو التحريمي هو صرف وجود الشيء و « أخرى » يكون المطلوب هو الطبيعة السارية في كل فرد « وثالثة » على نحو العموم الاستغراقي أو المجموعي ، والفرق بين الطبيعة السارية والعموم الاستغراقي ظاهر ، فإنه على

٢٦٥

الأول يكون المطلوب هو الطبيعي بخصيصة السارية في ضمن الافراد مع خروج الخصوصيات الفردية عن حيز الحكم والتكليف ، بخلاف على الثاني فإنه على ذلك تكون الخصوصيات الفردية أيضا داخلة في حيز التكليف ( وربما يثمر ) ذلك فيما لو اتى بالفرد وقصد الامتثال بالخصوصية ، فإنه على الأول يكون مشرعا في قصده بالنسبة إلى الخصوصية ، بخلاف الثاني فإنه عليه لا تشريع من جهة وقوع الخصوصية أيضا في حيز التكليف ( وحيث اتضح ) هذه الفروض فلنشرع في بيان حكم كل واحد منها ( فنقول ) أما إذا كان التكليف وجوبيا متعلقا بفعل المكلف بصرف وجوده ولا يكون له تعلق بموضوع خارجي كالصلاة والحج ونحوهما ( فلا اشكال ) في أنه عند الشك لابد من الاشتغال وعدم جواز القناعة بالفراغ الاحتمالي ، لاستقلال العقل بعد العلم بأصل الخطاب بلا اجمال في ناحية الحكم والتكليف ولا في ناحية موضوعه ومتعلقه ، بلزوم الجزم بالفراغ باتيان ما يعلم كونه مصداق المأمور به وجدانا أو جعلا وتنزيلا وعدم جواز الاكتفاء باتيان ما يشك معه الخروج عن عهدة التكليف ( واما لو كان ) له تعلق بالموضوع الخارجي ( فان كان ) التكليف مطلقا بالنسبة إلى ذلك الموضوع بنحو يقتضى مع الامكان وجوب ايجاده كسائر مقدمات الواجب المطلق فكذلك أيضا ( فإنه ) مع العلم بوجود الموضوع في الخارج لا يجوز العدول عنه إلى غيره مما هو محتمل المصداقية للطبيعي لاستقلال العقل حينئذ بعد العلم بالتكليف والقدرة على امتثاله بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ وعدم الاكتفاء في مقام الامتثال بالفراغ الاحتمال ( ومع الشك ) فيه وانحصار الامر فيما هو محتمل المصداقية ، لابد من الاحتياط ، لرجوع بعد العلم بأصل الغرض وقيامه بالشيء إلى الشك في القدرة على الامتثال المحكوم عقلا بالاحتياط ووجوب التعرض للامتثال إلى أن يحصل الجزم بالعجز على ما هو الشأن في جميع موارد الشك في القدرة على الامتثال ( ولا مجال ) في مثله للرجوع إلى البراءة ، لان الرجوع إليها انما يكون في مورد كان الشك فيه راجعا إلى الشك في أصل غرض المولى ( لا في مورد ) الشك في القدرة على تحصيله بعد الجزم بأصله فان في مثله يحكم العقل بالاحتياط ، ولذلك لا يعتني باحتمال عدم القدرة في الواجب المبتلى باحتمال وجود المزاحم الأهم ( نعم ) انما يرجع إلى البراءة عند الشك في القدرة فيما لو

٢٦٦

كان التكليف منوطا بها شرعا كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج ، فان الشك فيها حينئذ يرجع إلى الشك في أصل ثبوت الغرض وتحققه ، لا مطلقا حتى فيما كان الحاكم باعتبارها هو العقل لان في مثله يكون الغرض مما يعلم بوجوده ولو مع القطع بعدم القدرة على الامتثال ( وحينئذ ) فمع الشك في القدرة بعدم الجزم بأصل الغرض لابد من الاحتياط ( واما لو كان ) التكليف منوطا بوجود الموضوع كما في اكرام العالم واطعام الجايع ، فمع العلم بوجود الموضوع في الخارج أو بعدمه لا اشكال ومع الشك في أصل وجوده يكون المرجع هي البراءة لرجوع الشك المزبور إلى الشك في ثبوت الغرض وفي أصل توجه التكليف إليه وهو ظاهر ( هذا كله ) إذا كان تعلق التكليف على نحو صرف الوجود ( واما لو كان ) تعلقه على نحو الطبيعة السارية أو العموم الاستغراقي بنحو ينحل التكليف المتعلق بالطبيعي إلى تكاليف متعددة حسب تعدد الحصص والافراد ، ففي ذلك مهما شك في الموضوع يكون المرجع فيه البراءة دون الاشتغال من جهة رجوع الشك المزبور بعد انحلالية التكليف إلى الشك في التكليف الزائد فيندرج في مسألة الأقل والأكثر الاستقلالين التي كان المرجع فيها هي البراءة بالاتفاق ( من غير فرق ) بين ان يكون لمعروض التكليف الذي هو فعل المكلف تعلق بموضوع خارجي كاكرام العالم وعدمه كالصلاة ( ولا ) بين ان يكون التكليف منوطا بوجود ذلك الموضوع ، وبين كونه مطلقا بالنسبة إليه ، فإنه على جميع التقادير يكون المرجع عند الشك هي البراءة ، نظرا إلى رجوع الشك المزبور بعد سراية الطلب إلى الحصص والافراد إلى الشك في أصل اقتضاء الخطاب تكليفا بالنسبة إلى المشكوك فيه زائدا عما علم بانطباق الطبيعي عليه ( لا يقال ) على هذا لم التزمت بالاحتياط في فرض كون التكليف على نحو صرف الوجود ( لان ) مجرد الشك في انطباق الطبيعي على فرد لو كان كافيا في الحكم بالاشتغال ووجوب الاحتياط كما في فرض تعلق التكليف بالشيء بصرف وجوده فليكن كذلك في فرض تعلقه به بنحو الطبيعة السارية ( وان لم يكن ) ذلك كافيا في الحكم بالاشتغال كما في مفروض المسألة نظرا إلى دعوى احتياج التكليف في تنجزه إلى احراز عنوان موضوعه في الخارج وانطباق الكبرى المجعولة عليه فمع الشك في وجود الموضوع وانطباق عنوانه على المورد لا يكون للعقل حكم بالاشتغال

٢٦٧

بمثله ( فليكن كذلك ) في فرض تعلق التكليف بالشيء بصرف وجوده ، فعلى اي حال لا وجه للتفصيل بين الفرضين في مرجعية البراءة والاشتغال ( فإنه يقال ) ان الفرق بين الفرضين هو ان في التكليف بصرف الوجود كان موضوع التكليف عبارة عن الطبيعي بما هو قابل للانطباق على اي فرد لا الطبيعي المنطبق على فرده ، وبذلك يكون امر تطبيقه على الفرد في عهدة المأمور في مقام الخروج عن عهدة التكليف لا في عهدة الامر حتى يجب عليه بيانه ( ولازمه ) بعد العلم بتعلق التكليف بالطبيعي المزبور وخروج جهة الانطباق عن موضوع التكليف ، هو رجوع الشك في انطباق الطبيعي على المورد إلى الشك في القدرة على التطبيق فيجب بحكم العقل الاحتياط باتيان ما يحتمل كونه مصداقا للطبيعي كما بيناه ( وهذا بخلاف ) التكليف المتعلق بالطبيعة السارية ( فان ) موضوع التكليف فيه بنظر الامر انما كان هي الطبيعة المنطبقة على افراده فتكون جهة الانطباق على الفرد مأخوذة في موضوع التكليف وفي عهدة الامر حيث إنه كان عليه بيانه بعكس الفرض الأول ، فمتى شك في فردية شيء للطبيعي يكون ذلك راجعا إلى الشك في بيان الامر وفى توجيه تكليفه إلى مشكوك الانطباق وعدمه لا إلى الشك في القدرة على الامتثال كما هو ظاهر فتدبر ( هذا كله ) في فرض كون التكليف وجوبيا ( واما لو كان ) التكليف تحريميا ( فان كان ) النهى متعلقا بالطبيعة السارية ، فلا اشكال في أن المرجع عند الشك في الموضوع هي البراءة دون الاحتياط من غير فرق ، بين ان يكون لمعروض النهى الذي هو فعل المكلف تعلق بأمر خارجي كشرب الخمر ، وعدمه كالغنا والكذب ( ولا بين ) كون النهى منوطا شرعا بذلك الامر الخارجي ، وعدمه ( فإنه ) بعد انحلال التكليف إلى تكاليف متعددة بمقتضى السراية إلى الحصص يكون المرجع عند الشك في المصداق في جميع هذه الصور هي البراءة لرجوع الشك المزبور إلى الشك في أصل الخطاب بالنسبة إلى المشكوك فيه ( واما لو كان ) متعلقا بصرف الطبيعي ( فان كان ) الفعل مما له تعلق بموضوع خارجي وكان النهي أيضا منوطا شرعا بفرض وجود ذلك الموضوع ( فلا اشكال ) في البراءة مع الشك في الموضوع لعدم احراز الخطاب بالاجتناب عن المشكوك فيه ( وأما إذا ) لم يكن للفعل المنهى عنه تعلق بأمر خارجي ( أو كان ) ولكن كان النهي مطلقا بالنسبة إليه لا مشروطا بوجوده بحيث ربما يقتضى

٢٦٨

لزوم اعدامه في فرض عدم التمكن من الاجتناب عنه الا باعدامه « فقد يقال » باقتضاء مثل هذا النهي كالأمر المتعلق بصرف الوجود للاشتغال « بدعوى » اقتضاء النهي عن صرف الوجود المبين حكما وموضوعا للاشتغال بعدم الطبيعي الذي هو نقيض صرف وجوده « ولازمه » بحكم العقل هو الاجتناب عن كل ما يحتمل كونه من افراده تحصيلا للفراغ اليقيني عما ثبت الاشتغال به يقينا « ولكن فيه » ما لا يخفى فان النهي عن صرف وجود الطبيعي وان كان يقتضى الاشتغال بعدم الطبيعي الذي هو نقيض صرف وجوده ولا يحصل ذلك الا بعدم تمام افراده ( الا انه ) بعد اختلاف دائرة عدم الطبيعي سعة وضيقا بازدياد الافراد وقلتها بلحاظ ان عدم الطبيعي عين عدم افراده ، لا انه امر حاصل منها « فلا محالة » يكون مرجع الشك في انطباق الطبيعي على المشكوك إلى الشك في مقدار دائرة المأمور به ، بان تلك المرتبة من العدم المنبسط على الافراد بحد يكون المشكوك داخلا فيه أو بحد يكون المشكوك خارجا عنه « فيندرج » في صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين فيجري فيه البراءة بناء على المختار في جريانها في تلك المسألة « وبذلك » يتضح الفرق ، بين التكليف الوجوبي المتعلق بصرف الوجود ، وبين التكليف التحريمي المتعلق به ( حيث ) ان الالتزام بالاشتغال في الأول انما هو من جهة عدم التكرر لصرف وجود الطبيعي وعدم تصور السعة والضيق في دائرة موضوع التكليف بازدياد الافراد وقلتها كي يتصور فيه الوجود الساري بنحو الانضمام ( لان ) ما يتصور فيه التوسعة والتضييق من جهة قلة الافراد وكثرتها انما هو بالنسبة إلى ما ينطبق عليه موضوع التكليف لا بالنسبة إلى نفس موضوع التكليف ( وهذا بخلاف ) فرض كون التكليف تحريميا ، إذ عليه تكون كثرة الافراد وقلتها موجبة لاتساع دائرة موضوع التكليف وتضييقه ( نعم ) لو قيل إن عدم الطبيعي عبارة عن معنى غير عدم الافراد وان نسبة الافراد إليه من قبيل المحقق والمحصل كما قيل به في طرف الوجود حيث جعل نسبة الافراد إلى وجود الطبيعي من قبيل المقدمة بالنسبة إلى ذيها لكان للفول بمرجعية الاشتغال عند الشك في المصداق مجال « ولكن » الشأن في صحة المبنى ، فان التحقيق كما عليه المحققون هو ان وجود الطبيعي عين وجود فرده ، فيكون عدمه عبارة عن عين اعدام افراده ، لا بمعنى

٢٦٩

ان النقيض هو عدم كل فرد فرد بخصوصيته ، كي يشكل بأنه لا يكون لصرف وجود الطبيعي الا نقيض واحد ، بل بمعنى ان النقيض هو العدم الساري في ضمن تمام الأعدم الفردية مع خروج خصوصيات اعدام الافراد عن النقيض بعين خروج خصوصيات الوجود عن صرف الوجود ( وعليه ) يندرج المقام في الأقل والأكثر ويكون المرجع فيه هي البراءة دون الاحتياط « من غير فرق » بين ان يكون المنهى عنه على نحو السالبة المحصلة كقوله لا تشرب الخمر أو الموجبة المعدولة المحول كقوله كن لا شارب الخمر « وما أفيد » من لزوم الاحتياط في الثاني بملاحظة ان ترك الافراد حينئذ مقدمة للاتصاف بالسلب المزبور فيكون مرجع الشك في خمرية مايع إلى الشك في حصول عنوان كونه لا شارب الخمر مع عدم ترك المشكوك ومرجعه إلى الشك في الامتثال « مدفوع » بان مجرد وقوع السلب قيدا للربط والاتصاف في المعدولة لا يوجب مغايرة السلب المزبور مع سلب الافراد خارجا بل بل هو على حاله من العينية مع سلب الافراد كما السلب الوارد على الربط في السالبة المحصلة « بداهة » ان المسلوب في المعدولة انما هي الطبيعة المتعلقة لسلب الربط في السالبة « فكما ان » وجود الطبيعي لا يكون الأعين وجود فرده « كذلك » عدمه لا يكون الأعين اعدام افراده ، لا انه امر متحصل منها « فإذا » كان العدم المزبور مرددا بين الأقل والأكثر من جهة قلة الافراد وكثرتها « فلا جرم » يكون وقوعه طرفا للربط والاتصاف في المعدولة موجبا للترديد في نفس الاتصاف أيضا فيكون اللاشاربية مرددا بين الأقل والأكثر بملاحظة تبعية المعنى الحرفي للمتعلق في القلة والكثرة والترديد والتعيين كتبعيته له في الكلية والجزئية « وعليه » فلا فرق بين كون النهى عنه في القضية على نحو السالبة أو المعدولة ، فإنه على كل تقدير يكون التكليف انحلاليا لرجوع التكليف مع الشك في المصداق إلى التكليف بالمردد بين الأقل والأكثر فتجري البراءة عن التكليف بالترك الزائد المشكوك « نعم » الفرق بين المعدولة والسالبة هو ان في المعدولة يكون العدم المردد بين الأقل والأكثر من قيود عنوان المأمور به وهو كونه لا شارب الخمر ، وفي السالبة نفس عنوان المكلف به « ولكن » هذا المقدار لا يوجب فرقا بينهما في مرجعية البراءة ، ولذلك لم يلتزم أحد بالاحتياط في موارد تقييد المأمور به بشيء مردد بين الأقل

٢٧٠

والأكثر ( ثم إن هذا كله ) في النواهي النفسية ( واما ) النواهي الغيرية فتجري فيها أيضا الشقوق المتصورة في النواهي النفسية ويكون المرجع فيها أيضا عند الشك في المصداق هي البراءة دون الاحتياط « نعم » قد يتصور الاحتياط فيما لو كان النهى عن الشيء منوطا بوجود صفة خاصة كما في النهي عن ايقاع الصلاة في غير المأكول في ظرف لبس الحيواني بناء على استفادة إناطة المانعية بوجود صفة الحيوانية في لباسه ، فإنه في ظرف العلم بحيوانية الملبوس مع الشك في مأكولية « أمكن » دعوى مرجعية الاشتغال بلحاظ ان في ظرف لبس الحيواني لا يتصور لمأكوليته افراد حتى يتصور فيه العدم الساري في ضمن الا افراد ليندرج في الأقل والأكثر الارتباطيين ، فمتى علم يكون الملبوس حيوانيا وشك في مأكوليته ، لابد من الاحتياط للعلم بتوجيه التكليف بالتقييد بعدم مأكولية ملبوسه ذلك فلابد من تركه لبسه في الصلاة تحصيلا للجزم بالفراغ ( ولكن الفرض ) بعيد جدا كما بيناه في محله ( فتلخص ) من جميع ما ذكرنا انه إذا كان التكليف تحريميا ففي جميع صور المسألة يكون المرجع عند الشك في الموضوع هي البراءة حتى في صورة تعلق النهي بصرف وجود الشيء ( وأما إذا كان التكليف وجوبيا فلابد من التفصيل بين تعلقه بصرف الوجود وتعلقه بالوجود الساري ( فعلى الأول ) يكون المرجع عند الشك في الموضوع الاحتياط ( الا إذا ) كان لمعروض التكليف الذي هو فعل المكلف تعلق بالموضوع الخارجي وكان التكليف منوطا أيضا بوجود ذلك الموضوع ، فإنه يكون المرجع فيه عند الشك هي البراءة ( واما على الثاني ) فالمرجع فيه عند الشك في الموضوع مطلقا هي البراءة ، من غير فرق بين شقوق المسألة وصورها لرجوع الشك المزبور بعد انحلال التكليف بمقتضى السراية إلى الحصص والافراد إلى الأقل والأكثر الراجع إلى الشك في أصل اقتضاء الخطاب تكليفا بالنسبة إلى المشكوك هذا ( ولكن الذي ) يظهر من جماعة بل قيل إنه المشهور في مسألة تردد الفائتة من الصلاة بين الأقل والأكثر هو خلاف ما ذكرنا ( حيث إن ) بنائهم في تلك المسألة على وجوب الاحتياط ولزوم القضاء إلى أن يعلم أو يظن بالفراغ مع أن ) المسألة من صغريات الأقل والأكثر الاستقلاليين ( فيشكل ) الفرق بين هذه المسألة وسائر موارد الأقل والأكثر الاستقلاليين كالدين المردد بين الأقل والأكثر ( حيث ) ان بنائهم في غير

٢٧١

فرض المسألة المزبورة على البراءة وعدم وجوب الاحتياط « ويظهر من الشيخ قده » ابتناء المسألة براءة واشتغالا على الخلاف في مسألة « ان القضاء » بتكليف جديد مغاير للتكليف الأول بان كان الامر بالصلاة في الوقت على نحو وحدة المطلوب وكان الامر بالقضاء في خارج الوقت من باب تداركه بعد فوته « أو انه بمقتضى » الامر الأول بحيث كان الامر بالقضاء كاشفا عن استمرار المطلوب بالامر الأول من حين دخول وقته إلى آخر زمان تمكن المكلف من الاتيان به ولو في خارج الوقت الراجع إلى كون الامر الأول على نحو تعدد المطلوب بان يكون الكلي المشترك بين ما في الوقت وخارجه مطلوبا وكون اتيانه في الوقت مطلوبا آخر ، فحاول تطبيق فتوى المشهور في وجوب الاحتياط على المبني الثاني ، نظرا إلى اقتضائه للاشتغال بالكلي المشترك بين ما في الوقت وخارجه ورجوع شكه إلى الشك في الخروج عن عهدة ما ثبت الاشتغال به « ولكن » فيه ان ما أفيد من التوجيه مع أنه غير تام لا ينتج وجوب الاحتياط الا بنحو الموجبة الجزئية « إذ للمسألة » فروض كثيرة لأن الشك في قضاء الفوائت وتردده بين الأقل والأكثر « تارة » يكون من جهة الشك في عدد السنين التي مضت من عمره كما لو علم بفوت فرائضه في تمام ما مضى من عمره اما لعدم الاتيان بها رأسا أو لاخلاله بما يوجب فسادها ولكنه لا يعلم مقدار ما مضى من عمره وانه ثلثين سنة أو أكثر « وأخرى » بعكس ذلك وهو ان يكون الشك في مقدار ما فات منه من جهة نسيانه أو نومه أو تساهله في الاتيان بالفريضة مع العلم بكمية عمره « وفى هذه الصورة » تارة يقطع أو يحتمل التفاته إلى الفائتة في كل يوم قبل مضي الوقت وأخرى لا يحتمل ذلك بل يكون التفاته إلى الفوت حادثا بعد مضى الوقت « وبعد ذلك » نقول ، اما الصورة الأولى وهي ما كان الشك في مقدار الفائتة ناشئا من جهة الشك في عدد السنين التي مضت من عمره « فلا اشكال » في جريان البراءة عن الأكثر لرجوع الشك فيه إلى الشك في أصل التكليف بالقضاء بالنسبة إلى المشكوك « من غير فرق » في ذلك بين القول بوحدة المطلوب في الامر الأول واحتياج القضاء إلى تكليف جديد ، وبين القول بتعدد المطلوب وكون القضاء باقتضاء الامر الأول « وذلك » على الأول ظاهر « واما على الثاني » فكذلك أيضا لعدم العلم بالاشتغال بالكلي المشترك بين ما في الوقت

٢٧٢

وخارجه بأزيد من المقدار المعلوم ( وكذلك الامر ) في الصورة الأخيرة ، فان المرجع فيها أيضا هي البراءة عن الأكثر ولو على القول بان القضاء بالامر الأول لا بأمر جديد « فان مقتضى » الأصل الأولى حينئذ وان كان هو الاحتياط والاخذ بالأكثر « الا ان » مقتضى الأصل الثانوي وهي قاعدة حيلولة الوقت ، هي البراءة وعدم وجوب الاحتياط ( حيث ) ان مقتضى القاعدة المزبورة هو رفع الاشتغال الثابت بالتعبد بالفراغ عن عهدة التكليف ( واما ) الأصل الموضوعي وهو أصالة عدم الاتيان بالفريضة كل يوم في وقتها فهو أيضا غير جار مع جريان هذه القاعدة المضروبة في مورده نظرا إلى أخصيتها منه باختصاص موردها بالشك الحادث بعد الوقت ( واما الصورة الثانية ) وهي ما كان الشك حادثا في الوقت كل يوم وبقى الشك إلى أن خرج الوقت أو انه غفل عن شكه ولم يلتفت الا بعد مضى الوقت ، فمقتضى القاعدة في مثل هذا الفرض هو الاحتياط ووجوب القضاء إلى أن يعلم بالفراغ حتى القول بوحدة المطلوب وكون القضاء بتكليف جديد مغاير للتكليف بالأداء فضلا على القول بوحدة المطلوب ( والوجه ) في ذلك انما هو الأصل الموضوعي المزبور وهي أصالة عدم الاتيان بالفريضة في وقتها ( فان ) مقتضى الأصل المزبور حينئذ بعد عدم جريان قاعدة حيلولة الوقت في الفرض لاختصاص جريانها بمورد الشك الحادث بعد الوقت ، انما هو الاخذ بالأكثر ووجوب القضاء إلى أن يعلم بالفراغ ( واما توهم ) عدم اقتضاء الأصل المزبور لاثبات وجوب القضاء بلحاظ ترتبه على عنوان الفوت غير المحرز بالأصل المزبور الا على المثبت ( فمدفوع ) بمنع كون القضاء مترتبا على عنوان الفوت ( بل هو ) على ما يستفاد من مجموع الأدلة مترتب على ما يعم ذلك وهو الترك وعدم الاتيان بالفريضة المأمور بها على وجهها بما اعتبر فيها من الاجزاء والشرائط ( وحينئذ ) لا قصور في جريان هذا الأصل لاثبات وجوب القضاء كما هو ظاهر ، وحينئذ فعلى كل تقدير لا يتم ما افاده من التوجيه المزبور لكلام المشهور ، لما عرفت من أن في جميع هذه الصور لا فرق بين القول بان القضاء بأمر جديد والقول يكونه مقتضى الامر الأول ( وقد أفيد ) في تطبيق فتوى المشهور على القاعدة بوجه آخر ، وحاصله انه يعتبر في جريان البراءة بل الأصول العملية مطلقا ان يكون الشك الذي اخذ موضوعا فيها بدويا غير مسبوق بالعلم ،

٢٧٣

والا فمع سبقه بالعلم ولو انا ما لا يبقى مجال لجريان البراءة في المشتبهة ( لان بسبق ) العلم ولو آنا ما يتنجز التكليف عليه فلا يكون العقاب معه عقابا بلا بيان ، بل ومع احتمال سبق العلم بحكم الشبهة وتنجزه عليه أيضا ، إذ لا قطع بالمؤمن حينئذ حيث لا تجري الأصول العملية مطلقا عقلية كانت أو شرعية ( اما الأولى ) فلعدم استقلال العقل حينئذ بقبح العقاب ( واما الثانية ) فلانه مع احتمال سبق العلم يحتمل حصول الغاية فيها فيكون التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ( وعلى ذلك ) فحيث ان الغالب هو حصول العلم بالفائتة عند فوات كل فريضة تكون فتوى المشهور لا محالة في محلها ( لأنه ) بالنسبة إلى الزائد المشكوك كما يحتمل فوته كذلك يحتمل تعلق العلم بفوته على تقدير فوته واقعا ومع احتمال سبق العلم لا تجرى فيه البراءة ولا قاعدة حيلولة الوقت فلابد من الاحتياط ووجوب القضاء إلى أن يعلم بالفراغ ( أقول ) وفيه ما لا يخفى ، فإنه ليس مجرد حدوث العلم في آن علة لتنجيز معلومه إلى الأبد حتى مع زواله لان ذلك مما يأبى عنه العقل ، وانما يكون تأثيره في كل آن مقصورا بحال وجوده في ذاك الآن ( وحينئذ ) فبعد طرو الشك تجرى لا محالة أدلة البراءة عقليها ونقليها حيث لا مانع عنها في الحالة الفعلية ( ولأجل ذلك ) التزم أخيرا بجريان البراءة العقلية والشرعية حيث جعل المدار في التنجيز على البيان في الحالة الفعلية ، ولكنه خص الحكم بالبرائة بفرض احتمال حصول العلم سابقا ويا ليته يلتزم بها حتى في فرض الجزم يسبق العلم مع زواله في الحالة الفعلية ، إذ بعد ما لا يكون العلم السابق الا منجزا في حال وجوده لا يفرق في الحالة الفعلية بين الفرضين وحينئذ لا يمكن تطبيق فتوى المشهور من هذه الجهة على القاعدة ( وحينئذ ) فالأولى هو حمل كلامهم على الفرض الأخير الذي فرضناه ، فإنه عليه تكون فتواهم بوجوب الاخذ بالأكثر وعدم جريان البراءة في المشكوك في محلها حتى على القول بمغايرة التكليف بالقضاء مع التكليف الأول وانهما من باب الأمر بالشيء والامر بتداركه بعد فوته ، كما أنه عليه يكون منعهم عن جريان قاعدة حيلولة الوقت في محله أيضا بلحاظ اختصاصها بمورد الشك الحادث بعد الوقت.

( الامر الثاني ) لا اشكال في رجحان الاحتياط وجريانه في التوصليات حتى فيما كان الدوران بين الوجوب والكراهة حيث أمكن الاحتياط فيها باتيانها برجاء

٢٧٤

المطلوبية ويترتب عليه المثوبة أيضا لكونه مرددا بين الطاعة والانقياد ( كما لا اشكال ) أيضا في جريانه في العبادات فيما لو كان الدوران بين الوجوب والاستحباب ولو على القول باعتبار القربة الجزمية في العبادة ، فإنه بعد الجزم بتعلق الامر الشرعي بالعمل يمكن الاحتياط فيها باتيانها بداعي الامر الجزمي المتعلق به ( واما لو كان ) الدوران بين الوجوب وغير الاستحباب ، ففي جريان الاحتياط فيها اشكال ينشأ من اعتبار الجزم بالامر الشرعي تفصيلا أو اجمالا في تحقق القرب المعتبر في العبادة ( فإنه ) قد يقوى العدم نظرا إلى أن الاحتياط عبارة عن الاتيان بالعمل المحرز للواقع وهذا بعد اعتبار القربة الجزمية في العبادة مما لا سبيل إليه لانتفاء الجزم بالامر الشرعي وعدم العلم به تفصيلا ولا اجمالا ( وفي ذلك ) لا يفرق بين كون القربة مأخوذة شطرا أو شرطا في العبادة ، وبين خروجها عنها وكونها مأخوذة عقلا في الغرض منها ، فإنه على كل تقدير يستحيل جريان الاحتياط فيها لاستحالة تحقق القربة الجزمية مع الشك في الامر ( ولكن الأقوى هو الجريان لمنع اعتبار القربة الجزمية في عباديته مطلقا وكفاية مجرد احتمال المطلوبية في ذلك فيما لا يعلم مطلوبيته ويترتب عليه المثوبة أيضا كما في التوصليات حيث يستقل العقل بالمثوبة على الاتيان بما يحتمل الوجوب بداعي احتمال وجوبه من جهة كونه إطاعة وانقيادا لأمر الشارع كاستقلاله بذلك في الاتيان بالواجب بداعي وجوبه الجزمي ( إذ لا فرق ) بين التعبدي والتوصلي من هذه الجهة ، وانما الفرق بينهما من جهة حصول الغرض في التوصليات باتيانها كيفما اتفق بخلاف التعبديات فان حصول الغرض وسقوط الامر فيها يتوقف على اتيانها عن داعي قربى اللهى ( نعم ) لو قلنا بعدم كفاية القربة الرجائية في عباديته واحتياج العبادة إلى ضم القربة الجزمية لاشكل جدا جريان الاحتياط في العبادة ( ولا تجديه ) دعوى كفاية الاتيان بذات العمل بداعي حسنه العقلي في المقربية ( لاستحالة كون ) مثل هذا الحسن العقلي المترتب على عنوان الاحتياط من مبادئ ثبوته وتحققه ( وبالجملة ) نقول ان العمل الصادر بعنوان الإطاعة والانقياد على ما أسلفناه في مبحث التجري وان كان متصفا بالحسن الجزمي العقلي ولكن المتصف بهذا الحسن بعد أن كان هي الذات الملحوظة في المرتبة المتأخرة عن الإرادة ( فلابد ) في ترتب هذا الحسن العقلي من الجزم بحسن الذات

٢٧٥

في المرتبة السابقة على الطاعة المحرك إليها كي به يتحقق عنوان الموضوع وهي الطاعة في العبادة فيترتب عليه هذا الحسن العقلي ( والا ) فمع عدم الجزم بذلك حسب الفرض لا يتحقق عنوان الموضوع وهي الطاعة كي يصير حسنا بذلك الحسن العقلي المردد بين الإطاعة والانقياد ( وبذلك ) يظهر فساد القول بان الاحتياط في العبادة انما هو الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدى نية القربة وان قربيته يتحقق باتيانه بداعي حسنه العقلي الجزمي ( وذلك ) لما عرفت من أن موضوع هذا الحسن انما هو عنوان الإطاعة والانقياد ، ولا يكون الفعل بنفسه إطاعة ولا انقيادا ليكون حسنا بالحسن العقلي ( كما أنه ) يظهر به فساد دعوى الاكتفاء في التقرب بما يحتمل عباديته باتيانه بداعي الأوامر المتعلقة بالاحتياط ( فإنه مضافا ) إلى عدم صلاحية مثل هذه الأوامر للمقربية لكونها ارشادية محضه ( ان الكلام ) انما هو في موضوع الاحتياط الذي يتوقف عليه هذه الأوامر ( نعم ) انما يتم ذلك بناء على جعل الموضوع في تلك الأوامر عبارة عن مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدى نية القربة ، فإنه بضميمة استفادة الاستحباب النفسي من الأوامر المتعلقة بعنوان الاحتياط ( أمكن ) تصحيح الاحتياط في العبادات ، حيث يأتي المكلف بذات العبادة المحتملة مستجمعة لجميع ما يعتبر في العبادة شرطا وشطرا ويقصد التقرب بها بإطاعة هذه الأوامر بناء على كفاية مطلق الامر المتعلق بالشيء في المقربية ( وكذلك ) الامر بناء على جعل الاحتياط منتزعا عن الفعل بعنوان كونه مشكوك الحكم ومحتمل المطابقة للواقع بهذا العنوان الثانوي بحيث كان احتمال الوجوب قيدا للمأمور به فإنه على هذا المعنى أيضا يندفع الاشكال المزبور ( ولكنهما ) كما ترى ، اما الأول فمضافا إلى كونه التزاما بالاشكال لوضوح عدم كونه احتياطا حقيقة ، انه لا دليل يساعد عليه بعد ظهور الأخبار الآمرة بموضوع الاحتياط في معناه الحقيقي غير المتحقق في العبادات ( ومنه ) يظهر الكلام في الثاني أيضا ، فإنه مضافا إلى أن الظاهر من عنوان الاحتياط هو العمل المأتي بداعي الاحتمال لا صرف اتيان مشكوك الوجوب بما هو كذلك ( انه ) خارج عن موضوع حكم العقل بالحسن لعدم كون فعل ما شك في وجوبه بهذا العنوان مع قطع النظر عن نشوه عن دعوة احتمال الوجوب محكوما عقلا بالحسن

٢٧٦

والرجحان ، فلو ثبت حسنه حينئذ بهذا العنوان لكان عبادة مستقلة غير مرتبطة بالاحتياط في العبادة الذي هو موضوع حكم العقل بالحسن كما هو ظاهر ( ولكن الذي ) يسهل الخطب هو كفاية مجرد احتمال المطلوبية فيما لا يعلم مطلوبيته ولو اجمالا في تحقق القرب المعتبر في العبادة ( وعليه ) فلا موقع للاشكال في جريان الاحتياط في العبادات لبداهة التمكن من الاتيان بما احتمل وجوبه بداعي احتمال مطلوبيته لدى المولى كما هو ظاهر ( نعم ) على ذلك لا يجوز الافتاء باستحباب العمل الذي يحتمل وجوبه بل لابد من تقييد اتيانه بكونه برجاء المطلوبية ، وعليه فيشكل الامر فيما حكى عن المشهور من الفتوى باستحباب العمل الذي يحتمل وجوبه من غير تقييد اتيانه بكونه بداعي احتمال المطلوبية.

( ثم انه لو كان ) منشأ احتمال الوجوب قيام خبر ضعيف عليه فقد يقال بعدم الاحتياج حينئذ في الافتاء بالاستحباب إلى أوامر الاحتياط وكلفة اثبات كونها للاستحباب المولوي لا الارشاد العقلي لورود الأخبار الكثيرة الامرة بفعل كل ما بلغ فيه الثواب بخبر ضعيف ، حيث إن المستفاد منها هو استحباب ما بلغ فيه الثواب ( وحيث انجر الكلام إلى ذلك فلا بأس بالتعرض لذكر الأخبار الواردة في الباب وبيان ما يستفاد منها من الوجوه المحتملة فيها ( فنقول ) ان الأخبار الواردة في الباب كثيرة ( منها ) صحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن أبي عبد الله (ع) ، قال من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الثواب فعمله كان اجر ذلك له وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله ( ومنها ) المروى عن صفوان عن الصادق (ع) قال ، من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به كان له اجر ذلك وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله ( ومنها ) خبر محمد بن مروان عن أبي عبد الله (ع) قال من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان له ذلك الثواب وان كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله ( ومنها ) خبره الاخر قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول من بلغه ثواب من الله تعالى على عمل ففعله التماس ذلك الثواب أوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه « ومنها » ما رواه الصدوق عن محمد بن يعقوب بطرقه إلى الأئمة ، من بلغه شيء من الخبر فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وان لم يكن الامر كما نقل إليه ( ومنها ) ما في

٢٧٧

الاقبال عن الصادق (ع) قال من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له ذلك وان لم يكن الامر كما بلغه إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المستفيضة المتقاربة بحسب المضمون ( ولا اشكال ) فيها من جهة السند بعد استفاضتها وكون بعضها من الصحاح وعمل المشهور بها والفتوى على طبقها ( وانما الاشكال ) في دلالتها على الاستحباب حيث إن الوجوه المحتملة فيها كثيرة ( أحدها ) ان يكون مفادها الاستحباب وذلك بجعل عنوان البلوغ قيدا للموضوع بان يكون العمل البالغ عليه الثواب بهذا العنوان فيه المصلحة اقتضت استحبابه نظير عنوان ما أخبر به العادل على الموضوعية « فكان » المستفاد من قوله (ع) فعمله أو ففعله هو الامر بالفعل اما لكون الجملة الخبرية بمعنى بالانشاء والطلب كما قيل ، أو لدلالتها عليه بالملازمة أو غير ذلك من الوجوه المذكورة في وجه استفادة الطلب من أمثال هذه الجمل الواردة في مقام تشريع الاحكام كقوله من سرح لحيته فله كذا وقوله تسجد سجدتي السهو وتعيد الصلاة « ثانيها » ان تكون الجملة الخبرية أيضا بمعنى الانشاء ولكن مفادها هو الحكم المولوي الطريقي لا النفسي الراجع إلى تيمم كشف قول المبلغ وحجية اخبار الضعاف في الحكم الاستحبابي نظير الأوامر الدالة على حجية خبر الواحد ، فتكون هذه الأخبار حينئذ مخصصه لما دل على اعتبار الوثاقة والعدالة وانها انما تعتبر في الخبر القائم على الحكم الإلزامي « واما » في الخبر القائم على الحكم الاستحبابي فلا يعتبر فيه ذلك « ثالثها » ان تكون ارشادا إلى حكم العقل بحسن الانقياد في مورد بلوغ الثواب واحتمال المطلوبية كما يقتضيه ظهور قوله (ع) طلب قول النبي والتماس الثواب بل وقوله (ع) فعمله الظاهر في تفريع العمل على البلوغ الذي هو كناية عن احتمال المطلوبية « رابعها » ان يكون مفادها مجرد الاخبار عن فضل الله سبحانه وانه إذا عمل العامل عملا بلغه ثواب عليه اعطاء الله سبحانه بفضله ذلك الثواب الذي بلغه وان لم يكن الامر في الواقع كما بلغه ، من غير أن تكون هذه الأخبار بصدد بيان حال العمل قبل صدوره من العامل وانه مستحب أو راجح « وبالجملة » تكون هذه الأخبار ناظرة إلى العمل فارغا عن وقوعه من العامل لا ناظرة إليه قبل صدوره منه « وعليه » فيمكن ان يعتبر في الخبر القائم على الحكم الاستحبابي ما يعتبر في الخبر القائم على الحكم الإلزامي من

٢٧٨

العدالة والوثاقة والضبط في الراوي حيث لا اطلاق لها من هذه الجهة حتى يؤخذ به لعدم اعتبار شرائط الحجية في قول المبلغ « ولكن » الوجه الأخير منها بعيد عن ظاهر تلك الأخبار فان الظاهر المتبادر منها هو كونها مسوقة لبيان حال العمل قبل صدوره من العامل والحث والترغيب نحوه بالايجاد اما بنحو المولوية النفسية أو الطريقية أو على نحو الارشاد إلى حكم العقل بحسن الطاعة والانقياد « لا لبيان » العمل بعد وقوعه من حيث تفضله سبحانه باعطاء الثواب الموعود للعامل ولو مع عدم مصادفة قول المبلغ للواقع حتى يقال بامكان اعتبار شرائط الحجية من العدالة والوثاقة وغيرهما في صحة الاخذ بقول المبلغ ولو بدعوى ان العامل لا يعتمد في عمله على قول المبلغ الا إذا كان فيه شرائط الحجية « فان ذلك » كله مخالف لما يقتضيه ظاهر هذه النصوص من كونها مسوقة للترغيب إلى العمل وما هو الظاهر من بلوغ الثواب من كونه كتابة عن ثبوت مقتضيه خصوصا المتضمنة منها لذكر الاجر الظاهر في الاستحقاق لا التفصل ، مع أنه لا ينحصر وجه صدور العمل عن العامل في كونه عن اعتماد على قول المبلغ ، فإنه كما أن الخبر الصحيح يكون داعيا على العمل ، كذلك قد يكون الداعي عليه هو الاحتمال ورجاء الوصول إلى الواقع خصوصا في الاحكام غير الالتزامية « ومعه » لا يبقى مجال حمل تلك النصوص على صورة كون خبر المبلغ واجدا لشرائط الحجية « فلابد » حينئذ اما من حمل تلك النصوص على الاستحباب النفسي المولوي أو الاستحباب الطريقي الراجع إلى حجية الخبر الضعيف في الحكم الاستحبابي كما يقتضيه ظاهر عناوين الكلمات من التعبير بالسامح في أدلة السنن « أو حملها » على بيان الارشاد إلى حكم العقل بحسن الاتيان بالعمل برجاء الواقع واحتمال المطلوبية وترتب المثوبة عليه بلا مولوية نفسية فيها ولا طريقية « لكن » استفادة الامر الطريقي منها في غاية البعد لاباء الاخبار عن استفادة ذلك بمقتضى قوله (ع) وان لم يكن الامر كما بلغه « نعم » على المختار من استحقاق المنقاد أيضا للثواب على العمل لا بأس بترتب الثواب على العمل بقول مطلق لكونه من الثواب المردد بين الإطاعة والانقياد « فيتردد الامر » حينئذ بين الحمل على الاستحباب النفسي المولوي « وبين » الحمل على الارشاد إلى ما يستقل به العقل من حسن الانقياد وترتب المثوبة عليه « ولا

٢٧٩

ريب » في أن المتقين من الاخبار هو الثاني ، كما يشهد له قوله (ع) في تلك الأخبار فعمله أو ففعله بعد قوله من بلغه الظاهر في كون العمل متفرعا على البلوغ وكونه هو الداعي والباعث على الاتيان به ( بل ويشهد ) له تقييد العمل في بعض تلك الأخبار بطلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي البعض الاخر بالتماس ذلك الثواب ( فإنه ) ظاهر بل صريح في كون الامر به للارشاد ( مضافا ) إلى ما يلزم من الحمل على الاستحباب النفسي من رفع اليد عن ظهور الثواب المحتمل في الفعلية بحمله على الثواب الاقتضائي حذرا من لزوم اجتماع المثلين ( فلابد ) حينئذ من صرف تلك الأخبار لبيان الارشاد إلى ما يستقل به العقل من استحقاق العامل برجاء المطلوبية للثواب ولو مع عدم مصادفة الاحتمال للواقع ( وعليه ) فلا مجال لاستفادة الاستحباب المولوي النفسي أو الطريقي منها بمحض ظهور بعضها كصحيحة هشام بن سالم في ترتب الثواب على ذات العمل بعنوانه الأولى لا بعنوان كونه مأتيا بداعي احتمال الثواب ( بدعوى ) انه يستكشف من ترتب الثواب على ذات العمل عن كونه متعلقا لأمر شرعي مولوي وان الأجر والثواب انما هو بلحاظ كونه إطاعة لذلك الامر الشرعي المستكشف كما يستكشف ذلك من نحو قوله (ع) من سرح لحيته أو من صلى أو صام فله كذا ( إذ فيه ) انه كذلك لولا ظهور الاخبار في داعوية البلوغ لنفس العمل ( والا ) فيعد ظهورها بمقتضى التفريع في كونه ناشئا عن داعي البلوغ وعدم اطلاق للعمل يشمل حال عدم داعوية البلوغ ( فلا جرم ) ينطبق عليه عنوان الانقياد وبانطباقه عليه يستقل العقل فيه بالمثوبة ( وبعد ) ذا لا طريق لاستكشاف الامر الشرعي من ترتب الثواب على ذات العمل ( وبذلك ) يظهر وضوح الفرق بين مفاد هذه الأخبار ، ومفاد ما دل على أن من سرح لحيته فله كذا ( فان ) استكشاف الامر الشرعي هناك انما هو من جهة انحصار مناط المثوبة عليه بالإطاعة الحقيقة بلحاظ انتفاء البلوغ من الخارج وعدم احتمال رجحانه أيضا مع قطع النظر عما دل على ترتب المثوبة عليه ( بخلاف ) المقام المفروض ظهور الاخبار في داعوية البلوغ والاحتمال لنفس العمل ، فإنه ينطبق عليه عنوان الانقياد وبعد حكم العقل باستحقاق المثوبة عليه لا طريق لاستكشاف الامر الشرعي ( ومثل ) هذا الداعي وان لم يكن قيدا لموضوع الأجر والثواب ولا يوجب

٢٨٠