نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

والظاهر ، نظير وجوب الإطاعة وحرمة المعصية المترتبتين على مطلق التكليف الشرعي ولو ظاهريا ، من غير فرق في ذلك بين القول باعتبار الاستصحاب من باب الظن ، أو من باب التعبد بمقتضى الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ( واما ما أفيد ) من الاشكال عليه بعدم الفائدة للاستصحاب المزبور بعد حكم العقل بالبرائة لقبح العقاب بلا بيان واستتباعه للقطع بعدم استحقاق العقوبة الذي هو المطلوب من الاستصحاب وملاحظة الحالة السابقة ( فمدفوع ) بما حققناه في محله من ورود الاستصحاب على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فإنه من جهة كونه مثبتا لنفي الواقع يكون بيانا على النفي فيرتفع به عدم البيان الذي هو موضوع القاعدة ( نعم ) لو كان المراد من عدم البيان هو خصوص البيان على التكليف أو ما بحكمه لا مطلق البيان ولو على العدم لاتجه الاشكال المزبور في جريان الاستصحاب لبقاء موضوع القاعدة حينئذ على حاله وعدم ارتفاعه بالاستصحاب ، فتجري القاعدة حينئذ وبجريانها لا يحتاج إلى استصحاب عدم المنع السابق لعدم ترتب فائدة عليه « ولكن » الالتزام بذلك مشكل ، فان لازمه هو المنع عن جريان الامارات النافية أيضا لعدم ترتب فائدة عليها مع حكم العقل بالبرائة وهو كما ترى « مضافا إلى أنه » يكفي في فائدته معارضته مع ما دل على وجوب التوقف والاحتياط كرواية التثليث ونحوها « فإنه » لولا الاستصحاب لكانت تلك الأخبار واردة على القاعدة لصلاحيتها للبيانية والمنجزية للواقع المجهول بخلاف ما لو قلنا بجريان الاستصحاب المزبور فإنه موجب لسقوط ما دل على وجوب التوقف والاحتياط اما بالحكومة كما هو التحقيق أو بالمعارضة فيرجع بعد سقوط الطرفين إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان من دون احتياج في هذا المقدار إلى تعميم عدم البيان الذي هو موضوع قاعدة القبح بمطلق البيان ولو على عدم التكليف « نعم » انما يثمر ذلك في الشبهات الموضوعية البدوية التي لا تجب الاحتياط فيها عند الجميع ( فإنه ) بناء على التخصيص بالبيان على وجود التكليف يمكن المنع عن جريان الاستصحاب النافي بمقتضى البيان المزبور ، ولكن ذلك أيضا إذا كان الأثر ممحضا بالترخيص في الارتكاب « واما » إذا كان هناك اثر آخر مترتب على الحلية الواقعية أو عدم المنع الواقعي كجواز الصلاة في محلل الاكل ونحوه فيجرى الاستصحاب أيضا « هذا كله » فيما استدل به للبرائة

٢٤١

القسم الثاني

الجزء الثالث

من كتاب نهاية الأفكار

في مبحث القطع والظن وبعض الأصول العملية

بسم الله الرحمن الرحيم

واستدل للاحتياط بالأدلة الثلاثة

« اما الكتاب » فبآيات ( منها ) ما دل على النهى عن القول بغير علم لكونه افتراء عليه سبحانه كقوله عز وجل لم تقولون على الله ما لا تعلمون ، وقوله سبحانه قل آلله اذن لكم أم على الله تفترون ( بتقريب ) ان الحكم بالترخيص في محتمل الحرمة قول بغير علم وافتراء عليه سبحانه ( ومنها ) ما دل على لزوم الورع والاتقاء ولزوم المجاهدة في الله كقوله سبحانه واتقوا الله حق تقاته ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، بتقريب دلالتها على لزوم الاتقاء عما يحتمل الحرمة والمجاهدة بعدم ارتكابه لكونه حق التقوى وحق الجهاد الذي امر به في الآية « ومنها » ما دل على حرمة القاء النفس في التهلكة كقوله عز من قائل ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، بتقريب ان في ارتكاب المشتبه القاء للنفس في التهلكة فيجب التوقف والاحتياط ( ومنها ) ما دل على المنع عن متابعة ما لا يعلم الظاهر في وجوب التوقف وعدم المضي كقوله سبحانه ولا تقف ما ليس لك به علم ( ومنها ) ما دل على التوقف ورد ما لا يعلم حكمه إلى الله سبحانه ورسوله كقوله عز وجل فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله ( والجواب ) اما عن الطائفة الأولى فبمنع كون الحكم بالترخيص الظاهري بمقتضى الأدلة المتقدمة قولا بغير علم « واما الحكم » بالترخيص الواقعي فهو وان كان قولا بغير علم ولكنه لا يدعيه القائل بالبرائة ( لان ) تمام همه انما هو اثبات الترخيص الظاهري في ارتكاب المشتبه وعدم وجوب الاحتياط كما أن هم القائل بالاحتياط انما هو اثبات المنع الظاهري بمقتضى ما دل على وجوب التوقف والاحتياط « واما عن الطائفة الثانية » فبمنع كون ارتكاب المشتبه بمقتضى الأدلة المرخصة منافيا مع المجاهدة والتقوى ، بل المنافي لها هو ترك

٢٤٢

الواجبات وفعل المحرمات كما تدل عليه النصوص الكثيرة ، على أن غاية ما تقتضيه انما هي الدلالة على رجحان هذه المرتبة من التقوى التي ينافيها ارتكاب المشتبه ، فان حق التقوى لا يكون الا باتيان المندوبات وترك التعرض للمكروهات والمشتبهات فتكون هذه المرتبة هي حق التقوى التي لا تكون فوقها مرتبة ، وهي مما لا اشكال في رجحانها عقلا ونقلا فكان الامر بتقوى الله سبحانه حق تقاته في هذه الآية مساوقا لما في الآية الأخرى من قوله عز من قائل ان أكرمكم عند الله اتقيكم في كونه للاستحباب لا للوجوب « اما عن الطائفة الثالثة » فالهلاك بمعنى العقوبة مقطوع العدم بمقتضى أدلة البراءة وبمعنى آخر غيرها تقدم الجواب عنه سابقا « واما الطائفة الرابعة » فيعلم الجواب عنها بما يأتي في الجواب عما دل على وجوب التوقف والاحتياط من الاخبار الآتية انشاء الله « واما الطائفة الخامسة » الا مرة برد مالا يعلم إلى الله سبحانه ورسوله (ص) ، فبعد الغض عن دعوى ظهورها في عدم الحكم بالترخيص الواقعي عند الشك ، انها محمولة على صورة التمكن من إزالة الشبهة بالرد إليهم صلوات الله عليهم ، فلا تعم الشبهات البدوية بعد الفحص واليأس عن الظفر بما يوجب إزالة الشبهة.

« واما السنة » فباخبار كثيرة وهي أيضا على طوائف « الأولى » ما دل على حرمة الافتاء بغير علم كقوله (ع) في خبر زرارة ، على العباد ان يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون « وقد » ظهر الجواب عنها بما ذكرناه في الآيات « الثانية » ما دل على وجوب التوقف فيما لا يعلم ورد حكمه إليهم (ع) وهي كثيرة « منها » قوله (ع) في رواية المسمعي الواردة في اختلاف الحديثين ، وما لم تجدوا في شيء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم الكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا « ومنها » قوله (ع) ، إذا اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده وردوه إلينا حتى نشرح لكم ما شرح الله لنا إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة بهذا المضمون « والجواب » عنها قد تقدم في الآيات باختصاصها بصورة التمكن من إزالة الشبهة فلا تعم مفروض البحث الذي هو فرض عدم التمكن من ازالتها « الثالثة » ما دل على أن الوقوف عند الشبهة من الورع كقوله (ع) أورع

٢٤٣

الناس من وقف عند الشبهة وقوله (ع) ، لا ورع كالوقوف عند الشبهة وقوله (ع) ، من ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك « وقد تقدم » الجواب عنها أيضا بأنها ظاهرة في الاستحباب فلا تصلح للمقاومة مع ما دل على الترخيص في ارتكاب المشتبه « الرابعة » ما دل على الامر بالوقوف عند الشبهة معللا بالاقتحام في الهلكة وهي أيضا كثيرة « منها » قوله (ع) قفوا عند الشبهة فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة « ومنها » قوله (ع) في موثقة سعد بن زياد عن النبي (ص) ، انه قال لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة إلى أن قال فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ونحوها رواية التثليث « وفيه » انها بقرينة ما في ذيلها من التعليل مختصه بموارد تمامية البيان من الخارج كالشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي فلابد من حملها على الارشاد وتخصيص الشبهة فيها بغير الشبهات البدوية المحضة بعد الفحص ( حيث إن ) ظاهر التعليل هو كون الهلكة المترتبة على الاقتحام مفروضة الوجود والتحقق مع قطع النظر عن الامر بالتوقف وانها هي العلة للامر بالوقوف عند الشبهة ( ومن ) الواضح انه لا يمكن فرض وجود الهلكة الا بفرض منشأ آخر لها في المرتبة السابقة عن الامر بالتوقف من علم اجمالي ونحوه يكون هو المنجز للتكليف والرافع لقبح العقاب بلا بيان ، والا فيستحيل ترتب الهلكة المفروضة على نفس هذه الأوامر المتأخرة عنها ، فلا محيص حينئذ من حمل الامر بالتوقف في هذه الأخبار على الارشاد المحض وتخصيص الشبهة فيها بالشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي والشبهات البدوية قبل الفحص ، إذ لا يمكن شمول اطلاقها للشبهات البدوية المحضة بعد الفحص ، لأنها بمقتضى قبح العقاب بلا بيان مما يقطع بعدم الهلكة فيها ، كما لا يمكن ان يكون الامر بالتوقف فيها أمرا مولويا وبيانا على الواقع المجهول ، لان شأن البيان ان يكون منشأ لترتب الهلكة على المخالفة ، وبعد كون الهلكة المحتملة مفروضة في رتبة سابقة عن الامر بالتوقف يستحيل صلاحية مثله للبيانية على التكليف المحتمل ( نعم ) هنا تقريب آخر للاستدلال بهذه الاخبار ( وحاصله ) انه بعد شمول اطلاق الشبهة للشبهات البدوية بعد الفحص وظهور الهلكة في العقوبة

٢٤٤

يستكشف من اطلاقها بنحو الان بضميمة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان عن ايجاب الشارع الاحتياط في الرتبة السابقة عن الامر بالتوقف والسكون ، وبعد صلاحية ايجاب الاحتياط المستكشف للبيانية والمنجزية للتكليف المجهول تخرج الشبهات البدوية عن مورد حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ( وأجاب عنه ) الشيخ قده ان ايجاب الاحتياط المزبور ، ان كان مقدمة للتحرز عن العقوبة المحتملة فهو مستلزم لترتب العقوبة على التكليف المجهول وهو قبيح ، وان كان حكما ظاهريا نفسيا لا مقدميا فالهلكة وان كانت معلومة لكنها مترتبة حينئذ على مخالفة نفس هذا التكليف لا على مخالفة الواقع انتهى ( أقول ) وكان ذلك منه قده مبنى على تخصيص البيان الرافع لحكم العقل بالقبح بخصوص العلم الوجداني أو التعبدي كما تقدمت الإشارة إليه في مبحث الانسداد وعند البحث عن وجه منجزية أوامر الطرق ، فإنه على هذا المسلك صح المنع عن صلوح ايجاب الاحتياط للبيانية لعدم كون شأن مثله تتميم الكشف كما في الامارات ( ولكن فيه ) مضافا إلى منافاته لما افاده في حديث الرفع في دفع اشكال عدم كون استحقاق العقوبة اثرا شرعيا ، من أن رفعه انما هو برفع منشئه وهو ايجاب الاحتياط ولما افاده غير مرة من ورود أدلة الاحتياط على أغلب أدلة البراءة ( انه لا ينحصر ) البيان المصحح للعقوبة على الواقع بخصوص العلم الوجداني أو التعبدي ، بل هو يعم ذلك وايجاب الاحتياط أيضا كما يشهد به الوجدان والارتكاز من العرف والعقلاء فان البيان الرافع لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان عبارة عن مطلق ما انشاء بداعي حفظ المرام الواقعي عند الشك به كان ذلك بلسان تتميم الكشف أو بلسان ايجاب الاحتياط أو غير ذلك ، وعليه نقول انه لا ينحصر الامر في ايجاب الاحتياط المستكشف بما أفيد من الشقين النفسي والمقدمي ، فإنه يتصور فيه شق ثالث وهو كونه ايجابا طريقيا أنشأ بداعي حفظ المرام الواقعي في مرتبة الشك به بملاحظة بلوغ الاهتمام به بمرتبة لم يكتف الشارع في حفظه بخطابه الواقعي ( كما أن ) وجوب التعلم في قوله هلا تعلمت على بعص الوجوه يكون من هذا القبيل حيث يكون ايجابه ايجابا طريقيا لا نفسيا ولا مقدميا كي يشكل عليه بلزوم انفكاكه في بعض الموارد عن وجوب ذيها ( وعليه ) فبعد صلاحية مثل ايجاب الاحتياط للمنجزية يتوجه

٢٤٥

الاشكال المزبور ، فان للقائل بالاحتياط حينئذ اثبات العقوبة على مخالفة الواقع المشكوك بنفس ايجاب الاحتياط المستكشف من اطلاق الشبهة في هذه الأخبار ولا يكاد اندفاعه بما أفيد من جعل ايجاب الاحتياط مرددا بين النفسي والغيري كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فالأولى هو الاشكال على الاستدلال المزبور من جهة لزوم الدور ( بتقريب ) توقف جريان أصالة الاطلاق لاحراز ان كل شبهة فيها الهلكة حتى الشبهة البدوية على العلم بوجود البيان في الرتبة السابقة على ذلك ، إذ لولاه يقطع بعدم الهلكة في ارتكابها بمقتضى قبح العقاب بلا بيان ومع القطع بالعدم لا يحتمل مطابقة الظهور الاطلاقي للواقع فلا تجرى فيه أصالة الظهور ، وتوقف العلم بالبيان على جريان أصالة الاطلاق في المشتبه ( لان ) الفرض انه لا طريق لكشف جعل ايجاب الاحتياط في الشبهات البدوية بعد الفحص سوى هذا الاطلاق فيدور ( نعم ) لو كان مجرد البيان بوجوده الواقعي كافيا في تنجيز التكليف المجهول لكان للتمسك بالاطلاق المزبور مجال ، لتصور الشك في مطابقة الظهور الاطلاقي حينئذ للواقع للشك في وجود البيان في نفس الامر على التكليف المشكوك ( ولكن ) ذلك مما يقطع ببطلانه ، فإنه لا شبهة في أن مدار التنجيز انما هو على البيان بوجوده الواصل إلى المكلف بحيث لولا وصوله يحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، كيف وان مثل هذا البيان المجهول لا يزيد عن أصل الخطاب الواقعي المجهول ، فالالتزام بحسن العقوبة معه مساوق انكار قبح العقوبة على ما لا يعلم ( لا يقال انه ) من الممكن حينئذ اجراء أصالة الاطلاق بالنسبة إلى المشافهين بهذه الخطابات الا مرة بالتوقف لكشف وجوب الاحتياط عليهم في الشبهات البدوية بخطاب سابق عن هذه الخطابات ، فإنه بعد أن يحتمل وجوب الاحتياط عليهم ولو بخطاب آخر ، لا مانع عن التمسك باطلاق الشبهة للشبهات البدوية بعد الفحص بالنسبة إلى الموجودين في زمان الخطاب ( بعد ) ان ثبت وجوب الاحتياط عليهم بمقتضى الاطلاق المزبور ، يثبت في حقنا أيضا بمقتضى قاعدة الاشتراك ( فإنه يقال ) ان ذلك مبني على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فإنه بعد اقتضاء أدلة البراءة نفي الهلكة على ارتكاب المشتبه في ظرف عدم البيان يراد بالتمسك بالاطلاق المزبور في أن كل شبهة فيها الهلكة لادخال الشبهات

٢٤٦

البدوية تحت حكم العام باثبات ان الهلكة فيها كانت مع البيان ( ومثله ) كما ترى غير جائز على ما حقق في محله ( ومع الغض ) عن ذلك وانتهاء الامر إلى المعارضة مع أدلة البراءة ( يتعين ) تقديم أدلة البراءة عليها فإنها من جهة قصورها عن الشمول للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي تكون أخص مطلق من أدلة الاحتياط الشاملة للشبهات البدوية والثانوية ( الخامسة ) ما دل على الاخذ بالاحتياط مطلقا بلا تعليل بالهلكة وهي كثيرة ( منها ) قوله (ع) أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت ( ومنها ) قوله (ع) ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط ( ومنها ) قوله (ع) خذ الاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا واهرب من الفتيا هربك من الأسد ولا تجعل رقبتك عتبة للناس ( ومنها ) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا الحسن (ع) عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان الحزاء بينهما أو على كل واحد منهما جزاء ، قال (ع) بل عليهما ان يجزى كل واحد منهما الصيد ، قلت إن بعض أصحابنا سئلني عن ذلك فلم أدر ما عليه ، قال (ع) إذ أصبتم بمثل هذا فعليكم بالاحتياط حتى تسئلوا عنه وتعلموا ( ومنها ) موثقة عبد الله بن وضاح قال كتبت إلى العبد الصالح (ع) تواري القرص ويقبل الليل ويزيد الليل ارتفاعا ويستر عنا الشمس ويرتفع فوق الجبل حمرة وتؤذن عندنا المؤذنون فأصلي حينئذ وأفطر ان كنت صائما أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل ، فكتب (ع) أرى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك ، فان الظاهر منها هو السؤال عن الشبهة الحكمية فكان جوابه (ع) بالأخذ بالاحتياط دالا على المقصود ( ولكن الجواب ) اما عن الأولين ، فبظهورهما في الاستحباب لكونهما مسوقين في بيان أعلى مراتب الاحتياط وان كلما تحتاط لدينك كان في محله لكونه بمنزلة أخيك ومنه يظهر الجواب عن الثالث أيضا ، واما الهرب عن الفتيا بالواقع عند عدم العلم فمما يعترف به المجتهدون أيضا إذ تمام همهم انما هو اثبات الترخيص الظاهري وعدم وجوب الاحتياط بمقتضى أدلة البراءة ( وبذلك ) يظهر الجواب عن الرابع أيضا ( فان ) مفاده انما هو المنع عن الافتاء بالواقع عند الجهل به وهو مما يعترف به المجتهدون ، فلا يرتبط بما هو مفروض البحث وهو الاحتياط في مقام العمل ( واما عن الخامس ) وهو قوله (ع) في الموثقة أرى لك ان تأخذ

٢٤٧

بالحائطة لدينك ، فبالحمل على التقية بناء على ما استظهرناه من كون المسؤول عنه فيها هي الشبهة الحكمية ، إذ لولاها لكان اللازم هو الجواب بالحكم الواقعي لا تقرير السائل وابقائه على جهله وأمره بالأخذ بالاحتياط ، فان ذلك بعيد عن شأن الامام (ع) ويشهد لذلك أيضا امارات آخر منها شدة التقية في زمانه (ع) وعدم تمكنه من بيان احكام الله سبحانه ، ومنها اشتهار الحكم باستتار القرص بين العامة « ومنها » تعبيره (ع) بقوله أرى لك الخ حيث إنه يستشم من مثل هذا التعبير رائحة التقية وانه كان ذلك منه لخوفه عن اظهار الحق ببيان الحكم الواقعي خصوصا في المكاتبات التي كان الاتقاء فيها ما لا يكون في غيرها ( حينئذ ) فكان قوله (ع) أرى لك ان تأخذ بالحائطة لدينك بيانا لوجوب الانتظار إلى ذهاب الحمرة المشرقية والتعبير بالاحتياط لأجل التباس الامر على العامة لكي يزعموا ان الحكم بالتأخير انما هو لأجل الاحتياط ، ومن المعلوم خروج ذلك حينئذ عن مفروض البحث في المقام ( هذا كله ) بناء على كون المسؤول عنه هي الشبهة الحكمية ( واما بناء ) على احتمال كونه هي الشبهة الموضوعية لاحتمال كون المراد من الحمرة المرتفعة غير الحمرة المشرقية فعليه وان كان الواجب هو الاحتياط والانتظار كما في الرواية ، ولكن وجوب الانتظار حينئذ انما هو لأجل الاستصحاب وقاعدة الاشتغال بالصلاة والصيام فتخرج مفاد الرواية عن مفروض البحث كما هو ظاهر.

( واما الدليل العقلي ) فتقريبه من وجهين ( الأول ) ان احتمال التكليف الوجوبي أو التحريمي مساوق لاحتمال الضرر على مخالفته ودفع الضرر المحتمل واجب عقلا ( وربما ) يجعل ذلك أصلا في الافعال غير الضرورية فيقال ان الأصل فيها الحظر فلابد من العمل به حتى يثبت من الشرع الإباحة ولم يرد فيما لا نص فيه إباحة من الشارع ، وما ورد معارض بما ورد من الامر بالتوقف والاحتياط وبعد التعارض يرجع إلى الأصل المزبور وقد احتج على ذلك شيخ الطائفة قده في العدة فقال فيما حكى عنه ان الاقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالاقدام على ما يعلم فيه المفسدة ( والجواب ) عنه قد تقدم سابقا وحاصله ان المراد من الضرر ان كان هي العقوبة فالصغرى ممنوعة وان كان غير العقوبة وهي

٢٤٨

المفسدة التي تبتني عليها الاحكام على مذهب العدلية ( فهذا ) أيضا بعد تسليم ان كل مفسدة ضرر ، وتسليم مولوية هذا الوجوب العقلي ، وتمامية الملازمة بين حكم العقل والشرع مبنى على كون موضوع الوجوب المزبور عند العقل مطلق الضرر ولو كان متداركا ، والا فعلى فرض اختصاصه بالضرر غير المتدارك كما هو التحقيق فلا مجال لدعوى الوجوب المزبور ، إذ حينئذ يمكن دعوى تدارك الضرر على فرض وجوده بمقتضى أدلة البراءة كحديث الرفع وغيره حيث إنه يستكشف من هذه الأدلة المرخصة تدارك الضرر وجبرانه على فرض وجوده كما هو الشأن في الشبهات الموضوعية الجارية فيها البراءة باتفاق الفريقين بل الشبهات الحكمية الوجوبية أيضا ( الوجه الثاني ) من تقريب العقل العلم الاجمالي ، بتقريب انه قبل مراجعة الأدلة يعلم اجمالا بثبوت محرمات كثيرة في الشريعة فيجب بحكم العقل الجزمي الاجتناب عن كل ما يحتمل الحرمة تحصيلا للجزم بالفراغ لاقتضاء الاشتغال اليقيني بالتكليف البراءة اليقينية باتفاق المجتهدين والأخباريين ، إذ لم يحصل بعد المراجعة إلى الأدلة والعمل بها ما يعلم معه الخروج عن عهدة تلك المحرمات الواقعية التي كلفنا الشارع بالاجتناب عنها ( وفيه ) انه لا تأثير لمثل هذا العلم الاجمالي بعد العلم بقيام طرق خاصة على مقدار من المحرمات التي يمكن انطباق المعلوم بالاجمال عليها خصوصا بعد أن ضم إليها موارد الأصول المثبتة الشرعية والعقلية كالاستصحاب وقاعدة الاشتغال ، فإنه بذلك ينحل العلم الاجمالي ويخرج عن المنجزية فيرجع فيما عداها من الشبهات المشكوكة من قبل العلم الاجمالي إلى البراءة ، وهذا المقدار مما لا اشكال فيه ( وانما الكلام ) في أن الانحلال المزبور حقيقي أو حكمي.

( وتنقيح المرام ) يحتاج إلى تمهيد مقدمة وهي ان موضوع البحث في الانحلال الحقيقي أو الحكمي في المقام انما هو صورة قيام الطريق القطعي أو الظني المعتبر على التكليف في بعض الأطراف بلا عنوان بنحو قابل لانطباق المعلوم بالاجمال عليه ، واما صورة قيام الطريق القطعي أو الظني على تعيين المعلوم بالاجمال وتشخيصه في بعض الأطراف بالخصوص فهو خارج عن محط البحث في الانحلال في المقام ( فان الصورة الأولى ) كانت راجعة إلى مقام انكشاف الواقع وتبدل

٢٤٩

الصورة الاجمالية إلى الصورة التفصيلية والصورة الثانية راجعة إلى مقام جعل البدل المعين لمصداق المعلوم بالاجمال في مرحلة الفراغ والخروج عن عهدة التكليف ، ومثله غير مرتبط بمقام الانحلال ، ولذا يجرى ذلك في موارد ثبوت التكليف بالعلم التفصيلي أيضا كما في قاعدتي التجاوز والفراغ ( وبالجملة ) فرق واضح بين باب الانحلال وبين باب جعل البدل ( فان الأول ) راجع إلى الممانعة عن تأثير العلم الاجمالي في الاشتغال بمعلومه حيث إن الامارة القائمة على ثبوت التكليف في مورد بالخصوص كانت مانعة عن تأثير العلم الاجمالي في الاشتغال بمعلومه ( بخلاف ) جعل البدل فإنه راجع إلى التصرف في ناحية الفراغ عن عهدة التكليف فارغا عن أصل الاشتغال به بعلم تفصيلي أو اجمالي ومرجعه إلى اكتفاء الشارع في مقام الخروج عن عهدة التكليف الواقعي بفعل ما قام عليه الطريق بدلا عن الواقع ولذلك لا يعتبر في قيام الطريق على تعيين المفرغ كونه مقارنا للعلم الاجمالي بل يكتفي به ولو كان قيامه بعد العلم الاجمالي ، بخلاف باب الانحلال فإنه على ما يأتي يعتبر كونه مقارنا للعلم الاجمالي والا فلا يمنع عن تأثير العلم الاجمالي في التنجيز ( وحيث ) اتضح ذلك نقول ان ما به الانحلال اما ان يكون هو العلم ، واما ان يكون غيره من امارة ظنية معتبرة أو أصل مثبت للتكليف في بعض الأطراف شرعيا كان كالاستصحاب ونحوه أو عقليا كقاعدة الاشتغال ( وعلى التقادير ) فقيام الطريق المثبت للتكليف تارة يكون مقارنا لحصول العلم الاجمالي ، وأخرى يكون سابقا عليه ، وثالثة يكون متأخرا عنه وأمثلة الكل واضحة ( وعلى التقادير ) فتارة يكون ذو الطريق وهو التكليف المعلوم بالتفصيل قبل التكليف المعلوم بالاجمال كما لو علم تفصيلا بنجاسته شيء معين ثم بعد ذلك علم اجمالا بموجب آخر للنجاسة وتردد متعلقها بين كونه ذاك الشيء المعين أو غيره ، وأخرى يكون مقارنا لما هو المعلوم بالاجمال وثالثة متأخرا عنه كان زمان العلم به سابقا عليه أو مقارنا أو متأخرا عنه ( وبعد ذلك ) نقول أما إذا كان قيام الامارة التفصلية مقارنا لحصول العلم الاجمالي للتكليف ( فقد يتوهم ) كونه منشأ لانحلال العلم الاجمالي حقيقة وانقلابه إلى علم تفصيلي وشك بدوي وجدانا كما في الأقل والأكثر الاستقلاليين من جهة رجوع العلمين عند التأمل إلى علم واحد بالتكليف في طرف بالخصوص وشك بدوي في غيره

٢٥٠

( بتقريب ) ان ذلك هو مقتضى تعلق العلم الاجمالي بالجامع القابل للانطباق على كل واحد من الطرفين فإنه إذا علمنا بحرمة أحد الانائين بلا عنوان فيه وعلمنا أيضا بحرمه أحدهما المعين يلزمه انطباق المعلوم بالاجمال بما هو معلوم على الاناء المعلوم حرمته تفصيلا ومع انطباقه عليه واتحاده معه خارجا يستحيل بقاء العلم الاجمالي على حاله لاستحالة توارد العلمين على شيء واحد فلا محيص حينئذ من ارتفاع العلم الاجمالي وتبدله بالعلم التفصيلي بحرمة أحد الانائين معينا والشك البدوي في الاخر ( هذا ) غاية ما قيل في تقريب انحلال العلم الاجمالي بالجامع وانقلابه حقيقة إلى العلم التفصيلي بالتكليف في أحد الطرفين معينا والشك البدوي في الطرف الآخر ، مضافا إلى دعوى الوجدان بعدم العلم بأزيد من حرمة الانائين معينا ( وفيه ) مضافا إلى عدم تماميته في الطرق غير العلمية لعدم حصول العلم التفصيلي منها بالواقع ( انه يتم ذلك ) في صورة العلم بانطباق المعلوم بالاجمال وهو الجامع على الفرد المعلوم حرمته تفصيلا ، والا فلا يقتضى مجرد تعلق العلم الاجمالي بالجامع لانحلاله بقيام العلم التفصيلي على التكليف في بعض الأطراف ( فإنه ) كما يحتمل انطباقه على الطرف المعلوم حرمته تفصيلا ، كذلك يحتمل بالوجدان انطباقه على الطرف الآخر ، إذ ليس احتمال التكليف فيه بدويا محضا كسائر الشبهات البدوية ، وانما كان ذلك من جهة احتمال انطباق المعلوم بالاجمال عليه ( ومع ذا ) كيف يمكن دعوى ارتفاع العلم الاجمالي بالتكليف وتبدله بالعلم التفصيلي ، بل وجود هذا الاحتمال حينئذ كاشف قطعي عن بقاء العلم الاجمالي لكونه من لوازمه حيث لا يمكن بقاء الاحتمال المزبور بدون بقاء ملزومه وهو العلم الاجمالي ( وبذلك ) يظهر فساد مقايسة المقام بباب الأقل والأكثر ( لان ) في الأقل والأكثر لا يكون من الأول الا علم تفصيلي بوجوب الأقل والشك البدوي في الزائد حتى في الارتباطي منه ، وانما الاجمال فيه في حدى الأقل والأكثر لا بالنسبة إلى ذات التكليف ولذلك لا تصدق فيه تلك القضية التعليقية اللازمة للعلم الاجمالي وهي انه لو كان الواجب هو الأكثر لكان الأقل غير واجب من جهة القطع بوجوب الأقل على كل تقدير ( وهذا ) بخلاف المتبائنين الذي كان الاجمال فيه في ذات التكليف من حيث تردده بين كونه في هذا أو ذاك ، فإنه تصدق فيه تلك القضية التعليقية من

٢٥١

الطرفين حتى مع العلم التفصيلي بالتكليف في طرف بالخصوص فصدق هذه القضية التعليقية من الطرفين في المقام حتى بعد العلم التفصيلي يكشف عن بقاء ملزومها وهو العلم الاجمالي وعدم انحلاله حقيقة كما في الأقل والأكثر ( واما ما أفيد ) من البرهان المزبور في وجه الانحلال واتحاد العلمين بأنه لولا الانحلال يلزم اجتماع العلمين في موضوع واحد ( ففيه ) انه يرد هذا المحذور بناء على تعلق العلم بالخارجيات ( والا فبناء ) على ما هو التحقيق من تعلقه بالعناوين والصور الذهنية غايته لا بالنظر إليها استقلالا وبنحو التخلية في الذهن بل بالنظر إلى كونها مرأتا للخارج بنحو لا يرى بذاك النظر الا الخارج ، من دون اقتضاء هذا النظر أيضا لسرايته من العناوين والصور الذهنية إلى وجود المعنون في الخارج ( فلا يلزم ) هذا المحذور ، إذ نقول ان وجود الجامع وان كان متحدا في الخارج مع الفرد والخصوصية ، ولكن بعد كونهما في الذهن صورتان متبائنتان وفرض قيام العلم بمثل هذه الصور المتبائنة بلا سراية إلى الخارج لا محذور من تعلق العلمين بشيء واحد بتوسيط عنوانين الاجمالي والتفصيلي ، إذ لا يلزم من مثله محذور اجتماع المثلين في موضوع واحد ، كيف ولا يزيد ذلك عن التضاد بين العلم والشك وبعد امكان تعلق العلم بشيء بعنوان والشك فيه بعنوان آخر ووقوعه في جميع موارد العلم الاجمالي لا مجال للاشكال في تعلق العلمين بشيء بتوسيط عنوان الاجمالي والتفصيلي فلا مجال حينئذ لدعوى اتحاد العلمين بمحض قابلية العنوانين بذاتهما للانطباق على وجود واحد ( نعم ) لا بأس بدعوى الانحلال الحكمي فيه ( بتقريب ) انه مع قيام المنجز في أحد طرفي العلم الاجمالي علما كان أو امارة أو أصلا يخرج العلم الاجمالي عن تمام المؤثرية في هذا الطرف لما هو المعلوم من عدم تحمل تكليف واحد للتنجيزين وبخروجه عن قابلية التأثر من قبل العلم الاجمالي مستقلا يخرج المعلوم بالاجمال وهو الجامع الاطلاقي عن القابلية المزبورة ، فلا يبقى مجال لتأثير العلم الاجمالي في متعلقه لان معنى منجزية العلم الاجمالي هو كونه مؤثرا مستقلا في المعلوم على الاطلاق وهذا المعنى غير معقول بعد خروج أحد الأطراف عن قابلية التأثر من قبله مستقلا فلا يبقى في البين الا تأثيره على تقدير خاص وهو أيضا مشكوك من الأول إذ لا يكون التكليف على ذاك التقدير متعلقا للعلم فما هو المعلوم

٢٥٢

وهو الجامع المطلق القابل للانطباق على كل واحد من الطرفين غير قابل للتأثر من قبل العلم الاجمالي وما هو القابل لذلك وهو الجامع المقيد انطباقه على الطرف الآخر لا يكون من الأول معلوما لعدم قابليته للانطباق على الطرف المعلوم بالتفصيل وبذلك يسقط العلم الاجمالي عن السببية للاشتغال بمعلومه بجعله في عهدة المكلف وبسقوطه تجرى الأصول النافية في الطرف الآخر ، ( وفى ذلك ) لا فرق بين أنحاء الطرق بل الأصول المثبتة حيث إن الجميع على منوال واحد في كون الانحلال حكميا لا حقيقيا ، كما لا فرق بين ان يكون ذو الطريق وهو التكليف المعلوم بالتفصيل سابقا أو مقارنا لزمان التكليف المعلوم بالاجمال ( هذا كله ) إذا كان العلم التفصيلي أو الامارة مقارنا للعلم الاجمالي ( واما ) إذا كان سابقا على العلم الاجمالي فلا شبهة في أنه لا يكون بوجوده السابق منشأ لانحلال العلم الاجمالي من جهة وضوح ان العلم بالتكليف في كل آن انما يكون منجزا للتكليف في ذلك الان لا انه بحدوثه منجز إلى الأبد ( فلابد ) من بقائه إلى زمان حدوث العلم الاجمالي كي بتأثيره في تنجيز التكليف في ذلك الآن يخرج العلم الاجمالي عن المؤثرية ومعه يرجع إلى العلم المقارن ، من غير فرق في ذلك بين قيامه على التكليف السابق الباقي إلى زمان العلم الاجمالي ، وبين قيامه على حدوث التكليف حين وجود العلم الاجمالي بالتكليف فعلى كل تقدير لابد في الانحلال من وجوده حين العلم الاجمالي والا فبدونه كان العلم الاجمالي مؤثرا في تنجيز متعلقه ( وأما إذا كان ) العلم أو الامارة التفصيلية متأخرا عن العلم الاجمالي ففي انحلال العلم الاجمالي بمثله مطلقا ولو حكما ، أو عدم انحلاله كذلك ، أو التفصيل بين سبق التكليف المعلوم بالتفصيل أو تقارنه للتكليف المعلوم بالاجمال وبين لحوقه بانحلال العلم الاجمالي حقيقة أو حكما في الأول وعدمه في الثاني وجوه وأقوال ( أقواها ) أوسطها ( فان ) توهم الانحلال في هذه الصورة ولو حكما مبنى على تأثير العلم اللاحق في تنجيز التكليف السابق على وجوده ( وهو ممنوع ) جد الامتناع تأثير العلم المتأخر في تنجيز التكليف فيما قبل وجوده فيبقى العلم الاجمالي السابق على حاله فيؤثر من حين حدوثه في الاشتغال بمعلومه فيجب مراعاته بحكم العقل بالاجتناب عن الطرفين ، من غير فرق بين قيام الطريق التفصيلي على التكليف السابق أو المقارن أو اللاحق ( لان ) التنجيز

٢٥٣

انما هو من لوازم العلم والطريق لا المعلوم وذي الطريق ( لا يقال ) سلمنا ذلك لكن لا مانع من تأثير العلم التفصيلي المتأخر من حين قيامه على أحد الطرفين ، فإنه بعد ما لا يكون العلم الاجمالي السابق بحدوثه علة للاشتغال بالتكليف المردد إلى الأبد ودوران تأثيره في كل آن مدار وجوده في ذاك الان وبقائه على صفة حدوثه ، فلا محالة يكون العلم التفصيلي بالتكليف في الطرف المعين من حين وجوده بضميمة المقدمة المزبورة من قبيل العلم المقارن فيمنع عن استقلال العلم الاجمالي في تنجيزه بقاء للجزم بدخل هذا العلم التفصيلي حين وجوده في تنجيزه وبذلك يسقط العلم الاجمالي عن التأثير في الجامع فلا يلزم رعاية الاحتياط في الأطراف الاخر ( فلو ) علم اجمالا في أول الصبح نجاسة أحد الكأسين ثم علم تفصيلا في أول الزوال بنجاسة أحدهما المعين فإنه وان لم يسقط العلم الاجمالي عن التأثير فيما قبل الزوال ، ولكنه من حين الزوال الذي هو زمان حدوث العلم التفصيلي يسقط عن التأثير في الاشتغال بالامر المردد في البين لابتلائه حينه بالعلم التفصيلي المقارن ولازمه عدم لزوم رعاية الاحتياط من حين الزوال في بقية الأطراف ( فإنه يقال ) نعم العلم الاجمالي المزبور وان سقط عن التأثير من حين وجود العلم التفصيلي ( ولكن ) هناك علم اجمالي آخر يكون هو الموجب للاحتياط في بقية الأطراف وهو العلم الاجمالي التدريجي المتعلق بوجوب الاجتناب اما عن خصوص الذي صار معلوما بالتفصيل في أول الصبح أو عن الطرف الآخر المقابل له في أول الزوال نظير العلوم الحاصلة في التدريجات ( بيان ذلك ) هو ان العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين الطرفين تبعا لانحلال التكليف المعلوم بحسب الانات إلى تكاليف متعددة ينحل إلى علوم متعددة ( بعضها ) دفعي كالعلم بالتكليف المردد بين الطرفين في كل من انات الأزمنة كالصبح والزوال في المثال المتقدم ( وبعضها ) تدريجي وهو العلم بحدوث التكليف في طرف في الصبح أو بقائه في الطرف الآخر في الزوال مثلا ( والذي ) يسقط عن التأثير حين وجود العلم التفصيلي انما هو العلم الاجمالي الدفعي ( واما الثاني ) وهو العلم الاجمالي التدريجي فيبقى على تأثيره بعد عدم صلاحية العلم التفصيلي اللاحق للتأثير في تنجيز المعلوم السابق عن نفسه حيث يحكم العقل في مثله بالاشتغال بالمردد بينهما ولزوم تحصيل الجزم بالفراغ عنه ما دام بقاء العلم

٢٥٤

الاجمالي بحاله وعدم انقلابه بالشك البدوي بالحدوث من الأول بنحو الشك الساري ( وبمثل ) هذا البيان نقول بلزوم مراعاة العلم الاجمالي في صورة الاضطرار الطارئ بعد العلم وكذا تلف بعض الأطراف أو خروجه عن الابتلاء بعد العلم حيث إن المناط كله في لزوم رعاية الاحتياط في المحتمل الاخر انما هو هذا العلم الاجمالي التدريجي الموجب لصيرورة جميع الآنات في الطرف الباقي طرفا للعلم بالتكليف في الان الأول في الطرف الآخر التالف بعد العلم ( والا ) فلا شبهة في سقوط العلم الاجمالي الدفعي حين طرو الاضطرار أو تلف بعض الأطراف حيث لا يكون علم بالتكليف الفعلي بعد التلف أو الاضطرار ولازمه جواز الرجوع إلى البراءة حينئذ في الطرف الباقي الا باتعاب النفس بالتزام تأثير العلم الاجمالي بحدوثه في التنجيز الأبدي ولو مع سقوطه وارتفاعه بعد ذلك ما لم يكن ارتفاعه بانقلابه بالشك البدوي بالحدوث من الأول ( ولكنه ) كما ترى فإنه لازمه بقاء التنجيز السابق مع زواله من جهة احتمال نسخ أو غيره ( وحينئذ ) فالعمدة في لزوم رعاية الاحتياط في المقام وفى موارد التلف أو الاضطرار الطارئ بعد العلم هو العلم الاجمالي التدريجي بالمردد بين ثبوت التكليف في الان الأول في طرف أو بقائه في الآن الثاني في الطرف الآخر فان العقل يحكم في مثله بالاشتغال بالامر المردد بينهما ولزوم الاحتياط في الطرف الآخر وان شك في سقوطه من جهة عصيانه أو امتشاله أو خروجه عن الابتلاء بمضي زمانه ، حيث لا يعتنى العقل بالشك في السقوط من الجهات المزبورة ( نعم ) على هذا قد يتوهم تسجل دعوى الاخباري وجوب الاحتياط في الشبهات بمقتضى العلم الاجمالي بالمحرمات الواقعية ( حيث ) يقال ان العلم التفصيلي بالمحرمات بمقدار المعلوم بالاجمال بعد ما لم يكن سابقا أو مقارنا للعلم الاجمالي بالوجدان بل كان متأخرا عنه لوضوح عدم حصوله الا بعد الرجوع إلى الأدلة والسير التام فيها وملاحظة موارد الاجماعات والنصوص الواردة عن الأئمة عليهم‌السلام والأصول المثبتة للتكاليف شرعيها وعقليها ( فلابد ) بمقتضى البيان المزبور من الاحتياط في كل ما يشك كونه من المحرمات الواقعية ولو بعد حصول العلم التفصيلي بجملة من المحرمات بمقدار المعلوم بالاجمال ( ولكنه ) مدفوع بأنه يتم ذلك لولا حكم العقل بمنجزية الاحتمال الطرق القائمة على ثبوت التكاليف في بعض

٢٥٥

الأطراف من الأول بمناط الشبهة قبل الفحص ( والا ) فعلى ما هو التحقيق من حكمه بذلك لا مجال لتأثير العلم الاجمالي فان حال العلم الاجمالي مع الاحتمال المزبور بعد تقارنه لوجود العلم بعينه حاله مع العلم التفصيلي المقارن فيمنع ذلك أيضا عن تأثير العلم الاجمالي في تنجيز متعلقه كما يمنع عنه العلم التفصيلي ( وعليه ) فلا يكون الظفر بالامارات التفصيلية بعد ذلك مضرا بموجبيتها لانحلال العلم الاجمالي ، لان بالظفر بها يستكشف عن موجبيتها لانحلال العلم السابق لكونها من المنجز المقارن له ، ولازمه رجوع الشك في الشبهات بعد الفحص إلى الشك البدوي فتجري فيها البراءة.

( بقى الكلام في التنبيه على أمرين ( الامر الأول ) يعتبر في جريان أصالة الإباحة في مشتبه الحكم عدم وجود أصل حاكم عليها ، بل لا يختص ذلك بأصل الإباحة فيجرى في غيرها من الأصول أيضا ، بل في جعل ذلك من الشرائط مسامحة في التعبير ( لان ) مرجع ذلك في الحقيقة إلى اشتراط تحقق الموضوع للأصل في جريانه ، فان مع وجود الحاكم لا مورد لجريان الأصل المحكوم لارتفاع موضوعه ولو تعبدا بجريان الأصل الحاكم ( ومن ذلك ) ما لو شك في الحكم الوجوبي أو التحريمي لأجل الشك في النسخ ، فإنه تجرى فيه أصالة عدم النسخ وبجريانها لا يبقى مورد لأصالة الإباحة والبرائة عن التكليف ( ومنه ) أيضا ما لو شك في حل اكل لحم حيوان من جهة الشك في تذكيته مع عدم كونه في سوق المسلمين ولا في يد المسلم ، حيث إنه مع جريان أصالة عدم التذكية لا تجرى فيه أصالة الحل والبرائة ( ولما انتهى ) الكلام إلى ذلك لا بأس بالتعرض بما يتعلق بالمثال من الشقوق المتصورة للشك في طهارة اللحم وحليته من جهة الشك في التذكية ، فنقول ان الشك فيها ، تارة يكون من جهة الشبهة الحكمية كالشك في قابلية الحيوان الكذائي للتذكية في فرض عدم قيام دليل على قابلية كل حيوان للتذكية ، وكالشك في اعتبار اسلام الذابح أو الاستقبال مثلا فيها ، وأخرى من جهة الشبهة الموضوعية وصورها كثيرة وعلى أي تقدير ( التذكية ) اما ان تكون عبارة عن امر بسيط معنوي متحصل من قابلية المحل وقطع الأوداج الأربعة بالحديد وسائر ما يعتبر فيه نظير الطهارة بالنسبة إلى الغسلات الخاصة ( واما ان تكون ) عبارة عن قطع الأوداج الأربعة بشرائطه الوارد على المحل القابل بان

٢٥٦

تكون القابلية شرطا لتأثير الأمور المزبورة ( واما ان تكون ) عبارة عن مجموع الأمور المزبورة مع القابلية ( فعلى الأول ) تجرى في جميع الصور أصالة عدم التذكية من غير فرق بين ان يكون الشك من جهة الشبهة الحكمية أو من جهة الشبهة الموضوعية بأنحاء ما يتصور فيها من الشك ( فإنه ) يشك حينئذ في تحقق ذلك الأثر الحاصل البسيط والأصل عدمه ( ويترتب ) عليه الحرمة بل النجاسة في وجه قوى ، ولا ينافي ذلك ما دل على ترتب الحرمة والنجاسة على عنوان الميتة التي هي عبارة عما مات حتف أنفه حتى يشكل بعدم اقتضاء الأصل المزبور لاثبات هذا العنوان الا على القول بالمثبت ( إذ الحكم ) كما رتب في الأدلة على عنوان الميتة ، كذلك رتب على ما يعم العنوان المزبور وهو غير المذكى ( ومن الواضح ) انه لابد في مثله من الاخذ بذلك العنوان العام كما يكون ذلك هو الشأن في كل مورد رتب الحكم الشرعي في لسان الدليل على عنوانين أحدهما أعم من الاخر ، حيث تكون العبرة بالعنوان العام دون الخاص ( ثم إن ذلك ) إذا لم نقل ان الميتة في لسان الشارع عبارة عن غير المذكى والا فبناء على كونها عبارة عن غير المذكى كما قيل به فالامر أوضح ( واما على الثاني ) وهو كون التذكية عبارة عن نفس فرى الأوداج بشرائطه مع كون القابلية شرطا في تأثيره ، فان كان الشك في الطهارة والحلية من جهة الشك في ورود فعل المذكي عليه تجرى فيه أصالة عدم التذكية واما ان كان الشك من جهة قابلية الحيوان للتذكية اما من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية كالشك في كون اللحم المطروح من الحيوان الذي يقبل التذكية كالغنم أو من الذي لا يقبل التذكية فمع العلم بورود فعل المذكى عليه من فرى الأوداج الأربعة بما اعتبر فيه لا تجرى أصالة عدم التذكية ، بل ومع الشك فيه أيضا فإنه وان لم يكن قصور حينئذ في جريان أصالة عدم التذكية ، ولكنه مع الشك في القابلية لا ينتج شيئا ، كيف وان القطع بوجوده لا تثمر شيئا مع الشك في القابلية ، وحينئذ فان كانت القابلية مسبوقة بوجودها كما لو شك في زوالها بمثل الجلل ونحوه تجرى فيها استصحابها ويترتب عليه اثار فرى الأوداج وعدمه ولو بالأصل ( والا ) فتجري أصالة الطهارة والحلية في اللحم المزبور لعدم كون القابلية المزبورة مسبوقة باليقين بالعدم حتى تستصحب ( واما توهم ) امكان احراز

٢٥٧

عدمها حينئذ بالأصل بنحو السلب المحصل كما في مشكوك القرشية والشرط المشكوك مخالفته للكتاب ومشكوك الانتساب في الإرث لكون القابلية المزبورة بهذه الملاحظة مسبوقة بالعدم قبل الوجود ( فمدفوع ) بأنه وان كان المختار هو جريان الأصل في الاعدام الأزلية ، ولكن ذلك انما يكون في الأوصاف العارضة على الذات بتوسيط وجودها كالقرشية في المثال ( لا بالنسبة ) إلى ما هو من لوازم ذات الشيء فان في مثله لا مجال لجريان الأصل من جهة وضوح عدم كونه مسبوقا باليقين حتى في مرحلة صقع الذات قبل الوجود ، وقابلية الحيوان للتذكية انما تكون من هذا القبيل ، إذ لم تكن القابلية المزبورة من الأوصاف العارضة على الذات بتوسيط وجودها وانما هي من الأمور المأخوذة في ذات الحيوان وبهذه الجهة لم تكن لها حالة سابقة حتى في مرحلة صقع الذات كي يجرى فيها الأصل ( وعليه ) ينتهى الامر إلى الأصول الحكمية وهي أصالة الطهارة والحلية ( ومن ذلك ) البيان يظهر الحال على الاحتمال الثالث في التذكية وهو كونها عبارة عن مجموع الأمور الخمسة وقابلية المحل ( فإنه ) مع الشك قي قابلية الحيوان للتذكية لأجل الشبهة الحكمية أو الموضوعية لا تجرى فيه أصالة عدم التذكية ، لان التذكية على ذلك تكون من الموضوعات المركبة التي لابد في جريان الأصل فيها من لحاظ خصوص الجهة المشكوكة لا المجموع المركب من حيث المجموع وبعد عدم جريان الأصل في الجهة المشكوكة وهي القابلية تجري فيه لا محالة أصالة الطهارة والحلية من غير فرق في ذلك بين صورة العلم بورود فعل المذكى على الحيوان وعدمه نظرا إلى ما تقدم من عدم ترتب فائدة على استصحاب عدمه مع الشك في القابلية وعدم كون القطع بوجوده مع الشك المزبور منتجا لشيء ( نعم ) ينتج ذلك في فرض احراز قابلية الحيوان للتذكية فإنه مع الشك في ورود فعل المذكى عليه يجرى فيه أصالة العدم فيترتب عليه الحرمة والنجاسة ( ثم إن المتعين ) من المحتملات الثلاثة المتصورة في التذكية انما هو المعني الثاني ( فان المستفاد ) من قوله سبحانه الا ما ذكيتم من نسبة التذكية إلى الفاعلين ، وكذا قوله (ع) في ذيل موثقة ابن بكير ، ذكاة الذبح أم لا ، وقوله في خبر علي بن أبي حمزة بعد قول السائل أو ليس الذكي ما ذكى بالحديد ، بلى إذا كان مما يؤكل لحمه ( هو ان التذكية )

٢٥٨

عبارة عن فعل المذكى وان قابلية المحل امر خارج عن حقيقة التذكية وكان لها دخل في تأثيرها في الطهارة والحلية لا انها عبارة عن مجموع فعل الذابح بما اعتبر فيه مع قابلية المحل ، ولا كونها عبارة عن الأثر الحاصل منهما ( وعليه ينبغي ) التفصيل في جريان أصالة الطهارة والحلية ، بين ان يكون الشك في حرمة اللحم ونجاسته من جهة الشك في قابلية الحيوان المذبوح للتذكية ، وبين ان يكون ذلك من جهة الشك في ورود فعل الذابح عليه فتجري في الأول أصالة الطهارة والحلية لعدم أصل حاكم عليهما ( بخلاف الثاني ) فإنه تجرى فيه أصالة عدم التذكية ويترتب عليها الحرمة والنجاسة.

( الامر الثاني ) لا اشكال ولا خلاف في رجحان الاحتياط عقلا ( وانما الاشكال ) في قابليته للرجحان الشرعي والاستحباب المولوي من جهة الأخبار الآمرة بالاحتياط ( والتحقيق في المقام ) يتوقف على شرح حقيقة الاحتياط وبيان الوجوه المتصورة في الامر به من حيث الارشادية والمولوية ( فنقول ) الوجوه المتصورة في مفاد الأوامر الواردة في هذا الباب أربعة ( أحدها ) كونه لمحض الارشاد إلى عدم الوقوع في المفاسد الواقعية والحزازة للنفس الامرية على تقدير وجودها واقعا نظير أوامر الطبيب ونواهيه بحيث لا يترتب على موافقتها سوى التخلص عن الوقوع في المفسدة الواقعية المحتملة ، واليه يرجع كلام الشيخ قده من حيث تنظيره بأوامر الطبيب ونواهيه وبالاشهاد عند المعاملة لئلا يقع التنازع فيها ( وثانيها ) كونه ارشادا إلى ما في نفس عنوان الاحتياط من الحسن والرجحان العقلي مطلقا حتى في صورة عدم مصادفة الاحتمال للواقع لكونه انقيادا وإطاعة حكمية نظير الامر بعنوان الإطاعة ، ولازمه استحقاق المثوبة عليه وان لم يصادف الواقع بناء على ما اخترناه في مبحث التجري ، فارشادية الامر المتعلق به حينئذ انما هي بمعنى خلوه عن جهة المولوية كما في الامر بعنوان الإطاعة لا بمعنى خلو المتعلق بالعنوان المزبور عن الرجحان رأسا كما في الصورة الأولى ( وثالثها ) كونه حكما مولويا نفسيا بان كان في الفعل المشكوك حكمه بهذا العنوان مصلحة اقتضت استحبابه النفسي في مرتبة الشك بالواقع فيثاب عليه وان لم يحصل به الاجتناب عن الحرام الواقعي ( ورابعها ) كونه حكما مولويا طريقيا انشاء

٢٥٩

بداعي حفظ المرام الواقعي عند الشك به كما في جميع أوامر الطرق والامارات على ما مر شرحه مفصلا ( ولازم ) ذلك وان كان ترتب المثوبة عليه مطلقا الا انها على تقدير المصادفة تكون بعنوان الإطاعة وعلى تقدير آخر بعنوان الانقياد والإطاعة الحكمية ( بخلاف ) فرض المولوية النفسية فإنه عليه يكون ترتب المثوبة على الموافقة على كل تقدير بعنوان الإطاعة الحقيقية للامر المتعلق بعنوان الاحتياط ( واما عنوان الاحتياط ) فاما يكون عبارة عن الفعل أو الترك المنبعث عن دعوة احتمال الوجوب أو الحرمة ، واما ان يكون عبارة عن مجرد فعل مشكوك الوجوب أو ترك مشكوك الحرمة بهذا العنوان ( والفرق ) بينهما واضح فإنه على الأول يكون عنوان الاحتياط منتزعا عن الذات في المرتبة المتأخرة عن الذات المعروضة للوجوب أو الحرمة بنحو يرى في عالم التصور ذاتان إحديهما في رتبة سابقة عن الوجوب والأخرى في الرتبة المتأخرة عن دعوه احتمال الوجوب نظير عنوان الإطاعة وبذلك لا يلزم اجتماع الضدين أو المثلين في ذات واحدة كما تقدم شرحه في مبحث التجري ، ويترتب عليه حكم العقل بحسنه مطلقا حتى في صورة المخالفة للواقع لكونه بهذا العنوان انقيادا وإطاعة حكمية ( بخلاف الثاني ) فإنه وان كان منتزعا عن العنوان في المرتبة المتأخرة عن الامر بعنوان ذات الشيء الا ان تأخره لا يكون بتمام العنوان حتى بلحاظ ذات الموصوف ، بل انما كان ذلك بلحاظ قيده ووصفه فقط وهو الجهل مع كون الذات في العنوانين محفوظة في مرتبة واحدة غير أنها تلاحظ تارة مجردة وأخرى موصوفة كعنوان الخمر والخمر المشكوكة خمريتها أو المشكوكة حكمها مع قابلية الأول للانطباق علي الثاني كما في كل مطلق ومقيد ( وبعد ) ذلك نقول انه بناء على المعنى الأول للاحتياط لا شبهة في أن من لوازمه عدم قابليته للامر المولوي نفسيا أو طريقيا ضرورة انه بهذا المعنى مما يستقل العقل بحسنه لكونه مما ينطبق عليه عنوان الإطاعة والانقياد ومعه لا يكون الامر به الا ارشادا محضا إلى حكم العقل بحسنه بلا شائبة مولوية فيه كما في الامر بعنوان الإطاعة الحقيقية ، كما أنه على هذا المعنى لا يتأتى فيه احتمال الارشاد بالمعنى الأول أيضا لتمحضه بالارشاد العقلي الاطاعي ( بخلاف المعنى ) الثاني الاحتياط فإنه قابل لاستحباب المولوي الطريقي أو النفسي من جهة امكان اشتمال الفعل المشكوك

٢٦٠