نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

الترك الراجع إلى رفع جزئية المنسى وعدم دخله في الصحة ( لا ان ) الرفع بلحاظ الأثر المترتب على الوجود كي يحتاج إلى تنزيل المعدوم منزلة الموجود فيشكل بان رفع المعدوم لا يمكن الا بالوضع ( ولا ) بان يجرى حديث الرفع بلحاظ رفع ذلك حتى يقال بأنه خلاف الامتنان ( وحينئذ ) فلا قصور في شمول الرفع للجزء والشرط المنسيين واقتضائه لصحة العبارة الفاقدة لهما باخراج مثل هذا الترك عن حيز تشريع الفساد ( كما كان ذلك ) هو الشأن أيضا في المانع إذا اتى به نسيانا أو اضطرارا ، حيث إن الأثر المرتب على المانع لا يكون الا الفساد وعدم الصحة ( والا ) فليس له اثر مستقل حتى يكون هو المصحح لجريان حديث الرفع فيه ، فلولا كفاية ذلك في شمول دليل الرفع يلزم عدم محل للرفع فيه أيضا ، مع أنه معترف بجريان حديث الرفع في المانع ( ومن ذلك ) يظهر عدم تمامية ما افاده من الاشكال على رفع جزئية المنسي ، بان المنسى ليس هي الجزئية حتى ترتفع بهذا الحديث وانما هو وجود الجزء ، ومع العلم بالجزئية والالتفات إليها ليس في البين ما يرد الرفع التشرعي عليه من حيث الموضوع والأثر حتى يمكن تصحيح العبادة الفاقدة للجزء والشرط ( إذ فيه ) ان هذا الاشكال بعينه جار في صورة ايجاد المانع نسيانا حيث لا يكون المنسي فيه أيضا هي المانعية ( فكما انه ) يجرى دليل الرفع في نسيان المانع ويكون رفعه راجعا إلى رفع مانعيته ( كذلك ) يجرى في نسيان الجزء والشرط ( وحينئذ فالعمدة ) هو الاشكال عليه بما ذكرناه من أن غاية ما يقتضيه رفع النسيان انما هو رفع التكليف الذي هو منشأ انتزاع الجزئية ما دام النسيان ( لا رفع ) دخل المنسي في المصلحة ، لان مثل هذا الدخل امر تكويني لا يتعلق به الرفع التشريعي ( إذ حينئذ ) بعد النسيان تكون المصلحة الداعية إلى إلى التكليف بالمركب مؤثرة في التكليف بالإعادة بعد زوال النسيان ( نعم ) لو كان مفاد رفع النسيان هو تحديد دائرة المأمور به في حال النسيان بما عدا المنسى بان كان ناظرا إلى الاطلاقات الأولية المثبتة للاجزاء والشرائط بتخصيص الجزئية والشرطية فيها بغير حال نسيان الجزء والشرط كما في دليل نفي الحرج بالنسبة إلى الاطلاقات الأولية المثبتة للجزئية والشرطية ( لكان ) لاستفادة الاجزاء وعدم وجوب الإعادة مجال واسع ( ولكن ذلك ) خارج عن عهدة حديث الرفع ، حيث

٢٢١

انه لم يكن من شأنه اثبات التكليف بالفاقد للجزء المنسي وانما شأنه مجرد رفع التكليف عن المنسي ما دام النسيان ( وعليه ) لابد من الالتزام بعدم الاجتزاء بالفاقد للجزء أو الشرط المنسي ولزوم الإعادة بعد زوال النسيان ، لخروج البقية بمقتضى الارتباطية عن حيز الامر والتكليف وعن تحت المصلحة الضمنية ( من غير ) فرق في ذلك بين نسيان المستوعب للوقت وغيره ، ولا بين ترك الجزء والشرط وبين فعل المانع ( فلابد ) للحكم بالصحة من التماس دليل آخر يقتضى الاجتزاء بالفاقد للجزء أو الشرط المنسي كما في الصلاة من قوله (ع) لا تعاد الصلاة الا من خمس حيث دل على عدم بطلان الصلاة بالاخلال السهوي بما عدا الأركان ( هذا كله ) في الأحكام التكليفية ( واما الأحكام الوضعية ) كالعقود والايقاعات ، فلا مجال لرفع الخطاء والنسيان فيهما ، ووجهه ما عرفت سابقا من اختصاص الرفع بالأمور التي لم يعتبر في قوام تحققها القصد والعمد ، والمعاملات لما كانت متقومة بالقصد والعمد كانت خارجة عن مصب الرفع في الحديث ( لان ) في فرض الخطاء والنسيان لا يتحقق عنوان العقد ولا عنوان المعاملة حتى يجرى فيها الرفع ( هذا ) بالنسبة إلى عنوان المعاملة ( واما بالنسبة ) إلى الشرائط الراجعة إليها كالعربية والماضوية وتقدم الايجاب على القبول لو قلنا باعتبارها في العقد ، فعدم جريان الرفع فيها انما هو من جهة اقتضائه للوضع الذي هو التكليف بالوفاء بالفاقد ( ومثله ) خلاف الامتنان في حق المكلف ولذا فرقنا بين شرائط الوجوب وشرائط الواجب وقلنا باختصاص الحديث بالثاني دون الأول بلحاظ اقتضاء نفي الشرطية لاثبات الوجوب على المكلف.

( ومن العناوين ) المذكورة في الحديث قوله (ع) ما اضطروا إليه وحكمه حكم الخطأ والنسيان في الاختصاص بالتكليفيات وعدم شموله للوضعيات من العقود والايقاعات الا ان عدم شموله لها انما هو من جهة اقتضائه للضيق على المكلف ( فان ) رفع الصحة عن المعاملة التي اضطر إليها المكلف لقوت نفسه وعياله موجب لتأكد اضطراره وهو خلاف ما يقتضيه الارفاق والامتنان ( وهذا ) بخلاف التكليفيات فان في رفعها كمال الامتنان على المكلف ( نعم ) ينبغي تقييده بما إذا لم يكن الاضطرار إلى ترك الواجب أو فعل الحرام ناشئا عن سوء اختيار

٢٢٢

المكلف ، والا فلا يكون مرفوعا لما تقدم من عدم شمول الحديث للمقدم على المخالفة بسوء اختياره ( ولذا ) لا شبهة في استحقاق مثله للعقوبة على التفويت ( ثم إن ) المرفوع فيه هو نفس التكليف الوجوبي أو التحريمي لأنه بنفسه قابل للثبوت في حقه عنه الاضطرار ولا يأباه العقل أيضا ، فيكون رفعه منة عليه بلا احتياج إلى ارجاع الرفع فيه إلى ايجاب التحفظ ( نعم ) انما يحتاج إلى ذلك إذا كان الاضطرار بمرتبة لا يقدر معه على التجنب عن الوقوع في مخالفة التكليف ، فإنه من جهة اباء العقل حينئذ عن فعلية التكليف في مورده يحتاج إلى ارجاع الرفع فيه إلى رفع ايجاب التحفظ ( كما أنه ) في فرض عدم تمكنه من التحفظ أيضا يخرج عن مصب الرفع رأسا لاستقلال العقل حينئذ بانتفاء التكليف وكذا المؤاخذة في مورده ، فلا يكون في البين شيء يقتضي الامتنان رفعه عنه ( وكيف كان ) فلا فرق في رفع التكليف في الاضطرار بين كونه متعلقا بالوجود أو العدم ( ولا بين ) كون الاضطرار متعلقا بالوجود أو العدم ( فإنه ) على كل تقدير يجرى فيه الرفع ، ومرجعه في الجميع على ما عرفت في الخطأ والنسيان إلى خلو ما اضطر إليه فعلا أو تركا عن الحكم في عالم التشريع لا إلى جعل الموجود بمنزلة المعدوم وبالعكس كما توهم ، كي يشكل في الاضطرار إلى الترك بان تنزيل المعدوم منزلة الموجود يكون وضعا وحديث الرفع لا يتكفل الوضع ( كيف ) ولازم عدم شمول حديث الرفع للترك هو الالتزام بوجوب الاتيان بكلا طرفي العلم الاجمالي بالتكليف عند الاضطرار إلى ترك أحدهما معينا أو غير معين مع أنه كما ترى ( فتأمل ) « ثم انه » بما ذكرنا من اختصاص الرفع في الاضطرار بالتكليفيات يظهر عدم شموله لرفع الحكم الوضعي كالجزئية والشرطية بالنسبة إلى الجزء أو الشرط الذي اضطر إلى تركه ( وذلك ) لما يلزمه حينئذ من اقتضائه لاثبات التكليف بالبقية وهو خارج عن عهدة حديث الرفع ( إذ لولا ) الرفع كان المكلف من جهة ارتباطية التكليف بالمركب باضطراره إلى ترك الجزء في فسحة عن التكليف بالبقية ، حيث لا يكون له ملزم عقلي أو شرعي باتيان البقية ، وبذلك يمتاز المقام عن فرض نسيان الجزء ( فان ) الناسي من جهة غفلته عن نسيانه يكون له ملزم عقلي باتيان البقية ( بخلاف ) الاضطرار ( فإنه ) من جهة التفاته إلى اضطراره بترك الجزء

٢٢٣

والتفاته إلى ارتباطية التكليف واقتضائه لسقوط التكليف عن المركب بتعذر بعض اجزائه ( لا يكون ) له ملزم باتيان البقية « وعلى ذلك » يحتاج في اثبات التكليف بها إلى ملزم خارجي من قاعدة ميسور ونحوه « والا » فلا مجال لاثباته بحديث الرفع بتطبيقه على الجزء أو الشرط المتعذر لما عرفت من كون ذلك خارجا عن عهدة حديث الرفع « فلا محيص » حينئذ من تطبيقه على نفس المركب « ونتيجة » ذلك هو رفع التكليف الفعلي عن المركب ما دام الاضطرار بالبيان المتقدم سابقا « ولازمه » وجوب الإعادة بعد ارتفاع الاضطرار لاقتضاء المصلحة الداعية إلى التكليف بالمركب حينئذ الامر بالإعادة في الوقت والقضاء في خارجه ( الا ) إذا قام دليل بالخصوص أو بالعموم على وجوب الاتيان بالفاقد للجزء المتعذر من قاعدة ميسور ونحوه فيستفاد منه بضميمة الاجتماع على أنه لا يكون عليه الا تكليف واحد الاجزاء وعدم وجوب الإعادة.

( ومن العناوين ) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما لا يطيقون ويجرى فيه جميع ما ذكرناه في الاضطرار ( فيختص ) ذلك أيضا بالتكليف ولا يشمل المعاملات ، ويكون المرفوع فيه هي المؤاخذة الناشئة من عدم حفظ الطاقة بمقدماته الاختيارية بناء على كون المراد به معناه الحقيقي ( نعم ) لو كان المراد به المشقة الشديدة التي لا يتحمل عادة ( أو كان ) المراد هو ما لا يطاق العرفي اي التكليف الشاق الناشئ عن اختيار المكلف البالغ إلى حد الحرج كما لعله هو الظاهر من الحديث ( كان ) المرفوع هو نفس التكليف الفعلي ، إذ لا يحتاج في مثله إلى ارجاع الرفع فيه إلى رفع ايجاب تحفظه بعد كونه بنفسه قابلا لتعلق التكليف به فيكون رفعه حينئذ منة عليه ، بل ولعل ذلك أيضا هو المراد في الآية المباركة الحاكية عما استوهبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من ربه جل ذكره ليلة المعراج لا ان المراد هو ما لا يتحمل عادة أو العذاب والعقوبة ، فكان مفاد الآية حينئذ مساوقا لما نفاه الله عز وجل في آية أخرى بقوله عز من قائل وما جعل عليكم في الدين من حرج ( ثم ) ان في شمول الحديث الشريف لرفع الجزئية عن الجزء الذي لا يطاق فعله ( الاشكال ) المتقدم من حيث استلزامه لوضع التكليف بالبقية الذي هو خلاف الامتنان عليه نظرا إلى ما هو المفروض من عدم اطلاق لدليلها بنحو يشمل حال فقد جزء آخر

٢٢٤

( ومن العناوين ) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما أكرهوا عليه ( والظاهر ) اختصاص مجرى الرفع في هذا العنوان بباب المعاملات بالمعنى الأخص بعكس الرفع في عنوان الاضطرار فلا يجرى في التكليفيات من الواجبات والمحرمات ( لان ) الاكراه على الشيء بصدق بمجرد عدم الرضا وعدم طيب النفس بايجاده ولذا يصدق عنوان الاكراه على المعاملة بمجرد التوعيد على تركها ولو بأخذ مال يسير لا يكون تحمله حرجيا عليه حتى مع امكان التفصي بالتورية ونحوها كما هو ظاهر النصوص والأصحاب ( ومن المعلوم ) بداهة عدم كفاية ذلك في تسويغ ترك الواجبات ما لم ينته إلى المشقة الشديدة الموجبة للعسر والحرج فضلا عن الاقتحام في ارتكاب المحرمات التي لا يسوغها الا الاضطرار ( ومن هنا ) لم يلتزم أحد بجواز ترك الواجب بمطلق الاكراه عليه ولو لم يبلغ إلى حد الحرج نعم لو بلغ الاكراه إلى حد الحرج جار ذلك ولكنه حينئذ من جهة الحرج لا الاكراه ( بخلاف ) باب المعاملات ، حيث إن بنائهم فيها على كفاية مطلق الاكراه على المعاملة ولو بايعاد ضرر يسير على تركها في فساد المعاملة ( ثم ) ان الوجه في اختصاص مجرى الرفع في الاكراه بباب المعاملات بالمعنى الأخص انما هو بملاحظة ما اعتبر فيها من الرضا وطيب النفس في مترتب الأثر عليها بمقتضى قوله سبحانه تجارة عن تراض وقوله (ع) لا يحل مال امرء الا بطيب نفسه ( فان ) الاكراه لما كان منافيا لطيب النفس بالمعاملة اقتضى الامتنان رفعها ، وهذا المناط وان كان جاريا في الاضطرار بالمعاملة أيضا ، الا ان عدم جريان الرفع فيها انما هو من جهة كونه خلاف الارفاق والامتنان في حق المضطر ، لاقتضاء رفع الصحة عن المعاملة المضطر إليها لقوت نفسه وعياله تأكدا في اضطراره ( بخلاف ) باب الاكراه فان في رفع الصحة عن المعاملة المكره عليها كمال الارفاق في حق المكره « ثم إن » الأثر المرفوع في ذلك انما هي الصحة الفعلية لأنها هي التي يقتضى الامتنان رفعها ( لا أصل ) صحتها بنحو لا يصححها الإجازة المتأخرة ( فان ) ذلك خلاف الامتنان على المكره بالفتح لأنه قد يتعلق غرضه بامضاء تلك المعاملة والرضا بها لما يرى فيها من الصلاح ( ولا الاحكام ) التكليفية المترتبة على الصحة كوجوب القبض والتسليم فان ترتب هذه الآثار انما يكون في فرض صحة المعاملة وتأثيرها في النقل والانتقال ( وفي )

٢٢٥

فرض صحة المعاملة وان كان رفعها منة على المكره بالفتح ( ولكنه ) خلاف الامتنان في حق المشترى لرجوعه إلى سلب سلطنة المشتري على المبيع مع فرض كونه مالكا له.

« ومن العناوين » المذكورة في الحديث ، الحسد والطيرة ، والوسوسة في التفكر في الخلق « والظاهر » ان المرفوع في الجميع بقرينة إضافة الرفع إلى نفس المذكورات هي المؤاخذة عليها بملاحظة ما فيها من الاقتضاء لتشريع الحكم التحريمي ، فالشارع من باب الامتنان دفع المقتضى فيها عن تأثيره في تشريع الحكم التحريمي ( واما الاشكال ) في ذلك بان هذه الأمور لكونها غير اختيارية خصوصا الحسد لكونه عبارة عن الملكة الرذيلة الخاصة أو الخطرات القلبية الناشئة منها ، لا يصح تعلق الرفع بها ولو باعتبار حكمها حيث لا يمكن اقتضاء مثلها لتشريع الحكم التحريمي ( فمدفوع ) بأنها وان كانت بنفسها غير اختيارية ولكنها بمباديها كانت اختيارية حيث أمكن التحرز عنها وعدم الوقوع فيها ويكفي هذا المقدار في اقتضائها للتحريم ( ويمكن ) ان يكون المرفوع فيها غير ذلك ، بان يقال ان المرفوع ( في الحسد ) انما هو وجوب رفعه بالرياضات والمجاهدات التي منها التحفظ وعدم التفتيش في أمور الناس والاطلاع على ما أعطوا من الأموال والأولاد ونحو ذلك مما هو منشأ حصول هذه الصفة الرذيلة ، فان الانسان إذا صرف نفسه إلى أحوال نفسه وامر آخرته ولم يتعرض للناس وما وهب لهم من النعيم كالرياسة والأموال والأولاد والسعة في العيش ونحو ذلك مما هو فاقد له لا يحصل له هذه الملكة الرذيلة ولو كانت حاصلة تزول عنه تلك الملكة وتنقطع عنه مادة الحسد على التدريج ( فكان ) الشارع امتنانا رفع هذا الوجوب مع كون رفعه مستحسنا في نفسه في مقام تحسين الأخلاق كرفع ساير الأخلاق الرذيلة والصفات الذميمة ( نعم ) لا يجوز ترتب الأثر الخارجي عليه لكونه حراما بلا اشكال وعليه أيضا يحمل ما دل من الاخبار على النهى عنه واثبات العقوبة عليه ( واما الطيرة ) فالمرفوع فيه هو الصد عن المقاصد عند التطير والتشأم لكونه أمرا قابلا للجعل ولو امضاء لما عليه بناء العرف من الالتزام بالصد عن المقاصد عند التطير والتشاءم فنفاه الشرع امتنانا على الأمة كما يشهد

٢٢٦

لذلك قوله (ع) إذا تطيرت فامض ( واما الوسوسة ) في التفكر في الخلق فالمرفوع فيها هو وجوب التحفظ وصرف الذهن إلى أمور اخر غير مرتبطة بمقام امر الخلقة ولكن إرادة رفع الحرمة فيها أظهر بقرينة ظهور استناد الرفع إلى نفسها وقد استفاضت النصوص أيضا على أنه لا شيء فيها وانه تقول لا إله إلا الله.

( ومنها ) أي من الاخبار التي استدل بها للبرائة قوله (ع) ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ( فإنه ) يدل على نفي الكلفة ووجوب الاحتياط فيما حجب علمه من الاحكام المجهولة كحرمة شرب التتن ونحوه فيعارض ما دل على وجوب الاحتياط عند الشك ( ولعل ) هذا الخبر أظهر في الدلالة على المطلوب من حديث الرفع ، إذ لا يتوجه عليه اشكال الاختصاص بالشبهات الموضوعية ، بل يمكن فيه دعوى العكس ( فان ) الموصول وان كان عاما لكن بقرينة استناد الحجب إليه سبحانه يختص بالأحكام التي كان رفع الجهل عنها من وظائفه سبحانه بايصال البيان إلى العباد ولو بتوسيط رسوله (ص) وهي لا تكون الا الاحكام الكلية دون الجزئية لان رفع الجهل عنها لا يكون من وظائف الفقيه فضلا عن الشارع ( وقد أورد ) على الرواية كما عن الشيخ قده بأنها بقرنية استناد الحجب إليه سبحانه ظاهرة في الاختصاص بالأحكام التي ما بينها الشارع للعباد رأسا فلا تشمل الاحكام التي بينها الشارع للعباد واختفيت عليهم بعد ذلك لأجل معصية من عصى الله سبحانه بكتمان الحق ( فتكون ) الرواية مساوقة لما ورد عن علي (ع) بان الله سبحانه حدد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة لكم ( فلا ) تصلح للاستدلال بها في المقام ( لان ) محل الكلام بين الأخباريين والمجتهدين انما هو في الاحكام المبينة من قبله سبحانه التي لم يصل إلى المكلفين ولم يقم عليها طريق معتبر وان كان سبب ذلك اخفاء الظالمين ودش الداسين ( وبعبارة أخرى ) مورد النزاع انما هي الاحكام المجهولة التي يقطع بفعليتها على تقدير ثبوتها واقعا لا الاحكام الشأنية المحضة ( والرواية ) بقرنية استناد الحجب إليه سبحانه مختصة بالثاني ( لان ) ما لم يبينه الشارع وسكت عن اظهاره يقطع بعدم فعليته ولو مع القطع بثبوته في نفس الامر كما في الضد المبتلى بالأهم ( ولكن ) فيه ان ما أفيد

٢٢٧

من عدم فعلية الاحكام مع السكوت عنها انما يتم في فرض السكوت عنها بقول مطلق حتى من جهة الوحي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ( واما ) في فرض اظهاره للنبي (ص) بتوسيط خطابه ووحيه ( فيمكن ) دعوى كونها من الاحكام الفعلية ( إذ ) لا نعنى من الحكم الفعلي الا ما تعلقت الإرادة الأزلية بحفظه من قبل خطابه ( حيث ) انه يستكشف من تعلق الإرادة بايجاد الخطاب عن فعلية الإرادة بالنسبة إلى مضمون الخطاب ولو مع القطع بعدم ابلاغ النبي (ص) إياه إلى العباد ، اما لعدم كونه مأمورا بابلاغه ، أو من جهة اقتضاء بعض المصالح لاخفائه ( وتوهم ) منافاة ذلك مع فعلية الإرادة المضمونية ( ممنوع ) جدا حيث إن المنافى له انما هي الفعلية المطلقة لا الفعلية ولو من جهة الخطاب ( والا ) ينافيها الترخيصات الشرعية الظاهرية في جعل الامارات والأصول المخالفة للواقع ، فلابد من الالتزام فيها أيضا بعدم فعلية التكليف الواقعي ، مع أنه كما ترى ( وحينئذ ) بعد كفاية هذا المقدار في فعلية التكليف ( نقول ) ان رواية الحجب وان لم تشمل التكاليف المجهولة التي كان السبب في خفائها معصية من عصى الله ( ولكن ) بعد شمول اطلاقها للأحكام الواصلة إلى النبي (ص) بتوسيط خطابه إليه التي لم يؤمر من قبله سبحانه بابلاغها إلى العباد بملاحظة صدق استناد الحجب فيها إليه سبحانه يمكن التعدي إلى غيرها من الاحكام المجهولة التي كان سبب خفائها الأمور الخارجية بمقتضى عدم الفصل بينهما بعد صدق التكليف الفعلي على مضامين الخطابات المنزلة إلى النبي ولو مع عدم الامر بابلاغها إلى العباد وبذلك تصلح الرواية لمعارضة ما دل على وجوب الاحتياط هذا كله ( مع امكان ) دعوى شمول الموصول فيما حجب للأحكام المبينة عن النبي (ص) أو الوصي (ع) المجهولة بسبب الأمور الخارجية وان نسبة حجب علمها إليه سبحانه كنسبة سائر الأشياء إليه تعالى نظير قوله (ع) ما غلب الله على العباد فهو أولى بالعذر فكان المراد من حجب الله سبحانه هو الحجب في مقام التكوين الراجع إلى عدم توفيقه سبحانه لمعرفتها مع فعليتها في الواقع كما يؤيده لفظة موضوع عنهم الظاهرة في وضع الاحكام الفعلية عند الجهل بها عن العباد بعدم ايجابه للاحتياط في ظرف الجهل خصوصا بعد ملاحظة ظهور الحجب في كون العلة للوضع هو الجهل بالواقع الملازم لكون الرفع في المرتبة المتأخرة

٢٢٨

عنه إذ حينئذ يكون المرفوع منحصرا بايجاب الاحتياط فتصلح للرد على الاخباري القائل بوجوب الاحتياط.

( منها ) قوله (ع) ، الناس في سعة ما لا يعلمون ( ودلالتها ) على المطلوب ظاهرة كانت كلمة ما مصدرية ظرفية ، أو موصولة أضيف إليه السعة ( إذ ) المعنى على الأول انهم في سعة ما داموا غير عالمين بالواقع ( وعلى الثاني ) انهم في سعة ما لا يعلمونه من الاحكام الراجع إلى عدم كونهم في كلفة ايجاب الاحتياط فيعارض ما دل على وجوب التوقف والاحتياط ( وأورد ) على الاستدلال المزبور بان الخصم غير منكر للسعة على من لم يعلم بوجوب الاحتياط من العقل والنقل بعد التأمل والتدبر وانما يدعى الضيق والكلفة من جهة العلم بوجوب الاحتياط بزعم قيام الدليل العقلي والنقلي على وجوبه فتكون أدلة الاحتياط على تقدير تماميتها واردة على هذه الرواية ( ولكن فيه ) ان ذلك يتم إذا كان دعوى الاخباري اثبات العقوبة على مخالفة نفس ايجاب الاحتياط في قبال الواقع وليس كذلك ( بل مقصودهم ) انما هو اثبات العقوبة على مخالفة التكليف المجهول بمقتضى ما دل على وجوب التوقف والاحتياط في قبال الأصولي ( فان ) هذا هو الذي يساعد أدلتهم من نحو رواية التثليث من نحو قوله (ع) وهلك من حيث لا يعلم ( وعليه ) فلا وجه لتوهم ورود أدلة الاحتياط على الرواية ولا حكومتها عليها ( نعم ) لو كان أدلة الاحتياط متكفلة لاثبات العلم بالواقع كالأمارات كان لدعوى الحكومة كمال مجال ( ولكنه ) ليس كذلك ، بداهة ان مفاد تلك الأدلة لا يكون الا مجرد اثبات وجوب التوقف والاحتياط عند الجهل بالواقع ( ومجرد ) صلاحيتها لتنجيز الواقع عند الموافقة لا يقتضي الطريقية والكاشفية أيضا كما هو ظاهر ( نعم ) لو كان العلم في الرواية كناية عن مطلق قيام الحجة على الواقع ، أو كان المراد من عدم العلم الذي عليه مدار السعة هو عدم العلم بمطلق الوظيفة الفعلية لأمكن دعوى ورود أدلة ايجاب الاحتياط عليها ( ولكن ) ذلك خلاف ما يقتضيه ظهور الرواية في كون العلم الذي عليه مدار الضيق هو العلم بالواقع كما هو ظاهر.

( ومنها ) رواية عبد الاعلى عن الصادق (ع) قال سئلته عمن لا يعرف شيئا هل عليه شيء قال (ع) لا ( بتقريب ) ان الظاهر من الشيء الأول في كلام السائل

٢٢٩

هو مطلق ما لا يعرفه من الاحكام ، ومن الشيء الثاني الكلفة والعقوبة من قبل الحكم الذي لا يعرفه ، فيستفاد من نفي العقوبة عليه في جواب الامام (ع) بقوله لا عدم وجوب الاحتياط عليه ، فتعارض ما دل على وجوب الاحتياط عند الشك وعدم العلم بالحكم الواقعي ( ويمكن المناقشة ) فيه بظهور الشيء الأول في إرادة عموم الاحكام فيختص بالجاهل القاصر الغافل عن الاحكام كما في أهل البوادي والسودان ويخرج عن مفروض البحث ( اللهم ) الا ان يمنع اختصاصه بالغافل بدعوى شموله أيضا للجاهل بمجموع الاحكام الملتفت إليها مع كونه غير قادر على الفحص عنها لكونه ممن يصدق عليه انه لا يعرف شيئا فإذا استفيد من قوله (ع) في الجواب لا نفي العقوبة بنفي منشئها الذي هو وجوب الاحتياط يتعدى إلى الجاهل ببعض الاحكام بعد الفحص لعدم الفصل بينهما ( ومنها ) قوله (ع) ، ايماء امرء ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه ( حيث ) ان فيه الدلالة على نفي الباس وعدم العقوبة على ارتكاب ما لا يعلم حرمته ( وأورد ) عليه الشيخ قده بان الباء في قوله (ع) بجهالة ظاهر في السببية للارتكاب فيختص بالغافل والجاهل المركب ولا يشمل الجاهل البسيط المحتمل لكون فعله صوابا أو خطأ ، ثم أيده باحتياجه إلى التخصيص بالنسبة إلى الجاهل المقصر بناء على التعميم بخلافه على التخصيص بالغافل محضا والجاهل المركب المعتقد لكون فعله صوابا لا غيره ( وفيه ) ان الالتزام بالتخصيص مما لابد منه على اي حال للزوم خراج الجاهل المقصر وان كان معتقدا بالخلاف ولعل امره بالتأمل إشارة إلى ذلك ( واما ما افاده ) في وجه التخصيص بالجاهل المركب والغافل بكونه مقتضى ظهور الباء في السببية ( ففيه ) انه كذلك في الجهل البسيط أيضا لكونه هو السبب في الارتكاب بمقتضى حكم عقله بقبح العقاب بلا بيان ( ودعوى ) ان الباء ظاهر في السببية بلا واسطة فلا يشمل الجهل البسيط ( لان ) سببيته للارتكاب انما هو بتوسيط حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان كما ترى ( نعم ) لو كان المراد بالجهالة هو الجهل بمطلق الوظيفة الفعلية ، يشكل التمسك به على المطلوب لورود أدلة الاحتياط حينئذ عليه ( ومنها ) قوله (ع) ان الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرفهم اي آتاهم من الاحكام وأوصلها إليهم ( حيث ) يدل على نفي العقوبة على مخالفة الاحكام المجهولة غير الواصلة إلى المكلف

٢٣٠

ولو من جهة اخفاء الظالمين وفيه انه لا يقاوم أدلة الاحتياط لأنها على تقدير تماميتها تكون واردة عليه حيث يكون الاحتجاج والمؤاخذة على الواقع من قبل ما اوتى وهو جعل ايجاب الاحتياط ( الا ) ان يدعى ظهوره في إيتاء الاحكام الواقعية بعناوينها الأولية ومعرفتها كذلك فيعارض حينئذ ما دل على وجوب الاحتياط.

( ومنها ) قوله (ع) ، كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى ( وقد ) جعل الشيخ قده هذه الرواية أظهر ما في الباب في الدلالة على المطلوب ( وهو ) كما افاده بناء على كون المراد من النهى الواقعي المتعلق بالشيء بعنوانه الأولى كما هو ظاهر ، ومن الورود وصوله إلى المكلف لا مجرد صدوره واقعا فإنه على ذلك يدل على المطلوب بلحاظ ظهور اطلاق الشيء في الترخيص وعدم وجوب الاحتياط عند الجهل بالحرمة ( واما ) بناء على كون المراد من النهى الذي جعل غاية للاطلاق هو مطلق النهى المتعلق بالشيء ولو من حيث كونه مجهول الحكم فلا يتم الاستدلال به للمطلوب من جهة كونه حينئذ مورودا بأدلة الاحتياط ( كما ) لا يتم الاستدلال به أيضا لو كان المراد من الورود هو مجرد صدور النهي واقعا ولو لم يعلم به المكلف ( إذ ) عليه يصير مفاد الرواية خارجا عن مفروض البحث بين الفريقين لان ما لا نهى فيه واقعا لا كلام في أنه لا عقوبة على ارتكابه ولا يجب فيه الاحتياط عند الاخباري ( ولعل ) إلى مثل هذا البيان نظر من استدل بهذه الرواية على كون الأصل في الأشياء الإباحة لا الحظر ( ولكن ) احتمال كون المراد من النهى هو مطلق النهى المتعلق بالشيء ولو بعنوان كونه مجهول الحرمة بعيد جدا عن ظاهر الرواية ( واما احتمال ) كون المراد من الورود هو مجرد ورود النهى واقعا لا وصوله إلى المكلف فغير بعيد عن ظاهر الرواية ( وعليه ) لابد في صحة الاستدلال بها للمطلوب من سد هذا الاحتمال ( والا ) فبدونه لا يستقيم الاستدلال بها في قبال الأخباريين ( واما ) توهم بعد الاحتمال المزبور في نفسه لأوله إلى توضيح الواضح لكون مفاده حينئذ ان ما لم يرد فيه نهى لا نهى فيه ومثله مما يبعد جدا عن مساق الرواية الظاهرة في مقام التوسعة على العباد ( فيتعين ) الاحتمال الأول ويتم معه الاستدلال بها على المطلوب ( فمدفوع ) بمنع أوله إلى توضيح الواضح فان مفادها حينئذ انما هو نفي الحرمة الفعلية في الشيء قبل ورود النهى

٢٣١

عنه ولو مع وجدانه لمقتضيات الحرمة من المفاسد ، ومن المعلوم ان بيان هذه الجهة لا يكون من قبيل بيان البديهيات ( والثمرة ) المترتبة عليه انما هو نفي ما يدعيه القائل بالملازمة ، ويترتب عليه عدم جواز الاتيان بالشيء الذي أدرك العقل حسنه بداعي الامر به شرعا وعدم جواز ترك ما أدرك العقل قبحه عن داعي النهى الشرعي لكونه من التشريع المحرم فتدبر.

( ومنها ) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (ع) قال سئلته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له ابدا فقال (ع) أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها فقد يعذر الناس بما هو أعظم من ذلك قلت باي الجهالتين اعذر بجهالة ان ذلك تحرم عليه أم بجهالة انها في العدة قال (ع) إحدى الجهالتين أهون من الأخرى الجهالة بان الله تعالى حرم عليه ذلك وذلك لأنه لا يقدر معه على الاحتياط قلت فهو في الأخرى معذور قال (ع) نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يزوجها ( وتقريب ) الدلالة انما هو من جهة قوله (ع) فقد يعذر الناس بما هو أعظم حيث دل على معذورية الجاهل من جهة العقوبة عند الجهل وعدم العلم بالواقع الشامل باطلاقه للمعذورية عن العقوبة والنكال الأخروي « ولكن » فيه ان الظاهر من الجهالة في هذه الفقرة بقرينة التعليل بعدم القدرة على الاحتياط انما هي الغفلة عن أن الله تعالى حرم عليه ذلك دون الشاك الملتفت ( فأنه ) مضافا إلى بعد ذلك في نفسه مع اشتهار الحكم بين المسلمين وعدم خفائه على أحد ممن كان نشؤه في الاسلام ( لا يستقيم ) تعليله بعدم القدرة على الاحتياط ، لوضوح قدرة الجاهل الملتفت بالحرمة على الاحتياط ( وهذا بخلاف ) الغافل عن الحكم الشرعي فإنه في ظرف غفلته لا يقدر على الاحتياط ، فيصح فيه التعليل المزبور ( بل لو فرض ) ظهور لفظ الجهالة في الشك والترديد لابد من صرفه عن ظهوره وحمله بقرينة التعليل المزبور على الغفلة « وعليه » يخرج مفروض الرواية عن مورد البحث في المقام فلا يستقيم الاستدلال بها للمطلوب لا في الشبهات الحكمية ولا في الشبهات الموضوعية من غير فرق بين صور الشك وأنحائه « وتوضيحه » ان الشك في الحرمة في مفروض المسألة يكون من جهات « تارة » من جهة الشك في أصل تشريع العدة على المرأة المطلقة أو المتوفى

٢٣٢

عنها زوجها في الشريعة ، وأخرى من جهة الشك في مقدارها مع العلم بتشريع العدة عليها في الجملة ، وثالثة من جهة الشك في انقضائها بعد العلم بتشريع العدة ومقدارها ، ورابعة من جهة الشك في كونه عدة وفاة أو طلاق ، وخامسة من جهة الشك في أصل تكليفها بضرب العدة من جهة جهله بكونها معقوده للغير ( وعلى جميع المقادير ) لا ينتهى الامر فيها إلى البراءة أو الاشتغال ، لأصالة عدم حل النكاح وعدم تأثير العقد كما في الصورة الأولى والاستصحاب المثبت لبقاء العدة في الصورة الثانية والثالثة والرابعة ( أو الاستصحاب ) النافي لوجوب العدة عليها بنفي كونها معقودة للغير كما في الصورة الأخيرة ثم انه على ما ذكرنا يبقى اشكال في الرواية من حيث التفكيك فيها بين الجهالتين من جهة القدرة على الاحتياط وعدمها ان يقال ان المراد من الجهالة في قوله (ع) فقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك أن كان هي الغفلة فلا وجه لتخصيص التعليل بعدم القدرة على الاحتياط بالجاهل بالحكم لان الجاهل بالعدة أيضا إذا كان غافلا لا يقدر على الاحتياط ( وان كان ) المراد الجهل البسيط ( فلا ) يستقيم التعليل المزبور ( لان ) الجاهل بالحكم كالجاهل بالعدة يكون قادرا على الاحتياط ( وبالجملة ) لا فرق بين الجهل بالحرمة وبين الجهل بالعدة ( فإنه ) بمعنى الشك والترديد كان قادرا على الاحتياط في الصورتين ، وبمعنى الغفلة لا يكون قادرا على الاحتياط في الصورتين ( ويمكن ) دفع ذلك بان المراد بالجهالة في الموضعين انما هو مطلق الجهل الشامل للغافل والشاك في قبال العالم ( ولكن ) تخصيص الأولى بالغفلة انما هو لبعد تصور الجهل بالحرمة مع الالتفات إليها ممن كان نشؤه في الاسلام بعد اشتهار حرمة تزويج المعتدة بين المسلمين وصيرورتها من الضروريات غير الخفية على الملتفت إليها والى موضوعها ( إذ حينئذ ) لا يتصور الجهل بالحرمة الا من جهة الغفلة عنها ( بخلاف ) الجهل بكونها في العدة ( فإنه ) بعكس ذلك لان الغالب هو التفات المكلف إليها عند إرادة التزويج بحيث قلما ينفك إرادة التزويج عن الالتفات إلى كونها في العدة ( وبذلك ) يستقيم تخصيص الأولى بعدم القدرة على الاحتياط دون الثانية حيث كان النظر إلى ما هو الغالب في الجهل المتصور في الموردين ( من غير ) ان يلزم منه تفكيكا بين الجهالتين بإرادة الغافل من إحديهما والملتفت من الأخرى فان

٢٣٣

الاختلاف المزبور انما نشاء من جهة اقتضاء خصوصية الموردين والا فما أريد من الجهالة في الموردين الا المعنى العام الشامل للغفلة والشك.

( ومنها ) قوله (ع) في صحيحة عبد الله بن سنان ، كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه ( بتقريب ) دلالتها على أن كل فعل قابل لان يتصف بالحلية والحرمة فهو حلال حتى تعرف حرمته ( وفيه ) ان ظاهر قوله (ع) كل شيء فيه انما هو كون الشيء منقسما إليهما فعلا بمعنى وجود القسمين فيه بالفعل لا تردده بين كونه حلالا أو حراما ( وهذا ) لا يتصور في الشبهات الحكمية فان القسمة فيها ليست فعلية وانما هي فرضية محضة حيث إنه ليس فيها الا احتمال الحل والحرمة كما في شرب التتن المشكوك حليته وحرمته وكذا لحم الحمير ونحوه ( فيختص ) بالشبهات الموضوعية التي كان الشك فيها في الحل والحرمة من جهة الشك في انطباق ما هو الحرام على المشتبه كما يؤيده ظاهر كلمة منه وبعينه أيضا ( إذ ) فيها يصح الانقسام الفعلي كما في اللحم المطروح المشكوك كونه من المذكى أو الميتة ، فان اللحم قسم منه حرام بالفعل وهو الميتة وقسم منه حلال وهو المذكي فإذا اشتبه الحال ولا يعلم أن المشكوك من اي القسمين يحكم عليه بالحلية إلى أن يعلم كونه من القسم الحرام ( فتكون ) هذه الرواية مساوقة لرواية عبد الله بن سنان عن أبي جعفر (ع) الواردة في السؤال عن حكم الجبن قال سئلت أبا جعفر (ع) عن الجبن فقال (ع) سئلتني عن طعام يعجبني ثم اعطى الغلام درهما فقال يا غلام ابتع لنا جبنا ثم دعى بالغذاء فتغذينا واتى الجبن فأكلنا فلما فرغنا قلت ما تقول في الجبن قال أو لم ترني آكله قلت أحب ان أسمعه منك فقال (ع) سأخبرك عن الجبن وغيره كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه ( فان ) المنساق منها أيضا بقرينة المورد هو الاختصاص بالشبهات الموضوعية هذا ( ولكن يمكن ) ان يقال بشمول الرواية للشبهات الحكمية نظرا إلى امكان فرض الانقسام الفعلي فيها أيضا كما في كلي اللحم ( فان ) فيه قسمان معلومان حلال وهو لحم الغنم وحرام وهو لحم الأرنب وقسم ثالث مشتبه وهو لحم الحمير لا يدرى بأنه محكوم بالحلية أو الحرمة ومنشأ الاشتباه فيه هو وجود القسمين المعلومين فيقال بمقتضى عموم الرواية انه حلال حتى تعلم حرمته

٢٣٤

( بل يمكن ) فرضه في لحم الغنم أيضا بالإضافة إلى اجزائه ، فإنه مما يوجد فيه قسمان معلومان ( وقسم ثالث ) مشتبه كالقلب مثلا فلا يدري انه داخل في الحلال منه أو الحرام فيقال انه حلال حتى يعلم كونه من القسم الحرام ويخرج بذلك عن دائرة المشتبهات المحكوم فيها بالحلية ، وبعد شمول العموم المزبور لمثل هذا المشتبه الذي يوجد في نوعه القسمان المعلومان ، يتعدى إلى غيره بعدم القول بالفصل.

( ومنها ) قوله (ع) كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام ( ودلالتها ) على المطلوب ظاهرة لو كانت هي غير رواية مسعدة بن صدقه لخلوها عن الاشكالات المتقدمة في الرواية السابقة ( والا ) فعلى تقدير كونها هي تلك الرواية ، فيشكل الاستدلال بها للمطلوب في الشبهات الحكمية ( حيث ) انها بملاحظة تطبيقها على ما في ذيلها من الأمثلة بقوله (ع) وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعله سرقة أو العبد يكون عندك ولعله قد باع نفسه الخ تكون ( ظاهرة ) في الاختصاص بالشبهات الموضوعية ولا أقل من كون مثلها هو المتيقن في مقام التخاطب المانع عن ظهور الصدر في العموم للشبهات الحكمية ( وعليه ) تكون هذه الرواية نظير الرواية المتقدمة بل أسوء حالا منها في الدلالة على المطلوب ( ولكن ) الذي يقتضيه ظاهر كلام شيخنا العلامة الأنصاري قده في المقام بل وصراحته في الشبهة الموضوعية التحريمة هو ان هذه الرواية غير رواية مسعدة المذيلة بالأمثلة المذكورة ( نعم ) نحن لم نظفر بها فيما تفحصنا عنه في كتب الاخبار الموجودة عندنا ، وظني والله العالم انها مضمون ما رواه في الكافي بسنده عن أبان بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله (ع) في الجبن قال (ع) كل شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة ( وكيف كان ) قد يورد على رواية المسعدة اشكال آخر من جهة تطيق كبرى الحلية على الأمثلة المذكورة في الذيل الجارية فيها الأصول الموضوعية واليد والسوق الحاكمة كلها على الكبرى المزبورة ( ولكن ) يمكن دفعه بأنه يتجه ذلك إذا كان الصدر انشاء للحلية في الأمثلة المزبورة بعنوان كونها مشكوك الحرمة ( والا فبناء ) على كونه حاكيا عن انشاءات الحلية في الموارد المزبورة بعنوانات مختلفة من نحو اليد والسوق والاستصحاب ونحوها من العناوين التي منها عنوان مشكوك الحل والحرمة ( فلا )

٢٣٥

يرد اشكال ، إذ المقصود حينئذ بيان عدم الاعتناء بالشك في الحرمة في هذه الموارد لمكان جعل الحلية الظاهرية فيها بعنوانات مختلفة غير أنه جمع الكل ببيان واحد ( لا ان ) ، المقصود هو انشاء الحلية في الموارد المزبورة بعنوان قاعدة الحلية فتدبر هذه جملة ما استدل به من الاخبار على البراءة وعدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه في الشبهات ولقد عرفت ظهور بعضها في الدلالة على ذلك بحيث لو فرض تمامية الاخبار الآتية للقول بالاحتياط وقعت المعارضة بينهما.

( واما الاجماع ) فتقريره ، تارة باجماع العلماء كافة على أن الحكم فيما لم يرد فيه دليل عقلي أو نقلي على تحريمه من حيث إنه مجهول الحكم هي البراءة ، وأخرى باجماعهم على عدم وجوب الاحتياط فيما لم يرد دليل معتبر على حرمته من حيث هو ( ولا يخفى ما في كلا التقريرين ، فان الأول غير نافع لكونه مساوقا لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان المسلم عند الاخباري أيضا ( واما الثاني ) فهو أيضا غير تام مع مخالفة الأخباريين وذهابهم إلى وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمة الحكمية ( مضافا ) إلى عدم كشف مثله في المقام عن رأى المعصوم (ع) ولا عن وجود دليل معتبر غير واصل إلينا ، فإنه من المحتمل كون منشأ اتفاقهم سائر الأدلة كما يظهر من كلماتهم ( نعم ) لو فرض مفروغية أصل الحكم عند المجمعين بان كان تمسكهم ببعض الأدلة من قبيل بيان نكتة الشيء بعد وقوعه بحيث لو لم تتم تلك الأدلة لزالوا باقين على حكمهم بالبرائة « كان » للاستدلال به مجال واسع ، ولكن الشأن في ثبوت ذلك ولا أقل من الشك فلا يتم الاستدلال به للمطلوب.

( واما العقل ) فحكمه بالبرائة لقبح العقاب بلا بيان واصل إلى المكلف مما لا يكاد لا يخفى ( الا ) انك عرفت عدم الجدوى للتشبث بهذه الكبرى في محل النزاع لان أصل الكبرى مسلمة عند الفريقين ولا نزاع فيها بينهم وانما النزاع بين المجتهدين والأخباريين في صغراها حيث يدعى الأخباريين منع الصغرى باثبات بيانية أدلة الاحتياط من العلم الاجمالي والاخبار ( نعم ) لو اغمض عن ذلك لا يرد عليها ما توهم من معارضتها مع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل بل ورود القاعدة الثانية على الأولى ، بدعوى انها بيان عقلي فيرتفع بها موضوع حكم العقل بالقبح ( لوضوح ) انه مع جريان القاعدة الأولى يقطع بعدم العقوبة والضرر في المشتبه

٢٣٦

فلا يحتمل الضرر فيها حتى تجرى القاعدة الثانية ( ولا مجال ) لدعوى العكس بتوهم ان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلي فلا موضوع لقاعدة القبح مع جريان قاعدة دفع الضرر ( إذ نقول ) ان حكم العقل بالوجوب انما هو فرع وجود موضوعه وهو احتمال الضرر في الرتبة السابقة ، والا فمن المستحيل تحقق الموضوع من قبل حكمه ، وتحقق احتمال الضرر فرع ابطال قاعدة القبح في المرتبة السابقة عن الوجوب المزبور ( فلو أريد ) حينئذ ابطال قاعدة قبح العقاب بمثل هذا الوجوب المتفرع على احتمال الضرر يلزم الدور ( وببيان ) أوضح ان البيان الذي ينشأ منه احتمال الضرر لابد من كونه في الرتبة السابقة على الاحتمال المزبور كما هو شأن كل علة بالقياس إلى معلوله ، وبعد عدم امكان نشو الاحتمال المزبور عن مثل هذا الوجوب المتفرع على الاحتمال المزبور ، لابد في تحقق هذا الاحتمال من فرض وجود بيان آخر غير هذا الوجوب حتى ينشأ منه احتمال الضرر على المخالفة فيترتب عليه هذا الوجوب العقلي ، والا فبدونه تجرى قاعدة القبح ويقطع معها بعدم العقوبة والضرر ( ولما ) كان المفروض عدم وجود بيان آخر غير هذا الوجوب العقلي ، ففي الرتبة السابقة عنه التي هي ظرف اللابيان تجرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيقطع بعدم العقاب على ارتكاب المشتبه ومعه لا يبقى موضوع لقاعدة دفع الضرر المحتمل ( الا ) بانكار حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بادعاء ان مجرد احتمال التكليف حتى في ظرف اللابيان ملازم لاحتمال العقاب على المخالفة ( وهذا ) كما ترى فإنه مضافا إلى بطلانه في نفسه ينافي دعوى ورود قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل على تلك الكبرى العقلية ، فإنها تقتضي تسليم كبرى قبح العقاب بلا بيان في نفسها ، ولازمه الاعتراف بعدم العقوبة والضرر في ظرف اللابيان على التكليف الواقعي لا المنع عن حكم العقل بالقبح ( هذا كله ) لو أريد العقوبة ( واما لو أريد ) به المصالح والمفاسد التي تكون مناطات الاحكام فعليه وان كان احتمال التكليف مستتبعا لاحتمال المفسدة في مخالفته بناء على ما هو التحقيق من تبعية الاحكام لملاكات في متعلقاتها ولا يرتفع الاحتمال بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ( ولكنه ) تمنع كون مجرد فوات المصلحة أو الوقوع في المفسدة ضررا يحكم العقل بوجوب دفعه ، فان الضرر عند العقلاء عبارة عن النقصان الوارد على النفس والبدن والمال ، ومطلق

٢٣٧

المفسدة لا يكون نقصانا في العمر أو البدن والمال ( وعلى فرض ) تسليم حكم العقل بوجوب التحرز عن مثله يمنع كونه حكما مولويا يستتبع القبح واللوم ، بل هو ارشاد محض للتخلص عن الوقوع في المفسدة المحتملة نظير أوامر الطبيب ونواهيه ( ومع تسليم ) مولويته نفسيا أو طريقيا يمنع استتباعه للحكم الشرعي في صورة القطع بالمفسدة فضلا عن فرض احتمالها ، فان ذلك مبني على تمامية الملازمة بين حكم العقل بالحسن والقبح وحكم الشرع بالوجوب والحرمة وهو في محل المنع لعدم كون مجرد تحقق المناط في الشيء علة تامة للتكليف به شرعا لاحتياجه إلى أمور اخر من فقد الموانع والمزاحمات الواقعية التي لا سبيل للعقل إلى دركها ( ومع الغض ) عن ذلك نقول انه يتم ذا إذا لم تكن المفسدة متداركة ، والا فلا حكم للعقل في مطلق الضرر والمفسدة ، كيف ولازمه هو عدم جريان البراءة في الشبهات الموضوعية أيضا لتحقق المناط المزبور فيها وهو كما ترى لا يلتزم به القائل المزبور ، فلابد فيها من الالتزام ، اما بعدم وجوب دفع المفسدة المحتملة ، أو الالتزام بتخصيص الوجوب الضرر بالضرر غير المتدارك فبكلما يوجه ذلك يقال بمثله في الشبهات الحكمية أيضا ( حيث ) أمكن فيها دعوى الجزم بتدارك المفسدة على تقدير تحققها بمقتضى الأدلة المرخصة ، إذ يستكشف من اطلاقها جبران المفسدة المحتملة وتداركها على تقدير تحققها واقعا ، وبذلك لا يبقى موضوع للقاعدة المزبورة.

( ثم إن السيد أبو المكارم قده ) استدل في الغنية للبرائة بان التكليف بما لا طريق إلى العلم به تكليف بما لا يطاق ( والظاهر ) ان المراد به كما استظهره الشيخ قده هو الاتيان بالعمل على وجه الإطاعة والامتثال بحيث كان الامر هو الداعي إلى اتيان العمل ، لا مجرد صدور العمل في الخارج كيفما اتفق ، والا فلا يكون ذلك مما لا يطاق بمجرد عدم العلم بالتكليف به ( وبيان ذلك ) ان الغرض من الامر المولوي لما كان هو داعوية الامر ومحركيته لايجاد العمل ولو بتوسيط حكم العقل بلزوم الإطاعة ، فلا جرم في مقام توجيه التكليف يحتاج إلى ايصال الخطاب إلى المكلف ليتمكن من اتيان المأمور به على وجه الإطاعة والامتثال ، والا فبدونه يستحيل توجيه التكليف الفعلي إلى المكلف بايجاد العمل لعدم تمكنه حينئذ من الايجاد عن دعوة الامر وعدم ترتب ما هو الغرض من الامر والخطاب

٢٣٨

وهي الدعوة ( وتوهم ) كفاية مطلق ايجاد الفعل ولو عن دعوة شهوة المكلف في الغرض من التكليف به ، مندفع بأنه من المستحيل كون الغرض من التكليف بشيء مطلق وجوده ولو عن غير دعوته حتى في التوصليات وان سقط التكليف فيها بمجرد الفعل أو الترك كيفما اتفق « كاندفاع » توهم كفاية مجرد الاتيان بالعمل عند الشك انقيادا بداعي احتمال المطلوبية في التكليف به « إذ نقول » ان مجرد احتمال المطلوبية ان كان كافيا بحكم العقل في لزوم العمل اغنى ذلك عن التكليف بايجاده وان لم يكن ذلك كافيا بحكم العقل فمضافا إلى أنه لا ينفع التكليف بالشكوك حينئذ في حصول الغرض المزبور « يتوجه عليه » بأنه تكليف بما لا يطاق هذا غاية ما قيل أو يمكن ان يقال في توجيه كلامه قده ( ولكن نقول ) ان ذلك انما يتم إذا كان الغرض من الامر والتكليف في الخطابات هي الداعوية والمحركية الفعلية « وليس كذلك » بل نقول ان الغرض من الامر انما هي الداعوية الشائنية والمحركية الاقتضائية على نحو تكون فعليتها في ظرف قابلية المكلف للانبعاث الملازم لعلمه بالامر والخطاب ، وبعد وضوح اجتماع هذا المرتبة من الدعوة مع الجهل المأمور بالخطاب أمكن الالتزام بفعلية التكاليف في حق الجاهل من غير أن يلزم منه محذور التكليف بما لا يطاق ولا نعنى من التكليف الفعلي المشترك بين العالم والجاهل الا الفعلي من قبل الخطاب بالمعنى الذي عرفت لا الفعلي على الاطلاق « نعم » لا يكفي هذا المقدار في تنجيز الواقع على المكلف وصحة المؤاخذة على المخالفة ، بل يحتاج إلى ايصال البيان إلى المكلف ليتم عليه الحجة ولو كان ذلك بجعل ايجاب الاحتياط.

( وقد يستدل ) للبرائة أيضا بالاستصحاب « وتقريبه » من وجوه تارة باستصحاب عدم التكليف بالمشكوك وعدم المنع الواقعي الثابت قبل البلوغ وأخرى باستصحاب البراءة وعدم الاشتغال بالتكليف به ، وثالثة باستصحاب عدم استحقاق العقوبة والمؤاخذة على ارتكاب المشتبه قبل البلوغ « اما التقريب الثاني والثالث » فالظاهر أنه لا سبيل إلى دعواه من جهة اختلال أحد ركنية وهو الشك على كل تقدير ، لوضوح انه لا يخلو اما ان يكون في البين بيان على التكليف المشكوك ، واما لا وعلى التقديرين لا شك في الاشتغال وفى استحقاق العقوبة ( فإنه على الأول ) يقطع بالاشتغال وباستحقاق العقوبة ( وعلى الثاني ) يقطع بالعدم فلا شك على

٢٣٩

التقديرين حتى ينتهى الامر إلى الاستصحاب ( وعلى فرض ) وجود الشك لا مجال أيضا للاستصحاب ( إذ ) بعد ما لم يكن شأن الاستصحاب رفع الشك عن المتيقن السابق كان الشك في العقوبة وبرائة الذمة على حاله حتى في ظرف جريان الاستصحاب فيلزمه بمقتضى قاعدة دفع الضرر المحتمل التوقف والاحتياط ( وببيان ) آخر ان كانت نتيجة الاستصحاب المزبور هو القطع بالترخيص والامن من العقوبة في ظرف الشك بها يلزمه بمقتضى المضادة بين القطع بالأمن والشك في العقوبة ارتفاع الشك المزبور بنفس جريان الاستصحاب ، وهو كما ترى من المستحيل ، لاستحالة كون الحكم رافعا لموضوعه وان لم يقتض الاستصحاب القطع بالترخيص والامن من العقوبة بان كان الشك في العقوبة وبرائة الذمة على حاله في ظرف جريانه ، فلا فائدة في الاستصحاب المزبور ، لأنه مع الشك في العقوبة وعدم بقاء المستصحب يحكم العقل بلزوم تحصيل القطع ببرائة الذمة والقطع بالمؤمن وبدونه لابد بمقتضى قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل من التوقف والاحتياط بترك ما يحتمل الحرمة وفعل ما يحتمل الوجوب فتأمل ( نعم لو اغمض ) عما ذكرنا لا يرد عليه اشكال كون المستصحب من الاحكام العقلية ( إذ يمكن ) دفعه بما تقدم في حديث الرفع من كفاية كونه بمنشئه شرعيا في شمول دليل التعبد لمثله ( فان للشارع ) حينئذ رفع الاستحقاق المزبور بتوسيط منشئه وهو الاذن والترخيص في الارتكاب وعدم ايجابه للاحتياط ( واما التقريب الأول ) فالظاهر أنه لا قصور في استصحابه حيث لا يرد عليه اشكال حتى الاشكال الوارد على الوجهين الأخيرين ، إذ لم يؤخذ في موضوعه على هذا التقريب احتمال العقوبة حتى ينافي الترخيص الظاهري من قبل الاستصحاب وانما المأخوذ فيه هو مجرد احتمال التكليف والمنع الواقعي وهو يلائم القطع بالترخيص الظاهري ( واما الاشكال ) عليه بان عدم المنع عن الفعل لا يكون من الأمور المجعولة حتى يجرى فيه استصحابه ( فمندفع ) بما مر منا مرارا من كفاية مجرد كون الشيء مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع في مجعوليته « ولا ريب » في أن للشارع ابقاء عدم المنع السابق على حاله كما كان له رفعه باحداث المنع عنه فإذا حكم الشارع بمقتضى الاستصحاب ببقاء عدم المنع السابق ظاهر يترتب عليه جميع لوازمه التي منها الاذن في الارتكاب وعدم استحقاق العقوبة ، لأنها من اللوازم العقلية المترتبة على الأعم من الواقع

٢٤٠