نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

وتنزيله منزلته بدون استكشاف الامر بالمعاملة معه معاملة العلم لا يكون ملزما عقليا بالعمل ، ومعه يكون تمام الملزم العقلي بالعمل هو الامر الطريقي المستكشف منه وهو الموجب أيضا لقيام الظن مقام العلم لا جهة تتميم كشفه كما هو الشأن أيضا لو قلنا في مفاد أدلة الامارات بكونه مجرد التعبد بكون المؤدي هو الواقع بلا تتميم كشف فيه « وما ربما يقال » في توجيه جعل الطريقية والمحرزية في الامارات من أن المقصود به امضاء الشارع لما عليه سيرة العقلاء في موارد الامارات من الاعتماد عليها بما انها كواشف تامة وكونها علوما عادية عندهم من جهة غفلتهم عن احتمال الخلاف وان التفتوا إليه بعد التأمل والتدبر ، لا ان المقصود من ذلك جعل الشارع الطريقية والكاشفية التامة للظن تأسيسا بحيث يتحقق بجعله مصداق المحرز التام ، كي يتوجه الاشكال المتقدم من أنه من المستحيل تعلق الجعل التشريعي بما هو من قبيل الأمور التكوينية ( فمدفوع ) بمنع كون اعتماد العقلاء على الطرق والامارات من باب حصول العلم العادي ، لما يرى منهم بالعيان والوجدان من الاعتماد عليها حتى مع الالتفات ، بل ومع الظن بالخلاف أيضا كما في الظنون النوعية كظواهر الألفاظ المصرح في كلماتهم بان حجيتها انما هي من باب الظن النوعي الذي لا ينافيه الظن الشخصي بالخلاف ، لا من جهة إفادة الظن الشخصي فضلا عن كونها من باب الاطمينان أو العلم العادي ، وحينئذ فلابد وأن يكون ذلك منهم من باب البناء والتنزيل بلحاظ بنائهم على العمل بها فيكون مرجع امضاء الشارع للتنزيل المزبور إلى ايجاب معاملة العلم معها فينتهى بالأجرة إلى الحكم التكليفي ( وعليه ) فلا يكاد ينتج مثل هذه العنايات تفاوتا بين الامارات والأصول في جهة قيامها مقام العلم ( نعم ) انما يثمر مثل هذه الألسنة في مقام تقديم الامارات على الأصول وتحكيم الأصول بعضها على بعض ، حيث إنه بناء على تتميم الكشف في الامارات يكون تقديمها على مثل الاستصحاب ودليل الحلية والطهارة بمناط الحكومة بلحاظ اقتضائها بالعناية المزبورة لحصول المعرفة التي هي الغاية فيها بخلاف مسلك جعل المؤدى ، إذ عليه لا مجال لتقديمها عليها بمناط الحكومة لعدم اقتضائها حينئذ لاثبات العلم بالواقع الحقيقي لا وجدانا ولا عناية ، وانما غايته اقتضائه للعلم الوجداني بالواقع التعبدي وبعد كون الغاية في الأصول هو العلم بالواقع الحقيقي يحتاج في

٢١

قيام هذا العلم مقام العلم بالواقع الحقيقي إلى دليل آخر ، والا فلا يفي به مجرد التعبد بكون المؤدى هو الواقع ، ومن اجل ذلك التزم صاحب هذا المسلك بتقديم الامارات على الأصول بمناط اخر غير الحكومة كما سنذكره ( ولكن ) مثل هذه الجهة غير مرتبطة بجهة قيامها مقام القطع كما هو واضح ( ثم انه ) بالتأمل فيما ذكرنا يظهر لك الحال في الأصول المحرزة أيضا كالاستصحاب وانه لا يفرق فيها في جهة قيامها مقام القطع بين رجوع التنزيل فيها إلى اليقين أو المتقين لرجوعه على كل تقدير إلى ايجاب المعاملة وترتيب آثار الواقع عملا ( واما الأصول ) الغير المحرزة كايجاب لاحتياط فهي أيضا باعتبار مبرزيتها للإرادة الواقعية في ظرف الشك تقوم مقام القطع ، غير أن قيامها مقامه في جهة التنجيز لا في ترتيب آثار الواقع لعدم تكفل مثلها لاثبات الواقع ، ولا لاثبات العلم به ولو عناية وادعاء ، كما أنه بما ذكرنا ظهر أيضا عدم استلزام القول بجعل المؤدى في الامارات للتصويب وشبهه كما توهم لان ذلك لو سلم لزومه فإنما هو في فرض حكاية الجعل والا نشأ الظاهري عن إرادة أخرى قبال الإرادة الواقعية ، والا فبناء على حكايته في ظرف الجهل عن الإرادة الواقعية كما شرحناه فلا يبقى مجال لهذا الاشكال على من يقول بجعل المؤدي « وظهر أيضا » وجه حكومة الامارات والأصول المحرزة على الاحكام الواقعية ، وانه من باب الحكومة الظاهرية بلحاظ اقتضاء الامارة أو الأصل المحرز بمعونة دليل الاعتبار لتوسعة الواقع وايصاله عناية في الظاهر وفي ظرف الشك بالتكليف الواقعي ، حيث إنه بهذه العناية تكون حكومتها ظاهرية ، لا واقعية موجبة للتوسعة الحقيقية في موضوع الحكم « وفي ذلك » لا يفرق بين كون نتيجة الجعل تتميم الكشف ، أو تنزيل المؤدى ، وان كان في الحكومة على عناية تتميم الكشف نحو خفاء باعتبار ان مقتضى العناية المزبورة انما هي التوسعة في العلم الموجبة لحكومتها على أدلة الأصول كالاستصحاب ودليلي الحلية والطهارة ، لا التعبد بثبوت الحكم الواقعي ، ولكنه يرتفع هذا الظلام بما ذكرناه سابقا من رجوعه لبا إلى جعل حكم ظاهري في البين « ثم إن » ذلك على ما اخترناه في الامارات والا فعلى ما أفاده بعض الأعاظم قده من مجعولية نفس الاحراز والطريقية فيها ، بلا استتباعه لحكم شرعي ظاهري ، ولا تصرف في

٢٢

الواقع ولو بالعناية فلا مجال لحكومتها على الاحكام الواقعية لا بالحكومة الواقعية كما هو ظاهر ، ولا بالحكومة الظاهرية ، لان غاية ما يقتضيه الجعل المزبور انما هو التوسعة في طريق الحكم لا في نفسه ولو عناية وتنزيلا ، ومعه كيف تكون الامارات حاكمة على الاحكام الواقعية بالحكومة الظاهرية بل وان تأملت ترى عدم حكومتها على أدلة الأصول أيضا نظرا إلى أنه بنفس جعل الاحراز والكشف التام يتحقق مصداق المعرفة وجدانا وبذلك تكون الامارات واردة على أدلة الأصول لا حاكمة عليها.

« المقام الثاني » في قيام الامارات والأصول المحرزة مقام القطع الموضوعي « فنقول » قد عرفت ان اخذ القطع في الموضوع ، تارة يكون على نحو الصفتية وأخرى على نحو الطريقية ، وعلى التقديرين ، تارة يكون تمام الموضوع ، وأخرى جزئه وقيده ( فإن كان ) مأخوذا بنحو الصفتية فلا اشكال في أنه لا تقوم مقامه الامارات فضلا عن الأصول « لان » أدلة الامارات ولو على تتميم الكشف انما تكون ناظرة إلى كونها كالعلم في ترتيب اثاره من حيث طريقيته وكاشفيته لا من حيث نوريته وصفتيته ، حيث إن هذه الجهة تحتاج إلى قيام دليل عليها بالخصوص يقتضي تنزيل الظن منزلته من حيث كون نورا وصفة خاصة قبال سائر الصفات النفسانية « والا » فنفس أدلة حجيتها غير وافية باثبات التنزيل من هذه الجهة ، ولكن الذي يسهل الخطب انه لم يوجد في الفقه مورد يكون القطع فيه مأخوذا على نحو الصفتية والأمثلة التي يتوهم كونها في بادي النظر من هذا القبيل كلها بالتأمل في النصوص راجعة إلى دخله من حيث الطريقية والكاشفية ، كباب أداء الشهادة ، والحلف عن بت ، والركعتين الأوليين المعتبر فيهما الاحراز ونحو ذلك فتدبر فيها تجد صدق ما ادعيناه ( واما ان كان القطع ) مأخوذا على نحو الطريقية فتقوم مقامه الامارات على المختار فيها من تتميم الكشف ، واما على القول بتنزيل المؤدى فيها ، ففي قيامها مقام القطع الموضوعي اشكال إذ بعد عدم تكفل دليلها لتتميم كشفها واثبات كونها علما بالواقع ولو عناية وادعاء لا يبقى مجال لقيامها مقامه ( وبهذه الجهة ) أيضا منعنا حكومتها على أدلة الأصول بلحاظ عدم اقتضاء مجرد تنزيل المؤدى والتعبد بكونه هو الواقع لاثبات العلم بالواقع لا وجدانا

٢٣

ولا تعبد أو تنزيلا ( نعم ) نتيجة ذلك انما هو العلم الوجداني بالواقع التعبدي ولكنه بعد تغاير العلمين يحتاج في قيامها مقام العلم الموضوعي إلى توسيط جعل آخر يقتضى تنزيل العلم بالواقع التعبدي منزلة العلم بالواقع الحقيقي ، والا فلا يفي به مجرد جعل المؤدى وتنزيله منزلة الواقع كما هو ظاهر ( وهذا بخلاف ) القول بتتميم الكشف حيث إنه وان لم يحصل بقيام الامارة العلم الوجداني بالواقع ، الا انه باقتضاء دليلها لتتميم كشفها تكون الامارة احرازا تعبديا للواقع فتقوم بهذا الاعتبار مقام العلم الموضوعي ومرجعه حينئذ إلى التوسعة الحقيقية في دائرة موضوع الحكم بجعله عبارة عما يعم العلم الوجداني والتعبدي بالواقع الحقيقي ( وبهذه الجهة ) أيضا تكون حكومتها من باب الحكومة الواقعية الموجبة لتوسعة موضوع الحكم واقعا نظير الطواف بالبيت صلاة ، لا من الحكومة الظاهرية الموجبة لتوسعة الحكم في مرحلة الظاهر وفي ظرف الشك به كما افاده بعض الأعاظم قدس‌سره ( وكذا الامر ) على مسلك جعل المؤدى بناء على قيام الدليل على تنزيل العلم بالواقع الجعلي منزلة العلم بالواقع الحقيقي ، حيث إن حكومتها أيضا واقعية لا ظاهرية ( إذ ) بانتفاء القطع الوجداني بالواقع الحقيقي يقطع بانتفاء الحكم المترتب عليه ( معه ) كيف يكون اثبات اثار القطع بشيء للظن به توسعة لحكمه في الظاهر كي تكون الحكومة ظاهرية ( نعم ) الحكومة الظاهرية كما أسلفنا انما تكون بالنسبة إلى احكام المتعلق التي يكون القطع بالنسبة إليها طريقا محضا ( واما ) بالنسبة إلى احكام نفس القطع وآثاره فالحكومة لا تكون الا واقعية ( ثم إن ) في المقام اشكالا للمحق الخراساني قدس‌سره في أصل قيام الامارات مقام القطع الموضوعي بعد تسليم قيامها مقام القطع الطريقي بتقريب ان قيامها مقام القطع الطريقي يستدعى لحاظ المنزل والمنزل عليه آليا وقيامها مقام القطع الموضوعي يستدعى لحاظهما استقلاليا حيث إن اللحاظ في الحقيقة على الوجه الأول متعلق بالمؤدي والواقع وعلى الثاني بنفس المنزل والمنزل عليه ، وبعد ان لم يكن بينهما جامع ولم يمكن الجمع بينهما في تنزيل واحد لاستلزامه اجتماع اللحاظين المتنافين فلابد ان يكون نظر التنزيل إلى أحد الامرين ، اما إلى المؤدى والواقع واما إلى نفس المنزل والمنزل عليه ومع الدوران المزبور يكون المتعين هو الأول لكونه

٢٤

هو المتيقن من أدلة الاعتبار لظهورها في غير المقام في النظر إلى نفس المؤدى والواقع لا إلى حيث وصول الواقع والعلم به ( ولكنه كما ترى ) إذ نقول ان ما أفيد انما يتم إذا كان التنزيل في موارد الطريقية المحضة متوجها إلى نفس الواقع بلحاظ الحكم الشرعي المترتب عليه ( والا ) فبناء على كون التنزيل فيها راجعا إلى نفس وصول الواقع والعلم به بلحاظ الآثار العملية المترتبة على وصول الواقعيات على ما هو التحقيق من تتميم الكشف فيها ( فلا يرد ) في البين محذور من اطلاق التنزيل ، حيث إنه من الممكن حينئذ كون التنزيل في التعبد بالظن ناظرا إلى جهة وصول الواقع والعلم به بلحاظ مطلق الآثار العملية المترتبة عليه بجعل الظن بشيء كالعلم به في كونه جاريا مجراه في الوصول الراجع إلى الامر بالمعاملة معه معاملة العلم من الحركة والجري العملي على وفقه في اي اثر يقتضيه العلم ، اما بموافقة حكم نفسه ، واما بموافقة متعلقه كما لو كان العلم حاصلا بالوجدان ، وبذلك يقوم الظن مقام العلم بكلا نحويه بلا ورود محذور في البين ، وعدم كون الأثر شرعيا في القطع الطريقي غير ضائر بصحة اطلاق التنزيل لان شرعيته في طرف المنزل كافية في صحة التنزيل وان لم يكن كذلك في طرف المنزل عليه فتدبر.

( هذا كله ) في القطع المأخوذ تمام الموضوع ( اما ) القطع المأخوذ جزء الموضوع ، فحكمه كالمأخوذ تمام الموضوع فتقوم مقامه الامارات على المختار من تتميم الكشف فيها ، حيث إنه بقيام الامارة يتحقق مصداق الاحراز ولو بالعناية فيتحقق كلا جزئي الموضوع المركب من الاحراز والواقع كما لو حصل العلم الوجداني بالواقع ، فيترتب عليها بعد عموم التنزيل اثر الواقع والاحراز بلا احتياج إلى جهة زائدة من احراز آخر للاحراز فكان التنزيل المزبور ينحل إلى تنزيلين أحدهما قائم بذات العلم والاخر بطريقيته للمتعلق الموجب لاختلاف جهة حكومتها أيضا بكونها بالنسبة إلى ما لنفس العلم من الأثر الضمني واقعية وبالنسبة إلى ما للمتعلق ظاهرية ( واما على القول ) بتنزيل المؤدي ففيه الاشكال المتقدم من حيث عدم اقتضاء مثله لاثبات العلم بالواقع لا وجدانا ولا عناية وادعاء لان ما يحصل من التنزيل المزبور انما هو العلم الوجداني بالواقع التعبدي وهو انما يجدى بالنسبة إلى جزء الموضوع فيحتاج جزئه الاخر إلى جعل آخر يقتضي تنزيل

٢٥

العلم بالواقع التعبدي منزلة العلم بالواقع الحقيقي كي يلتئم كلا جزئي الموضوع والا فلا يفي به مجرد تنزيل المؤدي منزلة الواقع ( ودعوى ) الملازمة العرفية بين التنزيلين ( ممنوعة ) جدا حيث لا تلازم بين تنزيل المؤدى منزلة الواقع وتنزيل العلم بالواقع التنزيلي منزلة العلم بالواقع الحقيقي لا عقلا ولا عرفا ومن هنا استشكل فيها في الكفاية أيضا ( نعم ) لو أغمض عن هذه الجهة وقلنا بثبوت الملازمة العرفية بين التنزيلين ( لا يرد ) عليه اشكال الدور بما أفيد في الكفاية من أن تنزيل أحد جزئي الموضوع بلحاظ اثره انما يصح إذا كان جزئه الاخر أيضا محرزا اما بالوجدان أو بتنزيل آخر في عرضه كما لو كان هناك دليل على تنزيل كلا الجزئين بالمطابقة وأما إذا لم يكن كذلك بان كان تنزيل الجزء الاخر من لوازم تنزيل هذا الجزء كما في المقام فلا يكاد يصح التنزيل الا على وجه دائر ، من جهة توقف دلالته على تنزيل المؤدى على دلالته على تنزيل العلم به منزلة العلم بالواقع الحقيقي إذ لولاه لا يكون للمؤدى اثر مصحح لتنزيله ، وتوقف دلالته الالتزامية على تنزيل أحد العلمين منزلة الاخر على تمامية التنزيل المطابقي في طرف المؤدي فيدور ( إذ نقول ) انما يرد اشكال الدور إذا قلنا باحتياج تنزيل الجزء إلى وجود الأثر الفعلي والا فبناء على كفاية الأثر التعليقي للجزء بأنه لو انضم إليه جزئه الاخر لوجب فعلا فلا يرد محذور الدور نظرا إلى صحة تنزيل المؤدى حينئذ بلحاظ اثره التعليقي بلا توقفه على شيء ( وحينئذ ) فالعمدة هو منع الملازمة بين التنزيلين ( هذا كله في الامارات ( واما الأصول المحرزة ) كالاستصحاب فقيامه مقام القطع الموضوعي مبنى على أن التنزيل في لا تنقض ناظر إلى المتيقن أو إلى اليقين ( فعلى الأول ) لا يقوم مقام القطع الموضوعي لعين ما ذكرناه في الامارات ( وعلى الثاني ) يقوم مقام القطع الموضوعي تماما أو جزء نظرا إلى اقتضائه بتلك العناية لاثبات العلم بالواقع ، ومرجعه على ما عرفت إلى ايجاب ترتيب اثار العلم بالواقع في ظرف الشك به ( نعم ) حيث إنه لوحظ في موضوعه الجهل بالواقع والشك فيه يحتاج في قيام مثله مقام القطع الموضوعي إلى استظهار كون موضوع الأثر في الدليل هو صرف انكشاف الواقع محضا بلا نظر إلى نفي الشك فيه ( والا ) فلا مجال لقيام الاستصحاب

٢٦

مقامه نظرا إلى ما عرفت من انحفاظ جهة الشك بالواقع في موضوعه كغيره من الأصول غير أن الفرق بينه وبينها هو تكفل دليله لاثبات اليقين بالواقع في ظرف الشك به بخلاف سائر الأصول حيث لم يكن لأدلتها هذا النظر وبهذه الجهة يكون الاستصحاب جامعا للجهتين ، فمن حيث نظره إلى اثبات اليقين بالواقع يكون مقدما على سائر الأصول ، ومن حيث كون موضوعه الشك بالواقع والجهل به كان مؤخرا عن الامارات الناظر دليلها إلى الغاء احتمال الخلاف وتتميم الكشف محضا وعلى ذلك فلابد في قيامه مقام القطع الموضوعي تماما أو جزء من لحاظ ان الأثر في الدليل مترتب على مجرد العلم بالواقع وانكشافه أو على عدم الشك فيه محضا فيقوم مقامه على الأول دون الثاني ولعله إلى مثل هذه الجهة أيضا نظر المشهور فيما حكى عنهم من عدم جواز الحلف والشهادة تعويلا على الاستصحاب وان كان فيه ما فيه أيضا.

( تذييل ) كلما ذكرنا من الشقوق والصور في القطع يجرى في الظن أيضا من حيث تعلقه تارة بالموضوع وأخرى بالحكم وكونه طريقا محضا تارة وموضوعا أخرى تماما أو جزء وقيدا على نحو الصفتية تارة والطريقية والكاشفية أخرى وفيه أيضا يجرى الاشكال المتقدم سابقا في أصل امكان اخذه تمام الموضوع على نحو الطريقية والكاشفية مع دفعه بما بيناه في القطع ( ويزيد الظن في المقام ) في أن اخذه تمام الموضوع أو جزئه وقيده تارة بما انه حجة شرعية وطريق محرز لمتعلقه وأخرى بما انه ذات الظن واجمال الكلام في هذه الأقسام هو ان الظن إذا كان حجة شرعية فلا اشكال في عدم جواز اخذه موضوعا بالنسبة إلى نفس حكم متعلقه بعين ما ذكرناه في القطع من محذور تقدم الشيء على نفسه الا بنحو نتيجة التقييد على ما فصلناه سابقا من دون فرق بين الظن بنفس الحكم الشرعي والظن بموضوعه ( واما بالنسبة ) إلى حكم آخر غير حكم متعلقه فيجوز اخذه فيه على نحو الصفتية أو الطريقية ما لم يكن مضادا لحكم متعلقه أو مماثلا له كما لو رتب وجوب الحد على شرب مظنون الخمرية أو مظنون الحرمة من دون فرق فيه بين كونه تمام الموضوع وكونه جزئه على اشكال متوهم في الأول تقدم بيانه مع دفعه في القطع ( واما ) لو كان مضادا لحكم متعلقه أو مماثلا له فلا يجوز اخذه في الموضوع تماما أو جزء صفة أو طريقا ( لا ) مرجع حجيته إلى اثبات الواقع في المرتبة المتأخرة

٢٧

عن الظن به فلو حكم الشارع حينئذ في هذه المرتبة بما يضاد الواقع أو يماثله بجعل الظن بالخمر أو بحرمته موضوعا لجواز شربه أو حرمته يلزم اجتماع الضدين أو المثلين في مرتبة واحدة في موضوع واحد ومثله مما يأبى عنه العقل هذا إذا كان الظن حجة وطريقا محرزا لمتعلقه شرعا ( واما ) إذا لم يكن حجة شرعية فلا باس بأخذ صفة أو طريقا موضوعا للحكم وان كان مضادا لحكم متعلقه ( واما ) ما أفيد من استلزامه حينئذ لمحذور اجتماع الضدين ولو في الجملة وفى بعض الموارد ( فيدفعه ) طولية الحكمين الموجب لاختلاف الرتبة بينهما إذ لا محذور حينئذ في اخذه في الموضوع بنفس ذاته بعد عدم حجيته شرعا ( ومن ذلك ) يظهر صحة اخذه أيضا موضوعا لمماثل حكم المتعلق بلا اقتضائه لتأكد الحكمين أيضا كما أفيد ( كيف ) والتأكد يقتضي وحدة الوجود ومع اختلاف الرتبة وطولية الحكمين يستحيل الاتحاد في الوجود ومعه لا يتصور التأكد ( نعم ) انما يلزم ذلك في فرض اخذ عنوان المظنونية بنحو الجهة التقييدية لا بنحو الجهة التعليلية الموجبة لطولية الحكمين ( ومن العجب ) عد مسألة النذر أيضا من باب التأكد مع أنه لا شبهة في أن عنوان المنذورية من الجهات التعليلية للحكم ( هذا كله ) في الظن المأخوذ تمام الموضوع ( واما ) المأخوذ جزء الموضوع ( ففيه ) اشكال منشئه عدم انتهاء الامر بعد عدم حجية الظن المزبور إلى مرحلة احراز جزئه الاخر لا وجدانا ولا تعبدا وتنزيلا ، إذ حينئذ لا تصل النوبة إلى مقام تطبيق كبرى الأثر على المظنون كي يحكم عليه بالوجوب أو الحرمة فيلزم حينئذ لغوية الجعل المزبور فان جعل الحكم لموضوع لا يقدر المكلف على تطبيقه في الخارج لغو محض ( نعم ) لا يجرى هذا الاشكال في الظن الذي هو حجة شرعا لأنه بمقتضى حجيته يكون احرازا لجزئه الاخر بالتعبد بالظن المزبور بمكان من الامكان ( واما الاشكال ) عليه بلزوم الدور من جهة إناطة الظن المزبور في حجيته ومشموليته لدليل الاعتبار بترتب الأثر الشرعي على المظنون وإناطة الأثر في ترتبه وفعليته بقيام الحجة عليه ( فمدفوع ) بما ذكرناه سابقا من كفاية الأثر التعليقي للجزء وهو كونه بحيث لو انضم إليه الطريق الشرعي لوجب أو حرم فعلا ( لان ) مثل هذا المعنى أيضا اثر شرعي وعليه فيرتفع الدور المزبور حيث إن ما أنيط ترتبه على قيام الطريق

٢٨

عليه انما هو فعلية الأثر وما ينوط به الظن في حجيته انما هو الأثر التعليقي الواصل إلى مقام الفعلية بقيام الطريق عليه فتدبر هذا إذا كان المأخوذ في الموضوع تماما أو جزء هو ذات الظن مطلقا ( واما ) إذا كان المأخوذ في الموضوع هو الظن المصادف للواقع أو غير المصادف ففيه أيضا اشكال منشئه عدم امكان تطبيق كبرى الأثر على المورد ( نعم ) في الفرض الثاني يمكن القول بجوازه بلحاظ انتهاء الامر حينئذ إلى العلم الاجمالي بأحد الحكمين فيخرج عن محذور اللغوية لانتهائه بالآخرة إلى مرحلة ترتيب الأثر ، ولكن ذلك أيضا في فرض كون الحكم المترتب على الظن المزبور ملائما مع حكم المظنون أو مماثلا له ( والا ) فمع فرض مضادته له فلا مجال لصحة اخذه في الموضوع لعدم تأثير مثل هذا العلم الاجمالي بعد دوران المعلوم بالاجمال بين المحذورين الراجع إلى التخيير بمقتضى اللابدية العقلية ( واما ) الكلام في قيام غيره مقامه من الطرق الشرعية الغير المفيدة للظن فمجمل القول فيه هو ان الظن ان كان طريقا محضا إلى متعلقه يقوم مقامه العلم الوجداني وسائر الطرق الشرعية والأصول المحرزة ( واما ) ان كان موضوعا فإن كان على نحو الصفتية أو لكونه طريقا ناقصا لخصوصية في نقصه فلا يقوم مقامه العلم الوجداني فضلا عن الطرق الشرعية والأصول التعبدية ( وان كان ) اخذه بلحاظ رجحانه بلا نظر إلى جهة نقصه في الكاشفية ولا إلى جهة كونه صفة فيقوم مقامه العلم الوجداني ولكن لا تقوم مقامه الامارات التعبدية والأصول العملية ولو على القول بتتميم الكشف فيها نظرا إلى عدم اقتضاء دليل التنزيل المثبت لخصوصية العلم لاثبات مطلق الرجحان الا على القول بالمثبت بشهادة عدم اقتضاء استصحاب الفرد والخصوصية لاثبات الكلى والجامع ( فتأمل ) واما لو كان اخذه بلحاظ كونه حجة ومنجزا للواقع فيقوم مقام العلم الوجداني والامارات المعتبرة والأصول العملية حتى مثل ايجاب الاحتياط لكونه منجزا أيضا للواقع وان لم يكن طريقا مثبتا له هذا ولكن الفروض المزبورة أكثرها مجرد فرض ليس لها واقع أصلا.

الجهة الخامسة

لا اشكال في أن من شؤون القطع كونه حجة وقاطعا للعذر مع المصادفة بحيث

٢٩

يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة والمثوبة على الموافقة ( وانما الكلام ) في كونه قاطعا للعذر مطلقا حتى في فرض عدم المصادفة بمحض كونه تجريا على المولى باتيان ما قطع بأنه حرام ومبغوض مثلا أولاً فيه وجوه وأقوال ( منها ) ما ارتضاه الشيخ قدس‌سره من عدم اقتضاء التجري شيئا سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل وخبث باطنه الذي لا يترتب عليه سوى اللوم كالبخل والحسد ونحوهما من الأوصاف المذمومة التي لا يترتب عليها استحقاق العقوبة ما لم تبرز في الخارج مع بقاء العمل المتجرى به على ما هو عليه من المحبوبية قبل تعلق القطع به ( ومنها ) اقتضائه للقبح الفاعلي محضا بمعنى كون الفعل من حيث صدوره من هذا الفاعل قبيحا لا من حيث ذاته الراجع إلى التفكيك في القبح بين ذات الفعل وجهة صدوره مع عدم استحقاق العقوبة عليه بدعوى ان مناط الاستحقاق انما هو القبح الفاعلي المتولد من القبح الفعلي لا المتولد من سوء السريرة وخبث الباطن ومنها اقتضائه لاستحقاق العقوبة على مجرد العزم على العصيان محضا لا على الفعل المتجري به نظرا إلى أن التجري كالتشريع من المحرمات الجنانية لا الجوارحية ( ومنها ) اقتضائه لكون الفعل المتجرى به قبيحا ومعاقبا عليه من جهة انطباق عنوان الطغيان عليه مع بقاء ذات العمل على ما هو عليه في الواقع ، بلا استتباعه لحرمته شرعا بهذا العنوان الطاري ( ومنها ) اقتضائه زايدا على ذلك لصيرورة العمل بهذا العنوان الطارئ عليه محرما شرعيا لكن لا مطلقا بل في بعض الموارد كما هو مختار الفصول قدس‌سره نظرا إلى دعوى مزاحمة الجهات الواقعية مع الجهات الظاهرية الناشئ من منع كون قبح التجري ذاتيا وأنه يكون بالوجوه والاعتبار ( ومنها ) اقتضائه لكون حراما شرعيا على الاطلاق لكون قبح التجري ذاتيا وعدم صلاحية الجهات الواقعية للمزاحمة مع مفسدته بلحاظ كونه طغيانا على المولى وظلما له ( فهذه ) وجوه ستة في المسألة والذي يقتضيه التحقيق هو الوجه الرابع توضيح المرام في المقام يقتضي بسط الكلام في مقامين.

اما المقام الأول فنقول لا ينبغي الارتياب في حكم العقل بقبح الاقدام على العمل الصادر عن اعتقاد المعصية واستحقاق العقوبة عليه « وذلك » لا من جهة اقتضاء مجرد القطع بالمبغوضية لصيرورة العمل قبيحا ومعاقبا

٣٠

عليه ( كي يدفع ) ذلك بأنه خلاف ما يقتضيه الوجدان من بقاء الواقع على ما هو عليه من المحبوبية لدى المولى وعدم كون القطع بحرمة شيء بالقطع المخالف للواقع من العناوين المغيرة لجهة حسنه ومحبوبيته ( بل ) من جهة ان نفس اقدامه على ما اعتقد كونه مبغوضا للمولى ومعصية له مما ينطبق عليه عنوان الطغيان على المولى لكونه ابرازا للجرئة عليه وخروجا عن مراسم العبودية وان مبغوضية العمل واستحقاق العقوبة عليه انما هو لأجل هذا العنوان الطارئ عليه ، كما هو الشأن في اقدامه على العمل من قبل العلم المصادف ، حيث إن قبحه أيضا انما هو من جهة كونه طغيانا على المولى بابرازه للجرئة عليه بلا خصوصية في ذلك لعنوان العصيان فتمام المناط في القبح الفعلي واستحقاق العقوبة انما هو عنوان الطغيان المنطبق على الاقدام على ما اعتقد كونه مبغوضا للمولى ومعصية له الأعم من المصادف وغيره ولا يستلزم ذلك اخذ عنوان العلم في موضوع القبح على نحو الصفتية كما توهم ( بل العلم ) بما هو مأخوذ على نحو الطريقية والكاشفية يكون تمام الموضوع في احداث عنوان الطغيان على اقدامه ( واما ) الاشكال في امكان اخذه تمام الموضوع على نحو الطريقية ، فقد عرفت الجواب عنه فراجع ( واما المنع ) عن كون العلم الغير المصادف علما وانه حقيقة جهل مركب أطلق عليه العلم لمكان انه في نظر القاطع كاشف عن الواقع ، لا من جهة كونه كاشفا حقيقة ( فيدفعه ) كفاية مثل هذا الجهل أيضا كالعلم المصادف في احداث عنوان الطغيان على العمل المتجرى به وفى اشمئزاز العقل عنه بعين اشمئزازه عنه في العلم المصارف كاحداثه لعنوان التسليم على اقدامه في طرف الانقياد « كما » هو الشأن أيضا في مقام الانبعاث حيث كان مثل هذا الجهل محدثا لإرادة العالم بالبعث والمصلحة بعين محدثية العلم المصادف كما هو ظاهر ( نعم ) بينهما فرق من حيث إصابة المصلحة وعدمها ، ولكن ذلك أجنبي عن المقام الذي هو من وجدانيات العقل فتدبر « ولعمري » ان تمام المنشأ للتوهم المزبور انما هو تخيل ان الاحكام العقلية الوجدانية كغيرها مما تكون مصلحتها واقعية قابلة لتخلف الطريق عنها كما في مدركاته التي هي مركز بحث الملازمة ، مع أنها ليست كذلك جزما كما أوضحناه في محله « وعلى ذلك » لا يبقى في البين ما يقتضي المنع عن مبغوضية العمل المتجرى

٣١

به واستحقاق العقوبة عليه الا شبهة انقلاب الواقع عما هو عليه أو اجتماع الضدين وهما المحبوبية والمبغوضية والحسن والقبح في ذات واحدة وفى وجهة فاردة ( بتقريب ) ان مثل هذه الجهات بعد كونها من الجهات التعليلية الغير الموجبة للمكثرية فلا محالة يكون المنشأ فيها واحدا ذاتا وجهة وحيثية ، وحينئذ لو قيل بقبح التجري ومبغوضية العمل المتجرى به مع عدم انقلاب الواقع عما هو عليه ، يلزم اجتماع الضدين وهما المحبوبية والمبغوضية في ذات واحدة وفى جهة فاردة وهو من المستحل ولو على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي في العنوانين المتحدين في الوجود فضلا عن القول بعدم جوازه ( لان ) القول بالجواز هناك انما هو في صورة اختلاف العنوانين في الجهة والحيثية لا في المقام المفروض اتحادهما ذاتا وجهة أيضا ، إذ في مثله لا شبهة في عدم جوازه حتى من القائل بالجواز هناك « ولكن فيه » أولاً النقض بباب الإطاعة المتسالم على حسنها حتى عند الأشعري ، وكذا الانقياد المتسالم على حسنه كموارد الاحتياط التي تسالموا على حسنه فيها عقلا وشرعا باعتبار كونه انقيادا وإطاعة حكمية حتى قيل بامكان تصحيح العبادة باتيانها بداعي حسنها الانقيادي مع كون العمل في الواقع مباحا أو مبغوضا ، وكباب النذر الذي تسالموا على اعتبار رجحان المتعلق في نفسه لولا النذر ، إذ فيه أيضا اجتماع الرجحانيين في ذات واحدة ، أحدهما الرجحان الثابت قبل النذر ، والاخر الرجحان الطارئ عليه من قبل النذر ، وكما في العهد واليمين عند تعلقهما بما هو راجح في نفسه ، وكما في امر الوالد ولده بما هو راجح في نفسه ، وغير ذلك من الموارد الكثيرة ( وثانيا ) الحل فتقول بعد الجزم بتعلق الاحكام بل جميع الصفات الوجدانية بنفس العناوين الحاكية عن مناشئها وعدم تعديها إلى المعنوات الخارجية لابد أولاً بالسراية بتوسيط العناوين كما أوضحناه في محله « ان مناط » استحالة اجتماع الضدين في العنوانين المتحدين في الوجود خارجا انما هو سراية الحكمين بواسطة اطلاق العنوانين لحال اجتماعهما في وجود واحد إلى جهة واحدة وحيثية فاردة ، وهذا لا يكون الا في العنوانين المنتزعين المشتركين ولو في بعض المنشأ نظير الغصب والصلاة بناء على اشتراكهما في بعض المنشأ على ما حققناه في محله « إذ حينئذ » تصير تلك الجهة الواحدة بلحاظ اطلاق العنوانين موردا لتوارد الحكمين المتضادين « والا »

٣٢

فمع فرض عدم اشتراكهما ولو في بعض المنشأ كما في الأجناس بالقياس إلى فصولها وكما في الغصب والصلاة بناء على أن الغصب من مقولة والصلاة من مقولة أخرى فلا باس باجتماع الحكمين المتضادين في العنوانين المتحدين في وجود واحد ، إذ بعد وقوف كل حكم على نفس عنوان موضوعه وعدم تعديه إلى المعنون الخارجي لا يكاد يمنع مجرد وحدة المعنون خارجا عن اجتماع الحكمين لعدم انتهاء الامر في مثله إلى توارد الحكمين في جهة واحدة ( كما أنه ) في فرض طولية العنوانين بان كان انتزاع أحدهما عن الذات في مرتبة معروضيتها للإرادة والاخر عن الذات في المرتبة المتأخرة عن تعلق الإرادة بها لا بأس أيضا بالالتزام باجتماع الحكمين بلحاظ عدم سراية حكم كل عنوان حينئذ إلى العنوان الاخر « وبعد ذلك » نقول في المقام ان الاشكال المزبور انما يتوجه إذا كان ما ينطبق عليه عنوان التجري والطغيان هي الذات في مرتبة معروضيتها للإرادة وليس كذلك ، بل ما ينطبق عليه التجري انما هي الذات في المرتبة المتأخرة عن تعلق الإرادة بها أعني مرتبة موافقتها « وذلك » « لان » انتزاع عنوان التجري والانقياد كعنوان الإطاعة والعصيان انما كان عن الذات في المرتبة المتأخرة التي هي مرتبة فعلية تأثير الإرادة ، قبال العنوان المنتزع عن الذات المعروضة للإرادة المحفوظة في المرتبة السابقة عليها بنحو يرى المحكى منهما في مقام التصور ذاتان ، إحديهما في المرتبة السابقة معروضة للإرادة والاشتياق ، والأخرى في المرتبة المتأخرة التي هي مرتبة موافقتهما ، كعنوان الصلاة مثلا التي هي متعلق الامر المولوي ، وعنوان اطاعته المنتزع عن الفعل الماتى بدعوته بحيث يتخلل بينهما الفاء الكاشف عن اختلاف مرتبتهما ، كما في قولك أردت الصلاة فصليت وان لم يكن في الخارج لهاتين الذاتين الا منشأ واحد « وحينئذ » فحيث ان مثل هذه المرتبة مرتبة سقوط الإرادة بمباديها عن التأثير لا مرتبة ثبوتها لاستحالة سراية الحسن القائم بالذات في المرتبة السابقة على الإرادة إلى الذات المرئية في المرتبة المتأخرة عنها ، ولم يكن للمصلحة الواقعية أيضا تأثير في الحسن في هذه المرتبة لان تأثيرها كان ممحضا في المرتبة السابقة « فلا » غرو في مركزية إحدى الذاتين للحسن والمحبوبية ، والأخرى للمبغوضية العقلية ، فأمكن الالتزام حينئذ بمبغوضية العمل المتجرى به واستحقاق العقوبة

٣٣

عليه لأجل انطباق عنوان الطغيان عليه ، مع الالتزام ببقائه على ما هو عليه في الواقع من الحسن والمحبوبية مثلا ، من غير أن تؤثر جهة وحدة وجود المعنون خارجا في المنع عن ذلك لعدم انتهائه إلى اجتماع الضدين في شيء واحد « بل » ولئن تأملت ترى الوجود الخارجي دائما بإزاء هذا العنوان الطارئ لا بإزاء العنوان الذي تعلق به الامر وان كان منشأ لانتزاعه لأنه يعتبر في تعلق الامر بعنوان عرائه عن الوجود ، إذ وجوده في الخارج منشأ سقوط الامر عنه لا ثبوته « واما » توهم مضادة المصلحة القائمة بتلك الذات مع مفسدة التجري ( فمدفوع ) بعدم كون مبغوضيته ناشئة عن مفسدة في ما ينطبق عليه بل هو كاردافه بنفسه مبغوض مستقلا « وما قيل » من أن العنوان المأخوذ في الحكم بعد أن لم يكن بلحاظ وجوده الذهني الاستقلالي بل بلحاظ آليته وحكايته عن الوجود الخارجي « فلا جرم » بعد اتحاد العنوانين المزبورين في الوجود الخارجي ، يكون المرئي منهما عبارة عن جهة واحدة وحيثية فاردة ، ولازمه اتصاف تلك الجهة الواحدة بحكمين متضادين بلحاظ ما كان بينها وبينهما بهذا اللحاظ من العينية والاتحاد وهذا مما يأبى العقل عنه « مدفوع » بان العنوانين بعد كونهما طوليين لا يرى في عالم اللحاظ والاعتبار من عنوان ما يرى من العنوان الاخر بل كان المرئي فيهما في عالم التصور ذاتان إحديهما معروضة للامر وفي رتبة سابقة عنه ، والأخرى معلولة للامر وفي رتبه لاحقة عنه ، وان لم يكن في الخارج وفي عالم التصديق الا ذات واحدة في قبال العنوان الطارئ وبإزائه ، لا العنوان الأول كما أشرنا إليه « وحينئذ » فبعد عدم مانعية وحدة المنشأ خارجا لمثل هذين الاعتبارين في عالم التصور وكون مدار تعلق الاحكام أيضا على الأنظار التصورية لا التصديقية « فلا محذور » في الالتزام بقبح الفعل المتجرى به بعنوان كونه تجريا وطغيانا مع بقاء الواقع على ما هو عليه من المحبوبية ، ( كما هو الشأن ) أيضا في الانقياد المتسالم على حسنه لديهم حسب اطباقهم على حسن الاحتياط حتى في العبادات على وجه يتوهم صلاحيته للتقرب وتصحيح العبادة المحتملة بمثله ، مع كونه في ظرف المخالفة انقيادا محضا ، حيث إنه بعد بقاء الواقع في مثله أيضا على ما هو عليه من الحكم يتأتى فيه أيضا شبهة اجتماع الضدين ، ولا تندفع هذه الشبهة الا بما ذكرنا من طولية العنوانين الموجبة

٣٤

لعدم تعدى الحكم من عنوان إلى عنوان متأخر عنه رتبة « بل وكذا » الامر في الإطاعة الحقيقية والعصيان الحقيقي ، ولا يندفع شبهة اجتماع المثلين أو الضدين فيهما الا بما ذكرنا ( وبهذا البيان ) أيضا تندفع شبهة اجتماع المثلين في نحو النذر وغيره من العناوين المأخوذة جهة تعليلية للحكم ، حيث إنه بمقتضى طولية الحكمين نلتزم بالجمع بينهما بلا ورود محذور في البين ، ومن غير أن نلتزم بالتأكد أيضا في أمثال المقام كما أفيد ، كيف وان التأكد يقتضي الاتحاد في الوجود ، ومثله ينافي طولية الحكمين بنحو يتخلل بينهما الفاء الموجب للمغايرة ، إذ في مثله يستحيل الاتحاد فكيف يتصور التأكد فتدبر.

( ثم انه قد يتوهم ) اشكال آخر على ما ذكرنا من قبح التجري واستحقاق العقوبة عليه ، بتقريب ان اتصاف كل شيء بأي عنوان بالحسن أو القبح الموجبين للمثوبة والعقوبة فرع اختيارية ذلك العنوان ، إذ يأبى العقل عن تحسين ما لا يطاق أو تقبيحه واستحقاق المثوبة أو العقوبة عليه ، وهي غير متصورة في المقام ، لان عنوان التجري أو مقطوع المبغوضية بالقطع المخالف بهذا العنوان لا يكون اختياريا بحيث يقصده الفاعل ، لامتناع التفات الفاعل إليهما حين عمله ، والا ينقلب عن كونه متجريا ومقدما على مقطوع المبغوضية بالقطع المخالف بهذا العنوان ، ومعه يستحيل اتصافه بالقبح الموجب لاستحقاق العقوبة ( ولكنه يندفع ) بما أشرنا إليه سابقا من أن التقبيح والعقوبة انما يكونان على عنوان التمرد والطغيان وابراز الجرئة على المولى الذي هو جامع بين التجري والعصيان ، لا على خصوص عنوان التجري أو العصيان ، كي يقال ان الأول من جهة الغفلة عنه غير اختياري ، والثاني غير متحقق بالفرض ، ومن المعلوم بداهة كون هذا العنوان الجامع مما يلتفت إليه المتجرى حين اقدامه ، فان القادم على ارتكاب مقطوع المبغوضية قادم على هتك المولى وعلى الطغيان عليه ، غاية الامر يتخيل تحقق هذا العنوان في ضمن العصيان لغفلته عن الفرد الاخر وفي الواقع كان متحققا في ضمن فرد اخر وهو التجري ، ومن المعلوم ان مثل هذه الغفلة عن فرد الجامع مع الالتفات إلى نفسه غير ضائره بالتقبيح واستحقاق العقوبة عليه كما هو ظاهر ، فتمام الخلط انما هو في جهة تخيل كون مناط التقبيح والعقوبة خصوص عنوان العصيان والتجري

٣٥

والا فبناء على جعل المناط بتمامه عنوان الطغيان على المولى أو التسليم له الجامعين بين العصيان والتجري والإطاعة والانقياد فلا يلزم محذور ، ( وبذلك أيضا ) يندفع ما أفيد من اشكال لزوم تعدد العقوبة في موارد العصيان ، تارة على تجريه المنطبق على العزم على العصيان الذي هو عبارة عن هيجان الرغبة بعد الشوق إلى العمل ولو بشروعه في بعض مقدماته ، وأخرى على نفس عصيانه المتحقق باتيان ما هو حرام ومبغوض للمولى « إذ نقول » ان مناط استحقاق المثوبة والعقوبة كما أنه عنوان التسليم للمولى والطغيان عليه ، كذلك مناط وحدة المثوبة والعقوبة وتعددهما أيضا هي وحدة التسليم والطغيان وتعددهما ، فالطغيان المتحقق في مورد العصيان الحقيقي ، حيث إنه طغيان واحد مستمر من حين شروعه في مقدمات المعصية إلى آخر العمل ، كانت العقوبة المترتبة عليه أيضا واحدة ، فحصول الطغيان وان كان بشروعه في مقدمات المعصية المفضية إليها ، الا انه يستمر طغيانه ذلك إلى آخر العمل ، فمتى استمر على عمله كان طغيانه أيضا مستمرا ، والا فينقطع من حيث قطعه ، كما هو الشأن أيضا في تسليمه للمولى في مقام الإطاعة ، ومن ذلك ترى العقلاء بأنهم لا ينتظرون في ذم المقدم على المعصية بايجاد المقدمات المفضية إليها إلى زمان صدور المعصية ، بل بنفس الاقدام على المقدمة المفضية إليها يقبحونه ويذمونه بطغيانه على المولى وابرازه للجرئة عليه ، وحينئذ فلا يكون طغيانه ولو بلغ باستمراره ما بلغ حسب كثرة المقدمات الا طغيانا واحدا مستتبعا لعقوبة واحدة « هذا مع امكان » التفكيك بين أصل الاستحقاق وجهة وحدة العقوبة وتعددها بجعل مناط أصل الاستحقاق عنوان التسليم والطغيان على المولى المتحقق ولو بالاقدام على المقدمة ، لا نفس العصيان وتفويت الغرض الأصلي ، ومناط وحدة العقوبة وتعددها وحدة الغرض الفائت وتعدده ، ولازم ذلك عدم استحقاقه بتفويت غرض اصلى واحد الا عقوبة واحدة ، ولو مع مخالفته لواجبات غيرية متعدده فتدبر ثم انك بعد ما عرفت استقلال العقل بقبح التجري واستحقاق العقوبة عليه بمناط كونه طغيانا على المولى ، يقع الكلام في المقام الثاني ، وهو استتباع مثل هذا القبح للتكليف المولوي وعدمه ( فنقول ) لا ينبغي الاشكال في عدم صلاحية عنوان التجري والانقياد كعنوان الإطاعة والعصيان للتكليف المولوي ( وذلك )

٣٦

اما أولاً فلعدم قابلية مثل هذه العناوين لأعمال جهة المولوية فيها ، بل لو ورد امر أو نهى شرعي بعنوانهما لابد وأن يكون ارشادا محضا إلى حكم العقل ، كما في النهى عن العصيان والامر بالإطاعة « لان » الغرض من الحكم المولوي حينئذ ليس الا البعث نحو الشيء بالايجاد أو الزجر عنه للفرار عما يترتب على مخالفة التكليف الواقعي أو الاعتقادي من التبعات « ومن المعلوم » انه مع زجر العقل عنه وحكمه باستحقاق العقوبة لا يحتاج إلى زجر آخر بعنوان التجري أو العصيان لكونه لغوا محضا « ولئن شئت » قلت إن النهى المقطوع به ان كان زاجرا عن العمل بحكم العقل ، فلا يحتاج إلى زجر آخر مولوي بهذا العنوان ( والا ) فلا يكون النهى الثاني أيضا زاجرا عنه ( واما ثانيا ) فلعدم صلاحية مثل هذا القبح العقلي في المقام لاستتباع التكليف المولوي على وفقه ، لان الحسن والقبح العقليين انما يستتبعان التكليف المولوي على الملازمة إذا كانا ناشئين عن مصلحة أو مفسدة في نفس العمل ومثله غير متصور في المقام « إذ لا يحدث » من قبل طرو عنوان التجري والانقياد وكذلك الإطاعة والعصيان مصلحة أو مفسدة في نفس العمل ، كي بذلك يكون مثل هذا الحسن أو القبح العقلي مستتبعا على الملازمة للحكم الشرعي « وحينئذ » فلو ثبت حكم شرعي لكان ذلك بلا ملاك يقتضيه كما هو ظاهر ( بل وبمثل ) هذا البيان نقول بعدم المجال لاثبات الحكم المولوي أيضا ولو على القول بعدم اقتضاء التجري شيئا سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل فضلا عن سائر الأقوال ، حيث إن المنع عنه حينئذ انما هو من جهة عدم المقتضى للحكم المولوي ( نعم ) على سائر الأقوال يتجه المنع من جهة وجود المانع أيضا كما ذكرناه ( ثم انه ) بالتأمل فيما ذكرنا في وجه المختار يتضح لك ضعف سائر الأقوال وانه لا مجال لانكار القبح والعقوبة رأسا كما افاده شيخنا العلامة الأنصاري قدس‌سره ( إذ هو ) مع مخالفته لما عرفت من حكم الوجدان بقبح الطغيان على ولى النعمة والاحسان مناف لما تسالموا عليه من حسن الانقياد وترتب المثوبة عليه ( واما توهم ) ان الثواب فيه تفضلي ( فيدفعه ) تصريحهم برجحان الاحتياط بالفعل الماتى بداعي المحبوبية لكونه انقيادا وإطاعة حكمية ، حتى أنه قدس‌سره بنى على امكان تصحيح العبادة المحتملة بهذا المقدار من الحسن العقلي ( ولا ) للتفكيك بين ذات الفعل وجهة صدوره

٣٧

عن الفاعل بالتزام القبح في الثاني دون الأول كما افاده بعض الأعاظم قدس‌سره ( إذ بعد ) الغض عن عدم مكثرية مثل هذه الجهات للوجود يتوجه عليه انه ( ان أريد ) من موضوع القبح الفعل المضاف إلى الفاعل بإضافة صدورية ، فهو عين الالتزام بقبح نفس الفعل غايته بقبح ضمني لا استقلالي وهو خلاف المقصود ( وان أريد ) به نفس إضافة الفعل إلى الفاعل ، فلازمه أيضا سراية القبح المزبور إلى ما تقوم به الإضافة المزبورة ولو غيريا ( وان أريد ) به كشف صدور الفعل عن الفاعل عن سوء سريرته بلا قبح لا في نفس الفعل ولا في صدوره من الفاعل ابدا ( فهو ) لكونه خارجا عن الاختيار لا يكاد يوجب مثله لاحداث قبح فيه ، فيلزمه انكار أصل القبح كما افاده شيخنا العلامة الأنصاري قدس‌سره لا اثبات القبح الفاعلي ( ولازم ) ذلك أيضا الالتزام بعدم استحقاق المثوبة في طرف الانقياد ، بل ولازمه عدم رجحان الاحتياط باحتمال كونه انقيادا ( وهو ) كما ترى خلاف مقصود هذا القائل ( وحينئذ ) فالالتزام بقبح صدور الفعل عن الفاعل فقط لا نفس الفعل مما لم نفهم له وجها ( ولعمري ) ان تمام المنشأ في الاستيحاش عن قبح الفعل المتجرى به المستتبع لاستحقاق العقوبة عليه ، انما هو من جهة شبهة التضاد بعد الفراغ عن بقاء ذات العمل على ما هو عليه في الواقع من الحكم بتوهم عدم امكان اجتماع حسن العمل ومحبوبيته واقعا مع مبغوضيته بالعنوان الطاري عليه ، حيث إنه لأجل هذه الشبهة التزم بما التزم ( ولكنه ) بعد حل هذه الشبهة مما أسلفناه لا يبقى مجال لهذه الالتزامات ( كما لا مجال ) أيضا لما افاده في الكفاية من تخصيص موضوع القبح بالعزم على المعصية الذي هو من المقدمات الخارجية ( إذ نقول ) ان مناط القبح في العزم بعد أن كان حيث طغيانه على المولى ، فلا شبهة في تحققه في نفس الفعل الصادر عن اعتقاد المعصية ، بل استحقاقه للعقوبة على العزم المزبور حينئذ انما هو لكونه شروعا في الطغيان بايجاد مقدمته ، والا فلا وجه للالتزام باستحقاق العقوبة على مجرد القصد والعزم ، كما هو الشأن أيضا في طرف الانقياد الذي هو إطاعة حكمية فان حسنه واستحقاق المثوبة عليه ، انما كان باعتبار اشتغاله باظهار العبودية بعمله وصيرورته في مقام التسليم لأوامر مولاه كما هو ظاهر ( بل ) وبما ذكرنا ظهر أيضا انه لا وجه لما عن الفصول قدس‌سره من

٣٨

دعوى المزاحمة بين محبوبية العمل في الواقع ومبغوضيته بعنوان التجري ووقوع الكسر والانكسار بين الجهات الموجب لصيرورة التجري محكوما بأحكام خمسة وانقلاب الواقع أحيانا ( إذ ذلك ) كله فرع عدم امكان الجمع بين الحسن والقبح والمحبوبية والمبغوضية في الفعل بعنوانه الواقعي وبالعنوان الطارئ عليه لشبهة انقلاب الواقع أو اجتماع الضدين ( وبعد ) دفع تلك الشبهة بما بيناه من تعدد العنوانين وطوليتهما بنحو لا يسرى الحسن القائم بعنوان إلى العنوان المعروض للقبح ( لا يبقى ) مجال توهم المزاحمة بين تلك الصفات كي ينتهى الامر أحيانا إلى انقلاب الواقع أو عدم قبح التجري ( نعم ) لو اغمض عن ذلك لا يتوجه عليه ما افاده شيخنا العلامة الأنصاري قدس‌سره من الاشكال ( تارة ) بان التجري على المولى قبيح ذاتا لكونه ظلما عليه فيمتنع عروض الصفة الحسنة له ، كما أن الانقياد بعكس ذلك ، فيمتنع ان يعرضه جهة مقبحة ( وأخرى ) بان المصالح الواقعية انما تصلح للمزاحمة مع مفسدة التجري مع الالتفات إليها لا مع الغفلة عنها ( والا ) فيكون التأثير للمفسدة الملتفت إليها ( إذ يمكن ) ان يجاب عن الأول بامكان أهمية مصلحة الواقع بالنسبة إلى مفسدة التجري في نظر المولى بنحو يمنع عن تأثير التجري في المبغوضية الفعلية ( وعن الثاني ) بان غفلة المكلف عن مصلحة الواقع ، انما تمنع عن تأثيرها في المصلحة بحسب نظره الذي به قوام حكم عقله بالقبح ( والا ) فبالنسبة إلى نظر المولى العالم بالواقع والملتفت إلى الجهتين فلا تمنع غفلة المكلف عن تأثير المصلحة التي هي أهم في نظره في المحبوبية الفعلية المانعة عن تأثير التجري في المبغوضية الفعلية والحرمة ( نعم ) تأثيرها في تحسين الفاعل واستحقاقه بذلك للمثوبة يحتاج إلى التفاته إلى الجهات المحسنة كما هو كذلك في تأثيرها في توجيه الحكم الفعلي إليه بنحو يصير داعيا ومحركا له على وفقه ، لما عرفت غير مرة من أن العلم والالتفات تمام الموضوع في هذه المراحل ( ولكن ) هذه الجهة غير مرتبطة بمرحلة مؤثرية المصلحة الواقعية في فرض أهميتها بنظر المولى في المحبوبية الفعلية المانعة عن تأثير مفسدة التجري في الحرمة ( وحينئذ ) فالأولى هو الاشكال عليه بما ذكرنا من منع المزاحمة بين تلك الجهات بعد تعدد الموضوع لها وطوليته ( ثم إن ) في الفصول كلاما اخر في مبحث مقدمة الواجب ( وهو ) ان التجري على المعصية

٣٩

معصية أيضا لكنه ان صادفها تداخلا وعدا معصيته واحدة ( أقول ) وهو بظاهره مشكل بان التجري وان كان يصدق على ترك مقدمة من مقومات الواجب كما هو محل كلامه ويلزمه تحققه مع العصيان أيضا إذ ليس من مقومات التجري عدم مصادفته مع العصيان كما افاده بعض الأعاظم قدس‌سره وانما قوامه بعدم صدق العصيان عليه ( ولكنه ) بعد أن يباين العصيان وجودا وموردا بلحاظ ان مورده هي المقدمة التي هي غير نفس العصيان يستحيل تداخله معه ( وحينئذ ) لو قيل باستحقاق العقوبة على خصوص هذا العنوان المقابل للعصيان ، يلزمه لا محالة تعدد العقوبة ولا مجال للتداخل ( نعم ) على ما ذكرنا من أن مدار العقوبة على عنوان الطغيان على المولى الجامع بين التجري والعصيان لا على خصوص عنوانهما ( لا باس ) بالالتزام بوحدة العقوبة في الفرض المزبور بلحاظ كونه حينئذ طغيانا واحدا مستتبعا لعقوبة واحدة ولكن ذلك غير مرتبط بالتداخل كما هو واضح ولا يبعد ان يكون نظر الفصول أيضا إلى ما ذكرناه ولكنه سامح في مقام التعبير فعبر عنه بالتداخل هذا ( وقد أفيد ) في توجيه كلامه قدس‌سره بان المراد من المعصية المجتمعة مع التجري غير المعصية التي تجرى فيها بل معصية أخرى كما لو شرب مايعا باعتقاد انه خمر ثم تبين انه مغصوب فان المكلف تجرى بالنسبة إلى شرب الخمر وعصى بالنسبة إلى شرب المغصوب ، بناء على أن العلم بجنس التكليف يكفي في تنجز التكليف وان لم يعلم فصله كما سيأتي في العلم الاجمالي فيقال في المثال انه قد تعلق علمه بحرمة شرب المانع على أنه خمر فبالنسبة إلى كونه خمرا أخطأ علمه وبالنسبة إلى الحرمة لم يخطأ وصادف الواقع لأنه كان مغصوبا ، فيكون قد فعل محرما ويعاقب عليه وان لم يعاقب على خصوص الغصبية لعدم تعلق العلم بها بل يعاقب على القدر المشترك بين الخمرية والغصبية ، فلو فرض ان عقاب الغصب أشد يعاقب عقاب الخمر ولو انعكس الامر يعاقب عقاب الغصب لأن المفروض انه لم يشرب الخمر فلا يعاقب عليه وفي الصورة الأولى انما كان يعاقب عقاب شرب الخمر مع أنه لم يشرب الخمر من جهة ان عقاب ما يقتضيه شرب الخمر هو المتيقن الأقل والمنفي هو العقاب الزائد الذي يقتضيه الغصب انتهى ( ولكنك خبير ) بما في هذا التوجيه مع ما فيه من التشويش والاضطراب إذ مضافا إلى كونه خارجاً

٤٠