نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

استدلال المتكلمين بهذه القاعدة على وجوب النظر في معجزة مدعى النبوة لما في تركه من احتمال الضرر والعقوبة ( كما ) لا اشكال أيضا في ورود القاعدة الأولى على القاعدة الثانية وانه في فرض جريانها في مورد يقطع فيه بعدم العقوبة فلا يحتمل فيه الضرر والعقوبة كي تجرى فيه القاعدة الثانية ويقع بينهما التعارض وحينئذ فتمام النزاع ( بين الأخباريين ) والأصولين في أصل الصغرى ، وفي كون مورد الشبهة مندرجا تحت كبرى قاعدة القبح أو تحت قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ( فكان ) هم الاخباري اثبات اندراج مورد الشبهة تحت القاعدة الثانية بدعوى وجود البيان على التكليف المشتبه من جهة العلم الاجمالي أو من جهة اخبار الاحتياط بزعم صلاحيتها للبيانية على التكليف الواقعي ( كما ) ان هم الأصولي انكار هذه الجهة واثبات عدم صلاحية اخبار الاحتياط للبيانية وللمنجزية للتكليف المشكوك اما بنفسها أو من جهة معارضتها بما دل على الترخيص في ارتكاب المشتبه الموجب لحملها على الاستصحاب أو الارشاد فعليه لا مجال لتكثير الأدلة من الطرفين بايراد القاعدتين المزبورتين والتشبث بهما أو بما يرجع إليهما من الأدلة السمعية لاثبات المطلوب في محل النزاع.

إذا عرفت ذلك فلنشرع في بيان المقصود من ذكر احكام الشكوك وبيان أقسامها ( فنقول ) اما أقسامها فهي حسب الحصر العقلي أربعة ( لأنه ) اما ان يلاحظ فيه الحالة السابقة ( أولاً ) وعلى ( الثاني ) ( فاما ) ان لا يكون هناك حجة على التكليف المشكوك من علم اجمالي أو غيره ( واما ) ان يكون في البين ذلك ( وعلى الثاني ) فاما ان يتمكن المكلف من الاحتياط تماما أو بعضا ( واما لا ) فالأول مجرى الاستصحاب ( والثاني ) مجرى البراءة ( والثالث ) مجرى الاحتياط ( والرابع ) مجرى التخير ولا يخفى انه على هذا التقسيم لا يتوجه اشكال تداخل الأقسام في الحكم بتوهم جريان البراءة والإباحة الظاهرية في الفرض الأخير أيضا كصورة دوران الامر بين المحذورين لوضوح ان الترخيص الظاهري بمناط اللابيان انما يكون في الرتبة المتأخرة عن سقوط العلم الاجمالي عن التأثير والمسقط له عن التأثير في المقام انما هو حكم العقل بالترخيص بمناط اللاحرجية في الفعل والترك بضميمة بطلان الترجيح بلا مرجح ومع حصول الترخيص العقلي بمناط عدم

٢٠١

القدرة وعدم المرجح في الرتبة السابقة لا مجال للترخيص الظاهري في الرتبة المتأخرة بمناط اللابيان كما هو ظاهر ( ثم إن تنقيح الكلام في هذه الأقسام ) يكون في مقامين ( الأول ) في حكم الشك في الحكم الواقعي من دون ملاحظة الحالة السابقة ( الثاني ) في حكمه بملاحظة الحالة السابقة ومقتضى الطبع وان كان تقديم المقام الثاني لكونه من الأصول المحرزة الناظرة إلى الواقع ولكن تبعا للشيخ قدس‌سره نقدم الكلام في المقام الأول وفي هذا المقام يقع البحث في موضعين ( الأول في حكم الشك في التكليف مع عدم قيام حجة عليه ( الثاني ) في حكم الشك في المكلف به بعد العلم بأصل الالزام ( اما الموضع الأول ) ففيه مبحثان ( الأول ) في الشبهة التحريمة ( الثاني ) في الشبهة الوجوبية ومنشأ الشك فيهما ، تارة يكون فقدان النص ، وأخرى اجماله ، وثالثة تعارض النصين ورابعة الأمور الخارجية فنقول وعليه التكلان.

المبحث الأول

في الشبهة التحريمية وفيها مسائل ( المسألة الأول ) في الشبهة الحكمية التحريمية لأجل فقدان النص ، وقد وقع فيها خلاف عظيم ، فذهب جمهور المجتهدين إلى البراءة ، وأصحابنا الأخباريون إلى الاحتياط وقد استدل على البراءة بالأدلة الأربعة ، ( اما الكتاب ) فبآيات ( منها ) قوله عز من قائل لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها ، بتقريب ان المراد من الموصول هو الحكم والتكليف ومن الايتاء الاعلام ( لان ) الايتاء عبارة عن الاعطاء وهو في الأمور المعنوية والمطالب العلمية عبارة عن الاعلام بها حيث إن اعطاء كل شيء بحسبه فكان إيتاء التكاليف عبارة عن الاعلام بها بخطابه ويقابله الاخذ بهذا المعنى كقولك اخذت من فلان علم كذا ومنه ما في النص خذ معالم دينك من كل مسن في ديننا ( فتدل ) الآية المباركة على نفي التكليف عند الشك فيه إذ كان مفادهما انه سبحانه لا يكلف عباده بشيء من احكامه الا بما أوصله إليهم بخطابه وأعلمهم إياه ( وأورد عليه ) بأنه كما يحتمل ان يراد من الموصول الحكم ومن الايتاء الاعلام ( كذلك ) يحتمل ان يراد منه خصوص المال ومن الايتاء الملكية بقرينة المورد ، أو يراد من الموصول

٢٠٢

مطلق فعل الشيء وتركه ومن الايتاء الاقدار عليه ( ولا ظهور ) في الآية في الأول لولا دعوى ظهورها بقرينة المورد في الثاني أو الثالث ( ولا مجال ) لاحتمال إرادة الأعم من التكليف والمال والفعل من الموصول ( لعدم ) تصور جامع قريب بينها كي به يصح إضافة الفعل أي التكليف إليه ( لان ) الموصول على الأول عبارة عن المفعول المطلق وعلى الأخيرين عبارة عن لمفعول به وإضافة الفعل إلى الموصول بكل تقدير تبائن اضافته إليه بتقدير آخر ( فإنه ) على المفعول المطلق يحتاج في إضافة الفعل إلى الموصول إلى لحاظ كونه من شؤون الفعل وكيفياته على نحو يكون وجوده بعين وجود الفعل ، بخلافه على المفعول به فإنه يحتاج في إضافة الفعل إليه إلى لحاظ كونه موجودا في الخارج قبل الفعل ليكون الفعل موجبا لايجاد وصف عليه بعد وجوده ومفروغية ثبوته ( وبعد ) عدم تصور جامع قريب بينهما بنحو يوجب رجوع النسبتين إلى نسبة واحدة ، لا يمكن إرادة الجميع من الموصول الا بنحو استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، ومثله من المستحيل ( مع ) ما يلزمه من أن يكون للفعل الواحد في الكلام في تعلقه بالموصول نسبتان مختلفتان إلى المفعول به تارة والمفعول المطلق أخرى المستلزم ذلك لاجتماع اللحاظين المتنافيين في كلام واحد باعتبار قوام تعدد النسبة بتعدد اللحاظ ( أقول ) وأنت خبير بما في هذا الاشكال ( اما أولاً ) فلانه يرد ذلك في فرض إرادة الخصوصيات المزبورة من شخص الموصول ( والا ) فبناء على استعمال الموصول في معناه الكلى العام وإرادة الخصوصيات المزبورة من دوال اخر خارجية فلا يتوجه محذور ، لا من طرف الموصول ، ولا في لفظ الايتاء ، ولا من جهة تعلق الفعل بالموصول وذلك ( اما من ) جهة الموصول فظاهر فإنه لم يستعمل الا في معناه الكلي العام وان إفادة الخصوصيات انما كان بتوسيط دال آخر خارجي ( وكذلك ) الامر في لفظ الايتاء فإنه أيضا مستعمل في معناه وهو الاعطاء غير أنه يختلف مصاديقه من كونه تارة هو الاعلام عند اضافته إلى الحكم ، وأخرى الملكية أو الاقدار عند اضافته إلى المال أو الفعل ( وهكذا ) في تعلق الفعل بالموصول حيث لا يكون له الا نحو تعلق واحد به ومجرد تعدده بالتحليل إلى نحو التعلق بالمفعول به والتعلق بالمفعول المطلق لا يقتضى تعدده بالنسبة إلى الجامع الذي

٢٠٣

هو مفاد الموصول كما هو ظاهر غاية الامر انه يحتاج إلى تعدد الدال والمدلول كما أشرنا إليه ( واما ثانيا ) فلان إرادة الحكم من الموصول انما يقتضى كونه المفعول المطلق لو كان المراد من التكليف في الآية أيضا هو الحكم ( والا ) ففي فرض كونه بمعناه اللغوي أعني الكلفة والمشقة ، فلا يتعين ذلك ( فإنه ) من الممكن حينئذ جعل الموصول عبارة عن المفعول به أو المفعول النشوي المعبر عنه في كلام بعض بالمفعول منه وارجاع النسبتين إلى نسبة واحدة ( إذ بذلك ) يتم الاستدلال بالآية على المطلوب ، فان معنى الآية على الأول انه سبحانه لا يوقع عباده في كلفة حكم الا الحكم الذي أوصله إليهم بخطابه ، وعلى الثاني انه لا يوقع عباده في كلفة الامن قبل حكم اعلمه إياهم وأوصله إليهم بخطابه وحينئذ لو أريد من الموصول معناه الكلي العام مع إفادة الخصوصيات المزبورة بتوسيط دال آخر خارجي لا يتوجه على الاستدلال المزبور محذور من جهة كيفية تعلق الفعل بالموصول ، لما عرفت من أن نحو تعلقه به حينئذ تعلق واحد وهو تعلق الفعل بالمفعول به أو المفعول منه ( بل ) وان تأملت ترى انه لا مجال لجعل الموصول عبارة عن المفعول المطلق ولو على تقدير كون التكليف في الآية بمعناه الاصطلاحي فضلا عن كونه بمعناه اللغوي أعني الكلفة والمشقة ( وذلك ) لما يلزمه على الأول من محذور اختصاص التكاليف الواقعية بالعالمين بها ، لان مفاد الآية حينئذ هو عدم تكليف الجاهل بالأحكام الواقعية ( وعلى الثاني ) من لزوم اخذ المشقة التي هو معلول العلم في متعلقه فان مفاد الآية على ذلك أنه سبحانه لا يجعل عباده في مشقة الا مشقة اعلمهم بها وهو من المستحيل ( فلا محيص ) حينئذ من جعل التكليف في الآية عبارة عن المشقة والموصول عبارة عن الحكم والتكليف المبرز بالانشاء ، فيكون الموصول حينئذ ممحضا بالمفعول به أو المفعول منه ولا يتصور فيه كونه المفعول المطلق العدم كونه من جنس الفعل المذكور في الكلام ( وحينئذ ) بعد امكان إرادة الأعم من الحكم والفعل والمال ولو بنحو تعدد المال والمدلول ، أمكن التمسك باطلاق الآية على مطلوب القائل بالبرائة من عدم وجوب الاحتياط عند الشك وعدم العلم بالتكليف هذا ويمكن المناقشة فيه ( أولاً ) بعدم تمامية اطلاق الآية مع وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب ( حيث ) ان القدر المتيقن منه بقرينة السياق انما

٢٠٤

هو خصوص المال ، ومثله يمنع عن الاخذ باطلاق الموصول لما يعم المال والتكليف ( وثانيا ) ان غاية ما يستفاد من الآية انما هو نفي الكلفة والمشقة من قبل التكاليف المجهولة غير الواصلة إلى المكلف لا نفي الكلفة مطلقا ولو من قبل جعل ايجاب الاحتياط فمفاد الآية حينئذ مساوق لكبري قبح العقاب بلا بيان ( ومن المعلوم ) عدم كون مثله مضرا بالاخباري القائل بالاحتياط ، إذ هو انما يدعى اثبات الكلفة والمشقة على المكلف من جهة جعل ايجاب الاحتياط الواصل إلى المكلف بدعوى دلالة الاخبار على وجوب الاحتياط عند الشك وعدم العلم بالتحريم ( لا يقال ) ان ذلك يتم بناء على كون ايجاب الاحتياط عند الشك ايجابا نفسيا مستتبعا للعقوبة على مخالفة نفسه ( والا ) فبناء على كون ايجابه طريقيا فما هو الموجب للكلفة لا يكون الا نفس التكاليف المجهولة ( وبعد ) دلالة الآية على نفيها من ناحية التكاليف المجهولة فلا جرم يتم المطلوب ويصح التمسك بها في قبال الأخباريين ( فإنه يقال ) نعم وان كان ايجابه حينئذ طريقيا ، ولكنه باعتبار كونه منجزا للتكليف على تقدير وجوده كان هو الموجب للضيق والرافع للبرائة العقلية كما هو الشأن في جميع الطرق الشرعية والعقلية الموجبة لتنجيز الواقع ( وعليه ) لا تصلح مثل هذه الآية لرد مقالة الاخباري القائل بوجوب الاحتياط واستحقاق العقوبة على الواقع إذ الكلفة والضيق ليس الا من قبل ما اوتى وهو جعل ايجاب الاحتياط الواصل إلى المكلف ( وثالثا ) ان الايتاء في الآية المباركة لما كان منسوبا إليه سبحانه كان عبارة عن اعلامه سبحانه بالتكليف بالأسباب العادية المتعارفة بين الموالى والعبيد والحكام والرعية لا الاعلام بقول مطلق ولو بغير الأسباب العادية ( وحيث ) كان اعلامه سبحانه بالتكاليف بتوسيط الوحي إلى سفرائه وأمرهم بابلاغ ما أوحي إليهم إلى العباد ( كان ) عدم اعلامه عبارة عن عدم الوحي إلى سفرائه أو عدم الامر بابلاغ ما أوحي إليهم إلى العباد فيكون مفاد الآية المباركة أجنبيا عن المقام لان مساقها حينئذ مساق قوله (ع) ان الله سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فكانت دلالتها ممحصة في نفي الكلفة عما لم يوصل علمه إلى العباد لمكان سكوته وعدم بيانه واظهاره لا نفي الكلفة مطلقا عما لم يصل علمه إلى العباد ولو كان من جهة ظلم الظالمين واخفائهم للأحكام الصادرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصي بأمره سبحانه فان مثل ذلك

٢٠٥

مما لا دلالة للآية المباركة عليه فتأمل.

( ومن الآيات ) قوله سبحانه وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ، فان فيها دلالة على نفي العقوبة قبل بعث الرسل الذي هو كناية عن بيان التكليف ( وأورد ) عليه بان ظاهر الآية الشريفة انما هو الاخبار بعدم وقوع التعذيب على الأمم السابقة فيما مضى الا بعد بعث الرسل واتمام الحجة ، فيختص بالعذاب الدنيوي الواقع في الأمم السابقة ، فلا تدل على نفي العقوبة على ارتكاب مشكوك الحرمة ( وفيه ) انه مبنى على جعل المضي في وما كنا معذبين بلحاظ حال الخطاب وهو خلاف ظاهر الآية ( بداهة ) ظهورها في كونه بلحاظ زمان البعث واتمام الحجة لا بلحاظ زمان الحال والخطاب كما كان الاستقبال في بعث الرسول أيضا بلحاظ العذاب المنفي لا بلحاظ زمان الخطاب ، ( ومثله ) لا يختص بالعذاب الدنيوي ( بل الظاهر منها ) هو كونها بصدد اظهار العدل ببيان انه سبحانه لم يكن من شأنه عز وجل ان يعذب قوما الا بعد البيان واتمام الحجة نظير قوله وما كنا ظالمين ( ومن الواضح ) عدم اختصاص ذلك بقوم دون قوم ولا بعذاب دون عذاب ( كوضوح ) ملازمة ذلك لكون المنفي فيها هو الاستحقاق والمعرضية للعذاب الفعلي ، لا الفعلية المحضة مع ثبوت الاستحقاق ( لعدم ) مناسبة ذلك مع البيان المزبور ( لان ) مع الاستحقاق وان كان من شأنه سبحانه العفو رأفة ورحمة على العباد ، الا انه كان من شأنه العذاب أيضا ، ومثله ينافي ظهورها في أنه ليس من شأنه ذلك ( وعليه ) تكون للآية المباركة دلالة على مطلوب القائل بالبرائة لظهور المنطوق فيها في كون المنفي قبل البعث الذي هو عبارة عن اتمام الحجة ، هو أصل الاستحقاق والمعرضية للعذاب الفعلي ، لا انه مجرد الفعلية المحضة كي ( يحتاج ) في اثبات المدعى إلى دعوى الاجماع وعدم الفصل في خصوص المقام أعني الشبهات بين نفى الفعلية ونفي الاستحقاق ( أو دعوى ) كفاية عدم الفعلية أيضا للقائل بالبرائة من جهة اعتراف الخصم بالملازمة بين الفعلية والاستحقاق بمقتضى ما دل على الوقوع في الهلكة في الشبهات ، والتزامه بعدم المقتضى للاستحقاق على تقدير عدم الفعلية ( مع ما في الدعوى ) الأخيرة من لزوم كون الاستدلال بالآية جد لا محضا والزاما للخصم بما التزم به من الملازمة بين الفعلية والاستحقاق

٢٠٦

( لا برهانا ) موجبا للتصديق والاذعان بالمطلوب ، ( ولذلك ) نقول بصحة ما أورده المحقق القمي قدس‌سره من اشكال المناقضة على من جمع بين الاستدلال بالآية على البراءة بان المنفى فيها هو الاستحقاق ، وبين رد من استدل بها على عدم الملازمة ، بان المنفي في الآية هو التعذيب الفعلي ونفي الفعلية أعم من نفى الاستحقاق لعدم الملازمة بينهما كما في الظهار ( حيث ) أنه مع تسليم دلالة الآية على نفي الاستحقاق لا مجال للثاني ، ومع عدم تسليم ذلك لا يصح الاستدلال بها على البراءة الا جدلا والزاما للخصم ، ( نعم ) لا مجال لمنكر الملازمة أيضا الاستدلال بها على عدمها الا باثبات ظهور مفهوم الغاية في الآية الشريفة في حصر الاستحقاق ببعث الرسول الظاهري والبيان النقلي ( والا فبناء ) على منع ظهور المفهوم في ذلك من جهة دعوى ان بعث الرسول كناية عن مطلق بيان التكليف وان التعبير به لكون البيان به غالبا لاحتياج الاحكام الا ما شذ وندر في اعلامها إلى بعث الرسول ( لا يبقى ) مجال التمسك بالآية على نفي الملازمة كما هو ظاهر ، ( نعم ) يتوجه على الاستدلال بالآية للبرائة انها لا تصلح للمقاومة مع أدلة الأخباريين لكونها مورودا بالنسبة إليها ( لان ) مفادها مساوق كبرى قبح العقاب بلا بيان.

( ومن الآيات ) قوله سبحانه « وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون » أي ما يجتنبونه من الافعال والتروك ( وتقريب ) الاستدلال بها كما في آية نفي التعذيب ( ويتوجه ) عليه أيضا الاشكال السابق بأنه مساوق كبرى قبح العقاب بلا بيان ، فلا ينفع التشبث بها في قبال الخصم المدعي لوجوب الاحتياط بمقتضى رواية التثليث ونحوها ( فان ) الخذلان على زعمه لا يكون الا عن بيان ( نعم ) لو كان المراد من البيان في الآية خصوص الاعلام بحكم الشيء واقعا بعنوانه الأولى لا الاعلام بمطلق حكمه ولو بعنوان كونه مشكوك الحكم وان الغرض من نفي الخذلان هو نفي جعل ما هو السبب لذلك من ايجاب احتياط أو غيره ( لكان ) للاستدلال بها على المطلوب مجال لصلاحيتها حينئذ للمقاومة مع اخبار الاحتياط ( ولكن ) دون اثباته خرط القتاد ( ثم ) انه أورد على الاستدلال بالآية بوجهين آخرين ( أحدهما ) بما في آية

٢٠٧

نفي التعذيب من دعوى ظهورها في الاخبار عن حال الأمم السابقة بالنسبة إلى العذاب الدنيوي النازل بهم ، فلا تشمل العذاب الأخروي ( وثانيهما ) ان اضلاله سبحانه عبارة عن خذلانه الموجب لاستحقاق العذاب الدائم والخلود في النار ، وتوقف هذه المرتبة على البيان لا يستلزم توقف غيرها من المراتب النازلة عليه « ولكنهما » مردودان « اما الأول » فيما تقدم في آية نفي التعذيب من أن الآية انما تكون بصدد اظهار العدل بنفي ديدنه على التعذيب قبل البيان لكونه ظلما ، وفى ذلك لا فرق بين العذاب الدنيوي والأخروي « وبذلك » يظهر الجواب عن الاشكال الثاني « إذ نقول » ان المانع عن العذاب الدائم عند الجهل ليس الا عدم البيان الموجب لحكم العقل بقبحه على الحكيم تعالى « وفيه » لا يفرق بين مراتب العذاب لوجود المناط المزبور في جميع مراتب العقوبة.

« ومن الآيات » : قوله سبحانه « قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة أو دما مسفوحا » الآية « وتقريب » الاستدلال بها انه سبحانه لقن نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله طريق الرد على اليهود ، حيث حرموا على أنفسهم بعض ما رزقهم الله بقوله قل لا أجد الخ فرد عليهم بان ما حرمتموه على أنفسكم مما لم يعلم حرمته فالتزامكم بتحريمه افتراء عليه سبحانه ، فدلت الآية المباركة على الترخيص في ارتكاب كل ما لم يعلم حرمته « فان » عدم وجدانه صلى‌الله‌عليه‌وآله وان كان دليلا قطعيا على عدم وجوده فيما أوحي إليه « الا ان » في العدول عنه إلى هذا العنوان دلالة على كفاية ذلك في الترخيص في الارتكاب وابطال الحكم بالحرمة بملاحظة كونه من الأصول المسلمة عند العقلاء ويلزمه عدم وجوب الاحتياط عند الشك لكونه لازم ترخيصه في ارتكاب المشكوك « وأورد عليه الشيخ قدس‌سره » بان غاية ما تقتضيه الآية انما هو مجرد الاشعار بالمطلوب واما الدلالة فلا « وتأمل » المحقق الخراساني قدس‌سره في الاشعار أيضا بأنه من المحتمل كون النكتة في التعبير بذلك هو تلقين ان يجادلهم بالتي هي أحسن لما في التعبير بعدم الوجدان من مراعاة الأدب ما ليس في التعبير بعدم الوجود « وفيه » ان هذا الاحتمال لا يمنع عن ظهور سوق الآية في التوبيخ على اليهود والزامهم بما هو من الأصول المسلمة العقلائية بان ما لا يعلم حرمته

٢٠٨

لا يجوز الالتزام بتركه وترتيب آثار الحرام عليه وانه يكفي في الترخيص وجواز الارتكاب مجرد عدم العلم بحرمته واقعا « وتوهم » ان التوبيخ على اليهود انما هو من جهة ما يقتضيه التزامهم بالترك من التشريع المحرم ، لا من جهة مجرد الترك من باب الاحتياط « مدفوع » بان الآية كما تنفي ذلك تنفي ايجاب الاحتياط بنفس تكفلها لتجويز الاقتحام عند عدم وجدان خطاب على حرمته واقعا « فإنه » بذلك تكون الآية معارضة مع ما دل على وجوب التوقف والاحتياط ، وصالحه للقرينية على تلك الأدلة على الاستحباب.

« ومن الآيات » : قوله عز من قائل « وما لكم ان لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم » « وتقريب » الاستدلال بها كما في الآية السابقة ، لورودها في التوبيخ على اليهود في التزامهم بترك الفعل مع خلو ما فصل عن ذكر ما يجتنبونه ، بل لعل هذه أظهر من سابقتها « لان » السابقة تدل على أنه لا يجوز الحكم بحرمة ما لم يوجد تحريمه فيما أوحى إلى النبي ، وهذه تدل على أنه لا يجوز التزام ترك الفعل مع عدم وجوده فيما فصل « ولكن » الدلالة موهونة بما أفاده الشيخ قدس‌سره من أن ظاهر الموصول العموم « فالتوبيخ » على الالتزام بترك شيء مع تفصيل جميع المحرمات الواقعية وعدم كون المتروك منها في محله « لان » لازم تفصيل المحرمات الواقعية هو العلم بعدم كون المتروك محرما واقعيا ، فلا ترتبط الآية حينئذ بما نحن بصدده من جواز الاقتحام فيما شك في حرمته واقعا « هذا كله » فيما استدل به من الآيات على البراءة ، وقد عرفت دلالة بعضها على المطلوب ونهوضه لابطال ما يدعيه الاخباري من لزوم التوقف ووجوب الاحتياط.

واما الأخبار الدالة على البراءة

« منها » : النبوي المعروف المروي في الخصال بسند صحيح كما في التوحيد عن أحمد بن محمد بن يحيي العطار عن سعد بن عبد الله بن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع عن أمتي تسعة : الخطاء والنسيان وما أكرهوا

٢٠٩

عليه وما لا يطيقون وما لا يعلمون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفه ( فيقال ) ان حرمة شرب التتن مثلا مما لا يعلم حرمته فتكون مرفوعة عن الأمة ( أقول ) ولما كان هذا الحديث الشريف محل اعتماد الأصحاب رضوان الله عليهم في أبواب الفقه من العبادات والمعاملات في العقود والايقاعات وغيرها ( كان الحري ) هو بسط الكلام في بيان فقه الحديث وما يستفاد من الفقرات المذكورة فيه ( وتنقيح ) ذلك يستدعى تقديم أمور.

( الامر الأول ) لا شبهة في أنه يعتبر في صدق الرفع وروده على امر ثابت ومن ذلك لابد في صحة استعماله من فرض وجود المرفوع في الزمان السابق أو المرتبة السابقة عن ورود الرفع بحيث لولا الرفع لكان موجودا ( بخلاف الدفع ) فإنه لا يعتبر في صدقه وصحة استعماله حقيقة الا كونه بعد ثبوت المقتضى لوجود الشيء ( لان ) شأن الدفع انما هي الممانعة عن تأثير مقتضى الشيء في تحققه وحينئذ فالرفع والدفع وان اشتركا في اعتبار ورودهما بعد فرض المقتضى للشيء ( الا ) انهما يفترقان من حيث الاحتياج إلى فرض وجود الأثر سابقا وعدمه ( فان ) العناية المصححة لصدق الرفع وصحة اطلاقه حقيقة انما هو فرض تأثير المقتضى في الشيء في الزمان السابق أو المرتبة السابقة عن وروده ( بخلاف ) الدفع ، فان المعتبر في صدقه انما هي الممانعة عن تأثير المقتضى في الوجود المقارن ( نعم ) لا يعتبر في صدق الرفع وصحة استعماله حقيقة وجود المرفوع حقيقة ( بل ) يكفي في العناية المصححة لذلك وجوده عناية وادعاء ولو باعتبار وجود مقتضيه ، ( فان ) مع وجود المقتضى للشيء يعتبر العقلاء وجود الشيء ويرونه كأنه موجود فيرتبون عليه أحكاما كثيرة ، كما في اطلاق السقوط في اشتراط سقوط الخيار في متن عقده مع أنه في الحقيقة عبارة عن عدم الثبوت ، حيث كان المصحح لاطلاق السقوط عليه وجوده الادعائي بلحاظ وجود مقتضيه وهو العقد ( وبذلك ) يظهر انه لا مانع من ابقاء الرفع في الحديث الشريف على ظهوره في الرفع الحقيقي في جميع الأمور التسعة حيث إنه يكفي في صحة اطلاق الرفع فيها مجرد اعتبار وجود الشيء سابقا على الرفع عند وجود مقتضيه ، بلا حاجة إلى جعل الرفع في الحديث بمعنى الدفع ، بالمصير إلى التجوز في الكلمة أو الاسناد ،

٢١٠

أو المصير إلى ما أفيد من أن حقيقة الرفع هي الدفع وان العناية المصححة لذلك هو كون الرفع في مرتبة وروده دفعا أيضا حقيقة باعتبار ممانعته عن تأثير مقتضى الشيء في بقاء ذلك الشيء في الآن المتأخر عن حدوثه ( فان ) ذلك كله كما ترى اتعاب للنفس بلا موجب يقتضيه ، مع وضوح فساد الأخير بما بيناه في الفرق بين الرفع والدفع ، من احتياج الرفع في مرحلة صدقه إلى وروده على امر مفروغ الثبوت والتحقق الملازم لفرض تأثير المقتضى في الزمان السابق أو المرتبة السابقة عن وروده ( قبال ) الدفع المعتبر في صدقه فرض عدم تأثير المقتضى في زمان سابق عن وروده ( إذ ) في مثله لا يكاد يوجب مجرد احتياج الموجود السابق في بقائه إلى علة البقاء وإفاضة الفيض عليه في كل آن ( انقلاب ) الرفع في مرحلة وروده إلى كونه دفعا حقيقة كما هو ظاهر.

( الامر الثاني ) ان مقتضى ظهور الحديث الشريف في الفقرات الأربع ، وهي ما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما أكرهوا عليه ، وما اضطروا إليه من حيث إضافة الرفع فيها إلى الموصول ( هو كون ) العناوين المزبورة من الجهات التعليلية للرفع والمانعة عن تأثير ما يقتضى انشاء الحكم ( بخلاف ) مثل الطيرة ، والحسد ، والوسوسة ( فإنها ) لا تكون مانعة عن تأثير المقتضى كما في الأربع المتقدمة بل المقتضى للحرمة فيها هو نفس تلك العناوين الثلاثة والا فلا يكون ورائها مقتض آخر تمنع هذه العناوين عن تأثيره ، ولذلك أضيف الرفع في الحديث إلى نفس الأمور الثلاثة على خلاف الأربع المتقدمة حيث إنه من جهة اقتضائها للحرمة كان الشارع رفعها لمانع خارجي من امتنان أو غيره واما المانع ) عن اقتضاء مثل هذه الأمور لتشريع الحكم التحريمي من جهة عدم اختباريتها ( فمدفوع ) بأنها بمباديها تكون اختيارية حيث يمكن التحرز عنها وعدم الوقوع فيها بالرياضات والمجاهدات ولذا كانت من الواجبات الأخلاقية ( واما الخطاء والنسيان ) فمقتضى الجمود على ظاهر الحديث هو كونهما كالثلاثة المتقدمة في تعلق الرفع بنفس الخطاء والنسيان بلحاظ آثارهما لا بما أخطاء وما نسى ( ولكن ) الذي يظهر منهم هو خلافه وان المرفوع فيهما هو المخطئ والمنسى كما يظهر من استدلالهم بهذا الحديث على صحة الصلاة المنسية فيها السجدة أو التشهد بتطبيق الرفع على السجدة

٢١١

المنسية والتشهد المنسى ( وعليه ) يشكل الجمع بين ما يقتضيه ظهور الحديث في تعلق الرفع بنفس الخطأ والنسيان ، وبين ما تسالموا عليه من كون المرفوع هو هو المخطئ والمنسى ( واما الالتزام ) بكون المصدر حينئذ بمعنى المفعول وان المراد من الخطأ والنسيان هو المخطئ والمنسى ( فبعيد ) عن ظاهر الرواية ( وابعد ) منه توهم ان ذلك مقتضى السياق الظاهر في كون الرفع فيهما على حذو الرفع فيما لا يعلمون وما استكرهوا عليه ( إذ نقول ) انه كذلك لولا الطيرة والحسد والوسوسة في التفكر في الخلق المقتضية لاختلاف سياق الرواية في الأشياء التسعة ( نعم ) لا بأس بارتكاب خلاف الظاهر في الرواية بجعل الخطأ والنسيان فيها كناية عن المخطئ والمنسي كما يؤيده خبر البزنطي الوارد فيمن حلف بالطلاق والعتاق المتضمن لحكمه (ع) بعدم تأثير الحلف بالطلاق واستشهاده بقول رسول الله (ص) رفع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لا يطيقون وما أخطأوا ، حيث إنه من جهة تضمنه للتصريح بما أخطأوا يستفاد ان المراد من الخطأ والنسيان في حديث الرفع أيضا ذلك لان الاخبار يفسر بعضها بعضا ( وهذا ) لو لم نقل بظهوره في كون ما استشهد به هو ذاك الحديث المتضمن للأشياء التسعة ، لا كونه خبر آخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والا فالامر أوضح وسيأتي مزيد بيان لذلك انشاء الله تعالى.

( الامر الثالث ) لا شبهة في أن الرفع بالنسبة إلى جميع المذكورات لا يكون الا رفعا تنزيليا لا حقيقيا فلا يحتاج حينئذ إلى تقدير امر في شيء من الأشياء التسعة ( لان ) الاحتياج المزبور انما هو فيما لو كان الرفع حقيقيا حيث إنه صونا لكلام الحكيم عن اللغوية يحتاج إلى تقدير شيء في البين فيقال انه خصوص المؤاخذة أو غيرها والا فبناء على كونه في جميع المذكورات من باب العناية والتنزيل لا يحتاج إلى شيء فيصح إضافة الرفع إليها تشريعا كما يصح اخبارا ولا يلزم منه أيضا مجاز في الاسناد أو الكلمة ( نعم ) حيث إن التنزيل لابد من كونه بلحاظ الآثار المترتبة على الشيء ، ففي فرض تعدد الأثر ربما يقع الكلام في أن التنزيل هل هو بلحاظ جميع الآثار أو بلحاظ بعضها ، ولكن ذلك غير مرتبط بالتقدير وحينئذ فما في كلام شيخنا العلامة الأنصاري قده من التعبير بالتقدير لا يخلو عن مسامحة واضحة ( نعم ) لابد وأن يكون الأثر المرفوع من الآثار الشرعية التي

٢١٢

كان امر رفعها ووضعها بيد الشارع فما لا يكون كذلك كان خارجا عن مصب الرفع في الحديث الشريف.

( الامر الرابع ) الظاهر من حديث الرفع بملاحظة وروده في مقام الامتنان على الأمة هو الاختصاص برفع الآثار التي يكون وضعها خلافه المنة ، فما لا يكون كذلك كان خارجا عن مصب الرفع ولا مجال للتمسك بالحديث لرفعه وان فرض الامتنان في رفعه ( ولا أقل ) من الشك في شمول حديث الرفع لمثله فيؤخذ بالقدر المتيقن ولا يكون ذلك الا الآثار التي كان وضعها خلاف المنة على المكلف لا مطلق ما يكون في رفعه الامتنان والتوسعة على المكلف وان لم يكن في وضعه ضيق عليه ( ومن ذلك ) نقول انه لا يشمل الحديث فيما لا يعلمون الحكم الواقعي الثابت للذات في الرتبة السابقة على الشك لعدم كونه بوجوده الواقعي مما فيه الضيق على المكلف حتى يقتضى الامتنان رفعه ( كما أنه ) لا يشمل الجهل بالحكم وكذا الخطاء والنسيان عن تقصير من المكلف وكذلك الاضطرار ونحوه إذ لا يأبى العقل حينئذ عن فعلية التكليف واستحقاق العقوبة على المخالفة ( نعم ) لو بلغ التحفظ عن الوقوع في الأمور المزبورة إلى حد الحرج ( يشمله ) حديث الرفع لان وضع التكليف حينئذ خلاف الامتنان على المكلف ( فكان ) حديث الرفع من هذه الجهة نظير حديث نفي الضرر الوارد في مقام الارفاق بالأمة الغير الشامل للمقدم على الضرر ( ولذلك ) تريهم يفرقون في أبواب المعاملات ، بين المقدم على الضرر كمورد الاقدام على المعاملة مع العلم بالغبن ، وبين غيره ، حيث يتمسكون بنفي الضرر على نفي لزوم المعاملة الغبنية في الثاني دون الأول ، مع أن في نفي اللزوم كمال المنة على المقدم في الأول أيضا ( ومما ذكرنا ) من ورود الحديث في مقام الامتنان على الأمة يظهر اختصاص المرفوع أيضا بالآثار التي لا يلزم من رفعها خلاف الارفاق على المكلف ( فما ) لا يكون كذلك لا يشمله حديث الرفع ، كما في الشرائط الراجعة إلى أصل التكليف كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج ونحوها ( حيث ) لا يجرى فيها حديث الرفع لاقتضاء رفع الشرطية فيها لوضع التكليف على المكلف وهو خلاف الارفاق في حقه ( بخلاف ) شرائط الواجب فإنه يجرى فيها حديث الرفع كما سنشير إليها ( كما أنه ) لو كان رفع التكليف عن شخص موجبا لضيق على الاخر

٢١٣

لا يجرى فيه حديث الرفع ( لان ) رفعه وان كان منة على الأول ولكنه من جهة استلزامه لوضع التكليف على الاخر يكون خلاف الارفاق عليه فمن ذلك لا يشمله الحديث لكونه منافيا لما يقتضيه من الامتنان على الأمة الظاهر في الارفاق على جميع الأمة لا على بعض دون بعض ( ونظيره ) حديث نفي الضرر حيث نقول فيه بعدم جريانه في موارد استلزامه للضرر على شخص آخر.

( الامر الخامس ) يعتبر في الأثر الذي يراد رفعه ان يكون من الآثار المترتبة على عناوين موضوعاتها لا بشرط عن طرو العناوين المذكورة في الحديث بمعنى انه لم يعتبر في موضوع الأثر عنوان العمد أو الخطأ والنسيان ونحو ذلك ( والا ) لم يكن مرفوعا بالحديث ( فلو فرض ) انه اعتبر في موضوع الأثر عنوان العمد كالقصاص في القتل والكفارة في الافطار بالاكل ونحوه فمع الخطاء أو النسيان لا يجرى فيه حديث الرفع من جهة ارتفاعه بنفسه بانتفاء موضوعه وهو العمد ( كما أنه ) لو اعتبر في موضوعه عنوان الخطأ والنسيان كالدية في قتل الخطأ وسجدتي السهو لا يكون مرفوعا بحديث الرفع ، بل لا يمكن ذلك ( لان ) عنوان الموضوع يقتضى وضع تلك الآثار لا رفعها وهكذا الكلام في الاكراه والاضطرار ونحوهما.

( وإذا عرفت ) هذه الأمور فلنرجع إلى ذكر العناوين المذكورة في الحديث وبيان ما يصلح ان يكون مرفوعا فيها من الآثار التكليفية والوضعية ( فنقول ) وعليه التكلان من العناوين المذكورة في الحديث عنوان ما لا يعلم ، والظاهر انحصار المرفوع فيه بايجاب الاحتياط ( لأنه الذي ) يكون امر رفعه ووضعه بيد الشارع وهو الذي يكون المكلف من قبل وضعه في الضيق ويقتضي الامتنان رفعه فيكون هو المرفوع حقيقة من بين الآثار ، دون المؤاخذة واستحقاق العقوبة ، ودون الحكم الواقعي ولو بمرتبته الفعلية ( إذ ) المؤاخذة والاستحقاق انما هي من المدركات العقلية التي لا تنالها يد الجعل التشريعي بلا توسيط منشئها الذي هو ايجاب الاحتياط ( واما العقوبة ) الفعلية فرفعها وان كان بيد الشارع حيث كان له العفو تفضلا مع ثبوت الاستحقاق ( الا ) ان رفعها ليس من تمام المنة على المكلف ، فان تمام المنة انما هو رفع أصل الاستحقاق بحيث يرى المكلف نفسه غير مستوجب

٢١٤

لشيء ( مضافا ) إلى أنه لا يجدى فيما هو المهم في المقام من نفي استحقاق العقوبة على ارتكاب المشتبه ( واما الحكم الواقعي ) فهو وان كان مجعولا شرعيا ، الا انه لا يمكن ان يتعلق به الرفع الحقيقي لوجوه ( منها ) ما عرفت في الامر الرابع من أن حديث الرفع ناظر إلى رفع الآثار التي وضعها خلاف الامتنان بحيث لولا الرفع كان المكلف من قبل وضعها في الضيق ، فان من الواضح ان ذلك لا يتصور في التكليف الواقعي ولو بمرتبة فعليته ، إذ لا يكون المكلف من جهة مجرد ثبوته في الواقع ونفس الامر في الكلفة والضيق حتى يجرى فيه دليل الرفع فيكون هو المرفوع حقيقة ( وهذا ) بخلاف ايجاب الاحتياط فإنه لولا الرفع كان المكلف من قبله في الكلفة ، فيتعين كونه هو المرفوع حقيقة ( نعم ) لما كان ايجاب الاحتياط منشأ لاستحقاق العقوبة على الواقع باعتبار كونه بيانا ومنجزا للواقع ورافعا لموضوع حكم العقل بقبح المؤاخذة كان رفعه رفعا للاستحقاق وبهذه العناية يصدق ان المرفوع هي المؤاخذة والاستحقاق ( كما أن ) مرجع رفع ايجاب الاحتياط لما كان إلى دفع مقتضيات الاحكام في تأثيرها في جعل ايجاب الاحتياط في ظرف الجهل بالواقع لاقتضاء الاهتمام بالواقع حينئذ عدم القناعة في حفظ المرام الواقعي بصرف الخطاب الواقعي المتعلق بعنوان الذات ولزوم كونه بصدد حفظه في المرتبة المتأخرة عن الجهل بخطابه بانشاء آخر متعلق بعنوان الاحتياط ( كان ) رفع ايجابه يعد بهذه العناية رفعا للحكم الواقعي ومصححا لإضافة الرفع إلى عنوان ما لا يعلم ( ومنها ) كونه خلاف مقتضى ظهور سياق الحديث في سائر الفقرات الاخر كالخطأ والنسيان والاكراه والاضطرار ونحوها فإنه بعد أن كان الرفع فيها رفعا بالعناية لا رفعا حقيقيا ، يقتضى السياق كونه كذلك فيما لا يعلم أيضا ( ومنها ) ظهور الحديث الشريف في كون الجهل من الجهات التعليلية للرفع ، حيث إن مقتضى علية الجهل وسببيته للرفع هو كونه في المرتبة المتأخرة عن الجهل بالواقع ( ولازمه ) بعد عدم شمول اطلاق الواقع لمرتبة الجهل بنفسه هو امتناع تعلقه بالحكم الواقعي ، لاستحالة ورود الرفع في ظرف الجهل بشيء على الشيء الملحوظ في الرتبة السابقة عن الجهل بنفسه ( كيف ) ورفع كل شيء عبارة عن نقيضه وبديله ونقيض الشيء لابد وأن يكون في مرتبته ، ولا

٢١٥

يكون الحكم الواقعي بما هو ملحوظ في المرتبة السابقة على الجهل نقيضا لهذا الرفع المتأخر عن الشك حتى يمكن تعلق الرفع الحقيقي بالحكم الواقعي ولو بمرتبة فعليته وحينئذ ) لا محيص من تعلق الرفع الحقيقي بايجاب الاحتياط بلا توجيهه إلى ما لا يعلمون الا بنحو العناية ( وذلك ) أيضا لا من جهة كونه اثرا للحكم الواقعي كما توهم ، بل من جهة كونه بنفسه هو المرفوع بدوا ( كيف ) وان انشاء ايجاب الاحتياط في ظرف الشك بالواقع انشاء مستقل مبرز عن الإرادة الواقعية في قبال الانشاء الواقعي المتعلق بعنوان الذات في الرتبة السابقة كما أوضحناه في مبحث جعل الطرق ، إذ حينئذ لا يرتبط مثل ايجاب الاحتياط بالحكم الواقعي ولا كان من لوازمه وآثاره ( نعم ) مرجع رفع ايجاب الاحتياط كما ذكرناه لما كان إلى دفع مقتضيات الاحكام في تأثيرها في جعل ايجاب الاحتياط في ظرف الشك بالخطاب الواقعي كان رفعه بهذه العناية رفعا للحكم الواقعي إذ يصدق بهذا الاعتبار ان المرفوع هو الحكم الواقعي ولو بمرتبة من الفعلية المقتضية لايجاب الاحتياط في ظرف الشك بالواقع ( كما أنه ) بعناية كون ايجاب الاحتياط منشأ لصحة المؤاخذة والاستحقاق يكون رفعه رفعا لهما ، والا فالرفع الحقيقي لا يكون الا متوجها بايجاب الاحتياط ( وبهذا البيان ) يمكن الجمع بين الكلمات بارجاعها إلى معنى واحد لبا وهو رفع الأثر المجعول الذي لولا الرفع كان المكلف من قبله في الكلفة والمشقة ، لوضوح عدم كون مراد القائل برفع جميع الآثار أو الأثر المناسب الظاهر هو مطلق الأثر المترتب على الشيء ولو لم يكن في وجوده ضيق على المكلف ، وعدم كون مراد القائل برفع خصوص المؤاخذة من بين الآثار رفعها بلا توسيط رفع منشئها الذي هو ايجاب الاحتياط ( إذ على جميع ) التقادير لا ينطبق المرفوع الا على ايجاب الاحتياط قيل بان المرفوع هو جميع الآثار أو الأثر المناسب أو المؤاخذة واستحقاق العقوبة.

( بقى ) الكلام عموم الرفع للشبهات الحكمية والموضوعية وعدم عمومه ( حيث ) انه قد يقال باختصاصه بالشبهات الموضوعية ( تارة ) من جهة اقتضاء وحدة السياق في إرادة الموضوع المشتبه من الموصول فيما لا يعلمون ( بتقريب ) ان المراد من الموصول فيما أكرهوا وما لا يطيقون وما اضطروا وما أخطأوا بعد

٢١٦

ان كان هو الفعل الذي أكره عليه أو اضطر إليه أو لا يطيقونه ، فوحدة السياق تقتضي ان يكون المراد من الموصول فيما لا يعلمون هو الفعل الذي اشتبه عنوانه كالشرب الذي لم يعلم كونه شرب خمر أو شرب خل ( وأخرى ) من جهة عدم تصور الجامع بين الشبهات الحكمية والموضوعية حتى يمكن إرادة ما يعمهما من الموصول ، بدعوى ان المرفوع في الشبهات الحكمية بعد ما كان عبارة عن نفس متعلق الجهل أعني الحكم الواقعي المجهول ، كان استناد الرفع فيه إلى الموصول من قبيل الاسناد إلي ما هو له ( بخلاف ) الشبهات الموضوعية فان متعلق الجهل فيها أولاً وبالذات هو الموضوع الخارجي ، وبالتبع يتعلق بالحكم الشرعي والموضوع الخارجي لما كان بنفسه غير قابل للرفع ( كان ) اسناد الرفع إليه من قبيل الاسناد إلى غير ما هو له ، وحيث انه لا يمكن الجمع بينهما في استعمال واحد واسناد واحد يدور الامر بين ان يراد من الموصول الحكم المشتبه أو الموضوع ، فمع قطع النظر عن السياق وان كان الأولى هو الأول حفظا لظهور الاسناد في كونه اسنادا إلى ما هو له ( الا ) ان وحدة السياق تقتضي تخصيص الموصول بالشبهات الموضوعية لأقوائية ظهور السياق من الظهور المزبور ( ولكن ) لا يخفى ما فيه اما ( الوجه الأول ) فلمنع وحدة السياق ( كيف ) وان من الفقرات في الحديث الطيرة والحسد والوسوسة ولا يكون المراد منها الفعل ، ومع هذا الاختلاف كيف يمكن دعوى ظهور السياق في إرادة الموضوع المشتبه ( مع أن ) ذلك يقتضي ارتكاب خلاف ظاهر السياق من جهة أخرى فان الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون هو ما كان بنفسه معروض الوصف وهو عدم العلم كما في غيره من العناوين الاخر كالاضطرار والاكراه ونحوهما حيث كان الموصول فيها معروضا للأوصاف المزبورة فتخصيص الموصول بالشبهات الموضوعية ينافي هذا الظهور إذ لا يكون الفعل فيها بنفسه معروضا للجهل وانما المعروض له هو عنوانه ، وحينئذ يدور الامر بين حفظ السياق من هذه الجهة بحمل الموصول فيما لا يعلم على الحكم المشتبه وبين حفظه من جهة أخرى بحمله على إرادة الفعل ولا ريب في أن العرف يرجح الأول فيتعين الحمل فيما لا يعلمون على إرادة الحكم ( واما الوجه الثاني ) ففيه ان المراد من الموصول فيما لا يعلم هو مطلق الحكم الشرعي المجهول الجامع بين الشبهات

٢١٧

الحكمية والموضوعية ، حيث لا فرق بينهما الا ان منشأ الشك في الشبهات الحكمية فقد النص أو اجماله وفى الشبهات الموضوعية الأمور الخارجية ولا يوجب ذلك فرقا بينهما في إضافة الرفع واسناده إلى الموصول كما هو ظاهر ( وعليه ) يتم الاستدلال بهذا الحديث على البراءة في قبال القائل بوجوب التوقف والاحتياط عند الشك في التحريم ، لان مقتضاه كما عرفت انما هو نفي وجوب الاحتياط عند الشبهة والترخيص في الارتكاب فيعارض ما دل على وجوب التوقف والاحتياط ( ثم انه ) بعد أن ظهر عموم الرفع للشبهات الحكمية والموضوعية ، نقول انه لا فرق ، بين التكاليف الاستقلالية ، أو الضمنية ، فنجري في الثاني أيضا عند الشك في جزئية شيء أو شرطيته أو مانعيته للمأمور به كما سنحققه في مبحث الأقل والأكثر انشاء الله تعالى ( هذا ) بناء على جريان البراءة العقلية في تلك المسألة واما على القول بالاشتغال العقلي فيها ، ففي جريان دليل الرفع اشكال كما سيأتي بيانه انشاء الله تعالى.

« ومن العناوين » المذكورة في الحديث ، عنوان الخطاء ، والنسيان والمراد بهما كما قربناه سابقا هو المنسي وما أخطأ لا نفس عنوان الخطأ والنسيان فكل ما كان مخطيا أو منسيا فعلا كان أو تركا جزء كان أو شرطا أو مانعا يكون مرفوعا بهذا الحديث ( ومرجع ) الرفع فيهما بعد كونه رفعا تنزيليا لا حقيقيا إلى رفع ما يترتب عليهما من الأثر المجعول الذي كان المكلف من قبله في الكلفة ويناسب الامتنان رفعه « ومرجعه » فيهما إلى رفع ايجاب التحفظ المستتبع لرفع التكليف الفعلي عن المنسى وما أخطأ حال النسيان ( فان ) الناسي وكذلك المخطئ وان سقط عنه التكليف حال النسيان « الا » ئنه لما كان متمكنا قبل النسيان من امتثال التكليف بالتحفظ وعدم الوقوع في مخالفة الواقع بالنسيان « كان » هذا المقدار كافيا في فعلية التكليف في حقه قبل النسيان بنحو يستتبع وجوب حفظ الالتفات مقدمة لعدم الوقوع في خلاف الواقع ويوجب استحقاق العقوبة على المخالفة ( الا ) ان الشارع من باب الامتنان رفع عن الناسي والمخطئ وجوب التحفظ يرفع منشئه الذي هو التكليف الفعلي « وعلى » ذلك فلو شرب خمرا أو ترك واجبا مثلا خطأ أو نسيانا كان هذا الشرب وهذا الترك كالعدم في عدم ترتب حكم عليهما

٢١٨

« فلا يستحق » العقوبة والمؤاخذة على مثل هذا الشرب وذاك الترك الناشئين عن الخطاء والنسيان « نعم » لابد من تقييد ذلك بما إذا لم يكن ترك التحفظ ناشئا عن سوء اختيار المكلف « والا » فلا يشمله حديث الرفع كما أشرنا إليه سابقا « ثم انه بما ذكرنا » يظهر الحال في نسيان الجزء والشرط والمانع « حيث » ان مقتضى رفع النسيان في هذه الأمور انما هو رفع التكليف الفعلي عن الجزء والشرط المنسيين ويلزمه بمقتضى الارتباطية سقوط التكليف عن البقية أيضا ما دام النسيان « الا انه » بعد النسيان تقتضي المصلحة القائمة بالمركب احداث التكليف بالاتيان إعادة في الوقت وقضاء في خارجه كاقتضائها في أصل التكليف به قبل النسيان « وبذلك » يظهر انه لا مجال للتمسك بهذا الحديث لاثبات اجزاء المأتي به في حال النسيان ، بتقريب انه بعد الزام العقل في حال النسيان باتيان البقية يستكشف من رفع جزئية المنسي أو شرطيته عن رفع وجوب الإعادة « إذ نقول » انه كذلك إذا كان نظر الحديث إلى رفع جزئية المنسي مطلقا حتى بعد التذكر والالتفات الملازم لتحديد دائرة الطبيعة المأمور بها حال النسيان بما عدا الجزء المنسي « والا فبناء » على ما هو الظاهر منه من كونه ناظرا إلى رفع المنسي ما دام النسيان بلا نظر منه إلى تحديد دائرة المأمور به واثبات كونه في حال النسيان هو ما عدا الجزء المنسي « فلا يتم » ذلك « لان » غاية ما تقتضيه حينئذ انما هو رفع ايقاء الامر والتكليف ما دام النسيان « واما » بعده فالمصلحة الداعية إلى الامر بالمركب أولاً لما بقيت غير مستوفاة تقتضي احداث التكليف بالإعادة بعد الالتفات « نعم لو اغمض » عن هذه الجهة لا يتوجه عليه الاشكال ، تارة من جهة المثبتية « بتوهم » ان وجوب الإعادة وان كان من الآثار الشرعية ، الا ان ترتبه على نسيان الجزء أو الشرط انما يكون بتوسيط امر عقلي وهي مخالفة المأتي به للمأمور به « فلا يجرى » فيه حديث الرفع لان دليل الرفع كغيره من التنزيلات ناظر إلى خصوص الآثار الشرعية المترتبة عليه بلا واسطة « وأخرى » بما افاده بعض الأعاظم قده من أن شأن حديث الرفع انما هو تنزيل الموجود منزلة المعدوم لا تنزيل المعدوم منزلة الموجود لان تنزيل المعدوم منزلة الموجود انما يكون وضعا وحديث الرفع لا يتكفل الوضع لان مفاده انما هو مجرد الرفع وعليه فلا يمكن تصحيح

٢١٩

العبادة الفاقدة لبعض الاجزاء والشرائط لنسيان أو غيره بحديث الرفع « وهذا » بخلاف الفعل الصادر عن المكلف نسيانا أو اضطرارا فإنه يشمله حديث الرفع لاقتضاء رفعه جعله بمنزلة المعدوم في عدم ترتيب اثر الوجود عليه « أقول » ولا يخفى ما في هذين الاشكالين « اما الأول » فبمنع كون ترتب وجوب الإعادة على عنوان مخالفة المأتي به للمأمور به « بل هو » انه مترتب على بقاء الامر الأول كترتب عدم وجوب الإعادة على عدم بقائه ، غاية الامر يلازم بقاء الامر وعدم بقائه مع مخالفة المأتي به للمأمور به وموافقته معه ، ومجرد هذا التلازم لا يقتضي ترتب وجوب الإعادة على هذا الامر العقلي حتى يتوجه عليه الاشكال المزبور « وحينئذ » فإذا كان بقاء الامر كحدوثه أمرا شرعيا تناله يد الجعل والرفع فلا محذور في التمسك بالحديث من هذه الجهة لنفي وجوب الإعادة « فتأمل » « واما الثاني » ففيه ان مرجع رفع الشيء بعد أن كان إلى الرفع بالعناية الراجع إلى خلو صفحة التشريع عن حكمه وعدم اخذه موضوعا لاحكامه « لا يكاد » يفرق بين رفع الفعل أو الترك « إذ » كما أن معنى رفع الوجود في عالم التشريع عبارة عن رفع الأثر المترتب عليه وخلوه عن الحكم في عالم التشريع ( كذلك في رفع العدم ) حيث إن مرجع رفعه إلى رفع الأثر المترتب على هذا العدم الراجع إلى عدم اخذه موضوعا للحكم بالفساد ووجوب الإعادة مثلا بملاحظة دخل نقيضه وهو الوجود في الصحة ( لا ان ) مرجع رفعه إلى قلب العدم بالوجود وتنزيله منزلة الموجود ، أو تنزيل الموجود منزلة المعدوم كي يشكل بان رفع المعدوم لا يكون الا بالوضع وحديث الرفع لا يتكفل الوضع ( إذ فرق ) واضح بين قلب الوجود بعدم ذاته وتنزيله منزلته وبالعكس وبين قلب اخذه موضوعا للحكم بعدم اخذه في مرحلة تشريع الحكم وخلو خطاباته عنه ( والاشكال ) المزبور انما يرد على الأول دون الثاني ، وما يقتضيه بحديث الرفع انما هو الثاني دون الأول « وعلى ذلك » نقول انه لا بأس بالتمسك بحديث الرفع لصحة العبادة الفاقدة لبعض الاجزاء والشرائط لنسيان أو غيره « فان » رفع ترك الجزء عن نسيان ، انما هو بلحاظ الأثر المترتب عليه وهو الفساد الذي هو نقيض الصحة المترتبة على وجوده ومرجعه إلى خلو صفحة تشريع الحكم بالفساد عن مثل هذا

٢٢٠