نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

الظن في مقام الاثبات لا في مقام الإطاعة والاسقاط وذلك لفساد ما عداه من المسالك الاخر الراجعة إلى التبعيض في الاحتياط ومرجعية الظن في مقام الاسقاط أو الكشف بأنحائه « اما » مسلك التبعيض فلما تقدم من ابتنائه على منجزية العلم الاجمالي وعدم انحلاله بكشف وجود منجز آخر في البين بمقدار الكفاية ( وهي ) ممنوعة جدا بما تقدم من قيام الاجماع والضرورة على بطلان الخروج من الدين ولو في فرض عدم علم اجمالي رأسا أو فرض عدم منجزيته للتكليف ( إذ ) بمثله يكشف عن وجود مرجع آخر في البين بمقدار الكفاية غير العلم الاجمالي موجب لانحلاله ولذلك جعلنا هذا المحذور هو العمدة في المستند للمقدمة الثانية أعني عدم جواز الاهمال ( مضافا ) إلى ما أوردنا عليه سابقا من لزوم سقوطه عن المنجزية أيضا بمقتضى الترخيص المطلق في طرف الموهومات بل المشكوكات من جهة الاضطرار أو الحرج والعسر المقارن للعلم الاجمالي ( فبعد ) سقوط العلم الاجمالي ( يتعين ) تقرير الحكومة ( إذ ) بعد انسداد باب العلم والعلمي وعدم ثبوت جعل من الشارع ولو بمثل ايجاب الاحتياط يحكم العقل بلزوم اتخاذ طريق في امتثال الاحكام بمقدار يرتفع به محذور الخروج عن الدين ويتعين في الظن بمقتضى المقدمة الرابعة باعتبار كونه أقرب إلى الواقع من الشك والوهم فيحكم بلزوم الاخذ به والرجوع فيما عداه إلى البراءة وان لم يستلزم الظن بانحصار التكليف في دائرة ظنونه ( لان هم ) العقل هو حصر مثبت التكليف في دائرة ظنونه لكي يرجع فيما عداه إلى البراءة ، لا ان همه تحصيل الظن بالفراغ كي يحتاج إلى الظن بحصر التكليف في الظنون وانما يكون ذلك بناء على مسلك التبعيض الراجع إلى مرجعية الظن في مقام الإطاعة والاسقاط ( فاعتبار ) ذلك على الحكومة كما أفيد لا يخلو عن خلط بين الحكومتين فراجع ( وبالجملة ) فهذا التقرير أعني الحكومة لا يحتاج الا إلى عدم وجود منجز آخر من علم أو علمي تفصيلي أو اجمالي ( فبعد ) انسداد باب العلم والعلمي وسقوط العلم الاجمالي عن البيانية والمنجزية للواقع بمقتضى الانحلال الناشئ من الاجماع والضرورة على بطلان الخروج عن الدين ، وعدم ثبوت جعل شرعي أيضا في البين ولو بمثل ايجاب الاحتياط يتعين تقرير الحكومة بالمعنى الذي عرفت ( واما ) فساد تقرير الانسداد نحو الكشف باقسامه حتى كشف ايجاب

١٦١

الاحتياط الشرعي ، فيكفيه مجرد احتمال ايكال الشارع في حكمه بلزوم تعرض الاحكام إلى هذا الحكم العقلي ( إذ ) مع الاحتمال المزبور لا يبقى طريق لكشف جعل من الشارع في البين خصوصا مسلك كشف حجية الظن وطريقيته شرعا واليه نظر الشيخ قده في الجواب الأول بقوله اما أولاً فلان مقدمات الانسداد لا تستلزم جعل الشارع ( نعم ) بناء على ما ادعى من الاجماع على عدم بناء الشريعة في امتثال الاحكام على الاتيان بمحتمل التكليف بما هو محتمل ولزوم كونه بعنوانه الخاص من الوجوب والحرمة فعلا وتركا ( كان ) لما أفيد وجه ( فإنه ) لابد حينئذ بمقتضى هذا الاجماع من كشف وسط مجعول في البين ( ولكن ) الشأن كله كما عرفت في تحقق هذا الاجماع حيث لم يكن منه عين ولا اثر في كلمات الأصحاب ( فان ) ما يمكن تسليمه انما هو الاجماع على بطلان الاحتياط ولو تبعيضا لو لم نقل باختصاصه على بطلان الاحتياط الكلي الذي هو غير موجب لنفي ايجاب الاحتياط بنحو يتعين في دائرة الظنون ( ومن المعلوم ) ان هذا المقدار من الاجماع لا يجدى في اثبات جعل من الشارع فضلا عن اقتضائه لاثبات حجية الظن بنحو الوسطية والكاشفية ( الا بانضمام ) دعوى انعزال العقل في هذه المرحلة أو عدم ايكال الشارع في مقام تنجيز احكامه إلى حكم العقل ( بل ) على فرض اقتضائه لثبوت جعل شرعي في البين لا مجال لاثبات ان المجعول هو خصوص حجية الظن بنحو الوسطية ( إذ ) كما أنه يناسب ذلك يناسب أيضا مع كون وجوب العمل بالظن من باب المقدمة لتنجيز الواقع نظير ايجاب الاحتياط في الشبهات البدوية ، فتعيين الأول يحتاج إلى اثبات عدم صلاحية غير الحجية بمعنى الوسطية للمنجزية للواقع وانحصار المنجز بالعلم والعلمي ، وهذا وان ادعاه في بعض كلماته ، الا انه كما ترى لا يلتزم به أحد ، كيف ولازمه هو الالتزام في موارد ايجاب الاحتياط الشرعي بالعقوبة على مخالفة نفس ايجاب الاحتياط مطلقا ولو في مورد المخالفة للواقع مع أن بناء الأصحاب على خلافه ، هذا ( مع أنه ) في فرض تسليم الاجماع بالمعنى الأول ( نقول ) انه بعد عدم اقتضاء هذا الاجماع لحجية الظن بدوا وبلا واسطة شيء وتوقفه على ضم بقية المقدمات ، لأنه بدونه يخرج عن كونه نتيجة دليل الانسداد ، لرجوعه إلى قيام الاجماع عند الانسداد على حجية الظن شرعا كما

١٦٢

أشار إليه الشيخ قده ( فلا جرم ) يدور الامر في الوسط المجعول بين كونه في دائرة الظنون ، وبين كونه في غيرها ، وبعد انعزال العقل عن الحكم حينئذ يتوجه عليه بأنه ما المعين في كونه في دائرة الظنون بعد قابلية غيرها أيضا للجعل كما أشار إليه الشيخ قده في الجواب الثاني عن مسلك الكشف ، وأقربية الظن من غيره في نظر العقل كما على الحكومة لا ينفع في تعيين ما هو الأقرب بنظر الشارع كي يتعين مجعوله فيه ( واما ) توهم عدم قابلية غير الظن لتتميم الكشف والطريقية ( فكلام ) شعري ، فان كل محتمل قابل لتتميم ، كشفه الناقص حتى الوهم كما في الظنون النوعية كما أشرنا إليه في مبحث القطع ( ومعه ) من أن يحصل الجزم بكونه في دائرة الظنون بمقتضى الأقربية بنظر العقل ( فحينئذ ) يحتاج إلى اجراء مقدمات الانسداد مرة أخرى في تعيين ما هو المجعول شرعا ( فنقول ) انه بعد تردد الوسط المجعول بين كونه في دائرة الظنون وبين غيرها وسقوط العلم الاجمالي في هذه المرحلة أيضا عن المنجزية بمقتضى بطلان الخروج عن الدين ، ولزوم كون الطريق المجعول واصل إلى المكلف ولو بطريقه ، لان الطريق غير الواصل ولو بطريقه لا يزيد حكمه عن أصل التكليف الواقعي الذي انسد باب العلم به ( وعدم ) كونه بوجوده الواقعي منجزا للواقع ( يحتاج ) لا محالة في تعيين الوسط المجعول إلى منجز آخر في البين ( وفي هذه ) المرحلة أيضا يتأتى ما ذكرناه من الحكومة والكشف وهلم جرا ( فلا محيص ) من انتهاء الامر بالآخرة إلى حكومة العقل واستقلاله بكون الوسط المجعول هو الظن ( وهذا ) مع كونه منافيا للاجماع المزبور لرجوعه بالآخرة إلى كون امتثال الاحكام بالاحتمال ، لا بالجزم ، تبعيد للمسافة فلم لم يلتزم بالحكومة ابتداء في الظن بالتكليف ، والتزم بالكشف ( فتدبر ) في أطراف ما ذكرناه تجده حقيقا بالقبول ( فتحصل ) من جميع ما ذكرناه ان القول بالكشف خصوص الكشف بمعنى الوسطية مما لا مبنى له ولا أساس ولا ينبغي المصير إليه وانه بعد بطلان القول بالتبعيض وانتهاء الامر إلى مثبتية الظن لا محيص عن القول بالحكومة العقلية ( ثم إن ) تقرير الحكومة يتصور على وجهين الأول ) دعوى استقلال العقل عند الانسداد وعدم مثبت للتكاليف تفصيلا أو اجمالا بوجوب الاخذ بالاحتمال بمقدار يرتفع به محذور الخروج عن الدين وتعيينه بالظن

١٦٣

بمقتضى المقدمة الرابعة ( الثاني ) من جهة حكم العقل بلزوم الاخذ باحتمال تكليف يقطع على فرض وجوده باهتمام الشارع بها بنحو لا يرضى بتركه ولو في ظرف الجهل ، وخروج مثل الاحتمال المزبور عن موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان نظير ما ذكرناه في وجه منجزية أوامر الطرق المجعولة ( فإنه ) بمقتضى الضرورة والاجماع على بطلان الاهمال ولو مع عدم علم اجمالي في البين يستكشف عن بلوغ التكاليف الواقعية على فرض وجودها في المحتملات في الاهتمام بمرتبة لا يرضى الشارع بتركها حتى في ظرف الجهل بها ، وبعد احراز هذا الاهتمام من الشارع بالتكاليف الواقعية والجزم بتلك القضية التعليقية في الموارد المحتملة يستقل العقل بلزوم التعرض لها ويحكم بحجية احتمال التكليف ومنجزيته ( نعم ) حيث إن مراتب الاهتمام بحفظ المرام مختلفة ، لكونه تارة بمرتبة يقتضى رعايته حتى في طرف الموهوم ، وأخرى بمرتبة لا يقتضى الا رعايته في طرف المظنون والمشكوك وثالثة بنحو يقتضى رعايته في خصوص طرف المظنون دون الموهوم والمشكوك ( كان ) القدر المتيقن من الاهتمام المحرز هي المرتبة الأخيرة فيستقل العقل بلزوم الاخذ بالظن ، ويبقى الموهوم والمشكوك على الشك في أصل الاهتمام بحفظ الواقع في موردهما فيرجع فيهما إلى الأصول ( وبذلك ) يتعين الاخذ بالظن حيث يكون حجة ومنجز للواقع بالحكومة العقلية ، من دون احتياج إلى المقدمة الرابعة بل ولا إلى المقدمة الثالثة أعني ابطال الاحتياط التام بمقتضى الاجماع أو الحرج والعسر ( فإنه ) بعد تخصيص الوجوب بمقتضى الاهتمام المحرز بخصوص المظنونات يبطل الاحتياط الكلي في المشكوكات والموهومات بانتفاء ملاكه فيهما ( وهذا ) بخلاف التقريب الأول ، فإنه يحتاج في تعيين خصوص الظن في المرجعية إلى المقدمة الرابعة ( لان ) التخلص عن محذور الخروج عن الدين كما يكون بالأخذ بالمظنونات ، كذلك يكون بالأخذ بما عدى المظنونات فيحتاج في تعين خصوص الظن إلى التشبث بالمقدمة الرابعة ( نعم ) ذلك أيضا لا يحتاج إلى المقدمة الثالثة ، حيث لا يلزم من حكم العقل بوجوب التعرض للتكاليف بمقدار يرتفع به محذور الخروج عن الدين الاحتياط الكلي كي يلزمه محذور الحرج والعسر فبطلان الاحتياط الكلى حينئذ كان من جهة انتفاء ملاكه من الأول ( ثم من الأوجه )

١٦٤

في تقرير الحكومة هو التقريب الثاني دون الأول ( لعدم ) ثبوت ملاك واضح لحكم العقل بمنجزية مطلق الاحتمال عدى توهم مناط الاحتمال قبل الفحص والنظر في المعجزة ( وهو ) غير متحقق في المقام ، لوضوح ان مناط حكم العقل بالتنجيز هناك ليس مجرد احتمال التكليف الفعلي والا لم يبق مورد لجريان البراءة وقاعدة قبح العقاب بلا بيان ( وانما ) المناط فيه هو احتمال الظفر بما يوجب تنجز التكليف ، من علم أو علمي ، وذلك أيضا في فرض كون احتمال الظفر بالدليل احتمالا عقلائيا لكون المنجز المحتمل بنحو لو تفحص عنه لظفر به على تقدير وجوده ، ففي الحقيقة الاحتمال المتحقق هناك احتمال للتكليف الثابت تنجزه بالدليل ( ومن المعلوم ) انتفاء هذا الملاك في المقام المفروض فيه انسداد باب العلم والعلمي بالتكليف بالمرة والقطع بعدم الظفر بالدليل ولو بعد الفحص التام ( وبذلك ) ظهر الحال في حكمه بوجوب النظر في المعجزة ( فان ) المناط فيه انما هو احتمال حصول العلم بصدق مدعى النبوة بالنظر في المعجزة ( وهو ) غير مرتبط بمسئلتنا هذه التي انسد فيها باب العلم والعلمي ( واما التخلص ) عن محذور الخروج عن الدين ، فهو انما يصلح ان يكون ملاكا لحكم العقل بمنجزية الاحتمال إذا كان محذور الخروج عن الدين بنفسه علة لعدم جواز الاهمال ، وليس كذلك ( وانما ) ذلك من جهة كشفه عن وجود منجز في البين يكون هو العلة لعدم جواز الاهمال ( وهو ) لا يكون الا ما ذكرناه من الاهتمام ، بل يمكن قويا كون مدرك المجمعين على بطلان الاهمال ولو مع عدم علم اجمالي أو عدم منجزيته هو استكشافهم الاهتمام المزبور وعليه يتعين الحكومة بالتقرير الثاني

بقى التنبيه على أمور

( الأول ) في أن نتيجة مقدمات الانسداد هل هي اعتبار الظن في خصوص المسألة الأصولية وهي كون الشيء طريقا ( أو هي ) اعتبار الظن في خصوص المسألة الفقهية « أو هي » اعتبار الظن في كل من المسألة الأصولية والفقهية « فنقول » « اما » على تقرير الكشف باقسامه فلا ينبغي الاشكال في عموم النتيجة « إذ » بعد استكشاف حجية الظن لا يفرق العقل فيه بين الظن بالواقع

١٦٥

والظن بالطريق فيحتاج تخصيصه بأحد الامرين إلى مخصص « واما » على تقرير الحكومة فتختلف باختلاف تقرير الحكومة « فعلى » تقريرها بملاك الاهتمام يمكن دعوى اختصاصها بخصوص الظن المتعلق بالواقع « لان » القدر المتيقن « من » الاهتمام المحرز انما هو اهتمام الشارع بالتكاليف الواقعية في دائرة الظنون « واما » بالنسبة إلى الاخذ بالطرق المجعولة واقعا ، فلم يحرز اهتمامه بها بنحو لا يرضى بتركها ولو في ظرف الجهل بها ومع عدم احراز هذا الاهتمام بالنسبة إليها لا يبقى مجال لتعميم النتيجة لمطلق الظن « واما بناء » على تقريبها بمناط التخلص عن محذور الخروج عن الدين فلا يفرق فيه بين الظن بالواقع أو الطريق « لان » في العمل بكل منهما يرتفع المحذور المزبور « واما » على مسلك التبعيض في الاحتياط الناشئ من جهة العلم الاجمالي فتختلف النتيجة تعميما وتخصيصا باختلاف تقريب العلم الاجمالي « فعلى تقريبه » بالعلم الاجمالي بخصوص التكاليف الواقعية يلزم تخصيص النتيجة بخصوص الظن بالمسائل الفرعية « وتوهم » عموم النتيجة حينئذ بدعوى ان تمهيد مقدمات الانسداد انما هو لأجل رعاية التكليف المعلوم بالاجمال والخروج عن عهدته وهو كما يحصل بالظن بالواقع يحصل بالظن بالطريق ( مدفوع ) بان لازم تخصيص العلم الاجمالي بالأحكام الفرعية هو انتفاء العلم الاجمالي في الاحكام الأصولية اما بانتفاء العلم فيها رأسا واما من جهة عدم انسداد باب العلم فيها وعلى كلا التقديرين لا مجال للاكتفاء بالفراغ الظني الجعلي « وهذا » على الثاني ظاهر فإنه بعد عدم انسداد باب العلم بالأحكام الأصولية بحكم العقل بتحصيل الفراغ اليقيني الجعلي ولا معنى حينئذ للاكتفاء بالفراغ الظني الجعلي « وكذلك » على الأول لوضوح تبعية الظن للعلم الاجمالي فكلما ثبت الاشتغال به بمقتضى العلم الاجمالي كان الظن بمقتضى المقدمات المزبورة مرجعا في مقام اسقاطه والخروج عن عهدته فإذا فرض اختصاص العلم الاجمالي بخصوص الاحكام الواقعية وكان الشك بالنسبة إلى الطرق بدويا محضا فيما يترتب عليها من النتيجة لا يكون الا مرجعية الظن المتعلق بالواقع دون الطريق فتأمل « واما على تقريبه بالعلم الاجمالي » بمطلق الوظيفة الفعلية أعم من الواقعية والظاهرية فما يترتب عليها من النتيجة انما هو الظن بقول مطلق كان متعلقا بالواقع أو الطريق ( واما ) على تقريبه

١٦٦

بعلم اجمالي بالتكاليف الواقعية وعلم اجمالي آخر بجعل الطرق الخاصة للتكاليف الواقعية الوافية بالمعلوم بالاجمال من الاحكام ( فتختص ) النتيجة بالظن بالطريق لانحلال العلم الاجمالي بالتكاليف الواقعية بما في مؤديات تلك الطرق المعلومة بالاجمال والشك البدوي في غيرها ، ولازمه بعد عدم طريق علمي إلى تعيين تلك الطرق هو الرجوع فيها إلى الظن ( والى ذلك ) نظر صاحب الفصول قده فيما افاده من اعتبار الظن بالطريق دون الواقع ( حيث ) قال ما لفظه لا ريب انا كما نقطع بانا مكلفون في زماننا هذا تكليفا فعليا بأحكام كثيرة لا سبيل بحكم العيان وشهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع ولا بطريق معين نقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه أو قيام طريقه القطع ولو عند تعذره ( كذلك ) نقطع بان الشارع قد جعل لنا إلى تلك الأحكام طرقا مخصوصة وكلفنا تكليفا فعليا بالرجوع إليها في معرفتها ومرجع هذين القطعين عند التحقيق إلى امر واحد وهو القطع بانا مكلفون تكليفا فعليا بالعمل بمؤدي الطرق وحيث لا سبيل لنا غالبا إلى تعيينها بالقطع ولا طريق نقطع من السمع بقيامه بالخصوص مقامه ( فلا ريب ) في أن الوظيفة الفعلية في مثل ذلك بحكم العقل انما هو الرجوع في تعيين تلك الطرق إلى الظن انتهى ( فان قوله ) قده سره ومرجع القطعين الخ ظاهر فيما ذكرنا من انحلال العلم الاجمالي بالتكاليف الواقعية بما في مؤديات تلك الطرق المعلومة بالاجمال والشك البدوي في غيرها ( لان ) بالعلم الاجمالي بنصب طرق خاصة للأحكام الواقعية تأسيسا أو امضاء وافية بالمعلوم بالاجمال من الاحكام ينحل العلم الاجمالي بالأحكام لا محالة بالعلم بما تضمنته تلك الطرق والشك البدوي في ما عداها ، ولازمه اختصاص النتيجة بالظن بالطريق دون الواقع ( ولا يخفى ) انه على هذا التقريب لا يتوجه عليه ما افاده الشيخ قده سره في الاشكال الخامس من منع اقتضائه لتعيين العمل بالظن بالطريق وان غايته كونه مجوزا له فيجوز العمل بالظن بالواقع أيضا ( إذ ) يتم ذلك لولا الانحلال المزبور ( واما ) مع انحلال العلم الاجمالي بالواقع وصيرورة الشك في غير ما تضمنته الطرق المنصوبة المعلومة بالاجمال بدويا ، فلا محيص من تخصيص النتيجة بخصوص الظن بالطريق ( واما توهم ) منع اقتضاء مجرد العلم الاجمالي بنصب الطرق لانحلال العلم الاجمالي بالتكاليف « بتقريب » ان انحلال

١٦٧

العلم الاجمالي بالأحكام انما هو من لوازم جريان الأصول اللفظية والجهية في الطرق المجعولة وجريان هذه الأصول منوط بوصول تلك الطرق إلى المكلف تفصيلا بنحو يميزها عن غيرها كي بالعلم بها وظهورها وجهة صدورها ينحل العلم الاجمالي الكبير ( والا ) فمع عدم العلم بها تفصيلا لا يكاد تجرى فيها الأصول اللفظية والجهية ومع عدم جريانها يبقى العلم الاجمالي الكبير بالتكاليف على حاله ومقتضاه هو الخروج عن عهدتها علماء مع التمكن منه وظنا مع عدم التمكن من العلم ( فمدفوع ) بأنه يتم ذلك في فرض عدم الجزم بظهور ما هو الصادر اجمالا ( والا ) ففي فرض الجزم بظهوره فلا قصور في جريان الأصول وحجية مثل هذا الظهور المعلوم صدوره اجمالا بين الاخبار وسببيته لانحلال العلم الاجمالي الكبير بالأحكام الواقعية كما لا يخفي ، وعليه لا مجال للاشكال على الفصول من هذه الجهة ( نعم ) يمكن الاشكال عليه بمنع العلم الاجمالي المستقل بجعل الطرق المخصوصة للتكاليف ، ومنع كونها فيما بأيدينا فيمنع حينئذ أصل العلم الاجمالي بجعل الطرق الخاصة للتكاليف ولو امضاء إذ من الممكن ايكال الشارع واحالته للعباد في امتثال التكاليف إلى ما تداول بينهم في امتثال احكام مواليهم العرفية من الرجوع أولاً إلى العلم الحاصل من تواتر النقل ومع فقده إلى الظن والاطميناني أو الاخذ بالاحتياط ومع هذا الاحتمال لا مجال لدعوى القطع بنصب الشارع طرقا خاصة إلى ما هو المجعول من الاحكام الواقعية بتوهم ان كل حاكم لابد له من نصب طرق خاصة إلى احكامه المجعولة في مقام السلوك إليها وان الشارع أيضا غير متخطي عن تلك الطريقة المألوفة ( ولعله ) لما ذكرنا أنكر السيد قده ومن تبعه نصب طرق خاصة للأحكام الواقعية ( نعم ) دعوى العلم الاجمالي بمطلق الوظيفة الفعلية أعم من الواقعية والظاهرية كما هو مقتضى التقريب الثاني في محلها ( ولكنه ) غير دعوى العلم الاجمالي المستقل بجعل طرق خاصة بمقدار المعلوم بالاجمال وهذا هو الذي منعنا عنه ( كيف ) وانه لو كان لبان واشتهر لعموم البلوى به وتوفر الدواعي إلى نقله ( واما الانتصار ) له بان الممنوع انما هو نصب الشارع واختراعه طرقا مخصوصة للأحكام بنحو التأسيس فإنها هي التي تتوفر الدواعي إلى نقلها ( واما ) كونه بنحو الامضاء فلا مانع من دعوى العلم الاجمالي بامضاء الشارع لبعض ما بيد العرف والعقلاء من الطرق العقلائية

١٦٨

وافية بالأحكام الشرعية لخفاء ما أمضاه وعدم علمنا به تفصيلا ( فان ) النصب بهذا المعنى ليس مما تتوفر الدواعي إلى نقله كي يستبعد وقوعه خصوصا مع كفاية مجرد عدم الردع في الامضاء ( فمندفع أولاً ) بان دعوى العلم الاجمالي بامضاء الشارع لبعض ما بيد العرف من الطرق العقلائية ولو من جهة عدم الردع منوطة باثبات تخصيص الامضاء ببعض دون بعض ( والا ) فيلزم بمقتضى عدم الردع على ما أفيد حجية جميع الطرق العقلائية ، واثبات تخصيص الامضاء ببعض دون بعض لا يكون بأقل من جعل الشيء طريقا بالاستقلال في توفر الدواعي إلى نقله واشتهاره كما هو ظاهر ( وثانيا ) نمنع كونها فعلا فيما بأيدينا من جهة احتمال كونها من الامارات غير الواصلة إلينا وان كانت موجودة في الصدر الأول ( ومع هذا ) الاحتمال لا ينتهى الامر إلى لزوم العمل بالظن بالطريق ( وثالثا ) ان اللازم حينئذ هو الاخذ بما هو المتيقن منها في الحجية وهو الصحاح من الاخبار المفيدة للاطمينان إذ لا يحتمل عدم حجيتها وحجية ما عداها من الخبر الموثق والشهرة والاجماع المنقول ونحوها ( فمع ) وفائها بمعظم الفقه يقتصر عليها والا فيضاف إليها الموثقات لكونها متيقنة بالإضافة إلى مطلق الخبر والشهرة والاجماع المنقول ونحوها ومع عدم وفائها أيضا فالمتيقن بالإضافة وهكذا « ومع » الغض عن ذلك ولو بدعوى عدم كفاية الصحاح وانتفاء ما هو متيقن الحجية والاعتبار بالإضافة في البقية من جهة تساوى احتمال النصب في كل واحد منها كما قيل لا ينتج ذلك أيضا تعين العمل بالظن بالطريق « بل » يعم الظن بالتكليف الذي يظن كونه مؤدى طريق معتبر في الواقع « فان » القدر الذي يقتضيه البرهان المزبور انما هو خروج الظن بالتكليف الذي لا يظن كونه مؤدى طريق معتبر لا خروج مطلق الظن بالتكليف ولو مع الظن بكونه مؤدى طريق معتبر واقعا فحكم هذا الظن حكم الظن بطريقية طريق خاص في جواز الاكتفاء به وان لم يحصل الظن بطريقية طريق خاص « وهذا » أيضا لولا دعوى وجوب الاحتياط حينئذ في الجميع « ويمكن » توجيه كلامه قده بوجه آخر وان كان بعيدا وهو ان يكون المراد من قوله ومرجع القطعين « الخ » هو صرف التكاليف الفعلية إلى مؤديات الطرق المعلومة بالاجمال بدعوى ان العلم بجعل الطرق للتكاليف موجب للقطع بان الحكم الفعلي

١٦٩

ليس الا عبارة عن الاحكام التي قامت عليها الطرق لا مقيدة بقيام الطرق عليها كي يلزم التصويب وان غير ما في دائرة تلك الطرق المعلومة بالاجمال لا يكون حكما فعليا يجب اتباعه بل حكما شأنيا ومما سكت الله عنه ولازمه هو الاقتصار على خصوص الظن بالطريق دون الواقع للقطع حينئذ بعدم كونه حكما فعليا يجب اتباعه هذا « ولكن » فيه ان لازم البيان المزبور بعد تسليمه وان كان هو عدم تصور القطع ولا الظن بالحكم الفعلي في غير دائرة الطرق المجعولة ، الا ان لازمه كما ذكرنا هو الاخذ بما هو متيقن الاعتبار ولو بالإضافة بما يفي بمعظم الفقه ومع عدم كفايته أو عدم وجود المتيقن لتساوي احتمال الحجية في الجميع يتعدى إلى ما يظن كونه مؤدى طريق معتبر واقعا وان لم نعلمه نحن ولا كان واصلا إلينا أصلا « لا انه » يتعين الاخذ بخصوص الظن بالطريق « بل حينئذ » لا يكاد ينفك الظن بالحكم الفعلي في فرض حصوله عن الظن بكونه مما قام عليه طريق معتبر بحسب الواقع ، فمتى حصل الظن بالتكليف الفعلي ولو من طريق موهوم الحجية كالشهرة والاستحسان فلابد من الكشف عن كونه مؤدى طريق معتبر واقعا ( فلا ) يترتب حينئذ ثمرة بين هذا القول وبين القول بالتعميم ، لأنه على كل حال لا ينفك الظن بالحكم الفعلي عن الظن بكونه مؤدى طريق معتبر في الواقع وان لم يحصل الظن بطريقية طريق خاص فتدبر ( ثم إن في المقام تقريبا ) آخر لصاحب الحاشية قده سره في وجه تخصيص النتيجة بالظن بالطريق بلا احتياج فيه إلى دعوى العلم الاجمالي بجعل الطرق قال قده فيما حكى انه لا ريب في كوننا مكلفين بالأحكام الشرعية ولم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية في الجملة وان الواجب علينا أولاً هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف بان يقطع معه حكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به وسقوط التكليف عنا سواء حصل العلم منه بأداء الواقع أو لا حسب ما مر تفصيل القول فيه وحينئذ نقول ان صح لنا تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم الشارع فلا اشكال في وجوبه وحصول البراءة وان انسد علينا سبيل العلم به كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبرائة في حكمه إذ هو الأقرب إلى العلم به فيتعين الاخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم والقطع ببقاء التكليف دون ما يحصل الظن بأداء الواقع كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن وبينهما بون بعيد إذ ) المعتبر

١٧٠

في الوجه الأول هو الاخذ بما يظن كونه حجة بقيام دليل ظني على حجية سواء حصل منه الظن بالواقع أولاً ( وفي الوجه ) الثاني لا يلزم حصول الظن بالبرائة في حكم الشارع ( إذ ) لا يستلزم الظن بالواقع الظن باكتفاء المكلف بذلك الظن في العمل سيما بعد النهى عن اتباع الظن « فإذا » تعين تحصيل ذلك بمقتضى العقل يلزم اعتبار امر آخر يظن معه برضى المكلف بالعمل به وليس ذلك الا الدليل الظني الدال على حجيته فكل طريق قام ظن على حجيته عند الشارع يكون حجة دون ما لم يقم عليه انتهى « أقول وملخص » مرامه قده هو ان هم العقل حسب اقتضاء الاشتغال اليقيني للفراغ اليقيني انما هو تحصيل اليقين بالفراغ وجدانا أو جعلا وتنزيلا الذي هو عبارة عن تحصيل الحجة على الواقع بنحو كان تحصيل الحجة على الفراغ في عرض تحصيل اليقين بالفراغ الواقعي لا في عرض الفراغ الواقعي « ولازم » هذه العرضية انه مع التمكن من تحصيل اليقين أو اليقيني بالفراغ يتعين عليه ذلك قهرا ومع عدم التمكن وانتهاء الامر إلى الظن ( هو ) لزوم تحصيل الظن بالفراغ عن يقين تنزيلي الذي هو في عرض الفراغ عن يقين وجداني وهو منحصر بالظن بطريقية شيء وحجيته دون الظن بأداء الواقع « لان » الظن بأداء الواقع وان كان ظنا بالفراغ الواقعي ( ولكنه ) لا يلازم الظن بالفراغ عن يقين وجداني أو تعبدي بخلاف الظن بالطريق فإنه يلازم الظن بالفراغ اليقيني التنزيلي وان لم يلازم الظن بالفراغ الحقيقي حيث إن حجية شيء بتتميم كشفه مساوق لجعله يقينا تنزيلا فلا جرم يكون الظن بالطريق ملازما للظن بحكم الشارع بالفراغ فيظن حينئذ بالفراغ عن يقين تعبدي تنزيلي « ولئن » شئت قلت إن موضوع الزام العقل بعد أن كان هو تحصيل القطع أو القطعي بالفراغ فمع التمكن منه يتعين عليه ذلك حيث يقطع بحصول موضوع الالزام العقلي ، ومع عدم التمكن منه وانتهاء النوبة إلى الظن يتعين الاخذ بالظن بالطريق لكونه ظنا بما هو موضوع الالزام العقلي أعني الفراغ اليقيني التنزيلي ، بخلاف الظن بالواقع فإنه لا يكون ظنا بموضوع الالزام ، إذ لا يكون ظنا بالفراغ عن يقين وجداني ولا ملازما للظن بحكم الشارع بالفراغ كي يكون ظنا بالفراغ اليقيني التعبدي نعم هو ملازم للظن بالفراغ الواقعي الذي هو خارج عن

١٧١

موضوع الزام العقل ( ولا يخفى انه ) على هذا البيان لا يرد عليه ما أفيد من الاشكال « تارة » بأنه لا معنى محصل لقوله الواجب علينا أولاً هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف فان باب الامتثال وتفريغ الذمة ليس مما يقبل الجعل الشرعي والحكم بأنه حصل الامتثال بل هو دائر مدار فعل متعلقات التكاليف فمع الآيتان بالمأمور به بما له من الاجزاء والشرائط يترتب عليه قهرا حصول الامتثال وتفريغ الذمة ، ومعه لا يبقى مجال حكم الشارع بالفراغ كي يحتاج إلى تحصيل العلم به ويتنزل عند الانسداد إلى لزوم تحصيل الظن بحكمه بتفريغ الذمة « وأخرى » بان تفريغ الذمة انما هو بفعل ما اراده الشارع في ضمن الأوامر الواقعية ، والاكتفاء بما قام عليه الطريق الجعلي انما هو لكون مؤداه بحكم الشارع نفس المراد الواقعي لا من جهة انه شيء مستقل في عرض الواقع فلا معنى حينئذ لجعل الطرق في عرض الواقع والحكم بتخيير المكلف بين تحصيل العلم بالواقع وبين العمل بالطرق ( وثالثة ) بان العلم بالواقع كما يلازم العلم بالفراغ في حكم الشارع كذلك يكون الظن بالواقع ملازما للظن بالفراغ في حكم الشارع إذ لا يعقل الفرق بين العلم والظن من هذه الجهة وغير ذلك من الاشكالات ( إذ نقول ) بابتناء المحاذير المزبورة على أن يكون مورد الزام العقل عند الاشتغال بشيء هو الفراغ الواقعي « والا » فلو كان مورد الزامه تحصيل اليقين أو اليقيني بالفراغ المستتبع لحكم الشارع به ولو ارشادا فلا يرد عليه شيء من المحاذير المزبورة حيث إنه بنفسه معنى وجيه وقابل لاخذ النتيجة منه إذ كان تحصيل تلك الطرق حينئذ في عرض تحصيل العلم بالواقع لا في عرض نفس الواقع والتخيير انما كان بين تحصيل العلم الوجداني بالفراغ الحقيقي وبين تحصيل العلم التعبدي التنزيلي بالفراغ الناشي من حجية شيء شرعا بتتميم كشفه الناقص في ظرف الجهل بالواقع ، لا ان التخيير كان بين نفس أداء الواقع وبين العمل بالطرق كي ترمى بالغرابة كما أن مراده بحكم الشارع بتفريغ الذمة حينئذ انما هو حكمه ارشادا بلزوم تحصيل اليقين أو اليقيني بالفراغ لا مولويا ( ومن ) المعلوم ان لازم ذلك في حال الانسداد عند التنزل إلى الظن هو الاخذ بما يظن كونه موضوع الزام العقل وهو لا يكون الا الظن بحجية شيء دون الظن بالواقع لعدم كونه ظنا بموضوع الزام العقل ( وملازمة ) العلم بالواقع

١٧٢

للعلم بالفراغ انما هي باعتبار العلم بحصول موضوع الالزام العقلي وأين ذلك والظن بصرف الواقع ، فإنه لا يكون ملازما للظن بحصول الزام العقل لا وجدانا ولا تنزيلا ( وفي ) هذا المقدار من الدعوى لاخذ النتيجة المزبورة ، لا يحتاج إلى دعوى العلم الاجمالي بنصب الشارع طرقا إلى احكامه تقتضي اشتغال الذمة بمؤدياتها كي يرد عليه ما أورد سابقا على الفصول ( بل ) يكفيه مجرد دعوى استقلال العقل عند الاشتغال بشيء بلزوم تحصيل اليقين بالفراغ أو اليقيني منه ، فإنه ينتج عند عدم التمكن من تحصيل العلم أو العلمي بالفراغ لزوم الاخذ بما يظن كونه مورد الزام العقل الذي هو منحصر بالظن بالطريق « فتدبر » وحينئذ ( فالتحقيق ) في الجواب عنه هو ان يقال بان اكتفاء العقل عند الانسداد بمثل الظن المزبور ليس من جهة صرف كونه ظنا بالفراغ الجعلي بل انما ذلك من جهة حجية هذا الظن بمقدمات الانسداد وانتهائه بالآخرة إلى الفراغ اليقيني ( وفى ذلك ) نقول ان مقدمات الانسداد إذا اقتضت حجية الظن بالطريق تقتضي حجية الظن بالواقع أيضا لاقتضاء تلك المقدمات قيام الظن بالشيء عند الانسداد مقام العلم به في المنجزية والمعذرية فكما ان العلم بأداء الواقع الجعلي يجدى في تفريغ الذمة كذلك الظن بالواقع عند الانسداد فإنه بعد حجيته بمقدمات الانسداد يحصل القطع بالفراغ الجعلي ، فلا فرق حينئذ بين الظن بالطريق وبين الظن بالواقع لان بكل منهما بعد حجيته وقيامه مقام العلم بمقدمات الانسداد يحصل الفراغ اليقيني الذي هو مورد الزام العقل ( هذا ) « ويمكن توجيه كلام المحقق المزبور » وان كان بعيدا بما نسب إلى بعض منهم الشيخ الكبير كاشف الغطاء قده أستاذ المحقق المزبور من كون حجية القطع تعليقية قابلة لردع الشارع عنه ، فإنه على ذلك يتم ما افاده من الاحتياج إلى تحصيل العلم بحكم الشارع بتفريغ الذمة عن التكليف وعدم جواز الاكتفاء بمجرد القطع باتيان الواقع في الخروج عن عهدة التكاليف ما لم يحرز حكمه بالفراغ ولو بسكوته الكاشف عن امضائه وهذا بخلاف العمل على طبق ما علم طريقيته بجعل الشارع إذ القطع به مستلزم لحكمه بتفريغ الذمة عند سلوكه ، وعليه ففي فرض الانسداد وانتهاء الامر إلى الظن لابد من التنزل إلى خصوص الظن الذي يظن معه بحكم الشارع

١٧٣

بتفريغ الذمة وهو لا يكون الا الظن بالطريق دون الواقع لان الظن بطريقية شيء ملازم قهرا مع الظن بحكم الشارع بالفراغ بخلاف الظن بالواقع فإنه لا يكون بأعظم من القطع الوجداني بالواقع ، فإذا لم يكن ذلك مستلزما للقطع بحكم الشارع بتفريغ الذمة عما كلف به الا بضميمة امضائه ولو بسكوته الكاشف عنه ، فكيف بالظن بالواقع الذي هو غير مستلزم للظن بحكمه بالفراغ ولكن ) يرد عليه مضافا إلى فساد أصل هذا المبنى كما حققناه في محله ما أوردناه أخيرا على التقريب السابق من أن اكتفاء العقل بمثل الظن المزبور ليس من جهة صرف كونه ظنا بالفراغ الجعلي ، وانما ذلك من جهة حجية هذا الظن بمقدمات الانسداد وانتهائه بالآخرة إلى الفراغ اليقيني الجعلي وفى هذه الجهة لا يفرق العقل بين الظن بالطريق وبين الظن بالواقع إذ بعد حجية الظن بالواقع بمقتضى مقدمات انسداد وانتهائه بالآخرة إلى القطع برضاء الشارع بالأخذ به يكون لا محالة كالظن المتعلق بالطريق ، ومعه لا مجال لتخصيص حجية الظن بخصوص الظن بالطريق كما هو ظاهر.

( الامر الثاني ) في أن نتيجة الانسداد هل هي مطلقة أو مهملة والمراد باطلاق النتيجة هي كلية النتيجة واعتبار الظن مطلقا من جهة الأسباب والموارد والمراتب ويقابلها اهمال النتيجة بمعنى قابليتها للكلية والجزئية بحسب الموارد والأسباب والمراتب أو بالنسبة إلى بعض الجهات المزبورة وان كان المتيقن هو الجزئية ( فنقول ) اما بناء على مسلك التبعيض في الاحتياط بمناط منجزية العلم الاجمالي الراجع إلى مرجعية الظن عقلا في مقام اسقاط التكليف فلا ينبغي الاشكال في اطلاق النتيجة ( فان ) مقتضى العلم الاجمالي بعد عدم التمكن من الاحتياط التام أو عدم وجوبه وان كان هو التخيير في الاحتياط التبعيضي ولكنه بعد انتهاء النوبة إلى الامتثال الظني بمقتضى المقدمة الرابعة لا يفرق العقل في حكمه بمرجعية الظن بين موارده وأسبابه ومراتبه ( واما على مسلك ) الحكومة الذي هو المختار فلا اهمال فيها أيضا بل هي بحسب الموارد والأسباب على نحو الكلية من غير فرق في ذلك بين ان نقول ببطلان الاحتياط والبرائة في مجموع المسائل أو في كل واحد منها حيث إنه بعد استقلال العقل بمرجعية الظن بمقتضى المقدمة الرابعة لا يفرق فيه بين الموارد والأسباب ( فتوهم ) لزوم الاهمال فيه بناء على فرض كون بطلان الاحتياط والبرائة

١٧٤

في مجموع المسائل منظور فيه ( كيف ) وعلى الحكومة كان الامر بيد العقل وبعد احراز مناطه لديه لا معنى لاهمال حكمه ( نعم ) بحسب المراتب يتعين الاخذ بأقوى المراتب من الظنون في فرض كونه وافيا بمعظم الفقه لكونه هو المتيقن لدى العقل بل مقتضى المقدمة الرابعة ذلك أيضا ( إذ ) المناط فيها هو الاخذ بأقرب الطرق إلى الواقع فلابد من الاخذ بأقوى المراتب من الظنون مع وفائها بالفقه والا فما دونها من المراتب الاخر ، من غير فرق في ذلك أيضا بين تقريب الحكومة بمناط الاهتمام أو بمناط التخلص عن محذور الخروج عن الدين وعلى كل تقدير لا اهمال في النتيجة على هذا المسلك ( واما على مسلك الكشف ) ففيها اهمال من الجهات الثلاث موردا ومرتبة وسببا بل على هذا المسلك كما ذكرنا لا وجه لتعيين ما هو المجعول حجة في الظنون مع احتمال كون مناط الحجية في غير الظن وفرض عدم ايكال الشارع في بيان ما هو المجعول لديه إلى حكم العقل بلزوم الاخذ بالأقرب بالمقدمة الرابعة ( إذ ) حينئذ كما يحتمل ان يكون المجعول حجة هو مطلق الظن أو الظن في الجملة ، كذلك يحتمل ان يكون المجعول حجة غيره ( وعلى فرض ) انتهاء الامر إلى حجية الظن شرعا ( يتوجه ) الاشكال بأنه كما يحتمل ان تكون الحجة هو مطلق الظن ، كذلك يحتمل ان تكون هو الظن في الجملة ( وحيث ) لا يكون مناط جعل الشارع بيد العقل كي يحكم به تعميما أو تخصيصا ، فلابد في استفادة التعميم من المعممات الخارجية ، والا فيأتي فيه الاهمال من الجهات الثلاث ولو مع البناء على بطلان الاحتياط والرجوع إلى البراءة في كل مسألة من مسائل الفقه ، حيث لا يجدى مجرد ذلك في اثبات التعميم وكلية النتيجة كما هو ظاهر ( مضافا ) إلى ما تقدم من منع بطلان الاحتياط على الاطلاق وان المسلم منه انما هو بطلان الاحتياط الكلي في مجموع المسائل لا بطلانه في كل مسألة من غير فرق بين كون المستند لذلك هي أدلة نفي الحرج والعسر وبين كونه هو الاجماع فان القدر المسلم من الاجماع أيضا هو الاحتياط التام في مجموع الوقايع ( وكذا ) عدم جواز الرجوع إلى البراءة ، فان عمدة الدليل على ذلك بعد سقوط العلم الاجمالي عن المنجزية بما بيناه انما هي المخالفة الكثيرة المعبر عنها بلزوم الخروج عن الدين ، ومن المعلوم عدم اقتضاء ذلك لبطلان الرجوع إلى البراءة

١٧٥

الا في مجموع الوقايع المتشبهة لا في كل واقعة واقعة ( واما ما أفيد ) من أن الوجه في ذلك انما هو استقلال العقل بقبح الاعتماد على البراءة في الوقايع المشتبهة قبل الفحص واليأس عن الظفر بالدليل على مراد المولى ( وانه ) بذلك تسقط البراءة رأسا ولا تجرى ولو في مسألة واحدة ( فمدفوع ) بان ذلك يتم في فرض التمكن من الفحص والظفر بالدليل ، وهو غير متصور في ظرف الانسداد كي يقتضى المنع عن جريانها ( وتوهم ) ان الفحص في ظرف الانسداد انما هو بتعميم مقدمات الانسداد إلى أن ينتهى إلى حجية الظن ووجوب العمل على طبقه كشفا أو حكومة ( مدفوع ) بان مقدمات الانسداد انما تنتج حجية الظن ومرجعيته في ظرف سقوط البراءة عن الجريان ، حيث كان عدم جريان البراءة من مقدمات هذه النتيجة ( فلا ) يعقل كون ترتب هذه النتيجة مانعا عن جريان البراءة كما هو واضح وحينئذ ( فالتحقيق ) ان يقال ان النتيجة على القول بالكشف ، اما ان تكون الطريق الواصل بنفسه ( واما ) ان تكون الطريق الواصل بطريقه ( واما ) ان تكون مطلق الطريق ولو لم يصل ( والمراد ) من الطريق الواصل بنفسه هو ما علم حجيته ولو من جهة غاية خارجية ومعمم خارجي ككون الظنون متساوية الاقدام بنحو لا يحتاج في تعيين الحجة المجعولة إلى اجراء مقدمات الانسداد مرة أخرى أو مرارا إلى أن ينتهى إلى ظن واحد أو ظنون متعددة متساوية الاقدام ، ولا ينتهى أيضا إلى الاحتياط في الطريق ، في قبال الواصل بطريقه وغير الواصل رأسا ( لا ) ما علم حجيته بنفس مقدمات الانسداد الأول بلا ضم عناية خارجية ، ومن ذلك تريهم يعممون الظن من جهة تساوى الظنون وعدم ترجيح في البين ( فان ) نظرهم في التعميم بهذه الجهة إلى كون النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه في قبال التعميم من جهة اجراء مقدمات الانسداد مرة أخرى ، أو من جهة الاحتياط في الطريق الراجعين إلى الطريق الواصل بطريقه وغير الواصل ولو بطريقه ( وعلى كل حال ) نقول انه على الأول وهو كون النتيجة الطريق الواصل بنفسه ( يلزمه ) عدم الاهمال لا بحسب الموارد ولا بحسب الأسباب بل ولا المراتب ( لان ) مقتضى ذلك هو الالتزام بايكال الشارع في تعيين مجعوله إلى حكم العقل ( ومن المعلوم ) انه بعد استقلال العقل بلزوم الاخذ

١٧٦

بالأقرب بمقتضى المقدمة الرابعة لا مجال لتصور الاهمال فيه ، إذ العقل لا اهمال في حكمه ( فلابد ) حينئذ وأن تكون النتيجة مطلقة بحسب الموارد والأسباب ومتعينة بحسب المرتبة بالأخذ بالأقرب ثم الأقرب من بين الظنون مع التفاوت في المرتبة ( الا بفرض عدم ايكال الشارع في تعيين مجعوله إلى حكم العقل ( ولكن ) ذلك مضافا إلى كونه خلاف الفرض وهو كون النتيجة الطريق الواصل بنفعه ، يتوجه عليه ما أشرنا إليه من أنه لا وجه حينئذ لتعيين ما هو المجعول حجة في الظنون ، فيلزمه الاحتياط في الطريق كما في الطريق غير الواصل ولو بطريقه ( ومن هذه ) الجهة نقول ان الجمع بين حجية الظن مع القول باهمال النتيجة لا يخلو عن تهافت ظاهر ، لان لازم القول بحجية الظن هو الالتزام بايكال الشارع إلى حكم العقل في تعيين مجعوله بما تقتضيه المقدمة الرابعة ، والا فلا يبقى مجال جعل النتيجة حجية الظن شرعا ( ومع ) فرض الايكال في تعيين الحجة المجعولة إلى حكم العقل بالأخذ بالأقرب لا محيص بعد عدم تصور الاهمال في حكم العقل عن الالتزام بعدم الاهمال ، لا بحسب الموارد والأسباب ، ولا بحسب المرتبة أيضا ، حيث إنه مع تساوى الظنون في المرتبة يحكم بالتعميم لعدم المرجح ومع التفاوت يحكم بالأخذ بالأقرب ثم الأقرب ( ومن ذلك ) نقول بترجيح مظنون الاعتبار على غيره لكونه أقرب إلى الواقع والى بدله في فرض المخالفة للواقع باعتبار ان الظن بالحجية ظن بالجبران في فرض المخالفة للواقع فبعين المناط الذي يحكم العقل بالأخذ بالأقرب يحكم أيضا بالأخذ بمظنون الحجية والاعتبار لا قربية مظنون الاعتبار إلى الواقع بجبرانه بلا احتياج في هذا التعيين إلى دليل خارجي كما توهم ، بل لازم ذلك كما افاده الشيخ قده هو الاخذ بما ظن حجيته بظن قد ظن حجيته وهكذا في فرض ترامي الظنون باعتبار كونه حينئذ أبعد عن مخالفة الواقع وبدله من غيره ، كما لو فرض حصول الظن من الشهرة بالواقع ثم حصل الظن من الخبر الواحد بحجية الشهرة ثم حصل الظن بحجية خبر الواحد من الاجماع المنقول وهكذا ( حيث ) انه يصير مثل هذا الظن من جهة ترامي الظنون المتأخرة أقرب إلى الواقع وبدله من غيره مما لا يكون كذلك من جهة ان الظن الثاني ظن بالجبران ووهم بعدمه والظن الثالث يسد هذا الوهم بالظن بالجبران وهكذا الظن الرابع فيلزمه صيرورة الظن المزبور أقرب إلى الواقع وجبرانه

١٧٧

فيكون عدم الجبران وهم في وهم ( فما أفيد ) من الاشكال على الشيخ قده بأنه لا اثر لترامي هذه الظنون في الأقربية إلى الواقع وجبرانه وانه بالوجدان لا يحصل ولو مع حصول الف ظن الا مجرد بادراك الواقع وبدله من غير أن يوجب هذا الترامي لقوة الظن بالواقع أو بدله الذي كان حاصلا في المرتبة الأولى ( منظور ) فيه ( فتلخص ) مما ذكرنا انه بناء على كون نتيجة الانسداد هو الطريق الواصل بنفسه لا يكون اهمال في النتيجة لا بحسب الموارد ولا الأسباب بل ولا بحسب المرتبة من غير فرق في ذلك بين ان يكون بطلان الاحتياط والبرائة في مجموع الوقايع المشتبهة أو في كل واحد منها حيث إنه بالبيان المتقدم يرتفع الاهمال ولو على بطلان الاحتياط والبرائة في مجموع الوقايع المشتبهة بلا احتياج في اثبات التعميم إلى ابطالهما في كل واحد من الوقايع المشتبهة بالعلم الاجمالي وبالاجماع المدعى على عدم بناء الشريعة على الامتثال الاحتمالي فتدبر ( واما بناء على كون النتيجة الطريق الواصل ) ولو بطريقه فيحتاج في رفع الاهمال بعد العلم الاجمالي بنصب الطريق إلى اجراء مقدمات انسداد آخر في تعيين ذلك الطريق المستكشف مرة أو مرارا إلى أن ينتهى إلى ظن واحد فيؤخذ به لتعينه قهرا أو ظنون متعددة متساوية في الاعتبار فيؤخذ بالجميع لعدم المرجح أو متفاوتة في كون بعضها متيقن الاعتبار وبعضها مظنون فيقتصر على المتيقن مع كفايته ولكن انتهاء النوبة إلى هذه المرحلة انما هو في فرض عدم ايكال الشارع في الانسداد الأول إلى حكم العقل بمقتضى المقدمة الرابعة والا فيخرج عن فرض كون النتيجة الطريق الواصل بطريقه لاستقلال العقل حينئذ بالأخذ بالأقرب فالأقرب فلا مجال للاهمال كي ينتهى الامر إلى الانسداد الثاني ( ولذلك ) لا يجرى فيه أيضا الترجيح بمظنون الاعتبار بالتقريب المتقدم لأنه مبنى على كون النتيجة الطريق الواصل بنفسه كما أنه في فرض انتهاء الامر إلى الانسداد الثاني بعدم الايكال إلى المقدمة الرابعة في الانسداد الأول لا يختص جريانه بما ظن حجيته في خصوص الظنون بل يعم غيرها أيضا ( ومن ذلك ) ظهر الحال في الانسداد الثالث والرابع حيث إن انتهاء الامر إلى الانسداد الثالث فرع عدم ايكال الشارع إلى المقدمة الرابعة في تعيين الطريق في الانسداد الثاني من الاخذ بما هو أقرب الطرق إلى الطريق المجعول بالانسداد الأول والا فلا

١٧٨

تنتهي النوبة إلى جريان مقدمات الانسداد في الطريق ( كما أنه في فرض ) عدم الايكال إلى حكم العقل بمقتضى المقدمة الرابعة مطلقا لا في الانسداد الأول ( ولا ) في الانسداد في الطريق لابد من الاخذ بالاحتياط بمراعاة أطراف الاحتمال تماما أو تبعيضا تخييريا ما لم يكن بينها متيقن الاعتبار بمقدار الكفاية حيث إن عدم الايكال إلى حكم العقل بالمقدمة الرابعة مطلقا في معنى كون النتيجة هي الطريق غير الواصل ولو بطريقه ، ولازمه هو الاخذ بالاحتياط في دائرة الطرق تماما أو تبعيضا تخييرا بلا تعين في بعض دون بعض وهكذا الامر في فرض احتمال كون النتيجة الطريق غير الواصل رأسا فإنه لابد أيضا من الاحتياط في دائرة الطرق بلا مجال لاجراء الانسداد في تعيينه كما هو ظاهر.

( الامر الثالث ) في وجه خروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد ( حيث ) انهم وقعوا في حيص وبيص من أنه كيف يمكن خروج القياس عن عموم النتيجة ، وكيف يجتمع نهى الشارع عن العمل بالقياس مع استقلال العقل وحكمه التنجيزي بان الظن في حال الانسداد كالعلم في كونه مناطا للإطاعة والمعصية ، مع أن الدليل العقلي غير قابل للتخصيص ( ولكن ) لا يخفى ان هذا الاشكال انما هو على خصوص مسلك التبعيض في الاحتياط بمناط العلم الاجمالي بالتكليف ( والا ) فعلى غيره من المسالك الاخر لا موقع للاشكال في خروجه ( وذلك ) اما على مسلك الكشف عن جعل ايجاب الاحتياط الشرعي أو جعل الحجية أو الطريقية والكاشفية للظن فظاهر لأنه بالنهي عن اتباع القياس لا يحتمل الحجية حتى يتوهم خوله في عموم النتيجة ( وكذلك الامر على مسلك المختار من الحكومة الراجع إلى حجية الظن ومثبتيته للتكليف عقلا بمناط الاهتمام ( فان ) حكم العقل حينئذ بمرجعية الظن انما كان مخصوصا باحتمال تكليف يقطع باهتمام الشارع به على فرض وجوده في مورد الاحتمال ( دون ) ما شك في أصل اهتمام الشارع به على فرض وجود ( ومن المعلوم ) انه مع نهى الشارع عن العمل بالظن القياسي لا مجال للقطع باهتمام الشارع به كي يكون مورد حكم العقل بالالزام بل هو كالشك البدوي في أصل الاهتمام في كونه مورد حكمه بالبرائة وقبح العقاب بلا بيان ( وهكذا الكلام ) بناء على تقريب الحكومة بمناط منجزية الاحتمال كما

١٧٩

في احتمال قبل الفحص للتخلص عن محذور الخروج عن الدين حيث نقول بتعليقية حكم العقل حينئذ على عدم ترخيص واصل من الشارع أو نهيه عن الاخذ ببعض المحتملات ، فمع نهى الشارع حينئذ لا يبقى مورد لحكم العقل ( ولا يتوجه ) عليه ان لازم تعليقية حكم العقل على عدم نهى الشارع عن العمل بالظن هو عدم استقلاله بلزوم الاخذ بالظن في غير القياس أيضا ، نظرا إلى احتمال نهى الشارع عن امارة أخرى مثل نهيه عن العمل بالقياس ( ولا يندفع ) ذلك الا بالالتزام بتنجيزية حكم العقل في حال الانسداد بلزوم الاخذ بالظن وكونه مناطا للإطاعة والمعصية ، ومعه يتوجه اشكال خروج القياس على مسلك الحكومة أيضا « إذ نقول ان » ذلك انما يتم إذا كان حكم العقل معلقا على عدم المنع عنه واقعا « والا » فبناء على كونه معلقا على عدم وصول المنع الشرعي فلا مجال لهذا الاشكال كما هو ظاهر « وحينئذ » ينحصر الاشكال على مسلك التبعيض في الاحتياط بمناط منجزية العلم الاجمالي وعليته لحكم العقل الجزمي بلزوم الاخذ بالأقرب في مقام اسقاط التكليف بعد صرف أدلة الحرج إلى غيره « ولا دافع » للاشكال حينئذ الا الالتزام بتعليقية حكم العقل في أصل اقتضاء العلم الاجمالي أو استكشاف جعل البدل من النواهي كما تقدم نظيره بالنسبة إلى دليل الحرج « والا » فمع البناء على تنجيزية حكم العقل لا محيص عن الالتزام بعموم النتيجة وعدم خروج القياس عنها ولو بحمل تلك النواهي صرفا أو انصرافا على صورة الاستطراق بالقياس إلى الواقع في مقام اثبات التكليف كما كان عليه ديدن العامة من استطراقهم بالقياس ونحوه واستغنائهم بذلك عن الحجج الطاهرة عليهم الصلاة والسلام ، لا في مقام الاسقاط خصوصا في فرض الانسداد الذي هو مفروض الكلام « واما » ما ذكروه في التفصي عن الاشكال « فلا يجدى » شيئا خصوصا ما أفيد من أن الأحكام الشرعية ليست كالأحكام العرفية والعقلية في كون مناطاتها بيد العرف والعقل ، لما يرى من كون مبنى الشريعة على تفريق المجتمعات وجمع المتفرقات ، وان استقلال العقل بكفاية الامتثال الظني انما هو إذا كان عن منشأ عقلائي لا يكثر الخطاء فيه ، وبعد التفات العقل إلى كثرة خطأ القياس لا يستقل بكفاية الامتثال الظني الحاصل منه ولو مع قطع النظر عن الأدلة

١٨٠