نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

من وجوب الاحتياط انما هو الأول دون الثاني ، لأنه راجع إلى الأقل والأكثر لا المتبائنين « نعم » انما يكون ذلك في فرض تغاير مضمون الامارات المنضمة مع مضمون كل من الاخبار المعزولة والاخبار المعزول منها ، إذ كان مرجع العلمين حينئذ إلى العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين تكليف واحد مثلا في دائرة الاخبار المعزولة أو تكليفين آخرين ، أحدهما في الاخبار المعزول منها ، وثانيهما في سائر الأمارات الظنية ، ولذلك قلنا في مثل هذا الفرض بعدم الانحلال ووجوب الاحتياط في الجميع ( نعم ) بناء على الانحلال يتوجه عليه ما افاده قده من الاشكال بان وجوب الاخذ بالاخبار الصادرة بعد أن كان من جهة تضمنها للأحكام الواقعية « كان » اللازم هو الاخذ بالاخبار التي يظن بمطابقة مضمونها للواقع ولو من جهة الشهرة والاجماع المنقول ، وان لم يظن بصدورها « لان العبرة » انما هي بظن مطابقة مضمون الخبر للواقع لا بظن الصدور « واما » ما افاده ثالثا من أن مقتضى التقريب المزبور انما هو مجرد وجوب العمل بالاخبار المثبتة للتكليف ولا يثبت به حجيتها شرعا على وجه تنهض لصرف ظواهر الكتاب والسنة القطعية « فهو » وان كان وجيها « ولكن » نقول انه يترتب عليه حينئذ نتيجة التخصيص والتقييد ، إذ مقتضى أصالة الظهور الجارية في الاخبار الصادرة المعلومة بالاجمال هو خروج العمومات المثبتة والنافية عن الحجية ، لانتهاء الامر فيها إلى العلم الاجمالي بإرادة خلاف الظاهر في بعض تلك العمومات والمطلقات من المثبت والنافي « ولازمه » بعد عدم المرجح هو اجراء حكم التخصيص والتقييد عليها لسقوطها بذلك عن الاعتبار « نعم » لو لم يجزم بظهور ما هو الصادر اجمالا بمقدار المعلوم بالاجمال كانت العمومات المثبتة والنافية الجارية في مواردها باقية على حجيتها « لان » رفع اليد عن العمومات والمطلقات تخصيصا أو تقييدا فرع جريان أصالة الظهور في الاخبار الصادرة المعلومة بالاجمال وهو متوقف على احراز موضوعها وهو الظهور « والا فبدونه » لا تجرى أصالة الظهور فيها فتبقى العمومات والمطلقات على حجيتها « واما الأصول » الشرعية والعقلية ، فالنافية منها من الأول غير جارية في أطراف العلم مطلقا ، وان كانت بلا معارض لمانعية العلم الاجمالي عنها « واما الأصول المثبتة » فان كانت عقلية كقاعدة الاشتغال ،

١٤١

فلا مانع عن جريانها في أطراف العلم الاجمال لعدم تنافيها معه كي يمنع عن جريانها « واما ان كانت » شرعية كالاستصحاب ونحوه ، فهي على المختار وان كانت جارية في جميع أطراف العلم الاجمالي « الا » ان في جريانها في المقام في دائرة الاخبار « اشكالا » نظر إلى ما تقتضيه أصالة الظهور الجارية في الاخبار الصادرة ، حيث إنه من جهة تردد انطباقها في تمام موارد الأصول المثبتة تسقط الجميع عن الاعتبار ، لمكان العلم الاجمالي حينئذ بحكومة تلك الحجج الشرعية على بعض تلك الأصول الجارية في مواردها وتخصيص لا تنقض بالنسبة إليها الموجب لسقوط الجميع بمقتضى عدم المرجح عن الاعتبار « وبهذه الجهة نقول » بعدم صلاحية الاستصحابات المثبتة لانحلال العلم الاجمالي بالاخبار الصادرة وان كانت بضميمة الأصول العقلية للمثبتة بمقدار المعلوم بالاجمال « نعم » لو بنينا على عدم حجية أصالة الظهور في الاخبار الصادرة المعلومة بالاجمال وان وجه اتباعها من جهة العلم الاجمالي بمطابقة جملة منها للواقع ، أو كانت الأصول المثبتة جارية في بعض الأطراف كان لجريان الأصول المثبتة الشرعية مجال ( إذ ) على الثاني واضح لعدم العلم حينئذ بقيام ظاهر حجة في موارد تلك الأصول من جهة احتمال انطباق ما هو الظاهر الصادر اجمالا في غير مواردها ( وكذلك على الأول ) لان رفع اليد عن الاستصحابات الجارية في مواردها انما هو من لوازم جريان أصالة الظهور في الاخبار الصادرة اجمالا وبعد عدم جريان أصالة الظهور فيها تجرى الأصول المثبتة في مواردها ( ولكن ) الشأن في هذا البناء ، حيث نقول انه مع احراز ظهور ما هو الصادر اجمالا بمقدار المعلوم بالاجمال لا قصور في جريان أصالة الظهور فيها وبجريانها تسقط الأصول عن الاعتبار بمقتضى ما ذكرناه فتدبر « الثاني » من وجوه تقرير دليل العقل ما عن صاحب الوافية من الاستدلال على حجية الاخبار المودعة في الكتب المعتمدة للشيعة « بانا » نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيمة سيما بالأصول الضرورية كالصلاة والزكاة والحج ونحوها وان جل اجزائها وشرائطها وموانعها انما يثبت بالخبر الواحد غير القطعي بحيث لو ترك العمل بالخبر الواحد خرجت هذه الأمور عن حقائقها « ولكن » يرد عليه ما افاده الشيخ قده من أن العلم الاجمالي بثبوت الاجزاء

١٤٢

والشرائط والموانع حاصل في دائرة جميع الاخبار بل جميع الامارات غير العلمية فلا وجه لتخصيصه بالاخبار المدونة في الكتب المزبورة ومجرد العلم الاجمالي في دائرتها أيضا لا يقتضى التخصيص بها فيلزم حينئذ مراعاة الاحتياط في جميع الدوائر لا في خصوص الأخبار المذكورة ( مع أن ) لازم ذلك هو الاخذ بخصوص الاخبار المثبتة لهذه الأمور لا ما يعم النافية لها خصوصا إذا كان في قبالها أصل مثبت للتكليف ( الثالث ) من وجوه تقرير دليل العقل ما ذكره بعض المحققين في حاشيته على المعالم لاثبات حجية خصوص الظن الحاصل من الخبر وملخص ما افاده هو ان وجوب العمل بالكتاب والسنة ثابت بالاجماع والضرورة والأخبار المتواترة وبقاء هذا التكليف أيضا ثابت بالنسبة إلينا بالأدلة المذكورة وحينئذ ان أمكن الرجوع إليهما على وجه يحصل العلم بالحكم أو الظن الخاص فهو والا فالمتبع هو الرجوع إليهما على وجه يحصل الظن منهما بالحكم ( وفيه ) ان المقصود ان كان وجوب العمل بالاخبار المدونة في ما بأيدينا من الكتب من جهة دعوى العلم الاجمالي بصدور كثير منها فهو راجع إلى التقريب الأول الذي ذكرناه بطوله فلا يكون دليلا برأسه في قباله ( وان كان ) المقصود هو ثبوت التكليف بالواقع وبقائه فعلا من جهة العلم الاجمالي بوجود تكاليف كثيرة في الواقع كما يقتضيه ظهور السنة في كلامه في السنة الواقعية فهو مع رجوعه إلى الدليل الآتي المعروف بدليل الانسداد لا يقتضي التخصيص بخصوص الاخبار بل يعم كل ما يظن بان مدلوله مضمون للكتاب أو السنة التي هي قول المعصوم وفعله وتقريره وان كان ) المقصود ثبوت التكليف شرعا بالرجوع إلى تلك الأخبار غير المفيدة للعلم وعدم جواز طرحها عملا بان كان المراد من السنة في كلامه هو الخبر الحاكي عن السنة لا نفس السنة الواقعية فللمنع عنه مجال إذ لم يثبت ذلك باجماع ولا ضرورة من الدين أو المذهب خصوصا مع دعوى مثل السيد الاجماع على المنع عنه وجرى العمل به مجرى العمل بالقياس عند الإمامية ( هذا ) كله في الوجوه العقلية التي استدل بها لاثبات حجية خبر الواحد ( وقد استدل أيضا بوجوه اخر عقلية لاثبات حجية مطلق الظن ) الشامل للخبر الواحد من غير تخصيص بالظن الخبري ( منها ) ان الظن بالتكليف ظن بالضرر ودفع الضرر المظنون واجب ( وفيه ) ان المراد من الضرر المظنون ان كان هو الضرر الأخروي

١٤٣

أي العقوبة فالصغرى ممنوعة لعدم استلزام الظن بالتكليف للظن بالعقوبة على المخالفة مع حكم العقل الجزمي بقبح العقاب بلا بيان فلابد في اثبات حجية الظن من دليل اخر يقتضى حجيته ( وان كان ) المراد من الضرر المظنون المفسدة المظنونة بناء على ما هو التحقيق من تبعية الاحكام لملاكات في متعلقاتها لا في نفسها كما توهم فعليه وان كان الظن بالتكليف يستتبع الظن بالمفسدة ( ولكنه ) نمنع كون مجرد فوات المصلحة أو الوقوع في المفسدة ضررا كي يستلزم الظن بالتكليف الظن بالضرر ( وعلى فرض ) التسليم يتم إذا لم يتدارك المفسدة والضرر بأمر آخر والا فمع تداركها لا حكم للعقل بالوجوب كما هو الشأن في الظنون التي نهى عن العمل بها وحينئذ فلا يمنع مجرد الظن بالمفسدة والضرر عن جريان الأصول المرخصة العقلية والشرعية وبجريانها يستكشف التدارك فيرتفع به موضوع حكم العقل لا العكس كما توهم بزعم انه مع الظن بالمفسدة والضرر ( يجري ) حكم العقل بقبح الاقدام على ما لا يؤمن معه من الضرر فيستتبع الحكم الشرعي بالحرمة ومعه لا مجال لجريان البراءة العقلية والشرعية من جهة حكومته عليهما ( واما توهم ) المنع عن تدارك الضرر بما أفيد من أن تدارك الضرر انما يجب على الشارع إذا كان هو الذي أوقع المكلف في خلاف الواقع وهذا لا يكون الا في فرض انفتاح باب العلم وتمكن المكلف من الوصول إلى الواقع ( واما في ) فرض الانسداد فلا يتم ذلك في التعبد بالأصول العملية لان الوقوع في الضرر والمفسدة حينئذ لا يكون مستندا إلى الشارع لأنه لولا التعبد بالأصول كان المكلف يقع في المفسدة ( فمدفوع ) بأنه بعد فرض كون المفسدة أيضا ضررا لابد للشارع من حفظ المكلف عن الوقوع في الضرر ولو بايجاب الاحتياط عليه المعبر عنه بمتمم الجعل ( وتوهم ) إناطة وجوب ذلك بأهمية المصلحة الواقعية ( مدفوع ) بأنه كذلك في فرض عدم الملازمة بين المفسدة والضرر والا فأي شيء أهم من ذلك فلابد له من جعل ايجاب الاحتياط عليه ( هذا ومع الغض ) عن ذلك كله ليس حكم العقل بوجوب دفع الضرر الدنيوي الا ارشاديا نظير أوامر الطبيب ونواهيه وعلى فرض مولوية هذا الحكم العقلي اما لكونه طريقيا لمكان طريقية الظن في نظره أو لكونه نفسيا بان كان مجرد الظن بالتكليف الموجب للظن بالمفسدة والضرر تمام الموضوع لحكمه بقبح الاقدام لا تأثير لهذا الحكم العقلي الا من جهة استتباعه للحكم

١٤٤

الشرعي المتوقف على تمامية قاعدة الملازمة وهي ممنوعة لعدم إحاطة العقل بجميع الجهات الدخيلة في الأحكام الشرعية لاحتمال ان يكون في البين ما يمنع عن فعلية التكليف بحيث لم يدركه العقل فلا يكاد ينتج هذا المقدار لاثبات المطلوب كما هو ظاهر ( ومنها ) ان الامر في مورد الظن بالتكليف يدور بين الاخذ به وبين الاخذ بالوهم الذي هو الطرف المرجوح ( فيتعين الأول ) فرارا عن لزوم ترجيح المرجوح على الراجح ، وفيه انه ان أريد ذلك في حال الانسداد وتمامية مقدماته فيرجع إلى دليل الانسداد الآتي ذكره لأنه في الحقيقة مقدمة من مقدمات ذاك الدليل فلا يصلح جعله دليلا برأسه في قباله ( وان أريد ) ذلك في حال انفتاح باب العلم أو العلمي بمعظم الفقه ( فقيه ) انه لا دوران حينئذ في البين بل بعد الظفر بما يفي بمعظم الفقه يكون المرجع في الزائد هو البراءة فيجوز الاخذ بالفعل الذي هو الطرف الراجح مثلا أو الاخذ بالترك الذي هو الطرف المرجوح كما هو الشأن في الشبهات الموضوعية الجارية فيها البراءة ولو مع الظن بوجود التكليف ( ومنها ما عن السيد العلامة المجاهد قدس‌سره ) من أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة في الوقايع المشتبهة ومقتضى ذلك وان كان وجوب مراعاة الاحتياط باتيان كل ما يحتمل الوجوب وترك كل ما يحتمل الحرمة ولو موهوما ( وحيث ) ان ذلك يؤدى إلى العسر والحرج المنفيين في الشريعة يكون مقتضى الجمع بين قاعدة الاحتياط ، وقاعدة العسر والحرج هو العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات ( وفيه ) أيضا ان ذلك راجع إلى دليل الانسداد الآتي لكونه عبارة عن بعض مقدمات ذاك الدليل فلا وجه لجعله دليلا برأسه في قباله.

في دليل الانسداد

( وهو ) مركب من مقدمات ( الأولى ) انسداد باب العلم والعلمي بمعظم الأحكام الشرعية ( الثانية ) عدم جواز اهمال التكاليف في الوقايع المشتبهة والرجوع في كل منها إلى البراءة ( الثالثة ) بطلان الرجوع إلى الوظائف المقررة للجاهل بالأحكام من الاحتياط

١٤٥

التام في جميع الوقايع ، أو الرجوع إلى فتوى الغير ، أو الرجوع في كل مسألة إلى الأصل الجاري فيها من البراءة والاستصحاب والتخيير ونحوها ( الرابعة ) قبح ترجيح المرجوح على الراجح بالأخذ بالموهومات والمشكوكات فيتعين العمل بالظن ( وقد ) يضاف إليها مقدمة أخرى خامسة وهو العلم الاجمالي بثبوت تكاليف كثيرة في الشريعة في الوقايع المشتبهة « أقول » لا يخفى ان الاحتياج إلى هذه المقدمة انما يكون على بعض المسالك في الانسداد ، لأنها على ما يأتي مختلفة من حيث المقدمات ، ومن حيث النتيجة « فان » النتيجة على بعض المسالك هو التبعيض في الاحتياط والرجوع إلى الظن في مقام اسقاط التكليف ( وعلى ) البعض الاخر حجية الظن ومرجعيته في مقام اثبات التكليف بنحو الحكومة تارة ، والكشف أخرى ( ومنشأ ) هذا الاختلاف هو الاختلاف في مدرك عدم جواز اهمال التكاليف وانه هو العلم الاجمالي بالتكاليف في الوقايع المشتبهة ، أو هو الاجماع ومحذور الخروج عن الدين « فعلى الأول » يحتاج إلى مقدمية العلم الاجمالي وتكون النتيجة هو التبعيض في الاحتياط محضا « وعلى الثاني » لا يحتاج إليها وتكون النتيجة حجية الظن ومرجعيته في مقام اثبات التكليف بنحو الحكومة أو الكشف على التفصيل الآتي « بيان ذلك » انه بعد تنجيزية حكم العقل بالبرائة وقبح العقاب في ظرف الشك في التكليف لا شبهة في أن وجوب التعرض لامتثال التكاليف المجهولة وعدم جواز اهمالها لا يكون الا إذا كان هناك منجز في البين يكون رافعا لموضوع حكم العقل بالقبح « والا » ففي فرض اللابيان على التكليف ، لا مجال لدعوى وجوب التعرض للتكاليف المجهولة لاستقلال العقل حينئذ بالبرائة وقبح العقاب « وحيث عرفت ذلك » نقول ان البيان الرافع لموضوع حكم العقل بالقبح ، اما ان يكون هو العلم الاجمالي بالتكليف بحيث كان الاجماع ومحذور الخروج عن الدين من توابع العلم الاجمالي المزبور ، بحيث لو فرض انتفائه رأسا أو عدم منجيزيته اما مطلقا أو في خصوص المقام « لكان » المرجع في الوقايع المشتبهة هو البراءة « واما ان يكون » هو الاجماع أو محذور المخالفة الكثير المعبر عنها بالخروج عن الدين ولو في فرض انتفاء العلم الاجمالي أو عدم منجيزيته وكونه كالشك البدوي كما عليه المحقق الخونساري فيما نسب إليه « فعلى الأول » لا شبهة

١٤٦

في لزوم المصير إلى التبعيض في الاحتياط محضا ومرجعية الظن في مقام اسقاط التكليف لا اثباته إذ المثبت له على هذا التقرير انما هو العلم الاجمالي بالتكليف ولا معنى بعده لاثباته بمنجز آخر ولازم ذلك وان كان بحكم العقل هو الاحتياط التام في المظنونات والمشكوكات والموهومات الا انه بضميمة بقية المقدمات يتعين الاحتياط في مقام تحصيل الفراغ في خصوص دائرة المظنونات ومرجعه إلى التبعيض في الاحتياط ومرجعية الظن في مقام اسقاط التكليف الثابت بالعلم الاجمالي لا في مقام اثباته كي ينتهى الامر إلى حجية الظن ومثبتيته للتكليف بنحو الحكومة عقلا أو الكشف شرعا ومن المعلوم ان في هذه المرحلة لا مجال لتصرف الشارع وجعله مولويا الا على نحو جعل البدل ( كيف ) وان لازم حجية الظن ومنجيزيته هو سقوط العلم الاجمالي المزبور عن المقدمية والمنجزية للتكليف لانحلاله حينئذ بما في موارد قيام الظن بالتكليف فيكون الشك بدويا في غيرها وهذا كما ترى ينافي ما هو الفرض من مقدمية العلم الاجمالي ومنجزيته « فلا محيص » على هذا المسلك من كون النتيجة هي التبعيض في الاحتياط ( وعلى الثاني ) وهو كون الاجماع ومحذور الخروج عن الدين مانعا مستقلا عن الرجوع إلى البراءة في الوقايع المشتبهة كما لا يبعد ذلك لامكان تحصيل الاجماع على عدم جواز اهمال التكاليف عند انسداد باب العلم والعلمي حتى من القائلين بعدم منجزية العلم الاجمالي ( فان ) المسألة وان لم تكن معنونة في كلام الأصحاب ولم يقع البحث عنها في قديم الزمان لانفتاح باب العلم والعلمي لديهم ( ولكن ) يكفي الاجماع التقديري ( حيث ) يعلم منهم اتفاقهم على وجوب التعرض للتكاليف في فرض انسداد باب العلم والعلمي بمعظم الفقه وانتفاء العلم الاجمالي بالتكليف أيضا أو عدم منجزيته ( بحيث ) كان المقتصر على التدين بالتكاليف المعلومة التارك للأحكام المجهولة في الوقايع المشتبهة يعد عندهم كالخارج من الدين والمتدين بغير دين سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله « وكيف كان » على هذا المسلك يتعين المصير إلى حجية الظن ( ومرجعيته في مقام ) اثبات التكليف اما بنحو الحكومة عقلا أو بنحو الكشف شرعا ولا تنتهي النوبة إلى التبعيض في الاحتياط ومرجعية الظن في مقام اسقاط التكليف ( إذ بالاجماع ) المزبور يستكشف وجود منجز واصل بنحو الاجمال يكون هو الرافع لقبح العقاب بلا بيان وبعد تعينه

١٤٧

بالظن بضميمة بقية المقدمات لا تنتهي النوبة إلى بيانية العلم الاجمالي ومنجزيته لانحلاله بذلك المنجز المستكشف من الاجماع المزبور وبهذا البيان ظهر عدم صحة الجمع بين مقدمية العلم الاجمالي وبين الاجماع ومحذور الخروج من الدين على مسلك واحد بجعل الاجماع ومحذور الخروج من الدين في قبال العلم الاجمالي محذورا مستقلا لعدم الاهمال والرجوع إلى البراءة ، فاللازم على الشيخ ونحوه ممن سلك مسلك التبعيض في الاحتياط هو الاقتصار على مقدمية العلم الاجمالي ( كما أن ) اللازم على من سلك غير مسلك التبعيض من المسالك الاخر الآتية هو الغاء العلم الاجمالي بالمرة عن المقدمية والاقتصار على الاجماع ومحذور الخروج عن الدين كما أنه ظهر ابتناء مسلكي الحكومة والكشف على ابطال مسلك التبعيض بالغاء العلم الاجمالي عن المنجزية واسقاطه عن البيانية ولو بدعوى قيام الاجماع على بطلان الاحتياط ولو تبعيضا المستكشف منه وجود مرجع آخر في البين ومثبت للتكاليف بمقدار الكفاية غير العلم الاجمالي الموجب قهرا لانحلاله ( كما ) يستفاد ذلك أيضا من الاجماع ومحذور الخروج عن الدين الذين هما المستند للمقدمة الثانية ( والا ) فبدونه لا تصل التوبة إلى مقام حجية الظن ومثبتيته للتكليف بنحو الحكومة أو الكشف ( كما أنه ) في فرض انتهاء الامر إلى ما عدى مسلك التبعيض من المسالك الاخر لا تنتهي النوبة إلى مسلك الكشف باقسامه حتى مثل ايجاب الاحتياط الشرعي الا بعد ابطال مسلك الحكومة ( اما ) بمنع حكم العقل بلزوم اتخاذ مرجع اخر في البين بمقدار يخرج عن محذور الخروج عن الدين وتعيينه في الظن ( واما ) بمنع ايكال الشارع إلى هذا الحكم العقلي في الحكم بلزوم التعرض لامتثال الاحكام ( والا ) فمع فرض استقلال العقل بذلك عند الانسداد وايكال الشارع إلى هذا الحكم العقلي ولو احتمالا لا مجال للكشف عن جعل شرعي في البين ولو بايجاب الاحتياط ( بداهة ) ان الكشف المزبور انما هو في فرض اللابدية العقلية وبعد حكم العقلي بمرجعية الظن في مقام تعرض التكليف ( واحتمال ) ايكال الشارع إلى هذا الحكم العقلي لا طريق إلى الكشف المزبور كما لا يخفى ( بل ) ولئن تدبرت ترى الترتب بين أنحاء الكشف أيضا لابتناء كشف حجية الظن وطريقيته شرعا على ابطال مجعولية مثل ايجاب الاحتياط الشرعي ولو بدعوى قيام الاجماع

١٤٨

على عدم بناء الشريعة في امتثال الاحكام بصرف احتماله ولزوم كون امتثال الاحكام بعناوينها الخاصة وجوبيا أو تحريميا ( إذ ) حينئذ لابد من كشف طريق شرعي في البين ويتعين بمقتضى المقدمة الأخيرة في الظن ( والا ) فمع المنع عن مثل هذا الاجماع لا ينتهى الامر إلى كشف ان المجعول هي الوسطية والطريقية للظن لوضوح ان ايجاب الاحتياط أخف مؤنة من جعل الكاشفية والوسطية للظن لاحتياج هذه إلى عناية زائدة ( مضافا ) إلى أن الاحتياط هو الطريق الموصل بالذات إلى الواقع ، وان لم يكن واصلا بنفسه لعدم الملازمة بينهما كما توهم ( لان ) المراد من الواصل بنفسه ما هو معلوم بنفسه طريقيته للمكلف بلا احتياج إلى طريق آخر توصله إلى العباد ومن الواصل بطريقه الطريق الذي ظن حجيته بظن علم حجية هذا الظن لدى المكلف بانسداد آخر قبال ما لا يكون واصلا إلى المكلف أصلا ولو بطريقه وكل ما علم جعله بنفسه فهو الطريق الواصل بنفسه وفي هذه الجهة لا يفرق بين كون المجعول ايجاب الاحتياط الذي هو محرز بنفسه للواقع أو حجية الظن ( وعلى ذلك ) فالمسالك في المقام أربعة بل خمسة مترتبة ومختلفه بحسب النتيجة لكونها في بعضها هي حجية الظن ومرجعيته في مقام اسقاط التكليف ، وفي بعضها مرجعيته في مقام اثبات التكليف بنحو الحكومة العقلية وفي بعضها مرجعية الظن في مجرد وجوب العمل على طبقه من باب الاحتياط ، وفي بعضها مرجعية الظن من جهة الحجية والمنجزية ، وفي بعضها مرجعيته في مقام المثبتية للتكليف شرعا ( وإذا عرفت ) ذلك فلنشرع في تفاصيل المقدمات واثباتها بما يمكن الاستدلال به لها وبيان ما هو المختار من المسالك المزبورة ( فنقول ) وعليه التكلان ( اما المقدمة ) الأولى فهي بالنسبة إلى انسداد باب العلم الوجداني مما لا اشكال فيه بداهة ان ما يوجب العلم التفصيلي بالحكم من النصوص المتواترة والاجماعات القطعية في غاية القلة بحيث لا يفي بأقل قليل من الأحكام الشرعية ( واما ) بالنسبة إلى انسداد باب العلمي فللمنع عنه مجال لما تقدم من تمامية الأدلة على حجية الخبر الموثوق به مع وفائه لكثرته بحمد الله بمعظم الفقه بحيث لا يلزم من الرجوع إلى الأصول العملية في الموارد الخالية عن الاخبار الموثوق بها محذور وحينئذ فلا مجال لدعوى انسداد باب العلم والعلمي في معظم الأحكام الشرعية

١٤٩

كي ينتهى الامر بضم بقية المقدمات إلى حجية الظن ومرجعيته بنحو الحكومة أو الكشف ( ومن ) هنا كان هذا البحث قليل الجدوى إذ لا يكاد يترتب عليه ثمرة مهمه عملية كما هو ظاهر ( واما المقدمة الثانية ) وهي عدم جواز اهمال التكاليف في الوقايع المشتبهة والاعتماد فيها على البراءة الأصلية فمما لا اشكال فيها ولا ريب يعتريها بل كادت ان تكون ضرورية ( وانما ) الكلام في مدرك هذه المقدمة بأنه هو العلم الاجمالي بتكاليف كثيرة في الشريعة ( أو هو ) الاجماع ومحذور الخروج عن الدين بحيث يكونان محذورا مستقلا لابطال الرجوع إلى البراءة في الوقايع المشتبهة ولو مع فرض انتفاء العلم الاجمالي رأسا أو عدم منجزيته ( حيث ) استدل عليها بكل واحد من هذه الوجوه الثلاثة ( وقد ) عرفت اختلاف النتيجة تبعيضا وحكومة وكشفا بحسب هذه الوجوه ( والذي يقتضيه التحقيق ) هو الثاني وهو كون المدرك الاجماع ومحذور الخروج عن الدين بداهة قيام الاجماع والضرورة على عدم جواز اهمال الوقايع المشتبهة بالرجوع فيها إلى البراءة عند الانسداد ولزوم التعرض لامتثال الاحكام فيها ( ولأنه ) بدونه يلزم المخالفة الكثيرة المعبر عنها بالخروج عن الدين ( إذ ) بمقتضى هذا المحذور والاجماع المزبور ولو تقديريا يستكشف لا محالة وجود مرجع آخر في البين مثبت للتكاليف الواقعية بالمقدار الوافي غير العلم الاجمالي ، وبذلك يسقط العلم الاجمالي عن البيانية لانحلاله بذلك المنجز المستكشف من الاجماع ومحذور الخروج عن الدين بل يمكن دعوى كون العمدة في المستند لهذه المقدمة هو محذور الخروج عن الدين لقوة احتمال كون نظر المجمعين في بطلان الاهمال إلى محذور الخروج عن الدين ( إذ ) مع هذا الاحتمال لا مجال لكشف هذا الانفاق عن رأى المعصوم ( وبما ) ذكرنا انقدح فساد مسلك التبعيض في الاحتياط وانه لا وجه لتقرير دليل الانسداد على هذا الوجه لابتنائه كما عرفت على مقدمية العلم الاجمالي وعدم انحلاله بكشف وجود منجز آخر مثبت للتكاليف بمقدار الكفاية ( والا ) فلا تصل النوبة إلى هذا المسلك كما هو ظاهر بلا حاجة إلى ما في الكفاية من دعوى انحلال العلم الاجمالي بالأحكام الثابتة في الشريعة بما في موارد الأصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا من الاحكام بمقتضى الاجماعات القطعية والنصوص المتواترة أو المحفوفة بالقرائن القطعية سنداً

١٥٠

ودلالة كي يحاب عنه وترمى بالغرابة بان هذه لقلتها بمثابة لا تفي بأقل قليل من الاحكام المعلومة بالاجمال ( ومما يوهن ) المسلك المزبور أيضا ما سيأتي من قيام الاجماع على الترخيص المطلق في طرف الموهومات بل المشكوكات بمقتضى الاضطرار أو الحرج المقارن للعلم ( إذ ) لازم ذلك هو سقوط العلم الاجمالي عن المنجزية بالنسبة إلى بقية الأطراف الاخر أيضا ( واما المقدمة الثالثة ) وهي بطلان الرجوع إلى أحد الطرق المقررة للجاهل من التقليد أو الرجوع في كل شبهة إلى الأصل الجاري فيها أو الاخذ بالاحتياط في جميع الوقايع المشتبهة ( اما التقليد ) فبطلانه مما لا ريب فيه فان الجاهل الذي وظيفته الرجوع إلى العالم انما هو الجاهل العاجز عن الفحص الذي لا يرى بطلان مدرك فتوى العالم ( واما ) الجاهل الباذل لجهده المعتقد لبطلان مدرك العالم المخطئ له في اعتقاده كما هو المفروض في المقام فلا دليل على حجية فتواه بالنسبة إليه بل ذلك من باب رجوع العالم إلى الجاهل ، لان من يرى انسداد باب العلم والعلمي لاعتقاده بعدم تمامية الأدلة على حجية خبر الواحد يخطئ القائل بحجيته فلا يجوز له الرجوع إلى مثله والاخذ بقوله تعبدا ( هذا ) كله مضافا إلى ما افاده الشيخ قده من دعوى الاجماع القطعي على عدم جوازه ( واما ) الرجوع إلى الأصول العملية في الوقايع المشتبهة فبالنسبة إلى الأصول النافية للتكليف فبطلانه مما لا اشكال فيه للعلم الاجمالي ولاستلزامه المخالفة القطعية الكثيرة المعبر عنها بالخروج عن الدين ( واما ) بالنسبة إلى الأصول المثبتة للتكليف من الاستصحاب والاحتياط في الموارد التي كانت الشبهة من أطراف العلم الاجمالي الشخصي ( فقد ) أفيد في ابطالها بوجهين ( أحدهما ) استلزمهما للعسر والحرج المنفيين كما عن الشيخ قده ( وثانيهما ) من جهة مانعية العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة في بعض موارد الاستصحابات كما افاده بعض الأعاظم قده بدعوى قصور المجعول في الأصول التنزيلية كلية عن الشمول لأطراف العلم الاجمالي ولو مع عدم استلزامه للمخالفة العملية ( بتقريب ) ان المجعول في الأصول التنزيلية لما كان هو البناء العملي والاخذ بأحد طرفي الشك على أنه هو الواقع والغاء الطرف الآخر بجعله كالعدم في عالم التشريع فذلك انما يتم في الشبهات البدوية وفي بعض أطراف العلم الاجمالي ( واما ) بالنسبة إلى جميع أطراف العلم فلا يمكن

١٥١

ذلك ، لأنه مع العلم الاجمالي يعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأطراف وانقلاب الاحراز السابق الذي في جميع الأطراف إلى احراز آخر يضاده ، ومع ذلك لا يمكن الحكم ببقاء الاحراز السابق في جميع الأطراف ولو تعبدا ( إذ ) لا يكاد يجتمع الاحراز التعبدي في جميع الأطراف مع الاحراز الوجداني بالخلاف في بعضها ( ولكن ) لا يخفى ما في كلا الوجهين ( اما الأول ) فلمنع استلزامهما للحرج والعسر وما يلزمه انما هو الاحتياط التام في جميع الوقايع المشتبهة كما يأتي الكلام فيه ( واما ) بالنسبة إلى الاحتياط الذي تقتضيه الموارد الشخصية من جهة كونها من أطراف العلم الاجمالي الشخصي والاستصحابات المثبتة للتكليف فدعوى لزوم الحرج والعسر منهما ممنوعة جدا نظرا إلى قلة مواردهما ( واما الوجه ) الثاني ففيه انه بعد تغاير متعلق اليقين والشك في العلم الاجمالي وعدم تعلق اليقين فيه الا بالعنوان الاجمالي بلا سرايته منه إلى العناوين التفصيلية كهذا الاناء وذاك الاناء على ما يأتي انشاء الله لبقائهما على مشكوكيتهما لا وجه لدعوى المضادة المزبورة بين جعل الاستصحابين في الطرفين مع العلم الاجمالي المزبور ( فان ) موضوع الا بقاء التعبدي فيهما لا يكون الا العناوين التفصيلية كهذا الاناء وذاك الاناء وبالعلم الاجمالي المزبور المتعلق بالعنوان الاجمالي لم ينقلب اليقين السابق في شيء منهما بعنوانهما التفصيلي إلى اليقين بالخلاف بل كان كل واحد منهما وجدانا مما يشك فيه بعد كونه مسبوقا باليقين من غير أن يتخلل بين الشك واليقين في واحد منهما يقين آخر يضاد اليقين السابق ( نعم ) الذي انقلب باليقين الاجمالي انما هو اليقين بأحد العنوانين أو أحد اليقينين بهذا العنوان الاجمالي ( ولكن ) موضوع التعبد بالابقاء لا يكون هو اليقين بأحد العنوانين ولا أحد اليقينين حتى ينافي العلم الاجمالي ( وانما ) هو اليقين بكل واحد من العناوين التفصيلية من اناء زيد واناء عمر ومثلا ونحو ذلك ( نعم ) لو كان اليقين الاجمالي ساريا إلى العناوين التفصيلية واقعا كان لما أفيد وجه ( ولكنه ) من المستحيل كيف ولازمه عدم امكان اجتماع اليقين والشك في وجود خارجي بتوسيط العناوين الاجمالية والتفصيلية مع بداهة خلافه كما في كلية موارد العلم الاجمالي المقرونة بالشكوك التفصيلية وهذا كاشف عن وقوف العلم على نفس متعلقه وهو العنوان

١٥٢

الاجمالي وعدم سرايته منه إلى المعنون الخارجي ولا إلى العناوين التفصيلية فإذا لم يكن الاحراز الوجداني منافيا مع الشك فيه بعنوانه التفصيلي مع كون العنوانين متحدين وجودا ومنشأ فكيف يكون منافيا مع ما هو من احكام هذا الشك المعبر عنه بالاحراز التعبدي « وبما ذكرنا » ظهر اندفاع توهم المنع عن جريان الأصول المحرزة في أطراف العلم الاجمالي لاستلزامه المناقضة بين الصدر والذيل في قوله (ع) ولا ينقض اليقين ابدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر « فإنه » بعد ظهوره في تعلق اليقين الناقض بعين ما تعلق به اليقين والشك من العنوان ، وتغاير متعلق اليقين الاجمالي بالانتقاض في المقام مع متعلق الشك « لا ينتهى » الامر باجراء الاستصحابين في طرفي العلم الاجمالي إلى المناقضة المزبورة بين الصدر والذيل كما هو ظاهر « فعلم » من ذلك أنه لا مانع من جريان الأصول المثبتة من الاستصحاب والاحتياط في أطراف العلم الاجمالي « نعم » الذي يسهل الخطب هو انه لا يجدى هذا المقدار في المنع عن جريان مقدمات الانسداد نظرا إلى قلتها وعدم كونها ولو بضميمة المعلومات التفصيلية إليها بمقدار ينحل به العلم الاجمالي ويرتفع به محذور الخروج عن الدين « واما بطلان » الاحتياط التام في جميع الوقايع المشتبهة « فيدل » عليه الاجماع القطعي ، وقاعدة نفي الحرج والعسر ، بل ولزوم اختلال النظام النوعي والشخصي لوضوح كثرة الوقايع المشتبهة وانتشارها في جميع ما يتوقف عليه النظام مما يرجع إلى المعاش والمحاورة والعقود والايقاعات ونحوها مما يوجب العمل بالاحتياط فيها اختلال النظام « بل » لا أقل من استلزامه للعسر والحرج الشديد المنفيين بالاجماع وبأدلة نفي العسر والحرج ، من غير فرق في ذلك بين ان يكون الحاكم بالاحتياط هو العقل من جهة العلم الاجمالي أو كان الحاكم به هو الشرع من جهة الاجماع ومحذور الخروج عن الدين ( فإنه ) على كل تقدير ينفي وجوبه بالاجماع المزبور ، وأدلة نفي العسر والحرج « واما الاشكال » في شمول دليل نفى الحرج على الثاني ، بدعوى ان أدلة نفي الحرج كأدلة نفي الضرر لما كانت حاكمة على الأدلة المتكفلة للأحكام المترتبة على الموضوعات الواقعية الشاملة باطلاقها لحالتي الحرج وغيره فلابد ان يكون لمتعلق الحكم حالتان حالة يلزم منها الضرر والعسر وحالة لا يلزم منها ذلك لتكون أدلة نفيهما موجبة لنفي

١٥٣

الحكم عن المتعلق في موضوع يلزم منه الضرر والعسر « واما » لو اختص الحكم بما يلزم منه الضرر والعسر دائما كوجوب الخمس والزكاة والجهاد فلا يكون لها نظر إلى نفي تلك الأحكام « والاحتياط » في المقام من هذا القبيل حيث كان من التكاليف التي يلزمها العسر والحرج دائما فلا يكون مشمولا لدليل نفي الحرج « فمدفوع » بان ذلك انما يتم إذا كان دليل نفي الحرج ناظرا بدوا إلى ايجاب الاحتياط واما « لو كان ناظرا » إلى الحكم الواقعي فلا شبهة في أنه يتصور له حالتان حالة لا يلزم من امتثاله الحرج والعسر وحالة يلزم منه ذلك كما في فرض الاشتباه ومنه المقام فينفي دليل الحرج حينئذ فعلية التكليف الواقعي بالنسبة إلى حال الاشتباه ويرفع فعليته في هذا الحال ينفي وجوب الاحتياط ، لأنه من لوازم فعلية التكيف الواقعي في هذا الحال « وبهذا البيان » يجاب عن شبهة عدم شمول أدلة نفي الضرر والحرج لنفي الاحتياط العقلي بدعوى ان أدلة نفي الضرر والحرج انما كانت ناظرة إلى التكاليف الشرعية التي يلزمها الضرر والعسر وفى المقام لا يلزم الضرر والعسر من قبل نفس التكاليف الواقعية لعدم تعلقها بما فيه الضرر والعسر « وانما » كانا من جهة امر خارج وهو حكم العقل بالجمع بين المحتملات وأدلة نفي الضرر والعسر لا تكون ناظرة إلى مثله كي يكون منفيا بعموم تلك الأدلة « إذ يقال » ان الضرر والعسر وان كانا من جهة امر خارج وهو حكم العقل ولكن المنشأ لذلك لما كان فعلية التكاليف المجهولة في هذا الحال فلا جرم بنفيها يرتفع ايجاب الاحتياط العقلي أيضا لأنه من لوازم فعلية التكاليف الواقعية في هذا الحال وحينئذ لا فرق في شمول دليل نفي الضرر والحرج في المقام بين كون ايجاب الاحتياط عقليا من جهة العلم الاجمالي أم شرعيا « واما » توهم اقتضاء البيان المزبور لعدم لزوم رعاية الاحتياط فيما عدى ما يدفع به الضرر والحرج لارتفاعه أيضا بارتفاع فعلية التكليف بمقتضى دليل نفي الحرج وهو كما ترى ( فمدفوع ) بأنه يتم ذلك لو أريد رفع فعلية التكاليف الواقعية على الاطلاق والا فلو أريد رفعها بمقدار يرتفع معه العسر في هذا الحال فلا يلزم منه ذلك بل لابد حينئذ من رعاية الاحتياط في الزائد عما يرتفع معه محذور الحرج والعسر فان الضرورات تتقدر بقدرها ( فإذا ) كان رعاية الاحتياط في الجميع يوجب الحرج فلا يرتفع بأدلة

١٥٤

نفي الحرج الا الاحتياط الكلي ( نعم ) لهذا الاشكال مجال إذا كان حكم العقل بالاحتياط من جهة العلم الاجمالي كما هو مسلك التبعيض فإنه بعد ثبوت الترخيص المطلق في طرف الموهومات بمقتضى الاضطرار أو الحرج يقع الاشكال في أنه كيف المجال حينئذ لمنجزية هذا العلم الاجمالي بالنسبة إلى بقية الأطراف ( فإنه ) بعد تقارن الاضطرار مع العلم الاجمالي واحتمال كون الطرف المضطر إليه هو الحرام الواقعي ( يرتفع ) العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي ومع ارتفاعه لا يبقى مقتض لوجوب رعاية الاحتياط في الطرف الآخر من جهة صيرورة الشبهة بالنسبة إليه بدوية كما أشرنا إليه أيضا في طي موهنات مسلك التبعيض ( نعم ) انما يجب ذلك إذا كان الاضطرار متأخرا عن العلم الاجمالي أو كان متعلقا بغير المعين مطلقا لان الاضطرار الطارئ كتلف بعض الأطراف لا يمنع عن تأثير العلم الاجمالي السابق كما حققناه في محله ( وكذلك ) الاضطرار إلى غير المعين لا يمنع الا عن الجمع بين المحتملين الملازم لرفع اليد عن اطلاق التكليف في كل طرف بنحو يلزم رعايته مطلقا حتى في حال الاتيان بالطرف الاخر المقتضى لحكم العقل بلزوم الجمع بين المحتملين لا انه يرتع أصل التكليف ( فكان ) العلم الاجمالي بأصل التكليف حينئذ باقيا على حاله ، غير أنه بمقتضى سراية الاضطرار إلى الواقع ، يرفع اليد عن اطلاق التكليف بالنسبة إلى كل طرف ويلتزم بتكليف توسطي بين نفي التكليف رأسا ، وبين ثبوته على الاطلاق ولازمه التخيير في ارتكاب أحد الطرفين كما حققناه في مبحث الاشتغال ( ولكن ) مفروض المقام انما هو من باب الاضطرار المتعلق بالمعين مع كونه مقارنا للعلم ، حيث إن الثاني واضح ( واما ) الأول فلان الاضطرار وان كان بدوا إلى غير المعين ولكنه بعد انتهائه بمقتضى المقدمة الرابعة إلى الترخيص المطلق نحو الابعد وهو الموهومات كان لا محالة بحكم المعين فيتوجه المحذور المزبور ( نعم ) لو فرضنا اقتضاء قاعدة الحرج بضميمة المقدمة الرابعة لتوجيه الترخيص نحو الموهومات في ظرف اتباع المظنونات بنحو يستتبع لنحو ترتب في حكم العقل بمتابعة العلم الاجمالي الراجع إلى حكمه بلزوم اتباع المظنونات على الاطلاق واتباع الموهومات على تقدير المخالفة في المظنونات ( كان ) ذلك بحكم الاضطرار إلى غير المعين ( ولكن ) الظاهر هو عدم التزامهم بذلك ، فان بنائهم

١٥٥

على كون الموهومات بقول مطلق تحت الترخيص ( وعليه ) يتوجه ما ذكرناه من مانعية مثله عن منجزية العلم الاجمالي ( وفي هذه ) الجهة أيضا لا يفرق بين القول باقتضاء العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية وبين القول بعليته ، فإنه على كل تقدير يرتفع العلم الاجمالي بالتكليف بعد احتمال كون معلومه في مورد اضطراره ، وانما يفترقان فيما لو كان الترخيص في بعض الأطراف بمناط آخر غير الاضطرار أو الحرج من اجماع ونحوه ( حيث ) انه على القول بالاقتضاء وتعليقية حكم العقل يتعين العمل في البقية بعنوان الاحتياط ، بخلافه على القول بالعلية فإنه بعد مضادة الترخيص ولو في بعض الأطراف مع حكم العقل التنجيزي لابد من كشف جعل البدل من الترخيص المزبور كما يأتي بيانه في محله ( وحينئذ فما أفيد ) من لزوم التبعيض في الاحتياط مهما أمكن منظور فيه خصوصا فيما افاده من عدم الفرق بين الاضطرار إلى المعين وغير المعين فلاحظ كلامه ترى فيه مواقع للنظر ( واما توهم ) ان وجوب الاحتياط في البقية انما هو الاحراز المقتضى في البين ورجوع الشك في الحقيقة إلى الشك في طرو المانع عن تأثير المقتضى ، حيث إن العقل يحكم في مثله بالاحتياط نظير حكمه في الشك في القدرة ( فمدفوع ) بأنه بعد ارتفاع العلم الاجمالي لأجل الاضطرار أو الحرج كان الشك في البقية في أصل وجود المقتضى لا في المانع عن تأثيره وبينهما بون بعيد ، ومعه لا يبقى مجال لجريان الاحتياط كي يتم به مسلك التبعيض في الاحتياط ( ثم انه ) لو اغمض عما ذكرنا وقلنا ببقاء العلم الاجمالي على صفة التنجيز ( نقول ) انه لا ينتج هذا المسلك الا وجوب الاحتياط في خصوص المظنونات التي يظن بانطباق المعلوم بالاجمال عليها ، لا في مطلق مظنون التكليف كما يدعيه القائل بالتبعيض ( لان ) العلم الاجمالي في المقام وان كان بحسب الأطراف من قبيل العلم الاجمالي بين المتبائنات بنحو الكثير في الكثير ( ولكنه ) بعد كونه بحسب الاعداد من قبيل الأقل والأكثر لتردده مثلا بين الف وزيادة يلزمه لا محالة انحلاله بما في دائرة الأقل والشك البدوي في الأكثر ، فإذا كان الأقل منتشرا في أطراف بعضها ما يظن انطباق المعلوم بالاجمال عليه وبعضها مما يشك في انطباقه عليه وبعضها مما يوهم ذلك ( فلابد ) بمقتضى حكم العقل باقتضاء الاشتغال اليقيني بالتكليف للفراغ اليقيني عنه من الاحتياط

١٥٦

في خصوص هذه الأطراف وبعد اقتضاء الاضطرار أو الحرج لعدم لزوم رعاية الاحتياط في المشكوكات والموهومات ولو بمعونة الاجماع أو المقدمة الرابعة يتعين الاخذ بالاحتياط في خصوص المظنونات التي يظن بانطباق التكليف المعلوم بالاجمال عليها لا في مطلق الظن بالتكليف ولو لم يظن بانطباق المعلوم عليه ( كيف ) وان هم العقل انما هو الخروج عن عهدة ما تنجز عليه من التكاليف بمقتضى العلم الاجمالي ، لا الخروج عن عهدة مطلق التكاليف الواقعية ولو لم تكن منجزة عليه مع أن القائل بالتبعيض لا يفرق بين نحوي المظنون ( هذا كله ) بناء على عدم ارتفاع الحرج والعسر بترك الاحتياط في الموهومات ، والا فمقتضى القاعدة على هذا القول هو وجوب الاحتياط في المشكوكات أيضا ، الا إذا كان هناك اجماع على الحاق المشكوكات بالموهومات كما احتمله الشيخ قده ، ولكن لا يلزمه حينئذ الكشف عن حجية الظن شرعا ومثبتيته ، كما توهم ( لان ) وصول النوبة إلى مثبتية الظن للتكليف انما هو بعد الفراغ عن ابطال مثبتية العلم الاجمالي ومنجزيته للتكاليف ، بل وابطال وجود مثبت آخر أيضا كما سنذكره ( والا ) ففي فرض عدم ابطال العلم الاجمالي ولو من جهة امكان التبعيض في الاحتياط ( لا يبقى ) مجال للكشف المزبور ، خصوصا على مبنى القول باقتضاء العلم الاجمالي وتعليقية حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية على عدم ترخيص الشارع في بعض الأطراف ( إذ ) في مثله لا يكشف الترخيص في المشكوكات عن وجود مثبت كاف في البين كي ينتهى إلى حجية الظن ، ومجرد وجوب العمل على طبقه من باب التبعيض في الاحتياط ، غير حجيته ومثبتيته شرعا « نعم » بناء على علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية كما هو المختار ، يلازم الترخيص المزبور في المشكوكات مع جعل البدل أو الانحلال لمضادة الترخيص في بعض الأطراف مع تنجيزية حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية « فلابد » حينئذ من كشف جعل البدل المزبور من ترخيصه ومرجعه إلى اكتفاء الشارع في مقام تحصيل الفراغ عن التكليف الثابت بالعلم الاجمالي بالعمل بالمظنونات ، ولكنه غير حجية الظن ومثبتيته للتكليف كما هو ظاهر الا إذا كان ذلك راجعا إلى الانحلال وفيه تأمل ظاهر « هذا » إذا كان الاجماع المزبور قطعيا « واما » إذا كان

١٥٧

ظنيا فلا يرفع اليد لأجله عن تأثير العلم ، فإنه بمقتضى الملازمة وان ظن بجعل البدل البدل أو الانحلال « ولكن » الظن بالانحلال لا يقتضى الانحلال « والى ذلك » أيضا نظر الشيخ قده في الجواب عما أورده في المقام على نفسه بقوله ، فان قلت إذا ظن بعدم وجوب الاحتياط في المشكوكات فقد ظن بان المرجع فيها الأصول الموجودة الجارية فيها الخ « قلت » مسألة اعتبار الظن بالطريق الخ « وحاصله » ان نتيجة مقدمات الانسداد وان كانت أعم من الظن بالواقع والطريق ، الا ان ذلك فرع سلامة المقدمات وتماميتها ، والكلام بعد في سلامة المقدمة الثالثة ، إذ لم يثبت بعد بطلان الاحتياط رأسا حتى في الوقايع المشكوكة لتصير النتيجة هي حجية الظن مطلقا ( ولكنه ) قد ضرب على ذلك في بعض النسخ المصححة ، ( وأبدل ) في الحاشية بما لفظه ، قلت مرجع الاجماع قطعيا أو ظنيا على الرجوع في المشكوكات إلى الأصول هو الاجماع على وجود الحجة الكافية في المسائل التي انسد فيها باب العلم حتى تكون المسائل الخالية عنها موارد الأصول ومرجع هذا إلى دعوى الاجماع على حجية الظن بعد الانسداد انتهى « أقول » هذا الكلام وان كان لبعض الأعاظم من تلاميذه وهو السيد الكبير الشيرازي قده على ما نقله الأستاذ قده ، الا ان الظاهر على ما حكى هو كونه برضاء الشيخ قده وامضائه ( ويا ليته ) لم يرتضه ولم يضرب على كلامه الأول لما عرفت من أن الاجماع القطعي لا يكشف عن وجود الحجة الكافية في المسألة خصوصا على مسلك اقتضاء العلم الاجمالي ، فضلا عن الاجماع الظني لان الظن بالانحلال لا يقتضى الانحلال ( وحينئذ ) فبعد فرض اندفاع العسر برفع اليد عن العلم الاجمالي في خصوص الموهومات لا مجال لرفع اليد عن المشكوكات ولو كانت موهومة من حيث الأثر حسب الظن بمرجعية الأصول فيها ، ومجرد كونها كذلك لا يقتضى الحاقها بموهوم الواقع الذي يرفع اليد عنه لأجل العسر « إذ » لا دليل في البين يقتضى باطلاقه رفع اليد عن كل موهوم حقيقة أم اثرا هذا « مع » ان غاية ما يقتضيه البيان المزبور انما هو نفي مثبتية العلم الاجمالي « واما » اثبات كون الظن طريقا ومثبتا للتكاليف شرعا ، فيتوقف على ابطال مثبت آخر في البين غيره ، واثبات هذه الجهة يتوقف على انعزال العقل عن الحكومة وعدم حكمه بمرجعية امر آخر في البين وتعيينه

١٥٨

بالظن بمقتضى المقدمة الرابعة « والا » فمع حكم العقل بذلك واحتمال ايكال الشارع في حكمه بلزوم تعرض التكاليف إلى هذا الحكم العقلي لا مجال لكشف جعل من قبل الشارع « ومن » هذا البيان ظهر الحال فيما لو كان بطلان الاحتياط ولو تبعيضا من جهة الاجماع على عدم كون مبنى الشريعة في امتثال التكاليف عند الانسداد على الاحتياط ( وانه لا مجال ) لتوهم اقتضاء الاجماع المزبور لتعين كون النتيجة هي حجية الظن ومثبتيته شرعا للتكاليف « إذ » غاية ما عليه الاجماع المزبور انما هو بطلان الاحتياط الناشئ من قبل منجزية العلم الاجمالي تماما أو تبعيضا ومرجعه إلى عدم منجزية العلم الاجمالي وعدم اقتضائه للاحتياط ولو تبعيضا ، ولازمه « وان كان » هو الكشف عن وجود مرجع اخر في البين ومثبت للتكاليف بمقدار الكفاية غير العلم الاجمالي الموجب لانحلاله ( كما ) هو المستفاد أيضا من بطلان الخروج عن الدين ( ولكن ) هذا المقدار لا يكشف عن حجية الظن ومثبتيته شرعا ( الا ) بعد ابطال حكم العقل بمرجعية شيء في البين وتعيينه في الظن بمقتضى المقدمة الرابعة كما يدعيه القائل بالحكومة ، أو اثبات عدم ايكال الشارع إلى هذا الحكم العقلي في لزوم التعرض للتكاليف ، بل وابطال منجز آخر شرعي بغير تتميم الكشف والا فلا مجال للكشف المزبور أصلا بلا فرق في هذه الجهة بين كون المستند لعدم جواز الاهمال هو العلم الاجمالي وبين كونه هو الاجماع ومحذور الخروج عن الدين ، فعلى كل تقدير لابد من ابطال مثبت آخر للتكاليف غيره وهو متوقف على عزل العقل عن الحكم ولا يكفيه مجرد قيام الاجماع على بطلان الاحتياط كلا أو بعضا « الا » إذا كان الاجماع قائما على عدم بناء الشريعة في امتثال الاحكام على الاكتفاء بصرف احتماله ولزوم الاتيان بكل تكليف بعنوانه الخاص وجوبا أو تحريما لا بعنوان الاحتمال ورجاء انطباقه على المأتي به ، فإنه بمقتضى هذا الاجماع لابد من الكشف عن جعل طريق شرعي في البين فيتعين ذلك حينئذ في الظن بمقتضى المقدمة الرابعة لان ما عداه يكون الامتثال فيه احتماليا « وهذا » الاجماع وان احتمله الشيخ قده في بعض كلماته وأصر به بعض الأعاظم قده الا ان الشأن كله في ثبوت هذا الاجماع وتحققه ولو ظنيا فضلا عن القطع به فان القدر المسلم من الاجماع انما هو قيامه على بطلان الاحتياط التام

١٥٩

لا مطلقا حتى يقتضى بطلان التبعيض وعلى فرض التسليم فالمسلم منه هو الاجماع على بطلان الاحتياط في الشريعة الموجب لرفض العلم الاجمالي عن المنجزية والبيانية رأسا واما قيامه على لزوم تعرض كل من المشتبهات بعنوانه الخاص وعدم جواز كونه بعنوان الاحتمال ورجاء انطباقه على المكلف به فغير معلوم بل ولا مظنون ( كيف ) وان القائلين بالحكومة على خلاف ذلك ( فان ) همهم اثبات كفاية اتيان مظنون التكليف بما هو مظنون لكونه منجزا بهذا الظن بحكم العقل ومعه لا يمكن دعوى اتفاق الأصحاب واجماعهم على الخلاف ( واما توهم ) ان مبنى الاجماع على بطلان الاحتياط ولو تبعيضا هو ما ذكر من عدم كفاية الامتثال الاحتمالي ولزوم كون امتثال التكاليف بعناوينها الخاصة ( فممنوع ) جدا بأنه لا شاهد على هذا الدعوى ولا بينة ، بل الظاهر كونه من جهة رفض العلم الاجمالي عن المنجزية بالتقريب الذي ذكرناه ، ولا أقل من كونه هو المتيقن منه ( ومعه ) لا سبيل إلى دعوى كشف حجية الظن شرعا فضلا عن كونها بنحو تتميم الكشف الا برفض مسلك الحكومة العقلية اما بمنع حكومته العقلي رأسا أو منع ايكال الشارع إلى هذا الحكم العقلي ( والأول ) مما لا سبيل إليه لرجوعه إلى دعوى تجويز العقل عند عدم تصرف شرعي في البين لتعطيل الاحكام والخروج عن الدين بعدم تعرض المكلف للوقايع المشكوكة وهو كما ترى خلاف الوجدان السليم والذوق المستقيم ( ولا ) مجال لما أفيد من مقايسة مثل المقام بالوقايع المشتبهة القليلة التي لا يلزم من عدم حكم العقل فيها بشيء محذور تعطيل الاحكام والخروج عن الدين ( وذلك ) لوضوح الفرق ، بين مثل المقام المحرز شدة الاهتمام به بمقتضى بطلان الخروج عن الدين ولو مع عدم تصرف من الشارع بجعل شيء في البين ، وبين ما هناك الذي لم يحرز فيه اهتمام الشارع وعليه فلا يكون عدم حكم العقل بشيء في تلك الوقايع المشتبهة القليلة شاهدا لمنع حكمه فيمثل المقام الذي يلزم منه محذور الخروج عن الدين كما هو ظاهر ( واما الثاني ) فيكفيه مجرد احتمال ايكال الشارع إلى هذا الحكم العقلي إذ معه لا يبقى مجال للكشف عن جعل شرعي في البين أصلا وإذا عرفت ما ذكرناه في شرح المقدمات ( فنقول ان الحق ) هو تقرير دليل الانسداد على نحو الحكومة العقلية بمعنى مثبتية الظن للتكليف عقلا الراجع إلى تنزله من العلم إلى

١٦٠