نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

فلا دلالة لها عليه أصلا « وحينئذ » فإذا لم يقم دليل على حجيتها تبقى لا محالة تحت الأصل « نعم » مثل هذه الشهرة إذا كانت من القدماء تكون موهنة للرواية التي على خلافها بحيث يخرجها عن الحجية ، وان لم تكن جابرة لضعف الرواية التي على وفاقها بعكس الشهرة العملية الاستنادية حيث إنها كانت جابرة لضعف الرواية ، كما أشرنا إليه انفا « فتدبر »

في حجية خبر الواحد

ومن الظنون الخارجة عن الأصل بالخصوص خبر الواحد في الجملة عند المشهور وكون البحث عن حجيته من المسائل الأصولية بل أهمها مما لا ينبغي التأمل فيه فان ضابط كون المسألة أصولية امكان وقوعها في طريق استنباط الحكم الكلي أو الوظيفة الفعلية كما تقدم تفصيله عند التعرض لبيان تعريف علم الأصول ( ومن المعلوم ) تحقق ذلك في المقام لوقوع نتيجتها كبرى القياس في مقام الاستنباط « بل لو » قيل في ضابط كون المسألة أصولية انها المسألة التي يختص تطبيقها بالمجتهد لكان منطبقا على المسألة المزبورة أيضا لأنها من جهة احتياجها إلى الفحص عن المعارض يختص تطبيقها بالمجتهد ( وكيف كان ) فاثبات الحكم الشرعي بالخبر الواحد يتوقف على عدة أمور ( منها ) أصل الصدور ( ومنها ) صدور الخبر عن المعصوم (ع) لبيان الحكم الواقعي لا للتقية ونحوها ( ومنها ) ظهور الكلام الصادر من المعصوم (ع) في إرادة ما هو ظاهره فلا يثبت الحكم الشرعي بخبر الواحد الا بعد احراز هذه الأمور ولو بالأصول العقلائية ( ولكن المقصود ) بالبحث في المقام هو الامر الأول وهو صدور الخبر من المعصوم (ع) والمتكفل لاثباته هي الأدلة الدالة على حجية الخبر الواحد ( واما المتكفل ) لجهة صدور الخبر هي الأصول العقلائية المقتضية لكون الكلام صادرا لبيان الحكم الواقعي ، ( والمتكفل ) لأصل ظهور الكلام الأوضاع اللغوية والقرائن العامة ، ولإرادة الظاهر هي أصالة الظهور التي عرفت كونها من الأصول العقلائية المتداولة بينهم في محاوراتهم ( نعم ) البحث عن الجهة الأولى يقع من وجهين ، تارة من جهة تعمد كذب الراوي في نقله عن الإمام (ع) ، وأخرى من جهة خطائه وغفلته ( والمقصود )

١٠١

بالبحث في المقام هي الجهة الأولى والمتكفل للجهة الثانية هي أصالة عدم الخطاء والغفلة وحينئذ ( نقول ) ان المشهور حجية خبر الواحد بل يمكن دعوى الاجماع عليه في الاعصار المتأخرة خصوصا بالنسبة إلى الاخبار المدونة فيما بأيدينا من الكتب المعروفة حيث يظهر منهم كون وجوب العمل بهذه الاخبار من المسلمات عندهم ، وان اختلفوا في وجهه حيث إن منهم من يرى قطعية صدور تلك الأخبار ومنهم من يعتمد عليها من اجل اعتماده على الظن المطلق ومنهم من يعتمد عليها من جهة قيام الدليل بالخصوص عنده على حجيتها ومنهم من يعتمد على غير ذلك من الجهات ( ولكن ) الظاهر أن اختلافهم في وجه الاستناد انما هو من قبيل العلل بعد الوقوع وتطبيق ما هو المسلم عندهم على ما اختاروا من الوجه بحيث لو فرض التفاتهم إلى عدم تمامية ما استندوا إليه من الوجوه لم يزالوا باقين على ما أفتوا به من وجوب العمل بهذه الاخبار ومن المعلوم ان مثل هذا الاختلاف لا يخل بالاجماع كما هو ظاهر « نعم » حكى القول بعدم الحجية عن جماعة ( كالسيد ) ( والقاضي ) ( وابن زهرة ) ، ( والطبرسي ) ، ( وابن إدريس ) ، بل نسب ذلك إلى الشيخ أيضا ( ولكن ) المشهور هو المنصور والمهم هو اثبات الحجية في الجملة قبال السلب الكلي كما يدعيه القائل بالمنع ولنقدم الكلام أولاً في ذكر أدلة النافين للحجية ( فنقول ) وعليه التكلان ، استدل للمنع بالأدلة الأربعة ( اما الكتاب ) فبآيات ( منها ) ما دل على النهى عن اتباع غير العلم كقوله سبحانه ولا تقف ما ليس لك به علم ( ومنها ) ما دل على النهى عن الاستطراق بالظن والعمل به كقوله سبحانه ان الظن لا يغنى من الحق شيئا ( ومنها ) التعليل المذكور في اية النبأ على ما ادعاه امين الاسلام الطبرسي قده من دعوى دلالته على عدم حجية خبر الواحد ( ولكن ) في الكل ما لا يخفى ، اما الآيات الناهية عن اتباع غير العلم فلأنها انما تدل على المنع عن العمل بخبر الواحد في فرض عدم تمامية الأدلة المثبتة للحجية ، إذ في فرض تماميتها لا مجال للتمسك بتلك الآيات لحكومة تلك الأدلة عليها حسب اقتضائها لتتميم الكشف واثبات العلم بالواقع حيث إنها تقتضي كون العمل به عملا بالعلم ، ( وهذا ظاهر ) بعد معلومية وضوح عدم تكفل الآيات لاحراز موضوعها الذي هو عدم العلم ، وتمحضها لاثبات حكم كلي لموضوع كلي ، وبذلك ظهر عدم صلاحية تلك

١٠٢

الآيات للمعارضة مع تلك الأدلة أيضا ( ومن هذا البيان ظهر ) الجواب عن الآيات الناهية عن العمل بالظن واتباعه ، إذ بعد الغض عن كون مساقها في مقام اثبات حرمة العمل بالظن في أصول العقائد وتسليم عمومها لمطلق الأحكام الشرعية ( نقول ) بحكومة أدلة حجية خبر الواحد عليها فإنها على تقدير تماميتها في نفسها توجب خروج كون العمل به عن كونه عملا بالظن بادراجه في العمل بالعلم حسب اقتضائها لتتميم الكشف ( هذا كله ) مع امكان دعوى ظهور الأدلة الناهية في كونها في مقام نفي اقتضاء الحجية في الظن من حيث ذاته قبال العلم الذي فيه اقتضاء الحجية بحكم العقل لا بصدد بيان اقتضائه لعدم الحجية فلا ينافي حجيته لمقتضى خارجي ( نعم ) لو كان مفاد الآية اثبات اقتضاء ذاته لعدم الحجية بنحو لا يزاحمه مقتضى خارجي « لكانت » دالة على المطلوب ، فتصلح حينئذ للمعارضة مع الأدلة المثبتة للحجية « ولكن » دون اثبات ذلك خرط القتاد ( ثم ) ان هذا كله فيما عدى السيرة العقلائية القائمة على حجية الخبر « واما السيرة » فقد يقال بصلاحية الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم للردع عنها ، فإنها بعد عدم اقتضائها الحجية في نفسها وإناطة حجيتها بامضاء الشارع وعدم ردعه عنها فلا جرم تصلح الآيات الناهية بعمومها للردع عنها فيخرج عن الحجية « ولكنه مندفع » بان ذلك يتم إذا كان بناء العقلاء في العمل بخبر الثقة من باب العمل بالظن « واما » إذا كان عملهم به من جهة انكشاف الواقع لديهم بقيام خبر الثقة وعدم اعتنائهم باحتمال الخلاف لبنائهم على تتميم الكشف المقتضى لالغاء احتمال خلافه فلا تصلح الآيات الناهية للردع عنها لخروج العمل بخبر الثقة « حينئذ » عن موضوع الآيات الناهية وهو العمل بالظن أو بما وراء العلم « نعم » لو اغمض عن ذلك لا يتوجه الاشكال على رادعية الآيات بما أفيد من محذور الدور ، بتقريب ان الردع عن السيرة بالآيات الناهية يتوقف على أن لا تكون السيرة مخصصة لعمومها ، وعدم كونها مخصصة لها يتوقف على كون الآيات رادعة عنها ولا أقل من أن يكون حال السيرة حال سائر أدلة حجية الخبر من كونها حاكمة على الآيات الناهية والمحكوم لا يصلح ان يكون رادعا عن الحاكم « إذ فيه » ان حجية السيرة بعد أن كانت معلقة على عدم الردع عنها يكون عدم الردع في المرتبة السابقة عن حجيتها لأنه بمنزلة

١٠٣

شرطها ، « وحينئذ » ففي المرتبة السابقة عن حجيتها تجرى أصالة العموم في الآيات الناهية فتوجب خروج مثلها عن الحجية بلا محذور دور « كيف » وحكومة السيرة المزبورة أو ورودها على الآيات فرع حجيتها المتأخر عن عدم الردع ، فلا يستقيم تشكيل الدور في رادعية الآيات الناهية وانما هو في ظرف مخصصية السيرة أو حكومتها على عمومات النواهي لتوقف مخصصيتها أو حكومتها على حجيتها المتأخرة عن عدم رادعية الآيات عنها في المرتبة السابقة وهو ظاهر « نعم ما أفيد » من محذور الدور في الرادعية يتم في فرض اقتضاء الحجية في نفس السيرة وكون الردع مانعا عنها ، إذ « حينئذ » يمكن ان يقال بكون المانعية معلقة في طرف الآيات على عدم تأثير المقتضى التنجيزي الموجب لعدم صلاحية الآيات للرادعية الا بنحو الدور ولكن الامر ليس كذلك بل أصل حجيتها منوط بامضاء الشارع لها وعدم ردعه عنها بحيث لولا الامضاء لما كان فيها اقتضاء الحجية أصلا ، وعليه فينحصر تصوير الدور في طرف المخصصية ( ثم إن ) ما ذكرنا من صلاحية الآيات للردع عن السيرة انما هو في السيرة العقلائية غير الراجعة إلى أمور معادهم والا فيرجع إلى سيرة المتشرعة ، و ( وفى مثله ) لا تصلح هذه النواهي للردع عنها لمضادتها حينئذ لأصل وجود السيرة وتحققها ( إذ ) من المستحيل تحقق السيرة المزبورة منهم بما هم متدينون مع ثبوت الردع من الشارع ، وعليه فمن قيام السيرة واستمرارها يستكشف بمقتضى المضادة المزبورة عدم صلاحية الآيات الناهية للردع عما بنوا عليه من العمل بخبر الثقة وسيأتي مزيد بيان لذلك ( واما السنة ) فهي على طائفتين ( الأولى ) ما دل على الاخذ بما علم صدوره عنهم (ع) والتوقف والرد إليهم فيما لا يعلم أنه منهم فمن ذلك قوله (ع) في المروى عن بصائر الدرجات ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموه فردوه إلينا ( الثانية ) ما دل على عرض الاخبار المروية عنهم (ع) على كتاب الله عز وجل وهي على طائفتين * أحدهما * تدل على الاخذ بما يوافق الكتاب ورد ما لا يوافقه * وأخرى * ما تدل على الاخذ بما لا يخالف الكتاب ورد ما يخالفه وكل منهما * على قسمين * من حيث كونه بلسان نفي الصدور ، تارة ولسان نفي الحجية ، أخرى * فمن الطائفة الأولى * قوله (ع) ما جائكم عنى ما لا يوافق القران فلم أقله ، وقوله (ع) وما اتاكم من

١٠٤

حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل ، وقوله (ع) كل شيء مردود إلى كتاب الله عز وجل والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ونحو ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة في نفى صدور ما لا يوافق القران عنهم « ومن الطائفة الثانية » قوله (ع) لا تصدق علينا الا ما يوافق كتاب الله وسنة نبيه ، وقوله إذا جائكم حديث عنا فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله عز وجل فخذوا به والا فقفوا عنده ثم ردده إلينا حتى نبين لكم ، وقوله (ع) في خبر ابن أبي يعفور بعد أن سئله عن اختلاف الحديث يرويه من يوثق به ومن لا يوثق به إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله عز وجل أو من قول رسول الله (ص) فخذوا به والا فالذي جائكم أولى به ، وقوله (ع) ما جائكم عنا فان وجدتموه موافقا للقران فخذوا به وان لم تجدوه موافقا للقران فردوه وان اشتبه الامر عندكم فقفوا عنده حتى نشرح لكم من ذلك ما شرع لنا ، وقوله (ع) لمحمد بن مسلم ما جائك من رواية من بر أو فاجر يوافق كتاب الله فخذ به وما جائك من رواية من بر أو فاجر يخالف كتاب الله فلا تأخذ به بناء على كون المراد من المخالفة بقرينية الصدر هو عدم الموافقة ونحو ذلك من الاخبار الظاهرة في عدم حجية ما لا يوافق الكتاب « ومن الطائفة الثالثة » قوله (ع) ما خالف كتاب الله عز وجل فليس من حديثي أو لم أقله كما في خبر آخر ، قوله (ع) ما جائكم عنى يخالف كتاب الله عز وجل فلم أقله أو ذره على الجدار كما في آخر أو زخرف كما في ثالث أو باطل كما في رابع « ومن الطائفة الرابعة » قوله (ع) لا تقبلوا عنا خلاف القران فانا ان حدثنا حدثنا بموافقة القران وموافقة السنة ، وقوله (ع) لا تقبلوا عنا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا (ص) ونحو ذلك من النصوص الظاهرة بل الصريحة في عدم حجية ما يخالف الكتاب والسنة هذا ( والجواب ) « اما عن الطائفة الأولى » الظاهرة في عدم جواز الاخذ بما لا يعلم صدوره عنهم (ع) « فبعد الغض » عن كونها من اخبار الآحاد التي لا يمكن التمسك بمثلها لعدم حجية خبر الواحد « يرد عليها » ما أوردناه على الآيات الناهية عن اتباع غير العلم من توقف الاستدلال بها على عدم تمامية أدلة حجية خبر الواحد لما عرفت من حكومة تلك الأدلة عليها على فرض تماميتها لاقتضائها لتتميم الكشف « واما

١٠٥

الطائفة الثانية » الدالة على عرض الاخبار على كتاب الله والسنة على اختلاف ألسنتها فبالنسبة إلى كل واحد منها يجري الاشكال المتقدم لكونها من اخبار الآحاد ولا يجوز التمسك بها لعدم حجية خبر الواحد « واما المجموع » من حيث المجموع فهو وان كان بالغا إلى حد التواتر « ولكن » التواتر المزبور فيها لما كان اجماليا لا معنويا بلحاظ اختلافها في المضمون وعدم وجود جهة متحدة فيها يحكى عنها الجميع « فلابد » من الاخذ بما هو أخص مضمونا منها لكونه القدر المتيقن على قواعد العلم الاجمالي بين الأقل والأكثر وحيث إن الأخص مضمونا من الجميع هي النصوص المتضمنة لعنوان المخالف للكتاب لا خصية مضمونها من النصوص المتضمنة لعنوان ما لا يوافق وعدم احتمال صدور المخالف أو حجية دون ما لا يوافق ( فلابد ) في مقام الدوران من الاخذ بهذه الطائفة ( ثم ) بعد القطع بصدور الاخبار المخالفة للكتاب منهم (ع) بنحو العموم المطلق بل وعلى نحو العموم من وجه ( لابد ) من حمل المخالف فيها على المخالفة بنحو التباين الكلي وبذلك أيضا ينحل العلم الاجمالي بعدم الصدور وعدم الحجية والقبول في الاخبار المخالفة ، للقطع التفصيلي بعدم جواز الاخذ بالخبر المخالف للكتاب والسنة بنحو التباين الكلي ، اما لعدم صدوره ، أو لعدم حجية فيصير الشك بدويا في البقية ( وعليه ) فلا محذور في الاخذ بما عدى هذه الطائفة من الاخبار المخالفة للكتاب بنحو العموم المطلق أو من وجه فضلا عن الاخبار غير المخالفة ولا ملازمة بين عدم جواز الاخذ بالاخبار المخالفة بنحو التباين الكلي وعدم حجيتها وبين عدم حجية غيرها من الاخبار كما هو ظاهر ( واما الاجماع ) المدعى في المقام فهو المحكى عن السيد قدس‌سره من أن العمل بالخبر الواحد عند مذهب الشيعة كالعمل بالقياس ( ففيه ) ان المحصل من هذا الاجماع غير حاصل لو لم نقل ان المتحقق خلافه كما أشرنا إليه سابقا ( والمنقول منه ) مع أنه غير حجة معارض بما يأتي من دعوى الشيخ قدس‌سره الاجماع على حجيته ( هذا ) مع امكان توجيه كلام السيد قدس‌سره بإرادة الاخبار الخالية عن شواهد الصدق على الصدور لابتلائه في زمانه بالعامة واخبارهم المروية بطرقهم غير النقية فلأجل ذلك أنكر هو قدس‌سره حجية اخبار الآحاد للتخلص عن محذور عدم العمل باخبارهم ( كيف ) ومن البعيد جدا خفاء هذا المعنى على

١٠٦

الشيخ قدس‌سره مع كونه في عصره وزمانه فيدعى الاجماع على خلاف ما يدعيه السيد فتدبر ( واما الدليل العقلي ) فهو البرهان المعروف المحكى عن ابن قبة في امتناع جعل الطرق غير العلمية من جهة محذور اجتماع الضدين ولزوم تحليل الحرام وعكسه وقد تقدم الجواب عن تلك الشبهة بما لا مزيد عليه.

( واما المثبتون ) فاستدلوا على حجية خبر الواحد أيضا بالأدلة الأربعة ( الكتاب والسنة ) ، ( والاجماع عملا وقولا ) ( والعقل ) ( اما الكتاب ) فبآيات ( منها ) قوله عز من قائل في سورة الحجرات يا أيها الذين آمنوا ان جائكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ( وتقريب ) الاستدلال بهذه الآية المباركة من وجوه تارة من جهة دلالة الاقتضاء ، وأخرى من جهة مفهوم الشرط من حيث تعليق سنخ الحكم على مجيئ الفاسق بالنبأ ، ( وثالثة ) من جهة مفهوم الوصف من حيث تعليق سنخ الحكم على اخبار الفاسق المستلزم للانتفاء عند الانتفاء * اما الأول * فبدعوى ان المناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي حجية خبر العادل لان وجوب التبين وعدم القبول بدونه يناسب جهة فسق المخبر لعدم تحرزه عن المعاصي التي منها تعمد كذبه فوجب التبين عن حال خبره لئلا يقع المكلف في خلاف الواقع ، فيحصل له الندامة * وهذا * بخلاف خبر العادل ، فإنه من جهة تورعه عن محارم الله لا يقدم على التعمد بالكذب فاحتمال تعمد كذبه في خبره منفي بعدالته ولازمه حجية خبره ووجوب العمل على طبقه بدون التبين * واما تقريبه * من جهة مفهوم الشرط ، فبدعوى ظهور الآية في إناطة كلي الحكم وسنخه وهو وجوب التبين على مجيء الفاسق بالبناء ، ولازمه انتفاء الحكم بسنخه عند انتفاء الشرط ، فيترتب عليه وجوب القبول بدون التبين عند مجيء العادل به * إذ * لورد * حينئذ * يلزم أسوئية العادل من الفاسق وبعد بطلان ذلك يتعين القبول بلا تبين * نعم * قد يقال تبعا للشيخ قدس‌سره بعدم الاحتياج إلى ضم مقدمة الأسوئية وتمامية الاستدلال بدونها لابتناء الاحتياج المزبور على كون التبين في الآية واجبا نفسيا في خبر الفاسق * والا * فبناء على كونه واجبا شرطيا في جواز العمل بقول الفاسق فلا يحتاج إلى الضميمة المذكورة من جهة تمامية الاستدلال بدونها أيضا ( لان ) مفاد المنطوق على هذا هو وجوب

١٠٧

التبين وشرطيته في العمل بقول الفاسق ، ومفاد المفهوم فيها هو انتفاء وجوب التبين في العمل بقول العادل * ولا ريب * في ظهور الآية في نفسها خصوصا بملاحظة التعليل الواقع في الذيل في الوجوب الشرطي لا الوجوب النفسي لأنه مع بعده في نفسه لا يكاد يناسب مع التعليل * ولكن فيه * ان التبين في الآية المباركة ، اما ان يكون بمعنى تحصيل العلم الوجداني ، واما ان يكون بالمعنى الأعم الشامل للوثوق والاطمينان * وعلى الأول * لا معنى لشرطية التبين للعمل بخبر الفاسق * إذ مع حصول العلم يكون العمل لا محالة بالعلم ، لا بالخبر * فمفاد * المنطوق على هذا هو الغاء خبر الفاسق بالمرة ولزوم تحصيل العلم بالواقع عند إرادة العمل * وحيث * كان الوجوب فيه عقليا كان الامر بالتبين ارشاديا محضا لا نفسيا ولا شرطيا وعلى ذلك تحتاج إلى مقدمة الأسوئية * ببيان * ان عدم وجوب التبين عن خبر العادل اما ان يكون من جهة القطع بكذبه فيكون أسوء حالا ، واما ان يكون لحجيته وهو المطلوب * واما على الثاني * فما أفيد من استفادة الوجوب الشرطي للتبين من الآية في العمل بخبر الفاسق وان كان وجيها * ولكن * هذا المقدار لا يجدى في نفي الاحتياج إلى مقدمة الأسوئية الا في فرض ان تكون الآية ناظرة إلى مجرد اثبات الشرطية ، فارغا عن أصل وجوب العمل بالخبر * واما * في فرض كونها ناظرة إلى وجوبه مقدمة للعمل بخبر الفاسق فلا تقتضي عدم الحاجة إلى المقدمة المزبورة * فان * مرجع الوجوب المزبور بعد كونه إلى الوجوب الغيري للعمل ، فنفيه في طرف المفهوم كما يناسب مع نفي شرطية التبين * كذلك * يناسب مع نفي أصل وجوب العمل أو جوازه ، فلا يتعين الأول الا بضم مقدمة الأسوئية وبالجملة نقول انه بعد ابطال الوجوب النفسي للتبين لا ينحصر الامر في الوجوب الشرطي * بل * كما يحتمل كونه وجوبا شرطيا * كذلك * يحتمل كونه وجوبا غيريا مقدميا للعمل بخبر الفاسق الموثق * ومع * دوران الامر بينهما يتعين الثاني * فإنه * على الأول لابد من رفع اليد عن ظهور الامر في المولوية وحمله على الارشاد إلى شرطية التبين التي هي الوضع * بخلاف الثاني * فإنه عليه يبقى ظهور الامر في المولوية ، بحاله * وعليه * لا محيص عن مقدمة الأسوئية * هذا * مع امكان دعوى ان مجرد عدم وجوب التبين في خبر العادل لا يقتضى نفي الشرطية المزبورة

١٠٨

( لان ) من الممكن ان يكون ذلك من جهة تحقق الشرط المزبور وحصوله في نبأ العادل بلحاظ ما هو الغالب من إفادة بناء العادل للوثوق بالواقع ( نعم ) قد يتوهم اختلال امر المفهوم حينئذ لوقوع الاشكال في موارد عدم إفادة قول العادل للوثوق ( ولكنه ) مدفوع بأنه يكفي للوثوق النوعي في الحجية فتدبر « واما تقريبه من جهة الوصف » فبوجهين ، تارة من جهة ظهور القضية في تعليق كلي الحكم وسنخه على عنوان الفسق المستلزم للانتفاء عند الانتفاء ، وأخرى من جهة دلالة الاقتضاء الناشئة من استناد وجوب التبين إلى عنوان الفسق الذي هو من العناوين العرضية ، لا إلى كونه خبر واحد ( بتقريب ) انه اجتمع في خبر الفاسق وصفان أحدهما ذاتي وهو كونه خبر الواحد * والاخر * عرضي وهو كون المخبر فاسقا فمن اقتران الكلام بالوصف واستناد الحكم إليه في ظاهر القضية يستفاد ان ما هو العلة لوجوب التبين هو هذا العنوان العرضي لا العنوان الذاتي نظير قوله أكرم عالما حيث يستفاد منه ان ماله الدخل في الحكم هو العالمية لا الانسانية ( والا ) يلزم بمقتضى الطريقة المألوفة بين أهل المحاورة استناده إلى العنوان الذاتي أعني الانسانية في المثال ووصف كونه خبر واحد في المقام لكونه في رتبة سابقة على العنوان العرض وحصوله قبل حصوله خصوصا مع لزوم خلو ذكر الوصف عن القائدة ( وحينئذ ) فمن نفس الانتقال من الذات إلى العرض يستفاد ان العلة والمنشأ هو وصف كون المخبر فاسقا ، ولازمه انتفاء وجوب التبين عند كون المخبر عادلا وبضميمة مقدمة الأسوئية يستفاد حجية قول العادل ( بل يمكن ) ان يقال بعدم الاحتياج إلى ضم المقدمة المزبورة بدعوى ظهورية الآية في أن تخصيص مقتضى التبين هذا بهذا العرض انما هو بالإضافة إلى عرض اخر وهو إضافة الخبر إلى العادل ومن المعلوم ان لازم ذلك هو حجية قول العادل والا لكان فيه أيضا مقتضى التبين * بل ولعل * هذه الجهة هي العمدة في الانتقال إلى العرض حيث كانت في مقام تمييز الحجية عن غيرها وما يجب فيه التبين عن ما لا يجب * لا ان * سر الانتقال هو عدم الاقتضاء في الذات المزبورة للتبين وانحصار مقتضيه بالخبر الفاسق كي يستشكل عليه ، تارة بان لازم عدم حجية قول الفاسق هو عدم وجود الاقتضاء للحجية في ذات الخبر المعروض لهذه الإضافة الملازم لاقتضاء

١٠٩

نفس الذات للزوم التبين أيضا فلا يثبت بهذا التقريب ( حينئذ ) انحصار مقتضى التبين بخصوص العرض دون الذات ( وأخرى ) بمخالفته لما عليه بناء الأصحاب من عدم اقتضاء الحجية لعنوان خبر الواحد بما هو كذلك لان القائلين بالحجية ، بين قائل بحجية خصوص خبر العدل بلحاظ هذا الوصف الطارئ ، وبين قائل بحجية خبر الموثق بما هو كذلك ، فلم يعهد من أحدهم القول بالحجية لذات الخبر الواحد بما هو كذلك والا للزم القول بحجية كل خبر لم يتصف بكونه صادرا عن الفاسق عند من يقول بجريان الأصل في مثله من الاعدام الأزلية ، ولم يلتزموا بذلك ما لم تحرز العدالة ( وهذا ) بخلاف ما ذكرناه ( إذ ) عليه يتم تقريب الاستدلال من دون ان يرد عليه شيء من الايرادين المذكورين وان لم يكونا خاليين عن الاشكال أيضا ( ولئن شئت ) فاجعل ذلك تقريبا ثالثا للوصف غير ما ذكرنا ( هذا ) كله في تقريب الاستدلال بالآية الشريفة على حجية خبر العادل من جهة اقتضاء الشرط تارة والوصف أخرى ولقد عرفت تمامية الاستدلال وصفا وشرطا بناء على استفادة المفهوم من نحو هذه القضايا بملاحظة ظهور القضية في مدخلية عنوان الفسق لوجوب التبين كما في كلية العناوين المأخوذة في لسان الأدلة ( وحينئذ ) فإذا كان المحمول في عقد الحمل هو الحكم السنخي فلا جرم يستفاد من اناطته بالشرط أو الوصف انتفاء الحكم السنخي عند الانتفاء هذا ( ولكن قد أورد على التمسك بها بأمور ).

« منها » ما يرجع إلى انكار أصل مفهوم الشرط ، بدعوى كون القضية فيها من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع حتى أن الشيخ قده جعل ذلك من الاشكالات غير القابلة للدفع عنها ( وتقريب الاشكال ) ان الشرط المذكور في الآية لما كان مما يتوقف عليه وجود الجزاء والمشروط عقلا بحيث لا يمكن فرض وجود الجزاء بلا فرض وجود الشرط ( كانت ) من القضايا المسوقة لبيان تحقق الموضوع كما في قولك ان رزقت ولدا فاختنه وان ركب الأمير فخذ ركابه ، وكقوله تعالى وإذا قرء القران فاستمعوا له وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ( وبالجملة ) الضابط في كون القضية من ذوات المفهوم ( هو ) امكان فرض وجود الجزاء بلا فرض وجود الشرط بنحو كان السلب فيها من قبيل السلب بانتفاء المحمول وهذا المعنى

١١٠

لا يتصور في المقام وانما المتصور فيه كونه من قبيل السلب بانتفاء الموضوع ( أقول ) تنقيح المرام في المقام يحتاج إلى بيان مقدمة في شرح كيفية اخذ المفاهيم من القضايا الملفوظة ( وهي ) انه لا شبهة في أن استخراج المفهوم من القضايا ( يحتاج ) إلى تجريد ما هو الموضوع المذكور فيها في طرف المفهوم من القيود التي أريد استخراج المفهوم من جهتها شرطا أو وصفا أو غاية ففي مثل ان جائك زيد يجب اكرامه ( لابد ) في استخراج مفهوم الشرط منه من تجريد الموضوع الذي هو زيد من اضافته إلى المجيء ، بجعله عبارة عن نفس الذات مهملة ( والا ) ففي فرض عدم تجريده منه لم يبق مجال لاستخراج المفهوم منه لكونه ( حينئذ ) من السالبة بانتفاء الموضوع ( فان ) الموضوع وما يرجع إليه الضمير في قوله يجب اكرامه ( يكون ) عبارة عن زيد المقيد بالمجئ ، ومن الواضح ان الانتفاء عند الانتفاء ( حينئذ ) لا يكون الا من باب السلب بانتفاء الموضوع من جهة انتفاء المقيد بانتفاء قيده ( وهذا ) بخلاف فرض تجريده عن الخصوصية ، إذ معه كان المجال لحفظ الموضوع في طرف المفهوم فأمكن استخراج مفهوم الشرط من القضية المزبورة ( وهكذا ) الكلام بالنسبة إلى الوصف والغاية والضابط الكلي هو ما عرفت من لزوم تجريد الموضوع في القضية عن كل قيد أريد استخراج المفهوم من جهته شرطا أو وصفا أو غاية أو غيرها بجعله من الجهات التعليلة لترتيب سنخ الحكم على الموضوع ( ومن ذلك ) لو كان في القضية قيود اخر كقوله ان جاء زيد راكبا يوم الجمعة يجب اكرامه يتعدد المفهوم حسب تعدد تلك القيود فمن تجريد الموضوع من اضافته إلى كل قيد يستخرج مفهوم غير المفهوم المستخرج من الاخر ( وإذا عرفت ذلك ) نقول ان المحتملات المتصورة في الشرط في الآية الشريفة ثلاثة « منها » كون الشرط فيها نفس المجيء خاصة مجردا عن متعلقاته « وعليه » يتم ما افاده الشيخ قده من انحصار المفهوم فيها بالسالبة بانتفاء الموضوع « فان لازم » الاقتصار في التجريد على خصوص المجيء هو حفظ إضافة الفسق في ناحية الموضوع بجعله عبارة عن البناء المضاف إلى الفاسق « ولازمه » هو كون الانتفاء عند الانتفاء من باب السلب بانتفاء الموضوع ، لضرورة انتفاء الموضوع وهو النبأ الخاص بانتفاء الشرط المزبور ( ومنها ) كون الشرط هو المجيء مع متعلقاته ( ولازمه ) بعد تجريد

١١١

الموضوع عن اضافته إلى المجيء الخاص هو كون الموضوع نفس النبأ مجردا عن اضافته إلى الفاسق أيضا لا النبأ الخاص كما في الفرض السابق وعليه يكون للآية مفهومان ( أحدهما ) السالبة بانتفاء الموضوع ( وثانيهما ) السالبة بانتفاء المحمول لان عدم مجيء الفاسق بالنبأ يعم مجيء العادل به فلا يلزم من عدم مجيئه به انتفاء ما يتبين عنه بقول مطلق حتى ينحصر المفهوم في القضية بالسالبة بانتفاء الموضوع ( ومنها ) كون الشرط عبارة عن الربط الحاصل بين المجيء والفاسق الذي هو مفاد كان الناقصة ، ولازمه بمقتضى ما ذكرنا هو الاقتصار في التجريد على خصوص ما هو المجعول شرطا أعني النسبة الحاصلة بين المجيء والفاسق ، وبعد حفظه قيد المجيء في ناحية الموضوع بجعله عبارة عن النبأ المجيء به ، وإناطة سنخ الحكم بكون الجائي به هو الفاسق « ينحصر » المفهوم فيه بالسالبة بانتفاء المحمول إذ بعد كون الموضوع هو النبأ المتحقق يكون عدم مجيء الفاسق به ملازما لكون الجائي به عادلا كما هو ظاهر ( فهذه وجوه ثلاثة متصورة ) فيما ذكر شرطا في الآية ولكن الأخير منها في غاية البعد لظهور الجملة الشرطية في الآية في كون الشرط هو المجيء أو هو مع اضافته إلى الفاسق ، لا الربط الحاصل بين المجيء والفاسق بما هو مفاد كان الناقصة مع خروج نفس المجيء عن الشرطية كي يلزمه ما ذكر من كون الموضوع فيها هو النبأ المجيء به كما افاده في الكفاية ( ويتلوه في البعد ) الوجه الأول الذي مرجعه إلى كون الشرط هو المجيء فقط فان ذلك أيضا مما ينافي ظهور الآية المباركة ، فان المتبادر المنساق منها عرفا كون الشرط هو المجيء بما هو مضاف إلى الفاسق ، بل وهو المتبادر عرفا في أمثال هذه القضية نحو ان جائك زيد بفاكهة يجب تناولها لظهوره في كون الشرط لوجوب التناول هو مجيء زيد بها ( وعليه ) فكما يجب تجريد الموضوع في المقام عن اضافته إلى المجيء كذلك يجب تجريده عن متعلقاته فيكون الموضوع وما يتبين عنه نفس طبيعة النبأ لا البناء الخاص المضاف إلى الفاسق ( ولازمه ) جواز التمسك باطلاق المفهوم في الآية لعدم انحصاره ( حينئذ ) بخصوص السالبة بانتفاء الموضوع كما عرفت * فتمام * الاشكال المزبور ناشئ عن تخيل كون الموضوع لوجوب التبين هو النبأ الخاص المضاف إلى الفاسق * والا * فمع فرض تجريده عن تلك الخصوصية لا يبقى مجال

١١٢

للاشكال المزبور « ومنها » معارضة المفهوم فيها مع عموم التعليل في الذيل بإصابة القوم بجهالة « بتقريب » ان المراد بالجهالة هو عدم العلم بصدق المخبر وحيث إن ذلك مشترك بين خبر العادل والفاسق فمقتضى عموم التعليل هو وجوب التبين عن كل خبر غير علمي لا يؤمن في العمل به من الوقوع في خلاف الواقع الموجب لحصول الندامة ولو كان المخبر عادلا فيقع ( حينئذ ) بينهما التعارض ، فيدور الامر بين رفع اليد عن ظهور الجملة الشرطية أو الوصفية في المفهوم ، أو رفع اليد عن عموم التعليل في اقتضائه لوجوب التبين في كل خبر غير علمي ( وفى مثله ) يتعين الأول وترجيح عموم التعليل والحكم بخلو الجملة الشرطية أو الوصفية عن المفهوم لما هو المعلوم من اقوائية ظهور التعليل في العموم من ظهور الجملة الشرطية أو الوصفية في المفهوم وتبعيته له تبعية المعلول لعلته في العموم والخصوص كقوله لا تأكل الرمان لأنه حامض ولا تشرب الخمر لأنه مسكر ، حيث يخصص المنع في الأول بخصوص الفرد الحامض من الرمان ، ويعمم في الثاني لكل مسكر ولو لم يكن خمرا كما عليه بناء الأصحاب ( ففي ) المقام يؤخذ بظهور التعليل في العموم ويتعدى بمقتضى عمومه إلى كل ما لا يؤمن فيه عن الوقوع في الندم لا انه يؤخذ بالمفهوم ويخصص به عموم التعليل هذا ( وقد أجيب ) عنه ( تارة ) بمنع كون الجهالة في الآية بمعنى الجهل المقابل للعلم بل هي بمعنى السفاهة ، وذلك لا بمعناها المصطلح كي يستبعد من جهة اعتماد الصحابة على قول الوليد وإرادتهم تجهيز الجيش لقتال بنى المصطلق عند اخبار الوليد بارتدادهم * بل بمعنى * الركون إلى ما لا ينبغي الركون إليه بعد التأمل والتدبر ولا ريب في أن العمل بقول الفاسق من هذا القبيل ، حيث إنه من جهة فسقه الموجب لعدم الامن من تعمد كذبه في اخباره يكون العمل بقوله والركون إليه من السفاهة بالمعنى المزبور ( وهذا ) بخلاف العمل بقول العادل ، فإنه ليس الركون إليه والاعتماد على قوله عند العقلاء من الركون إلى ما لا ينبغي الركون إليه وعليه لا يشارك خبر العادل خبر الفاسق كي يندرج بذلك في عموم التعليل * وأخرى * بحكومة المفهوم على العموم المزبور ولو مع فرض كون الجهالة بالمعنى المقابل للعلم * بتقريب * ان المفهوم على تقدير ثبوته في نفسه من جهة اقتضائه لتتميم الكشف

١١٣

والغاء احتمال الخلاف في خبر العادل موجب لجعله محرزا وكاشفا عن الواقع ولو تعبدا ، فيوجب خروج خبر العدل عن عموم التعليل موضوعا ببيان عدم كونه من افراده ، ومعه لا يكاد يعقل وقوع التعارض بينه وبين عموم التعليل فضلا عن تقديم العلة عليه ( بل يقدم ) المفهوم عليها ولو كان ظهورها أقوى بمراتب من ظهوره كما هو الشأن في كل حاكم ومحكوم حيث يقدم الحاكم عليه بعد الفراغ عن حكومته واصل نظره ولو كان ظهوره أضعف بمراتب من ظهور المحكوم ( فان ) اقوائية الظهور انما تجدي في موارد التخصيص والتقييد فيقدم ما هو الأقوى ظهورا على غيره ولذلك قد يقدم العام على الخاص والمطلق على المقيد عند كونهما أقوى ظهورا من الخاص والمقيد واما موارد الحكومة فيقدم الحاكم على المحكوم ولو كان أضعف ظهورا من المحكوم « وعمدة النكتة » فيه انما هو من جهة تعرض الحاكم بمدلوله للفظي وشارحيته لعقد وضع دليل المحكوم بالتوسع فيه ، تارة بادخال ما ليس داخلا فيه والتضيق أخرى باخراج ما كان داخلا فيه عنه كما في المقام من حيث اقتضاء المفهوم لتضيق موضوع العام واخراج خبر العادل عنه موضوعا بعناية تتميم كشفه ومحرزيته للواقع وكونه من مصاديق العلم « وحينئذ » فبعد عدم تكفل العموم المزبور الا لبيان حكم موضوع في فرض وجوده بلا تكفله لبيان موضوعه وضعا أو رفعا « يقدم » المفهوم على فرض ثبوته في نفسه على العموم المزبور ولا يقع التعارض بينهما « نعم » يتجه التعارض بينهما بناء على القول بكون مفاد أدلة حجية الامارات هو تنزيل المؤدى منزلة الواقع لا اثبات الاحراز وتتميم الكشف ولكن التحقيق خلافه على ما مر غير مرة من كونه من باب تتميم الكشف في كلية الامارات هذا « أقول » ولا يخفى ان ما أفيد في الجواب الأول مبني على كون التبين في الآية بمعنى الوثوق لا العلم؟ إذ ( حينئذ ) يكون المراد من الجهالة ما يقابل الوثوق ولا يكون ذلك الا السفه بالمعنى المزبور أعني الركون والاعتماد إلى ما لا ينبغي الركون إليه عند العقلاء * ولكنه * خلاف ظاهر الآية المباركة كيف وان السفاهة بالمعنى المزبور انما توجب الملامة لا الندامة فلا يناسب التعبير ( حينئذ ) بالندامة وما يوجب الندامة انما هو العمل بكل امارة مخالفة للواقع خصوصا في الأمور المهمة كما في مورد الآية الشريفة ( وعلى ذلك )

١١٤

تكون الجهالة في الآية عبارة عن مطلق خلاف العلم فيشارك خبر العادل خبر الفاسق في العلة وبذلك ظهر الجواب عن الثاني أيضا حيث نقول بجريان العلة حتى في صورة العمل بما هو حجة عند العقلاء من خبر الثقة والعدل فان العمل بقول الثقة والعدل عند مخالفته الواقع وان لم يكن موجبا للملامة والمذمة ولكنه موجب للندامة فتشمله العلة المذكورة في الآية فتقتضي الردع عن العمل بمثله ومعه لا مجال لحكومة المفهوم على عموم العلة ( بل ) يكون عموم العلة موجبا لمنع المفهوم في القضية هذا ( ولكن ) الانصاف انه لا وقع لهذا الاشكال ( فإنه بعد ) ان كان الندم في الأحكام الشرعية بل في مطلق الاحكام الجارية بين المولي والعبيد ملازما للملامة والعقوبة لما هو المعلوم من أن هم العقل في أمثال ذلك انما هو مجرد الفرار عن تبعة ما يترتب على مخالفة التكاليف الواقعية من الملامة والعقوبة ، لا تحصيل المصالح والاغراض الواقعية ( كان ) ذلك موجبا لاختصاص الندم في الآية بالندم الملازم مع اللوم والعقوبة ، فمع فرض اقتضاء المفهوم لحجية خبر العدل تترتب عليه المعذورية وعدم الملامة والعقوبة وعليه يتجه الجواب المزبور من حكومة المفهوم على عموم العلة ( كيف ) وان لازم ذلك هو الالتزام بالتخصيص الكثير في عموم العلة بالامارات المعتبرة كالبينة واليد والسوق والاقرار ونحوها من الموارد التي رخص فيها الشارع في ترك تحصيل العلم بالواقع والعمل على طبق الامارات المنصوصة مع أنه كما ترى ، فلا محيص ( حينئذ ) من تخصيص الندم المذكور في الآية بالندم الملازم مع الملامة ( فتدبر ) * نعم يمكن المناقشة * في تقرير الحكومة بوجه آخر * وحاصله * منع اقتضاء المفهوم في المقام لتتميم الكشف بلحاظ وجوب التبين ، حيث إنه لا طريق على التنزيل المزبور في طرف المفهوم الا من جهة نفي وجوب التبين المستفاد من الفهوم وبعد كون العلم بتتميم الكشف في رتبة متأخرة عن احراز عدم وجوب التبين يستحيل كون نظر تتميم الكشف في اثبات الاحراز إلى مثل هذا الأثر ومعه فلابد وأن يكون تقديم المفهوم على عموم التعليل في الرتبة السابقة عن احراز تتميم الكشف بمناط التخصيص * لان * في تلك المرتبة لا يكون تتميم كشف في البين حتى يتم معه الحكومة فلو قيل * حينئذ * بعدم وجوب التبين لابد وأن يكون بمناط التخصيص * لا يقال * انه كذلك إذا كان التنزيل ثبوتا في الرتبة المتأخرة

١١٥

عن احراز عدم وجوب التبين ، وليس المقصود ذلك « بل المقصود » هو كشف عدم وجوب التبين عن اطلاق التنزيل في الرتبة السابقة كشفا آنيا « وعليه » فلا يتوجه الاشكال المزبور لتمامية الحكومة المزبورة في المرتبة السابقة « فإنه يقال » العبرة في الحكومة انما هي بكيفية دلالة الدليل وكشفه عن المعنى المراد ، وبعد فرض كون الكشف المزبور في الرتبة المتأخرة عن احراز عدم وجوب التبين يستحيل كون نظر تتميم الكشف في اثبات الاحراز إلى احراز مثل هذا الأثر المعلوم من غير ناحية جهة تتميم الكشف فيستحيل « حينئذ » تقديم المفهوم على عموم العلة بمناط تتميم الكشف كما هو ظاهر.

« ومن الاشكالات » ان المفهوم غير معمول به في الموضوعات الخارجية التي منها مورد الآية فان مورد نزولها انما هو في الاخبار عن الارتداد الذي لا يكاد يثبت الا بالعلم الوجداني أو البينة العادلة وحيث انه لا يجوز اخراج المورد عن عموم المفهوم فلابد من طرح المفهوم رأسا « وأجيب عنه » بان المورد داخل في عموم الكبرى في طرف المنطوق وهي قوله ان جائكم فاسق الخ فان خبر الفاسق لا اعتبار به لا في الموضوعات ولا في الاحكام « واما » المفهوم فلم يرد كبرى لصغرى مفروضه الوجود والتحقق لأنه لم يرد في مورد اخبار العادل بالارتداد بل يكون حكم المفهوم من هذه الجهة حكم سائر العمومات الابتدائية التي لم ترد في مورد خاص القابلة للتخصيص باي مخصص فلا مانع من تخصيص عموم المفهوم بما عدى الخبر الواحد القائم على الموضوعات الخارجية ولا فرق بين المفهوم والعام الابتدائي سوى ان المفهوم كان مما تقتضيه خصوصية في المنطوق تستتبع ثبوت المفهوم والا فهو كالعام الابتدائي الذي لم يرد في مورد خاص « وفيه » ان المفهوم لابد وأن يكون تابعا للمنطوق فإذا كان الموضوع في المنطوق هو النبأ الكلي الشامل لخبر الارتداد فلا محيص من اخذ مثل ذلك في طرف المفهوم أيضا ومعه لا يكون الموضوع في المفهوم كليا غير ناظر إليه بخصوصه ليكون كسائر العمومات الابتدائية قابلا للتخصيص فيبقى الاشكال المزبور ( حينئذ ) من عدم جواز اخراج المورد عن عموم المفهوم بحاله ( فالأولى ) في الجواب هو ما افاده الشيخ قدس‌سره من تسليم العموم في طرف المفهوم والحكم بعدم وجوب التبين في خبر العادل مطلقا غاية ما هناك اعتبار ضم عدل

١١٦

اخر إليه في الموضوعات التي منها باب الارتداد الداخل في العموم ولا يلزم من اخذ هذا الشرط واعتباره في بعض افراد العام تخصيصا للعام بما يلزم خروج المورد عن عموم المفهوم وتقييده بغير هذا الفرد أو تخصيصه بخصوصية لا تشمل خبر الارتداد كما هو ظاهر ( نعم ) هنا اشكال اخر في طرف المنطوق وحاصله لزوم الاكتفاء بالخبر الفاسق في مثل باب الارتداد مع التبين وهو كما ترى مما لا يمكن الالتزام به ولو مع التقييد بالتعدد لان في الموضوعات لابد « اما » العلم الوجداني أو البنية العادلة وهذه الشبهة وان كانت مدفوعة بإرادة التبين العلمي في الآية ولكنه لا يناسب مع ما ذهب إليه الشيخ قدس‌سره من شرطية وجوب التبين لجواز العمل بخبر الفاسق فان دعوى الوجوب الشرطي لا يناسب مع التبين العلمي إذ لا معنى لشرطية تحصيل العلم بالواقعة لجواز العمل بخبر الفاسق لان مع العلم بالواقعة تكون الحجة هو نفس العلم دون خبر الفاسق فالمناسب للوجوب الشرطي انما هو التبين الوثوقي ومعه يتوجه الاشكال المتقدم « ومن الاشكالات » ان العمل بالمفهوم « غير ممكن » اما في الموضوعات فظاهر للزوم التعدد فيها واما في الاحكام فلوجوب الفحص فيها عن المعارض ( وفيه ) ما لا يخفى ( فان ) وجوب الفحص عن المعارض والمزاحم غير وجوب التبين عن الخبر صدقا وكذبا فان الأول مؤكد لحجيته بخلاف الثاني فإنه مما ينافيها ( فان ) وجوب التبين عن الخبر صدقا وكذبا انما هو من جهة عدم اقتضاء الخبر للحجية بدونه ، لا من جهة احتمال وجود المانع أو المزاحم ( ومن الاشكالات ) ان الفاسق هو مطلق الخارج عن طاعة الله ولو بارتكاب صغيرة من الصغائر فيقابله العادل وهو الذي لم يخرج من طاعة الله ولو بارتكاب الصغيرة ( ومن معلوم ) إفادة قول مثله للعلم بالواقع لانحصاره بالمعصوم ومن يتلو تلوه فلا يمكن الاستدلال بالمفهوم لحجية خبر غير المعصوم فيمن يحتمل في حقه العصيان « وفيه » ما لا يخفى من منع كون المراد بالفاسق في الآية مطلق الخارج عن طاعة الله ولو بارتكاب الصغيرة فان الظاهر منه كما هو الشايع في عرفنا خصوص الخارج عن طاعة الله بالمعاصي الكبيرة الثابت تحريمها في زمان نزول الآية ( وهذا ) لولا دعوى ظهوره في الكافر بملاحظة كثرة اطلاقه عليه في الكتاب كما في قوله سبحانه أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا فالمرتكب للصغيرة غير مندرج تحت اطلاق الفاسق في الآية

١١٧

هذا مع امكان فرض الخلو من الصغيرة فيمن علم منه التوبة من الذنب السابق واما « احتمال » فسقه من جهة تعمد كذبه في هذا الخبر ( فيدفعه ) ان المراد من العادل هو العادل لولا هذا الاخبار كما أن المراد من الفاسق في المنطوق هو ذلك إذ المراد بالفسق المترتب عليه وجوب التبين هو الفسق السابق مع قطع النظر عن هذا الاخبار

ومن الاشكالات

ما لا يختص بالآية بل يعم جميع أدلة حجية خبر الواحد « منها » وقوع التعارض بينها وبين عموم الآيات الناهية عن العمل بالظن وما وراء العلم فيكون المرجع بعد التعارض أصالة عدم الحجية ( وفيه منع ) صلاحية الآيات الناهية للمعارضة معها لان تلك الأدلة حسب اقتضائها لتتميم الكشف كانت حاكمة على تلك الآيات حيث إنها توجب خروج العمل بالخبر الواحد عن كونه عملا بما وراء العلم أو بالظن تعبدا مع امكان ان يدعى ان الآيات الناهية عن العمل بالظن انما هي بصدد نفى اقتضاء الحجية في الظن ذاتا وعدم كونه بنفسه مما يصح الركون إليه والاعتماد عليه في قبال العلم الذي فيه اقتضاء الحجية ذاتا وليست بصدد اثبات اقتضاء الظن لعدم الحجية ، فلا ينافيها حجيته لمقتضى خارجي كما هو ظاهر.

( ومنها ) ان المفهوم لو دل على حجية خبر الواحد لدل على حجية خبر السيد واتباعه في نقلهم الاجماع على عدم خبر الواحد ويلزم من حجيته عدم حجية خبر الواحد « وفيه بعد » الغض عن منع شمول المفهوم لنقل الاجماع الذي لا يكون مستنده الا الحدس وتسليم شموله لنقل مثل السيد رأى الإمام (ع) بلحاظ قرب عصره من عصر الإمام (ع) وامكان اطلاعه على رأيه ولو بمقدمات حدسية قريبة إلى الحس ( والغض ) عن معارضته بمثل اجماع الشيخ قدس‌سره ومن تبعه على الحجية ( أولاً ) انه من المستحيل شمول اطلاق المفهوم لمثل خبر السيد الحاكي عن عدم الحجية وذلك ، لا من جهة استلزام دخوله فيه لخروجه عنه كما قيل بل من جهة استلزامه لشمول اطلاق المفهوم لمرتبة الشك بمضمون نفسه

١١٨

( فان ) التعبد باخبار السيد بعدم حجية خبر الواحد انما كان في ظرف الشك في الحجية واللاحجية الذي هو عين الشك بمضمون الآية « ومن المعلوم » استحالة شمول اطلاق مضمون الآية لمرتبة الشك في نفسه « بل على هذا » لا يمكن شموله لمثل خبر الشيخ الحاكي عن الحجية أيضا ، فان مناط الاستحالة جار في كليهما ولا يختص بالخبر الحاكي عن عدم الحجية كما أنه بهذه الجهة نقول بعدم شمول مضمون خبر السيد بعدم حجية كل خبر لنفس خبره الحاكي عن هذا المضمون « فالعمدة » في وجه عدم شمول مضمون المفهوم في الآية المباركة لخبر السيد هو ما ذكرناه وعليه لا ينتهى الامر إلى ما أفيد من أن ما يلزم من اعتباره عدم اعتباره لا يكون من الأول مشمولا لدليل الاعتبار « إذ » ذلك وان كان متينا في نفسه ، ولكنه يتوقف على امكان شمول اطلاق المضمون لمثل هذه المراتب المتأخرة ( والا ) فلا ينتهي الامر إلى مثل هذا الجواب « وثانيا » انه بعد شمول أدلة حجية خبر الواحد التي منها المفهوم لما عدى خبر السيد من سائر الأخبار لا يبقى مجال لشمولها لمثل خبر السيد ، لان القطع بحجيتها ملازم لانتفاء الشك في مطابقة مضمون خبر السيد للواقع وعدمها ، فيخرج بذلك عن عموم أدلة حجية الخبر ، ففي الحقيقة يكون عدم شمول الأدلة لمثل خبر السيد الحاكي عن عدم الحجية من باب التخصص لانتفاء الشك في مطابقة مؤداه للواقع « وهذا » بخلاف ما لو شمل المفهوم أولاً لخبر السيد ، إذ عليه يلزم كون خروج ما عداه من سائر الأخبار من باب التخصيص لتحقق الموضوع فيها وهو الشك في ز المطابقة وجدانا ( ومن ) المعلوم انه مع الدوران بين التخصص والتخصيص يتعين الأول « لا يقال » ، كيف ولازم شمول المفهوم لمثل خبر السيد أيضا هو القطع بعدم حجية ما عداه من سائر الأخبار فيلزم ان يكون خروج ما عداه أيضا من باب التخصص لا التخصيص « فإنه يقال » ان المدار في التعبد بكل امارة انما هو الشك في مطابقة مضمونه ومؤداه للواقع ، ومؤديات ما عدى خبر السيد لا يكون حجية خبر الواحد كي بشمول أدلة الاعتبار لخبر السيد الحاكي عن عدم الحجية يقطع بعدم الحجية فينتفي الشك في مطابقة مؤدياتها للواقع ، بل وانما مؤديات ما عداه من الاخبار عبارة عن وجوب امر كذا وحرمة كذا واقعا ، ولا ريب في بقاء الشك في

١١٩

مطابقة هذا المضمون للواقع وجدانا ولو على تقدير القطع بحجية خبر السيد فيشملها أدلة الحجية فلا يكون رفع اليد عن ذلك بمقتضى حجية خبر السيد والحكم بخروجها من عموم المفهوم الا من باب التخصيص لا غير ، مضافا إلى أنه على فرض الدوران بين خروج خبر السيد وخروج ما عداه لا شبهة في تعين الأول لما يلزم على الثاني من القبح إلى الغاية والفضاحة إلى النهاية ( وذلك ) لا من جهة استلزامه للتخصيص الكثير أو الأكثر كي يندفع بالالتزام بالتقييد بل من جهة خروج الكلام في فرض الاختصاص عما يقتضيه الطريقة المألوفة بين العقلاء وأرباب اللسان إذ لو كان المقصود من تلك الأدلة عدم حجية اخبار الآحاد كان اللازم هو التعبير بنحو ذلك بدوا لا التعبير بما يدل على حجية كل خبر إذ ذلك نظير ما لو قيل صدق زيدا في جميع ما يخبرك فأخبر زيد بألف خبر ثم أخبر بكذب كل ما أخبر به فإنه لو أريد من الامر بتصديق زيد في جميع اخباره بنحو العموم خصوص الخبر الأخير يلزم منه القبح إلى الغاية والاستهجان إلى النهاية عند أولى الدراية ( واما ما قد يجاب ) عن ذلك بالتفكيك في الأزمنة بإرادة حجية كل خبر من الصدر الأول إلى زمان صدور خبر السيد وإرادة خصوص خبر السيد الحاكي عن عدم الحجية من زمان صدوره إلى ما بعده من الأزمنة فيرتفع بذلك القبح المزبور لكونه في الحقيقة من باب انتهاء أمد حكم العام في زمان صدور خبر السيد ( فيدفعه ) قيام الاجماع على عدم الفصل وان خبر الواحد لو كان حجة في زمان لطائفة كان حجة في جميع الأزمنة ولو لم يكن حجة في الأزمنة المتأخرة لم يكن حجة في الأزمنة المتقدمة أيضا ( مع أنه ) لو فرض جواز الفصل واقعا أو ظاهرا لا محيص أيضا من الغاء خبر السيد بلحاظ أظهرية الكلام في العموم الأزماني والاستمرار من عمومه الافرادي الموجب للشمول لخبر السيد كما هو ظاهر.

( ومنها ) الاشكال في أصل شمول أدلة الحجية للاخبار الحاكية لقول الإمام (ع) بواسطة أو بوسائط ( وتقريبه ) من وجوه « الأول » دعوى انصراف أدلة الحجية إلى الاخبار الحاكية لقول الامام بلا بواسطة ( وأجاب عنه ) الشيخ قدس‌سره بان كل واسطه من الوسائط يخبر خبرا بلا واسطة فإذا قال الشيخ حدثني المفيد انه قال حدثني الصفار انه قال سمعت العسكري (ع) يقول كذا

١٢٠