تفسير أبي السّعود - ج ٨

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي

تفسير أبي السّعود - ج ٨

المؤلف:

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧١

(أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١٤)

____________________________________

ومحب الآخرة ومحب الدنيا واختلف فى أنه للندب أو للوجوب لكنه نسخ بقوله تعالى (أَأَشْفَقْتُمْ) وهو وإن كان متصلا به تلاوة لكنه متراخ عنه نزولا وعن على رضى الله عنه إن فى كتاب الله آية ما عمل بها أحد غيرى كان لى دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته عليه الصلاة والسلام تصدقت بدرهم وهو على القول بالوجوب محمول على أنه لم يتفق للأغنياء مناجاة فى مدة بقائه إذ روى أنه لم يبق إلا عشرا وقيل إلا ساعة (ذلِكَ) أى التصدق (خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ) أى لأنفسكم من الريبة وحب المال وهذا يشعر* بالندب لكن قوله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) منبىء عن الوجوب لأنه ترخيص لمن لم* يجد فى المناجاة بلا تصدق (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) أى أخفتم الفقر من تقديم الصدقات أو أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر وجمع الصدقات لجمع المخاطبين (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) * ما أمرتم به وشق عليكم ذلك (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) بأن رخص لكم أن لا تفعلوه وفيه إشعار بأن إشفاقهم* ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم من الانفعال ما قام مقام توبتهم وإذ على بابها من المضى وقيل بمعنى إذا كما فى قوله تعالى (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) وقيل بمعنى إن (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) أى فإذ فرطتم* فيما أمرتم به من تقديم الصدقات فتداركوه بالمثابرة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) * فى سائر الأوامر فإن القيام بها كالجابر لما وقع فى ذلك من التفريط (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) ظاهرا* وباطنا (أَلَمْ تَرَ) تعجيب من حال المنافقين الذين كانوا يتخذون اليهود أولياء ويناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين أى ألم تنظر (إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا) أى والوا (قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) وهم اليهود* كما أنبأ عنه قوله تعالى (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) (ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ) لأنهم منافقون مذبذبون بين ذلك* والجملة مستأنفة أو حال من فاعل تولوا (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ) أى يقولون والله إنا لمسلمون وهو* عطف على تولوا داخل فى حكم التعجيب وصيغة المضارع للدلالة على تكرر الحلف وتجدده حسب تكرر ما يقتضيه وقوله تعالى (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) حال من فاعل يحلفون مفيدة لكمال شناعة ما فعلوا فإن* الحلف على ما لم يعلم أنه كذب فى غاية القبح وفيه دلالة على أن الكذب يعم ما يعلم المخبر عدم مطابقته للواقع وما لا يعلمه روى أنه عليه الصلاة والسلام كان فى حجرة من حجراته فقال يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان فدخل عبد الله بن نبتل المنافق وكان أزرق فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علام تشتمنى أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل فقال عليه الصلاة والسلام فعلت

٢٢١

(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٨)

____________________________________

فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ) بسبب ذلك (عَذاباً شَدِيداً) نوعا من* العذاب متفاقما (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) فيما مضى من الزمان المتطاول فتمرنوا على سوء العمل وضروا به وأصروا عليه (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) الفاجرة التى يحلفون بها عند الحاجة وقرىء بكسر الهمزة* أى إيمانهم الذى أظهروه لأهل الإسلام (جُنَّةً) وقاية وسترة دون دمائهم وأموالهم فالاتخاذ على هذه القراءة عبارة عن التستر بما أظهروه بالفعل وأما على القراءة الأولى فهو عبارة عن إعدادهم لأيمانهم الكاذبة وتهيئتهم لها إلى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة لا عن استعمالها بالفعل فإن ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية والخيانة واتخاذ الجنة لا بد أن يكون قبل المؤاخذة* وعن سببها أيضا كما يعرب عنه الفاء فى قوله تعالى (فَصَدُّوا) أى الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) فى خلال* أمنهم بتثبيط من لقوا عن الدخول فى الإسلام وتضعيف أمر المسلمين عندهم (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم وقيل الأول عذاب القبر أو عذاب الآخرة (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ) أى من عذابه تعالى (شَيْئاً) من الإغناء روى أن رجلا منهم قال لننصرن يوم القيامة* بأنفسنا وأموالنا وأولادنا (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من الصفات القبيحة (أَصْحابُ النَّارِ) أى ملازموها ومقارنوها (هُمْ فِيها خالِدُونَ) لا يخرجون منها أبدا (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) قيل هو ظرف* لقوله تعالى (لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) * (فَيَحْلِفُونَ لَهُ) أى لله تعالى يومئذ على أنهم مسلمون (كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) * فى الدنيا (وَيَحْسَبُونَ) فى الآخرة (أَنَّهُمْ) بتلك الأيمان الفاجرة (عَلى شَيْءٍ) من جلب منفعة أو دفع مضرة كما كانوا عليه فى الدنيا حيث كانوا يدفعون بها عن أرواحهم وأموالهم ويستجرون بها فوائد* دنيوية (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) المبالغون فى الكذب إلى غاية لا مطمح وراءها حيث تجاسروا على الكذب بين يدى علام الغيوب وزعموا أن أيمانهم الفاجرة تروج الكذب لديه كما تروجه عن الغافلين.

٢٢٢

(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢٢)

____________________________________

(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) أى استولى عليهم من حذت الإبل إذا استوليت عليها وجمعتها وهو مما جاء على الأصل كاستصوب واستنوق أى ملكهم (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) بحيث لم يذكروه بقلوبهم ولا بألسنتهم* (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من القبائح حزب الشيطان وجنوده وأتباعه (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) أى الموصوفون بالخسران الذى لا غاية وراءه حيث فوتوا على أنفسهم النعيم المقيم وأخذوا بدله العذاب الأليم وفى تصدير الجملة بحر فى التنبيه والتحقيق وإظهار المضافين معا فى موقع الإضمار بأحد الوجهين وتوسيط ضمير الفصل من فنون التأكيد ما لا يخفى (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) استئناف مسوق لتعليل ما قبله من خسران حزب الشيطان عبر عنهم بالموصول للتنبيه بما فى حيز الصلة على أن موادة من حاد الله ورسوله محادة لهما والإشعار بعلة الحكم (أُولئِكَ) بما فعلوا من التولى والموادة* (فِي الْأَذَلِّينَ) أى فى جملة من هو أذل خلق الله من الأولين والآخرين لأن ذلة أحد المتخاصمين على* مقدار عزة الآخر وحيث كانت عزة الله عزوجل غير متناهية كانت ذلة من يحاده كذلك (كَتَبَ اللهُ) استئناف وارد لتعليل كونهم فى الأذلين أى قضى وأثبت فى اللوح وحيث جرى ذلك مجرى القسم أجيب بما يجاب به فقيل (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) أى بالحجة والسيف وما يجرى مجراه أو بأحدهما ونظيره قوله* تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) وقرىء ورسلى بفتح الياء (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ) على نصر أنبيائه (عَزِيزٌ) لا يغلب عليه فى مراده (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الخطاب للنبى عليه الصلاة والسلام أو لكل أحد وتجد إما متعد إلى اثنين فقوله تعالى (يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) مفعوله الثانى أو إلى واحد فهو حال من مفعوله لتخصصه بالصفة وقيل* صفة أخرى له أى قوما جامعين بين الإيمان بالله واليوم الآخر وبين موادة أعداء الله ورسوله والمراد

٢٢٣

٥٩ ـ سورة الحشر

(مدنية وهى أربع وعشرون)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١)

____________________________________

بنفى الوجدان نفى الموادة على معنى أنه لا ينبغى أن يتحقق ذلك وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال وإن* جد فى طلبه كل أحد (وَلَوْ كانُوا) أى من حاد الله ورسوله والجمع باعتبار معنى من كما أن الإفراد فيما* قبله باعتبار لفظها (آباءَهُمْ) آباء الموادين (أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) فإن قضية الإيمان* بالله تعالى أن يهجر الجميع بالمرة والكلام فى لوقد مر على التفصيل مرارا (أُولئِكَ) إشارة إلى الذين لا يوادونهم وإن كانوا أقرب الناس إليهم وأمس رحما وما فيه من معنى البعد لرفعة درجتهم فى الفضل* وهو مبتدأ خبره (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) أى أثبته فيها وفيه قطعا ولا شىء من أعمال الجوارح* يثبت فيه (وَأَيَّدَهُمْ) أى قواهم (بِرُوحٍ مِنْهُ) أى من عند الله تعالى وهو نور القلب أو القرآن أو النصر* على العدو وقيل الضمير للإيمان لحياة القلوب به فمن تجريدية وقوله تعالى (وَيُدْخِلُهُمْ) الخ بيان لآثار* رحمته الأخروية إثر بيان ألطافه الدنيوية أى ويدخلهم فى الآخرة (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) أبد الآبدين وقوله تعالى (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) استئناف جار مجرى التعليل لما أفاض عليهم* من آثار رحمته العاجلة والآجلة وقوله تعالى (وَرَضُوا عَنْهُ) بيان لابتهاجهم بما أوتوه عاجلا وآجلا* وقوله تعالى (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ) تشريف لهم ببيان اختصاصهم به عزوجل وقوله تعالى (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) بيان لاختصاصهم بالفوز بسعادة الدارين والفوز بسعادة النشأتين والكلام فى تحلية الجملة بفنون التأكيد كما مر فى مثلها. عن النبى عليه الصلاة والسلام من قرأ سورة المجادلة كتب من حزب الله يوم القيامة.

(سورة الحشر مدنية وآياتها أربع وعشرون)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) مر ما فيه من الكلام فى صدر سورة الحديد وقد كرر الموصول ههنا لزيادة التقرير والتنبيه على استقلال كل من الفريقين بالتسبيح روى أنه عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة صالح بنى النضير وهم رهط من اليهود من ذرية هرون عليه‌السلام نزلوا المدينة فى فتن بنى إسرائيل انتظارا لبعثة النبى عليه الصلاة والسلام وعاهدهم أن لا يكونوا له ولا عليه فلما ظهر عليه الصلاة والسلام يوم بدر قالوا هو النبى الذى

٢٢٤

(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) (٢)

____________________________________

نعته فى التوراة لا ترد له راية فلما كان يوم أحد ما كان ارتابوا ونكثوا فخرج كعب بن الأشرف فى أربعين راكبا إلى مكة فحالفوا قريشا إلى الكعبة على قتاله عليه الصلاة والسلام فأمر عليه الصلاة والسلام محمد بن مسلمة الأنصارى فقتل كعبا غيلة وكان أخاه من الرضاعة ثم صبحهم بالكتاب فقال لهم اخرجوا من المدينة فاستمهلوه عليه الصلاة والسلام عشرة أيام ليتجهزوا للخروج فدس عبد الله بن أبى المنافق وأصحابه إليهم لا تخرجوا من الحصن فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم ولئن خرجتم لنخرجن معكم فدربوا على الأزقة وحصنوها فحاصرهم النبى عليه الصلاة والسلام إحدى وعشرين ليلة فلما قذف الله فى قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح فأبى عليهم إلا الجلاء على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤا من متاعهم فجلوا إلى الشأم إلى أريحا وأذرعات إلا أهل بيتين منهم آل أبى الحقيق وآل حيى بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة منهم بالحيرة فأنزل الله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) ـ إلى قوله ـ (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ) بيان لبعض آثار عزته تعالى وأحكام حكمته إثر وصفه تعالى بالعزة القاهرة والحكمة الباهرة على الإطلاق والضمير راجع إليه تعالى بذلك العنوان إما بناء على كمال ظهور اتصافه تعالى بهما مع مساعدة تامة من المقام أو على جعله مستعارا لاسم الإشارة كما فى قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) أى بذلك وعليه قول رؤبة بن العجاج [كأنه فى الجلد توليع البهق] كما هو المشهور كأنه قيل ذلك المنعوت بالعزة والحكمة الذى أخرج الخ ففيه إشعار بأن فى الإخراج حكمة باهرة وقوله تعالى (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) أى فى أول حشرهم إلى الشأم* وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط وهم أول من أخرج من جزيرة العرب إلى الشام أو هذا أول حشرهم وآخر حشرهم إجلاء عمر رضى الله عنه إياهم من خيبر إلى الشام وقيل آخر حشرهم حشر يوم القيامة لأن المحشر يكون بالشام (ما ظَنَنْتُمْ) أيها المسلمون (أَنْ يَخْرُجُوا) من ديارهم بهذا الذل والهوان* لشدة بأسهم وقوة منعهتم (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) أى ظنوا أن حصونهم تمنعهم أو ما نعتهم* من بأس الله تعالى وتغيير النظم بتقديم الخبر وإسناد الجملة إلى ضميرهم للدلالة على كمال وثوقهم بحصانة حصونهم واعتقادهم فى أنفسهم أنهم فى عزة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع فى معازتهم ويجوز أن يكون ما نعتهم خبرا لأن وحصونهم مرتفعا على الفاعلية (فَأَتاهُمُ اللهُ) أى أمر الله تعالى* وقدره المقدور لهم (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف فإنه*

٢٢٥

(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤) ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) (٥)

____________________________________

مما أضعف قوتهم وفل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة وقيل الضمير فى أتاهم ولم يحتسبوا* للمؤمنين أى فأتاهم نصر الله وقرىء فآتاهم أى فآتاهم الله العذاب أو النصر (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) * أى أثبت فيها الخوف الذى يرعبها أى يملؤها (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) ليسدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة أفواه الأزقة ولئلا يبقى بعد جلائهم مساكن للمسلمين ولينقلوا معهم بعض آلاتها* المرغوب فيها مما يقبل النقل (وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) حيث كانوا يخربونها إزالة لمتحصنهم ومتمنعهم وتوسعا لمجال القتال ونكاية لهم وإسناد هذا إليهم لما أنهم السبب فيه فكأنهم كلفوهم إياه وأمروهم به قيل الجملة حال أو تفسير للرعب وقرىء يخربون بالتشديد للتكثير وقيل الإخراب التعطيل أو ترك الشىء* خرابا والتخريب النقض والهدم (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) فاتعظوا بما جرى عليهم من الأمور الهائلة على وجه لا يكاد يهتدى إليه الأفكار واتقوا مباشرة ما أداهم إليه من الكفر والمعاصى أو انتقلوا من حال الفريقين إلى حال أنفسكم فلا تعولوا على تعاضد الأسباب بل توكلوا على الله عزوجل وقد استدل به على حجية القياس كما فصل فى موقعه (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) أى الخروج عن* أوطانهم على ذلك الوجه الفظيع (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) بالقتل والسبى كما فعل ببنى قريظة (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) استئناف غير متعلق بجواب لو لا جىء به لبيان أنهم إن نجوا من عذاب الدنيا بكتابة الجلاء لا نجاة لهم من عذاب الآخرة (ذلِكَ) أى ما حاق بهم وما سيحيق (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم (شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) وفعلوا ما فعلوا مما حكى عنهم من القبائح (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ) وقرىء يشاقق الله كما فى الأنفال والاقتصار على ذكر مشاقته تعالى لتضمنها لمشاقته عليه الصلاة والسلام وليوافق قوله تعالى* (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) وهو إما نفس الجزاء قد حذف منه العائد إلى من عند من يلتزمه أى شديد العقاب له أو تعليل للجزاء المحذوف أى يعاقبه الله فإن الله شديد العقاب وأيا ما كان فالشرطية تكملة لما قبلها وتقرير لمضمونه وتحقيق للسببية بالطريق البرهانى كأنه قيل ذلك الذى حاق بهم من العقاب العاجل والآجل بسبب مشاقتهم لله تعالى ورسوله وكل من يشاق الله كائنا من كان فله بسبب ذلك عقاب شديد فإذن لهم عقاب شديد (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) أى أى شىء قطعتم من نخلة وهى فعلة من اللون وياؤها مقلوبة من واو لكسرة ما قبلها كديمة وتجمع على ألوان وقيل من اللين وتجمع على لين وهى النخلة* الكريمة (أَوْ تَرَكْتُمُوها) الضمير لما وتأنيثه لتفسيره باللينة كما فى قوله تعالى (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) (قائِمَةً عَلى أُصُولِها) كما كانت من غير أن تتعرضوا لها بشىء ما وقرىء على أصلها

٢٢٦

(وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٧)

____________________________________

إما على الاكتفاء من الواو بالضم أو على أنه جمع كرهن وقرىء قائما على أصوله ذهابا إلى لفظ ما (فَبِإِذْنِ اللهِ) فذاك أى قطعها وتركها بأمر الله تعالى (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) أى وليذل اليهود ويغيظهم* إذن فى قطعها وتركها لأنهم إذا رأوا المؤمنين يتحكمون فى أموالهم كيف أحبوا ويتصرفون فيها حسبما شاؤا من القطع والترك يزدادون غيظا ويتضاعفون حسرة واستدل به على جواز هدم ديار الكفرة وقطع أشجارهم وإحراق زروعهم زيادة لغيظهم وتخصيص اللينة بالقطع إن كانت من الألوان لاستبقاء العجوة والبرنية اللتين هما كرام النخيل وإن كانت هى الكرام ليكون غيظهم أشد وقوله تعالى (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) شروع فى بيان حال ما أخذ من أموالهم بعد بيان ما حل بأنفسهم من العذاب العاجل والآجل وما فعل بديارهم ونخيلهم من التخريب والقطع أى ما أعاده إليه من مالهم وفيه إشعار بأنه كان حقيقا بأن يكون له عليه الصلاة والسلام وإنما وقع فى أيديهم بغير حق فرجعه الله تعالى إلى مستحقه لأنه تعالى خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق ليتوسلوا به إلى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين (مِنْهُمْ) أى من بنى النضير (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ) أى فما أجريتم على تحصيله وتغنمه من الوجيف* وهو سرعة السير (مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) هى ما يركب من الإبل خاصة كما أن الراكب عندهم راكبها* لا غير وأما راكب الفرس فإنما يسمونه فارسا ولا واحد لها من لفظها وإنما الواحدة منها راحلة والمعنى ما قطعتم لها شقة بعيدة ولا لقيتم مشقة شديدة ولا قتالا شديدا وذلك لأنه كانت قراهم على ميلين من المدينة فمشوا إليها مشيا وما كان فيهم راكب إلا النبى عليه الصلاة والسلام فافتحها صلحا من غير أن يجرى بينهم مسابقة كأنه قيل وما أفاء الله على رسوله منهم فما حصلتموه بكد اليمين وعرق الجبين (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) أى سنته تعالى جارية على أن يسلطهم على من يشاء من أعدائهم تسليطا خاصا وقد سلط النبى عليه الصلاة والسلام على هؤلاء تسليطا غير معتاد من غير أن تقتحموا مضايق الخطوب وتقاسوا شدائد الحروب فلا حق لكم فى أموالهم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيفعل ما يشاء* كما يشاء تارة على الوجوه المعهودة وأخرى على غيرها وقوله تعالى (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) بيان لمصارف الفىء بعد بيان إفاءته عليه عليه الصلاة والسلام من غير أن يكون للمقاتلة فيه حق وإعادة عين العبارة الأولى لزيادة التقرير ووضع أهل القرى موضع ضميرهم للإشعار بشمول

٢٢٧

(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٩)

____________________________________

* ما لعقاراتهم أيضا (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) اختلف فى قسمة الفىء فقيل يسدس لظاهر الآية ويصرف سهم الله إلى الكعبة وسائر المساجد وقيل يخمس لأن ذكر الله للتعظيم ويصرف الآن سهم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الإمام على قول وإلى العساكر والثغور على قول وإلى مصالح المسلمين على قول وقيل يخمس خمسة كالغنيمة فإنه عليه الصلاة والسلام* كان يقسم الخمس كذلك ويصرف الأخماس الأربعة كما يشاء والآن على الخلاف المذكور (لِكَيْلا يَكُونَ) * أى الفىء الذى حقه أن يكون للفقراء يعيشون به (دُولَةً) بضم الدال وقرىء بفتحها وهى ما يدول للإنسان أى يدور من الغنى والجد والغلبة وقيل الدولة بالفتح من الملك بكسرها أو بالضم فى المال* وبالفتح فى النصرة أى كيلا يكون جدا (بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) يتكاثرون به أو كيلا يكون دولة جاهلية بينكم فإن الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة ويقولون من عز بز وقيل الدولة بالضم ما يتداول كالغرفة اسم ما يغترف فالمعنى كيلا يكون الفىء شيئا يتداوله الأغنياء بينهم ويتعارونه فلا يصيب الفقراء والداولة بالفتح بمعنى التداول فالمعنى كيلا يكون ذا تداول بينهم أو كيلا يكون إمساكه تداولا بينهم لا يخرجونه إلى الفقراء وقرىء دولة بالرفع على أن كان تامة أى كيلا يقع دولة على ما فصل من المعانى* (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ) أى ما أعطاكموه من الفىء أو من الأمر (فَخُذُوهُ) فإنه حقكم أو فتمسكوا به* فإنه واجب عليكم (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ) عن أخذه أو عن تعاطيه (فَانْتَهُوا) عنه (وَاتَّقُوا اللهَ) فى مخالفته عليه الصلاة والسلام (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) فيعاقب من يخالف أمره ونهيه (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) بدل من لذى القربى وما عطف عليه فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يسمى فقيرا ومن أعطى أغنياء* ذوى القربى خص الإبدال بما بعده وأما تخصيص اعتبار الفقر بفىء بنى النضير فتعسف ظاهر (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) حيث اضطرهم كفار مكة وأحوجوهم إلى الخروج وكانوا مائة رجل* فخرجوا منها (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) أى طالبين منه تعالى رزقا فى الدنيا ومرضاة فى الآخرة وصفوا أولا بما يدل على استحقاقهم للفىء من الإخراج من الديار والأموال وقيد ذلك ثانيا بما* يوجب تفخيم شأنهم ويؤكده (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) عطف على يبتغون فهى حال مقدرة أى ناوين لنصرة الله تعالى ورسوله أو مقارنة فإن خروجهم من بين الكفار مراغمين لهم مهاجرين إلى المدينة* نصرة وأى نصرة (أُولئِكَ) الموصوفون بما فصل من الصفات الحميدة (هُمُ الصَّادِقُونَ) الراسخون فى الصدق حيث ظهر ذلك بما فعلوا ظهورا بينا (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) كلام مستأنف مسوق

٢٢٨

(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٠)

____________________________________

لمدح الأنصار بخصال حميدة من جملتها محبتهم للمهاجرين ورضاهم باختصاص الفىء بهم أحسن رضا وأكمله ومعنى تبوئهم الدار أنهم اتخذوا المدينة والإيمان مباءة وتمكنوا فيهما أشد تمكن على تنزيل الحال منزلة المكان وقيل ضمن التبوؤ معنى اللزوم وقيل تبوؤا الدار وأخلصوا الإيمان كقول من قال [علفتها تبنا وماء باردا] وقيل المعنى تبوؤا دار الهجرة ودار الإيمان فحذف المضاف إليه من الأول وعوض منه اللام وقيل سمى المدينة بالإيمان لكونها مظهره ومنشأه (مِنْ قَبْلِهِمْ) أى من قبل هجرة المهاجرين* على المعانى الأول ومن قبل تبوؤ المهاجرين على الأخيرين ويجوز أن يجعل اتخاذ الإيمان مباءة ولزومه وإخلاصه على المعانى الأول عبارة عن إقامة كافة حقوقه التى من جملتها إظهار عامة شعائره وأحكامه ولا ريب فى تقدم الأنصار فى ذلك على المهاجرين لظهور عجزهم عن إظهار بعضها لا عن إخلاصه قلبا واعتقادا إذ لا يتصور تقدمهم عليهم فى ذلك (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) خبر للموصول أى يحبونهم من* حيث مهاجرتهم إليهم لمحبتهم الإيمان (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ) أى فى نفوسهم (حاجَةً) أى شيئا* محتاجا إليه يقال خذ منه حاجتك أى ما تحتاج إليه وقيل إثر حاجة كالطلب والحرازة والحسد والغيظ (مِمَّا أُوتُوا) أى مما أوتى المهاجرون من الفىء وغيره (وَيُؤْثِرُونَ) أى يقدمون المهاجرين (عَلى أَنْفُسِهِمْ) * فى كل شىء من أسباب المعاش حتى أن من كان عنده امرأتان كان ينزل عن إحداهما ويزوجها واحدا منهم (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) أى حاجة وخلة وأصلها خصاص البيت وهى فرجه والجملة فى حيز الحال وقد* عرفت وجهه مرارا وكان النبى عليه الصلاة والسلام قسم أموال بنى النضير على المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر محتاجين أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحرث بن الصمة وقال لهم إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم فى هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شىء من الغنيمة فقالت الأنصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت وهذا صريح فى أن قوله تعالى (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا) الخ مستأنف غير معطوف على الفقراء أو المهاجرين نعم يجوز عطفه على أولئك فإن ذلك إنما يستدعى شركة الأنصار للمهاجرين فى الصدق دون الفىء فيكون قوله تعالى (يُحِبُّونَ) وما عطف عليه استئنافا مقررا لصدقهم أو حالا من ضمير تبوؤا (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) الشح بالضم والكسر وقد قرىء به أيضا اللؤم وإضافته إلى النفس* لأنه غريزة فيها مقتضية للحرص على المنع الذى هو البخل أى ومن يوق بتوفيق الله تعالى شحها حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الإنفاق (فَأُولئِكَ) إشارة إلى من باعتبار معناها العام* المنتظم للمذكورين انتظاما أوليا (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بكل مطلوب الناجون عن كل مكروه والجملة* اعتراض وارد لمدح الأنصار والثناء عليهم وقرىء يوق بالتشديد (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) هم الذين

٢٢٩

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ(١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (١٢)

____________________________________

هاجروا بعد ما قوى الإسلام أو التابعون بإحسان وهم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة ولذلك* قيل إن الآية قد استوعبت جميع المؤمنين وأيا ما كان فالموصول مبتدأ خبره (يَقُولُونَ) الخ والجملة مسوقة لمدحهم بمحبتهم لمن تقدمهم من المؤمنين ومراعاتهم لحقوق الأخوة فى الدين والسبق بالإيمان* كما أن ما عطفت عليه من الجملة السابقة لمدح الأنصار أى يدعون لهم (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا) أى* فى الدين الذى هو أعز وأشرف عندهم من النسب (الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) وصفوهم بذلك اعترافا* بفضلهم (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا) وقرىء غمرا وهما الحقد (لِلَّذِينَ آمَنُوا) على الإطلاق (رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) أى مبالغ فى الرأفة والرحمة فحقيق بأن تجيب دعاءنا (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا) حكاية لما جرى بين الكفرة والمنافقين من الأقوال الكاذبة والأحوال الفاسدة وتعجيب منها بعد حكاية محاسن أحوال المؤمنين وأقوالهم على اختلاف طبقاتهم والخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو* لكل أحد ممن له حظ من الخطاب وقوله تعالى (يَقُولُونَ) الخ استئناف لبيان المتعجب منه وصيغة* المضارع للدلالة على استمرار قولهم أو لاستحضار صورته واللام فى قوله تعالى (لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) للتبليغ والمراد بأخوتهم إما توافقهم فى الكفر أو صداقتهم وموالاتهم* واللام فى قوله تعالى (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) أى من دياركم قسرا موطئة للقسم وقوله تعالى (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) * جواب القسم أى والله لئن أخرجتم لنخرجن معكم البتة ونذهبن فى صحبتكم أينما ذهبتم (وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ) * أى فى شأنكم (أَحَداً) يمنعنا من الخروج معكم (أَبَداً) وإن طال الزمان وقيل لا نطيع فى قتالكم أو خذلانكم وليس بذاك لأن تقدير القتال مترقب بعد ولأن وعدهم لهم على ذلك التقدير ليس مجرد* عدم طاعتهم لمن يدعوهم إلى قتالهم بل نصرتهم عليه كما ينطق به قوله تعالى (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) أى لنعاوننكم على عدوكم على أن دعوتهم إلى خذلان اليهود مما لا يمكن صدوره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين حتى يدعوا عدم طاعتهم فيها ضرورة أنها لو كانت لكانت عند استعدادهم لنصرتهم وإظهار كفرهم ولا ريب فى أن ما يفعله عليه الصلاة والسلام عند ذلك قتلهم لا دعوتهم إلى ترك نصرتهم وأما الخروج معهم فليس بهذه المرتبة من إظهار الكفر لجواز أن يدعوا أن خروجهم* معهم لما بينهم من الصداقة الدنيوية لا للموافقة فى الدين (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فى مواعيدهم المؤكدة بالأيمان الفاجرة وقوله تعالى (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ) الخ تكذيب لهم فى كل واحد

٢٣٠

(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٥)

____________________________________

من أقوالهم على التفصيل بعد تكذيبهم فى الكل على الإجمال (وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) وكان الأمر* كذلك فإن ابن أبى وأصحابه أرسلوا إلى بنى النضير ذلك سرا ثم أخلفوهم وفيه حجة بينة لصحة النبوة وإعجاز القرآن (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) على الفرض والتقدير (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) فرارا (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) أى* المنافقون بعد ذلك أى يهلكهم الله ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم أو ليهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) أى أشد مرهوبية على أنها مصدر من المبنى للمفعول (فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) أى رهبتهم منكم فى السر أشد مما يظهرونه لكم من رهبة الله فإنهم كانوا يدعون عندهم رهبة عظيمة من الله تعالى (ذلِكَ) أى ما ذكر من كون رهبتهم منكم أشد من رهبة الله (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم (قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) * أى شيئا حتى يعلموا عظمة الله تعالى فيخشوه حق خشيته (لا يُقاتِلُونَكُمْ) أى اليهود والمنافقون بمعنى لا يقدرون على قتالكم (جَمِيعاً) أى مجتمعين متفقين فى موطن من المواطن (إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) بالدروب* والخنادق (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) دون أن يصحروا لكم ويبارزوكم لفرط رهبتهم وقرىء جدر بالتخفيف* وقرىء جدار وبإمالة فتحة الدال وجدر وجدر وهما الجدار (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) استئناف سيق لبيان* أن ما ذكر من رهبتهم ليس لضعفهم وجبنهم فى أنفسهم فإن بأسهم بالنسبة إلى أقرانهم شديد وإنما ضعفهم وجبنهم بالنسبة إليكم بما قذف الله تعالى فى قلوبهم من الرعب (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) مجتمعين متفقين (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) متفرقة لا ألفة بينها (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) أى ما ذكر من تشتت قلوبهم بسبب أنهم (قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) أى* لا يعقلون شيئا حتى يعرفوا الحق ويتبعوه وتطمئن به قلوبهم وتتحد كلمتهم ويرموا عن قوس واحدة فيقعون فى تيه الضلال وتتشتت قلوبهم حسب تشتت طرقه وتفرق فنونه وأما ما قيل من أن المعنى لا يعقلون أن تشتت القلوب مما يوهن قواهم فبمعزل من السداد وقوله تعالى (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) خبر مبتدأ محذوف تقديره مثلهم أى مثل المذكورين من اليهود والمنافقين كمثل أهل بدر أو بنى قينقاع على ما قيل إنهم أخرجوا قبل بنى النضير (قَرِيباً) فى زمان قريب وانتصابه بمثل ذا التقدير كوقوع* مثل الخ (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أى سوء عاقبة كفرهم فى الدنيا (وَلَهُمْ) فى الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ) * لا يقادر قدره والمعنى أن حال هؤلاء كحال أولئك فى الدنيا والآخرة لكن لا على أن حال كلهم كحالهم بل حال بعضهم الذين هم اليهود كذلك وأما حال المنافقين فهى ما نطق به.

٢٣١

(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (١٩)

____________________________________

قوله تعالى (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ) فإنه خبر ثان للمبتدأ المقدر مبين لحالهم متضمن لحال أخرى لليهود وهى اغترارهم بمقابلة المنافقين أولا وخيبتهم آخرا وقد أجمل فى النظم الكريم حيث أسند كل من الخبرين إلى المقدر المضاف إلى ضمير الفريقين من غير تعيين ما أسند إليه بخصوصه ثقة بأن السامع يرد كلامن المثلين إلى ما يماثله كأنه قيل مثل اليهود فى حلول العذاب بهم كمثل الذين من قبلهم الخ ومثل المنافقين* فى إغرائهم إياهم على القتال حسبما نقل عنهم كمثل الشيطان (إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) أى أغراه على الكفر* إغراء الآمر المأمور على المأمور به (فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) وقرىء أنا برىء منك إن أريد* بالإنسان الجنس فهذا التبرؤ من الشيطان يكون يوم القيامة كما ينبىء عنه قوله تعالى (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) وإن أريد به أبو جهل فقوله تعالى (اكْفُرْ) عبارة عن قول إبليس يوم بدر لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم وتبرؤه قوله (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ) الآية (فَكانَ عاقِبَتَهُما) بالنصب على أنه خبر كان واسمها (أَنَّهُما فِي النَّارِ) وقرىء بالعكس وقد مر أنه أوضح* (خالِدَيْنِ فِيها) وقرىء خالدان فيها على أنه خبر أن وفى النار لغو (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) أى الخلود فى النار جزاء الظالمين على الإطلاق دون هؤلاء خاصة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أى فى كل ما تأتون* وما تذرون (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) أى أى شىء قدمت من الأعمال ليوم القيامة عبر عنه بذلك لدنوه أو لأن الدنيا كيوم والآخرة غده وتنكيره لتفخيمه وتهويله كأنه قيل لغد لا يعرف كنهه لغاية عظمه وأما تنكير نفس فلاستقلال الأنفس النواظر فيما قدمن لذلك اليوم الهائل كأنه قيل ولتنظر* نفس واحدة ذلك (وَاتَّقُوا اللهَ) تكرير للتأكيد أو الأول فى أداء الواجبات كما يشعر به ما بعده من* الأمر بالعمل وهذا ترك المحارم كما يؤذن به الوعيد بقوله تعالى (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أى من المعاصى (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ) أى نسوا حقوقه تعالى وما قدروه حق قدره ولم يراعوا* مواجب أوامره ونواهيه حق رعايتها (فَأَنْساهُمْ) بسبب ذلك (أَنْفُسَهُمْ) أى جعلهم ناسين لها حتى* لم يسمعوا ما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلصها أو أراهم يوم القيامة من الأهوال ما أنساهم أنفسهم (أُولئِكَ

٢٣٢

(لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٢٣)

____________________________________

هُمُ الْفاسِقُونَ) الكاملون فى الفسوق (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ) الذين نسوا الله تعالى فاستحقوا الخلود فى النار (وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) الذين اتقوا الله فاستحقوا الخلود فى الجنة ولعل تقديم أصحاب النار فى الذكر* للإيذان من أول الأمر بأن المقصور الذى ينبىء عنه عدم الاستواء من جهتهم لا من جهة مقابليهم فإن مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا وإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد لكن المتبادر اعتباره بحسب نقصان الناقص وعليه قوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) إلى غير ذلك من المواقع وأما قوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فلعل تقديم الفاضل فيه لأن صلته ملكة لصلة المفضول والأعدام مسبوقة بملكاتها ولا دلالة فى الآية الكريمة على أن المسلم لا يفتص بالكافر وأن الكفار لا يملكون أموال المسلمين بالقهر لأن المراد عدم الاستواء فى الأحوال الأخروية كما ينبىء عنه التعبير عن الفريقين بصاحبية النار وصاحبية الجنة وكذا قوله تعالى (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) فإنه استئناف مبين لكيفية عدم الاستواء بين الفريقين أى* هم الفائزون بكل مطلوب الناجون عن كل مكروه (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ) العظيم الشأن المنطوى على فنون القوارع (عَلى جَبَلٍ) من الجبال (لَرَأَيْتَهُ) مع كونه علما فى القسوة وعدم التأثر مما يصادمه (خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) أى متشققا منها وقرىء مصدعا بالإدغام وهذا تمثيل وتخييل لعلو شأن القرآن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ كما ينطق به قوله تعالى (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) * أريد به توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وعدم تخشعه عند تلاوته وقلة تدبره فيه (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وحده (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أى ما غاب عن الحس من الجواهر القدسية وأحوالها وما حضر له من الأجرام وأعراضها وتقديم الغيب على الشهادة لتقدمه فى الوجود وتعلق العلم القديم به أو المعدوم والموجود أو السر والعلانية (هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) كرر لإبراز الاعتناء بأمر التوحيد (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) البليغ فى النزاهة عما يوجب نقصانا وقرىء بالفتح وهى*

٢٣٣

(هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٤)

____________________________________

* لغة فيه (السَّلامُ) ذو السلامة من كل نقص وآفة مصدر وصف به للمبالغة (الْمُؤْمِنُ) واهب الأمن* وقرىء بالفتح بمعنى المؤمن به على حذف الجار (الْمُهَيْمِنُ) الرقيب الحافظ لكل شىء مفيعل من الأمن* بقلب همزته هاء (الْعَزِيزُ) الغالب (الْجَبَّارُ) الذى جبر خلقه على ما أراد أو جبر أحوالهم أى أصلحها* (الْمُتَكَبِّرُ) الذى تكبر عن كل ما يوجب حاجة أو نقصانا أو البليغ الكبرياء والعظمة (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) تنزيه له تعالى عما يشركونه به تعالى أو عن إشراكهم به تعالى إثر تعداد صفاته التى لا يمكن أن يشاركه تعالى فى شىء منها شىء ما أصلا (هُوَ اللهُ الْخالِقُ) المقدر للأشياء على مقتضى حكمته (الْبارِئُ) * الموجد لها بريئا من التفاوت وقيل المميز بعضها من بعض بالأشكال المختلفه (الْمُصَوِّرُ) الموجد* لصورها وكيفيتها كما أراد (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) لدلالتها على المعانى الحسنة (يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ينطق بتنزهه تعالى عن جميع النقائص تنزها ظاهرا (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الجامع للكمالات كافة فإنها مع تكثرها وتشعبها راجعة إلى الكمال فى القدرة والعلم. عن النبى عليه الصلاة والسلام من قرأ سورة الحشر غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

٢٣٤

٦٠ ـ سورة الممتحنة

(مدنية وهى ثلاث عشرة آية)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (١)

____________________________________

(سورة الممتحنة مدنية وآياتها ثلاث عشرة)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) نزلت فى حاطب ابن أبى بلتعة وذلك أنه لما تجهز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لغزوة الفتح كتب إلى أهل مكة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريدكم فخذوا حذركم وأرسله مع سارة مولاة بنى المطلب فنزل جبريل عليه‌السلام بالخبر فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا وعمارا وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتب حاطب إلى أهل مكة فخذوه منها وخلوها فإن أبت فاضربوا عنقها فأدركوها ثمة فجحدت فسل على سيفه فأخرجته من عقاصها فاستحضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاطبا وقال ما حملك على هذا فقال يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولكنى كنت امرأ ملصقا فى قريش وليس لى فيهم من يحمى أهلى فأردت أن آخذ عندهم يدا وقد علمت أن كتابى لن يغنى عنهم شيئا فصدقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقبل عذره (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) أى توصلون إليهم المودة على أن الباء زائدة كما فى قوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) أو تلقون إليهم أخبار النبى عليه الصلاة والسلام بسبب المودة التى بينكم وبينهم والجملة إما حال من فاعل لا تتخذوا أو صفة لأولياء وإبراز الضمير فى الصفات الجارية على غير من هى له إنما يشترط فى الاسم دون الفعل أو استئناف (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) حال من فاعل تلقون وقيل* من فاعل لا تتخذوا وقرىء لما جاءكم أى كفروا لأجل ما جاءكم بمعنى جعل ما هو سبب الإيمان سببا للكفر (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) أى من مكة وهو إما حال من فاعل كفروا أو استئناف مبين* لكفرهم وصيغة المضارع لاستحضار الصورة وقوله تعالى (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) تعليل للإخراج فيه* تغليب المخاطب على الغائب والتفات من التكلم إلى الغيبة للإشعار بما يوجب الإيمان من الألوهية والربوبية

٢٣٥

(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤)

____________________________________

* (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) متعلق بلا تتخذوا كأنه قيل لا تتولوا أعدائى إن* كنتم أوليائى وقوله تعالى (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) استئناف وارد على نهج العتاب والتوبيخ أى تسرون* إليهم المودة أو الأخبار بسبب المودة (وَأَنَا أَعْلَمُ) أى والحال أنى أعلم منكم (بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) ومطلع رسولى على ما تسرون فأى طائل لكم فى الأسرار وقيل أعلم مضارع والباء مزيدة وما موصولة* أو مصدرية وتقديم الإخفاء على الإعلان قد مر وجهه فى قوله تعالى (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) * (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ) أى الاتخاذ (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) فقد أخطأ طريق الحق والصواب (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) * أى إن يظفروا بكم (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) أى يظهروا ما فى قلوبهم من العداوة ويرتبوا عليها أحكامها* (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) بما يسوؤكم من القتل والأسر والشتم (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) أى تمنوا ارتدادكم وصيغة الماضى للإيذان بتحقق ودادتهم قبل أن يثقفوهم أيضا (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ) * قرابائكم (وَلا أَوْلادُكُمْ) الذين توالون المشركين لأجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ) * بجلب نفع أو دفع ضر (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) استئناف لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد يومئذ أى يفرق الله بينكم بما اعتراكم من الهول الموجب لفرار كل منكم من الآخر حسبما نطق به قوله تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) الآية فمالكم ترفضون حق الله تعالى لمراعاة حق من هذا شأنه وقرىء يفصل ويفصل* مبنيا للمفعول ويفصل ويفصل مبنيا للفاعل وهو الله تعالى ونفصل ونفصل بالنون (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم به (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أى خصلة حميدة حقيقة بأن يؤتسى ويقتدى بها وقوله* تعالى (فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) أى من أصحابه المؤمنين صفة ثانية لأسوة أو خبر لكان ولكم للبيان* أو حال من المستكن فى حسنة أو صلة لها لا لأسوة عند من لا يجوز العمل بعد الوصف (إِذْ قالُوا)

٢٣٦

(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٥)

____________________________________

ظرف لخبر كان (لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) جمع برىء كظريف وظرفاء وقرىء براء كظراف وبراء* كرخال وبراء على الوصف بالمصدر مبالغة (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام (كَفَرْنا بِكُمْ) أى* بدينكم أو بمعبودكم أو بكم وبه فلا نعتد بشأنكم وبآلهتكم (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً) أى هذا* دأبنا معكم لا نتركه (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك فتنقلب العداوة حينئذ* ولاية والبغضاء محبة (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) استثناء من قوله تعالى (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فإن* استغفاره عليه الصلاة والسلام لأبيه الكافر وإن كان جائزا عقلا وشرعا لوقوعه قبل تبين أنه من أصحاب الجحيم كما نطق به النص لكنه ليس مما ينبغى أن يؤتسى به أصلا إذ المراد به ما يجب الائتساء به حتما لورود الوعيد على الإعراض عنه بما سيأتى من قوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاستثناؤه من الأسوة إنما يفيد عدم وجوب استدعاء الإيمان والمغفرة للكافر المرجو إيمانه وذلك مما لا يرتاب فيه عاقل وأما عدم جوازه فلا دلالة للاستثناء عليه قطعا هذا وأما تعليل عدم كون استغفاره عليه الصلاة والسلام لأبيه الكافر مما ينبغى أن يؤتسى به بأنه كان قبل النهى أو لموعدة وعدها إياه فبمعزل من السداد بالكلية لابتنائه على تناول النهى لاستغفاره عليه الصلاة والسلام له وإنبائه عن كونه مؤتسى به لو لم ينه عنه وكلاهما بين البطلان لما أن مورد النهى هو الاستغفار للكافر بعد تبين أمره وقد عرفت أن استغفاره عليه الصلاة والسلام لأبيه كان قبل ذلك قطعا وأن ما يؤتسى به ما يجب الائتساء به لا ما يجوز فعله فى الجملة وتجويز أن يكون استغفاره عليه الصلاة والسلام له بعد النهى كما هو المفهوم من ظاهر قوله أو لموعدة وعدها إياه مما لا مساغ له وتوجيه الاستثناء إلى العدة بالاستغفار لا إلى نفس الاستغفار بقوله (وَاغْفِرْ لِأَبِي) الآية لأنها كانت هى الحاملة له عليه الصلاة والسلام على الاستغفار وتخصيض هذه العدة بالذكر دون ما وقع فى سورة مريم من قوله تعالى (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) لورودها على طريق التوكيد القسمى وأما جعل الاستغفار دائرا عليها وترتيب التبرؤ على تبين الأمر فقد مر تحقيقه فى سورة التوبة وقوله تعالى (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) من تمام القول المستثنى محله النصب على أنه* حال من فاعل لأستغفرن لك أى أستغفر لك وليس فى طاقتى إلا الاستغفار فمورد الاستثناء نفس الاستغفار لا قيده الذى هو فى نفسه من خصال الخير لكونه إظهارا للعجز وتفويضا للأمر إلى الله تعالى وقوله تعالى (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) الخ من تمام ما نقل عن إبراهيم عليه* السلام ومن معه من الأسوة الحسنة وتقديم الجار والمجرور لقصر التوكل والإنابة والمصير على الله تعالى قالوه بعد المجاهرة وقشر العصا التجاء إلى الله تعالى فى جميع أمورهم لا سيما فى مدافعة الكفرة وكفاية شرورهم كما ينطق به قوله تعالى (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نطيقه (وَاغْفِرْ لَنا) ما فرط منا من العذاب (رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الغالب الذى لا يذل*

٢٣٧

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٩)

____________________________________

* من التجأ إليه ولا يخيب رجاء من توكل عليه (الْحَكِيمُ) الذى لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة وتكرير النداء للمبالغة فى التضرع والجؤار هذا وأما جعل الآيتين تلقينا للمؤمنين من جهته تعالى وأمرا لهم بأن يتوكلوا عليه وينيبوا إليه ويستعيذوا به من فتنة الكفرة ويستغفروا مما فرط منهم تكملة لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفرة فلا يساعده النظم الكريم (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ) أى فى* إبراهيم ومن معه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) تكرير للمبالغة فى الحث على الائتساء به عليه الصلاة والسلام ولذلك* صدر بالقسم وقوله تعالى (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) بدل من لكم فائدته الإيذان بأن من يؤمن بالله واليوم الآخر لا يترك الاقتداء بهم وأن تركه من مخايل عدم الإيمان بهما كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فإنه مما يوعد بأمثاله الكفرة (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ) أى من أقاربكم المشركين (مَوَدَّةً) بأن يوافقوكم فى الدين وعدهم الله تعالى بذلك لما رأى منهم من التصلب فى الدين والتشدد لله فى معاداة آبائهم وأبنائهم وسائر أقربائهم ومقاطعتهم إياهم بالكلية تطييبا لقلوبهم ولقد أنجز وعده الكريم حين أتاح لهم الفتح فأسلم قومهم فتم بينهم من* التحاب والتصافى ما تم (وَاللهُ قَدِيرٌ) أى مبالغ فى القدرة فيقدر على تقليب القلوب وتغيير الأحوال* وتسهيل أسباب المودة (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فيغفر لمن أسلم من المشركين ويرحمهم وقيل غفور لما فرط منكم فى موالاتهم من قبل ولما بقى فى قلوبكم من ميل الرحم (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أى لا ينهاكم عن البر بهؤلاء فإن قوله تعالى (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) بدل من* الموصول (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أى تفضوا إليهم بالقسط أى العدل (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أى العادلين. روى أن قتيلة بنت عبد العزى قدمت مشركة على بنتها أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنه بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تدخلها وتقبل منها وتكرمها وتحسن إليها وقيل المراد بهم خزاعة وكانوا صالحوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) وهم عتاة أهل مكة

٢٣٨

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١٠)

____________________________________

(وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ) وهم سائر أهلها (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) بدل اشتمال من الموصول أى إنما ينهاكم عن* أن تتولوهم (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لوضعهم الولاية فى موضع العداوة أو هم الظالمون لأنفسهم* بتعريضها للعذاب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بيان لحكم من يظهر الإيمان بعد بيان حكم فريقى الكافرين (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) من بين الكفار (فَامْتَحِنُوهُنَّ) فاختبروهن بما يغلب على ظنكم موافقة* قلوبهن للسانهن فى الإيمان. يروى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول للتى يمتحنها بالله الذى لا إله إلا هو ما خرجت من بغض زوج بالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض بالله ما خرجت التماس دنيا بالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ) لأنه المطلع على ما فى قلوبهن والجملة* اعتراض (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ) بعد الامتحان (الْمُؤْمِناتُ) علما يمكنكم تحصيله وتبلغه طاقتكم بعد اللتيا* والتى من الاستدلال بالعلائم والدلائل والاستشهاد بالأمارات والمخايل وهو الظن الغالب وتسميته علما للإيذان بأنه جار مجرى العلم فى وجوب العمل به (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) أى إلى أزواجهن* الكفرة لقوله تعالى (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) فإنه تعليل للنهى عن رجعهن إليهم والتكرير* إما لتأكيد الحرمة أو لأن الأول لبيان زوال النكاح الأول والثانى لبيان امتناع النكاح الجديد (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) أى وأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور وذلك أن صلح الحديبية* كان على أن من جاءنا منكم رددناه فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مسلمة والنبى عليه الصلاة والسلام بالحديبية فأقبل زوجها مسافر المخزومى وقيل صيفى بن الراهب فقال يا محمد اردد على امرأتى فإنك قد شرطت أن ترد علينا من أتاك منا فنزلت لبيان أن الشرط إنما كان فى الرجال دون النساء فاستحلفها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحلفت فأعطى زوجها ما أنفق وتزوجها عمر رضى الله عنه (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) فإن إسلامهن حال بينهن وبين أزواجهن الكفار (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) * شرط إيتاء المهر فى نكاحهن إيذانا بأن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام المهر (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) جمع عصمة وهى ما يعتصم به من عقد وسبب أى لا يكن بينكم وبين المشركات ولا علقة زوجية قال ابن عباس رضى الله عنهما من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدن بها من نسائه لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه وعن النخعى رحمه‌الله هى المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر وعن مجاهد أمرهم بطلاق الباقيات مع الكفار ومفارقتهن وقرىء ولا تمسكوا بالتشديد ولا تمسكوا بحذف إحدى

٢٣٩

(وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٢)

____________________________________

* التاءين من تتمسكوا (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) من مهور نسائكم للاحقات بالكفار (وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) * من مهور أزواجهم المهاجرات (ذلِكُمْ) الذى ذكر (حُكْمُ اللهِ) وقوله تعالى (يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) كلام مستأنف* أو حال من حكم الله على حذف الضمير أى يحكمه الله أو جعل لكم حاكما على المبالغة (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يشرع ما تقتضيه الحكمة البالغة. روى أنه لما نزلت الآية أدى المؤمنون ما أمروا به من مهور المهاجرات إلى أزواجهن المشركين وأبى المشركون أن يؤدوا شيئا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين فنزل قوله تعالى (وَإِنْ فاتَكُمْ) أى سبقكم وانفلت منكم (شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) أى أحد من أزواجكم وقد قرىء كذلك وإيقاع شىء موقعه للتحقير والإشباع فى التعميم أو شىء من مهور* أزواجكم (فَعاقَبْتُمْ) أى فجاءت عقبتكم أى نوبتكم من أداء المهر شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء أخرى بأمر يتعاقبون فيه كما* يتعاقب فى الركوب وغيره (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) من مهر المهاجرة التى تزوجتموها ولا تؤتوه زوجها الكافر وقيل معناه إن فاتكم فأصبتم من الكفار عقبى هى الغنيمة فآتوا بدل الفائت من الغنيمة وقرىء فأعقبتم وفعقبتم بالتشديد وفعقبتم بالتخفيف وفتح القاف وبكسرها قيل جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة أم الحكم بنت أبى سفيان وفاطمة بنت أمية* وبروع بنت عقبة وعبدة بنت عبد العزى وهند بنت أبى جهل وكلثوم بنت جرول (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) فإن الإيمان به تعالى يقتضى التقوى منه تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) أى مبايعات لك أى قاصدات للمبايعة نزلت يوم الفتح فإنه عليه الصلاة والسلام لما فرغ من بيعة* الرجال شرع فى بيعة النساء (عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً) أى شيئا من الأشياء أو شيئا من الإشراك* (وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ) أريد به وأد البنات وقرىء ولا يقتلن بالتشديد (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ) كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هو ولدى منك كنى عنه بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها لأن بطنها الذى تحمله فيه بين يديها ومخرجه بين رجليها* (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) أى فيما تأمرهن به من معروف وتنهاهن عنه من منكر والتقييد بالمعروف مع أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يأمر إلا به للتنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق فى معصية الخالق

٢٤٠