موسوعة عاشوراء

جواد محدثي

موسوعة عاشوراء

المؤلف:

جواد محدثي


المترجم: خليل زامل العصامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الرسول الأكرم (ص)
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

الموت أولى من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

وارتجز عند هجومه على الجناح الايسر لجيش عمر بن سعد قائلا :

أنا الحسين بن علي

آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي

أمضي على دين النبي

 وكان يرتجز أيضا طوال فترة القتال بهذه الأبيات :

أنا ابن علي الخير من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

وجدّي رسول الله أكرم من مشى

ونحن سراج الله في الناس يزهر

وفاطمة أمي سلالة أحمد

وعمّي يدعى ذو الجناحين جعفر

وفينا كتاب الله انزل صادقا

وفينا الهدى والوحي والخير يذكر

وله شعر آخر كان ينشده عند الهجوم على الأعداء هذا مطلعه (١) :

غدر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب الله رب الثقلين

وبعض الأشعار نظمت بعد الامام الحسين بقرون متمادية ، ونسبت إليه وشاعت على الالسن من قبيل :

إن كان دين محمد لا يستقم

إلّا بقتلي فيا سيوف خذيني

شعر الطف :

كان اسلوب استخدام القالب النافذ للشعر متعارفا منذ القدم لتخليد ملحمة عاشوراء وتمجيد ذكر الامام الحسين ، وكان اهل البيت يحثّون على هذا الاسلوب. وكانت المراثي ولا تزال من المحاور الاساسية لقصائد الشعراء الشيعة ومحبّي أهل البيت ؛ فالحسين هو قتيل العبرات ، ومحيي الرثاء. نقل عن الامام الصادق عليه

__________________

(١) بحار الانوار ٤٥ : ٤٧.

(٢) للشيخ محسن أبي الحب الخثعمي (١٢٣٥ ـ ١٣٠٥ ه‍) وهو من شعراء اسرة آل أبي الحب في كربلاء ديوان مخطوط اسمه الحائريات ، والبيت المذكور موجود في احدى قصائده (تراث كربلاء ، سلمان هادي طعمة : ١٥٦).

٢٦١

السلام انّه قال : «ما من أحد قال في الحسين عليه‌السلام شعرا فبكى وابكى به إلّا أوجب الله له الجنّة وغفر له» (١). وعلى هذا الاساس فان الكثير من أشعار عاشوراء موجودة في ثقافتنا الدينية في قالب القصيدة ، والرباعيات ، وما شابه ذلك ، وتستخدم في شعائر التأبين والعزاء في شتى المناسبات.

ويصوغ شعراء الطف مشاعرهم تجاه هذه الملحمة الكبرى في قالب شعري. وعلى هذا النمط تبلورت الآداب الغنية للشيعة بلغات مختلفة. ففي اللغة العربية شقّت هذه الواقعة طريقها إلى الشعر في اعقاب واقعة كربلاء مباشرة ، ونظم أهل البيت الاشعار في رثاء فصولها الدامية. ودأب الشعراء في السنوات والقرون اللاحقة على استخدام اسلوب الشعر لصياغة معالم تلك الثورة والمصائب التي جرت على أهل البيت. وسلسلة شعراء الرثاء سلسلة طويلة ، ولكن بالمستطاع ذكر عدد منهم كما يلي : سليمان بن قتّة (م : ١٢٦) ، والكميت بن زيد (م : ١٢٦) ، والسيد الحميري (م : ١٨٣) ، ومنصور النمري (١٩٠٠) ، ودعبل الخزاعي (م : ٢٤٦) ، والزاهي (م : ٣٥٢) ، وأبو فراس الحمداني (م : ٣٥٧) ، والسيد الرضي (م : ٤٠٦) ، وعلاء الدين الحلّي (م : ٧٨٦) ، وغيرهم.

اختلفت أساليب الشعراء في نظم الاشعار حول واقعة الطف ؛ فبعضها جاء على شكل رثاء حار شجي يثير المشاعر ويلهب الاحاسيس ، ويركز على الجوانب العاطفية والروحية من الواقعة. ويتّسم بعضها الآخر بالطابع الروائي على غرار المقتل. أما البعض الآخر ولا سيما الشعراء المتأخرين سواء العرب منهم أم الفرس ، فيميلون إلى انتقاد حالة البكاء او العزاء المجرّد ، بل ينظرون إلى عاشوراء من زاوية بعدها الحماسي والثوري ، لتكون مثالا يحتذى به في مقارعة الظلم والجور وعوامل الفقر ، والدفاع عن الحقّ والعدل والانسانية والحرية. وقد استنكروا على الشيعة والمسلمين اكتفاءهم بالبكاء واقامة المأتم على حادثة عاشوراء ، وعدم استلهام

__________________

(١) رجال الشيخ الطوسي : ٢٨٩.

٢٦٢

دروس الالتزام والجهد والتحرك السياسي منها. وعلى أية حال فانّ الجانب المهم في شعر عاشوراء ان يكون موثوقا وصحيحا ويستند إلى المصادر المعتبرة في التاريخ والحديث ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ان يكون خاليا من الصور السلبية والمنحرفة التي تطبع شخصيات واحداث واقعة عاشوراء بالذلة والاستخفاف ، أو التي تقدّم صورا تتّسم بالمبالغة ، وغير ذلك.

ـ المدائح والمراثي ، ادب الطف ، عاشوراء والشعر الفارسي

الشفاعة :

وتعني التشفّع لدى الله لغفران الذنوب ، وهي مكانة كريمة منّ بها الباري جلّ شأنه على النبيّ والائمة والعلماء والشهداء. ويرى المفسرون ان تعبير «المقام المحمود» الذي ورد في القرآن يعني الشفاعة. وأحد الشفعاء هو الحسين عليه‌السلام. وشفاعة الحسين تؤدي إلى نجاة المذنبين من عذاب جهنّم في الآخرة ، وتؤدّي في الدنيا إلى فوز وفلاح محبيه ومن يحزنون على مصابه.

قال رسول الله : «كل عين باكية يوم القيامة إلّا عين بكت على مصاب الحسين فانّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنّة» (١). وجاء في الاحاديث ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تلقّى البشرى من الله بانّ جزاء شهادة الحسين من ربّه الشفاعة لمذنبي الامّة.

الامام الحسين بن علي هو شفيع الشيعة ، فقد جاء في الزيارة : «وان شفعت شفّعت» (٢). «فكن لي شفيعا» (٣). «اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود» (٤). وجاء في الحديث : «ثلاثة يشفعون إلى الله عزوجل فيشفّعون : الأنبياء ، ثم العلماء ،

__________________

(١) بحار الانوار ٤٤ : ٢٩٣.

(٢) مفاتيح الجنان : ٤١٩ ، اعمال الضريح الشريف لسيد الشهداء عليه‌السلام.

(٣) نفس المصدر : ٤٤٢ ، زيارة النصف من رجب.

(٤) نفس المصدر : ٤٥٨ ، زيارة عاشوراء.

٢٦٣

ثم الشهداء» (١).

وليس الحسين فقط ، بل كل شهيد له حق الشفاعة ، وقد نال هذا المقام في ظل شهادته. ويعتقد محبّو الحسين بشفاعته ويرون ان الله لن يعذبهم لما سبق منهم من بكاء وحزن على الحسين وجزاء لمحبتهم إيّاه.

ولا يخفى ان الحسين عليه‌السلام وان كان شفيع المحشر ، والبكاء عليه امان من عذاب النار إلّا ان استحقاق الشفاعة يجب ان يكون من خلال صلاحنا وتقوانا. ولا ينبغي أن يقود الاعتقاد بشفاعة الحسين إلى التجرى وارتكاب المعاصى من قبل محبّيه. فقولنا : اننا غارقون في المعاصي والحسين هو الشفيع ، لا ينبغي ان يكون مجوّزا لارتكاب الذنوب ، مثلما يعتقد المسيحيون بانّ عيسى قد صلب ليغفر لاتباعه. ويتوهّم بعض الشيعة ان فلسفة شهادة الحسين انما هى لأجل غفران ذنوب امة المصطفى. ولا شك ان هذا الوهم الخاطئ يشجع المرء على المعصية.

انّ شفاعة أبي عبد الله عليه‌السلام صحيحة ، إلّا ان ارتكاب الذنوب وعدم المبالاة بأحكام الدين على أمل شفاعته انحراف عن المفهوم الصحيح للشفاعة. فشفاعته انما ينالها من لا يستخفّ بالصلاة وسائر التعاليم الدينية ولا يضيع حق الناس.

ـ التوسل ، العزاء ، فطرس

الشفق الأحمر :

روي عن ابن عباس انّ حمرة الشفق شوهدت وظهرت منذ ان قتل الحسين : «ان يوم قتل الحسين عليه‌السلام مطرت السماء دما ، وان هذه الحمرة التي في السماء ظهرت يوم قتله ولم تر قبله».

وروي عن الامام الرضا عليه‌السلام انه قال : «لما قتل جدي الحسين عليه

__________________

(١) بحار الانوار ٨ : ٣٤.

٢٦٤

السلام امطرت السماء دما وترابا احمر» (١).

الحمرة التي ظهرت في السماء هي من جملة الدلائل العجيبة الاخرى التي جاء في الروايات انها شوهدت بعد واقعة كربلاء ومقتل الامام الحسين عليه‌السلام (٢) واستنادا إلى الاخبار الواردة في المصادر المختلفة فان حمرة السماء تعود إلى مقتل أبى عبد الله. روي عن محمد بن سيرين ان هذه الحمرة شوهدت بعد مقتل الحسين. وقال الامام الباقر عليه‌السلام : «ان السماء احمرّت عند مقتل يحيى والامام الحسين عليه‌السلام» (٣).

اشار ابو العلاء المعري إلى هذه الحمرة التي ظهرت على أثر مقتل أهل البيت علي والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وقال (٤) :

وعلى الافق من دماء الشهيد

ين علي ونجله شاهدان

فهما في أواخر الليل فجر

ان وفي اولياته شفقان

ثبتا في قميصه ليجيء الحش

ر مستعديا إلى الرحمن

 ـ الدم العبيط

الشقوق :

بمعنى النواحي والارجاء. اسم لاحد المنازل بين مكّة والكوفة ، يقع قرب الكوفة وكان لبني اسد ، وفيه بئر وبركة ؛ وكانت تنزل فيه القوافل (٥). وفيه لقي سيد الشهداء عليه‌السلام رجلا قادما من الكوفة وسأله عن الاوضاع فيها ، ولما اخبره ان أهاليها قد اجتمعوا ضده أنشد قصيدة تبدأ بالبيت التالي :

__________________

(١) اثبات الهداة ٥٤ : ١٧٩.

(٢) بحار الانوار ٤٥ : ٢٠٤ ، عبرات المصطفين ٢ : ١٧٤.

(٣) اثبات الهداة ٥ : ١٩٩ ، تاريخ الاسلام ٥ : ١٥.

(٤) مناقب ابن شهر اشوب ٤ : ٥٥.

(٥) الحسين في طريقه إلى الشهادة : ٨٤.

٢٦٥

فان تكن الدنيا تعد نفيسة

فدار ثواب الله أعلى وأنبل (١)

 ـ شعر الامام الحسين ، المنزل ، شعارات عاشوراء

الشمائل :

وتعني في الأساس خصال الانسان وصفاته ، وتطلق أيضا على معالم الوجه وملامحه. وتستعمل هذه الكلمة في مجال رسم صور ووجوه الشخصيات الدينية ، والاحداث والوقائع ذات الطابع الديني.

وكان من جملة التقاليد الدينية السائدة في التكايا هي انهم كانوا يضعون طشتا مليئا بالماء في احدى زوايا التكية تخليدا لذكر الفرات ، ويرفعون علما على عمود تذكيرا بحامل اللواء أبي الفضل العباس ، ويرسمون على جدران وستائر التكية صورا لاستشهاد الشهداء الاثنين والسبعين لتكون منسجمة مع مضمون المأتم. وكان هناك رسامون يكرسون كل ذوقهم وفنّهم في سبيل أبي عبد الله ، ولاجل المواضيع الدينية المتعلّقة بالأئمة ، او القصص القرآنية وحروب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلي عليه‌السلام ، ووقائع ملحمة عاشوراء ، وخروج المختار وما شابه ذلك ، ويوجد اشخاص يقرءون المراثي عند هذه اللوحات.

ـ المأتم ، التشابيه

الشمر بن ذي الجوشن :

احد القادة المجرمين القساة في جيش الكوفة الذي حارب الحسين وكان من جملة قتلته. وهو من قبيلة بني كلاب ومن رؤساء هوازن. وكان رجلا شجاعا شارك في معركة صفين إلى جانب أمير المؤمنين عليه‌السلام. ثم سكن الكوفة وداب على رواية الحديث.

اسمه شرحبيل وكنيته «ابو السابغة». ولما رأوا تهاون عمر بن سعد في مواجهة الحسين ، توجه شمر إلى كربلاء حاملا كتابا من ابن زياد إلى ابن سعد

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم : ٢١١ ، نقلا عن المناقب لابن شهر اشوب.

٢٦٦

يخيّره فيه بين حسم الأمر أو ترك قيادة الجيش إلى شمر بن ذي الجوشن.

تولى شمر في يوم الواقعة قيادة ميسرة الجيش. وبعد انتهاء الواقعة بعث معه عبيد الله رأس الامام الحسين إلى يزيد في الشام ، ثم عاد إلى الكوفة. وبعد خروج المختار هرب شمر من الكوفة. فارسل المختار غلامه مع جماعة في طلبه ؛ فقتل شمر غلام المختار وفرّ نحو «كلتانية» من قرى خوزستان. فسار جماعة من جيش المختارة بقيادة «أبي عمرة» لقتاله ، وقتل الشمر في المعركة التي دارت بينهما ، ورموا بجثّته إلى الكلاب ، وجاء في مصادر اخرى انه قبض عليه بعد خروج المختار وقتل (١).

من جملة جرائمه الاخرى جلوسه على صدر الحسين لاحتزاز رأسه ، وهجومه على الخيام ، والاتيان بكتاب الأمان لأبي الفضل العباس لكي يفارق الحسين. كان رجلا مجدورا قبيح المنظر ، وسيئ السيرة وهو ابن زنا. ورد اسمه في زيارة عاشوراء ملعونا «لعن الله شمرا» ، وبعد هجوم شمر على خيام أهل البيت ، وقال الحسين عليه‌السلام قولته المشهورة «ان لم يكن لكم دين فكونوا احرارا في دنياكم» (٢) وفي اللحظات الاخيرة من حياة الامام الحسين ، حرّض جماعة على مهاجمته حين كان ملقيا على الارض (٣).

ـ قادة جيش الكوفة

شوذب (مولى شاكر):

من شهداء كربلاء. وكان مولى لشاكر بن عبد الله الهمداني ، ومن وجهاء الشيعة ، وكبار الشخصيات المخلصة والمتحمسة. استشهد في كربلاء وهو كهل (٤). كان من رواة الحديث واخذ الأحاديث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام. وكانت له

__________________

(١) سفينة البحار ١ : ٧١٤.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٧٩.

(٣) الارشاد : ٢٤٢.

(٤) انصار الحسين : ٧٩.

٢٦٧

حلقة يحضرها الشيعة لسماع الحديث عنه. حمل هو وعابس كتاب مسلم بن عقيل من الكوفة إلى الحسين في مكّة ، وسار معه من مكة إلى كربلاء. قتل في عاشوراء بعد مقتل حنظلة بن اسعد الشبامي.

ـ عابس بن أبي شبيب ، اصحاب الامام الحسين

شوك أمّ غيلان :

شجرة شوك «أمّ غيلان» تنمو في البادية وقد يبلغ حجمها حجم شجرة التفاح أو أصغر. يذكر في المراثي انّه بعد مقتل الحسين وهجوم الأعادي على الخيام واحراقها ، فرّ الأطفال على وجوههم في البر ، وتاهوا في الصحراء ، والتجئوا ليلا إلى شوك أمّ غيلان (١) ، ولم يرد مثل هذا في المصادر التاريخية المعتبرة.

الشهادة :

وتعني الحضور ، والشهود ، والقتل في سبيل الله. وقد وردت كلمة الشهادة في المصطلح القرآني بمعنى القتل في سبيل الله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (٢) ، وجاء في آية اخرى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ...) (٣).

فهذا الفداء والتضحية بالنفس في سبيل الله والدين ، غاية فلاح المؤمن. ومن يضحي بنفسه في سبيل الدين ينال الفوز والخلود في الآخرة ، وتكون شهادته مثالا واسوة يحتذي بها الآخرون. كانت سمية أمّ عمّار أول شهيدة في الاسلام قتلت برمح أبي جهل تحت طائلة التعذيب. واستشهد من بعدها مسلمون آخرون منهم من قتل تحت التعذيب ومنهم من قتل اثناء المعارك ضد المشركين ، ومنهم من قتل

__________________

(١) معالي السبطين ٢ : ٨٩.

(٢) البقرة : ١٥٤.

(٣) التوبة : ١١١.

٢٦٨

دفاعا عن الحق عند مواجهة حكام الجور ، وكانوا بأجمعهم اسوة يقتدي بهم الاحرار على مدى الايام.

اما سبب تسمية مثل هذه الميتة بالشهادة فقد قيل : «لأن ملائكة الرحمة تشهده فهو شهيد بمعنى مشهود ؛ وقيل : لأن الله وملائكته شهود له في الجنّة ؛ وقيل : لأنه ممن يشهد يوم القيامة مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على الأمم الخالية ؛ وقيل لانه لم يمت كأنه شاهد اي حاضر (١) ، استنادا إلى الآية الشريفة : (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

ان لفيض الشهادة قيمة كبيرة حتّى انّ أولياء الدين طالما يسألون ربّهم ان يجعلها من نصيبهم. ونحن كثيرا ما نسأل الله في ادعيتنا ان يكتب لنا الشهادة. وقد وردت روايات كثيرة في فضل الشهادة ومكانة الشهيد. فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فوق ذي كلّ برّ بر حتّى يقتل الرجل في سبيل الله ، فاذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ» (٢).

وجاء في الأحاديث ان الشهادة أفضل الموت ، وقطرة دم الشهيد من افضل القطرات ، والشهادة تمحو الذنوب ، والشهيد في امان من سؤال القبر ، وضغطة القبر ، وهو في الجنّة مع الحور العين ، وللشهيد حق الشفاعة ، والشهداء اول من يدخلون الجنّة ، والجميع يغبط الشهيد على مكانته (٣).

اعتبر الشيخ المفيد الشهادة مقاما رفيعا ، ومن يصبر ويقاوم في سبيل الله حتى يراق دمه يصبح يوم القيامة من امناء الله ذوي المرتبة السامية (٤) ومن جملة خصائص الشهيد النظر إلى وجه الله ؛ وهذا ما ينفي البعد القذر من وجوده ويرتفع به

__________________

(١) مجمع البحرين ، كلمة «شهد».

(٢) بحار الانوار ٩٧ : ١٠.

(٣) راجع الروايات المتعلقة بالشهادة وفضيلة الشهداء في المصادر التالية : بحار الانوار ٩٧ ، وسائل الشيعة ١١ ، ميزان الحكمة ٥ ، كنز العمال ٤.

(٤) اوائل المقالات للشيخ المفيد : ١١٤.

٢٦٩

إلى مرحلة الخلود والقداسة في ظل الشهادة.

الشهادة في مدرسة الوحي مطلوبة ومحبوبة ، وقضى جميع الأئمة بين قتيل أو مسموم ، وكان موتهم الشهادة. ومع ان نفوس الائمة واولياء الله وعبادة المخلصين عزيزة ، لكن دين الله أعز وأغلى. وعلى هذا يجب التضحية بالنفس في سبيل الله ، ليسود الحق وهذا هو «سبيل الله».

توافرت ظروف في عهد سيد الشهداء جعلت من غير الممكن ايقاظ الامّة إلّا بالتضحية والشهادة. ولم يكن من اليسير ان تنمو شجرة الدين إلّا بدماء اعزّ الناس. وهذا ما جعل الامام وأصحابه الشهداء يواجهون السيوف والرماح بوعي واندفاع لكي يبقى الاسلام بموتهم الدامي طريا يانعا. وظلت هذه السنّة قائمة على مدى التاريخ ، واصبحت الشهادة درسا كبيرا وخالدا لكل الاجيال والعصور.

ومن يتمكن بلوغ هذه المرتبة بحيث يقطع جميع العلائق الدنيوية ، تدفعه محبّة الحياة الخالدة إلى اختيار الشهادة. ومن البديهي ان اجتياز هذه الموانع والوصول إلى مرحلة التحرر من جميع القيود الدنيوية يتطلب درجة عالية من الايمان. ولهذا السبب فانّ الشهادة هي اقرب الطرق واوسطها للوصول إلى الله وإلى الجنة.

ذكرت جاءت الروايات والاحاديث اشخاصا آخرين يعتبرون في عداد الشهداء ، فمن قتل في ساحة الحرب ، ومن تحمل العذاب وحمل المشاق ، وضحّى بنفسه في هذا السبيل ، لهذا ومن قتل دفاعا عن ماله وعن نفسه وعن شرفه ولنيل حقّه ، او من يموت وهو مهاجر في سبيل الله ، أو من يموت على الايمان وعلى محبّة اهل البيت وهو ينتظر الفرج لكي يحكم العدل ، ومن يموت في سبيل طلب العلم او في دار الغربة ، والمرأة اذا ماتت في حالة الولادة ، أو من يقتل وهو يؤدي واجبة في الأمر بالمعروف والنهي ، فهو في جميع هذه الحالات شهيد.

ـ حب الشهادة ، ثقافة عاشوراء

٢٧٠

الشهامة :

وهي المروءة والتمسّك بالحقوق والقيم الانسانية ، وتعتبر من المعالم الاخلاقية والنفسية البارزة لدى الحسين عليه‌السلام وأنصاره والتي تجسدت في ملحمة عاشوراء ، وهذه النفسية التي تجعل الانسان يشمئز من الطغاة ، ويرفض الانصياع لسلطان الظلم ، ويحب الحرية والفضيلة ، ويتجنّب الغدر ونقض العهد وظلم الضعفاء ، ويدافع عن الضعفاء ، ولا يتعرض للابرياء ، ويقبل العذر ، ويقيل العثرة ، ويعترف بالحق الانساني للآخرين (حتى وان لم يكونوا مسلمين) ، ويتحلّى بالشهامة ، ويأبى تحمّل هجوم الأجانب على شرف ابناء الامّة ، هذه الأمور كلها تعتبر من معالم الشهامة والمروءة التي تجسدت على ارض الطف. لقد رفض سيد الشهداء عار البيعة ليزيد ، ولما واجه جيش الكوفة في طريق كربلاء ، رفض اقتراح زهير بن القين الذي أشار عليه بمحاربة هذه الفئة من قبل ان يجتمع إليهم سائر الجيش وقال عليه‌السلام : «ما كنت لأبدأهم بالقتال» (١) ، وهذا نموذج من شهامة الحسين ، ولما لقي جيش الحر وقد أضرّ بهم العطش أمر بسقيهم الماء هم وخيلهم ، على الرغم من انهم جاءوا لمجابهته واغلاق الطريق عليه ، وكان من بينهم علي بن الطعان المحاربي الذي ما كان قادرا على شرب الماء من فرط عطشه ، فقام عليه‌السلام واخنث له فم القربة وسقاه هو وفرسه (٢) ، وهذا مثال آخر على مروءته.

ولما عزم الحر بن يزيد على مفارقة جيش عمر بن سعد والانضمام إلى معسكر الحسين عليه‌السلام وقف بين يدي الحسين منكسرا معلنا توبته واستعداده للتضحية بنفسه قائلا : هل لي من توبة؟ قال له أبو عبد الله عليه‌السلام : «نعم يتوب الله عليك ، فانزل» (٣) ، وهذا نموذج آخر على مروءة الحسين عليه‌السلام.

__________________

(١) الارشاد للشيخ المفيد : ٨٤.

(٢) حياة الامام الحسين ٣ : ٧٤ ، تاريخ الطبري ٤ : ٣٠٢.

(٣) اعيان الشيعة ١ : ٦٠٣.

٢٧١

كان شعار الحسين عند القتال «الموت اولى من ركوب العار» (١) ، وفي قيظ يوم عاشوراء واشتداد حر الرمضاء ، لما رأى الحسين عليه‌السلام هجوم الجيش على خيام عياله صاح : «ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! أن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا احرارا في دنياكم وارجعوا إلى احسابكم اذ كنتم أعرابا» فناداه شمر : «ما تقول يا ابن فاطمة؟» قال : «أقول انا الذي اقاتلكم وتقاتلوني ، والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيا» (٢).

وهذا أيضا شاهد آخر على مروءته ونبله ، فهو ما دام حيّا لم يكن قادرا على رؤية العدو يهجم على عياله ، وقد شوهدت هذه الغيرة وهذه الحمية من الامام الحسين عليه‌السلام وأنصاره في ساحة القتال يوم العاشر من محرّم ، وهذه السجية قد استقاها من أبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي قال بعد ان غلب العدو وانتزع منه شريعة الفرات ، لا تفعلوا فعل العدو ولا تمنعوا عنهم الماء لاجل ارغامهم على الاستسلام : «خلّوا بينهم وبين الماء» (٣) ، ولكن لؤم معاوية دعاه إلى منع الماء عن جيش علي عليه‌السلام في صفين (٤) ، ومن خسّة يزيد انه منع الماء عن جيش الحسين بن علي عليه‌السلام ، فالحسين قد ورث الشهامة عن علي ، ويزيد ورث الخسّة عن معاوية.

ـ التحرر ، ثقافة عاشوراء ، شعارات عاشوراء ، دروس من عاشوراء

شهداء كربلاء ـ أصحاب الامام الحسين :

شهربانو :

هي بنت يزدجر آخر ملوك الفرس ، اسرها المسلمون في عهد عمر بن الخطّاب

__________________

(١) حياة الامام الحسين ٣ : ٢٧٧.

(٢) بحار الانوار ٤٥ : ٥١.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣١٩.

(٤) نهج البلاغة ، الخطبة ٥١ (شرح صبحي الصالح).

٢٧٢

وبعثوا بها إلى المدينة المنورة مع سائر من سبي من بلاد فارس ، واطلقوا سراحها ، خطبها جماعة من العرب فاختارت من بينهم الحسين بن علي عليه‌السلام ، وهي أمّ السجّاد عليه‌السلام ؛ ولهذا السبب يعتقد الايرانيون انّ لهم صلة قربى مع أهل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وتسمّى كذلك «شهربانويه» و «شاه زنان».

الشهيد ـ الشهادة :

شهيد الصلاة :

في يوم عاشوراء وقف سعيد بن عبد الله وهو من أصحاب الحسين عليه‌السلام وجعل بدنه درعا دون الحسين من سهام العدو الى ان أتمّ صلاته. ولما سقط قتيلا وجدوا على جسده ثلاثة عشر سهما غير ضربات السيوف وطعنات الرماح (١).

ويمكن اعتبار أبا عبد الله عليه‌السلام نفسه على رأس سلسلة شهداء الصلاة ؛ لانه إنمّا قام لاجل احياء الدين والصلاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقتل على هذا. وكان قيامه لاجل اقامة الصلاة : «اشهد انك قد أقمت الصلاة» (٢).

وفي ليلة العاشر استمهل القوم تلك الليلة للصلاة وتلاوة القرآن ، وعند ظهر اليوم العاشر صلّى في ميدان الدم والشهادة أول الوقت ، واطلق اسم شهيد الصلاة على أبي ثمامة الصائدي الذي ذكّر الحسين بحلول وقت الصلاة وصلّى معه آخر صلاة لهما.

ـ سعيد بن عبد الله الحنفي ، أبو ثمامة الصائدي

شيعة الامام الحسين (ع):

الشيعة تعني الاتباع ؛ وشايعه : تابعه في الفكر ، والاخلاق ، والسلوك ، والمواقف السياسية والعقائد الدينية ، ومع ان شيعة الحسين هم شيعة علي والأئمة

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم : ٣٠٤.

(٢) مفاتيح الجنان : ٤٢٩ ، زيارة وارث.

٢٧٣

الآخرين عليهم‌السلام ، والتشيّع يعني السير على خطّ أهل البيت عليهم‌السلام ، إلّا أن الحسين بما أبداه من تفان في سبيل العقيدة جعل منه اسوة وقدوة ، فقد قام عليه‌السلام من أجل احياء الدين وضحى بنفسه في سبيل الله ، وهكذا ينبغي ان تكون شيعته.

وشيعة أبي عبد الله لا بدّ وان يتحلّون بخصال وأعمال من قبيل : بناء الذات ، وخشية الله ، والابتعاد عن المعاصي ، والتقوى ، وامتثال امر الله ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واقامة الصلاة ، والسعي لنيل رضا الله ، والجود والكرم ، وعزّة النفس ، واجتناب الذلّة والتساوم مع الطواغيت والحكومات الجائرة ، ومحاربة الباطل ، والجهاد والشهادة ، والايثار ، والصلابة والثبات على العقيدة ، وما الى ذلك. هذا هو سبيل الحسين وسبيل آبائه وأبنائه. والتشيّع يعني الديانة والورع.

وردت روايات كثيرة في وصف خصال الشيعة وإحصاء صفاتهم ، نقتصر هنا على الاشارة الى واحدة منها : قال الامام جعفر الصادق عليه‌السلام للمفضّل : جانب الاشرار «انما شيعة عليّ من عفّ بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه وخاف عقابه ، فاذا رأيت اولئك ، فأولئك شيعة جعفر» (١).

المحبّة التي في قلوب الشيعة لشهيد كربلاء تفرض عليهم التأسّي به والسير على خطاه والاحتذاء به فكريا واخلاقيا وعمليا. وأن يكونوا شيعة له قولا وفعلا لا بمجرد الادّعاء والشعار. عند مسيره من مكّة الى كربلاء دعا الحسين عليه‌السلام الى أن يرحل معه كل : «من كان باذلا فينا مهجته ، موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ..» (٢).

ـ حب الشهادة ، ثقافة عاشوراء

__________________

(١) سفينة البحار ١ : ٧٢٣.

(٢) الملهوف : ٥٣.

٢٧٤

ص

صاحب العلم :

هو الذي يحمل العلم الذي فيه الشعار الخاص للهيئة عند مسير مجاميع العزاء ، ويسمى أيضا بحامل الشعار.

الصبر :

ويعني الثبات والصمود والمقاومة ، ومجابهة العوامل التي تعيق الانسان عن بذل مساعيه في سبيل هدفه ، إضافة الى تحمّل المصاعب والشدائد في سبيل أداء الواجب وإحراز النصر.

رسمت واقعة كربلاء أجمل صور الصمود والثبات فى سبيل العقيدة وتحمّل الصعاب ، حتى أضحت سببا لمجد وخلود تلك الملحمة ، والانتصار الخالد لتلك الفئة القليلة على الفئة الكثيرة ، كما جاء في القرآن الكريم : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (١) ، وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «الصبر يهوّن الفجيعة» (٢) ، من جهة اخرى كلما ازداد عامل الغلبة على المصاعب ، وقوي ميزان التحمل تتضاءل شدّة المصيبة ، وينزل الله الصبر على المؤمنين ، وكما قال الصادق عليه‌السلام : «ان الله ينزل الصبر على قدر المصيبة» (٣).

__________________

(١) البقرة : ٢٤٩.

(٢) غرر الحكم ودرر الكلم.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٤١٦.

٢٧٥

في ملحمة كربلاء كان الصبر مشهودا في القول والعمل لدى سيد الشهداء وأهل بيته وانصاره الصابرين الأوفياء ؛ فلما أراد الخروج من مكة الى العراق القى خطبة قال فيها : «رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا أجر الصابرين» (١) ، وخاطب أصحابه في احد المنازل على طريق العراق ليلفت انظارهم الى خطورة الموقف وصعوبة ما هم مقبلين عليه فقال : «أيها الناس ، من كان منكم يصبر على حد السيف وطعن الأسنّة فليقم معنا ، وإلّا فلينصرف عنّا» (٢) ، ولكن أصحابه لم يبدر منهم إلّا ما أحبّ هو من الصبر عند لقاء الاقران ، وتحمّل شدّة العطش ، وهجوم العدو ، والثبات حتى الشهادة مع قلّة الناصر ، بل كانوا في غاية الفرح والسرور ، حتى ان بعضهم كان يمزح في تلك الساعة ويقول : انّي والله مستبشر بما نحن لاقون والله ما بيننا وبين حور العين إلّا انّ يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، ولوددت انّهم مالوا علينا الساعة ، هكذا علّمهم الحسين انّ الصبر جسر للعبور الى الجنّة ، فهو يقول لهم : «صبرا بني الكرام ، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء الى الجنان الواسعة والنعيم الدائم» (٣) ، وعلّم درس الصبر حتّى لاهل بيته وعياله ، ودعاهم الى الصبر والتحمل قائلا : «انظروا إذا أنا قتلت فلا تشقّن عليّ جيبا ولا تخمشن وجها» (٤) ، وتحمّلت اخته زينب ثقل هذه الملحمة الدامية ، وكانت كل لحظة من وقائع الحادثة تعبيرا عن المقاومة والثبات ، وحتّى الكلمات الأخيرة التي تلفظ بها سيد الشهداء حين سقط على الارض إنمّا تعكس هذه الروح من الصبر والصمود ، إذ قال : «صبرا على قضائك» (٥).

ـ القتل صبرا ، ثقافة عاشوراء ، حب الشهادة

__________________

(١) اعيان الشيعة ١ : ٥٩٣.

(٢) ينابيع المودّة : ٤٠٦.

(٣) نفس المهموم : ١٣٥.

(٤) اللهوف : ٨١.

(٥) مقتل الحسين للمقرم : ٣٥٧.

٢٧٦

الصفاح :

اسم منزل في شمال الطريق بين مكة وكربلاء ، بين حنين وانصاب الحرم. ومعنى الصفاح الأرض المجاورة لسفح الجبل. وفيه لقي الحسين الفرزدق قادما من العراق فسأله عن خبر الناس ، فقال له : قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أميّة. ثم سأله الفرزدق عن نذور ومناسك وافترقا.

وقال البعض انّ هذا اللقاء وقع في ذات عرق (١).

الصلاة :

الصلاة عمود الدين. وما كان جهاد النبي ، وحروب علي ، وثورة الحسين إلّا لإقامة الصلاة ، وتوثيق وشائج الصلة بين العبد وربّه.

انّ للصلاة مكانة خاصة في ثورة كربلاء. فحين التقت قافلة الحسين عليه‌السلام بجيش الحرّ وحل وقت الصلاة واذّن لاقامتها ، اقيمت الصلاة جماعة وائتم جيش الحر بالحسين. وفي ليلة العاشر بدأ جيش ابن سعد يشنّ الهجمات على مخيم الحسين ، فأرسل لهم أخاه العباس ليمهلوه تلك الليلة للصلاة والعبادة وقال له : «ارجع إليهم فان استطعت أن تؤخّرهم الى غداة لعلّنا نصلّي لربنا هذه الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم انّي احبّ الصلاة وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار» (٢) ، وفي الوقت نفسه كان حبيب بن مظاهر يخاطب جيش العدو بالقول : لم تقاتلون قوما يحيون الليل ويقومون بالأسحار ولربّهم يعبدون؟

من أبرز الخصال التي اتّصف بها أنصار الحسين هي الروح المعنوية العالية وكثرة العبادة والمناجاة والصلاة ، وفي تلك الليلة اتّجهوا الى الله بقلوبهم ومشاعرهم فكان ـ كما يقول المؤرّخون ـ لهم دوي كدوي النحل ، وهم ما بين راكع وساجد

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم : ٣٥٧.

(٢) الكامل لابن الاثير ٢ : ٥٥٨.

٢٧٧

وقارىء للقرآن (١).

ذكر ابن الاثير يقول : «فلما أمسوا قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويتضرّعون ويدعون ، وفي الغد عبّا الحسين أصحابه بعد صلاة الصبح» (٢).

وعند الظهر ذكّره أبو ثمامة الصائدي بوقت الصلاة ، فقال له : جعلك الله من المصلّين الذاكرين. ثم صلّى هو وآخرون صلاة الخوف. (٣) ووقف سعيد بن عبد الله وهو من أصحابه ، امامة ليقيه من سهام العدو ، ولمّا أتمّوا الصلاة سقط على الارض شهيدا في سبيل الصلاة (٤). وقتل الحسين وأصحابه عن آخرهم في سبيل الصلاة. ولهذا نخاطبه في زيارة وارث بالقول : «أشهد انك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر».

انّ أهم ما يمنح الجهاد قيمة ثمينة هو امتزاجه بالصلاة ؛ إذ كان عاشوراء بمثابة اقتران العرفان بالحماسة. وكانت نهضة كربلاء من أجل احياء السنن الدينية والفرائض الالهية ومنها الصلاة. ولا بدّ للشيعي أن يكون مصلّيا خاشعا وأن لا يكتفي من الدين بشعائر العزاء. وحتى المعتقدون بشفاعة الحسين يجب ان يكونوا من المصلّين ، لأن الشفاعة لا تشمل تارك الصلاة. ويا حسرة على من يشمّرون عن الأيدي والسواعد في أيام العزاء واللطم ، ولا يعيرون أهمية للصلاة الواجبة.

ـ أبو ثمامة الصائدي ، سعيد بن عبد الله ، دروس من عاشوراء

الصنج :

اسم لأداة دائرية من النحاس أو البرونز لها مقبض في الجزء الخارجي منها. يستخدم زوج منها ؛ كل فرد في يد ، وذلك في مواكب العزاء وضرب السلاسل وحيث يتم اللطم على انغامها المثيرة للحماس.

__________________

(١) حياة الامام الحسين ٣ : ١٧٥.

(٢) الكامل ٢ : ٥٦٠.

(٣) سفينة البحار ١ : ١٣٦ ، الكامل ٢ : ٥٦٧.

(٤) بحار الانوار ٤٥ : ٢١.

٢٧٨

ض

الضحّاك بن عبد الله المشرقي :

من أصحاب الامام الحسين عليه‌السلام ، كان معه في كربلاء ، الّا انه لما رأى كثرة الشهداء من أصحاب الحسين حدثته نفسه بالفرار من المعركة ، فجاء الى الحسين وقال له : «يا ابن رسول الله ، لقد كنت رافقتك على أن اقتل معك بشرط وجود من يدافع عنك ولكن الآن وبعد ان قتل المدافعين ، فأذن لي في الانصراف ، فانّي لا أقدر على الدفاع عنك ولا عن نفسي» ، فأذن له الامام بالانصراف فولّى منهزما ، وتعرّض له قوم من جيش ابن سعد وتعقبوه إلّا انهم تركوه فمضى هاربا ولم يرزق الشهادة بين يدي ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١). وذكر أيضا باسم الضحاك بن عبيد الله واعتبر في عداد اصحاب الامام السجاد عليه‌السلام.

ضرب السلاسل :

وهو من تقاليد العزاء التي كانت ـ ولا زالت ـ سائدة في ايران وباكستان والهند منذ عهد بعيد ، والسلسلة عبارة عن حلقات حديدية موصولة مع بعضها ومربوطة بمقبض من الخشب أو المعدن ، ويضرب بها في مواكب العزاء على الظهر ، وغالبا ما يزرق الموضع الذي يناله الضرب أو يسودّ او يجرح ، ويكون هذا الضرب مصحوبا عادة بايقاع الصنج. كانت هذه الشعائر في ما مضى تؤدي الى خروج الدم

__________________

(١) عبرات المصطفين ، محمد باقر المحمودي ٢ : ٥٤. وحياة الامام الحسين ٣ : ٢٢٩. (نقلا عن أنساب الاشراف).

٢٧٩

من ظهر الشخص الذي يضرب بالسلسلة خاصة عند ما يقوم البعض بربط السكاكين بالسلسلة ، وبما انها كانت تترك تأثيرا سلبيا على غير المسلمين ، فقد افتى بعض العلماء بحرمة ضرب السلاسل والتطبير ، وفي الوقت نفسه أفتى آخرون بجوازها جوابا لاستفتاء الناس منهم ، مما ادى الى ان تكون هذه القضية موضع جدال في ما مضى ، وقد حرّمها السيد أبو الحسن الاصفهاني ، وشنّ السيد محسن الأمين حملة عليها واعتبرها من المنكرات (١) ، ومن ذلك التاريخ ولحد الآن انتشرت الكتب الفقهية التي تناقش هذه المسائل.

ـ العزاء التقليدي ، التطبير

ضرغامة بن مالك :

من شهداء كربلاء. كان يعيش في الكوفة ، وهو من شيعة الامام وممّن بايع مسلم بن عقيل. وبعد مقتل مسلم سار مع جيش الكوفة الى كربلاء. والتحق هناك بأنصار سيد الشهداء ، واستشهد عصر يوم العاشر. ويعتقد آخرون انّه استشهد في الحملة الأولى. جاء اسمه في زيارة الناحية المقدسة (٢).

الضريح :

هو ما يوضع على القبر الشريف لسيد الشهداء عليه‌السلام والأئمة الآخرين وسائر المزارات ، ويعني أيضا القبر من غير لحد ، ويأتي كذلك بمعنى القبة الخشبية أو المشبّكة من النحاس أو الفضة التي توضع على قبر الامام.

ورد في الروايات ان الضراح موضع في السماء الرابعة ، مقابل الكعبة.

ان ضريح قبور اولياء الله له قدسية ، يقبّله الزائر ويقف بازائه للزيارة.

وللفنانين المسلمين مهارة خاصّة يجودون بها عند صناعة وتزيين الأضرحة.

ـ القبر ذي الستة اضلاع ، الحرم الحسيني

__________________

(١) موسوعة العتبات المقدسة ٨ : ٣٧٨. (الهامش).

(٢) تنقيح المقال ، المامقاني ٢ : ١٠٦.

٢٨٠