موسوعة عاشوراء

جواد محدثي

موسوعة عاشوراء

المؤلف:

جواد محدثي


المترجم: خليل زامل العصامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الرسول الأكرم (ص)
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

جملا» (١) ، إلّا ان احدا لم ينصرف تلك الليلة ، بل نهض اخوته وابناءه وابناء اخوته وعبد الله وجعفر وزينب ، وأشخاص آخرون كالعباس وزهير بن القين وغيرهم واعلنوا عن وقوفهم إلى جانبه واستعدادهم للفداء حتّى الشهادة ، وانهم لا يرغبون بالحياة بعده.

ـ البيعة

رقيّة :

بنت الإمام الحسين عليها‌السلام ، وكان لها من العمر أربع سنوات ، وكانت برفقة القافلة التي سارت نحو كربلاء ، واخذت مع السبايا. وفي الشام رأت أباها ليلة في المنام ، وبعد اليقظة اخذت تبكي وتطلب أباها ، فبلغ الخبر يزيد ، فامر ان يأتوها برأس أبيها ، ولمّا جاؤها به تألمت اكثر لذلك الموقف ، وماتت في تلك الأيام في خربة الشام (التي وضع فيها أهل البيت حينذاك) (٢). ولا يوجد رأي متّفق عليه بين المؤرّخين بشأن هذه الطفلة وكيفية استشهادها.

انّ صغر سن هذه الطفلة ، ورقّة عواطفها ، وكيفيّة وفاتها ودفنها تثير الحيرة والألم في النفوس ، فلا غرو لو كانت لها مكانة خاصّة في قلوب الشيعة. ويقع موضع دفنها عند سوق قديم يبعد قليلا عن المسجد الاموي في دمشق ، وقد بني عدّة مرات. كان آخرها سنة ١٩٨٥ من قبل ايران حيث تم منه توسيع الضريح وترميمه (٣).

ولضريح هذه الطفلة الآن بناء ضخم يزوره الموالين لأهل البيت.

الرمي بالحجارة :

من جملة الأساليب التي استخدمها جيش الكوفة في مواجهة بطولات أنصار

__________________

(١) وقعة الطف لأبي مخنف : ١٩٧.

(٢) الكامل للبهائي : ١٧٩ ، منتهى الآمال : ٤٣٧.

(٣) الشام ارض الخواطر «فارسي» : ١١١.

٢٠١

الإمام الشجعان ، فعند ما لاحظ جيش الكوفة مقتل الكثير من أفراده في المبارزة الفردية ، أمر عمر بن سعد وبقية قادة جيشه ، سائر أفراد الجيش بعدم الخروج للمبارزة الفردية ، وأمروهم بأن يرجموا معسكر الحسين بالحجارة. ولم يروا أمامهم من سبيل غير هذا لمواجهة أبطال عاشوراء ، وقال قائلهم «والله لو ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم ...» (١).

ولجئوا في بعض المواقف إلى الهجوم جماعة على شخص واحد. وقد امر عمر بن سعد برمي عابس بن أبي شبيب بالحجارة.

رميث بن عمرو :

اعتبر في عداد شهداء كربلاء (٢).

روضة الحسين (ع):

يقال لحرم سيّد الشهداء عليه‌السلام في كربلاء روضة الحسين ، وذلك لأن حرم كل واحد من الأئمّة وكذلك الحرم النبوي ، إنمّا هو روضة من رياض الجنّة. قال الإمام الصادق عليه‌السلام عن موضع دفن الحسين عليه‌السلام : «موضع قبر الحسين منذ يوم دفن فيه روضة من رياض الجنّة» (٣).

ـ الحائر ، الحرم الحسيني

روضة الشهداء :

اسم كتاب للملا حسين الكاشفي (المتوفّى عام ٩١٠ للهجرة) في المقتل ، ويعنى بالحديث عن وقائع يوم الطفوف. يتضمّن عبارات جميلة ، وكان القرّاء والخطباء فيما ما مضى ينقلون عنه في المجالس وعلى المنابر.

ـ المقتل ، كتب حول عاشوراء ، الكاشفي

__________________

(١) الكامل لابن الاثير ٢ : ٥٦٥.

(٢) اعيان الشيعة ٧ : ٣٣ ، نقلا عن رجال الشيخ.

(٣) من لا يحضره الفقيه ، الصدوق ٢ : ٦٠٠. والمزار ، الشيخ المفيد : ١٤١.

٢٠٢

رءوس الشهداء :

يعتبر قطع رأس الانسان (سواء الميت أمّ الحي) نوعا من المثلة وهو محرّم شرعا. وفي زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والخلفاء من بعده لم يحصل مثل هذا العمل مع قتلى الأعداء الكفرة. فما بالك بأجساد شهداء كربلاء الذين احتزت رءوسهم من أجسادهم وداروا بها في الولايات الواحدة تلو الاخرى (١).

كان أول رأس قطع وارسل إلى مكان آخر في عصر معاوية ، وهو رأس الشهيد الجليل عمرو بن الحمق الخزاعي ، الذي يعد من الأصحاب الأوفياء لعلي عليه‌السلام.

وتكرّرت هذه الجريمة في العصر الاموي في يوم عاشوراء ، وقبل عاشوراء قطعوا رأسي مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة في الكوفة وأرسلوهما إلى يزيد في الشام. وقطع ابن زياد أيضا رءوس قيس بن مسهّر ، وعبد الله بن يقطر ، وعبد الأعلى الكعبي وعمارة بن صلخب. وقطعت أيضا رءوس الكثير من شهداء كربلاء وارسلت إلى ابن زياد في الكوفة ، وكان عددها حسب ما جاء في بعض الاخبار ٧٨ رأسا قسمت بين القبائل للتقرب بها إلى ابن زياد وإلى يزيد. واخذ كلّ واحد من شيوخ قبائل كندة ، وهوازن ، وتميم ، ومذحج و... الخ عددا من رءوس الشهداء إلى الكوفة (٢). وارسل ابن زياد بدوره رءوس الشهداء الى يزيد في الشام.

اتّسمت مهمة ارسال الرءوس بطابع استعراضي ليراها اكبر عدد ممكن الناس لاجل بث الرعب في القلوب واشاعة الخوف ، ولا سيّما إذا رأى الآخرون ان هذا العمل قد تم مع اشخاص اكبر منهم مكانة.

من المحتمل جدا ان يكون قرار قطع الرءوس على يد جيش ابن سعد إنمّا تمّ بامر من عبيد الله بن زياد ؛ لأنّه امر في كتابه إليهم بقتلهم والتمثيل. بهم.

__________________

(١) انصار الحسين لمحمد مهدي شمس الدين : ٢٠٦.

(٢) بحار الانوار ٤٥ : ٦٢.

٢٠٣

جاء في تحليل حادثة قطع الرءوس ، في كتاب «انصار الحسين» ان قطع الرءوس لم يكن جريمة حربية مجرّدة ، بل كان عملا سياسيا يعكس عمق البغض والعداء ، ولغرض ارهاب الناس الآخرين ليعتبروا بقطع الرءوس ولكي لا يتجرّأ أحد بالتفكير بمعارضة الامويين ، وليعلم انّ رأسه سيقطع ويرفع على الرماح مثل هذه الرءوس. وكان فعلا مشينا غرضه الحطّ من قدسية سيّد الشهداء عليه‌السلام.

يعتقد البعض انّ عددا من هذه الرءوس (حوالي ١٦ رأسا) مدفون في «الباب الصغير» في الشام ، ومن جملتها رأس علي الاكبر ، ورأس حبيب بن مظاهر ، ورأس الحرّ بن يزيد.

ـ الباب الصغير ، رأس الإمام الحسين ، نقض اصول الحرب

رؤيا أمّ سلمة :

عند ما علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انّ الحسين سيقتل بكربلاء ، اعطى لأمّ سلمة قارورة فيها تراب من أرض كربلاء ، وقال لها : متى ما رأيت هذا التراب امتلأ دما عبيطا فاعلمي ان الحسين قد قتل.

وبعد سنوات طويلة مرت على هذه الحادثة ، ولما عزم الحسين على المسير إلى العراق ، اخذت مشاعر القلقل تساور أمّ سلمة ، فكانت تنظر إلى تلك القارورة في كل يوم وتقول : سيكون اليوم التي يتحول فيه هذا التراب إلى دم يوم عظيم!

وفي يوم عاشوراء رأت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام وهو مغبرّ الوجه والرأس ، ولمّا سألته عن سبب ذلك قال : لقد شهدت مقتل الحسين ، فهبّت أمّ سلمة من نومها وصاحت : قتل الحسين ، وقصّت رؤياها على نساء بني هاشم.

وأقامت أمّ سلمة منذ ذلك اليوم مجلس العزاء على سيّد الشهداء (١) ، وبعد تلك الرؤيا نظرت إلى القارورة فوجدتها مليئة بالدم.

ـ أمّ سلمة

__________________

(١) حياة الإمام الحسين ٣ : ٣١٦ ، مقتل الحسين للمقرّم : ٣٦٩.

٢٠٤

رؤيا الإمام الحسين :

ذهب الإمام الحسين عليه‌السلام في الليلة التي سار في غدها نحو مكّة إلى قبر جدّه رسول الله لتوديعه ولتوديع مدينة جدّه ، وبقي هناك يصلّي ويدعو ويبكي حتى قبيل الفجر ، ووضع رأسه على القبر فنام نومة قصيرة رأى فيها رسول الله وقد ضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه وقال : «يا حبيبي يا حسين ، كأنّي أراك عن قريب مرمّلا بدمائك مذبوحا بارض كرب وبلاء ... وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى ... انّ أباك وامّك وأخاك قدموا عليّ وهم مشتاقون إليك» (١). وكانت هذه الرؤيا بمثابة نبأ لشهادته عليه‌السلام ، ورأى أيضا شبيه هذه الرؤيا صبيحة يوم عاشوراء.

وفي المدينة حينما رأى الحسين جدّه في المنام قال له : «يا حسين اخرج فانّ الله تعالى شاء ان يراك قتيلا» (٢). ولما سأله محمد بن الحنفية : لما ذا تصطحب معك العيال والأطفال؟ قال الحسين عليه‌السلام : «قد شاء الله أن يراهن سبايا» ، كما وانه رأى جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له في المنام : «ان لك في الجنّة درجة لا تنالها إلّا بالشهادة» (٣).

الرهيمة :

اسم موضع قبل الكوفة فيه عين ماء ، نزل فيه الإمام الحسين ، والتقى هناك برجل من أهل الكوفة ، وتحدّثا عن أوضاع الكوفة (٤).

الري :

ارض واسعة تقع عند جبل البرز (جنوب شرق طهران) تمتد حتّى السهول ،

__________________

(١) عوالم الإمام الحسين : ١٧٧.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم : ١٩٥ ، نقلا عن بحار الأنوار ١ : ١٨٤.

(٣) أمالي الصدوق : ١٣٠.

(٤) مقتل الحسين للمقرم : ٢١٨ ، (نقلا عن معجم البلدان).

٢٠٥

وهي ارض زراعية ، كانت في القديم بمثابة حلقة وصل بين شرق ايران وغربها (١). في العهد الأموي كان ولاة هذه المنطقة وأغلب سكانها ممن يميلون إلى الامويين ، ويبغضون أهل البيت عليهم‌السلام ، ولعلّ هذا هو الدافع وراء بعض الروايات المنقولة عن الأئمّة عليهم‌السلام في ذمّ الري ، وكان عمر بن سعد قد وعد بملك ولاية الري لقاء مقاتلة الإمام الحسين عليه‌السلام ، وقد دفعته نزوة ملك هذه البلاد وخيراتها الوفيرة والانتفاع من ثرواتها الجمّة إلى قتل الحسين عليه‌السلام ، ويقع فيها حاليا قبر السيد عبد العظيم الحسني.

__________________

(١) دائرة المعارف الاسلامية ١٠ : ٢٨٥.

٢٠٦

ز

زائدة بن مهاجر :

من شهداء كربلاء. كان شيخا كبيرا ومن وجهاء الكوفة. يعود نسبه الى قبيلة «يزيد بن زياد بن مهاجر» نفسه (١).

زاهر (مولى عمرو بن الحمق):

من شهداء كربلاء. كان شيخا كبيرا ومن وجهاء الكوفة. يعود نسبه قبيلة كندة ، وهو مولى عمرو بن الحمق الخزاعي من خاصة اصحاب أمير المؤمنين. وشارك إلى جانب عمرو بن الحمق (الذي قتله معاوية) في جميع نشاطاته السياسية ، واصبح مطاردا من قبل معاوية. وجاء في عام ٦٠ للهجرة إلى مكّة وانضمّ إلى قافلة الحسين ، واستشهد يوم عاشوراء في الحملة الاولى (٢) ، ورد اسمه في زيارة الناحية المقدسة.

زبالة :

اسم لأحد المنازل على الطريق بين مكّة والكوفة ، نزل فيه الحسين عليه‌السلام. وزبالة معناه الموضع الذي يجتمع فيه الماء ، والموضع المليء بالماء. كانت زبالة قرية عامرة تسكنها بطون من بني أسد. وفيه سمع الإمام الحسين بخبر شهادة عبد الله بن يقطر مبعوثه إلى أهل الكوفة وإلى مسلم بن عقيل ، وقد استشهد بالتزامن

__________________

(١) انصار الحسين : ١٠٠ و ٧٣.

٢٠٧

مع شهادة مسلم وهانئ.

كان في هذا المنزل مسجد وقلعة بناها بنو اسد ، واشتهر الموضع باسم زبالة بنت مسعر (١) ، وفيه أيضا بلغ الحسين عليه‌السلام خبر شهادة قيس بن مسهر مبعوثه إلى الكوفة ، فأخبر بذلك الناس واذن لهم بالانصراف فتفرّقوا عنه يمينا وشمالا وبقي في اصحابه الذين جاءوا معه حسب ما ذكره بعض المؤرّخين.

وفي صبيحة اليوم التالي أمر أصحابه بحمل الماء ومتابعة المسير نحو الكوفة.

زرود :

اسم منزل على طريق الكوفة نزل فيه سيّد الشهداء. وزرود رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج من الكوفة. ولما كانت ارضها رملية فهي تبتلع مياه الامطار التي تهطل عليها ، ولهذا السبب سمّيت ب «زرود» أي البالوعة. وهو موضع مشهور تنزل فيه القوافل القادمة من بغداد ، وهو ملك لبني نهشل وبني اسد.

ولمّا نزل الحسين في زرود نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي ، فدعاه الإمام إلى نصرته والمسير معه ، فلبّى الدعوة ، والتحق بقافلة الحسين ، وقدّم معهم إلى كربلاء. وقتل فيها (٢).

وفي زرود اخبر بقتل مسلم بن عقيل ، وهانئ بن عروة ، اخبر بذلك رجلان قادمان من الكوفة يريدان الحج ، فبكى وترحّم عليهما ، وبكى بنو هاشم. وباتوا ليلتهم هناك ، وفي الصباح حملوا الماء وساروا إلى الثعلبية.

ـ زهير بن القين

زواج القاسم :

ان ما يطرح بشأن زواج القاسم ، واعداد وتزيين مكان لزواجه في كربلاء لا

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم : ٢١٣ ، الحسين في طريقه إلى الشهادة : ٨٧.

(٢) مقتل الحسين للمقرم : ٢٨ ، الحسين في طريقه إلى الشهادة : ٦٦ ـ ٧٢.

٢٠٨

حقيقة له ولا سند ، لكنه تسرّب إلى اذهان العامّة من مصادر ضعيفة ، فصاروا يتألمون ويبكون على اخفاق زواج فتى الإمام المجتبى عليه‌السلام ، ويعدّون في التشابيه والتعازي موضعا لقاسم العرّيس ، وهذا من جملة التحريفات التي تسرّبت إلى واقعة الطف. واما ما ورد في بعض المصادر فهو شيء اقل كثيرا من الزواج.

ـ تحريف وقائع عاشوراء ، القاسم بن الحسن

زهير بن بشر الخثعمي :

من شهداء الحملة الاولى في يوم الطفّ (١) ، ورد اسمه في زيارة الناحية المقدّسة.

زهير بن السائب :

من جملة شهداء كربلاء. ذكر ابن شهرآشوب في المناقب انّه استشهد في الحملة الاولى. كان هو وبنو عمومته من انصار أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد أبدوا في سوح القتال مواقف بطولية رائعة. يقال انّه قدم ليلة عاشوراء الى كربلاء. ولمّا رأى اصرار جيش الكوفة على مقاتلة الحسين ، اعتزل جيش ابن سعد ومال إلى معسكر الحسين ، واستشهد بين يديه (٢).

زهير بن سليم الأزدي :

من شهداء كربلاء ، ذكر ابن شهرآشوب في المناقب انه استشهد في الحملة الاولى ، كان مع أبناء عمومته من أنصار أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد ابدوا في سوح القتال مواقف بطولية رائعة ؛ ويقال انه قدم ليلة عاشوراء إلى كربلاء ، ولمّا رأى اصرار جيش الكوفة على مقاتلة الحسين عليه‌السلام ، اعتزل جيش ابن سعد ومال إلى معسكر الحسين واستشهد بين يديه (٣).

__________________

(١) أعيان الشيعة ٧ : ٧٠.

(٢) أعيان الشيعة ٧ : ٧٠.

(٣) أعيان الشيعة ٧ : ٧٠.

٢٠٩

زهير بن سليمان :

وهو من شهداء كربلاء ، وقيل أيضا هو زهير بن سلمان. وجاء اسمه في الزيارة الرجبية (١).

زهير بن القين البجلي :

من وجهاء الكوفة ، وكان له يوم عاشوراء شرف القتال إلى جانب الحسين بن علي عليه‌السلام. وقد أبدى شجاعة منقطعة النظير في سوح الوغى. كان في بداية امره مؤيّدا لانصار عثمان. إلّا انّ حسن حظّه جعل له حسن العاقبة ليكون من شهداء كربلاء الأجلّاء.

في عام ٦٠ للهجرة ، وتزامنا مع حركة الإمام باتّجاه الكوفة ، كان هو عائدا من الحج. ولم يكن يرغب في مقابلة الحسين إلّا انّه اضطر إلى النزول هو والإمام الحسين في منزل واحد. فارسل إليه الإمام رجلا يدعوه إليه ، وكان متردّدا في الذهاب إلّا انّ امرأته حثّته على الذهاب إليه. فتحدث معه الإمام واثّر كلامه فيه تأثيرا بليغا فتحول فجأة من عثماني الرأي إلى حسيني المعتقد. فانضم إلى قافلة الحسين بعد أن أرسل امرأته إلى قبيلتها (٢).

ولمّا اغلق جيش الحرّ الطريق على الإمام ، استأذن زهير الإمام الحسين وتكلّم معهم ، ثم عرض على الإمام مقاتلتهم إلّا انّه لم يوافق على رأيه (٣).

وتحدث في يوم عاشوراء معلنا عن موقفه القاطع في مناصرة الحسين ، واستعداده للبذل في سبيله وقال : لو اقتل ألف مرّة ما تركت نصرة ابن رسول الله.

وفي يوم العاشر من محرّم جعله الحسين عند تعبئة عسكره على الميمنة. وزهير أول من خطب بالقوم بعد الحسين ، وهو يحمل سلاحه ، وابلغ لهم في

__________________

(١) انصار الحسين : ١٠٠.

(٢) بحار الانوار ٤٤ : ٣٧١.

(٣) اعيان الشيعة ٧ : ٧١.

٢١٠

النصح ، فرماه الشمر بسهم ، وجرى حوار بينه وبين الشمر (١).

وفي ظهيرة يوم العاشر وقف هو وسعيد بن عبد الله يقيان الإمام من السهام حتّى ينهي صلاته. وبرز بعدها إلى القتال ، وقاتل قتال الأبطال وكان حينها يرتجز قائلا :

انا زهير وانا ابن القين

اذودكم بالسيف عن حسين

انّ حسينا أحد السبطين

من عترة البرّ التقي الزين

ذاك رسول الله غير المين

اضربكم ولا ارى من شين

يا ليت نفسي قسمت قسمين (٢)

ودافع عن الحسين ـ كما قال ـ حتى قتل ، ووقف الحسين عند رأسه ودعا له ولعن قاتليه.

الزيارة :

وتعني الحضور عند تربة أحد الأئمة أو أبناء الأئمة أو الشهداء ، والذهاب إلى المشاهد الشريفة ، والعتبات المقدّسة. انّ زيارة النبي والأئمّة في حال حياتهم لها فضل وتأثير كبير ، أمّا بعد مماتهم أو استشهادهم وفيها بناء للذات وثواب كثير.

وردت تأكيدات كثيرة على زيارة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والزهراء عليها‌السلام ، والأئمّة المعصومين ، وشهداء آل محمد ، والعلماء والصالحين. قال الإمام الصادق : «من زارنا في مماتنا كأنما زارنا في حياتنا» (٣).

زيارة الأئمّة تعبير عن اجلال مكانتهم ، والسير في طريقهم والانقياد لمواقفهم ، ومواصلة خطّهم ، وتجديدا للعهد معهم ، ووفاء لولايتهم ، واحياء لذكرهم ولتعاليمهم. قال الإمام الرضا عليه‌السلام : «انّ لكلّ إمام عهدا في عنق أوليائه

__________________

(١) انصار الحسين : ٣٧.

(٢) اعيان الشيعة ٧ : ٧٢.

(٣) بحار الانوار ٩٧ : ١٢٤.

٢١١

وشيعته ، وانّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الاداء زيارة قبورهم ...» (١).

ومثل هذه الزيارات اضافة إلى ما تتركه من تأثيرات تربوية ونفسية على الزائر نفسه ، ودليل على معرفته لأولياء الله وهداة الدين ، فإن لها تأثير كبير في إحياء أمر الأئمة ونشر العقيدة الانسانية والتربوية لتلك الشخصيات المثالية في المجتمعات البشرية ، والالتفاف حول خطّ القيادة والولاية ، وخاصة في الاوقات التي يسعى فيها حكّام الجور والاستبداد والانحراف لمحو آثار الأئمة وذكرهم ، فهنا تكون الزيارة بمثابة عمل ثوري وايجابي ، ونوعا من المواجهة مع السلطات الجائرة.

اكّدت الكثير من الاحاديث على ان زيارة الأئمة في غربتهم ، وخاصة إذا اقترنت الزيارة بالخوف والخطر ، لها ثواب اكثر ، وإذا كان طريق الزائر بعيدا وتتخلّله صعوبات ومشاق فانّه يحصل على أجر اكبر (٢).

ان لزيارة بيت الله ، والمرقد النبوي الشريف ، وقبور المؤمنين والصالحين فضائل كثيرة. وزيارة اتباع الحقّ لمثل هذه الاماكن المقدّسة ترسّخ ايمان الزائر وتشعره بنوع من الارتباط والتواصل معهم ، وتلهمه مفاهيم الدعوة الى الخير ، والدفاع عن الحقّ ، والشهادة في سبيل الله.

والزيارة في حقيقتها وسيلة من وسائل التقرّب إلى الله عزوجل.

تدخل الزيارة في نطاق سلطان القلب ووادي الشوق والمحبّة ، وتعبّر عن شعور رفيع ، وترجمان لمحبّة قبيلة. والحضور إلى جانب اولياء الله ومراقدهم تزوّد بكيمياء «النظر». الزيارة معناها الاستلهام من تلك القدوات وتعظيما للشعائر ، وتقديرا للتضحيات ، وتكريما لمعاني الاخلاص. والزائر إنمّا يقف امام الفضائل

__________________

(١) بحار الانوار ٩٧ : ١١٦ ، وسائل الشيعة ١٠ : ٣٤٦.

(٢) راجع في هذا المجال : بحار الانوار ٩٧ ـ ٩٩ ، من لا يحضره الفقيه ٢ ، كامل الزيارات ، عيون اخبار الرضا ، المزار للشيخ المفيد ، الغدير ٥ ، وسائل الشيعة ١٠ ، ميزان الحكمة ٤ ، مصباح الزائر ، مصباح المتهجّد وغيرها.

٢١٢

بكامل وجودها ليزن نفسه فيها ، ويعرف قيمته في مقياسها ، ليكون قادرا على سد نواقصه ، فالزائر ضيف على المائدة المعنوية لاولياء الله ، والزيارة تجديد لعهد وميثاق الولاء للقيادة. وهي سفر في قافلة الدموع على محمل الشوق ، وركوبا فوق موج العرفان ، وبراق المحبّة.

ـ زيارة كربلاء ، العتبات المقدسة ، آداب الزيارة ، الحرم الحسيني

زيارة الأربعين :

الأربعين ، هي ذكرى مرور اربعين يوما على استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام الذي ضحى بنفسه وبانصاره في سبيل الدين. وتكريم ذكرى الشهيد واقامة اربعينه ، إنمّا هو احياء لاسمه ولمنهجه وطريقه. واحدى طرق التكريم واحياء الذكرى هي زيارة الإمام الحسين في اليوم الاربعين لاستشهاده والتي تصادف يوم العشرين من شهر صفر ولها فضيلة كبيرة.

قال الإمام الحسن العسكري : «علامات المؤمن خمس : صلاة احدى وخمسين ، وزيارة الاربعين ...» (١). وزيارة الاربعين التي يستحب قراءتها في هذا اليوم ـ اي يوم الاربعين ـ تبدأ كما يلي : «السلام على ولي الله وحبيبه ...» وهذا النص منقول عن صفوان الجمّال عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

الزيارة الاخرى هي التي قرأها جابر بن عبد الله الأنصاري في مثل هذا اليوم والتي تقرأ في زيارة الإمام في منتصف شهر رجب ، تبدأ بما يلي : «السلام عليكم يا آل الله ...» (٢).

ذكر المؤرّخون ان جابر بن عبد الله الانصاري ، وعطيّة العوفي وصلا الى قبر الإمام الحسين عليه‌السلام في الأربعين الاولى من بعد مقتله وزارا ضريحه الشريف ، بعد ان اغتسل جابر بماء الفرات ـ وكان قد ذهب بصره ـ وتطيّب وسار نحو القبر

__________________

(١) بحار الانوار ٩٨ : ٣٢٩ (طبعة بيروت) ، المزار للشيخ المفيد : ٥٣.

(٢) مفاتيح الجنان : زيارة الاربعين.

٢١٣

بخطوات قصيرة حتّى وقف عليه ووضع يده عليه بمساعدة عطية ، فأغمي عليه ، ولمّا أفاق صاح ثلاث مرّات : يا حسين ، ثم قال : «حبيب لا يجيب حبيبه ...» وقرأ الزيارة ، والتفت بعدها إلى سائر الشهداء وزارهم أيضا (١).

ـ الاربعين ، جابر وعطيّة

الزيارة الرجبية :

وهي زيارة تؤدى بكيفية خاصّة يخاطب بها الحسين عليه‌السلام وشهداء كربلاء ، وتقرأ في أول شهر رجب وفي منتصف شهر شعبان ، ونصّها موجود في كتب الدعاء والزيارة (٢).

وجاء في نص هذه الزيارة خطاب لشهداء كربلاء مع ذكر اسمائهم وتتضمن ٧٥ اسما. وورد اصل هذه الزيارة في كتاب «الاقبال» للسيّد ابن طاوس ، ولها مع زيارة الناحية المقدّسة التي ورد فيها أيضا أسماء شهداء كربلاء اوجه تشابه مع اختلاف في الأسماء. وجاء في ختامها أسماء وصفات في وصف أصحاب الحسين عليه‌السلام من قبيل : الربّانيّون ، أصفياء الله وخاصته ، شهداء طريق الدعوة إلى الحق. الأنصار الأوفياء ، باذلي المهج دون الحسين ، السعداء ، ذوي الشرف في الآخرة.

تعتبر هذه الزيارة ، إلى جانب زيارة الناحية المقدّسة من المصادر التي يعوّل عليها في معرفة اولئك الانصار الشهداء (٣).

ـ كتاب الزيارة ، زيارة الناحية المقدسة

زيارة عاشوراء :

من جملة الاوقات المناسبة جدا لزيارة الإمام الحسين عليه‌السلام ، ولها

__________________

(١) منتهى الآمال ١ ، أحداث الاربعين ، نفس المهموم : ٣٢٢ ، بحار الانوار ٩٨ : ٣٢٨.

(٢) بحار الانوار ٩٨ : ٣٣٦ ، مفاتيح الجنان : ٤٣٨.

(٣) وردت في كتاب «انصار الحسين» لمحمد مهدي شمس الدين دراسة تحليلة ومقارنة بين هذين النصّين ومدى دقّة كل منهما.

٢١٤

فضيلة كبيرة ، هي زيارته في يوم العاشر من المحرّم ، سواء بالحضور عند قبره في كربلاء ، أم قراءة الزيارة عن بعد. قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «من زار الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء وجبت له الجنّة» (١). وجاء في حديث آخر عن زيارة ذلك اليوم : «من زار قبر الحسين يوم عاشوراء كان كمن تشحّط بدمه بين يديه» (٢).

اشتهرت الزيارة التي أمر الأئمة عليهم‌السلام بقراءتها يوم عاشوراء ب «زيارة عاشوراء» ولقراءتها في كل وقت وفي كل يوم آثار وبركات كبيرة. وهذه الزيارة علّمها الامام الباقر عليه‌السلام لعلقمة بن محمد الحضرمي ، ومتى ما شاء الزائر يشير إلى جهة كربلاء ويزور الإمام عن بعد ، بعد ان يصلي ركعتين ، ويقرأ في الزيارة : «السلام عليك يا ابا عبد الله ، السلام عليك يا ابن رسول الله ...» إلى آخر الزيارة ، ونصّها موجود في كتب الزيارة. وهذه الزيارة تجديد للعهد يوميا لشيعة الحسين مع مولاهم وهي مشفوعة بالتولي والتبرّي ، وتحدد الخط الفكري والسياسي للزائر في مقابل اتباع وأعداء الإسلام وأهل البيت. واعلان للتضامن والصلح والسلام مع انصار طريق الحسين ، واعلان للحرب والجهاد ضد أعداء الحق.

زيارة عاشوراء هي ولاية الدم وبراءة السيف ، والمناصرة في الساحة لكي تنتهي المحبة الداخلية إلى جهاد خارجي ، وتتحول البراءة القلبية الى كراهية علنية ، وهي اعلان للولاء والبراءة تجاه تياري الحقّ والباطل في كل زمان ومكان.

ـ الزيارة

زيارة كربلاء :

انّ أفضل وأقدس الزيارات في العقيدة الاسلامية والروايات الواردة هي زيارة مرقد سيّد الشهداء في كربلاء ، ولم ترد مثل هذه التأكيدات والتوصيات بشأن

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٧٤ ، المزار للشيخ المفيد : ٥٢.

(٢) كامل الزيارات : ١٧٤.

٢١٥

زيارة اي إمام ولا حتى زيارة قبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله. وجاء في بعض الاحاديث انّ زيارة الإمام الحسين عليه‌السلام أفضل وأرجح حتّى من زيارة الكعبة ، وان لها من الاجر والثواب ما يعادل عشرات ومئات الحجج والعمرات. ويتبيّن من لحن الروايات وكأنّها تريد الايحاء إلى انها في حدّ «الفريضة» على الشيعة ، وتحبّذ عدم تركها لأي سبب أو خطر أو مانع ، وترى في تركها جفاء له.

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام انّه قال : «زيارة الحسين بن علي واجبة على كلّ من يقرّ للحسين بالامامة من الله عزوجل» (١). انّ ثمّة تلازم بين الاعتقاد بالامامة وزيارة الإمام في (حال حياته أو بعد مماته). وقد أولت الروايات لهذه المسألة أهمية خاصة. انّ الزيارة اذا اقترنت بالخوف فانّ لها قيمة وأجرا كبير. وهذا يعكس التأثير الاجتماعي للزيارة ، ويظهر مدى ولاء وتضحية الزائر.

قال الإمام الصادق عليه‌السلام لابن بكير الذي كان يتحدث عن مدى ما لقيه من خوف وهلع في الطريق إلى زيارة أبي عبد الله عليه‌السلام : ألا تحب ان يراك الله فينا خائفا (٢)؟ وقال الإمام الباقر عليه‌السلام في جوابه لزرارة حين سأله عن زيارة الحسين عليه‌السلام على خوف : ان الله يكتب له الامان يوم القيامة (٣).

وقال جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام لمحمد بن مسلم الذي كان يذهب لزيارة الحسين عليه‌السلام وهو خائف : «ما كان من هذا اشد فالثواب فيه على قدر الخوف ومن خاف في اتيانه آمن الله روعته يوم يقوم الناس لرب العالمين ...» (٤).

وجاء عن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث طويل أشار فيه إلى ثواب

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٠ : ٣٤٦ ، أمالي الصدوق : ١٢٣ ، جاء في «المزار» للشيخ المفيد عن الإمام الباقر عليه‌السلام انّه قال : «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين بن علي ، فان اتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ للحسين عليه‌السلام بالامامة من الله عزوجل.

(٢) وسائل الشيعة ١٠ : ٣٤٥ ، بحار الانوار ٩٨ : ١١.

(٣) كامل الزيارات : ١٢٥ ، وسائل الشيعة ١٠ : ٣٥٦.

(٤) كامل الزيارات : ١٢٧ ، وسائل الشيعة ١٠ : ٣٥٧ ، بحار الانوار ٩٨ : ١١.

٢١٦

ذلك بالقول : «من زاره فاصابه ظلم سلطان وقتل هناك ، تمحى ذنوبه مع أول قطره تسيل من دمه ، ومن زاره فسجن في سبيله فله في كل يوم سجن فيه يوم من الفرح في القيامة ، ومن زاره فضرب هناك فله في مقابل كل ضربة حورية في الجنّة. وله لقاء كل اذى يصيبه في بدنه ، حسنة» (١) ، وقال أيضا : «من أتى قبر الحسين عارفا بحقّه غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخّر» (٢).

نعم ، انّ الوصول إلى كربلاء يتطلب ارادة حديدية وقلبا شجاعا ، ومحبّة جارفة ، ولا بد ان يكون زاد المرء في هذا السفر ، الصبر واليقين ، وردائه التوكّل ، وسلاحه الايمان ، ومركبه الروح حتّى يبلغ الغاية المنشودة ؛ لأن طريق كربلاء يمر عبر فيافى المحبّة وميادين التضحية والمنعطفات المحفوفة بالمخاطر والمخاوف. ومن الطبيعي ان يكون ثواب زيارة كربلاء مثيرا للدهشة كأن يكون له ثواب المقاتل بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام العادل ، أو كثواب شهداء بدر ، أو كثواب الحج والعمرة لعدّة مرّات ، أو عتق ألف رقبة ، واعداد ألف فرس للمجاهدين في سبيل الله (٣).

لا شكّ ان مدى الاجر والثواب يتوقف على مدى معرفة الزائر ، وكيفية الزيارة ، والظروف الاجتماعية السائدة. فكربلاء رمز لمظلومية أهل البيت وائمة الشيعة من جهة ، وهي من جهة اخرى مظهر بارز لدفاع آل علي وعترة النبي عن الإسلام والقرآن. والتوجّه إلى مزار سيّد الشهداء إنمّا هو تكرار متواصل ودائم للحق ، واستذكار للمظلومية. فاذا كتب للكعبة والحج والصلاة والجهاد ان تبقى ، فبقاؤها بفضل شهيد عاشوراء الذي أحيا الدين. والإسلام مدين لثار الله إلى الابد. ومن هنا أيضا ينبثق بغض اعداء الإسلام للحسين ولمرقد الحسين. فقد كانت

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٢٤ (مع التلخيص).

(٢) أمالي الصدوق : ١٩٧.

(٣) وردت احاديثه في مصادر من قبيل : كامل الزيارات وسائل الشيعة ، بحار الانوار ... الخ.

٢١٧

زيارته على الدوام مقرونة بالمصاعب والموانع والخوف. إلّا ان شوق زيارة كربلاء ينمو منذ البداية في قلوب الشيعة الداعين إلى الحقّ والاحرار المنادين بالفضيلة.

وكانوا محبّو سيّد الشهداء على استعداد لبذل النفس والمال وتقديم الأيدي والأرجل ، وبقي طريق كربلاء المغلق حسرة على الدوام في نفوس الشيعة ، سواء في عصر الامويين والعباسيين أم في عهد الحكومة البعثية في التاريخ المعاصر ، وظل امل فتح طريق كربلاء مشعلا ينير قلوب عشاق الحسين ، وتحملوا مرارة الهجران في سبيل هذا الامل. فزائر الحسين عاشق متفان ، وزيارة كربلاء عبادة ربّانية وملكوتية.

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «إذا اردت الحسين فزره وأنت حزين مكروب شعثا غبرا جائعا عطشانا» (١).

وورد في حديث آخر تكملة لهذا الحديث وهي : لأن الحسين عليه‌السلام مات على هذا الحال (٢).

ـ آداب الزيارة ، الزيارة مشيا ، الحرم الحسيني ، هدم قبر الإمام الحسين

الزيارة مشيا :

المحبة هي التي تجذب الزائر للمسير إلى مرقد الحسين عليه‌السلام مشيا على الاقدام ، وتجعله يشتري الخوف والخطر ومشقّة الطريق بنفسه ، فزيارة سيّد الشهداء لها ثواب جزيل. وقد اكد عليها الائمة. قال الصادق عليه‌السلام : «من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي عليه‌السلام ان كان ماشيا كتبت له بكل خطوة حسنة ومحا عنه سيّئة ...» (٣).

كان أحد الشيعة يزور الحسين في كلّ شهر وبشكل مستمر ، ولكن العجز

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٠ : ٤١٤.

(٢) بحار الانوار ٩٨ : ١٤٢.

(٣) بحار الانوار ٩٨ : ٢٨ ، المزار للشيخ المفيد : ٣٠.

٢١٨

والشيخوخة منعته مرّة عن الذهاب ، ولمّا وصل في المرة اللاحقة بعد عدّة أيّام من المسير على الأرجل وسلّم وصلى صلاة الزيارة رأى في المنام ان الحسين يقول له : لم جفوتني وكنت لي برّا؟ وهذا يعكس مدى الأهمية التي يوليها الأئمة للزائر مشيا.

قال معاوية بن وهب ، وهو من اصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام : أتيت الإمام الصادق جعفر بن محمد وهو في مصلّاه فجلست حتّى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربّه ويقول : «اغفر لزوّار قبر أبي الحسين بن علي صلوات الله عليهما ، الذين انفقوا اموالهم واشخصوا ابدانهم ... فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس ، وارحم تلك الخدود التي تقلّبت على قبر أبي عبد الله ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا. اللهمّ انّي استودعك تلك الأنفس ، وتلك الأبدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش».

وهذه السنّة ، سنّة الزيارة مشيا على الأقدام ، كانت منذ زمن الأئمة ولا زالت إلى يومنا هذا ، ونقل انّ لها ثوابا لا يحصى. قال فاضل الدربندى : «انّ الزيارة مشيا اما ان تكون عن فقر الزائر فهي دليل على عمق الشوق والمحبّة ، واما ان الزائر يرى صغر نفسه أمام شمس العصمة والشهادة ، ويتحمّل في سبيله ألم ومتاعب السفر ماشيا ، وكلاهما امر جليل» (١).

وفي العراق هنالك تقليد شائع منذ سنوات متمادية وهى ان الهيئات والمجاميع والقوافل ، صغيرة وكبيرة ، تنطلق في ايام خاصّة من البصرة وبغداد ، ومن النجف على وجه الخصوص متوجهة إلى كربلاء سيرا على الأقدام ، ولا سيّما في ايام الزيارة الخاصّة كزيارة النصف من شعبان ، والاول من رجب ، وايام عشرة محرّم والاربعين حيث تكون اكثر ابهة ورونقا ، ويختار اغلب الناس المسير بمحاذاة نهر الفرات الذي تكون فيه المسافة من النجف إلى كربلاء ١٨ فرسخا ، وتستغرق عدّة أيام ، وكان يشارك في هذه القوافل السائرة مشيا إلى الزيارة علماء كبار من

__________________

(١) أسرار الشهادة لفاضل الدربندي : ١٣٦. (الطبعة الحجرية).

٢١٩

امثال الميرزا النائيني ، وآية الله الكمباني ، والسيد محسن الامين ، والكثير من العلماء المعاصرين ، وتجري في هذه الشعائر عادة نشاطات اعلامية ولقاءات مع القبائل ، وتطرح فيها شعارات ، وتقرا فيها المراثي.

وفي عهد الحكومة البعثية اتّخذت هذه المسيرات المهيبة ، ولا سيّما بعد ان اخذت تسلك طريقا آخر غير الطريق المعروف بين النجف وكربلاء إلى جانب نهر الفرات ، اتخذت طابع المعارضة للنظام العراقي. ووقعت في إحدى المسيرات في أيّام أربعين الحسين عام ١٣٩٧ ه‍ صدامات عنيفة بين القوات البعثية والمجاهدين الشيعة وقوافل الزيارة على طول الطريق وفي حرم أبي عبد الله عليه‌السلام ، وسقط فيها الكثير من القتلى والجرحى (١) ، وصارت تعرف ب «الاربعين الدامية».

ـ زيارة كربلاء ، آداب الزيارة

زيارة الناحية المقدّسة :

وهي نص في الزيارة تنسب إلى الإمام المنتظر عليه‌السلام ، ونقلها الشيخ الطوسي بإسناده ؛ وهي ان هذه الرواية نقلت في عام ٢٥٢ للهجرة من الناحية المقدّسة لإمام الزمان بيد الشيخ محمد بن غالب الأصفهانى ، وفي نصّ الزيارة خطاب لأبي عبد الله عليه‌السلام ولشهداء كربلاء ووردت فيها اسماؤهم فردا فردا مع ذكر أوصاف وخصائص كل واحد منهم على الغالب ، ووردت فيها حتّى أسماء قاتليهم ، وتبدأ الزيارة بالمقطع التالي : «السلام عليك يا أول قتيل من نسل خير سليل ...». وجاءت في هذه الزيارة اشارة إلى بعض الحوادث التي وقعت بعد استشهاد الإمام الحسين ، وعن أوضاع كربلاء وأهل البيت وذو الجناح وحيرة أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في صحراء كربلاء (٢).

__________________

(١) راجع الشرح المفصل للحادثة في كتاب «انتفاضة صفر الاسلامية» للسيد رعد الموسوي.

(٢) لدراسة سند هذه الزيارة ومدى صحّتها راجع كتاب «انصار الحسين» : ١٤٦ ـ ١٦٢ ، ونص هذه الزيارة موجود في بحار الانوار : ٤٥ : ٦٥.

٢٢٠