موسوعة عاشوراء

جواد محدثي

موسوعة عاشوراء

المؤلف:

جواد محدثي


المترجم: خليل زامل العصامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الرسول الأكرم (ص)
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

ومن هنا تنبثق قداسة دماء الشهداء لأنّهم يتعاملون مع الله ، ومن حقّهم أن يغفر لهم مع أول قطرة تراق من دمهم : «أول ما يهراق منه دم الشهيد يغفر ذنبه كلّه إلّا الدين» (١).

فقطرة الدم التي تراق في سبيل الله ، وقطرة الدمع التي تسكب من خشية الله هي أحبّ القطرات إلى الله. «ما من قطرة أحبّ إلى الله عزوجل من قطرتين : قطرة دم في سبيل الله ، وقطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها عبد إلّا الله» (٢).

وردت في الزيارات والروايات تعابير من هذا القبيل بشأن أبي عبد الله عليه‌السلام وأنصاره مثل : يا من بذلتم أنفسكم وأرواحكم ودماءكم في سبيل الله. وكلّ شعب يتحلّى بمثل هذه الروحية يبلغ مراقي العزّة. أمّا الذي يتهرّب من التضحية وبذل النفس فنصيبه الذلّة.

الدم العبيط :

ورد في الروايات ظهور آيات عجيبة في الأرض والسماء بعد مقتل الإمام الحسين عليه‌السلام في عصر يوم العاشر من المحرّم ، بقي بعضها قائما مدّة من الزمن ، ومن جملة تلك الدلائل والآيات هو الدم العبيط ، حيث ورد في الروايات انّه حصل في بيت المقدس انّهم لم يرفعوا حجرا ولا مدرا إلّا ووجدوا تحته دما عبيطا وامطرت السماء ثلاثة ايام دما (٣) ، ان مطر السماء دما ، اضافة إلى انبعاث الدم من الصخور هو بمثابة رثاء الأرض والسماء لاستشهاد أبي عبد الله.

نقل عن أبي سعيد قوله في الدم العبيط : «ما رفع حجر من الدنيا إلّا وتحته دم عبيط ولقد مطرت السماء دما بقي أثره في الثياب مدّة حتّى تقطّعت» (٤).

__________________

(١) ميزان الحكمة ٥ : ١٩٢.

(٢) نفس المصدر السابق : ١٨٧.

(٣) بحار الانوار ٤٥ : ٢٠٤ ، واثبات الهداة للحر العاملي ٥ : ١٨٠ ، وأمالي الصدوق : ١٤٢.

(٤) احقاق الحق ١١ : ٤٦٢ و ٤٨٢.

١٨١

وجاء بشأن رؤيا أمّ سلمة بأنها رأت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام ، وقال لها : انظري في القارورة التي عندك وفيها التراث ، إذا صار ترابها دما عبيطا فاعلمي انّ الحسين قد قتل.

ـ الشفق الاحمر ، رؤيا أمّ سلمة

دمشق :

أكبر مدينة سورية ، كانت لها مكانة تاريخية وثقافية عريقة ، فتحها المسلمون عام ١٣ للهجرة ، وحكمها معاوية مدّة ٣١ سنة. وفيها الجامع الأموي ، وهو من أكبر المساجد عند المسلمين (١). وفي هذه المدينة أخذوا سبايا أهل البيت إلى يزيد ، وفيها أيضا قبر رقيّة بنت الإمام الحسين ، وفي العصور الاسلامية الاولى كان أهلها يبغضون عليّا عليه‌السلام وأهل بيته بسبب تأثير الدعاية الأموية البغضية ، وأبرز مثال على ذلك هو سلوك أهالي الشام مع سبايا آل البيت.

ـ رقية ، خربة الشام ، الزينبية ، الشام

الدموع ـ البكاء :

الدور :

وهو الواجب أو البرنامج الذي يؤديه كلّ واحد من الأشخاص المشاركين في العزاء أو المسرح أو الفلم أو الشبيه ، فيقوم احدهم مثلا بدور الإمام الحسين وآخر بدور الشمر ، وآخر بدور عمر بن سعد ، وآخر بدور الحر ، وما شابه ذلك.

ـ العزاء

دور العدو :

وهو الدور الذي يؤدّيه بعض الأشخاص في التشابيه أو التعازي بصفة المعادي لأهل البيت ، من أمثال شمر ، وسنان ، وابن زياد ، ويطلق هذا الاسم في التشابيه على من يمثّل دور الشمر ، والحارث ، وابن سعد ، ويتحدّث باسلوب عنيف

__________________

(١) دائرة المعارف الاسلامية ٩ : ٢٤٦.

١٨٢

وبلهجة المتسلّط الظالم ، ويتكلّم على نمط خاصّ من الايقاع.

ـ التعزية ، الشبيه

دير الراهب (دير ترسا):

اسم لموضع في أرض الشام مرّ به سبايا أهل البيت ، وكانت رءوس الشهداء برفقة القافلة. وفي الطريق نزلوا في موضع يقال له «قنّسرين» وعنده دير يتعبد فيه راهب ، ولمّا وقع نظر الراهب وهو في صومعته على رأس الإمام الحسين عليه‌السلام رأى نورا يصعد منه إلى السماء. فاعطى لحامل الرأس عشرة آلاف درهم ليبقي عنده الرأس تلك الليلة. وفي تلك الليلة راى الراهب من ذلك الرأس عجائب وكرامات اسلم على اثرها (١). ويقع هذا الدير حاليّا على الطريق بين سوريا ولبنان ، فوق مرتفع يشرف على الطريق.

ديزج :

ابراهيم ديزج ، وهو الشخص الذي امره المتوكّل العبّاسي بتفريق الشيعة وانهاء تجمعهم حول قبر سيّد الشهداء عليه‌السلام ، وهدم القبر. وكان معه في تلك المهمّة ابراهيم المغربي ، واستخدموا لهذا الغرض عمّالا لكنهم لم يفلحوا في هدم القبر ، فجاءوا بالابقار لحراثة الموضع ، لكن الابقار أحجمت عن المسير فيه. ولمّا واجه هذان الرجلان كل هذه المواقف ، علما انها موجودة في الكتب (٢).

وكان ديزج يهوديا ، وأسلم ظاهريا ، وشارك شخصيا في هذا العمل وأخذ معولا بيده وبدأ بهدم القبر. ووقع هذا في عام ٢٣٦ ه‍ (٣).

__________________

(١) المناقب ٤ : ٦٠ ، بحار الانوار ٤٥ : ١٧٢ ، احقاق الحق ١١ : ٤٩٨ ، اثبات الهداة ٥ : ١٩٣.

(٢) المناقب ٤ : ٦٤ ، بحار الانوار ٤٥ : ٣٩٤.

(٣) تتمة المنتهى للمحدّث القمّي : ٢٣٩.

١٨٣
١٨٤

ذ

ذات عرق :

اسم لمنزل بين مكّة والعراق ، يبعد عن مكّة مسافة منزلين ، وهو ميقات إحرام القادمين من شرقي مكّة (١). وعرق اسم منزل على طريق مكة يدخل منه العراقيون إلى مكّة. وهو من المنازل التي مرّ بها سيّد الشهداء بعد وادي العقيق ، وتوقف فيه يوما أو يومين. ثم شد رحاله وواصل المسير. وفي هذا المنزل لقي الإمام بشر بن غالب وكان قادما من العراق ، وسأله عن وضع العراق. فقال له : القلوب معك والسيوف عليك. وسار الإمام إلى المنزل التالي وهو «غمرة» (٢). ومن هذا المنزل بعث كتابا إلى أهل الكوفة يخبرهم فيه بنبإ قدومه إليهم ، وأنفذه إليهم بواسطة قيس بن مسهر الصيداوي.

ـ المنزل

الذاكر :

من يتحدّث عن مصائب أهل البيت ويبكي السامعين ، سواء كان مدّاحا ، أم قارئا ، أمّ خطيبا.

«ذاكر أهل البيت» عنوان يبعث على الفخر لمن يذكر فضائل ومصائب أهل البيت ، ويفضح اعداء آل الرسول ويفشل محاولاتهم في أسدال ستار النسيان على

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم : ٢٠٤.

(٢) الحسين في طريقه إلى الشهادة : ٣١.

١٨٥

ظلمهم لاهل البيت.

كان الأئمّة يحثّون على ذكر الأئمّة وشهداء كربلاء ، وكانوا هم ممّن يذكر ويحيي واقعة كربلاء ومظلومية أهل بيت النبيّ ويبكون عليها. قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : «من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ، حرّم الله وجهه على النار» (١).

ـ المدح ، العزاء

الذبيح :

بعد استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام احتزّوا رأسه ، حيث وضعوا السيف على النحر الذي كان موضع تقبيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. لهذا اطلق عليه أيضا لقب «الذبيح».

ونقل عن زينب الكبرى انّها وصفته ب «محزور الرأس» ، وجاء في بعض كتب المقاتل انّ زينب احتضنت جسد أخيها عند الوداع وقبّلت نحره المذبوح ، مودعة ذلك الجسد المضرّج بالدماء (٢).

ـ رأس الإمام الحسين (ع)

ذكر الحسين عند شرب الماء :

لقد ترك استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام عطشانا لوعة في قلوب محبّيه جعلتها تذكر عطشه مع رؤية كلّ نهر أو عين ماء ومع تناول أي ماء أو شراب لذيذ ، لأن الماء يثير ذكريات عطش يوم الطفّ ومن استشهدوا فيه وهم عطاشى. قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «ما شربت ماء باردا إلّا وتذكرت عطش الحسين بن علي». وقال أيضا : «ما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله إلّا كتب له

__________________

(١) بحار الانوار ٤٤ : ٢٨٥.

(٢) معالي السبطين ٢ : ٥٥.

١٨٦

مائة ألف حسنة وحطّ عنه مائة ألف سيّئة» (١). ولهذا فانّ الشيعة يذكرون الحسين عليه‌السلام عند شرب الماء ويسلّمون عليه قائلين : «السلام على الشفاه الذابلات ، سلام الله على الحسين وأصحابه». ويكتبون على أماكن توزيع الماء في الصيف وعلى خزّانات الماء البارد في أيّام محرّم : اشرب الماء والعن يزيد» أو «اشرب الماء واذكر عطش الحسين» ونسب إليه عليه‌السلام انّه قال :

شيعتي ما ان شربتم عذب ماء فاذكروني

أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني (٢)

وظل الإمام السجاد عليه‌السلام لسنوات متمادية يذكر استشهاد ابيه وهو عطشان ويبكي ، وعند ما يأتونّه بالطعام أو تقع عينه على الماء يبكي ويقول : «قتل ابن رسول الله جائعا ، قتل ابن رسول الله عطشانا» (٣) ، وكلّما رأى قصابا يريد ان يذبح شاة يقول له : اسقه ، لقد ذبح أبي عطشانا.

وهذا الذكر المتواصل لاستشهاد الحسين مظلوما وعطشانا ، إنمّا هو إحياء لذكرى ذلك اليوم الاليم.

ـ السلام على الحسين ، اللعنة على يزيد

ذكر المصيبة :

سنّة لاحياء ذكر الأئمّة ، والابقاء على واقعة عاشوراء ماثلة في الأذهان. وهذا الذكر سواء جاء كمقطع في ختام الحديث والموعظة ، أو بشكل مستقل ، فهو يشرح احداث كربلاء وكيفية استشهاد الإمام الحسين وانصاره وسائر الأئمّة ، بشكل يثير الألم والأسى ، ويوجب البكاء على سيّد الشهداء. وتنقل الحوادث التي تروى من كتب المقاتل ، ولا بدّ أن يعوّل هذا النقل على المصادر المعتبرة والأشعار

__________________

(١) أمالي الصدوق : ١٢٢.

(٢) الخصائص الحسينية للشوشتري : ٩٩.

(٣) اللهوف : ٢٠٩.

١٨٧

الصحيحة لكي لا تكون فيه اساءة لمقام المعصومين ومنزلة أهل بيت العصمة.

بقي الإمام السجاد عليه‌السلام يبكي عشرين سنة لذكر مصيبة عاشوراء ويقول : «إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني لذلك عبرة» (١) ، بمعنى انّ ذكر تلك الواقعة ، والحديث عن تلك المظلوميّة يكفي لابكاء المستعين ولا حاجة لخلط الذكر بالأكاذيب والروايات التي لا أساس لها من الصحّة.

انّ ذكر المصيبة يؤدّي إلى تكريس مفهوم ثورة الحسين ، وإلى توطيد الصلة القلبية والعاطفية للشيعة مع سيّد الشهداء. ويفشل مخطط الأعداء في محو آثار جريمتهم ، وينشأ عنها مجتمع يناصر أهل البيت ويخاصم الظالمين (٢) ومن الطبيعي ان يكون الخطباء والقرّاء أهلا لهذا الموقع الحساس ، يبدون الدقّة الكافية في محتوى المراثي التي يلقونها ويلتزمون بنصائح الأكابر بشأن هذه المهمّة.

ـ المقتل ، البكاء ، آداب الوعظ والمنبر ، الذاكر

ذكرى يحيى :

ثمّة أوجه شبه بين شهادة الإمام الحسين عليه‌السلام وشهادة بعض الأنبياء ، ومن جملة ذلك الشبه بين مقتله ومقتل النبي يحيى بن زكريا ، فرأس يحيى قد وضع في طشت من الذهب وارسل إلى امرأة بغي (٣) ، وكذلك رأس الإمام الحسين عليه‌السلام ارسل بعد مقتله إلى ابن زياد وإلى يزيد بطشت من ذهب.

وقد انتقم الله لدم يحيى ان سلط على اولئك القوم «نبوخذنصر» فقتل منهم سبعين ألفا (٤) ، وأوحى الله تعالى إلى النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : انني قتلت في مقابل قتل يحيى سبعين الفا ، وسأقتل لقاء قتل ابن بنتك ضعف هذا

__________________

(١) بحار الانوار ٤٥ : ١٠٩.

(٢) بحار الانوار ٤٤ : ٢٧٨.

(٣) بحار الانوار ٤٥ : ٢٩٩.

(٤) نفس المصدر.

١٨٨

العدد (١). ومثلما وضعوا رأس يحيى في الطشت ، ذبحوا الحسين بن علي أيضا في كربلاء (٢) ، ولعلّ هذا التشابه هو الذي جعل الإمام الحسين يذكر يحيى بن زكريا في كلّ موضع يحلّ فيه أو يرحل عنه ، وقال في أحد الأيّام ، انّ من هوان الدنيا أن يهدى رأس النبي يحيى إلى بغي من بغايا بني اسرائيل (٣).

ـ رأس الإمام الحسين ، الثأر ، ثار الله ، كهيعص

ذو الجناح :

اسم فرس الإمام الحسين عليه‌السلام الذي ركبه يوم عاشوراء. سمّي بذي الجناح لسرعته. بعد سقوط الإمام الحسين على الارض صار هذا الفرس يذبّ عنه ويهجم على فرسان العدو وقتل جماعة منهم (٤) ، بقي الحسين على ظهر الفرس غاية جهده ، واستمرّ يحارب ويقاوم. لكنّه سقط آخر الأمر من على ظهر الجواد على ارض الطفوف.

بعد مقتل الإمام لطّخ الفرس ذؤابته بدمه ، وتوجّه نحو الخيام وهو يصهل ويضرب الأرض برجله ليخبر أهل البيت باستشهاده ، فعرفت النساء مقتل الإمام وعلا صراخهن (٥).

جاء في بعض الأخبار انّ فرس الإمام هام على وجهه بعد استشهاد الإمام وابتعد عن النساء وألقى بنفسه في ماء الفرات واختفى (٦).

ذكر هذا الفرس في زيارة الناحية المقدسة باسم «الجواد» : «فلما نظرن النساء إلى الجواد مخزيا والسرج عليه ملويّا خرجن من الخدور ناشرات الشعور ،

__________________

(١) عوالم الإمام الحسين : ٦٠٧.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٥٣.

(٣) عوالم الإمام الحسين : ٦٠٨ ، بحار الانوار ٤٥ : ٢٩٨.

(٤) المناقب لابن شهر اشوب ٤ : ٥٨.

(٥) بحار الانوار ٤٥ : ٦٠.

(٦) تذكرة الشهداء للملّا حبيب الله الكاشاني : ٣٥٣.

١٨٩

على الخدود لاطمات ، وللوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ...».

وجاء في رواية اخرى ان هذا الفرس كان يتمتم من بعد مقتل الحسين عليه‌السلام ويقول : «الظليمة الظليمة لأمّة قتلت ابن بنت نبيّها» (١).

ذو حسم :

اسم منزل بين مكّة والكوفة. فلمّا تراءات للإمام الحسين طليعة جيش الكوفة القادم لقتاله ، سار بقافلته صوب ذي حسم ، وحطّ رحاله فيه قبل وصول العدو. وفي هذا الموضع لقيه الحر وجيشه. فأمر الإمام ان يسقى الجيش والخيل بعد ما كانوا قد نالهم التعب والعطش طوال الطريق. ثمّ خطب بهم الحسين عليه‌السلام. وعند حلول الظهر نادوا الصلاة جماعة ، فصلّى الحسين وصلّى خلفة الحرّ وجيشه (٢).

__________________

(١) بحار الانوار ٤٤ : ٢٦٦.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم : ٢١٥.

١٩٠

ر

رائحة التفاح :

كان من الشعارات التي يتغنّى بها منادي قافلة زوّار الحسين هو : تأتي رائحة التفاح من ارض كربلاء. ومن المعروف أيضا ان الذين يتّجهون في الصباح الباكر لزيارة كربلاء يشمون عطر تفاح الجنّة. ولهذا الكلام جذور مستوحاة من الاحاديث ، فقد جاء في كتاب بحار الانوار :

ان الحسن والحسين دخلا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين يديه جبرائيل ، فجعلا يدوران حوله يشبّهانه بدحية الكلبي. فجعل جبرائيل يومي بيديه كالمتناول شيئا ، فاذا في يده تفاحة وسفرجلة ورمّانة فناولهما وتهللت وجوههما ، وسعيا إلى جدّهما فاخذها منهما فشمها ، ثم قال : صيرا امّكما بما معكما فصارا كما أمرهما ، فلم يأكلوا حتى صار النبي إليهم ، فاكلوا جميعا ، وكلما أكلوا منها عادت كما هي حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال الحسين : فلم يلحقه التغيير والنقصان ايّام فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى توفيت ، فلما توفيت فقدنا الرمان ، وبقي التفاح والسفرجل ايّام أبي ، فلما استشهد فقد السفرجل وبقي التفاح على هيئته بعد استشهاد الحسن عليه‌السلام بالسمّ ، وبقيت التفاحة إلى الوقت الذي منعت فيه من الماء فكنت اشمّها اذا عطشت فيسكن عطشي ، فلما اشتد علي العطش عضضتها وايقنت بالفناء.

قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : سمعته يقول ذلك قبل قتله بساعة ، فلما

١٩١

قضى نحبه وجد ريحها في مصرعه. فالتمست فلم ير لها اثر. فبقي ريحها بعد الحسين عليه‌السلام ولقد زرت قبره فوجدت ريحها يفوح من قبره. فمن اراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في اوقات السحر ، فانه يجده اذا كان مخلصا.

ـ التربة ، المسبحة الطينية

الرادود :

وهو الشخص الذي يقرأ القصائد والمراثي الحسينية في ايام العزاء على الأئمّة وفي مختلف مجالس العزاء ، وفي مواكب اللطم وضرب السلاسل ، وتكون القراءة عادة بلحن خاص.

ـ المدح ، خادم المنبر ، ذكر المصيبة

الراية :

علم ذو ألوان مختلفة ولا سيّما اللون الأسود للدلالة على جماعة أو هيئة خاصة. كانت الراية تستخدم فيما مضى على الأغلب في ميادين الحرب وللفرق والافواج العسكرية. ثم صارت كل جمعية تتّخذ لنفسها علما خاصا كعلامة مميزة لها. وفي عزاء أبي عبد الله عليه‌السلام للعلم الأسود دور مهم ، حيث يعلّق في أيّام شهر محرّم ومناسبات العزاء على ابواب البيوت والدكاكين والشوارع للدلالة على الحزن والعزاء ، وله تأثير عاطفي خاص. «يمكن بواسطة عصا خشبية طولها نصف متر ، ونصف متر من القماش اثارة موجة من المشاعر اللامتناهية عن سيّد الشهداء ، بشكل لا نظير له في أي مكان ، بينما لا بدّ من بذل مساع كبيرة في سبيل حشد جماعة ولو قليلة من الناس».

ان التغيير الذي طرأ على اشكال البيارق والأعلام في جوقات العزاء يعود الى تلك الراية التي رافقتها بعض التقاليد الخاصّة.

ـ العلم ، الأعلام ، اللوحة

١٩٢

رأس الإمام الحسين (ع):

بعد مقتل الإمام الحسين ، بلغ جيش الكوفة اقصى درجات الوضاعة والقسوة ، حيث احتزّوا الشريف ، ثمّ أمر عمر بن سعد فوطأ الفرسان ظهره وصدره بالخيل. وحملوا الرأس الشريف مع رءوس سائر الشهداء على الرماح ، وساروا بها إلى الكوفة والشام لارهاب سائر ابناء الامّة.

كان لرأس الإمام الحسين في واقعة كربلاء مواقف وحوادث مختلفة منها : ان رأسه الشريف احتزّ من القفا (١) ، ورفع على الرمح ، واخذه خولي معه إلى داره واخفاه في الحجرة أو في التنور ، وكان الرأس يتلو القرآن وهو مرفوع على قصبة في دروب الكوفة ، ووضع بين يدي ابن زياد في طشت من ذهب (٢) ، وفي الطريق إلى الشام كان الرأس سببا في اسلام راهب كان يتعبّد في دير ترسا بقنّسرين. وفي قصر يزيد وضعوه في طشت وأحضروه بين يديه ، فاخذ يزيد يضرب على الرأس والثنايا بقضيب كان في يده. وفي خرابة الشام اخذ إلى رقية بنت الإمام الحسين عليه‌السلام ، وكلّ واحد من هذه المواقف جدير لوحده بكثير من المراثي المؤلمة. وقد نظّم الشعراء في هذه الوقائع أشعارا ومراثي كثيرة.

ثمّة اختلافات بين المحققين بشأن الموضع الذي دفن فيه الرأس. فالبعض منهم يرى بأن الرأس نقل من الشام إلى كربلاء والحق بالبدن (وهذا هو رأي السيد المرتضى) ويعتقد البعض الآخر انّه دفن في الكوفة قرب قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فيما أشار آخرون إلى غير هذا.

هنالك موضع في الشام يسمى بموضع الرأس الشريف ، وفيه مقام ومكان للعبادة (٣) ، ويذهب جماعة آخرون إلى القول بانّ الرأس مدفون في مصر في المكان

__________________

(١) عوالم الإمام الحسين : ٣٠٣ ـ ٣٠٤.

(٢) أمالي الصدوق : ١٤٠.

(٣) سفينة البحار ١ : ٤٩٢.

١٩٣

المسمّى بمسجد رأس الحسين ، ويذكرون قصّة لكيفية انتقاله هناك (١) ، اما المشهور من بين هذه الأقوال فهو انّ الرأس الشريف قد جيء به إلى كربلاء ودفن إلى جانب الجسد ، وهذا ما ذكره جماعة من العلماء في كتبهم (٢).

لقد كانت هذه الجريمة البشعة التي لم يسبق لها مثيل وصمة عار على جبين الامويّين. وانّ ما فعله ابن زياد في رفع ذلك الرأس الشريف على الرمح والتجوال به في ازقّة الكوفة ، وهو أوّل رأس يفعل به هكذا في العهد الاسلامي (٣).

ان حادثة قطع الرأس الشريف ورفعه فوق الرمح والسير به من مدينة إلى مدينة جاءت حتّى في اشعار ومراثى ذلك العصر ، ووصف ذلك العمل بالقبيح والسافل ، وهو ما يظهر مظلومية ثار الله. فقد جاء في شعر بشير بن حذلم عند ما دخل المدينة ليخبر أهلها بشهادة الحسين عليه‌السلام قوله :

فالجسم منه بكربلاء مقطع

والرأس منه على القناة يدار

وجاء في شعر زينب لمّا رأت رأس أخيها على رأس القناة في الكوفة :

يا هلالا لمّا استتم كمالا ...

لقد أدّى هذا التجاوز الصريح ـ وخلافا لمّا كان يرمي إليه يزيد واتباعه في اشاعة الخوف بين الناس ـ إلى اثارة موجة من المشاعر لبني اميّة ، وأدرك أبناء الامّة مدى خبث ذريّة الشجرة الملعونة.

ـ رءوس الشهداء ، مشهد رأس الحسين ، خولي ، دير الراهب ، الخيزران ،

تلاوة القرآن ، خشبة المحمل ، خربة الشام ، رقية

رأس الإمام الحسين ـ مشهد رأس الحسين :

__________________

(١) راجع سيرة الأئمّة الاثني عشر لهاشم معروف الحسني ٢ : ٨٤.

(٢) راجع مواردها في مقتل الحسين للمقرم : ٤٦٩ ، بحار الانوار ٤٥ : ١٤٤.

(٣) الكامل في التاريخ لابن الاثير ٢ : ٥٧٤ ، بحار الانوار ٤٥ : ١١٩ ، جاء في بعض النصوص ان أول رأس في الإسلام فعل به ذلك هو رأس عمرو بن حمق الخزاعي الذي قتله معاوية بسبب صحبته لامير المؤمنين عليه‌السلام.

١٩٤

الرباب :

بنت امرئ القيس بن عدي ، زوجة الإمام الحسين ، وأمّ سكينة وعلي الأصغر (عبد الله). سارت مع القافلة إلى كربلاء ، واقتيدت إلى الشام مع السبايا ، ثم رجعت إلى المدينة ، وأقامت مأتما على الحسين لمدّة سنة ، ونظّمت لمصابه المراثي. خطبها الكثير من اشراف قريش فرفضتهم وأبت الزواج من احد بعد الحسين. كانت دائمة البكاء على أبي عبد الله عليه‌السلام ولا تجلس في ظل. وتوفيت من أثر شدّه حزنها وجزعها على الحسين وذلك بعد سنة من استشهاده (أي في عام ٦٢ ه‍) (١). من جملة اشعارها في رثاء الحسين عدّة قصائد منها :

انّ الذي كان نورا يستضاء به

في كربلاء قتيل غير مدفون

سبط النبي جزاك الله صالحة

عنّا وجنّبت خسران الموازين (٢)

وفي مقابل ذلك كان الحسين يكنّ لهذه المرأة الفاضلة الأديبة وابنتها سكينة والدار التي تضمهما محبّة فائقة ، قال عليه‌السلام فيها :

لعمرك انّي لأحب دارا

تحلّ بها سكينة والرباب

أحبّهما وأبذل جلّ مالي

وليس لعاتب عندي عتاب (٣)

الرجز :

اشعار حماسية ينشدها المقاتلون في ساحة المعركة ، و «الرجز اسم لأحد بحور الشعر عند العرب ، ويعطي معنى الخفق والاضطراب ، كان الرجز في العصر الجاهلي يقول منه الرجل البيتين والثلاثة إذا خاصم أو شاتم أو فاخر ، والرجز أبيات قليلة يغلب عليها الارتجال وطابعه الحماسة ، وينشده المقاتلون في ساحة

__________________

(١) ادب الطف للسيد جواد شبّر : ٦٣ ، الكامل لابن الاثير ٢ : ٥٧٩.

(٢) اعيان الشيعة ٦ : ٤٩٩.

(٣) اعيان الشيعة ٦ : ٤٩٩.

١٩٥

المعركة عند المبارزة ، ولهذا فقد تحتمل أحيانا اللحن والركّة» (١).

كان أكثر الأشخاص عند البراز إلى القتال ينشدون من أشعار العرب ما يوافق حالهم. وإذا كان للمقاتل نفسه قريحة شعرية ، فانّه كان ينظم الشعر ارتجاليا على البديهة يذكر فيه اسمه واسم أبيه واسم قبيلته ، مشيرا إلى مفاخره ومناقب قبيلته من أجل تعزيز معنوياته ولا رهاب الخصم. «كان الرجز هو النشيد العسكري السائد في تلك العصور ، فيه يتغنّى المقاتلون أثناء الحرب ، ويفتخرون بشجاعتهم وبطولاتهم ويتوعّدون أعداءهم بالقتل والهزيمة. لقد اصبح الرجز في تلك المعارك كسلاح من أسلحة القتال يعتمد عليه المقاتلون كما يعتمدون على آلات الحروب من السيوف والسهام والرماح» (٢).

وفي كربلاء أيضا أنشد الحسين وابناؤه واخوته وأنصاره الرجز في ساحة القتال. وكان الرجز الذي يقرأه أصحاب الإمام الحسين عليه‌السلام في يوم عاشوراء معبّرا عن العقيدة والهدف الذي يستقبلون من أجله الشهادة ، ويدلّ على مدى ثباتهم ووعيهم وعمق بصيرتهم. فأبو الفضل مثلا كان يرتجز قائلا :

والله ان قطعتموا يميني

انّي احامي أبدا عن ديني

وكان القاسم بن الحسين عليه‌السلام يرتجز ويقول :

إن تنكروني فأنا ابن الحسن ...

وكان عمرو بن جنادة يرتجز قائلا :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤادي البشير النذير

وكان علي الأكبر ينشد :

انا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابن الدعي

أضرب بالسيف احامي عن أبي

__________________

(١) دائرة المعارف الاسلامية ١٠ : ٥٠ وما بعدها (مع التلخيص).

(٢) حياة الإمام الحسين ٣ : ١٥٥.

١٩٦

ضرب غلام هاشمي عربي

وأبو عبد الله عليه‌السلام نفسه كان يرتجز باشعار عديدة منها :

أنا الحسين بن علي

آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي

أمضي على دين النبي

وجميع هذه الأشعار حافلة بالدوافع السامية والمعنويات العالية والشجاعة والثبات والاستقامة (١).

الردّات :

وهو في مصطلح العزاء والمأتم ، البيت أو المصرع الذي يردّده القارئ ، ويردّده الحاضرون وراءه سوية وبالتجاوب مع قراءته ، ونفس المعنى ينطبق على شعائر اللطم أيضا.

الرسائل :

كانت الرسائل على الدوام من جملة الوثائق الرسمية التي يمكن الركون إليها ، فالمراسلات الادارية الرسمية منها والسياسية ، وقرارات العزل والتعيين ، والأوامر ، والطلبات ، تتمّ عادة بما يصطلح عليه بالرسالة أو الكتاب. وهذا ما يلاحظ أيضا في ثورة الطفّ وما سبقها وما تلاها (٢) ، سواء كانت الرسائل التي بعثها الإمام الحسين عليه‌السلام إلى معاوية وانكر عليه فيها قتله لحجر بن عدي

__________________

(١) وردت الاشعار التي كان يرتجز بها الإمام وابناؤه وأصحابه في كتب التاريخ والمقاتل بشكل مفصل ، ومن جملتها : بحار الانوار ٤٥ : ١٣ ، المناقب لابن شهر اشوب : ١٠٠.

وفي هذا الكتاب الذي بين يديك ورد رجز بعض شهداء كربلاء في نهاية التعريف بشخصياتهم.

وحول الرجز أفرد أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الاغاني فصلا خاصا له في ج ١٨ : ١٦٤.

(٢) جمعت رسائل الأئمّة في كتاب من مجلدين اعدّه محمد بن فيض الكاشاني تحت عنوان «معادن الحكمة» ، وجملة رسائل الإمام الحسين عليه‌السلام تضمّنها كتاب «موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه‌السلام».

١٩٧

وأصحابه ، أمّ ما كتبه إلى العلماء ، أمّ ما يتعلّق منها بأحداث ثورته وما كتبه الى اقاربه والى أهل الكوفة والبصرة ، وإلى أصحابه ومندوبيه. وحتّى ما جاء منها على هيئة الوصية لأخيه محمد بن الحنفية والتي جاء فيها «لم أخرج أشرا ولا بطرا ...» فهي تدخل في هذا الباب.

كما وردت إلى الإمام رسائل وكتب من كبار شيعته ومواليه من أهل البصرة ومن الكوفة خاصّة يدعونه فيها إلى القدوم إليهم ووعدوه ببذل العون والمساعدة له.

وفي أعقاب ترادف وصول هذه الرسائل إليه ، ارسل الحسين عليه‌السلام ابن عمّه ، مسلم بن عقيل إلى الكوفة وبعث معه برسائل إلى الشيعة (١).

كان عدد الكتب التي وصلت إلى الإمام الحسين من أهالي الكوفة أثناء إقامته في مكّة كبيرا جدا ، حتى قيل انّها بلغت ١٢ ألف كتاب أو أكثر. وكان بعضها فرديا وبعضها جماعيا يحمل تواقيع لا حصر لها. أمّا كتب سيّد الشهداء عليه‌السلام إليهم فقد كانت على الاغلب أمّا ردا على رسائلهم واما لدعوتهم لمناصرته والخروج معه.

اما سبب كون اكثر الرسائل من الكوفة ، فهو انّ الكوفيين كانوا يكرهون معاوية ويوالون أهل البيت. وبعد موته قرروا خلع يزيد من الخلافة ومحاربته. وانطلاقا من هذه الرؤية والهدف بدأت رسائلهم تفد على الإمام الحسين عليه‌السلام بما تتضمّنه من إنكار لحكومة الامويين واعلان الولاء لاهل البيت ، ودعوة الإمام للقدوم إليهم والقبول بزعامتهم وانّهم بانتظار قدومه ، مع ما لديهم من استعداد على مناصرته والبذل في سبيله.

وجرى تبادل الرسائل أيضا بين الإمام وشيعة البصرة.

تضمّنت آخر رسالة وردت الحسين عليه‌السلام من أهل الكوفة النصّ التالي : «عجّل للقدوم يا ابن رسول الله ، فانّ لك بالكوفة مائة ألف سيف فلا

__________________

(١) سفينة البحار ٢ : ٤٦٧.

١٩٨

تتأخّر ...» (١).

وفي طريق مسيره إلى الكوفة ، وحينما سدّ جيش الحرّ الطريق على الإمام ، احتجّ عليهم بكثرة الرسائل الواردة إليه ، إلّا انّ الحرّ أعلن عدم علمه بها. وفي يوم عاشوراء ، أتمّ الإمام في احدى خطبه الحجّة ، وكلّم أشخاصا مثل شبث بن ربعي ، وحجار بن الأبجر ، وقيس بن الأشعث ، ويزيد بن الحارث و... الخ مخاطبا إيّاهم بالقول : ألم تكتبوا إليّ : «فقد اخضرّ الجناب وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار فاقدم إذا شئت فإنّما لك مجنّدة ...» (٢).

ـ البيعة ، مسلم بن عقيل ، الوفاء

رضّ جسد الحسين :

من الجرائم المفجعة التي ارتكبها جيش الكوفة هي رضّ الجسد الشريف لأبي عبد الله الحسين عليه‌السلام بالخيل بعد استشهاده. وكان ذلك بتحريض من شمر بن ذي الجوشن لابن زياد ، فالكتاب الذي بعثه عمر بن سعد إلى ابن زياد كان كتابا عاديّا ، لكن ابن زياد رد عليه بكتاب يعنّفه فيه وكتب إليه إنّي لم ابعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتمنّيه ولا لتطاوله ولا لتقعد له عندي شافعا ، انظر فان نزل الحسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليّ سلما ، وإن أبو فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم ، فإنّهم لذلك مستحقون. فان قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره فانّه عاق شاق قاطع ظلوم ، فان أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع ، وان أنت ابيت فاعتزل جندنا وخل بين شمر وبين العسكر.

فأتى شمر بالكتاب وسلّمه لعمر بن سعد.

وبعد استشهاده عصر يوم عاشوراء نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب إلى الحسين فيوطئه بفرسه؟ فانتدب عشرة ، حيث داسوا الحسين بخيولهم

__________________

(١) حياة الإمام الحسين ٢ : ٣٣٥.

(٢) الكامل لابن الاثير ٢ : ٥٦٢ ، أعيان الشيعة ١ : ٦٠٢ ، بحار الأنوار ٤٥ : ٧.

١٩٩

حتّى رضّوا صدره وظهره ، وهم إسحاق بن حويّة الحضرمي ، الاخنس بن مرثد ، وحكيم بن الطفيل ، وعمرو بن صبيح ، ورجاء بن منقذ ، وسالم بن خيثمة ، وواحظ ابن ناعم ، وصالح بن وهب ، وهانئ بن ثبيت ، واسيد بن مالك.

وجاء هؤلاء العشرة حتّى وقفوا على ابن زياد ، فقال أحدهم وهو اسيد بن مالك :

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر

بكل يعسوب شديد الأسر

قال أبو عمرو الزاهد : فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زناء ، وهؤلاء أخذهم المختار فشدّ أيديهم وأرجلهم بسلاسل الحديد وأوطأ الخيل ظهورهم حتّى هلكوا.

الرضيع ـ علي الأصغر :

رفع البيعة :

البيعة توجب على المبايع تكليف الدفاع والنصرة ، إلّا ان يرفع والزعيم المبايع له ذلك التكليف عن أعناق المبايعين ، ويجعلهم في حلّ من بيعته بحيث إنّهم اذا انصرفوا عنه لا يعتبر ذلك نقضا للعهد منهم.

ولكن هل انّ رفع البيعة عنهم ، يجرّدهم من المسئولية ، أم انّ تكليف النصرة والدفاع عن حجّة الله يبقى في أعناقهم؟ فهذه القضية موضع بحث.

بعد أن سمع الإمام الحسين وهو في منتصف الطريق ، بأحداث الكوفة وعلم بتغيّر الأوضاع ، رفع البيعة عمّن برفقته ، وأذن لكلّ من يشاء منهم بالانصراف ؛ فانصرف جماعة منهم.

والمرة الاخرى التي رفع فيها الإمام البيعة حصلت في ليلة العاشر من المحرّم حين خطب بأصحابه وحمد وفاءهم وقال : انّ القوم لا يطلبون غيري ، فانطلقوا جميعا في حلّ ليس لي عليكم منّي ذمام ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه

٢٠٠