موسوعة عاشوراء

جواد محدثي

موسوعة عاشوراء

المؤلف:

جواد محدثي


المترجم: خليل زامل العصامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الرسول الأكرم (ص)
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

ورسالة النبي قد تواصلت فى ظل وجود ابي عبد الله ، وليس المراد من ذلك التواصل الجسدي فحسب ، بل ان حارس دين المصطفى هو الحسين الشهيد. وكانت ثورته واستشهاده سببا لبقاء دين رسول الله. فالقضية ليست ذات بعد عاطفي مجرد ، وإنما تعكس حقيقة اجتماعية وتاريخية.

ثورة الحسين هي التي احيت دين النبي. وقد بيّن ابو عبد الله هدفه وغايته من هذه الثورة بقوله : إنمّا خرجت لأسير بسنة جدي ، وآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأقوّم الانحراف ليستقيم هذا الدين. وما قولهم «انّ الإسلام محمّدي الوجود ، حسيني البقاء» الّا اشارة إلى ان احياء دين النبيّ قد تحقّق بفعل ثورة عاشوراء ، وقد وردت هذه النقطة في الشعر المنسوب إلى الحسين (والحديث والشعر ليس للامام) والذي يقول فيه :

ان كان دين محمد لم يستقم

الا بقتلي يا سيوف خذيني (١)

وهذه الحقيقة عبّر عنها أحد العلماء بالقول : «انّ احياء ذكراه احياء للاسلام ، وعبارة «أنا من حسين» المرويّة عن النبيّ ، معناها انّ حسين منّي ، وأنا أحيا به» (٢).

الحسين وارث آدم :

اسم كتاب من تأليف الدكتور علي شريعتي حول الحسين عليه‌السلام ، يحلّل فيه قضية هابيل وقابيل في تاريخ الانسانية ، ويعتبر الحسين مظهرا لمظلومية هابيل. وهذا الاسم مشتق من فقرة موجودة في زيارة وارث جاء فيها : «السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله» ، ويوصل ـ في هذا الكتاب ـ وارث عاشوراء بالجبهة التاريخية لصراع الحقّ والباطل.

ـ وارث ، زيارة وارث

__________________

(١) هذا البيت مأخوذ من قصيدة طويلة للشاعر والخطيب الكربلائي المرحوم الشيخ محسن ابو الحب (م ـ ١٣٠٥).

(٢) صحيفة النور ١٣ : ١٥٨.

١٤١

الحسيني :

هو ما ينسب إلى الحسين بأي نوع من أنواع الانتساب والصلة والتشابه. فقد تكون هذه العلاقة نسبيّة من قبيل ذرّيته وأبناءه الذين يعتبرون «سادات حسينيّين» ، وكذلك الاشخاص الذين يشبهون الحسين فكرا ومنهجا وهدفا وانطلاقا ، من هذه الرؤية فانّ الحسينيّين هم كلّ السائرين على خطى عاشوراء وثورة الحسين الدامية. كما ويعتبر أيضا كلّ من ينتمي إلى عاشوراء وكربلاء ، تابعا لمدرسة ملحمة سيّد الشهداء. كما وأن كلّ شيء آخر يحمل مضامين وخصال الحسين عليه‌السلام فكريا وملحميا ، فهو يتّخذ لنفسه صفة الحسيني ؛ كالحماس الحسيني ، والخطّ الحسيني ، والخطى الحسينية ، والعشق الحسيني ، والنهضة الحسينية ، والطريق الحسيني ، والثورة الحسينية ، والملحمة الحسينية.

وقد تكون النسبة أحيانا إلى شخصه فقط ، من قبيل : الحرم الحسيني ، وعاشوراء الحسيني ، والعزاء الحسيني ، اذن ف «ياء النسبة» ، والكلمة المضافة الى الحسيني أما أن تكون اضافة تخصيصية كالملحمة الحسينية ، والحرم الحسيني ، أي بمعنى ملحمة الحسين وحرم الحسين عليه‌السلام ، وأما أن تكون اضافة بيانية وتوضيحية تفيد معنى التشابه والمماثلة مثل : الحماس الحسيني ، أي انّ له من الحماس ما يشبه حماس الحسين عليه‌السلام.

ـ الكربلائي ، آل يزيد

الحسينية :

هي الموضع الذي يقام فيه العزاء على أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام. وأكثر الحسينيات التي تبنى في المدن وخاصّة المدن المقدّسة تستخدم اضافة الى كونها مركزا لتجمّع وإقامة شعائر العزاء ، كدار استراحة أو فندق مجّاني للزوار. أما اسماؤها فهي على الأغلب تسمى بأسماء أبناء المدينة الذين يشيّدونها مثل : حسينية الأصفهانيين ، وحسينية الطهرانيين ، وما شابه ذلك. ومثل هذه الحسينيات

١٤٢

موجودة في مدن النجف وكربلاء ومشهد ، ولا تنطبق عليها من الوجهة الشرعيّة أحكام المسجد وقيوده.

لعل السبب الكامن وراء اتّجاه الشيعة نحو (الحسينية) في الأدوار القديمة يعود إلى انّ المسجد كان تحت تصرف وسيطرة السلطات الحكومية التي كانت تضيّق على الشيعة ولا تترك لهم مجال اقامة شعائرهم بحريّة.

في بلاد الهند يطلق على الحسينية اسم «امام بارة» ، وهنالك حسينيات متعدّدة ولها أسماء مختلفة. وفي بعض مناطق آسيا الوسطى يطلق على الحسينيات التي يبنيها الشيعة ، اسم «مسجد الشيعة». «وفي مناطق الهند المختلفة تسمى التكية والحسينية باسماء مختلفة مثل : غراخانه ، وامام باره ، وتعزيه خانه ، وعاشوراء خانه ، وتابوت خانه ، وجبوتره ، وجوك امام صاحب ...» (١).

ـ التكية ، محل العزاء ، الزينبية

الحصير :

جاء في بعض الروايات انّ بني اسد لمّا قدموا لدفن اجساد الشهداء في كربلا ، كان الإمام السجاد يساعدهم أيضا. وطلب منهم حصيرا ليضع فيه جسد سيّد الشهداء لأجل دفنه (٢).

ونقلت المصادر التاريخية انهم حينما هدموا قبر الإمام الحسين في عهد المتوكّل ، ونبشوه عثروا على حصير جديد كان فيه جسد الحسين عليه‌السلام تفوح منه رائحة المسك ، فتركوا الجسد والحصير على حالهما ، وهالوا عليهما التراب (٣).

ـ لا غسل ولا كفن

__________________

(١) دائرة المعارف تشيّع ٤ : ٤٤٧.

(٢) كتاب «كبريت احمر» : ٤٩٣.

(٣) اثبات الهداة للشيخ الحر العاملي ٥ : ١٨٣.

١٤٣

الحصين بن نمير :

وهو من قادة الأمويين ، يعود نسبه إلى قبيلة كندة ، وكان مبغضا لآل علي ؛ ففي معركة صفّين كان إلى جانب معاوية ، وفي عهد يزيد كان قائدا على قسم من الجيش ، وفى واقعة مسلم بن عقيل سلّطه ابن زياد على دور أهل الكوفة ، ليأخذ مسلم ويأتيه به ، وهو الذي اخذ قيس بن مسهّر رسول الحسين عليه‌السلام فبعث به إلى ابن زياد فأمر به فقتل ، وهو الذي نصب المنجنيق على جبل أبي قبيس ورمى به الكعبة لمّا تحصّن منه ابن الزبير في المسجد الحرام (١) ، وقاتل سليمان بن صرد أثناء ثورة التوّابين ، وأبوه تميم بن اسامة ، وهو الذي سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن شعر رأسه بعد قوله عليه‌السلام : «سلوني قبل أن تفقدوني» (٢).

وفي عهد يزيد شارك في الهجوم الذي امر يزيد بشنّه على المدينة المنوّرة ، مات في عام ٦٨ ه‍ متأثّرا بجراح أصابه بها إبراهيم بن الاشتر في الواقعة التي جرت على ضفاف نهر الخازر ، وجاء في بعض الأخبار انّه أخذ رأس حبيب بن مظاهر بعد مقتله وعلّقه في رقبة فرسه ودار به في الكوفة مفتخرا ، فكمن له فيما بعد القاسم بن حبيب وقتله ثارا لدم أبيه ، وجاء في مصادر اخرى انّه قتل على يد أصحاب المختار الثقفي عام ٦٦ ه‍ قرب الموصل في وقت حركة المختار.

حفرة المنحر :

وهو الموضع الذي سقط فيه سيد الشهداء عليه‌السلام من ظهر جواده على الارض وهو يقاوم في الرمق الاخير ، ونزل شمر أو سنان واحتزّ رأسه الشريف. يبدو ان هذا الموضع كأن اوطأ من سائر اجزاء الارض. وفيه استشهد الإمام الحسين ، وسال دمه الشريف على الأرض.

يوجد حاليا سرداب خارج حرمه الشريف ويعتبر هو موضع شهادته ، وعليه

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٧١.

(٢) سفينة البحار ١ : ٢٨١.

١٤٤

صخرة من حجر المرمر بارتفاع نصف متر عن الارض موضوعة على المكان بصفة القبر. وهذا السرداب مغلق على الدوام ولا يفتح إلّا لبعض الشخصيات.

ـ المقتل ، التل الزينبي

حكيم بن طفيل :

من جنود عمر بن سعد ، في واقعة الطف كمن لأبي الفضل العباس ، وضربه بالسيف على يساره فقطعها ، وكانت يده اليمنى قد قطعت قبل هذا بضربة «زيد بن ورقاء».

حقل الحسين :

من المتعارف ان الفلاحين يزرعون أراضيهم بعد تقسيمها الى الواح ، وكان من عادة الفلاحين في ما مضى تعيين لوح من تلك الالواح الزراعية باسم الامام الحسين. وبعد جني المحصول تحسب عائداته وتدفع الى احدى التكايا في المدن لينفق في مجال العزاء على الحسين.

يعتبر مثل هذا العمل نوعا من الوقف الذي تنفق عائداته على مصاريف التكايا ومجالس العزاء ، فضلا انه يجعل في زراعته ومحصول الفلاحين خيرا وبركة. وهم في عملهم هذا يعتبرون الحسين أو العباس عليهما‌السلام شركاء لهم في زراعتهم ، ويعكس نوعا من الولاء والمحبّة لآل الرسول.

ـ الوقف ، النذر

الحلّاس بن عمر الراسبي :

من شهداء كربلاء ، قتل في الحملة الاولى ، ذكر انّه كان في عهد علي عليه‌السلام رئيسا لشرطة الكوفة. وسار هو وأخاه النعمان مع عمر بن سعد ثم تحوّلا الى معسكر الحسين (١) ، وجاء في بعض المصادر ان اسمه هو «الحلّاش» (٢).

__________________

(١) أنصار الحسين : ٧٠.

(٢) اعيان الشيعة ٦ : ٢١٦.

١٤٥

حمّاد بن حمّاد الخزاعي المرادي :

من جملة شهداء كربلاء ، جاء اسمه في الزيارة الرجبيّة.

الحملة الاولى :

في يوم العاشر من المحرم هجم جيش عمر بن سعد على معسكر الإمام الحسين هجوما شاملا وعنيفا. وبدأ هذا الهجوم بسهم رماه عمر بن سعد على مخيم الحسين ، واستمر رمي السهام بواسطة الجيش المعادى. وقال الإمام الحسين لأصحابه : هذه رسل القوم إليكم. وأمر الشمر جيشه بالهجوم قائلا : «احملوا عليهم حملة رجل واحد وأفنوهم عن آخرهم» ، شارك في هذه الحملة جيش الكوفة بأسره ، ودافع أنصار سيّد الشهداء دفاعا مستميتا ضد هذا الهجوم الذي استشهد فيه نصف أنصار الإمام (من غير بني هاشم) ، وقال البعض ان عدد من استشهد فيه من أنصار الإمام هو ٤١ شهيدا نذكر فيما يلي اسماء بعضهم (باستثناء عشرة اشخاص من موالي الحسين وأهل بيته ، واثنين من موالي علي عليه‌السلام) :

نعيم بن عجلان ، عمران بن كعب ، حنظلة ، قاسط ، كنانة ، عمرو بن مشيعة ، ضرغعامة ، حبّاب بن الحارث ، عمرو الجندعي ، الحلّاس بن عمر ، سوار بن ابي عمير ، عمّار بن ابي سلامة ، عامر بن مسلم ، سيف بن مالك ، عبد الرحمن الدرجي ، مجمع العائذي ، النعمان بن عمر ، زاهر بن عمر ، جبلة بن علي ، مسعود بن الحجّاج ، عبد الله بن عروة ، زهير بن سليم ، عبد الله وعبيد الله ابنا زيد البصري (١).

ـ أصحاب الإمام الحسين

حميد بن مسلم الأزدي :

راوي وقائع كربلاء ، وكان ضمن جيش عمر بن سعد وقد تجادل هو والشمر حول حرق الخيام من بعد استشهاد الإمام الحسين. وكان من بين الذين اخذوا

__________________

(١) حياة الإمام الحسين ٣ : ٢٠٤.

١٤٦

حملوا رأس الإمام الحسين إلى الكوفة. شارك في ثورة التوابين. وذكر البعض انّه كان من أصحاب الإمام السجاد عليه‌السلام كانت له صلة تعاون مع المختار وابراهيم بن مالك. اكثر وقائع كربلاء التي وردت في تاريخ الطبري ، وبعض المصادر الاخرى ، منقولة عن لسانه.

الحنّاء :

خضاب يستعمل لشعر الرأس والوجه خصوصا لاخفاء الشيب ، ولكي يبدو الشخص أقلّ سنّا. ويستعمل الخضاب وخاصة عند مواجهة الاعداء ، كاسلوب اعلامي لاظهار الجيش الاسلامي بمظهر الشباب. قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «الخضاب بالسواد مهابة للعدو» (١). وقد تخضّب الإمام الحسين عليه‌السلام كما روى الإمام الصادق : «خضّب الحسين بالحناء والكتم» وأنه قد قتل وهو مخضّب «قتل الحسين وهو مخضّب بالوسمة» (٢). وفي الطفوف خضّب أنصار الحسين من الكهول محاسنهم ووجوههم بدمائهم. وبعد استشهاد مسلم بن عقيل في الكوفة ، ظل حبيب بن مظاهر يترقّب الوقت المناسب للالتحاق بابي عبد الله عليه‌السلام. وفي أحد الأيّام كان يسير في سوق الكوفة فلقى مسلم بن عوسجة (الذي كان ذاهبا لشراء الحنّاء) وأخذه جانبا وحدّثه بخبر قدوم الحسين عليه‌السلام واتّفق هذان الشيخان على الخروج ليلا من الكوفة الى كربلاء (وتخضيب محاسنهما بالدماء) والتحقا بالإمام في الليلة السابقة أو الثامنة من شهر محرّم (٣).

حنطة العراق :

أو حنطة الري (٤) وقصّتها هي ان الإمام الحسين لمّا حذّر عمر بن سعد (قائد

__________________

(١) بحار الانوار ٧٣ : ١٠٠.

(٢) عوالم الإمام الحسين : ٧١ ، ناسخ التواريخ ٤ : ٩٩.

(٣) الوقائع والحوادث ٢ : ٩٩.

(٤) وردت في كتاب معالي السبطين كلمة «حنطة الري».

١٤٧

جيش الكوفة) من قتاله ، وان لا يلطّخ يديه بدمه ، كان عمر بن سعد يتذرع بحجج واهية من جملتها انّه قال : لقد وعدت في مقابل قتالك بولاية الري. فلعنه الإمام وقال : «مما يقر لعيني انك لا تأكل من بر العراق بعدي إلّا قليلا». فقال مستهزئا : «يا أبا عبد الله في الشعير خلف» (١) ، وهكذا كان الحال اذ ان عمر بن سعد لم ينل حكومة الري بل قتله المختار قبل ذلك.

وجاء في روايات اخرى ان عمر بن سعد قال للحسين قبل واقعة الطف بسنوات : يقول بعض السفهاء انّي قاتلك! فقال له الحسين : ما هم بسفهاء ، بل حلماء ، ولكن ممّا تقر له عيني انك لن تأكل من بر العراق بعدي إلّا قليلا.

ـ ولاية الري ، عمر بن سعد

حنظلة بن أسعد الشبامي :

من شهداء كربلاء ، وقد ورد اسمه في زيارة الناحية المقدّسة. وهو كوفي ، وشبام من بطون قبيلة همدان (٢). كان حنظلة من وجهاء الشيعة في الكوفة ، وكان رجلا شجاعا ، ومتحدثا بارعا ، ومعلّما للقرآن. لمّا وصل الحسين بن علي إلى كربلاء التحق به.

وهو من جملة الشهداء الذين بقوا أحياء حتّى نهاية المعركة ، وظلّ يحمي الحسين من سهام ورماح الأعداء ، وكان أحيانا يكلّم جيش الكوفة محذّرا وواعظا. وفي يوم العاشر استأذن الإمام ، بعد استشهاد الكثير من الأنصار ، وبرز الى الميدان وجاد بنفسه في سبيل الله.

حنظلة بن عمرو الشيباني :

وهو من شهداء كربلاء ، قتل في الحملة الاولى (أو في المبارزة الفردية على

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٥٥ ، مقتل الحسين للمقرّم : ٢٤٨.

(٢) أنصار الحسين : ٧١.

١٤٨

قول آخر). ويعتقد البعض انّ هذا الشخص هو حنظلة بن اسعد الشبامي نفسه (١).

حواريو الحسين (ع):

لكلّ إمام عدد من الأصحاب الخاصّين الذين يعبّر عنهم بالحواريين ، وجميع شهداء كربلائهم حواريّو الحسين عليه‌السلام ، إذ جاء عن الإمام موسى الكاظم انّه قال : «ثمّ ينادي مناد : اين حواريّو الحسين؟ فيقوم كلّ من استشهد معه ولم يتخلّف عنه» (٢).

الحياة :

مفهوم الحياة في قاموس عاشوراء من جود الانسان فوق الارض وكونه يتنفّس ، بل ان امام عاشوراء لا يستسيغ إلّا «الحياة الطيبة» التي تتسم بالشرف والعزّة ، انّ الموت بعزّة في هذا القاموس «حياة» والحياة الذليلة موت.

هذا الرأي في الحياة مستورث من قول علي عليه‌السلام «الموت في حياتكم مقهورين ، والحياة في موتكم قاهرين» (٣) ، ولما رأى تسلط الجور على حياة المسلمين ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما» (٤) ، وكان عليه‌السلام لا يرى الموت إلّا قنطرة : «فما الموت إلّا قنطرة ...».

ولما عزم على السير من مكة إلى العراق حذّره اشخاص كثيرون من عواقب هذا المسير ومن غدر أهل الكوفة ، فكان هو يردد هذا الابيات :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

اذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

__________________

(١) نفس المصدر : ٩٩.

(٢) سفينة البحار ١ : ٣٥٨.

(٣) نهج البلاغة للشيخ صبحي الصالح : الخطبة ٥١.

(٤) المناقب لابن شهر اشوب ٤ : ٦٨.

١٤٩

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف محرما (١)

وهو ما يدل على انّه عليه‌السلام لا يرى الموت في طريق الحق والجهاد والتضحية اقتداء بالصالحين ، عارا ، بل انّه يرحّب بمثل هذا الموت الذي هو عين الحياة. واتباع هذه المدرسة يرون الحياة في الموت ، والبقاء في الفناء ، فالقاسم عليه‌السلام يرى الموت احلى من العسل ، وعلي الأكبر عليه‌السلام لما سمع اباه يسترجع سأله : السنا على الحق؟ قال : نعم ، قال : «اذن لا نبالي بالموت».

وفي ليلة عاشوراء اذن لاصحابه بالانصراف ، وقال لهم : انتم في حلّ منّي. فكان قولهم جميعا : انذهب لنحيى بعدك؟ لا أتى الله بذلك اليوم. وقال ابناء مسلم بن عقيل : نقاتل بين يديك حتّى نقتل ، تعسا للحياة بعدك (٢).

وفي نهار عاشوراء تكلّم زهير بن القين مع الشمر ، فهدده الشمر ، فقال له زهير : «أبالموت تهددني؟ والله للموت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم» (٣).

فان كانت الحياة غير هذه ، فهي في ظاهرها حياة ولكنّها في حقيقتها الموت بعينه ، من مزايا الحياة ان تزخر بمعالم الحياة وخصائصها ، وان يسير الانسان قدما في ظل العقيدة والايمان ، كما وصفها الشاعر بالقول :

قف دون رأيك في الحياة مجاهدا

إنّ الحياة عقيدة وجهاد

والقرآن الكريم يعبّر في وصف الشهداء بالقول : (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ؛ أي انّ أجسادهم وان دفنت تحت التراب إلّا ان اسمهم وهدفهم باق ، وهذا هو معنى الحياة.

ـ دروس من عاشوراء

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم : ١٩٩.

(٢) الكامل لابن الاثير ٢ : ٥٥٩.

(٣) نفس المصدر السابق : ٥٦٣.

١٥٠

خ

خادم المنبر :

عنوان يطلقه الرادود أو القارئ الحسيني على نفسه انطلاقا من محبته لموالاة الحسين إذ يعتبر نفسه خادما لمنبر الحسين ويعتبر الحسين سيّده ومولاه ، وهو يتفاخر بهذه الخدمة ولا يستبدلها بأي منصب كان. وخليق بمثل هذه الخدمة ان تكون من باب الاخلاص والصدق وليس مجرد ادعاء ، وتتضح حقيقتها حينما تكون العلاقة الحاكمة بينهما علاقة طاعة من جهة ، وعطف وحنو من جهة اخرى.

قال المرحوم المحدّث النوري : «لا يمكن للمرء نيل منصب خادم المنبر بمجرد ذكره لمناقب وفضائل الحسين والمصائب التي جرت عليه ، بل يمكن لخادم المنبر ان ينضم الى صفوف محبّي الحسين عليه‌السلام فيما اذا كان كلامه لله عزوجل واداء لحق اوليائه عليهم‌السلام ، وإلّا فهو متكسّب جعل تلك المناقب والمصائب سلعة يتاجر بها ، ولا حقّ له على أحد» (١).

ـ المدح ، الواعظ ، الذاكر ، المنبر

الخارجي :

عنوان أطلقه يزيد وابن زياد على الإمام الحسين عليه‌السلام ، ومعنى الكلمة اساسا هو المتمرد الخارج على السلطة ، لا بمعنى رعايا الدول الاجنبية ، يعود هذا الاصطلاح إلى عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كتب أحد المحقّقين في هذا الصدد

__________________

(١) لؤلؤ ومرجان للميرزا حسين النوري : ١٩.

١٥١

قائلا : انّ كلمة «خرج» لا تعني مجرد المغادرة ؛ لأنّها اكتسبت منذ انشقاق «الخوارج» على الإمام علي عليه‌السلام في صفين مدلولا رافضا تمرّديا ذا نكهة خاصة لم يكن محبوبا في العراق بوجه خاص ، وقد حاول رجال النظام اسباغ هذا المفهوم على ثورة الحسين منذ بداية المواجهة (١).

من الطبيعي انّ الخروج والتمرد اذا كان ضد الحكومة الإسلامية الشرعيّة ، فالمتمردون في هذه الحالة يعرفون باسم «الفئة الباغية» ودمهم مهدور ، ولا بدّ من محاربتهم باعتبارهم معتدين داخليين ، أمّا اذا كان ضد الجور والطغيان فهو واجب ، والقائمون به مجاهدون ولهم منزلتهم الكبيرة ، وقد استخدم الإمام الحسين عليه‌السلام أيضا كلمة الخروج للتعبير عن رفض البيعة ليزيد ومغادرة المدينة نحو مكة ، فقال : «انّي لم اخرج اشرا ولا بطرا ... إنّما خرجت لطلب الاصلاح ...» واصفا الغرض من خروجه بطلب الاصلاح في أمّة جدّه.

أمّا يزيد فقد تشبّث بهذا العنوان لاضفاء الشرعية على فعلته في قتل الإمام الحسين عليه‌السلام معتبرا نفسه قامعا للفتنة ضد خليفة المسلمين ، أمّا كلمات الإمام الحسين عليه‌السلام وأهل بيته من بعده فقد تركزت على بيان هدف الثورة ، وهو إحياء الدين ومقارعة الظلم والبدعة ، مؤكّدين على أنّهم آل رسول الله وأهل بيته لازالة حجب الغفلة.

ـ البيعة

خالد بن عمرو بن خالد الأزدي :

ورد اسمه في عداد شهداء كربلاء (٢).

خامس أصحاب الكساء :

من ألقاب سيّد الشهداء ، كان النبي في دار أمّ سلمة حينما نزلت الآية

__________________

(١) أنصار الحسين : ٣٧ و ٧١.

(٢) أنصار الحسين : ٣٧ و ٧١.

١٥٢

الشريفة : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) فدعا فاطمة وعلي والحسن والحسين وجعلهم وإيّاه تحت كساء واحد وقال : «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا».

وقال الشاعر في هذا :

انّ النبي محمدا ووصيّه

وابنيه وابنته البتول الطاهرة

أهل العباء وإنّني بولائهم

أرجو السلامة والنجا في الآخرة (٢)

وورد حديث الكساء أيضا في ذكر منزلة وفضل هؤلاء الخمسة (٣).

ـ أهل البيت ، الحسين بن على (ع)

خربة الشام :

بعد الخطبة التي ألقتها زينب وفضحت فيها يزيد وقلبت الأوضاع ضدّه ، اضطر لوضع أهل البيت في خرابة لا سقف لها ، ومكثوا فيها ثلاثة أيّام ينوحون ويلطمون على الحسين عليه‌السلام (٤).

وفي هذا الموضع رأت رقيّة طفلة الإمام الحسين عليه‌السلام أباها في المنام فاستيقظت وطلبت رؤية أبيها فجاءوها برأسه ، ولمّا رأت ذلك المشهد فارقت روحها جسدها (٥) ، ودفنت هناك حيث جعلوا لها ضريحا فيما بعد. (هذه القضية موضع شكّ وترديد عند المحقّقين).

خروج المختار :

ثار المختار بن أبي عبيدة الثقفي عام ٦٦ ه‍ بالكوفة بعد خمس سنوات من

__________________

(١) الاحزاب : ٣٣.

(٢) الحسين في طريقه إلى الشهادة : ١١٢.

(٣) راجع بحار الانوار ٣٧ : ٣٥ ـ ١٠٧.

(٤) مقتل الخوارزمي ٢ : ٧٤ ، عوالم الإمام الحسين : ٤١٤ ، رياض القدس ٢ : ٢٩٢.

(٥) لم ترد هذه القضية في المصادر الاولى رغم ما لها من شهرة.

١٥٣

واقعة كربلاء وبعد سنة من ثورة التوابين. كان هدف ثورته الثأر لدم الحسين ، والانتقام من قتلته ومن جميع المجرمين المشاركين في تلك المأساة. وقد كانت ثورته وانتقامه سببا لارتياح الأئمّة عليهم‌السلام. فقد روي عن الباقر عليه‌السلام انّه قال : «لا تسبّوا المختار ، فانّه قد قتل قتلتنا وأخذ بثأرنا» (١) ، وخلاصة ثورته ـ وفقا لمّا جاء في كتاب نفس المهموم ـ هي كالآتي :

«خرج المختار بالكوفة في ١٤ ربيع الأول عام ٦٦ ه‍ وأخرج منها عبد الله بن مطيع والي ابن الزبير عليها ، بدأ ثورته بشعار «يا منصور أمت» و «يا لثارات الحسين» ، ووقعت اشتباكات عنيفة في أزقّة وأسواق الكوفة ، قتل فيها جماعة واستسلم آخرون ، ودخل المختار القصر ، وخطب بالناس في اليوم التالي ، وبايعه أشراف الكوفة ، وبعد ان استتبّ له الأمر أخذ يتتبّع قتلة الحسين فيقبض عليهم ويقتلهم ، وبعث السرايا إلى الأطراف للاستيلاء عليها والقبض على قتلة الحسين وقتلهم ، واستمرت هذه الأعمال مدّة من الزمن وقع خلالها قتال شديد مع أنصار بني اميّة ، وقد نجح المختار في القبض على عمر بن سعد ، وابن زياد ، وخولي ، وسنان ، وحرملة ، وحكيم بن طفيل ، ومنقذ بن مرّة ، وزيد بن ورقاء ، وزياد بن مالك ، ومالك بن بشر ، وعبد الله بن اسيّد ، وعمرو بن الحجّاج وكثير ممّن تلطّخت أيديهم بدماء شهداء كربلاء ، وقتلهم وأحرق أجسادهم ، أو رماها إلى الكلاب (٢).

وأرسل المختار رأس ابن زياد إلى محمد بن الحنفية في المدينة ، وبدوره أرسله إلى الإمام السجاد ، فادخل عليه وهو يتغدّى فسجد شكرا لله تعالى وقال : «الحمد لله الذي ادرك لي ثأري من عدوّي وجزى الله المختار خيرا» (٣) ، حكم المختار ثمانية عشر شهرا (حتّى ١٤ رمضان عام ٦٧ ه‍) واستشهد عن سبع وستّين

__________________

(١) بحار الانوار ٤٥ : ٣٤٣.

(٢) ملخص من كتاب «نفس المهموم».

(٣) معالي السبطين ٢ : ٢٦٠.

١٥٤

سنة عند مقاتلته لجيش ابن الزبير.

ـ المختار الثقفي

الخزيميّة :

احد المنازل على الطريق بين مكّة والكوفة. أقام فيها عليه‌السلام يوما وليلة عند مسيره نحو العراق ، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى خزيمة بن حازم ، تقع بعد «زرود» للذاهب من الكوفة إلى مكّة (١) ، وتكثر فيها المياه والاشجار والدور وفيها سمعت زينب الكبرى عليها‌السلام هاتفا في تلك الليلة يقول :

ألا يا عين فاحتفلي بجهد

فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا

بمقدار إلى انجاز وعدي

فقال لها الحسين عليه‌السلام : «يا اختاه كلّ ما قضى الله فهو كائن» (٢)

خشبة المحمل :

يذكر انه لما رفعت رءوس الشهداء على الرماح امام الناس بالكوفة ، وسرت بين الناس ضجّة وبلبلة ، ضربت زينب رأسها بخشبة المحمل من شدّة الأسى ، وشوهد الدم يسيل من تحت برقعها ، ثم انشدت :

يا هلالا لما استتم كمالا

غاله خسفه فأبدى غروبا

ما توهّمت يا شقيق فؤادي

كان هذا مقدّرا مكتوبا

خطّ الموت :

ورد هذا التعبير في خطبة ألقاها الحسين عليه‌السلام في مكّة قبل مسيره إلى العراق ، ملمّحا إلى نهاية مسير هذه القافلة (٤) ، أما محتواها فيدلّ على الوعي

__________________

(١) مقتل الحسين ، المقرم : ٢٠٧.

(٢) الحسين في طريقه إلى الشهادة : ٦٥ نقلا عن مقتل الخوارزمي.

(٣) نفس المصدر السابق : ١١٥.

(٤) كشف الغمّة للاربلي ٢ : ٢٤١.

١٥٥

وطلب الشهادة واستقبال الموت في سبيل الله. وانّ الشهادة جميلة عند أعاظم الرجال كجمال القلادة في جيد الفتاة. وقد ألقى هذه الخطبة بعد الأنباء التي تناهت إليه بان يزيد دسّ الرجال لاغتياله وسفك دمه. وجاء في مقدّمتها المقطع التالي : «خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخيّر لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ...» (١)

الخطابة :

تعني ذكر مصيبة سيّد الشهداء وندب سائر الائمة بالمراثي. وكان الأئمّة عليهم‌السلام يحثّون اتباعهم على هذا العمل الذي يعدّ من جملة الأسباب في تخليد النهضة الحسينية وخلق الصلة الروحية والعاطفية بين الشيعة وأئمّتهم. البكاء على أهل البيت دليل على محبّتهم. وهي بالإضافة إلى فعلها في البناء التربوي للإنسان ، فهو يحصل من ورائها على الأجر والثواب الاخروي ، وينال شفاعة أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام.

ولما كانت ذكر مصائب أهل البيت سنّة دينية حسنة أحياء أمرهم وذكر فضائلهم ، فمن الخليق بالخطباء والوعّاظ الالتفات إلى أهمية ودور هذه الشعائر ، والسعي إلى عرض صورة ناصعة عن الأئمة الأبرار. وهذا ما يوجب عليهم التأكّد من صحّة المواضيع التي يطرحونها ودقّة المصادر التي يستقون منها ، ومتانة وجمال الاشعار التي يختارونها ، والابتعاد عن الكلام والشعر الذي لا ينسجم ورفعة مكانتهم. وان يضعوا نصب أعينهم ـ في فضيلة البكاء والابكاء ـ الحديث التالي المنقول عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «من أنشد في الحسين عليه‌السلام بيت شعر فبكى وأبكى عشرة فله

__________________

(١) بحار الانوار ٤٤ : ٣٦٦ ، مقتل الحسين للمقرّم : ١٩٣.

١٥٦

ولهم الجنّة» (١).

ـ ذكر المصيبة ، العزاء ، البكاء ، العزاء التقليدي ،

آداب الوعظ والمنبر ، التباكي

الخطبة :

الخطبة هي الكلام الذي يورده الخطيب علنا أمام الآخرين ، كخطبة الجمعة ، وخطبة العيد ، وخطبة صلاة الاستسقاء ، وخطبة الكسوف. وهي تتضمن عادة حمد الله والثناء عليه ، والحثّ على التقوى ومواعظ اخرى. والخطب التي يلقيها الخلفاء والامراء والوعّاظ هي من هذا النمط.

في ثورة عاشوراء القيت خطب وكلمات من قبل الإمام الحسين ، والإمام السجاد ، وزينب ، وأنصار الإمام ونقلتها كتب التاريخ والحديث ، وكانت أغلبها خطب مصيرية ، لأنّها جاءت قبيل عاشوراء وفي مكّة وعلى طول الطريق نحو الكوفة ، وتشتمل بالاضافة إلى الخطب التي القيت في يوم عاشوراء ، الخطب التي وردت على لسان السبايا في الكوفة والشام ، ومن أشهرها خطبة الإمام السجّاد في مجلس يزيد ، وخطب زينب الكبرى في الكوفة ودمشق.

وردت أغلب خطب الإمام عليه‌السلام في الكتب التي جمعت أحاديثه (٢). وبعض هذه الخطب التي القاها في أيّام الثورة تبدأ مطلعها بالعبارات التالية :

قال عند الخروج من مكّة إلى العراق : «خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ...» (٣).

قال بعد لقائه بجيش الحر في «ذى حسم» : «أيّها الناس ، ... انّني لم أقدم على هذا البلد حتّى أتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسلكم أن أقدم إلينا انّه ليس علينا

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٠٥.

(٢) من أمثال كتاب : بلاغة الحسين ، ادب الحسين وحماسته ، نهج الشهادة ، الصحيفة الحسينية ، موسوعة كلمات الإمام الحسين ، بحار الانوار ، كشف الغمة ، و... الخ.

(٣) اعيان الشيعة ١ : ٥٩٣.

١٥٧

إمام ...» (١).

وقال أيضا في ذلك الوقت : «انّه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وانّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وادبر معروفها ... ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ...» (٢).

وقال في منزل البيضة مخاطبا انصاره وجيش الحر : «أيّها الناس إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله مخالفا لسنّة رسول الله ... الا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ...» (٣).

وقال لأصحابه ليلة العاشر من المحرّم : «اثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضرّاء ... أمّا بعد ، فإنّي لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عنّي خيرا ...» (٤).

وخاطب جيش العدو في صبيحة العاشر من محرّم قائلا : «الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال ، متصرّفة بأهلها حالا بعد حال ، فالمغرور من غرّته ، والشقي من فتنته ...» (٥).

وخاطب جيش الكوفة عند ما اقتربوا من خيامه : «أيّها الناس ، اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما لحقّ لكم عليّ ... اما بعد فانسبوني فانظروا من انا. ثم ارجعوا إلى انفسكم وعاتبوها فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ الست ابن بنت نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن وصيّه وابن عمّه؟ ...» (٦).

__________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي ١ : ٢٣١.

(٢) بحار الانوار ٤٤ : ٣٧٨.

(٣) موسوعة كلمات الإمام الحسين : ٣٦٠.

(٤) الكامل في التاريخ لابن الاثير ٢ : ٥٥٩.

(٥) مناقب ابن شهر اشوب ٤ : ١٠٠ ، بحار الانوار ٤٥ : ٥.

(٦) بحار الانوار ٥ : ٦ ، اعيان الشيعة ١ : ٦٠٢.

١٥٨

وخطب بجيش ابن سعد في يوم الطفّ قائلا : «تبّا لكم أيّتها الجماعة وترحا ، أفحين استصرختمونا ولهين متحيّرين فاصرخناكم مؤدّين مستعدّين ، سللتم علينا سيفا في رقابنا وحششتم علينا نار الفتن ... ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركّز بين اثنتين ؛ بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة ...» (١).

وأمّا الخطب الاخرى :

فقد خطبت زينب بأهالي الكوفة قائلة : «أما بعد ، يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر ، فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّة ، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة انكاثا ...» (٢).

وقالت أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين مخاطبة أهل الكوفة : «يا أهل الكوفة سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ...» (٣).

وقالت زينب عليها‌السلام في خطبتها المشهورة في مجلس يزيد : «اظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى ، انّ بنا على الله هوانا ... أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا ...» (٤).

والقى الإمام السجاد خطبة حماسية فضح فيها يزيد في مجلسه إذ قال فيها : «أيّها الناس ، اعطينا ستّا وفضّلنا بسبع ؛ اعطينا العلم والحلم والسماحة والشجاعة ... فمن عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني انبأته بحسبي ونسبي. انا ابن مكّة ومنى ، انا ابن زمزم والصفا ...» (٥).

__________________

(١) نفس المهموم : ١٣١ ، مقتل الخوارزمي ٢ : ٧.

(٢) بحار الانوار ٤٥ : ١٠٩.

(٣) نفس المصدر : ١١٢.

(٤) اعلام النساء ٢ : ٥٠٤ ، حياة الإمام الحسين ٣ : ٣٧٨.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢ : ٦٩ ، بحار الانوار ٤٥ : ١٧٤.

١٥٩

انّ مضامين أمثال هذه الخطب التي تبيّن حقيقة الدين وتكشف عن الصورة الحقيقية لخصوم أهل البيت ، وتعكس مظلومية عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تعتبر من أهم الوثائق التاريخية في توضيح معالم مسيرة سيّد الشهداء في واقعة الطف ، وتشير إلى مدى عمق معرفة أهل بيته ، ودفاعهم الواعي عن الحق.

الخطط العسكرية والاعلامية :

تطالعنا في ثورة عاشوراء سلسلة من الخطط العسكرية والاعلامية التي مارسها الإمام الحسين عليه‌السلام. وقد اتخذت اساليبه العسكرية امّا حالة الدفاع أو حالة الهجوم. وتركّز اسلوبه الاعلامي بشكل اساسي على توعية أبناء الامّة ، واستثمار هذه الحركة ما أمكن لابلاغ رسالته ، سواء في زمنه وما باشره بنفسه منها أم ما تمّ منها بعد استشهاده. وهناك حقيقة لا يرقى إليها الشكّ ، وهي أنّه عليه‌السلام قد تصرّف في ثورة كربلاء كمقاتل يجيد جميع الخطط العسكرية والدفاعية والاعلامية وبمهارة فائقة. وما يطرح انما هو مجرّد امثلة مستخلصة من التأمّل في وقائع هذه النهضة ، وهو ما يعكس بوضوح مقدرته الادارية الرائعة وتنظيمه وتدبيره في تلك الحادثة التي امتزجت فيها المشاعر والعواطف بعنصر التعقل ، وينقسم هذا الموضوع الى :

أولا : الخطط العسكرية

١ ـ الحماية الشخصية : عند لقاء سيّد الشهداء عليه‌السلام بوالي المدينة ، الوليد بن عتبة ، بعد موت معاوية ، سار إليه وبرفقته جماعة من شبّان بني هاشم وسيوفهم مسلولة ومخفيّة تحت ثيابهم ، وأوصاهم بالبقاء خارج الدار فاذا ارتفع صوت الإمام من الداخل. فعليهم باقتحام الدار والعمل بما يأمرهم به (١). ولم يكن هذا التدبير الوقائي إلّا احترازا من أي خطر أو سوء قد يبديه الوليد. وذكروا انّ

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٢ : ٥٣٠ ، مقتل الحسين للخوارزمي ١ : ١٨٢.

١٦٠