الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-48-6
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٧٢

بالأكل والتقطيع. واستقرب المصنّف في الشرح المنع منهما مطلقاً (١).

وعلى تقدير الجواز هل يساويان غيرهما ممّا يفري غير الحديد ، أو يترتّبان على غيرهما مطلقاً (٢)؟ مقتضى استدلال المجوّز بالحديثين ، الأوّل. وفي الدروس استقرب الجواز بهما مطلقاً مع عدم غيرهما (٣) وهو الظاهر من تعليقه الجواز بهما هنا على الضرورة؛ إذ لا ضرورة مع وجود غيرهما. وهذا هو الأولى.

(الثاني : استقبال القبلة) بالمذبوح ، لا استقبال الذابح. والمفهوم من استقبال المذبوح الاستقبال بمقاديم بدنه ، ومنه مذبحه.

وربما قيل بالاكتفاء باستقبال المذبح خاصّة (٤) وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : «سألته عن الذبيحة ، فقال : استقبل بذبيحتك القبلة» الحديث (٥) تدلّ على الأوّل.

هذا (مع الإمكان) ومع التعذّر لاشتباه الجهة أو الاضطرار ـ لتردّي الحيوان أو استعصائه أو نحوه ـ يسقط (ولو تركها ناسياً فلا بأس) للأخبار الكثيرة (٦).

وفي الجاهل وجهان ، وإلحاقه بالناسي حسن. وفي حسنة محمّد بن مسلم ،

__________________

(١) غاية المراد ٣ : ٥١٣.

(٢) متّصلين ومنفصلين.

(٣) الدروس ٢ : ٤١١.

(٤) لم نعثر عليه.

(٥) الوسائل ١٦ : ٢٥٨ ، الباب ٦ من أبواب الذبائح ، الحديث الأوّل.

(٦) المصدر السابق : ٢٦٦ ، الباب ١٤ ، الأحاديث ٣ ـ ٥.

٨١

قال : «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجّهها إلى القبلة ، قال : كُلْ منها» (١).

(الثالث : التسمية) عند الذبح (وهي أن يذكر اسم اللّٰه تعالى) كما سبق (٢) فلو تركها عمداً فهي ميتة إذا كان معتقداً لوجوبها. وفي غير المعتقد وجهان ، وظاهر الأصحاب التحريم لقطعهم؛ باشتراطها من غير تفصيل.

واستشكل المصنّف ذلك ، لحكمهم بحلّ ذبيحة المخالف على الإطلاق ما لم يكن ناصباً ، ولا ريب أنّ بعضهم لا يعتقد وجوبها (٣).

ويمكن دفعه بأنّ حكمهم بحلّ ذبيحته من حيث هو مخالف ، وذلك لا ينافي تحريمها من حيث الإخلال بشرط آخر.

نعم ، يمكن أن يقال : بحلّها منه عند اشتباه الحال ، عملاً بأصالة الصحّة وإطلاق الأدلّة ، وترجيحاً للظاهر من حيث رجحانها عند من لا يوجبها ، وعدم اشتراط اعتقاد الوجوب ، بل المعتبر فعلها كما مرّ (٤) وإنّما يحكم بالتحريم مع العلم بعدم تسميته. وهذا حسن. ومثله القول في الاستقبال.

(ولو تركها ناسياً حلّ) للنصّ (٥) وفي الجاهل الوجهان. ويمكن إلحاق

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٢٦٦ ، الباب ١٤ من أبواب الذبائح ، الحديث ٢.

(٢) سبق في الصفحة ٧١.

(٣) الدروس ٢ : ٤١٣.

(٤) مرّ في الصفحة ٧٨.

(٥) الوسائل ١٦ : ٢٦٧ ، الباب ١٥ من أبواب الذبائح ، الأحاديث ٢ ـ ٤ ، و ٢٧٨ ، الباب ٢٣ من أبواب الذبائح ، الحديث ١١.

٨٢

المخالف الذي لا يعتقد وجوبها بالجاهل؛ لمشاركته له في المعنى ، خصوصاً المقلّد منهم.

(الرابع : اختصاص الإبل بالنحر) وذكره في باب شرائط الذبح استطراد أو تغليب لاسم الذبح على ما يشمله (وما عداها) من الحيوان القابل للتذكية غير ما يستثنى (بالذبح ، فلو عكس) فذبح الإبل ، أو جمع بين الأمرين ، أو نحر ما عداها مختاراً (حرم) ومع الضرورة كالمستعصي يحلّ كما يحلّ طعنه كيف اتّفق ، ولو استدرك الذبح بعد النحر أو بالعكس احتمل التحريم؛ لاستناد موته إليهما ، وإن كان كلّ منهما كافياً في الإزهاق لو انفرد.

وقد حكم المصنّف (١) وغيره (٢) باشتراط استناد موته إلى الذكاة خاصّة ، وفرّعوا عليه أنّه لو شرع في الذبح فنزع آخَرُ حشوتَه (٣) معاً فميتة. وكذا كلّ فعل لا تستقرّ معه الحياة وهذا منه. والاكتفاء (٤) بالحركة بعد الفعل المعتبر أو خروج الدم المعتدل ، كما سيأتي.

(الخامس : قطع الأعضاء الأربعة) في المذبوح (وهي المريء) بفتح الميم والهمز آخره (وهو مجرى الطعام) والشراب المتّصل بالحلقوم

__________________

(١) الدروس ٢ : ٤١٣.

(٢) لم نعثر على من صرّح بذلك ، نعم في الشرائع ٣ : ٢٠٥ ما يفيد هذا المعنى ، حيث قال : ولو اُدركت ذكاته فذكّي حلّ وفيه تردّد؛ إذ لا استقرار لحياته بعد الذبح أو النحر.

(٣) بضمّ الحاء وكسرها : أمعاءه.

(٤) معطوف على قوله : احتمل التحريم.

٨٣

(والحلقوم) بضمّ الحاء (وهو للنَفَس) أي المعدّ لجريه فيه (والوَدَجان وهما عرقان يكتنفان الحلقوم) فلو قطع بعض هذه لم يحلّ وإن بقي يسير.

وقيل : يكفي قطع الحلقوم (١) لصحيحة زيد الشحّام عن الصادق عليه السلام : «إذا قطع الحلقوم وجرى الدم فلا بأس» (٢) وحُملت على الضرورة؛ لأنّها وردت في سياقها مع معارضتها بغيرها (٣).

ومحلّ الذبح الحلق تحت اللحيين ، ومحلّ النحر وهدة اللَبّة (و) لا يعتبر فيه قطع الأعضاء ، بل (يكفي في المنحور طعنة في وهدة اللَبّة) وهي ثغرة النحر بين الترقوتين ، وأصل الوهدة : المكان المطمئنّ ، وهو المنخفض ، واللَبّة ـ بفتح اللام وتشديد الباء ـ المنحر. ولا حدّ للطعنة طولاً ولا عرضاً ، بل المعتبر موته بها خاصّة.

(السادس : الحركة بعد الذبح) أو النحر ، ويكفي مسمّاها في بعض الأعضاء كالذَنَب والاُذن ، دون التقلّص والاختلاج ، فإنّه قد يحصل في اللحم المسلوخ (أو خروج الدم المعتدل) وهو الخارج بدفع لا المتثاقل. فلو انتفيا حرم؛ لصحيحة الحلبي (٤) على الأوّل ورواية الحسين بن مسلم (٥) على الثاني.

__________________

(١) قاله الإسكافي كما نقله عنه العلّامة في المختلف ٨ : ٣٥٣ ، ومال إليه هو في الصفحة ٣٥٤.

(٢) الوسائل ١٦ : ٢٥٤ ، الباب ٢ من أبواب الذبائح ، الحديث ٣.

(٣) حملها الشهيد في الدروس ٢ : ٤١٢ كذلك ، وعارضها بحسنة عبد الرحمن بن الحجّاج الواردة في المصدر السابق ، الحديث الأوّل.

(٤) الوسائل ١٦ : ٢٦٣ ، الباب ١١ من أبواب الذبائح ، الحديث ٣.

(٥) المصدر السابق : ٢٦٤ ، الباب ١٢ من أبواب الذبائح ، الحديث ٢.

٨٤

واعتبر جماعة اجتماعهما (١) وآخرون الحركة وحدها (٢) لصحّة روايتها وجهالة الاُخرى بالحسين. وهو الأقوى. وصحيحة الحلبي وغيرها (٣) مصرّحة بالاكتفاء في الحركة بطرف العين ، أو تحريك الذَنَب أو الاُذُن ، من غير اعتبار أمر آخر.

ولكنّ المصنّف هنا وغيره من المتأخّرين (٤) اشترطوا مع ذلك أمراً آخر كما نبّه عليه بقوله : (ولو علم عدم استقرار الحياة حرم) ولم نقف لهم فيه على مستند ، وظاهر القدماء كالأخبار الاكتفاء بأحد الأمرين أو بهما من غير اعتبار استقرار الحياة. وفي الآية إيماء إليه وهي قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةُ وَاَلدَّمُ) إلى قوله : (إِلاّٰ مٰا ذَكَّيْتُمْ) (٥) ففي صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام في تفسيرها : «إن أدركت شيئاً منها عين تطرف أو قائمة تركض ، أو ذَ نَب يمصع فقد

__________________

(١) وهو المنسوب في المهذّب البارع ٤ : ١٦٩ ، إلى المفيد وسلّار والقاضي ، وانظر المقنعة : ٥٨٠ ، والمراسم : ٢١١ ـ ٢١٢ ، والمهذّب ٢ : ٤٢٨ و ٤٣٦.

(٢) مثل الصدوق في المقنع : ٤١٦ ، والعلّامة في المختلف ٨ : ٣٠٧ ، وابن إدريس في السرائر ٣ : ١١٠ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز : ٣٥٢ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٨٨ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٠٦ ، بل أكثر المتأخّرين كما في المسالك ١١ : ٤٨٥ ، لكن ابن إدريس ومن تأخّر عنه اعتبر الحركة على نحو الترديد بينها وبين خروج الدم ، فيكفي أحدهما في إدراك الذكاة.

(٣) اُنظر الوسائل ١٦ : ٢٦٣ ، الباب ١١ من أبواب الذبائح ، الأحاديث ٤ ـ ٧.

(٤) كابن إدريس في السرائر ٣ : ١٠٨ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٠٧ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٣٢٢.

(٥) المائدة : ٣.

٨٥

أدركت ذكاته ، فكله) (١) ومثلها أخبار كثيرة (٢).

قال المصنّف في الدروس : وعن يحيى (٣) أنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب ، ونعم ما قال (٤) وهذا خلاف ما حكم به هنا. وهو الأقوى.

فعلى هذا يعتبر في المشرف على الموت وأكيل السبع وغيره ، الحركة بعد الذبح وإن لم يكن مستقرّ الحياة. ولو اعتبر معها خروج الدم المعتدل كان أولى.

(السابع : متابعة الذبح حتّى يستوفي) قطع الأعضاء ، فلو قطع البعض وأرسله ثمّ تمّمه أو تثاقل بقطع البعض حرم إن لم يكن في الحياة استقرار؛ لعدم صدق الذبح مع التفرقة كثيراً؛ لأنّ الأوّل غير محلِّل ، والثاني يجري مجرى التجهيز على الميّت.

ويشكل مع صدق اسم الذبح عرفاً (٥) ويمكن استناد (٦) الإباحة إلى الجميع ، ولولاه لورد مثله مع التوالي. واعتبار استقرار الحياة ممنوع ، والحركة اليسيرة الكافية مصحّحة فيهما (٧) مع أصالة الإباحة إذا صدق اسم الذبح. وهو الأقوى.

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٢٦٢ ، الباب ١١ من أبواب الذبائح ، الحديث الأوّل.

(٢) المصدر السابق : الأحاديث ٣ ـ ٧.

(٣) يحيى بن سعيد ، صاحب الجامع للشرائع.

(٤) الدروس ٢ : ٤١٥.

(٥) في (ر) زيادة : مع التفرقة كثيراً.

(٦) في (ع) و (ف) : إسناد.

(٧) التوالي وعدمه.

٨٦

(و) على القولين (١) (لا تضرّ التفرقة اليسيرة) التي لا تخرج عن المتابعة عادة.

(ويستحبّ نحر الإبل قد رُبطت أخفافها) أي أخفاف يديها (إلى آباطها) بأن يربطهما معاً مجتمعين من الخفّ إلى الآباط. ورُوي أنّه يعقل يدها اليسرى من الخفّ إلى الرُكبة ويوقفها على (٢) اليمنى (٣) وكلاهما حسن (واُطلقت أرجُلها والبقر تُعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه. والغنم تُربط يداه ورجل واحدة) وتطلق الاُخرى (ويُمسك صوفه وشعره ووَبرَه حتّى يبرد) وفي رواية حمران ابن أعين (إن كان من الغنم فأمسك صوفه أو شعره ولا تمسكن يداً ولا رجلاً) (٤) والأشهر الأوّل (والطير يذبح ويرسل) ولا يُمسك ولا يُكتف.

(ويُكره أن تنخع الذبيحة) وهو أن يقطع نخاعها قبل موتها ، وهو الخيط الأبيض الذي وسط الفقار ـ بالفتح ـ ممتدّاً من الرقبة إلى عَجْب الذنب ـ بفتح العين وسكون الجيم ـ وهو أصله.

وقيل : يحرم (٥) لصحيحة الحلبي قال : قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام : «لا تنخع الذبيحة حتّى تموت فإذا ماتت فانخعها» (٦) والأصل في النهي التحريم. وهو

__________________

(١) أي القول بوجوب المتابعة وهو للمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٠٩ ، والشهيد في الدروس ٢ : ٤١٣ ، والقول باستحبابها وهو للعلّامة في القواعد ٣ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(٢) في (ع) : إلى.

(٣) الوسائل ١٠ : ١٣٥ ، الباب ٣٥ من أبواب الذبح ، الحديث ٣.

(٤) الوسائل ١٦ : ٢٥٥ ، الباب ٣ من أبواب الذبائح ، الحديث ٢.

(٥) قاله الشيخ في النهاية : ٥٨٤ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٤٤٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٠ ، والعلّامة في المختلف ٨ : ٣٠٣.

(٦) الوسائل ١٦ : ٢٥٨ ، الباب ٦ من أبواب الذبائح ، الحديث ٢.

٨٧

الأقوى ، واختاره في الدروس (١) نعم لا تحرم الذبيحة على القولين.

(وأن يقلب السكّين) بأن يُدخِلها تحت الحلقوم وباقي الأعضاء (فيذبح إلى فوق) لنهي الصادق عليه السلام عنه في رواية حمران بن أعين ، ومن ثَمّ قيل بالتحريم (٢) حملاً للنهي عليه.

وفي السند من لا تثبت عدالته (٣) فالقول بالكراهة أجود.

(والسلخ قبل البرد) لمرفوعة محمّد بن يحيى عن الرضا عليه السلام : (إذا ذُبِحت وسُلخت ، أو سُلخ شيء منها قبل أن تموت فليس يحلّ أكلها) (٤).

وذهب جماعة (٥) ـ منهم المصنّف في الدروس والشرح (٦) ـ إلى تحريم

__________________

(١) الدروس ٢ : ٤١٥.

(٢) قاله الشيخ في النهاية : ٥٨٤ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٤٤٠.

(٣) وهما إبراهيم بن هاشم فإنّه ممدوح خاصّة غير معدّل لم يبلغ حدّ الثقة وحمران بن أعين فإنّه أيضاً مشكور من غير توثيق. راجع فهارس المسالك ١٦ : ٢٨٦ و ٢٨٨.

(٤) الوسائل ١٦ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، الباب ٨ من أبواب الذبائح ، وفيه حديث واحد. اعلم أنّ الرواية مع عدم دلالتها على موضع النزاع مرسلةٌ؛ لأنّ محمّد بن يحيى لم يدرك الرضا عليه السلام وإنّما رفعه إليه عليه السلام ، وهو طريق آخر لردّها. والمصنّف في الشرح غاية المراد ٢ : ٥٢٠ اعتذر عن ذلك بأنّ الرفع في الاصطلاح بمعنى الإسناد ، وضعّف بأ نّه مع تسليمه لا يستلزم كونه على وجهٍ يصلح للحجّة؛ لأنّ السند حينئذٍ مجهولٌ‌ٍ فهو بمعنى الإرسال. وأعجب من ذلك أنّه جعلها في الدروس ٢ : ٤١٥ مقطوعةً مع كونها مرويّةً عن الرضا عليه السلام ، والمقطوع ما لم يذكر فيه المرويّ عنه من النبيّ صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام. (منه رحمه الله).

(٥) منهم الشيخ في النهاية : ٥٨٤ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٤٤٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٠.

(٦) الدروس ٢ : ٤١٥ ، وغاية المراد ٣ : ٥٢٠.

٨٨

الفعل ، استناداً إلى تلازم تحريم الأكل وتحريم الفعل. ولا يخفى منعه ، بل عدم دلالته على التحريم والكراهة.

نعم ، يمكن الكراهة من حيث اشتماله على تعذيب الحيوان على تقدير شعوره ، مع أنّ سلخه قبل برده لا يستلزمه؛ لأنّه أعمّ من قبليّة الموت ، وظاهرهم أنّهما متلازمان. وهو ممنوع ، ومن ثَمّ جاز تغسيل ميّت الإنسان قبل برده ، فالأولى تخصيص الكراهة بسلخه قبل موته.

(وإبانة الرأس عمداً) حالةَ الذبح؛ للنهي عنه في صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام : (لا تنخع ، ولاتقطع الرقبة بعدما تذبح) (١).

(وقيل) والقائل الشيخ في النهاية (٢) وجماعة (٣) (بالتحريم) لاقتضاء النهي له مع صحّة الخبر. وهو الأقوى. وعليه هل تحرم الذبيحة؟ قيل : نعم (٤) لأنّ الزائد عن قطع الأعضاء يخرجه عن كونه ذبحاً شرعيّاً ، فلا يكون مبيحاً.

ويُضعّف بأنّ المعتبر في الذبح قد حصل ، فلا اعتبار بالزائد. وقد روى الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام حيث سئل عن ذبح طير قطع رأسه أيؤكل منه؟ قال : «نعم ولكن لا يتعمّد قطع رأسه» (٥) وهو نصّ ، ولعموم قوله تعالى :

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٢٦٧ ، الباب ١٥ من أبواب الذبائح ، الحديث ٢.

(٢) النهاية : ٥٨٤.

(٣) منهم القاضي في المهذّب ٢ : ٤٤٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٠ ، والكيدري في الإصباح : ٣٨١ ، والمصنّف في الدروس ٢ : ٤١٥.

(٤) قاله الشيخ في النهاية : ٥٨٤ ، والسيّد ابن زهرة في الغنية : ٣٩٧ ، والكيدري في الإصباح : ٣٨١ ، وغيرهم.

(٥) الوسائل ١٦ : ٢٥٩ ، الباب ٩ من أبواب الذبائح ، الحديث ٥.

٨٩

(فَكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اِسْمُ اَللّٰهِ عَلَيْهِ) (١) فالمتّجه تحريم الفعل ، دون الذبيحة فيه ، وفي كلّ ما حُرّم سابقاً.

ويمكن أن يكون القول المحكيّ بالتحريم متعلّقاً بجميع ما ذُكر مكروهاً؛ لوقوع الخلاف فيها أجمع ، بل قد حرّمها المصنّف في الدروس إلّا «قلب السكّين» فلم يحكم فيه بتحريم ولا غيره ، بل اقتصر على نقل الخلاف (٢).

(وإنّما تقع الذكاة على حيوان طاهر العين ، غير آدمي ولا حِشار) وهي ما سكن الأرض من الحيوان (٣) كالفأر والضبّ وابن عرس (٤) (ولا تقع على الكلب والخنزير) إجماعاً (ولا على الآدمي وإن كان كافراً) إجماعاً (ولا على الحشرات) على الأظهر؛ للأصل؛ إذ لم يرد بها نصّ (وقيل : تقع) (٥) وهو شاذّ.

(والظاهر وقوعها على المسوخ والسباع) لرواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : «أنّه سئل عن سباع الطير والوحش حتّى ذكر القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل ، فقال : ليس الحرام إلّاما حرّمه اللّٰه في كتابه» (٦) وليس المراد نفي تحريم الأكل؛ للروايات الدالّة على تحريمه (٧) فيبقى عدم تحريم

__________________

(١) الأنعام : ١١٨.

(٢) اُنظر الدروس ٢ : ٤١٥ ـ ٤١٦.

(٣) في (ر) : الحيوانات.

(٤) دويبة يقال لها بالفارسيّة : راسو.

(٥) لم نعثر عليه ، ونسبه الشهيد في غاية المراد ٣ : ٥٠٨ إلى ظاهر كلام الشيخ وأتباعه.

(٦) الوسائل ١٦ : ٣٢٧ ، الباب ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ٦.

(٧) اُنظر الوسائل ١٦ : ٣١٢ و ٣٢٠ ، الباب ٢ و ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

٩٠

الذكاة. وروى حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : «كان رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله عزوف النفس (١) وكان يكره الشيء ولا يحرّمه ، فاُتي بالأرنب فكرهها ولم يحرّمها» (٢) وهو محمول أيضاً على عدم تحريم ذكاتها وجلودها ، جمعاً بين الأخبار (٣) والأرنب من جملة المسوخ ، ولا قائل بالفرق بينها.

وروى سماعة قال : «سألته عن لحوم (٤) السباع وجلودها؟ فقال : أمّا اللحوم فدعها ، وأمّا الجلود فاركبوا عليها ، ولا تصلّوا فيها» (٥) والظاهر أنّ المسؤول الإمام. ولا يخفى بُعد هذه الأدلّة.

نعم قال المصنّف في الشرح : إنّ القول الآخر في السباع لا نعرفه لأحد منّا (٦) والقائلون بعدم وقوع الذكاة على المسوخ أكثرهم علّلوه بنجاستها (٧) وحيث ثبت طهارتها في محلّه توجّه القول بوقوع الذكاة عليها إن تمّ ما سبق (٨).

ويستثنى من المسوخ الخنازير؛ لنجاستها ، والضبّ والفأر والوزغ؛ لأنّها

__________________

(١) عزفتْ نفسه عن الشيء : زهدت فيه وانصرفت عنه.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣١٩ ، الباب ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ٢١.

(٣) حمله على ذلك فخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ١٣١.

(٤) في النسخ : تحريم ، وما أثبتناه من التهذيب والوسائل ، وهو الأوفق.

(٥) الوسائل ١٦ : ٣٢١ ، الباب ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ٤.

(٦) غاية المراد ٣ : ٥٠٧ ، ولكن فيه بدل : «لا نعرفه لأحد منّا» : لم أعرفه للقدماء.

(٧) مثل المفيد في المقنعة : ٥٧٨ ، والشيخ في الخلاف ٣ : ١٨٤ ، ذيل المسألة ٣٠٦ من البيوع ، و ٦ : ٧٣ ، المسألة ٢ من الأطعمة ، والديلمي في المراسم : ٥٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٧٨. ولا يخفى أنّهم لم يصرّحوا بالتعليل بل هو لازم كلامهم ، كما في غاية المراد ٣ : ٥٠٨ ، وغاية المرام ٤ : ٣٣.

(٨) من الروايات التي استدلّ بها على وقوع الذكاة على المسوخ (هامش ر).

٩١

من الحِشار ، وكذا ما في معناها (١).

وروى الصدوق بإسناده إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام «أنّ المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفاً : القردة والخنازير والخفّاش والذئب والدبّ والفيل والدعموص والجريث والعقرب وسهيل والزهرة والعنكبوت والقنفذ». قال الصدوق رحمه الله : والزهرة وسهيل دابّتان وليستا نجمين ، ولكن سُمّي بهما النجمان ، كالحمل والثور. قال : والمسوخ جميعها لم تبق أكثر من ثلاثة أيّام ثمّ ماتت ، وهذه الحيوانات على صورها سُمّيت مسوخاً استعارة (٢).

ورُوي عن الرضا عليه السلام زيادة الأرنب والفأرة والوزغ والزنبور (٣) ورُوي إضافة الطاووس (٤).

والمراد بالسباع : الحيوان المفترس ، كالأسد والنمر والفهد والثعلب والهرّ.

__________________

(١) كالحيّة والعقرب والجرذان والخنافس والصراصر وبنات وردان والبراغيث والقمل. اُنظر المسالك ١٢ : ٣٥ ـ ٣٦ ، والمبسوط ٦ : ٢٨٠.

(٢) الوسائل ١٦ : ٣١٦ ، الباب ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ١٢. وانظر كلام الصدوق في الخصال ٢ : ٤٩٤ ، ذيل الحديث ٢ ، وعلل الشرائع : ٤٨٨ ، ذيل الحديث ٥.

(٣) الوسائل ١٦ : ٣١٤ ، الباب ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ٧.

(٤) نفس المصدر ، الحديث ٦.

٩٢

(الثالث)

(في اللواحق)

(وفيه مسائل)

الاُولى :

(ذكاة السمك) المأكول (إخراجه من الماء حيّاً) بل إثبات اليد عليه خارج الماء حيّاً وإن لم يخرجه منه ، كما نبّه عليه قوله : (ولو وثب فأخرجه حيّاً ، أو صار خارج الماء) بنفسه (فأخذه حيّاً حلّ ، ولا يكفي) في حِلّه (نظره) قد خرج من الماء حيّاً ثمّ مات على أصحّ القولين (١) لقول أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حسنة الحلبي : «إنّما صيد الحيتان أخذه» (٢) وهي للحصر. وروى عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام قال : «سألته عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجُدّ (٣)

__________________

(١) اختاره المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٠٧ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٣٢٣ ، والتحرير ٤ : ٦٢٧ ، الرقم ٦٢٣٢ وغيرهما ، والشهيد في الدروس ٢ : ٤٠٩ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٤ : ٢٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٢٦.

(٢) الوسائل ١٦ : ٢٩٩ ، الباب ٣٢ من أبواب الذبائح ، الحديث ٩.

(٣) الشاطئ.

٩٣

من النهر فماتت أيصلح أكلها؟ قال : إن أخذتها قبل أن تموت ثمّ ماتت فكلها ، وإن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها» (١).

وقيل : يكفي في حلّه خروجه من الماء وموته خارجه ، وإنّما يحرم بموته في الماء (٢) لرواية سَلَمة أبي حفص عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «أنّ عليّاً صلوات اللّٰه عليه كان يقول في الصيد والسمك : إذا أدركها وهي تضطرب وتضرب بيديها ، وتُحرّك ذَنَبها ، وتطرف بعينها فهي ذكاته» (٣) وروى زرارة قال : قلت : «السمكة تثب من الماء فتقع على الشطّ فتضطرب حتّى تموت؟ فقال : كُلها» (٤).

ولحلِّه (٥) بصيد المجوسي مع مشاهدة المسلم له كذلك ، وصيده لا اعتبار به وإنّما الاعتبار بنظر المسلم.

ويضعَّف بأنّ سَلَمة مجهول أو ضعيف. ورواية زرارة مقطوعة مرسلة. والقياس على صيد المجوس فاسد؛ لجواز كون سبب الحِلّ أخذ المسلم أو نظره مع كونه تحت يدٍ؛ إذ لا يدلّ الحكم على أزيد من ذلك. وأصالة عدم التذكية مع ما سلف تقتضي العدم.

(ولا يشترط في مُخرجه الإسلام) على الأظهر (لكن يشترط حضور مسلم عنده) يشاهده قد اُخرج حيّاً ومات خارج الماء (في حِلّ أكله) للأخبار الكثيرة الدالّة عليه :

منها : صحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن صيد الحيتان وإن

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٣٠١ ، الباب ٣٤ من أبواب الذبائح ، الحديث الأوّل.

(٢) هذا القول اختاره المحقّق في نكت النهاية ٣ : ٨٠. (منه رحمه الله).

(٣) الوسائل ١٦ : ٣٠٢ ، الباب ٣٤ من أبواب الذبائح ، الحديث ٢ و ٤.

(٤) الوسائل ١٦ : ٣٠٢ ، الباب ٣٤ من أبواب الذبائح ، الحديث ٢ و ٤.

(٥) عطف على قوله : لرواية سلمة.

٩٤

لم يُسمَّ ، فقال : لا بأس به ، وسألته عن صيد المجوس السمك ، آكله؟ فقال : ما كنت لآكله حتّى أنظر إليه» (١).

وفي رواية اُخرى له عنه عليه السلام «أنّه سُئل عن صيد المجوس حين يضربون بالشباك ويسمّون بالشرك ، فقال : لا بأس بصيدهم إنّما صيد الحيتان أخذه» (٢). ومطلق الثاني (٣) محمول على مشاهدة المسلم له جمعاً.

ويظهر من الشيخ في الاستبصار المنع منه إلّاأن يأخذه المسلم منه حيّاً (٤) لأ نّه حمل الأخبار على ذلك. ومن المفيد (٥) وابن زهرة (٦) المنع من صيد غير المسلم له مطلقاً ، إمّا لاشتراط الإسلام في التذكية ، وهذا منه ، أو لما في بعض الأخبار من اشتراط أخذ المسلم له منهم حيّاً (٧) فيكون إخراجهم له بمنزلة وُثوبه من الماء بنفسه إذا أخذه المسلم.

والمذهب هو الأوّل ، والقول في اعتبار استقرار الحياة بعد إخراجه كما سبق (٨) والمصنّف في الدروس مع ميله إلى عدم اعتباره ثَمَّ (٩) جزم باشتراطه هنا.

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٢٩٨ ، الباب ٣٢ من أبواب الذبائح ، الحديث الأوّل.

(٢) المصدر السابق : ٢٩٩ ، الحديث ٩.

(٣) أي الحديث الثاني.

(٤) اُنظر الاستبصار ٤ : ٦٤ ، ذيل الحديث ٢٢٨.

(٥) اُنظر المقنعة : ٥٧٧.

(٦) الغنية : ٣٩٧.

(٧) وهو خبر عيسى بن عبد اللّٰه عن الصادق عليه السلام ، اُنظر الوسائل ١٦ : ٢٤٣ ، الباب ٣٤ من أبواب الصيد ، وفيه حديث واحد.

(٨) سبق في ذبح الحيوان ، الصفحة ٨٥.

(٩) أي في ذبح الحيوان ، راجع الدروس ٢ : ٤١٤ و ٤٠٨.

٩٥

(ويجوز أكله حيّاً) لكونه مذكّى بإخراجه من غير اعتبار موته بعد ذلك. بخلاف غيره من الحيوان ، فإنّ تذكيته مشروطة بموته بالذبح أو النحر ، أو ما في حكمهما (١).

وقيل : لا يباح أكله حتّى يموت كباقي ما يُذكّى (٢) ومن ثَمَّ لو رجع إلى الماء بعد إخراجه فمات فيه لم يحلّ ، فلو كان مجرّد إخراجه كافياً لما حرم بعده. ويمكن خروج هذا الفرد بالنصّ عليه ، وقد عُلّل فيه بأ نّه مات فيما فيه حياته (٣) فيبقى ما دلّ على أنّ ذكاته إخراجه خالياً عن المعارض.

(ولو اشتبه الميّت) منه (بالحيّ في الشبكة وغيرها حرم الجميع) على الأظهر؛ لوجوب اجتناب الميّت المحصور الموقوف على اجتناب الجميع ، ولعموم قول الصادق عليه السلام : «ما مات في الماء فلا تأكله ، فإنّه مات فيما فيه حياته» (٤).

وقيل : يحلّ الجميع إذا كان في الشبكة أو الحظيرة مع عدم تميّز الميّت؛ لصحيحة الحلبي (٥) وغيرها (٦) الدالّة على حلّه مطلقاً ، بحمله على الاشتباه جمعاً.

وقيل : يحلّ الميّت في الشبكة والحظيرة وإن تميّز (٧) للتعليل في النصّ

__________________

(١) كعَقْر المستعصي والصيد على بعض الوجوه (هامش ر).

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ٦ : ٢٧٧.

(٣) اُنظر الوسائل ١٦ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، الباب ٣٣ من أبواب الذبائح ، الحديث ٢ و ٦.

(٤) الوسائل ١٦ : ٣٠٣ ، الباب ٣٥ من أبواب الذبائح ، الحديث الأوّل.

(٥) قاله الشيخ في النهاية : ٥٧٨ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٤٣٨ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٠٨ ، وانظر الصحيحة في الوسائل ١٦ : ٣٠٣ ، الباب ٣٥ من أبواب الذبائح ، الحديث ٣.

(٦) المصدر السابق : الأحاديث ٢ و ٤ ـ ٦.

(٧) وهو المنسوب إلى العماني ، وانظر كلامه في المختلف ٨ : ٢٦٤.

٩٦

بأ نّهما لمّا عُملا للاصطياد جرى ما فيهما مجرى المقبوض باليد (١).

(الثانية) :

(ذكاة الجراد أخذه) حيّاً باليد أو الآلة (ولو كان الآخذ) له (كافراً) إذا شاهده المسلم كالسمك. وقول ابن زهرة هنا كقوله في السمك (٢).

هذا (إذا استقلّ بالطيران) وإلّا لم يحلّ ، وحيث اعتبر في تذكيته أخذه حيّاً (فلو أحرقه قبل أخذه حرم) وكذا لو مات في الصحراء أو في الماء قبل أخذه وإن أدركه بنظره ، ويباح أكله حيّاً وبما فيه كالسمك (ولا يحلّ الدَبا) ـ بفتح الدال مقصوراً ـ وهو الجراد قبل أن يطير وإن ظهر جناحه ، جمع (دَباة) بالفتح أيضاً.

(الثالثة) :

(ذكاةُ الجنين ذكاةُ اُمّه) هذا لفظ الحديث النبويّ (٣) وعن أهل البيت عليهم السلام مثله (٤).

والصحيح روايةً وفتوىً أنّ «ذكاة» الثانية مرفوعةٌ خبراً عن الاُولى ، فتنحصر ذكاته في ذكاتها؛ لوجوب انحصار المبتدأ في خبره ، فإنّه إمّا مساوٍ أو أعمّ وكلاهما يقتضي الحصر. والمراد بالذكاة هنا السبب المحلِّل للحيوان كذكاة السمك والجراد. وامتناع «ذكّيت الجنين» إن صحّ فهو محمول على

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٦ : ٣٠٣ ، الباب ٣٥ من أبواب الذبائح ، الحديث ٢ و ٣.

(٢) راجع الصفحة ٩٥ ، والغنية : ٣٩٧.

(٣) المستدرك ١٦ : ١٤٠ ، الباب ١٦ من أبواب الذبائح ، الحديث ٢.

(٤) اُنظر الوسائل ١٦ : ٢٦٩ ـ ٢٧٢ ، الباب ١٨ من أبواب الذبائح.

٩٧

المعنى الظاهر ، وهو فري الأعضاء المخصوصة. أو يقال : إنّ إضافة المصادر تخالف إضافة الأفعال؛ للاكتفاء فيها بأدنى ملابسة ، ولهذا صحّ «وللّٰه على الناسِ حِجُّ البيت» و «صومُ رمضان» ولم يصحّ «حَجّ البيتُ» و «صام رمضانُ» بجعلهما فاعلين.

وربما أعربها بعضهم (١) بالنصب على المصدر ، أي ذكاته كذكاة اُمّه ، فحُذف الجارّ ونُصب مفعولاً. وحينئذٍ فتجب تذكيته كتذكيتها.

وفيه مع التعسّف ، مخالفته لرواية الرفع ، دون العكس؛ لإمكان كون الجارّ المحذوف «في) أي داخلة في ذكاة اُمّه جمعاً بين الروايتين ، مع أنّه الموافق لرواية أهل البيت عليهم السلام وهم أدرى بما في البيت ، وهو في أخبارهم كثير صريح فيه. ومنه قول الصادق عليه السلام وقد سُئل عن الحُوار (٢) تُذكّى اُمّه أيؤكل بذكاتها؟ فقال : «إذا كان تامّاً ونبت عليه الشعر فكل» (٣) وعن الباقر عليه السلام أنّه قال في الذبيحة تذبح وفي بطنها ولد ، قال : «إن كان تامّاً فكله فإنّ ذكاته ذكاة اُمّه ، وإن لم يكن تامّاً فلا تأكله» (٤).

وإنّما يجوز أكله بذكاتها (إذا تمّت خلقته) وتكاملت أعضاؤه وأشعر أو أوبر ، كما دلّت عليه الأخبار (٥) (سواء ولجته الروح أو لا ، وسواء اُخرج ميّتاً

__________________

(١) قال صاحب العوالي في ذيل الرواية : وروي بالنصب. عوالي اللآلئ ٢ : ٣٢٣ ، ذيل الحديث ١٧.

(٢) بضمّ الحاء وقد تكسر : ولد الناقة.

(٣) الوسائل ١٦ : ٢٦٩ ، الباب ١٨ من أبواب الذبائح ، الحديث الأوّل.

(٤) نفس المصدر : الحديث ٦.

(٥) راجع نفس المصدر : الأحاديث ٢ و ٣ و ٥ و ١١ و ١٢ وغيرها.

٩٨

أو) اُخرج (حيّاً غير مستقرّ الحياة) لأنّ غير مستقرّها بمنزلة الميّت ، ولإطلاق النصوص بحِلّه إذا كان تامّاً (١).

(ولو كانت) حياته (مستقرّة ذُكّي) لأنّه حيوان حيّ فيتوقّف حِلّه على التذكية ، عملاً بعموم النصوص الدالّة عليها إلّاما أخرجه الدليل الخاصّ. وينبغي في غير المستقرّ ذلك؛ لما تقدّم من عدم اعتبارها (٢) في حلّ المذبوح.

هذا إذا اتّسع الزمان لتذكيته. أمّا لو ضاق عنها ففي حلّه وجهان : من إطلاق الأصحاب وجوب تذكية ما خرج مستقرّ الحياة (٣) ومن تنزيله منزلة غير مستقرّها؛ لقصور زمان حياته ودخوله في عموم الأخبار الدالّة على حلّه بتذكية اُمّه إن لم يدخل مطلق الحيّ.

ولو لم تتمّ خلقته فهو حرام. واشترط جماعة مع تمام خلقته أن لا تلجه الروح (٤) وإلّا افتقر إلى تذكيته مطلقاً ، والأخبار مطلقة ، والفرض بعيد؛ لأنّ الروح لا تنفكّ عن تمام الخلقة عادّة.

وهل تجب المبادرة إلى إخراجه بعد موت المذبوح ، أم يكفي إخراجه المعتاد بعد كشط جلده عادة؟ إطلاق الأخبار والفتوى يقتضي العدم. والأوّل أولى.

__________________

(١) اُنظر نفس المصدر : الأحاديث ١ و ٤ و ٦ ـ ٧.

(٢) أي الحياة المستقرّة.

(٣) كما في النهاية : ٥٨٥ ، والقواعد ٣ : ٣٢٠ ، والتحرير ٤ : ٦٢٧ ، الرقم ٦٢٣٣.

(٤) مثل الشيخ في النهاية : ٥٨٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٦١ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٤٤٠.

٩٩

(الرابعة) :

(ما يثبت في آلة الصيّاد) من الصيود المقصودة بالصيد يملكه لتحقّق الحيازة والنيّة. هذا إذا نصبها بقصد الصيد ـ كما هو الظاهر ـ ليتحقّق قصد التملّك.

وحيث (يملكه) يبقى ملكه عليه (ولو انفلت بعد) ذلك؛ لثبوت ملكه فلا يزول بتعذّر قبضه ، كإباق العبد وشرود الدابّة. ولو كان انفلاته باختياره ناوياً قطع ملكه عنه ، ففي خروجه عن ملكه قولان (١) من الشكّ في كون ذلك مخرجاً عن الملك مع تحقّقه فيستصحب ، ومن كونه بمنزلة الشيء الحقير من ماله إذا رماه مهملاً له.

ويضعَّف بمنع خروج الحقير عن ملكه بذلك وإن كان ذلك إباحة لتناول غيره ، فيجوز الرجوع فيه ما دام باقياً.

وربما قيل بتحريم أخذ الصيد المذكور مطلقاً (٢) وإن جاز أخذ اليسير من المال؛ لعدم الإذن شرعاً في إتلاف المال مطلقاً إلّاأن تكون قيمته يسيرة.

(ولا يملك ما عشّش في داره ، أو وقع في موحلته (٣) أو وثب إلى سفينته) لأنّ ذلك لا يعدّ آلة للاصطياد ، ولا إثباتاً لليد.

__________________

(١) القول بعدم الخروج للمحقّق في الشرائع ٣ : ٢١١ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٣١٥ ، والتحرير ٤ : ٦١٨. وأمّا القول بالخروج فلم نعثر عليه وإن نسبه في الإيضاح ٤ : ١٢٣ ، والمسالك ١١ : ٥٢٤ إلى الشيخ في المبسوط ، ولكن لم نظفر به هناك.

(٢) اُنظر القواعد ٣ : ٣١٥ ـ ٣١٦ ، والإيضاح ٤ : ١٢٣ ، والدروس ٢ : ٤٠٠.

(٣) اسم مكانٍ مأخوذ من الوَحَل ، وهو الطين الرقيق.

١٠٠