الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-48-6
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٧٢

كتاب إحياء الموات

٤١
٤٢

كتاب إحياء الموات

(وهو) أي الموات من الأرض (ما لا يُنتفع به) منها (لعُطلته أو لاستيجامه ، أو لعُدم الماء عنه ، أو لاستيلاء الماء عليه) ولو جعل هذه الأقسام أفراداً لعُطلته؛ لأنّها أعمّ منها ، كان أجود. ولا فرق بين أن يكون قد سبق لها إحياء ثمّ ماتت ، وبين موتها ابتداءً على ما يقتضيه الإطلاق. وهذا يتمّ مع إبادة أهله بحيث لا يُعرفون ولا بعضهم ، فلو عُرف المحيي لم يصحّ إحياؤها على ما صرّح به المصنّف في الدروس (١) وسيأتي إن شاء اللّٰه تعالى ما فيه (٢).

ولا يعتبر في تحقّق موتها العارض ذهاب رسم العمارة رأساً ، بل ضابطه العُطلة وإن بقيت آثار الأنهار ونحوها؛ لصدقه عرفاً معها خلافاً لظاهر التذكرة (٣) ولا يلحق ذلك بالتحجير حيث إنّه لو وقع ابتداءً كان تحجيراً؛ لأنّ شرطه بقاء اليد وقصد العمارة. وهما منتفيان هنا ، بل التحجير مخصوص بابتداء الإحياء؛ لأنّه بمعنى الشروع فيه حيث لا يبلغه ، فكأ نّه قد حجّر على غيره بأثره أن يتصرّف فيما حجّره بإحياء وغيره.

__________________

(١) الدروس ٣ : ٥٥.

(٢) يأتي في الصفحة ٤٦.

(٣) اُنظر التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٤٠١.

٤٣

وحكم الموات : أن (يتملّكه (١) مَن أحياه) إذا قصد تملّكه (مع غيبة الإمام عليه السلام) سواء في ذلك المسلم والكافر؛ لعموم (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) (٢) ولا يقدح في ذلك كونها للإمام عليه السلام على تقدير ظهوره؛ لأنّ ذلك لا يقصر عن حقّه من غيرها كالخمس والمغنوم بغير إذنه ، فإنّه بيد الكافر والمخالف على وجه الملك حالَ الغيبة ، ولا يجوز انتزاعه (٣) منه فهنا أولى.

(وإلّا) يكن الإمام عليه السلام غائباً (افتقر) الإحياء (إلى إذنه) إجماعاً. ثمّ إن كان مسلماً ملكها بإذنه ، وفي ملك الكافر مع الإذن قولان (٤) ولا إشكال فيه لو حصل ، إنّما الإشكال في جواز إذنه له ، نظراً إلى أنّ الكافر هل له أهليّة ذلك أم لا؟ والنزاع قليل الجدوى.

(ولا يجوز إحياء العامر وتوابعه كالطريق) المفضي إليه (والشرب) ـ بكسر الشين ـ وأصله الحظّ من الماء ، ومنه قوله تعالى : (لَهٰا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (٥) والمراد هنا النهر وشبهه المعدّ لمصالح العامر ، وكذا غيرهما من مرافق العامر وحريمه.

__________________

(١)في (س) : يملكه.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٢٨ ، الباب ٢ من أبواب إحياء الموات ، والمستدرك ١٧ : ١١١ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات ، الحديث ١ و ٢.

(٣) في (ش) : انتزاعها.

(٤) أمّا القول بالعدم فنسبه في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٤٠٠ وجامع المقاصد ٧ : ١٠ إلى علمائنا ، وفي غاية المرام ٤ : ١٢٧ إلى المشهور عند أصحابنا. وأمّا القول بالملك فحسّنه المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٧١ ، وقال العلّامة في التحرير ٤ : ٤٨٤ : فالوجه أنّه يملكه.

(٥) الشعراء : ١٥٥.

٤٤

(ولا) إحياء (المفتوحة عَنْوةً) بفتح العين أي قهراً وغلبة على أهلها كأرض الشام والعراق وغالب بلاد الإسلام (إذ عامرها) حالَ الفتح (للمسلمين) قاطبة بمعنى أنّ حاصلها يصرف في مصالحهم ، لا تصرّفُهم فيها كيف اتّفق كما سيأتي (وغامرها (١)) بالمعجمة وهو خلاف العامر بالمهملة ، قال الجوهري : وإنّما قيل له : (غامر) ؛ لأنّ الماء يبلغه فيغمره ، وهو فاعل بمعنى مفعول كقولهم : (سرٌّ كاتم) و (ماء دافق) وإنّما بُني على فاعل ليقابل به العامر (٢).

وقيل : الغامر من الأرض ما لم يُزرع ممّا يحتمل الزراعة (٣) وما لا يبلغه الماء من موات الأرض لا يقال له : (غامر) نظراً إلى الوصف المتقدّم.

والمراد هنا أنّ مواتها مطلقاً (للإمام عليه السلام) فلا يصحّ إحياؤه بغير إذنه مع حضوره. أمّا مع غيبته فيملكها المحيي.

ويرجع الآن في المحيى منها والميّت في تلك الحال إلى القرائن ، ومنها : ضرب الخراج والمقاسمة ، فإن انتفت فالأصل يقتضي عدم العمارة ، فيحكم لمن بيده منها شيء بالملك لو ادّعاه.

(وكذا كلّ ما) أي موات من الأرض (لم يجر عليه ملك لمسلم) فإنّه للإمام عليه السلام فلا يصحّ إحياؤه إلّابإذنه مع حضوره ويباح في غيبته. ومثله ما جرى عليه ملكه ثمّ باد أهله.

(ولو جرى عليه ملك مسلم) معروف (فهو له ولوارثه بعده) كغيره من الأملاك (ولا ينتقل عنه بصيرورته مواتاً) مطلقاً ، لأصالة بقاء الملك ،

__________________

(١) في (ق) : خرابها ، وفي نسخة بدل (س) : غابرها.

(٢) الصحاح ٢ : ٧٧٣ ، (غمر).

(٣) نقله ابن منظور في اللسان ١٠ : ١١٩ بلفظ : وقيل : الغامر من الأرض ....

٤٥

وخروجه يحتاج إلى سبب ناقل ، وهو محصور وليس منه الخراب.

وقيل : يملكها المحيي بعد صيرورتها مواتاً ويبطل حقّ السابق (١) لعموم «من أحيا أرضاً ميتة فهي له» ولصحيحة أبي خالد الكابلي عن الباقر عليه السلام قال : «وجدنا في كتاب عليّ عليه السلام : إنّ الأرض للّٰه‌يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين ـ إلى أن قال ـ وإن تركها أو أخربها (٢) فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها» (٣) وقول الصادق عليه السلام : «أيّما رجل أتى خربة هائرة (٤) فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها ، فإنّ عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضاً لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخربها ثمّ جاء بعدُ يطلبها ، فإنّ الأرض للّٰه‌ولمن عمرها» (٥) وهذا هو الأقوى.

وموضع الخلاف : ما إذا كان السابق قد ملكها بالإحياء ، فلو كان قد ملكها بالشراء ونحوه لم يزل ملكه عنها إجماعاً ، على ما نقله العلّامة في التذكرة عن جميع أهل العلم (٦).

(وكلّ أرض أسلم عليها أهلها طوعاً) كالمدينة المشرّفة والبحرين

__________________

(١) نسبه في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٤٠١ إلى مالك وقال : ولا بأس بهذا القول عندي ، ونسبه في جامع المقاصد ٧ : ١٧ إلى المشهور ، وفي المسالك ١٢ : ٣٩٩ إلى جماعة من أصحابنا.

(٢) كذا في (ع) ، وفي سائر النسخ : أو خرّبها ، وفي الوسائل : وأخربها.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣٢٩ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٢.

(٤) كذا في النسخ : وفي الوسائل : بائرة.

(٥) الوسائل ١٧ : ٣٢٨ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، الحديث الأوّل.

(٦) لم نعثر عليه. نعم ، نقل في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٤٠١ عن بعض العامّة إجماع العلماء على ذلك.

٤٦

وأطراف اليمن (فهي لهم) على الخصوص يتصرّفون فيها كيف شاؤوا (وليس عليهم فيها سوى الزكاة مع) اجتماع (الشرائط) المعتبرة فيها. هذا إذا قاموا بعمارتها.

أمّا لو تركوها فخربت فإنّها تدخل في عموم قوله : (وكلّ أرض تَركَ أهلها عمارتها فالمحيي أحقّ بها) منهم ، لا بمعنى ملكه لها بالإحياء؛ لما سبق من أنّ ما جرى عليها ملك مسلم لا ينتقل عنه بالموت ، فبترك العمارة التي هي أعمّ من الموت أولى ، بل بمعنى استحقاقه التصرّف فيها ما دام قائماً بعمارتها (وعليه طسقها) أي اُجرتها (لأربابها) الذين تركوا عمارتها.

أمّا عدم خروجها عن ملكهم فقد تقدّم. وأمّا جواز إحيائها مع القيام بالاُجرة فلرواية سليمان بن خالد «وقد سأله عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها فماذا عليه؟ قال : الصدقة ، قلت : فإن كان يعرف صاحبها ، قال : فليؤدّ إليه حقّه» (١) وهي دالّة على عدم خروج الموات به عن الملك أيضاً؛ لأنّ نفس الأرض حقّ صاحبها ، إلّاأ نّها مقطوعة السند ضعيفة (٢) فلا تصلح.

وشرط في الدروس إذن المالك في الإحياء ، فإن تعذّر فالحاكم ، فإن تعذّر جاز الإحياء بغير إذن ، وللمالك حينئذٍ طسقها (٣) ودليله غير واضح.

والأقوى أنّها إن خرجت عن ملكه جاز إحياؤها بغير اُجرة ، وإلّا امتنع

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٢٩ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٣.

(٢) قال في المسالك ١٥ : ٤٤١ : لم ينصّ الأصحاب على توثيقه سليمان بن خالد على تقدير سلامة عقيدته. ولم يشر إلى قطع سندها فيه.

(٣) الدروس ٣ : ٥٦ ـ ٥٧.

٤٧

التصرّف فيها بغير إذنه. وقد تقدّم ما يعلم منه خروجها عن ملكه وعدمه (١).

نعم ، للإمام عليه السلام تقبيل المملوكة الممتنع أهلها من عمارتها بما شاء؛ لأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

(وأرض الصلح التي بأيدي أهل الذمّة) وقد صالحوا النبيّ صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام على أنّ الأرض لهم فهي (لهم) عملاً بمقتضى الشرط (وعليهم الجزية) ما داموا أهل ذمّة. ولو أسلموا صارت كالأرض التي أسلم أهلها عليها طوعاً ملكاً لهم بغير عوض. ولو وقع الصلح ابتداءً على الأرض للمسلمين ـ كأرض خيبر ـ فهي كالمفتوحة عنوة.

(ويصرف الإمام عليه السلام حاصل الأرض المفتوحة عنوة) المحياة حال الفتح (في مصالح المسلمين) الغانمين وغيرهم ، كسدّ الثغور ، ومعونة الغزاة ، وأرزاق الولاة.

هذا مع حضوره. أمّا مع غيبته فما كان منها بيد الجائر يجوز المضيّ معه في حكمه فيها فيصحّ تناول الخراج والمقاسمة منه بهبة وشراء واستقطاع ، وغيرها ممّا يقتضيه حكمه شرعاً. وما يمكن استقلال نائب الإمام به ـ وهو الحاكم الشرعي ـ فأمرُه إليه يصرفه في مصالح المسلمين كالأصل (٢).

(ولا يجوز بيعها) أي بيع الأرض المفتوحة عنوةً المحياة حالَ الفتح؛ لأ نّها للمسلمين قاطبة ، من وُجد منهم ذلك اليوم ومن يتجدّد إلى يوم القيامة ، لا بمعنى ملك الرقبة ، بل بالمعنى السابق ، وهو صرف حاصلها في مصالحهم.

__________________

(١) أمّا ما يُعلم منها خروجه عن ملكه : فهو «من أحيا أرضاً ميتة فهي له» ؛ لأنّها عامّة تشمل هذه أيضاً. وأمّا ما يُعلم منه عدم خروجها عن ملكه : فهو قوله : «لأصالة بقاء الملك وخروجه يحتاج إلى سبب ناقل ، وهو محصور وليس منه الخراب» (هامش ر).

(٢) يعني المنوب عنه ، وهو الإمام المعصوم عليه السلام.

٤٨

(ولا هبتها ، ولا وقفها ، ولا نقلها) بوجه من الوجوه المملّكة؛ لما ذكرناه من العلّة.

(وقيل) والقائل به جماعة من المتأخّرين (١) منهم المصنّف ـ وقد تقدّم في كتاب البيع اختياره له (٢) ـ : إنّه (يجوز) جميع ما ذكر من البيع والوقف وغيره (تبعاً لآثار المتصرّف) من بناءٍ وغرس ، ويستمرّ الحكم ما دام شيء من الأثر باقياً ، فإذا زال رجعت الأرض إلى حكمها الأوّل.

ولو كانت ميتة حالَ الفتح أو عرض لها المَوَتان ثمّ أحياها محيٍ ، أو اشتبه حالها حالتَه ، أو وُجدت في يد أحد يدّعي ملكها حيث لا يعلم فساد دعواه ، فهي كغيرها من الأرضين المملوكة بالشرط السابق (٣) يتصرّف فيها المالك كيف شاء بغير إشكال.

(وشروط الإحياء المملّك (٤)) للمحيي (ستّة) :

(انتفاء يد الغير) عن الأرض الميتة ، فلو كان عليها يد محترمة لم يصحّ إحياؤها لغيره؛ لأنّ اليد تدلّ على الملك ظاهراً إذا لم يُعلم انتفاء سبب صحيح للملك أو الأولويّة ، وإلّا لم يلتفت إلى اليد.

(وانتفاء ملك سابق) للأرض قبل موتها لمسلم أو مسالم ، فلو كانت مملوكة (٥) لأحدهما لم يصحّ إحياؤها لغيره استصحاباً للملك السابق.

__________________

(١) منهم ابن إدريس في السرائر ١ : ٤٧٨ ، والعلّامة في التذكرة ١٠ : ٣٩ ، والقواعد ٢ : ٢٣.

(٢) تقدّم في الجزء الثاني : ١٩٧.

(٣) غيبة الإمام أو إذنه مع حضوره.

(٤) في (س) ، ونسخة بدل (ش) من الشرح : للتمليك.

(٥) لم ترد «مملوكة» في (ع).

٤٩

وهذان الشرطان مبنيّان على ما سبق من عدم بطلان الملك بالموت مطلقاً ، وقد تقدّم ما فيه من التفصيل المختار.

(وانتفاء كونه حريماً لعامر) لأنّ مالك العامر استحقّ حريمه؛ لأنّه من مرافقه وممّا يتوقّف كمال انتفاعه عليه ، وسيأتي تفصيل الحريم.

(و) انتفاء (كونه مشعراً) أي محلّاً (للعبادة) كعرفة والمشعر ومنى ولو كان يسيراً لا يمنع المتعبّدين ، سدّاً لباب مزاحمة الناسكين ، ولتعلّق حقوق الناس كافّة بها ، فلا يسوغ تملّكها مطلقاً؛ لأدائه إلى تفويت هذا الغرض الشرعي.

وجوّز المحقّق اليسير منه (١) لعدم الإضرار ، مع أنّه غير ملك لأحد. وهو نادر ، وعليه لو عمد بعض الحاجّ فوقف به لم يجز؛ للنهي عن التصرّف في ملك الغير؛ لأنّا بنينا عليه ، وهو مفسد للعبادة التي هي عبارة عن الكون ومن ضروراته (٢) المكان.

وللمصنّف تفريعاً عليه وجه بالجواز جمعاً بين الحقّين وآخر بالتفصيل بضيق المكان فيجوز ، وسعته فلا (٣) وإثبات الملك مطلقاً يأباهما ، وإنّما يتوجّهان لو جعله مشروطاً بأحد الأمرين.

(أو مُقْطَعاً) من النبيّ صلى الله عليه وآله ، أو الإمام عليه السلام لأحد المسلمين؛ لأنّ المُقطَع له يصير أولى من غيره كالتحجير ، فلا يصحّ لغيره التصرّف بدون إذنه وإن لم يفد ملكاً ، وقد رُوي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أقطع بلال بن الحارث العقيق (٤) وهو وادٍ بظاهر

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٧٤.

(٢) في (ر) و (ش) : ضروريّاته.

(٣) الدروس ٣ : ٥٧.

(٤) السنن الكبرى ٤ : ١٥٢.

٥٠

المدينة واستمرّ تحت يده إلى ولاية عمر. وأقطع الزبير بن العوّام حُضرَ فرسه ـ بالحاء المهملة المضمومة والضاد المعجمة ـ وهو عدوه مقدارَ ما جرى ، فأجرى فرسه حتّى قام أي عجز عن التقدّم فرمى بسوطه طلباً للزيادة على الحُضر فأعطاه صلى الله عليه وآله من حيث وقع السوط (١) وأقطع صلى الله عليه وآله غيرهما مواضع اُخر (٢).

(أو محجّراً) أي مشروعاً في إحيائه شروعاً لم يبلغ حدّ الإحياء ، فإنّه بالشروع يفيد أولويّة لا يصحّ لغيره التخطّي إليه وإن لم يفد ملكاً ، فلا يصحّ بيعه ، لكن يورث ويصحّ الصلح عليه ، إلّاأن يُهمِل الإتمام ، فللحاكم حينئذٍ إلزامه به أو رفع يده عنه ، فإن امتنع أذِنَ لغيره في الإحياء ، وإن اعتذر بشاغل أمهله مدّة يزول عذره فيها ، ولا يتخطّى غيره إليها ما دام مُمهَلاً.

وفي الدروس جعل الشروط تسعة ، وجعل منها : إذن الإمام مع حضوره. ووجود ما يُخرجها عن المَوات (بأن يتحقّق الإحياء؛ إذ لا ملك قبل كمال العمل المعتبر فيه ، وإن أفاد الشروع تحجيراً لا يفيد سوى الأولويّة ، كما مرّ) (٣) وقصد التملّك فلو فعل أسباب الملك بقصد غيره أو لا مع قصد لم يملك كحيازة سائر المباحات من الاصطياد والاحتطاب والاحتشاش (٤).

والشرط الأوّل قد ذكره هنا في أوّل الكتاب. والثاني يلزم من جعلها

__________________

(١) المستدرك ١٧ : ١٢٢ ، الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٤ ، والسنن الكبرى ٦ : ١٤٤.

(٢) مثل ما أقطع صلى الله عليه وآله لوائل بحضرموت ولغيره غيره ، اُنظر السنن ٦ : ١٤٣ ـ ١٤٥ ، باب إقطاع الموات ، وسنن أبي داود ٣ : ١٧٣ ـ ١٧٨ ، باب إقطاع الأرضين.

(٣) ما بين القوسين توضيح من المؤلّف ، وليس من كلام الدروس.

(٤) الدروس ٣ : ٥٥ ـ ٦١.

٥١

شروط الإحياء ، مضافاً إلى ما سيأتي من قوله : «والمرجع في الإحياء إلى العرف ...». والثالث يستفاد من قوله في أوّل الكتاب : «يتملّكه من أحياه» إذ التملّك يستلزم القصد إليه ، فإنّ الموجود في بعض النسخ «يتملّكه» بالتاء بعد الياء (١) ويوجد في بعضها «يملكه» (٢) وهو لا يفيد.

ويمكن استفادته من قوله بعد حكمه برجوعه إلى العرف : «لمن أراد الزرع» و «لمن أراد البيت» (٣) فإنّ الإرادة لما ذكر ونحوه تكفي في قصد التملّك وإن لم يقصده بخصوصه.

وحيث بيّن أنّ من الشرائط أن لا يكون حريماً لعامر نبّه هنا على بيان حريم بعض الأملاك بقوله :

(وحريم العين ألف ذراع) حولَها من كلّ جانب (في) الأرض (الرخوة وخمسمئة في الصَلبة) بمعنى أنّه ليس للغير استنباط عين اُخرى في هذا القدر ، لا المنع من مطلق الإحياء. والتحديد بذلك هو المشهور روايةً (٤) وفتوىً (٥) وحدّه ابن الجنيد بما ينتفي معه الضرر (٦) ومال إليه العلّامة في

__________________

(١) كما في (ق).

(٢) كما في (س).

(٣) نصّه : إن أراد البيت.

(٤) الوسائل ١٧ : ٣٣٨ ، الباب ١١ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٣.

(٥) كما في المختلف ٦ : ٢٠٧ ، وأفتى به الشيخ في النهاية : ٤١٨ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٧٣ ، والمختصر النافع : ٢٥٩ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٢٦٨ ، والتحرير ٤ : ٤٨٧ ، ذيل الرقم ٦٠٩٩ ، والشهيد في الدروس ٣ : ٥٩ ، وغيرهم.

(٦) اُنظر كلامه في المختلف ٦ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٥٢

المختلف (١) استضعافاً للمنصوص ، واقتصاراً على موضع الضرر ، وتمسّكاً بعموم نصوص جواز الإحياء. ولا فرق بين العين المملوكة والمشتركة بين المسلمين. والمرجع في الرخاوة والصلابة إلى العرف.

(وحريم بئر الناضح) وهو البعير الذي يستقى عليه للزرع وغيره (ستّون ذراعاً) من جميع الجوانب ، فلا يجوز إحياؤه بحفر بئر اُخرى ولا غيره.

(و) حريم بئر (المَعطِن) واحد المعاطن وهي مَبارك الإبل عند الماء لتشرب ، قاله الجوهري (٢) والمراد البئر التي يُستقى منها لشرب الإبل (أربعون ذراعاً) من كلّ جانب كما مرّ.

(وحريم الحائط مطرح آلاته) من حجر وتراب وغيرهما على تقدير انهدامه؛ لمسيس الحاجة إليه عنده.

(و) حريم (الدار مطرح ترابها) ورمادها وكناستها (وثلوجها) ومسيل مائها حيث يحتاج إليهما (ومسلك الدخول والخروج في صوب الباب) إلى أن يصل إلى (٣) الطريق أو المباح ولو بازورار (٤) لا يوجب ضرراً كثيراً أو بُعداً. ويضمّ إلى ذلك حريم حائطها كما سلف (٥) وله منع من يحفر بقرب حائطه بئراً أو نهراً ، أو يغرس شجرة تضرّ بحائطه أو داره ، وكذا لو غرس في ملكه أو أرضٍ أحياها ما تبرز أغصانه أو عروقه إلى المباح ولو بعد حين ، لم يكن لغيره

__________________

(١) المختلف ٦ : ٢٠٨.

(٢) الصحاح ٦ : ٢١٦٥ (عطن).

(٣) لم يرد «إلى» في (ع).

(٤) الميل والعدول عن الشيء.

(٥) في (ف) : بما سلف.

٥٣

إحياؤه ، وللغارس منعه ابتداءً.

هذا كلّه إذا أحيا هذه الأشياء في الموات. أمّا الأملاك المتلاصقة فلا حريم لأحدها على جاره؛ لتعارضها ، فإنّ كلّ واحد منها حريم بالنسبة إلى جاره ولا أولويّة؛ ولأنّ من الممكن شروعهم في الإحياء دفعة ، فلم يكن لواحد على آخر حريم.

(والمرجع في الإحياء إلى العرف) لعدم ورود شيء معيّن فيه من الشارع (كعضد (١) الشجر) من الأرض (وقطع المياه الغالبة) عليها (والتحجير) حولَها (بحائط) من طين أو حجر (أو مِرز) ـ بكسر الميم ـ وهو جمع التراب حولَ ما يريد إحياءه من الأرض ليتميّز عن غيره (أو مُسنّاة) ـ بضمّ الميم ـ وهو نحو المرز ، وربما كان أزيد منه تراباً.

ومثله نصب القصب والحجر والشوك ونحوها حولَها (٢) سوق الماء) إليها حيث يحتاج إلى السقي (أو اعتياد الغيث).

كلّ ذلك (لمن أراد الزرع والغرس) بإحياء الأرض.

وظاهر هذه العبارة : أنّ الأرض التي يُراد إحياؤها للزراعة لو كانت مشتملة على شجر والماء مستولٍ عليها ، لا يتحقّق إحياؤها إلّابعضد شجرها وقطع الماء عنها ونصب حائط وشبهه حولَها ، وسوق ما يحتاج إليه من الماء إليها إن كانت ممّا تحتاج إلى السقي به ، فلو أخلّ بأحد هذه لا يكون إحياءً ، بل تحجيراً ، وإنّما جمع بين قطع الماء وسوقه إليها؛ لجواز أن يكون الماء الذي يحتاج إلى قطعه غير مناسب للسقي ، بأن يكون وصوله إليها على وجه الرشح المضرّ

__________________

(١) عَضَدَ الشجرة : قطعها.

(*) في (س) : أو.

٥٤

بالأرض من غير أن ينفع في السقي ونحو ذلك ، وإلّا فلو كان كثيراً يمكن السقي به كفى قطع القدر المضرّ منه وإبقاء الباقي للسقي.

ولو جُعِل «الواو» في هذه الأشياء بمعنى «أو» كان كلّ واحد منها كافياً في تحقّق الإحياء ، لكن لا يصحّ في بعضها ، فإنّ من جملتها سوق الماء أو اعتياد الغيث ، ومقتضاه : أنّ المعتادة لسقي الغيث لا يتوقّف إحياؤها على شيءٍ من ذلك.

وعلى الأوّل (١) لو فرض عدم الشجر أو عدم المياه الغالبة لم يكن مقدار ما يُعتبر في الإحياء مذكوراً ويكفي كلّ واحد ممّا يبقى على الثاني (٢).

وفي الدروس اقتصر على حصوله بعضد الأشجار والتهيئة للانتفاع وسَوق الماء أو اعتياد الغيث ولم يشترط الحائط والمسنّاة ، بل اشترط أن يبين الحدّ بمرز وشبهه ، قال : ويحصل الإحياء أيضاً بقطع المياه الغالبة (٣) وظاهره الاكتفاء به عن الباقي أجمع. وباقي عبارات الأصحاب (٤) مختلفة في ذلك كثيراً.

والأقوى الاكتفاء بكلّ واحد من الاُمور الثلاثة السابقة مع سوق الماء حيث يفتقر إليه ، وإلّا اكتفى بأحدها خاصّة.

هذا إذا لم يكن المانعان الأوّلان أو أحدهما موجوداً ، وإلّا لم يكتفِ بالباقي ، فلو كان الشجر مستولياً عليها والماء كذلك لم يكف الحائط ، وكذا أحدهما؛ وكذا لو كان الشجر لم يكفِ دفع الماء وبالعكس؛ لدلالة العرف على ذلك كلّه.

__________________

(١) كون «الواو» على أصلها.

(٢) وهو كون «الواو» بمعنى «أو».

(٣) الدروس ٣ : ٥٦.

(٤) راجع الشرائع ٣ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦ ، والقواعد ٢ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، والمختلف ٦ : ٢٠١ ، وجامع المقاصد ٧ : ٧٣ ـ ٧٧.

٥٥

أمّا الحرث والزرع فغير شرط فيه قطعاً؛ لأنّه انتفاع بالمحيىٰ كالسُكنى لمحيي الدار.

نعم ، لو كانت الأرض مهيّأة للزراعة والغرس لا يتوقّف إلّاعلى الماء كفى سوق الماء إليها مع غرسها أو زرعها؛ لأنّ ذلك يكون بمنزلة تميّزها (١) بالمرز وشبهه.

(وكالحائط) ولو بخشب أو قصب (لمن أراد) بإحياء الأرض (الحظيرة) المعدّة للغنم ونحوه ، أو لتجفيف الثمار أو لجمع الحطب والخشب والحشيش وشبه ذلك. وإنّما اكتفى فيها بالحائط؛ لأنّ ذلك هو المعتبر عرفاً فيها. (و) كالحائط (مع السقف) بخشب أو عُقَد (٢) أو طُرَح (٣) بحسب المعتاد (إن أراد البيت).

واكتفى في التذكرة في تملّك قاصد السكنى بالحائط (٤) المعتبر في الحظيرة ، وغيره من الأقسام التي يحصل بها الإحياء لنوع ، مع قصد غيره الذي لا يحصل به.

وأمّا تعليق الباب للحظيرة والمسكن فليس بمعتبر عندنا؛ لأنّه للحفظ لا لتوقّف السكنى عليه.

__________________

(١) ظاهر (ع) : تمييزها.

(٢) العُقَد جمع عُقْدَة ، ما يمسك الشيء ويوثقه.

(٣) جمع طُرحة ، وهو ستر السقف بالبوريا.

(٤) التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٤١٢.

٥٦

(القول في المشتركات)

بين الناس في الجملة وإن كان بعضها مختصّاً بفريق خاصّ.

وهي أنواع ترجع اُصولها إلى ثلاثة : الماء ، والمعدن ، والمنافع. والمنافع ستّة منافع : المساجد ، والمشاهد ، والمدارس ، والرُبُط ، والطُرُق ، ومقاعد الأسواق. وقد أشار إليها المصنّف في خمسة أقسام.

(فمنها : المسجد) وفي معناه المشهد.

(فمن سبق إلى مكان) منه (فهو أولى به) ما دام باقياً فيه (فلو فارق) ولو لحاجة كتجديد طهارة وإزالة نجاسة (بطل حقّه) وإن كان ناوياً للعود (إلّاأن يكون رحله) وهو شيء من أمتعته ولو سُبحته وما يشدّ به وسطه وخفّه (باقياً) في الموضع (و) مع ذلك (ينوي العود) فلو فارق لا بنيّته سقط حقّه وإن كان رحله باقياً.

وهذا الشرط لم يذكره كثير. وهو حسن؛ لأنّ الجلوس يفيد أولويّة ، فإذا فارق بنيّة رفع الأولويّة سقط حقّه منها. والرحل لا مدخل له في الاستحقاق بمجرّده. مع احتماله؛ لإطلاق النصّ (١) والفتوى (٢) وإنّما تظهر الفائدة على الأوّل (٣)

__________________

(١) اُنظر الوسائل ٣ : ٢٤٢ ، الباب ٥٦ من أبواب أحكام المساجد ، وورد عن طُرق العامّة بلفظ «إذا قام الرجل من مجلسه ثمّ عاد إليه فهو أحقّ به» ، اُنظر سنن البيهقي ٦ : ١٥١.

(٢) كما في المبسوط ٣ : ٢٧٦ ، والإرشاد ١ : ٣٥٠ ، والدروس ٣ : ٦٩.

(٣) أي على اعتبار نيّة العود مع بقاء الرحل. (هامش ر).

٥٧

لو كان رحله لا يشغل من المسجد مقدارَ حاجته في الجلوس والصلاة؛ لأنّ ذلك هو المستثنى على تقدير الأولويّة ، فلو كان كبيراً يسع ذلك ، فالحقّ باقٍ من حيث عدم جواز رفعه بغير إذن مالكه ، وكونه في موضع مشترك كالمباح. مع احتمال سقوط حقّه مطلقاً على ذلك التقدير ، فيصحّ رفعه لأجل غيره ، حذراً من تعطيل بعض المسجد ممّن لا حقّ له.

ثمّ على تقدير الجواز هل يضمن الرحلَ رافعُه؟ يحتمله؛ لصدق التصرّف وعدم المنافاة بين جواز رفعه والضمان ، جمعاً بين الحقّين ، ولعموم «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (١) وعدمه؛ لأنّه لا حقّ له ، فيكون تفريغه منه بمنزلة رفعه من ملكه. ولم أجد في هذه الوجوه كلاماً يعتدّ به.

وعلى تقدير بقاء الحقّ لبقائه أو بقاء رحله فأزعجه مزعج ، فلا شبهة في إثمه. وهل يصير أولى منه بعد ذلك؟ يحتمله؛ لسقوط حقّ الأوّل بالمفارقة ، وعدمه؛ للنهي ، فلا يترتّب عليه حقّ.

والوجهان آتيان في رفع كلّ أولويّة ، وقد ذكر جماعة من الأصحاب : أنّ حقّ أولويّة التحجير لا يسقط بتغلّب غيره (٢) ويتفرّع على ذلك صحّة صلاة الثاني وعدمها.

واشترط المصنّف في الذكرى في بقاء حقّه مع بقاء الرحل أن لا يطول المكث (٣) وفي التذكرة استقرب بقاء الحقّ مع المفارقة لعذر ، كإجابة داعٍ

__________________

(١) المستدرك ١٧ : ٨٨ ، الباب الأوّل من كتاب الغصب ، الحديث ٣.

(٢) منهم الشيخ في المبسوط ٣ : ٢٧٣ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٣٢ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٧٥ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٢٦٩ ، والتحرير ٤ : ٤٨٦ ، ذيل الرقم ٦٠٩٧.

(٣) الذكرى ٤ : ١٥٥.

٥٨

وتجديد وضوء وقضاء حاجة وإن لم يكن له رحل (١).

(ولو استبق اثنان) دفعةً إلى مكان واحد (ولم يمكن الجمع) بينهما (اُقرع) لانحصار الأولويّة فيهما وعدم إمكان الجمع فهو لأحدهما؛ إذ منعهما معاً باطل ، والقرعة لكلّ أمر مشكل. مع احتمال العدم؛ لأنّ القرعة لتبيين المجهول عندنا المعيّن في نفس الأمر ، وليس كذلك هنا.

وقد تقدّم (٢) أنّ الحكم بالقرعة غير منحصر في ما ذكر ، وعموم الخبر يدفعه ، والرجوع إليها هنا هو الوجه.

ولا فرق في ذلك كلّه بين المعتاد لبقعة معيّنة وغيره وإن كان اعتياده لدرس وإمامة. ولا بين المفارق في أثناء الصلاة وغيره؛ للعموم.

واستقرب المصنّف في الدروس بقاء أولويّة المفارق في أثنائها اضطراراً ، إلّا أن يجد مكاناً مساوياً للأوّل أو أولى منه ، محتجّاً بأ نّها صلاة واحدة فلا يمنع من إتمامها (٣). ولا يخفى ما فيه.

(ومنها : المدرسة والرباط).

(فمن سكن بيتاً) منهما أو أقام بمكان مخصوص (ممّن له السكنى) بأن يكون متّصفاً بالوصف المعتبر في الاستحقاق ، إمّا في أصله بأن يكون مشتغلاً بالعلم في المدرسة ، أو بحسب الشرط بأن تكون موقوفة على قبيلة مخصوصة أو نوع من العلم أو المذاهب ، ويتّصف الساكن به (فهو أحقّ به وإن تطاولت

__________________

(١) التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٤٠٥.

(٢) تقدّم في الجزء الثالث : ٤٨٣.

(٣) الدروس ٣ : ٦٩.

٥٩

المدّة ، إلّامع مخالفة شرط الواقف) بأن يشترط الواقف أمداً فينتهي.

واحتمل المصنّف في الدروس في المدرسة ونحوها الإزعاج (١) إذا تمّ غرضه من ذلك ، وقوّى الاحتمال إذا ترك التشاغل بالعلم وإن لم يشترطه الواقف؛ لأنّ موضوع المدرسة ذلك (٢).

(وله أن يمنع من يشاركه) لما فيها من الضرر إذا كان المسكن الذي أقام به معدّاً لواحد ، فلو اُعدّ لما فوقه لم يكن له منع الزائد عنه إلى أن يزيد عن النصاب المشروط.

(ولو فارق) ساكن المدرسة والرباط (لغير عذر بطل حقّه) سواء بقي رحله أم لا ، وسواء طالت مدّة المفارقة أم قصرت؛ لصدقها وخلوّ المكان الموجب لاستحقاق غيره إشغاله (٣).

ومفهومه : أنّه لو فارق لعذر لم يسقط حقّه مطلقاً ، ويشكل مع طول المدّة.

وأطلق الأكثر بطلان حقّه بالمفارقة (٤).

وفي التذكرة : أنّه إذا فارق أيّاماً قليلة لعذر فهو أحقّ (٥) وشرط بعضهم بقاء الرحل وعدم طول المدّة (٦).

__________________

(١) الإخراج.

(٢) الدروس ٣ : ٦٩.

(٣) في (ش) و (ر) ونسخة بدل (ع) : اشتغاله.

(٤) منهم المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٧٧ ، والعلّامة في الإرشاد ١ : ٣٥٠ ، والقواعد ٢ : ٢٧١ ، واعتمد عليه في غاية المرام ٤ : ١٣٤.

(٥) التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٤٠٦.

(٦) وهو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٧ : ٤١.

٦٠