الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-48-6
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٧٢

وفي إلحاق الهرّة الضارية بهما قولان (١) من استناد التلف إلى تفريطه في حفظها ، وعدمِ جريان العادة بربطها. والأجود الأوّل. نعم يجوز قتلها (ولو دافعها عنه إنسان فأدّى الدفع إلى تلفها ، أو تعيّبها فلا ضمان) لجواز دفعها عن نفسه فلا يتعقّبه ضمان. لكن يجب الاقتصار على ما يندفع به ، فإن زاد عنه ضمن ، وكذا لو جنى عليها لا للدفع.

(وإذا أذن له قوم في دخول دار فعقره كلبها ضمنوه) وإن لم يعلموا أنّ الكلب فيها حين دخوله أو دخل بعده؛ لإطلاق النصّ (٢) والفتوى (٣) وإن دخلها بغير إذن المالك لم يضمن.

ولو أذن بعض من في الدار دون بعض ، فإن كان ممّن يجوز الدخول مع إذنه اختصّ الضمان به وإلّا فكما لو لم يأذن. ولو اختلفا في الإذن قُدّم المنكر.

(التاسعة) :

(يضمن راكب الدابّة ما تجنيه بيديها ورأسها) دون رجليها (والقائد) لها (كذلك) يضمن جناية يديها ورأسها خاصّة (والسائق يضمنها مطلقاً. وكذا) يضمن جنايتها مطلقاً (لو وقف بها الراكب أو القائد).

__________________

(١) القول بالإلحاق والضمان للشيخ في المبسوط ٨ : ٧٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٢٧ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٦٥٧. وأمّا القول بعدم الضمان فلم نجد قائله. نعم ، استبعد المحقّق الضمان في الشرائع ٤ : ٢٥٦.

(٢) الوسائل ١٩ : ١٩٠ ، الباب ١٧ من أبواب موجبات الضمان ، الحديث ٢ و ٣.

(٣) كما في النهاية : ٧٦٢ ، والسرائر ٣ : ٣٧٢ ، والقواعد ٣ : ٦٥٧ ، وغيرها.

٤٨١

ومستند التفصيل أخبار كثيرة (١) نبّه في بعضها (٢) على الفرق بأنّ الراكب والقائد يملكان يديها ورأسها ويوجّهانها كيف شاءا ولا يملكان رجليها؛ لأنّهما خلفهما ، والسائق يملك الجميع.

(ولو ركبها اثنان تساويا) في الضمان؛ لاشتراكهما في اليد والسببيّة إلّا أن يكون أحدهما ضعيفاً لصغر أو مرض ، فيختصّ الضمان بالآخر؛ لأنّه المتولّي أمرها.

(ولو كان صاحبها معها) مراعياً لها (فلا ضمان على الراكب) ويبقى في المالك ما سبق من التفصيل باعتبار كونه سائقاً أو قائداً. ولو لم يكن المالك مراعياً لها بل تولّى أمرها الراكب ضمن ، دون المالك.

(ويضمنه مالكها) الراكب أيضاً (لو نفّرها فألقته) لا إن ألقته بغير سببه. ولو اجتمع للدابّة سائق وقائد ، أو أحدُهما وراكب ، أو الثلاثة اشتركوا في ضمان المشترك واختصّ السائق بجناية الرِجلين.

ولو كان المَقُود أو المَسُوق قطاراً ففي إلحاق الجميع بالواحد حكماً وجهان : من صدق السوق والقود للجميع ، ومن فقد علّة الضمان وهي القدرة على حفظ ما ضمن جنايته ، فإنّ القائد لا يقدر على حفظ يدي ما تأخّر عن الأوّل غالباً ، وكذا السائق بالنسبة إلى غير المتأخّر. وهذا أقوى. نعم ، لو ركب واحداً وقاد الباقي تعلّق به حكم المركوب ، وأوّلِ المقطور ، وكذا لو ساق مع ذلك واحداً أو أكثر.

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٨٣ ـ ١٨٦ ، الباب ١٣ من أبواب موجبات الضمان.

(٢) كما في الحديث ٩ من المصدر السابق.

٤٨٢

(العاشرة) :

(يضمن المباشر لو جامعه السبب) دونه؛ لأنّه أقوى وأقرب. هذا مع علم المباشر بالسبب (ولو جهل المباشر ضمن السبب) فالسبب (كالحافر) للبئر في غير ملكه (و) المباشر (كالدافع) فيها ، فالضمان على الدافع دون الحافر ، إلّاأن تكون البئر مغطّاة ولا يعلم بها الدافع فالضمان على الحافر؛ لضعف المباشرة (١) بالجهل (ويضمن أسبق السببين) لو اجتمعا (كواضع الحجر وحافر البئر فيعثر بالحجر فيقع في البئر ، فيضمن واضع الحجر) لأنّه أسبق السببين فعلاً وإن تأخّر الوضع عن الحفر. ولو تقدّم الحافر ـ كما لو نصب إنسان سكّيناً في قعر البئر فوقع فيها إنسان من غير عثار فأصابته السكّين فمات ـ فالضمان على الحافر.

هذا إذا كانا متعدّيين (فلو كان فعل أحدهما في ملكه فالضمان على الآخر) لاختصاصه بالعدوان.

(الحادية عشرة) :

(لو وقع واحد في الزُبية)ـ بضمّ الزاي المعجمة ـ وهي الحفرة تحفر للأسد ، سُمّيت بذلك؛ لأنّهم كانوا يحفرونها في موضع عال ، وأصلها : الزابية التي لا يعلوها الماء ، وفي المثل : (بلغ السيل الزبى) (٢) (فتعلّق) الواقع (بثانٍ ، والثاني بثالث ، والثالث برابع) فوقعوا جميعاً (فافترسهم الأسد ، ففي رواية

__________________

(١) في (ر) : المباشر.

(٢) النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٩٥ ، (زبا).

٤٨٣

محمّد بن قيس عن الباقر عن عليّ عليهما السلام) أنّه قضى في ذلك : أنّ (الأوّل فريسة الأسد) لا يلزم أحداً (ويَغْرَم أهله ثلث الدية للثاني ، ويَغرم الثاني للثالث ثلثي الدية ، ويغرم الثالث للرابع الدية كاملة) (١) وعمل بها أكثر الأصحاب (٢).

لكن توجيهها على الاُصول مشكل ، و (محمّد بن قيس) كما عرفت (٣) مشترك ، وتخصيص حكمها بواقعتها ممكن ، فترك العمل بمضمونها مطلقاً متوجّه.

وتوجيهها ـ بأنّ الأوّل لم يقتله أحد ، والثاني قتله الأوّل وقتل هو الثالث والرابع فقُسّطت الدية على الثلاثة فاستحقّ منها بحسب ما جُنِي عليه ، والثالث قتله اثنان وقتل هو واحداً فاستحقّ ثلثين كذلك ، والرابع قتله الثلاثة فاستحقّ تمام الدية ـ تعليل بموضع النزاع؛ إذ لا يلزم من قتله لغيره سقوط شيء من ديته عن قاتله.

وربما قيل بأنّ دية الرابع على الثلاثة بالسويّة؛ لاشتراكهم جميعاً في سببيّة قتله (٤) وإنّما نسبها (٥) إلى الثالث لأنّ الثاني استحقّ على الأوّل ثلث الدية فيضيف إليه ثلثاً آخر ويدفعه إلى الثالث ، فيضيف إلى ذلك ثلثاً آخر ويدفعه إلى الرابع.

وهذا ـ مع مخالفته لظاهر الرواية ـ لا يتمّ في الآخرين؛ لاستلزامه كون دية

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٧٦ ، الباب ٤ من أبواب موجبات الضمان ، الحديث ٢.

(٢) كالمفيد في المقنعة : ٧٥٠ ، والشيخ في النهاية : ٧٦٣ ـ ٧٦٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٥٥.

(٣) تقدّم في الصفحة ٤٧٣.

(٤) قاله العماني كما نقله المحقّق في نكت النهاية ٣ : ٤٢٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٤٩١ واختاره المحقق نفسه في النكتب ٣ : ٤٢٧.

(٥) يعني نسب في الرواية الديةَ إلى الثالث.

٤٨٤

الثالث على الأوّلين ودية الثاني على الأوّل؛ إذ لا مدخل لقتله مَن بعده في إسقاط حقّه كما مرّ ، إلّاأن يفرض كون الواقع عليه سبباً في افتراس الأسد له فيقرب ، إلّا أنّه خلاف الظاهر.

(وفي رواية اُخرى) رواها سهل بن زياد ، عن ابن شمّون ، عن عبد اللّٰه الأصمّ ، عن مسمع ، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام (إنّ عليّاً عليه السلام قال : (للأوّل ربع الدية ، وللثاني ثلث (١) وللثالث نصف (٢) وللرابع الدية) كاملة (و) جعل ذلك (كلّه على عاقلة المزدحمين)) (٣).

ووُجّهت (٤) بكون البئر حفرت عدواناً والافتراس مستنداً (٥) إلى الازدحام المانع من التخلّص ، فالأوّل مات بسبب الوقوع في البئر ووقوع الثلاثة فوقَه ، إلّا أنّه بسببه ـ وهو ثلاثة أرباع السبب ـ فيبقى الربع على الحافر. والثاني مات بسبب جذب الأوّل ـ وهو ثلث السبب ـ ووقوع الباقين فوقَه ـ وهو ثلثاه ـ ووقوعهما عليه من فعله فيبقى له ثلث. والثالث مات من جذب الثاني ووقوعِ الرابع ، وكلّ منهما نصف السبب ، لكن الرابع من فعله فيبقى له نصف. والرابع موته بسبب جذب الثالث فله كمال الدية.

والحقّ أنّ ضعف سندها يمنع من تكلّف تنزيلها ، فإنّ سهلاً عامّي وابن شمّون غالٍ والأصمّ ضعيف ، فردّها مطلقاً متّجه.

__________________

(١) في (ق) و (س) زيادة : الدية.

(٢) في (س) زيادة : الدية.

(٣) الوسائل ١٩ : ١٧٥ ـ ١٧٦ ، الباب ٤ من أبواب موجبات الضمان ، الحديث الأوّل.

(٤) التوجيه للعلّامة في القواعد ٣ : ٦٦١.

(٥) في (ش) : مستند.

٤٨٥

وردّها المصنّف أيضاً بأنّ الجناية إمّا عمد أو شبيهه (١) وكلاهما يمنع تعلّق العاقلة به وأنّ في الرواية «فازدحم الناس عليها ينظرون إلى الأسد» وذلك ينافي ضمان حافر البئر (٢).

وحيث يطرح الخبران (٣) فالمتّجه ضمان كلٍّ ديةَ من أمسكه أجمع؛ لاستقلاله بإتلافه ، وهو خيرة العلّامة في التحرير (٤).

__________________

(١) في (ع) و (ش) : شبهه.

(٢) أي بالضمان. غاية المراد ٤ : ٤٧٦.

(٣) خبر محمّد بن قيس وخبر سهل بن زياد ، المتقدّمان في الصفحة ٤٨٤ و ٤٨٥.

(٤) التحرير ٥ : ٥٥٥.

٤٨٦

(الفصل الثاني)

(في التقديرات)

(الاُولى) :

(في النفس : دية العمد أحد اُمور ستّة) يتخيّر الجاني في دفع ما شاء منها ، وهي :

(مئة من مسانّ الإبل) وهي الثنايا فصاعداً. وفي بعض كلام المصنّف (١) : أنّ المُسنّة من الثنيّة (٢) إلى بازل (٣) عامها.

(أو مئتا بقرة) وهي ما يُطلق عليه اسمها.

(أو مئتا حُلّة) بالضمّ (كلّ حُلّة ثوبان من برود اليمن) هذا القيد للتوضيح ، فإنّ الحُلّة لا تكون أقلّ من ثوبين ، قال (٤) الجوهري : الحُلّة إزار ورداء

__________________

(١) في حواشيه على القواعد على ما نقله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ١٠ : ٣٥٣.

(٢) سيأتي من الشارح قدس سره أنّ : «سنّها خمس سنين فصاعداً» ويأتي منه في الصفحة ٤٩٠ : «ولمّا كانت الثنيّة ما دخلت في السنة السادسة».

(٣) وهي الإبل الداخلة في السنة التاسعة.

(٤) في (ع) : قاله.

٤٨٧

لا تسمّى حلّة حتّى تكون ثوبين (١) والمعتبر اسم الثوب.

(أو ألف شاة) وهي ما يطلق عليها اسمها.

(أو ألف دينار) أي مثقال ذهب خالص.

(أو عشرة آلاف درهم).

(وتُستأدى) دية العمد (في سنة واحدة) لا يجوز تأخيرها عنها بغير رضى المستحقّ. ولا يجب عليه المبادرة إلى أدائها قبل تمام السنة. وهي (من مال الجاني) حيث يطلبها الوليّ.

(ودية الشبيه) للعمد مئة من الإبل أيضاً ، إلّاأ نّها دونها (٢) في السنّ؛ لأ نّها (أربع وثلاثون ثنيّة) سنّها خمس سنين فصاعداً (طروقةَ الفحل) حوامل (وثلاث وثلاثون بنت لبون) سنّها سنتان فصاعداً (وثلاث وثلاثون حِقّة) سنّها ثلاث سنين فصاعداً (أو أحد الاُمور الخمسة) المتقدّمة.

(وتستأدى في سنتين) يجب آخر كلّ حول نصفها (من مال الجاني) أيضاً.

وتحديد أسنان المئة بما ذكر أحد الأقوال في المسألة (٣) ومستنده روايتا

__________________

(١) الصحاح ٤ : ١٦٧٣ ، (حلل).

(٢) أي دون إبل دية العمد.

(٣) في المسألة ثلاثة أقوال : الأوّل : ما اختاره الشهيدان هنا ، والمحقّق في المختصر النافع : ٣٠٢ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٦٦٧ ، وفي النهاية : ٧٣٨ ، والوسيلة : ٤٤١ ، والمهذّب ٢ : ٤٥٩ أربع وثلاثون خَلِفَة بدل ثنيّة. الثاني : ثلاث وثلاثون حقّة ، ثلاث وثلاثون جذعة ، أربع وثلاثون ثنيّة كلّها طروقة الحمل ، وهو قول المفيد في المقنعة : ٧٣٥ ، وسلّار في المراسم : ٢٤١ ، وأبي الصلاح في الكافي : ٣٩٢. الثالث : أربعون خَلِفَة من ثنيّة إلى بازل عامها ، ثلاثون حقّة ، ثلاثون بنت لبون ، وهو خيرة الصدوق في المقنع : ٥١٤ ، وابن الجنيد نقله عنه العلّامة في المختلف ٩ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، وابن فهد الحلّي في المقتصر : ٤٣٨ ـ ٤٣٩. راجع للتفصيل المهذّب البارع ٥ : ٢٤١ ، والتنقيح الرائع ٤ : ٤٦٣ ، والرياض ١٤ : ١٨١ ، والجواهر ٤٣ : ١٩ ـ ٢٠.

٤٨٨

أبي بصير (١) والعلاء بن الفضيل (٢) عن الصادق عليه السلام. واشتملت الاُولى على كون الثنيّة طروقةَ الفحل ، والثانية على كونها خَلِفة ـ بفتح الخاء فكسر اللام ـ وهي الحامل ، فمن ثَمّ فسّرناها بها (٣) وإن كانت بحسب اللفظ أعمّ. لكن في سند الروايتين ضعف (٤).

وأمّا تأديتها في سنتين : فذكره المفيد (٥) وتبعه الجماعة (٦) ولم نقف على مستنده وإنّما الموجود في رواية أبي ولّاد : «تُستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين وتستأدى دية العمد في سنة) (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٤٧ ، الباب ٢ من أبواب ديات النفس ، الحديث ٤.

(٢) المصدر السابق : ١٤٥ ، الباب الأوّل من أبواب ديات النفس ، الحديث ١٣ ، ولم تذكر فيهما ثلاث وثلاثون بنت لبون.

(٣) يعنى فسّرنا «طروقة الفحل» بالحامل.

(٤) في طريق الاُولى عليّ بن أبي حمزة البطائني ، وفي طريق الثانية محمّد بن سنان وكلاهما ضعيف جدّاً. (منه رحمه الله). وراجع المسالك ١٥ : ٣١٨.

(٥) المقنعة : ٧٣٦.

(٦) منهم الشيخ في المبسوط ٧ : ١١٥ ، وسلّار في المراسم : ٢٤١ ، وابن زهرة في الغنية : ٤١٣ ، وغيرهم.

(٧) الوسائل ١٩ : ١٥٠ ـ ١٥١ ، الباب ٤ من أبواب ديات النفس ، وفيه حديث واحد.

٤٨٩

(وفيها) أي في دية شبيه العمد (رواية اُخرى) وهي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال : «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول : قال أمير المؤمنين عليه السلام : في الخطأ شبيه العمد أن يُقتل بالسوط أو العصا أو الحجر ، إنّ دية ذلك تغلظ وهي مئة من الإبل ، منها أربعون خَلِفة من ثنيّة إلى بازل عامها ، وثلاثون حِقّة ، وثلاثون بنت لبون» (١).

وهذه هي المعتمد؛ لصحّة طريقها ، وعليها العلّامة في المختلف (٢) والتحرير (٣) وهو في غيرهما (٤) على الأوّل.

والمراد ببازل عامها ، ما فَطَر نابُها أي انشقّ في سنته ، وذلك في السنة التاسعة ، وربما بزل في الثامنة. ولمّا كانت الثنيّة ما دخلت في السنة السادسة كان المعتبر من الخَلِفة ما بين ذلك. ويُرجع في معرفة الحامل إلى أهل الخبرة ، فإن ظهر الغلط وجب البدل. وكذا لو أسقطت قبل التسليم وإن أحضرها قبلَه.

(ودية الخطأ) المحض (عشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حِقّة) وعلى ذلك دلّت صحيحة ابن سنان السابقة.

(وفيه رواية اُخرى) وهي رواية العلاء بن الفضيل عنه عليه السلام قال : «في قتل الخطأ مئة من الإبل : خمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حِقّة ، وخمس وعشرون جَذَعة» (٥) وقد عرفت أنّ

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٤٦ ، الباب ٢ من أبواب ديات النفس ، الحديث الأوّل.

(٢) المختلف ٩ : ٢٨١.

(٣) التحرير ٥ : ٥٦٣.

(٤) القواعد ٣ : ٦٦٧ ، والإرشاد ٢ : ٢٣٣ ، والتبصرة : ٢٠٩.

(٥) المشار إليها في الهامش رقم ٢ في الصفحة السابقة.

٤٩٠

الاُولى صحيحة الطريق ، دون الثانية. وليتَه رحمه الله عمل بالصحيحة في الموضعين (١) مع أنّها أشهر روايةً وفتوىً.

(وتستأدى) دية الخطأ (في ثلاث سنين) كلّ سنة ثلث؛ لما تقدّم (٢).

ومبدأ السنة من حين وجوبها ، لا من حين حكم الحاكم (من مال العاقلة أو أحد الاُمور الخمسة) (٣) ولا يشترط تساويها قيمة ، بل يجوز دفع أقلّها على الأقوى. وكذا لا يعتبر قيمة الإبل ، بل ما صدق عليه الوصف.

وما رُوي من اعتبار قيمة كلّ بعير بمئة وعشرين درهماً (٤) محمول على الأغلب أو الأفضل. وكذا القول في البقر والغنم والحُلَل.

(ولو قتل في الشهر الحرام) وهو أحد الأربعة : ذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرّم ، ورجب (أو في الحرم) الشريف المكّي (زيد عليه ثلث دية) من أيّ الأجناس كان لمستحقّ الأصل (تغليظاً) عليه؛ لانتهاكه (٥) حرمتهما.

أمّا تغليظها بالقتل في أشهر الحرم فإجماعيّ ، وبه نصوص كثيرة (٦)

__________________

(١) في شبيه العمد ، والخطأ المحض.

(٢) من رواية أبي ولّاد المتقدّمة في الصفحة ٤٨٩.

(٣) عطف على قوله : «ودية الخطأ عشرون بنت مخاض و...» والاُمور الخمسة هي : ١ ـ مئتا بقرة ، ٢ ـ مئتا حُلّة ، ٣ ـ ألف شاة ، ٤ ـ ألف دينار ، ٥ ـ عشرة آلاف درهم. المتقدّمة في الصفحة ٤٨٧ ـ ٤٨٨.

(٤) الوسائل ١٩ : ١٤٦ ، الباب ٢ من أبواب ديات النفس ، الحديث الأوّل.

(٥) في (ر) : لانهتاكه.

(٦) راجع الوسائل ١٩ : ١٤٩ ـ ١٥٠ ، الباب ٣ من أبواب ديات النفس.

٤٩١

وأمّا الحرم فألحقه الشيخان (١) وتبعهما جماعة (٢) لاشتراكهما في الحرمة وتغليظ قتل الصيد فيه المناسبِ لتغليظ غيره. وفيه نظر بيِّن.

وألحق به بعضهم ما لو رمى في الحِلّ فأصاب في الحرم أو بالعكس (٣) وهو ضعف في ضعف. والتغليظ مختصّ بدية النفس ، فلا يثبت في الطَرَف وإن أوجب الدية؛ للأصل.

(والخيار إلى الجاني في الستّة في العمد والشبيه) لا إلى وليّ الدم. وهو ظاهر في الشبيه؛ لأنّ لازمه الدية. أمّا في العمد : فلمّا كان الواجب القصاص وإنّما تثبت الدية برضاه كما مرّ (٤) لم يتقيّد الحكم بالستّة ، بل لو رضي بالأقلّ أو طلب الأكثر وجب الدفع مع القدرة؛ لما ذكر من العلّة (٥) فلا يتحقّق التخيير حينئذٍ ، وإنّما يتحقّق على تقدير تعيّنها عليه مطلقة (٦).

ويمكن فرضه (٧) فيما لو صالحه على الدية وأطلق ، أو عفا عليها ، أو مات القاتل ، أو هرب فلم يُقدر عليه وقلنا بأخذ الدية من ماله ، أو بادر بعض الشركاء إلى الاقتصاص بغير إذن الباقين ، أو قتل في الشهر الحرام وما في حكمه فإنّه

__________________

(١) المقنعة : ٧٤٣ ، والنهاية : ٧٥٦.

(٢) منهم القاضي في المهذّب ٢ : ٥١٦ ، وابن زهرة في الغنية : ٤١٤ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٦٦٧ ، وغيرهم.

(٣) ألحقه فخر المحقّقين في الإيضاح ٤ : ٦٨١.

(٤) مرّ في الصفحة ٤٤٥ من كتاب القصاص.

(٥) وهي وجوب حفظ النفس مهما قدر عليه ، راجع الصفحة ٤٤٥.

(٦) لا مقيّدة برضى وليّ الدم.

(٧) أي فرض تخيير الجاني عمداً.

٤٩٢

يلزمه ثلث دية زيادةً على القصاص ، أو قتل الأبُ ولدَه ، أو قتل العاقل مجنوناً ، أو جماعة على التعاقب فقتله الأوّل وقلنا بوجوب الدية حيث يفوت المحلّ.

(و) التخيير (١) بين الستّة (إلى العاقلة في الخطأ) وثبوت التخيير في الموضعين هو المشهور وظاهر النصوص (٢) يدلّ عليه.

وربما قيل بعدمه بل يتعيّن الذهب والفضّة على أهلهما ، والأنعام على أهلها ، والحُلل على أهل البزّ (٣) والأقوى الأوّل.

(ودية المرأة النصف من ذلك كلّه. والخنثى) المشكل (ثلاثة أرباعه) في الأحوال الثلاثة ، وكذا الجراحات والأطراف على النصف ما لم يقصر عن ثلث الدية ، فيتساويان.

وفي إلحاق الحكم (٤) بالخنثى نظر. والمتّجه العدم؛ للأصل.

(و) دية (الذمّي) يهوديّاً كان أم نصرانيّاً أو مجوسيّاً (ثمانمئة درهم) على الأشهر روايةً (٥) وفتوىً (٦) ورُوي صحيحاً أنّ ديته كدية المسلم (٧) وأ نّها أربعة آلاف درهم (٨) والعمل بهما نادر ، وحملهما الشيخ على من يعتاد

__________________

(١) في (ر) : التخيّر.

(٢) راجع الوسائل ١٩ : ١٤١ ـ ١٤٦ ، الباب الأوّل من أبواب ديات النفس.

(٣) القائل هو الشيخ في الخلاف ٥ : ٢٢٦ ، المسألة ١٠ وجماعة الديلمي في المراسم : ٢٣٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٤٠ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٤٥٧ ، وغيرهم. (منه رحمه الله).

(٤) الحكم بالتنصيف.

(٥) راجع الوسائل ١٩ : ١٦٠ ـ ١٦٢ ، الباب ١٣ من أبواب ديات النفس.

(٦) اُنظر المقنعة : ٧٣٩ ، والانتصار : ٥٤٥ ، والخلاف ٥ : ٢٦٣ ، المسألة ٧٧ ، وغيرهم.

(٧) الوسائل ١٩ : ١٦٣ ، الباب ١٤ من أبواب ديات النفس ، الحديث ٢.

(٨) المصدر المتقدّم ، الحديث ٤.

٤٩٣

قتلهم (١) فللإمام أن يكلّفه ما شاء منهما ، كما لَه قتلُه.

(و) دية (الذمّيّة نصفها) أربعمئة درهم. ودية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم وجراحاته من ديته. وفي التغليظ بما يغلظ به على المسلم نظر : من عموم الأخبار ، وكون التغليظ على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق. ولعلّ الأوّل أقوى. وكذا تتساوى دية الرجل منهم والمرأة إلى أن تبلغ ثلث الدية فتنتصف كالمسلم (٢). ولا دية لغير الثلاثة من أصناف الكفّار مطلقاً (٣).

(و) دية (العبد قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ ، فتردّ إليها) إن تجاوزتها ، وتؤخذ من الجاني إن كان عمداً أو شبه عمد ، ومن عاقلته إن كان خطأً. ودية الأمة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرّة.

ثمّ الاعتبار بدية الحرّ المسلم إن كان المملوك مسلماً وإن كان مولاه ذمّيّاً على الأقوى ، وبدية الذمّي إن كان المملوك ذمّيّاً وإن كان مولاه مسلماً.

ويُستثنى من ذلك ما لو كان الجاني هو الغاصب ، فيلزمه القيمة وإن زادت عن دية الحرّ.

(ودية أعضائه وجراحاته بنسبة دية الحرّ) فيما له مقدّر منها (والحرّ أصل له في المقدَّر) ففي قطع يده نصف قيمته ، وهكذا ... (وينعكس في غيره) فيصير العبد أصلاً للحرّ فيما لا تقدير لديته من الحرّ ، فيُفرض الحرّ عبداً

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ١٨٧ ، ذيل الحديث ٧٣٨ ، والاستبصار ٤ : ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ، ذيل الحديث ١٠١٩.

(٢) هذا التفصيل مشهورٌ بين الأصحاب ولم نقف على مستنده. (منه رحمه الله).

(٣) قال بعض المحشّين : في الطرف والنفس. وقال بعضهم : ولو انتحلوا الإسلام كالغلاة والنواصب. وقال بعضهم : وإن كانوا من الثلاثة إذا لم يتعهّدوا شرائط الذمّة.

٤٩٤

سليماً من الجناية ، ويُنظر كم قيمته حينئذٍ ، ويُفرض عبداً فيه تلك الجناية وينظر قيمته ، وتنسب إحدى القيمتين إلى الاُخرى ويؤخذ له من الدية بتلك النسبة.

(ولو جُني عليه) أي على المملوك (بما فيه قيمته) كقطع اللسان والأنف والذكر (تخيّر مولاه في أخذ قيمته ودفعه إلى الجاني وبين الرضا به) بغير عوض؛ لئلّا يجمع بين العوض والمعوَّض.

هذا إذا كانت الجناية عمداً أو شبهه ، فلو كانت خطأً لم يدفع إلى الجاني؛ لأ نّه لم يغرم شيئاً ، بل إلى عاقلته على الظاهر إن قلنا : إنّ العاقلة تعقله.

ويستثنى من ذلك أيضاً الغاصب لو جنى على المغصوب بما فيه قيمته ، فإنّه يؤخذ منه القيمة والمملوك على أصحّ القولين (١) لأنّ جانب الماليّة فيه ملحوظ ، والجمع بين العوض والمعوض مندفع مطلقاً؛ لأنّ القيمة عوض الجزء الفائت ، لا الباقي. ولولا الاتّفاق عليه هنا اتّجه الجمع مطلقاً فيقتصر في دفعه على محلّ الوفاق.

(الثانية) :

(في شعر الرأس) أجمع (الدية) إن لم ينبت ، لرجل كان أم لغيره؛ لرواية سليمان بن خالد (٢) وغيرها (٣) (وكذا في شعر اللحية) للرجل. أمّا لحية

__________________

(١) اختاره ابن إدريس في السرائر ٢ : ٤٩٧ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٢٢٦ ، وولده في الإيضاح ٢ : ١٧٢ ، والشهيد الأوّل في غاية المراد ٢ : ٤٠٤. والقول الآخر وهو التخيير بين دفعه وأخذ القيمة أو إمساكه للشيخ في الخلاف ٣ : ٤٠٠ ـ ٤٠١ ، المسألة ٩ ، والمبسوط ٣ : ٦٣.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٥٠ ، الحديث ٩٩٢ ، والوسائل ١٩ : ٢٦١ ، الباب ٣٧ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل ١٩ : ٢٦١ ، الباب ٣٧ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٣.

٤٩٥

المرأة ففيها الأرش مطلقاً (١) وكذا الخنثى المشكل (ولو نبتا) ـ شعر الرأس واللحية ـ بعد الجناية عليهما (فالأرش) إن لم يكن شعر الرأس لامرأة (ولو نبت شعر رأس المرأة ففيه مهر نسائها) وفي الشعرين أقوال (٢) هذا أجودها.

(وفي شعر الحاجبين خمسمئة دينار) هي نصف الدية ، وفي كلّ واحد منهما نصف ذلك. هذا هو المشهور ، بل قيل : إنّه إجماع (٣).

وقيل : فيهما الدية (٤) كغيرهما ممّا في الإنسان منه اثنان.

ولو عاد شعرهما فالأرش على الأظهر.

(وفي بعضه) أي بعض كلّ واحد من الشعور المذكورة (بالحساب) أي يثبت فيه من الدية المذكورة بنسبة مساحة محلّ الشعر المجنيّ عليه إلى محلّ الجميع وإن اختلف كثافةً وخفّةً.

والمرجع في نبات الشعر وعدمه إلى أهل الخبرة. فإن اشتبه فالمرويّ أنّه ينتظر سنة ثمّ تؤخذ الدية إن لم يَعُد (٥) ولو طلب الأرش قبلَها دُفع إليه؛ لأنّه إمّا

__________________

(١) نبتت بعدُ أم لا.

(٢) وهي أنّ في شعر الرأس واللحية إذا لم ينبت عشر الدية ، وهو قول المفيد المقنعة : ٧٥٦ وفيه مئة دينار. وأ نّه مع نباته مئة دينار ، وهو قول الصدوق لكنّه قال في المقنع : ٥٣٠ : ومن حلق رأس رجل فلم ينبت فعليه مئة دينار ، وإن حلق لحيته فعليه الدية. وقال في موضع آخر : ٥٢٦ : وإن نبتت فعليه ثلث الدية وفي شعر اللحية إذا نبت ثلث الدية ، وهو قول الشيخ في النهاية ٧٦٨. (منه رحمه الله).

(٣) قاله ابن إدريس في السرائر ٣ : ٣٧٨.

(٤) قاله ابن زهرة في الغنية : ٤١٧ ، والكيدري في إصباح الشيعة : ٥٠٤.

(٥) الوسائل ١٩ : ٢٦١ ، الباب ٣٧ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٣.

٤٩٦

الحقّ أو بعضه ، فإن مضت ولم يعد اُكمِل له على الدية.

(وفي الأهداب) بالمعجمة والمهملة جمع هُدْب ـ بضمّ الهاء فسكون الدال ـ وهو شعر الأجفان (الأرش على قول) ابن إدريس (١) والعلّامة في أكثر كتبه (٢) كشعر الساعدين وغيره؛ لأصالة البراءة من الزائد حيث لا يثبت له مقدّر (والدية على قول آخر) للشيخ (٣) والأكثر منهم العلّامة في القواعد (٤) للحديث العامّ الدالّ على أنّ (كلّ ما في البدن منه واحد ففيه الدية ، أو اثنان ففيهما الدية (٥)(٦)) وفيها قول ثالث للقاضي : أنّ فيهما نصف الدية كالحاجبين (٧) والأوّل أقوى.

(الثالثة) :

(في العينين الدية ، وفي كلّ واحدة النصف ، صحيحةً) كانت العين (أو حولاء أو عمشاء) وهي ضعيفة البصر مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها (أو جاحظة) وهي عظيمة المُقْلَة (٨) أو غير ذلك كالجهراء (٩) والرمدى (١٠) ... وغيرها.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩.

(٢) مثل الإرشاد ٢ : ٢٣٦ ، والتحرير ٥ : ٦٠٠ ، والمختلف ٩ : ٣٦٠.

(٣) المبسوط ٧ : ١٣٠ ، والخلاف ٥ : ١٩٧ ، المسألة ٦٧.

(٤) القواعد ٣ : ٦٧٠.

(٥) لم يرد في المخطوطات.

(٦) الوسائل ١٩ : ٢١٧ ، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ١٢.

(٧) المهذّب ٢ : ٤٧٦.

(٨) شحمة العين التي تجمع السواد والبياض ، أو هي السواد والبياض أو الحدقة.

(٩) مؤنّث الأجهر ، ومن معانيه من لا يبصر في الشمس.

(١٠) مؤنّث الأرمد ، من الرمد وهو. وجع. العين

٤٩٧

أمّا لو كان عليها بياض ، فإن بقي البصر معه تامّاً فكذلك. ولو نقص نقص من الدية بحسبه ، ويرجع فيه إلى رأي الحاكم.

(وفي الأجفان) الأربعة (الدية ، وفي كلّ واحد الربع) للخبر العامّ.

وقيل : في الأعلى ثلثا الدية ، وفي الأسفل الثلث (١).

وقيل : في الأعلى الثلث ، وفي الأسفل النصف (٢) فينقص دية المجموع بسدس (٣) الدية ، استناداً إلى خبر ظريف (٤) وعليه الأكثر ، لكن في طريقه ضعف وجهالة (٥).

وربما قيل بأنّ هذا النقص إنّما هو على تقدير كون الجناية من اثنين ، أو من واحد بعد دفع أرش الجناية الاُولى ، وإلّا وجب دية كاملة إجماعاً (٦) وهذا هو الظاهر من الرواية (٧) لكن فتوى الأصحاب مطلقة. ولا فرق بين أجفان صحيح العين وغيره حتّى الأعمى ، ولا بين ما عليه هُدب وغيره.

(ولا تتداخل) دية الأجفان (مع العينين) لو قلعهما معاً ، بل تجب

__________________

(١) قاله الشيخ في الخلاف ٥ : ٢٣٦ ، المسألة ٢٤ ، وتبعه ابن إدريس في السرائر ٣ : ٣٧٨.

(٢) قاله المفيد في المقنعة : ٧٥٥ ، والشيخ في النهاية : ٧٦٤ ، وابن زهرة في الغنية : ٤١٦ ، وغيرهم.

(٣) في المخطوطات : سدس.

(٤) الوسائل ١٩ : ٢١٨ ، الباب ٢ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٣.

(٥) الظاهر أنّ ضعفه بسهل بن زياد ، المسالك ١٦ : ٢٩٠. وجهالته بعبد اللّٰه بن أيّوب ، راجع جامع الرواة ٢ : ٢٦٧.

(٦) القول لابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٥ : ٣٠٩. (منه رحمه الله).

(٧) الظاهر أنّ المراد بها خبر ظريف ، وليس فيه ظهور فيما قيل.

٤٩٨

عليه الديتان؛ لأصالة عدم التداخل.

(وفي عين ذي الواحدة كمال الدية إذا كان) العور (خلقة أو بآفة من اللّٰه سبحانه) أو من غيره حيث لا يستحقّ عليه أرشاً ، كما لو جنى عليه حيوان غير مضمون (ولو استحقّ ديتها) وإن لم يأخذها أو ذهبت في قصاص (فالنصف في الصحيحة).

أمّا الأوّل : فهو موضع وفاقٍ ، على ما ذكره جماعة (١).

وأمّا الثاني : فهو مقتضى الأصل في دية العين الواحدة. وذهب ابن إدريس إلى أنّ فيها هنا ثلث الدية خاصّة ، وجعله الأظهر في المذهب (٢) وهو وهم.

(وفي خسف) العين (العوراء) وهي هنا (٣) الفاسدة (ثلث ديتها) حالَ كونها (صحيحة) على الأشهر. ورُوي ربعها (٤) والأوّل أصحّ طريقاً ، سواء كان العور من اللّٰه تعالى أم من جناية جانٍ ، وسواء أخذ الأرش أم لا. ووهم ابن إدريس هنا ففرّق هنا أيضاً كالسابق وجعل في الأوّل النصف ، وفي الثاني الثلث (٥).

__________________

(١) اُنظر الخلاف ٥ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، المسألة ٢٢ ، والغنية : ٤١٦ ، والتنقيح الرائع ٤ : ٤٩٥ ، وورد التعبير في الكتب الثلاثة بالإجماع.

(٢) السرائر ٣ : ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٣) نبّه بقوله «هنا» على أنّ العوراء كثيراً ما تُطلق على الصحيحة التي يقابلها فاسدةٌ ، بمعنى أنّها لا اُخت لها. ومن هنا نشأ وهم ابن إدريس السرائر ٣ : ٣٨٠ في كلام الشيخ المبسوط ٧ : ١٤٦ ، والخلاف ٥ : ٢٣٦ ، المسألة ٢٢ ، والنهاية : ٧٦٥. (منه رحمه الله).

(٤) الوسائل ١٩ : ٢٥٥ ، الباب ٢٩ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٢.

(٥) السرائر ٣ : ٣٨١ ـ ٣٨٢.

٤٩٩

(الرابعة) :

(في الاُذنين الدية ، وفي كلّ واحدة النصف) سميعة كانت أم صمّاء؛ لأنّ الصمم عيب في غيرها (وفي) قطع (البعض) منهما (بحسابه) بأن تعتبر مساحة المجموع من أصل الاُذن وينسب المقطوع إليه ويؤخذ له من الدية بنسبته إليه ، فإن كان المقطوع النصف فالنصف ، أو الثلث فالثلث ، وهكذا ... وتعتبر الشحمة في مساحتها حيث لا تكون هي المقطوعة (وفي شحمتها ثلث ديتها) على المشهور وبه رواية ضعيفة (١) (وفي خَرْمها ثلث ديتها) على ما ذكره الشيخ (٢) وتبعه عليه جماعة (٣) وفسّره ابن إدريس بخرم الشَحمة وثلث دية الشحمة (٤) مع احتمال (٥) إرادة الاُذُن أو ما هو أعمّ. ولا سند لذلك يُرجع إليه.

(الخامسة) :

(في الأنف الدية) سواء قطع (مستأصلاً أو) قطع (مارنه) خاصّة ، وهو ما لان منه في طرفه الأسفل يشتمل على طرفين وحاجز.

وقيل : إنّ الدية في مارنه خاصّة ، دون القصبة حتّى لو قطع المارن والقصبة

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، الباب ٧ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٢. قال الشارح : وفي طريقها سهل بن زياد وابن شمّون وعبد اللّٰه الأصمّ ، وهم في غاية الضعف. المسالك ١٥ : ٤١٠.

(٢) النهاية : ٧٦٦ ، الخلاف ٥ : ٢٣٤ ، المسألة ١٩.

(٣) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٤٤٦ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٣٠٨ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٦٧٣ ، وتلخيص المرام : ٣٦٣ ، والتبصرة : ٢١١.

(٤) السرائر ٣ : ٣٨٢.

(٥) في (ش) و (ر) : احتماله.

٥٠٠