الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-48-6
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٧٢

معتاداً لذلك لا يدع قتلهم ، فيقتل وهو صاغر» (١).

وأ نّه مفسد في الأرض بارتكابه قتلَ من حرّم اللّٰه قتله.

والعجب أنّ ابن إدريس احتجّ على مذهبه بالإجماع على عدم قتل المسلم بالكافر ، وهو استدلال في مقابلة الإجماع. قال المصنّف في الشرح : والحقّ أنّ هذه المسألة إجماعيّة ، فإنّه لم يخالف فيها أحد سوى ابن إدريس وقد سبقه الإجماع ، ولو كان هذا الخلاف مؤثّراً في الإجماع لم يوجد إجماع أصلاً (٢) والإجماع على عدم قتل المسلم بالكافر يختصّ بغير المعتاد.

وأعجب من ذلك نقل المصنّف ذلك قولاً مشعراً بضعفه ، بعد ما قرّره من الإجماع عليه (٣) مع أنّ تصنيفه لهذا الكتاب بعد الشرح.

واحتجّ في المختلف لابن إدريس برواية محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام قال : «لا يُقاد مسلم بذمّيّ» (٤) وأجاب بأ نّه مطلق فيحمل على المفصِّل (٥).

وفيه : أنّه نكرة في سياق النفي فيعمّ ، ومعه يخصّ العامّ بالمخصّص المفصِّل ، والمناقشة لفظيّة. والأقوى المشهور.

ثمّ اختلف القائلون بقتله ، فمنهم من جعله قَوَداً كالشيخ (٦) ومن تبعه (٧) فأوجبوا ردّ الفاضل من ديته.

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٦٥ ، الباب ١٦ من أبواب ديات النفس ، وفيه حديث واحد.

(٢) غاية المراد ٤ : ٣٤٧.

(٣) نقله هنا قولاً ، وقرّر الإجماع عليه في غاية المراد.

(٤) الوسائل ١٩ : ٨٠ ، الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث ٥.

(٥) المختلف ٩ : ٣٢٤.

(٦) النهاية : ٧٤٩.

(٧) كسلّار في المراسم : ٢٣٨ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٣١ و ٤٣٣.

٤٢١

ومنهم من جعله حدّاً؛ لفساده ، وهو العلّامة في المختلف (١) وقبله ابن الجنيد (٢) وأبو الصلاح (٣).

ويمكن الجمع بين الحكمين فيقتل؛ لقتله وإفساده ، ويردّ الورثة الفاضل.

وتظهر فائدة القولين في سقوط القَوَد بعفو الوليّ ، وتوقّفه على طلبه على الأوّل دون الثاني.

وعلى الأوّل ففي توقّفه على طلب جميع أولياء المقتولين أو الأخير خاصّة وجهان ، منشؤهما : كون قتل الأوّل جزءاً من السبب أو شرطاً فيه ، فعلى الأوّل الأوّل ، وعلى الثاني الثاني. ولعلّه أقوى.

ويتفرّع عليه : أنّ المردود عليه هو الفاضل عن ديات جميع المقتولين أو عن دية الأخير ، فعلى الأوّل الأوّل أيضاً ، وعلى الثاني الثاني.

والمرجع في الاعتياد إلى العرف وربما تحقّق بالثانية؛ لأنّه مشتقّ من العود فيقتل فيها ، أو في الثالثة. وهو الأجود؛ لأنّ الاعتياد شرط في القصاص ، فلا بدّ من تقدّمه على استحقاقه.

(ويُقتل الذمّي بالذمّي) وإن اختلفت ملّتهما كاليهودي والنصراني (وبالذمّيّة مع الردّ) أي ردّ أوليائها عليه فاضل ديته عن دية الذمّيّة وهو نصف ديته (وبالعكس) تقتل الذمّيّة بالذمّيّ مطلقاً (وليس عليها غرم) كالمسلمة إذا قُتلت بالمسلم؛ لأنّ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه.

(ويُقتل الذمّيّ بالمسلم ويُدفع ماله) الموجود على ملكه حالةَ القتل

__________________

(١) المختلف ٩ : ٣٢٤.

(٢) حكاه عنه العلّامة في المصدر المتقدّم.

(٣) الكافي : ٣٨٤.

٤٢٢

(ووُلده الصغار) غير المكلّفين (إلى أولياء المسلم) على وجه الملك (على قول) الشيخ المفيد (١) وجماعة (٢) وربما نُسب إلى الشيخ أيضاً (٣) ولكن قال المصنّف في الشرح : إنّه لم يجده في كتبه (٤).

وإنّما نسب الحكم إلى قول (٥) لعدم ظهور دلالة عليه ، فإنّ رواية ضريس (٦) التي هي مستند الحكم خالية عن حكم أولاده ، وأصالة حرّيّتهم لانعقادهم عليها ، وعموم : (لاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ) (٧) ينفيه. ومن ثَمّ ردّه ابن إدريس (٨) وجماعة (٩).

ووُجّه القول (١٠)بأنّ الطفل يتبع أباه ، فإذا ثبت له الاسترقاق شاركه فيه ، وبأنّ المقتضي لحقن دمه واحترام ماله ووُلده هو : التزامه بالذمّة وقد خرقها بالقتل ، فيجري عليه أحكام أهل الحرب.

__________________

(١) المقنعة : ٧٤٠ و ٧٥٣.

(٢) كسلّار في المراسم : ٢٣٨ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٣٤ ـ ٤٣٥.

(٣) نسبه العلّامة إليه في الإرشاد ٢ : ٢٠٤ ، والتحرير ٥ : ٤٥٥ ، وكذلك السيّد عميد الدين نقله في كنز الفوائد ٣ : ٦٩٨ ، عن النهاية.

(٤) غاية المراد ٤ : ٣٥١.

(٥) في سوى (ع) : القول.

(٦) الوسائل ١٩ : ٨١ ، الباب ٤٩ من أبواب القصاص في النفس ، وفيه حديث واحد.

(٧) الأنعام : ١٦٤ ، والزمر : ٧.

(٨) السرائر ٣ : ٣٥١.

(٩) كالمحقّق في الشرائع ٤ : ٢١١ ، والعلّامة في المختلف ٩ : ٣٢٢ ، والشهيد الأوّل في غاية المراد ٤ : ٣٥٢.

(١٠) وجّهه الشهيد الأوّل في غاية المراد ٤ : ٣٥١.

٤٢٣

وفيه : أنّ ذلك يوجب اشتراك المسلمين فيهم؛ لأنّهم فيء ، أو اختصاص الإمام عليه السلام بهم ، لا اختصاص أولياء المقتول.

والأجود : الاقتصار على ما اتّفق عليه الأصحاب ووردت به النصوص من جواز قتله ، والعفو ، والاسترقاق له ، وأخذ ماله.

(وللوليّ استرقاقه إلّاأن يُسلم) قبله (فالقتل لا غير) لامتناع استرقاق المسلم ابتداءً ، وأخذُ ماله باقٍ على التقديرين.

(ولو قتل الكافرُ مثلَه ثمّ أسلم القاتل فالدية) عليه (لا غير إن كان المقتول ذمّيّاً) لامتناع قتل المسلم بالكافر في غير ما استثني. ولو كان المقتول الكافر غير ذمّيّ فلا قتل على قاتله مطلقاً ولا دية.

(وولد الزنا إذا بلغ وعقل وأظهر الإسلام مسلم ، يُقتل به ولد الرشدة) ـ بفتح الراء وكسرها ـ خلاف ولد الزنا وإن كان لشبهة؛ لتساويهما في الإسلام. ولو قتله قبل البلوغ لم يُقتل به ، وكذا لا يُقتل به المسلم مطلقاً عند من يرى أنّه كافر وإن أظهر الإسلام (١).

(ويُقتل الذمّي بالمرتدّ) فطريّاً كان أم ملّيّاً؛ لأنّه محقون الدم بالنسبة إليه ، لبقاء عُلقة الإسلام. وكذا العكس على الأقوى؛ لتساويهما في أصل الكفر ، كما يُقتل اليهودي بالنصراني. أمّا لو رجع الملّي إلى الإسلام فلا قود ، وعليه دية الذمّيّ.

(ولا يُقتل به المسلمُ) وإن أساء بقتله؛ لأنّ أمره إلى الإمام عليه السلام (والأقرب : أن لا دية) للمرتدّ مطلقاً بقتل المسلم له (أيضاً) لأنّه بمنزلة

__________________

(١) مثل ابن إدريس في السرائر ١ : ٣٥٧ حيث حكم بكفر ولد الزنا والظاهر أنّ الحكم ثابت حتّى مع إظهاره الإيمان ، كما استظهر ذلك في الحدائق ٥ : ١٩٢.

٤٢٤

الكافر الذي لا دية له ، وإن كان قبل استتابة الملّيّ؛ لأنّ مفارقته للكافر بذلك لا يخرجه عن الكفر ، ولأنّ الدية مقدّر شرعيّ فيقف ثبوتها على الدليل الشرعيّ ، وهو منتفٍ.

ويُحتمل وجوب دية الذمّيّ؛ لأنّه (١) أقرب منه إلى الإسلام ، فلا أقلّ من كون ديته كديته ، مع أصالة البراءة من الزائد. وهو ضعيف.

(ومنها : انتفاء الاُبوّة) :

(فلا يُقتل الوالد وإن علا بابنه) وإن نزل لقوله صلى الله عليه وآله : (لا يقاد للابن من أبيه) (٢).

والبنت كالابن إجماعاً ، أو بطريق أولى. وفي بعض الأخبار عن الصادق عليه السلام (لا يُقتل والد بولده ويُقتل الولد بوالده) (٣) وهو شامل للاُنثى. وعُلّل أيضاً بأنّ الأب كان سبباً في وجود الولد ، فلا يكون الولد سبباً في عدمه (٤) وهو لا يتمّ في الاُمّ.

(ويُعزَّر) الوالد بقتل الولد (ويكفّر. وتجب الدية) لغيره من الورّاث.

(ويُقتل باقي الأقارب بعضهم ببعض ، كالولد بوالده والاُمّ بابنها) والأجداد من قِبَلها ، وإن كانت لأب ، والجدّات مطلقاً ، والإخوة والأعمام ، والأخوال ، وغيرهم.

ولا فرق في الوالد بين المساوي لولده في الدين والحرّيّة والمخالف ،

__________________

(١) أي المرتدّ.

(٢) السنن الكبرى ٨ : ٣٨ و ٣٩ مع اختلاف يسير.

(٣) الوسائل ١٩ : ٥٦ ، الباب ٣٢ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث ٤.

(٤) لم نعثر عليه.

٤٢٥

فلا يُقتل الأب الكافر بولده المسلم ، ولا الأب العبد بولده الحرّ؛ للعموم ، ولأنّ المانع شرف الاُبوّة. نعم ، لا يقتل الولد المسلم بالأب الكافر ، ولا الحرّ بالعبد؛ لعدم التكافؤ.

(ومنها : كمال العقل) :

(فلا يُقتل المجنونُ بعاقلٍ ولا مجنون) سواء كان الجنون دائماً أم أدواراً إذا قتله حال جنونه (والدية) ثابتة (على عاقلته) لعدم قصده القتلَ فيكون كخطأ العاقل ، ولصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأً كان أو عمداً» (١).

وكما يعتبر العقل في طرف القاتل كذا يعتبر في طرف المقتول ، فلو قتل العاقلُ مجنوناً لم يُقتل به ، بل الدية إن كان القتل عمداً أو شبهه ، وإلّا فعلى العاقلة. نعم ، لو صال المجنون عليه ولم يمكنه دفعه إلّابقتله فهدر.

(ولا يقتل الصبيّ ببالغ ولا صبيّ) بل تثبت الدية على عاقلته بجعل عمده خطأً محضاً إلى أن يبلغ وإن ميّز؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : (عمد الصبيّ وخطؤه واحد) (٢) وعنه أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول : (عمد الصبيان خطأ نحمله على العاقلة) (٣) واعتبر في التحرير مع البلوغ الرشد (٤) وليس بواضح.

__________________

(١) و (٢) الوسائل ١٩ : ٣٠٧ ، الباب ١١ من أبواب العاقلة ، الحديث ١ و ٢.

(٣) المصدر المتقدّم ، الحديث ٣ ، وفيه : «يحمل على العاقلة».

(٤) التحرير ٥ : ٤٦٤.

٤٢٦

(ويقتل البالغ بالصبيّ) على أصحّ القولين؛ لعموم (اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (١) وأوجب أبو الصلاح في قتل البالغ له (٢) الدية كالمجنون (٣) لاشتراكهما في نقصان العقل. ويضعَّف بأنّ المجنون خرج بدليل خارج وإلّا كانت الآية متناولة له (٤) بخلاف الصبيّ مع أنّ الفرق بينهما متحقّق.

(ولو قتل العاقل) من يثبت عليه بقتله القصاص (ثمّ جُنَّ اقتُصّ منه) ولو حالةَ الجنون؛ لثبوت الحقّ في ذمّته عاقلاً ، فيستصحب كغيره من الحقوق.

(ومنها : أن يكون المقتول محقون الدم) :

أي غير مباح القتل شرعاً (فمن أباح الشرعُ قتلَه) لزناء أو لواط أو كفر (لم يُقتَل به) قاتلُه وإن كان بغير إذن الإمام؛ لأنّه مباح الدم في الجملة وإن توقّفت المباشرة على إذن الحاكم ، فيأثم بدونه خاصّة.

والظاهر عدم الفرق بين استيفائه بنوع القتل الذي عيّنه الشارع ـ كالرجم والسيف ـ وغيره؛ لاشتراك الجميع في الأمر المطلوب شرعاً وهو إزهاق الروح.

(ولو قتل من وجب عليه قصاصٌ غيرُ الوليّ قُتل به) لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى غيره.

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

(٢) لم يرد «له» في (ع).

(٣) الكافي : ٣٨٤ ـ ٣٨٥.

(٤) لم يرد «له» في (ع).

٤٢٧

(القول في ما يثبت به القتل)

(وهو ثلاثة : الإقرار) به (والبيّنة) عليه (والقَسامة) بفتح القاف وهي الأيمان يُقسَّم على أولياء الدم ، قاله الجوهري (١).

(١) ـ الاقرار

(فالإقرار يكفي فيه المرّة) لعموم (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) (٢) وهو يتحقّق بالمرّة حيث لا دليل على اعتبار التعدّد.

وقيل : تعتبر المرّتان (٣) وهو ضعيف.

(ويشترط) فيه (أهليّة المقرّ) بالبلوغ والعقل (واختياره وحرّيّته) فلا عبرة بإقرار الصبيّ والمجنون والمكره والعبد ما دام رقّاً ولو بعضه ، إلّاأن يُصدّقه مولاه ، فالأقرب القبول؛ لأنّ سلب عبارته هنا إنّما كان لحقّ المولى حيث كان له نصيب في نفسه ، فإذا وافقه زال المانع مع وجود المقتضي ، وهو : قبول إقرار العقلاء على أنفسهم.

ووجه عدم القبول مطلقاً كونه مسلوب أهليّة الإقرار كالصبيّ والمجنون؛ لأنّ العبوديّة صفة مانعة منه كالصِبا (٤) ولأنّ المولى ليس له تعلّق بدم العبد ، وليس له جرحه ، ولا قطع شيء من أعضائه فلا يقبل مطلقاً.

__________________

(١) صحاح اللغة ٥ : ٢٠١٠ ، (قسم).

(٢) الوسائل ١٦ : ١١١ ، الباب ٣ من كتاب الإقرار ، الحديث ٢.

(٣) قاله الشيخ في النهاية : ٧٤٢ ، وتبعه القاضي في المهذّب ٢ : ٥٠٢ ، وابن إدريس في السرائر ٣ : ٣٤١ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٧٧.

(٤) في (ر) زيادة : والجنون.

٤٢٨

ولا فرق في ذلك بين القنّ والمدبَّر واُمّ الولد والمكاتب وإن انعتق بعضه كمطلق المبعَّض. نعم ، لو أقرّ بقتل يوجب عليه الدية لزمه منها بنسبة ما فيه من الحرّيّة. ولو أقرّ بالعمد ثمّ كمل عتقه اقتُصّ منه؛ لزوال المانع.

(ويُقبل إقرار السفيه والمفلَّس بالعمد) لأنّ موجَبَه القَوَد وإنّما حُجر عليهما في المال ، فيستوفى منهما القصاص في الحال.

ولو أقرّا بالخطأ الموجب للمال على الجاني (١) لم يقبل من السفيه مطلقاً ، ويُقبل من المفلَّس لكن لا يشارك المقرَّ له الغرماء على الأقوى ، وقد تقدّم في بابه (٢).

(ولو أقرّ واحدٌ بقتله عمداً ، وآخرُ) بقتله (خطأً تخيّر الوليّ) في تصديق من شاء منهما وإلزامه بموجب جنايته؛ لأنّ كلّ واحد من الإقرارين سبب مستقلّ في إيجاب مقتضاه على المقرِّ به ، ولمّا لم يمكن الجمع تخيّر الوليّ وإن جهل الحال كغيره ، وليس له على الآخر سبيل.

(ولو أقرّ بقتله عمداً فأقرّ آخر ببراءة المقرّ) ممّا أقرّ به من قتله (وأ نّه هو القاتل ورجع الأوّل) عن إقراره (وُدي المقتول من بيت المال) إن كان موجوداً (ودرئ) أي رفع (عنهما القصاص كما قضى به الحسن عليه السلام في حياة أبيه) عليّ عليه السلام معلّلاً بأنّ الثاني إن كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا ، وقد قال اللّٰه عزّ وجلّ : (وَمَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا اَلنّٰاسَ جَمِيعاً) (٣) وقد عمل بالرواية أكثر

__________________

(١) في (ع) : للجاني.

(٢) تقدّم في كتاب الإقرار ، الجزء الثالث : ٥٢٨.

(٣) المائدة : ٣٢.

٤٢٩

الأصحاب مع أنّها مرسلة مخالفة للأصل (١) والأقوى تخيير الوليّ في تصديق أيّهما شاء والاستيفاء منه كما سبق.

وعلى المشهور لو لم يكن بيت مال كهذا الزمان أشكل درء القصاص عنهما وإذهاب حقّ المُقَرّ له مع أنّ مقتضى التعليل ذلك.

ولو لم يرجع الأوّل عن إقراره فمقتضى التعليل بقاء الحكم أيضاً. والمختار التخيير مطلقاً.

(وأمّا البيّنة : فعدلان ذكران) ولا عبرة بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات ولا بالواحد مع اليمين؛ لأنّ متعلّقهما المال وإن عفا المستحقّ على مال. وقيل : يثبت بالشاهد والمرأتين الدية (٢) وهو شاذّ (٣).

(ولتكن الشهادة صافيةً عن الاحتمال ، فلو قال : جَرَحه لم يكف حتّى يقول : مات من جرحه) لأنّ الجرح لا يستلزم الموت مطلقاً.

(ولو قال : أسالَ دمه ، تثبت الدامية (٤)) خاصّة؛ لأنّها المتيقّن من إطلاق اللفظ. ثمّ يبقى الكلام في تعيين الدامية ، فإنّ استيفاءها مشروط بتعيين محلّها ، فلا يصحّ بدونه.

__________________

(١) وهو أصالة عدم سماع الرجوع بعد الإقرار.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ٨ : ١٧٢ ، ونقله العلّامة عن ابن الجنيد في المختلف ٨ : ٤٥٥ ـ ٤٥٦ ، وقال به أبو الصلاح في الكافي : ٤٣٦ ، وغيرهم.

(٣) كما نسبه المحقّق أيضاً في الشرائع إلى الشذوذ مع ذهاب أكثر الأصحاب إليه ، فراجع المسالك ١٥ : ١٧٨.

(٤) هي التي تقطع الجلد وتأخذ اللحم يسيراً.

٤٣٠

(ولا بدّ من توافقهما على الوصف الواحد) الموجب لاتّحاد الفعل (فلو اختلفا زماناً) بأن شهد أحدهما أنّه قتله غُدوةً والآخر عَشيّة (أو مكاناً) بأن شهد أحدهما أنّه قتله في الدار والآخر في السوق (أو آلةً) بأن شهد أحدهما أنّه قتله بالسكّين والآخر بالسيف (بطلت الشهادة) لأنّها شهادة على فعلين ، ولم يقم على كلّ واحد إلّاشاهدٌ واحدٌ. ولا يثبت بذلك لوث على الأقوى؛ للتكاذب. نعم ، لو شهد أحدهما بإقراره والآخر بالمشاهدة لم يثبت وكان لوثاً؛ لإمكان صدقهما وتحقّق الظنّ به.

(وأمّا القسامة : فتثبت مع اللوث. ومع عدمه : يحلف المنكر يميناً واحدة) على نفي الفعل (فإن نكل) عن اليمين (حلف المدّعي يميناً واحدة) بناءً على عدم القضاء بالنكول (ويثبت الحقّ) على المنكر بيمين المدّعي. ولو قضينا بالنكول قُضي عليه به (١) بمجرّده.

(واللوث أمارة يُظنّ بها صدق المدّعي) فيما ادّعاه من القتل (كوجود ذي سلاح ملطَّخ بالدم عند قتيل في دمه) أمّا لو لم يوجد القتيل مُهرَق الدم لم يكن وجود الدم مع ذي السلاح لوثاً (أو) وجد القتيل (في دار قوم أو قريتهم) حيث لا يطرقها غيرُهم (أو بين قريتين) لا يطرقهما غير أهلهما (وقربهما) إليه (سواء) ولو كان إلى إحداهما أقرب اختصّت باللوث. ولو طرق القرية غير أهلها اعتبر في ثبوت اللوث مع ذلك ثبوت العداوة بينهم وبينه (وكشهادة العدل) الواحد بقتل المدّعى عليه به (لا الصبيّ ولا الفاسق) والكافر وإن كان مأموناً في مذهبه.

__________________

(١) لم يرد «به» في (ع).

٤٣١

(أمّا جماعة النساء والفُسّاق فتفيد (١) اللوث مع الظنّ) بصدقهم (٢) ويُفهم منه أنّ جماعة الصبيان لا يثبت بهم اللوث. وهو كذلك ، إلّاأن يبلغوا حدّ التواتر ، وكذا الكفّار ، والمشهور (٣) حينئذٍ ثبوته بهم. ويُشكل بأنّ التواتر يُثبت القتلَ؛ لأنّه أقوى من البيّنة ، واللوث يكفي فيه الظنّ ، وهو قد يحصل بدون تواترهم.

(ومن وُجد قتيلاً في جامع عظيم أو شارع) يطرقه غيرُ منحصر (أو) في (فلاة أو في زُحام على قنطرة أو جسر أو بئر أو مصنع) غير مختصّ بمنحصر (فديته على بيت المال).

(وقدرها) أي قدر القسامة (خمسون يميناً) باللّٰه تعالى (في العمد) إجماعاً (والخطأ) على الأشهر. وقيل : خمسة وعشرون (٤) لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن الصادق عليه السلام (٥) والأوّل أحوط وأنسب بمراعاة النفس (٦).

يحلفها المدّعي مع اللوث إن لم يكن له قوم (فإن كان للمدّعي قوم) والمراد بهم هنا أقاربه وإن لم يكونوا وارثين (حلف كلّ واحد) منهم (يميناً) إن كانوا خمسين. ولو زادوا عنها اقتصر على حلف خمسين والمدّعي من

__________________

(١) في (ق) : فبقيد.

(٢) هذه الأحكام مشهورةٌ ومستندها أخبار لا تبلغ حدّ الصحّة. (منه رحمه الله).

(٣) في (ع) و (ش) : فالمشهور.

(٤) قاله الشيخ في النهاية : ٧٤٠ ، والخلاف ٥ : ٣٠٨ ، المسألة ٤ ، والقاضي في المهذّب : ٥٠٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٦٠.

(٥) الوسائل ١٩ : ١١٩ ، الباب ١١ من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ، الحديث الأوّل.

(٦) في هامش (ر) : زيادة ما يلي : ولو تعدّد المدّعى عليه فعلى كلّ واحد خمسون على الأقوى ، صحّ.

٤٣٢

جملتهم ، ويتخيّرون في تعيين الحالف منهم.

(ولو نقصوا عن الخمسين كرّرت عليهم) أو على بعضهم حسبما يقتضيه العدد إلى أن يبلغ الخمسين (١) وكذا لو امتنع بعضهم كرّرت على الباذل متساوياً ومتفاوتاً ، وكذا لو امتنع البعض من تكرير اليمين.

(وتثبت القَسامة في الأعضاء بالنسبة) أي بنسبتها إلى النفس في الدية ، فما فيه منها الدية فقسامته خمسون كالنفس ، وما فيه النصف فنصفها ، وهكذا ...

وقيل : قَسامة الأعضاء الموجبة للدية ستّ أيمان ، وما نقص عنها فبالنسبة (٢) والأقوى الأوّل.

(ولو لم يكن له قَسامة) أي قوم يقسمون ـ فإنّ القَسامة تُطلق على الأيمان وعلى المُقْسِم ـ وعدم القسامة إمّا لعدم القوم ، أو وجودهم مع عدم علمهم بالواقعة ، فإنّ الحلف لا يصحّ إلّامع علمهم بالحال ، أو لامتناعهم عنها تشهّياً ، فإنّ ذلك غير واجب عليهم مطلقاً (أو امتنع) المدّعي (من اليمين) وإن بذلها قومُه أو بعضُهم (اُحلف المنكر وقومه خمسين يميناً) ببراءته (فإن امتنع) المنكر من الحلف أو بعضه (اُلزم الدعوى) وإن بذلها قومه ـ بناءً على القضاء بالنكول ، أو لخصوص (٣) هذه المادّة من حيث إنّ أصل اليمين هنا على المدّعي وإنّما انتقلت إلى المنكر بنكوله ـ فلا تعود إليه ، كما لا تعود من المدّعي إلى المنكر بعد ردّها عليه.

__________________

(١) في (ع) : خمسين.

(٢) ذهب إليه الشيخ في النهاية : ٧٤١ ، والخلاف ٥ : ٣١٣ ، المسألة ١٢ ، وتبعه القاضي في المهذّب ٢ : ٥٠١ ، وابن زهرة في الغنية : ٤٤١.

(٣) في (ر) : بخصوص.

٤٣٣

(وقيل :) والقائل الشيخ في المبسوط (له ردُّ اليمين على المدّعي) كغيره من المنكرين (فيكفي) حينئذٍ اليمين (الواحدة) كغيره (١) وهو ضعيف؛ لما ذكر (٢).

(ويستحبّ للحاكم العظة) للحالف (قبل الأيمان) كغيره بل هنا أولى (وروى السكوني عن أبي عبد اللّٰه : أنّ النبيّ كان يحبس في تهمة الدم ستّة أيّام ، فإن جاء الأولياء ببيّنة (٣) وإلّا خلّى سبيله (٤)) وعمل بمضمونها الشيخ (٥) والرواية ضعيفة (٦) والحبس تعجيل عقوبة لم يثبت موجبها ، فعدم جوازه أجود.

__________________

(١) المبسوط ٧ : ٢٢٣.

(٢) من أنّ أصل اليمين هنا على المدّعي.

(٣) لم يرد في (ق) : الأولياء ببيّنة.

(٤) الوسائل ١٩ : ١٢١ ، الباب ١٢ من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ، وفيه حديث واحد ، وفيه : فإن جاء أولياء المقتول بثبتٍ.

(٥) النهاية : ٧٤٤.

(٦) لأنّ في طريقها السكوني وهو ضعيف ، راجع فهارس المسالك ١٦ : ٣٠١.

٤٣٤

(الفصل الثاني)

(في قصاص الطرف)

والمراد به ما دون النفس وإن لم يتعلّق بالأطراف المشهورة.

(وموجبه)بكسر الجيم أي سببه (إتلاف العضو) وما في حكمه (بالمتلف غالباً) وإن لم يقصد الإتلاف (أو بغيره) أي غير المتلف غالباً (مع القصد إلى الإتلاف) كالجناية على النفس.

(وشروطه : شروط قصاص النفس) من التساوي في الإسلام والحرّيّة ، أو كون المقتصّ منه أخفض ، وانتفاء الاُبوّة ، إلى آخر ما فُصّل سابقاً (١) (و) يزيد هنا على شروط النفس اشتراط (التساوي) أي تساوي العضوين المقتصّ به ومنه (في السلامة) أو (٢) عدمها أو كون المقتصّ منه أخفض (فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلّاء) وهي الفاسدة (ولو بذلها) أي بذل اليدَ الصحيحة (الجاني) لأنّ بذله لا يسوّغ قطع ما منع الشارع من قطعه ، كما لو بذل قطعَها بغير قصاص.

(وتقطع) اليد (الشلّاء بالصحيحة) لأنّها دون حقّ المستوفى

__________________

(١) في قصاص النفس.

(٢) في (ش) : و.

٤٣٥

(إلّا إذا خيف) من قطعها (السراية) إلى النفس؛ لعدم انحسامها (١) فتثبت الدية حينئذٍ.

وحيث يقطع الشلّاء يقتصر عليها ، ولا يضمّ إليها أرش التفاوت.

(وتُقطع اليمين باليمين) لا باليُسرى ، ولا بالعكس ، كما لا تقطع السبّابة بالوسطى ونحوها ، ولا بالعكس.

(فإن لم تكن له (٢)) أي لقاطع اليمين (يمين فاليسرى ، فإن لم تكن) له يسرى (فالرجل) اليمنى ، فإن فقدت فاليسرى (على الرواية) التي رواها حبيب السجستاني عن الباقر عليه السلام (٣).

وإنّما أسند الحكم إليها لمخالفته للأصل من حيث عدم المماثلة بين الأطراف ، خصوصاً بين الرِجل واليد ، إلّاأنّ الأصحاب تلقّوها بالقبول ، وكثير منهم لم يتوقّف في حكمها هنا. وما ذكرناه من ترتّب (٤) الرِجلين مشهور ، والرواية خالية عنه ، بل مطلقة في قطع الرجل لليد حيث لا يكون للجاني يد.

وعلى الرواية لو قَطع أيدي جماعة قُطعت يداه ورجلاه للأوّل فالأوّل ، ثمّ تؤخذ الدية للمتخلّف.

ولا يتعدّى هذا الحكم إلى غير اليدين ممّا له يمين ويسار كالعينين والاُذنين ، وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع اليقين وهو الأخذ بالمماثل. وكذا ما ينقسم إلى أعلى وأسفل كالجفنين والشفتين ، لا يؤخذ الأعلى بالأسفل ، ولا بالعكس.

__________________

(١) أي عدم انقطاع دمها.

(٢) لم يرد «له» في (ق).

(٣) الوسائل ١٩ : ١٣١ ، الباب ١٢ من أبواب قصاص الطرف ، الحديث ٢.

(٤) في (ر) : ترتيب.

٤٣٦

(ويثبت) القصاص (في الحارصة) من الشجاج (١) (والباضعة والسمحاق والموضحة) وسيأتي تفسيرها (٢).

(ويراعى) في الاستيفاء (الشجّة) العادية (طولاً وعرضاً) فيستوفى بقدرها في البُعدين.

(ولا يُعتبر قدر النزول مع صدق الاسم) أي اسم الشجّة المخصوصة ـ من حارصة وباضعة وغيرها ـ لتفاوت الأعضاء بالسمن والهزال. ولا عبرة باستلزام مراعاة الطول والعرض استيعاب رأس الجاني لصغره دون المجنيّ عليه ، وبالعكس. نعم ، لا يكمل الزائد عنه من القفا ولا من الجبهة؛ لخروجهما عن موضع الاستيفاء ، بل يقتصر على ما يحتمله العضو ويؤخذ للزائد بنسبة المتخلّف إلى أصل الجرح من الدية ، فيستوفى بقدر ما يحتمله الرأس من الشجّة وينسب الباقي إلى الجميع ، ويؤخذ للفائت بنسبته ، فإن كان الباقي ثلثاً فله ثلث دية تلك الشجّة ، وهكذا ...

(ولا يثبت) القصاص (في الهاشمة (٣)) للعظم (والمنقّلة (٤)) له (ولا في كسر العظام لتحقّق التغرير) بنفس المقتصّ منه ، ولعدم إمكان استيفاء نحو الهاشمة والمنقّلة من غير زيادة ولا نقصان.

(ويجوز) القصاص (قبل الاندمال) أي اندمال جناية الجاني؛ لثبوت أصل الاستحقاق (وإن كان الصبر) إلى الاندمال (أولى) حذراً من السراية الموجبة لتغيّر الحكم.

__________________

(١) جمع شجّة ، وهي الجراحة في الرأس خاصّة.

(٢) يأتي في الفصل الثالث من كتاب الديات.

(٣) يأتي تفسيرهما في الفصل الثالث من كتاب الديات.

(٤) يأتي تفسيرهما في الفصل الثالث من كتاب الديات.

٤٣٧

وقيل : لا يجوز؛ لجواز السراية الموجبة للدخول (١)

(ولا قصاص إلّابالحديد) لقوله صلى الله عليه وآله : (لا قَوَد إلّابحديد) (٢) (فيقاس الجرح) طولاً وعرضاً بخيط وشبهه (ويعلَّم طرفاه) في موضع الاقتصاص (ثمّ يشقّ من إحدى العلامتين إلى الاُخرى) ولا تجوز الزيادة ، فإن اتّفقت عمداً اقتصّ من المستوفي ، أو خطأً فالدية ويرجع إلى قوله فيهما بيمينه ، أو لاضطراب المستوفى منه فلا شيء؛ لاستنادها إلى تفريطه. وينبغي ربطه على خشبة ونحوها لئلّا يضطرب حالة الاستيفاء.

(ويؤخَّر قصاص الطرف) من الحرّ والبرد (إلى اعتدال النهار) حذراً من السراية.

(ويثبت القصاص في العين) للآية (ولو كان الجاني بعين واحدة) والمجنيّ عليه باثنتين قلعت عين الجاني وإن استلزم عماه ، فإنّ الحقّ أعماه (٣) ولإطلاق قوله تعالى : (وَاَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) (٤) ولا ردّ.

(ولو) انعكس بأن (قلع عينه) أي عين ذي العين الواحدة (صحيحُ العينين) فأذهب بصره (اقتصّ له بعين واحدة) لأنّ ذلك هو المماثل للجناية.

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ٧ : ٧٥.

(٢) كنز العمّال ١٥ : ١١ ، الحديث ٣٩٧٤٦ ، وسنن البيهقي ٨ : ٦٢ ، وفيهما : «لا قود إلّابحديدة».

(٣) هذا لفظ الحديث عن الباقر عليه السلام قال محمدّ بن قيس قلت له : أعور فقأ عينَ صحيح متعمّداً فقال : تفقأ عينه. قلت : فيكون أعمى. قال : الحقّ أعماه الوسائل ١٩ : ١٣٤ ، الباب ١٥ من أبواب قصاص الطرف ، الحديث الأوّل. (منه رحمه الله).

(٤) المائدة : ٤٥.

٤٣٨

(قيل) والقائل ابن الجنيد (١) والشيخ في أحد قوليه (٢) وجماعة (٣) : (وله مع القصاص) على ذي العينين (نصف الدية) لأنّه أذهب بصره أجمع وفيه الدية ، وقد استوفى منه ما فيه نصف الدية وهو العين الواحدة فيبقى له النصف ، ولرواية محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في رجل أعور اُصيبت عينه الصحيحة ففُقئت : أن تُفقأ إحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية ، وإن شاء أخذ دية كاملة ويعفو عن عين صاحبه» (٤) ومثلها رواية عبد اللّٰه بن الحكم عن الصادق عليه السلام (٥).

ونسبة المصنّف الحكم إلى القيل مشعرة بردّه أو توقّفه. ومنشؤه قوله تعالى : (وَاَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) فلو وجب معها شيء آخر لم يتحقّق ذلك ، خصوصاً على القول بأنّ الزيادة على النصّ نسخ (٦) وأصالة البراءة من الزائد.

وإليه (٧) ذهب جماعة من الأصحاب ، منهم المحقّق في الشرائع (٨) والعلّامة

__________________

(١) نقله عنه في المختلف ٩ : ٣٦٢ ، ولكن فيه : كانت له الدية كاملة؛ لأنّ الجاني أذهب جميع بصره.

(٢) المبسوط ٧ : ١٤٦ ، والنهاية : ٧٦٥ ـ ٧٦٦ ، وقوله الآخر هو الذي اختاره المصنّف هنا. راجع الخلاف ٥ : ٢٥١ ، المسألة ٥٧.

(٣) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٤٤٦ ـ ٤٤٧ ، وسلّار في المراسم : ٢٤٦ ، والعلّامة في المختلف ٩ : ٣٦٤ ـ ٣٦٥.

(٤) الوسائل ١٩ : ٢٥٢ ، الباب ٢٧ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٢ ، وفيه : «ويعفى عن عين صاحبه».

(٥) نفس المصدر ، الحديث ٤.

(٦) اُنظر عدّة الاُصول ٢ : ٥٢٧.

(٧) يعني عدم الردّ وأصالة البراءة.

(٨) الشرائع ٤ : ٢٣٦.

٤٣٩

في التحرير (١) مع موافقته في المختلف (٢) للأوّل (٣) وتردّده في باقي كتبه (٤).

وللتوقّف وجه وإن كان الأوّل (٥) لا يخلو من قوّة ، وهو اختيار المصنّف في الشرح (٦).

واُجيب عن الآية بأنّ «العين» مفرد محلّى فلا يعمّ ، والأصل يُعدل عنه للدليل.

وما قيل : من أنّ الآية حكاية عن التوراة فلا يلزمنا (٧) مندفع بإقرارها في شرعنا؛ لرواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام : «إنّها محكمة» (٨) ولقوله تعالى بعدها : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلظّٰالِمُونَ) (٩) و «مَن» للعموم ، والظلم حرام ، فتركه واجب ، وهو لا يتمّ إلّابالحكم بها.

وقد ينقدح (١٠)الشكّ في الثاني باحتمال كونه معطوفاً على اسم «أنّ» (١١)

__________________

(١) التحرير ٥ : ٥١١.

(٢) المختلف ٩ : ٣٦٥.

(٣) يعني ما ذهب إليه ابن الجنيد وجماعة ، والمناسب : «للثاني» ولعلّ التعبير بالأوّل نسبيّ بملاحظة ما ذكره أخيراً في توجيه منشأ توقّف المصنّف.

(٤) القواعد ٣ : ٦٣٩ ، والإرشاد ٢ : ٢٠٧.

(٥) يعني ما اختاره المصنّف من عدم وجوب ردّ شيء.

(٦) غاية المراد ٤ : ٣٧٤.

(٧) اُنظر كنز العرفان ٢ : ٣٥٥.

(٨) التهذيب ١٠ : ١٨٣ ـ ١٨٤ ، الحديث ٧١٨.

(٩) المائدة : ٤٥.

(١٠) في (ع) : يقدح.

(١١)الواقع في صدر الآية (وَكَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ ....) فيكون معنى ذيل الآية وَكَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ ...

٤٤٠