الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-48-6
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٧٢

غير كلاء ولا ماء فهي للّذي أحياها» (١).

(والشاة في الفلاة) التي يُخاف عليها فيها من السباع (تؤخذ) جوازاً (لأنّها لا تمتنع من صغير السباع) فهي كالتالفة ، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (هي لك أو لأخيك أو للذئب) (٢) (وحينئذٍ يتملّكها إن شاء ، وفي الضمان) لمالكها على تقدير ظهوره أو كونه معلوماً (وجه) جزم به المصنّف في الدروس (٣) لعموم قول الباقر عليه السلام : «فإذا جاء طالبه ردّه إليه» (٤) ومتى ضمن عينَها ضمن قيمتَها. ولا ينافي ذلك جواز تملّكها بالقيمة على تقدير ظهوره؛ لأنّه ملك متزلزل.

ووجه العدم : عموم صحيحة ابن سنان السابقة وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «هي لك ...» إلى آخره فإنّ المتبادر منه عدم الضمان مطلقاً ، ولا ريب أنّ الضمان أحوط.

وهل يتوقّف تملّكها على التعريف؟ قيل : نعم (٥) لأنّها مال ، فيدخل في عموم الأخبار (٦).

والأقوى العدم؛ لما تقدّم. وعليه فهو سَنة كغيرها من الأموال (أو يبقيها) في يده (أمانة) إلى أن يظهر مالكها أو يوصله إيّاها إن كان معلوماً (أو يدفعها إلى الحاكم) مع تعذّر الوصول إلى المالك ، ثمّ الحاكم يحفظها أو يبيعها.

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٦٤ ، الباب ١٣ من أبواب اللقطة ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٦٤ ، الباب ١٣ من أبواب اللقطة ، الحديث ٥.

(٣) الدروس ٣ : ٨٢.

(٤) الوسائل ١٧ : ٣٥٤ ، الباب ٤ من أبواب اللقطة ، الحديث ٢.

(٥) لم نعثر على القائل بالتوقّف ، نعم في التحرير ٤ : ٤٦٠ ، ذيل الرقم ٦٠٦٥ : والوجه وجوب التعريف.

(٦) اُنظر الوسائل ١٧ : ٣٤٩ ، الباب ٢ من أبواب اللقطة.

٢١

(وقيل) والقائل الشيخ في المبسوط (١) والعلّامة (٢) وجماعة (٣) بل أسنده في التذكرة إلى علمائنا (٤) مطلِقاً : (وكذا) حكم (كلّ ما لا يمتنع) من الحيوان (من صغير السباع) بعدْوٍ ولا طيران ولا قوّة وإن كان من شأنه الامتناع إذا كمُل كصغير الإبل والبقر ، ونسبه المصنّف إلى القيل؛ لعدم نصّ عليه بخصوصه ، وإنّما ورد على «الشاة» فيبقى غيرها على أصالة البقاء على ملك المالك ، وحينئذٍ فيلزمها حكم اللقطة ، فتُعرَّف سنةً ، ثمّ يتملّكها إن شاء أو يتصدّق بها ، لكن في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «هي لك أو لأخيك أو للذئب» إيماء إليه ، حيث إنّها لا تمتنع من السباع. ولو أمكن امتناعها بالعَدْو كالظباء (٥) أو الطيران لم يجز أخذها مطلقاً إلّاأن يخاف ضياعها ، فالأقرب الجواز بنيّة الحفظ للمالك.»

وقيل يجوز أخذ الضالّة مطلقاً بهذه النيّة (٦) وهو حسن؛ لما فيه من الإعانة والإحسان ، وتُحمل أخبار النهي على الأخذ بنيّة التملّك. والتعليلُ بكونها محفوظة بنفسها غيرُ كافٍ في المنع؛ لأنّ الأثمان (٧) كذلك حيث كانت مع جواز التقاطها بنيّة التعريف وإن فارقتها بعد ذلك في الحكم.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٢٠.

(٢) التحرير ٤ : ٤٥٨ ، الرقم ٦٠٦٠ ، والإرشاد ٢ : ٤٤٢ ، والقواعد ٢ : ٢٠٦.

(٣) مثل ابن إدريس في السرائر ٢ : ١٠١ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ١٤٠ ـ ١٤١ ، والصيمري في غاية المرام ٤ : ١٥١ ، وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٤ : ٣٠٢ ، والمقتصر : ٣٥٤.

(٤) التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٢٦٧.

(٥) جمع ظبي ، وهو الغزال.

(٦) قاله العلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٢٦٩.

(٧) المراد بها غير اللقيط والضالّة من الأموال ، لا الثمن المصطلح.

٢٢

(ولو وُجدت الشاة في العمران) وهي التي لا يُخاف عليها فيها من السباع ، وهي ما قرب من المساكن (احتبسها) الواجد (ثلاثة أيّام) من حين الوجدان (فإن لم يجد صاحبها باعها وتصدّق بثمنها) وضمن إن لم يرض المالك على الأقوى. وله إبقاؤها بغير بيع وإبقاء ثمنها أمانة إلى أن يظهر المالك أو ييأس منه ، ولا ضمان حينئذٍ إن جاز أخذها كما يظهر من العبارة. والذي صرّح به غيره (١) عدم جواز أخذ شيء من العمران ، ولكن لو فعل لزمه هذا الحكم في الشاة.

وكيف كان ، فليس له تملّكها مع الضمان على الأقوى؛ للأصل وظاهر النصّ (٢) والفتوى عدم وجوب التعريف حينئذٍ.

وغير الشاة يجب مع أخذه تعريفه سنة كغيره من المال ، أو يحفظه لمالكه من غير تعريف ، أو يدفعه إلى الحاكم.

(ولا يشترط في الآخذ) باسم الفاعل شيء من الشروط المعتبرة في آخذ اللقيط وغيرها (إلّاالأخذ) ـ بالمصدر ـ بمعنى أنّه يجوز التقاطها في موضع الجواز للصغير والكبير والحرّ والعبد والمسلم والكافر؛ للأصل (فتقرّ يد العبد) على الضالّة مع بلوغه وعقله (و) يد (الوليّ على لقطة غير الكامل) من طفل ومجنون وسفيه ، كما يجب عليه حفظ ماله؛ لأنّه لا يؤمن على إتلافه ، فإن أهمل الوليّ ضمن. ولو افتقر إلى تعريف تولّاه الوليّ ثمّ يفعل بعدَه الأولى للملتقَط من تملّكٍ وغيره.

__________________

(١) مثل المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٨٩ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٢٠٦ ، والتحرير ٤ : ٤٥٩ ، الرقم ٦٠٦٢ ، ونسبه في التنقيح الرائع ٤ : ١١٣ إلى المشهور وقال فيه : ولا نعلم فيه خلافاً إلّامن الشيخ في المبسوط.

(٢) اُنظر الوسائل ١٧ : ٣٦٥ ، الباب ١٣ من أبواب اللقطة ، الحديث ٦.

٢٣

(والإنفاق) على الضالّة (كما مرّ) (١) في الإنفاق على اللقيط : من أنّه مع عدم بيت المال والحاكم ينفق ويرجع مع نيّته على أصحّ القولين (٢) لوجوب حفظها ، ولا يتمّ إلّابالإنفاق ، والإيجاب إذن من الشارع فيه ، فيستحقّه مع نيّته.

وقيل : لا يرجع هنا (٣) لأنّه إنفاق على مال الغير بغير إذنه ، فيكون متبرّعاً. وقد ظهر ضعفه.

ولا يشترط الإشهاد على الأقوى؛ للأصل.

(ولو انتفع) الآخذ بالظهر والدرّ والخدمة (قاصّ) المالكَ بالنفقة ، ورجع ذو الفضل بفضله.

وقيل : يكون الانتفاع بإزاء النفقة مطلقاً (٤) وظاهر الفتوى جواز الانتفاع لأجل الإنفاق ، سواء قاصَّ أم جعله عوضاً.

(ولا يضمن) الآخذ الضالّة حيث يجوز له أخذها (إلّابتفريطٍ (٥)) والمراد به ما يشمل التعدّي (أو قصد التملّك) في موضع جوازه وبدونه (٦) ولو قبضها في غير موضع الجواز ضمن مطلقاً؛ للتصرّف في مال الغير عدواناً.

__________________

(١) مرّ في الصفحة ١٥.

(٢) وهو قول الأكثر كما في جامع المقاصد ٦ : ١٤٥ ، والأشهر كما في المسالك ١٢ : ٥٠٤ ، واختاره المفيد في المقنعة : ٦٤٨ ، والشيخ في النهاية : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٩٠ ، والمختصر النافع : ٢٦١ ، وغيرهم.

(٣) قاله ابن إدريس في السرائر ٢ : ١٠٧ ، وانظر ١١٠ أيضاً.

(٤) قاله الشيخ في النهاية : ٣٢٤.

(٥) في (ش) و (ر) ونسخة (س) من المتن : بالتفريط.

(٦) أي بدون التفريط.

٢٤

(الثالث)

(في) لقطة (المال)

غير الحيوان مطلقاً (وما كان) منه (في الحرم حرم أخذه) بنيّة التملّك مطلقاً قليلاً كان أم كثيراً؛ لقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّٰا جَعَلْنٰا حَرَماً آمِناً) (١) وللأخبار الدالّة على النهي عنه مطلقاً (٢) وفي بعضها عن الكاظم عليه السلام : «لقطة الحرم لا تُمَسّ بيد ولا رجل ، ولو أنّ الناس تركوها لجاء صاحبها وأخذها» (٣) وذهب بعضهم إلى الكراهة مطلقاً (٤) استضعافاً لدليل التحريم ، أمّا في الآية فمن حيث الدلالة ، وأمّا في الخبر فمن جهة السند (٥) واختاره المصنّف في الدروس (٦) وهو أقوى.

__________________

(١) العنكبوت : ٦٧.

(٢) انظر الوسائل ٩ : ٣٦١ ـ ٣٦٢ ، الباب ٢٨ من أبواب مقدّمات الطواف ، و ١٧ : ٣٦٨ ، الباب ١٧ من أبواب اللقطة.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣٤٨ ، الباب الأوّل من أبواب اللقطة ، الحديث ٣.

(٤) قاله الشيخ في الخلاف ٣ : ٥٧٩ ، المسألة ٣ من اللقطة ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٩٢.

(٥) وذلك لإرساله ، اُنظر المسالك ١٢ : ٥١٣.

(٦) الدروس ٣ : ٨٦.

٢٥

(و) على التحريم (لو أخذه حَفِظه لربّه ، وإن تلف بغير تفريط لم يضمن) لأنّه يصير بعد الأخذ أمانة شرعيّة.

ويُشكل ذلك على القول بالتحريم؛ لنهي الشارع عن أخذها فكيف يصير أمانة منه؟ والمناسب للقول بالتحريم ثبوت الضمان مطلقاً (وليس له تملّكه) قبل التعريف ولا بعده (بل يتصدّق به) بعد التعريف حولاً عن مالكه ، سواء قلّ أم كثر؛ لرواية عليّ بن أبي حمزة عن الكاظم عليه السلام قال : «سألته عن رجل وجد ديناراً في الحرم فأخذه قال : بئس ما صنع! ما كان ينبغي له أن يأخذه. قال : قلت : قد ابتُلي بذلك ، قال : يُعرّفه سنة (١) قلت : فإنّه قد عرّفه فلم يجد له ناعتاً (٢) فقال : يرجع إلى بلده فيتصدّق به على أهل بيت من المسلمين ، فإن جاء طالبه فهو له ضامن» (٣).

وقد دلّ الحديث بإطلاقه على عدم الفرق بين القليل والكثير في وجوب تعريفه مطلقاً وعلى تحريم الأخذ ، وكذلك على ضمان المتصدّق لو كره المالك. لكن ضعف سنده (٤) يمنع ذلك كلّه.

والأقوى ما اختاره المصنّف في الدروس (٥) من جواز تملّك ما نقص عن الدرهم ووجوب تعريف ما زاد ، كغيره.

(وفي الضمان) لو تصدّق به بعد التعريف وظهر المالك فلم يرضَ

__________________

(١) لم يرد في التهذيب والوسائل.

(٢) في التهذيب والوسائل : باغياً.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣٦٨ ، الباب ١٧ من أبواب اللقطة ، الحديث ٢.

(٤) وضعف سنده بعليّ بن أبي حمزة ، فإنّه ضعيف واقفي. المسالك ١٦ : ٢٩٢.

(٥) الدروس ٣ : ٨٦.

٢٦

بالصدقة (خلاف) منشؤه من دلالة الخبر السالف على الضمان ، وعمومِ قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (١) وإتلافه مالَ الغير بغير إذنه. ومن كونه أمانة قد دفعها بإذن الشارع فلا يتعقّبه الضمان ، ولأصالة البراءة. والقول بضمان ما يجب تعريفه أقوى.

(ولو أخذه بنيّة الإنشاد) والتعريف (لم يحرم) وإن كان كثيراً؛ لأنّه محسن. والأخبار الدالّة على التحريم مطلقة ، وعمل بها الأكثر (٢) مطلقاً ، ولو تمّت لم يكن التفصيل جيّداً.

(ويجب تعريفه حولاً على كلّ حال) قليلاً كان أم كثيراً أخذه بنيّة الإنشاد أم لا؛ لإطلاق الخبر السالف (٣) وقد عرفت ما فيه.

(وما كان في غير الحرم يحلّ منه) ما كان من الفضّة (دونَ الدرهم) أو ما كانت قيمته دونَه لو كان من غيرها (من غير تعريف) ولكن لو ظهر مالكه وعينه باقية وجب ردّه عليه على الأشهر. وفي وجوب عوضه مع تلفه قولان (٤) مأخذهما : أنّه تصرّف شرعيّ فلا يتعقّبه ضمان. وظهور الاستحقاق.

__________________

(١) المستدرك ١٧ : ٨٨ ، الباب الأوّل من كتاب الغصب ، الحديث ٣.

(٢) مثل الشيخ في المبسوط ٣ : ٣٢١ ، والنهاية : ٢٨٤ و ٣٢٠ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ١٠١ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٢٠٧ ، وقال المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ١٤٧ : هذا هو المشهور والأصحّ ... وهو المختار.

(٣) يعني خبر عليّ بن أبي حمزة ، وقد نبّهنا هناك على عدم ورود كلمة «سنة» في الخبر.

(٤) القول بالضمان للعلّامة في التحرير ٤ : ٤٦٣ ، والقواعد ٢ : ٢٠٩ ، ووجّهه المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ١٥٩. والقول بعدم الضمان للشيخ في النهاية : ٣٢٠ ، والحلبي في الكافي : ٣٥٠ ، وابن زهرة في الغنية : ٣٠٣ ، ونسبه في المختلف ٦ : ٩٢ إلى المشهور.

٢٧

(وما عداه) وهو ما كان بقدر الدرهم أو أزيد عيناً أو قيمة (يتخيّر الواجد فيه بعد تعريفه حولاً) عقيب الالتقاط مع الإمكان متتابعاً بحيث يعلم السامع أنّ التالي تكرار لمتلوّه ، وليكن في موضع الالتقاط مع الإمكان إن كان بلداً ، ولو كان بريّة عرّف من يجده فيها ثمّ أكمله إذا حضر في بلده. ولو أراد السفر قبل التعريف في بلد الالتقاط أو إكماله ، فإن أمكنه الاستنابة فهي أولى ، وإلّا عرّفه في بلده بحيث يشتهر خبره ، ثمّ يكمله في غيره. ولو أخّره عن وقت الالتقاط اختياراً أثِم واعتُبر الحول من (١) حين الشروع ، ويترتّب عليه أحكامه مطلقاً على الأقوى. ويجوز التعريف (بنفسه وبغيره) لحصول الغرض بهما ، لكن يشترط في النائب العدالة أو الاطّلاع (٢) على تعريفه المعتبر شرعاً؛ إذ لا يُقبل إخبار الفاسق (بين الصدقة به) على مستحقّي الزكاة لحاجته ، وإن اتّحد وكثرت (٣) (والتملّك) بنيّته.

(ويضمن) لو ظهر المالك (فيهما) في الثاني مطلقاً ، وفي الأوّل إذا لم يرض بالصدقة. ولو وجد العين باقية ، ففي تعيين رجوعه بها لو طلبها ، أو تخيّر الملتقط بين دفعها ودفع البدل مثلاً أو قيمة ، قولان (٤) ويظهر من

__________________

(١) لم يرد «من» في (ع) و (ف).

(٢) أي اطّلاع الواجد.

(٣) يعني اتّحد المستحقّ وكثرت اللقطة.

(٤) القول بوجوب ردّ العين للمحقّق الثاني ، اُنظر جامع المقاصد ٦ : ١٦٨ و ١٨٦ ، ونسبه في مفتاح الكرامة ٦ : ١٨٣ إلى ظاهر النهاية والمبسوط والمراسم والسرائر ، بل والمقنعة والوسيلة. والقول بالتخيير للمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٩٥ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٢١٣ ، ونسبه في المسالك ١٢ : ٥٤٨ إلى أشهر القولين.

٢٨

الأخبار (١) الأوّلُ ، واستقرب المصنّف في الدروس (٢) الثاني.

ولو عابت ضمن أرشها ويجب قبوله معها على الأوّل ، وكذا على الثاني على الأقوى. والزيادة المتّصلة للمالك ، والمنفصلة للملتقط. أمّا الزوائد قبل نيّة التملّك فتابعة للعين.

والأقوى أنّ ضمانها لا يحصل بمجرّد التملّك أو الصدقة ، بل بظهور المالك ، سواء طالب أم لم يطالب ، مع احتمال توقّفه على مطالبته أيضاً ، ولا يشكل بأنّ استحقاق المطالبة يتوقّف على ثبوت الحقّ ، فلو توقّف ثبوته عليه دار؛ لمنع توقّفه على ثبوت الحقّ ، بل على إمكان ثبوته ، وهو هنا كذلك.

وتظهر الفائدة في عدم ثبوته ديناً في ذمّته قبل ذلك ، فلا يقسّط عليه ماله لو أفلس. ولا يجب الإيصاء به ولا يُعدّ مديوناً ولا غارماً بسببه ، ولا يطالبه به في الآخرة لو لم يظهر في الدنيا ، إلى غير ذلك.

(وبين إبقائه) في يده (أمانة) موضوعاً في حرز أمثاله (ولا يضمن) ما لم يفرّط.

هذا إذا كان ممّا لا يضرّه البقاء كالجواهر (ولو كان ممّا لا يبقى) كالطعام (قوّمه على نفسه) أو باعه وحفظ ثمنه ثمّ عرّفه (أو دفعه إلى الحاكم) إن وجده ، وإلّا تعيّن عليه الأوّل ، فإن أخلّ به فتلف أو عاب ضمن. ولو كان ممّا يتلف على تطاول الأوقات لا عاجلاً كالثياب تعلّق الحكم بها عند خوف التلف.

(ولو افتقر إبقاؤه إلى علاج) كالرطب المفتقر إلى التجفيف (أصلحه الحاكم ببعضه) بأن يجعل بعضه عوضاً عن إصلاح الباقي أو يبيع بعضه وينفقه

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٧ : ٣٤٩ ، الباب ٢ من أبواب اللقطة ، الحديث الأوّل.

(٢) الدروس ٣ : ٩٠.

٢٩

عليه وجوباً ، حذراً من تلف الجميع. ويجب على الملتقط إعلامه بحاله إن لم يعلم ، ومع عدمه يتولّاه بنفسه ، حذراً من الضرر بتركه.

(ويُكره التقاط) ما تكثر منفعته وتقلّ قيمته مثل (الإداوة) ـ بالكسر ـ وهي المِطهرة ، به (١) أيضاً (والنعل) غير الجلد؛ لأنّ المطروح منه مجهولاً ميتة ، أو يُحمل (٢) على ظهور أمارات تدلّ على ذكاته ، فقد يظهر من المصنّف في بعض كتبه (٣) التعويل عليها ، وذكره هنا مطلقاً تبعاً للرواية (٤) ولعلّها تدلّ على الثاني (والمِخصرة) ـ بالكسر ـ وهي كلّما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من عصى ونحوها قاله الجوهري (٥) والكلام فيها إذا كانت جلداً ـ كما هو الغالب ـ كما سبق (والعصا) وهي على ما ذكره الجوهري (٦) أخصّ من المخصرة ، وعلى المتعارف (٧) غيرها (والشِظاظ) ـ بالكسر ـ خشبة محدّدة الطرف تدخل في عروة الجُوالقين (٨) ليجمع بينهما عند حملهما على البعير ، والجمع أشِظّة (والحبل والوتد) بكسر وسطه (والعِقال) ـ بالكسر ـ وهو حبل يُشدّ به قائمة البعير.

__________________

(١) أي بالكسر.

(٢) يعني يُحمل إطلاق المتن.

(٣) اُنظر الذكرى ٣ : ٣٠ ـ ٣١.

(٤) اُنظر الوسائل ١٧ : ٣٦٣ ، الباب ١٢ من أبواب اللقطة ، الحديث ٢.

(٥) الصحاح ٢ : ٦٤٦ (خصر).

(٦) لم نعثر على التصريح به ، ولعلّه ينظر إلى ما ذكره آنفاً عنه.

(٧) كان المتعارف إطلاق المخصرة على السوط ونحوه (هامش ر).

(٨) الجُوالق : وعاء من صوف أو شعر (فارسيّة).

٣٠

وقيل : يحرم بعض هذه (١) ؛ للنهي عن مسّه.

(ويُكره أخذ اللقطة) مطلقاً وإن تأكّدت في السابق؛ لما روي عن عليّ عليه السلام : (إيّاكم واللقطة ، فإنّها ضالّة المؤمن ، وهي من حريق النار) (٢) وعن الصادق عليه السلام : (لا يأخذ (٣) الضالّة إلّاالضالّون) (٤) وحرّمها بعضهم (٥) لذلك. وحُمل النهي على أخذها بنيّة عدم التعريف ، وقد روي في الخبر الثاني زيادة (إذا لم يعرّفوها) (٦) (وخصوصاً من الفاسق والمعسر) لأنّ الأوّل ليس أهلاً لحفظ مال الغير بغير إذنه ، والثاني يضرّ بحال المالك إذا ظهر وقد تملّك. وإنّما جاز مع ذلك؛ لأنّ اللقطة في معنى الاكتساب ، لا استئمان محض.

هذا إذا لم يعلم خيانته ، وإلّا وجب على الحاكم انتزاعها منه حيث لا يجوز له التملّك ، أو ضمّ مشرف إليه من باب الحسبة ، ولا يجب ذلك في غيره (ومع اجتماعهما) أي الفسق والإعسار المدلول عليهما بالمشتقّ منهما (تزيد

__________________

(١) وهو النعلان والأداوة والسوط. قال أبو الصلاح الكافي : ٣٥٠ وجماعة كالصدوق في الفقيه ٣ : ٢٩٥ ونسبه العلّامة في المختلف ٦ : ٩٠ إلى ابن بابويه : يحرم لقطتها؛ لرواية عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام «لا تمسّه». الوسائل ١٧ : ٣٦٣ ، الباب ١٢ من أبواب اللقطة ، الحديث ٢. (منه رحمه الله).

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٤٩ ، الباب الأوّل من أبواب اللقطة ، الحديث ٨.

(٣) كذا في النسخ ، وفي التهذيب والوسائل : لا يأكل.

(٤) الوسائل ١٧ : ٣٤٨ ، الباب الأوّل من أبواب اللقطة ، الحديث ٥. وفيه والتهذيب عن جعفر عن أبيه عليهما السلام.

(٥) لم نعثر عليه ، كما ذكرنا آنفاً.

(٦) وردت الزيادة في خبر آخر بلفظ «الضوالّ لا يأكلها إلّاالضالّون ...» راجع الوسائل ١٧ : ٣٥٠ ، الباب ٢ من أبواب اللقطة ، الحديث ٤.

٣١

الكراهة) لزيادة سببها.

(وليُشهد) الملتقط (عليها) عند أخذها عدلين (مستحبّاً) تنزيهاً لنفسه عن الطمع فيها ، ومنعاً لوارثه من التصرّف (١) لو مات ، وغرمائه لو فُلِّس. (ويعرّف الشهود بعض الأوصاف) كالعُدّة (٢) والوعاء والعفاص (٣) والوكاء (٤) لا جميعها (٥) حذراً من شياع خبرها فيطّلع عليها من لا يستحقّها فيدّعيها ويذكر الوصف.

(والملتقط) للمال (من له أهليّة الاكتساب) وإن كان غير مكلّف أو مملوكاً (و) لكن يجب أن (يحفظ الوليّ ما التقطه الصبيّ) كما يجب عليه حفظ ماله ، ولا يُمكّنه منه؛ لأنّه لا يؤمن عليه (وكذا المجنون) فإن افتقر إلى تعريفه عرّفه ، ثمّ فعل لهما ما هو الأغبط لهما من التملّك والصدقة والإبقاء أمانة.

(ويجب تعريفها) أي اللقطة البالغة درهماً فصاعداً (حولاً) كاملاً وقد تقدّم ، وإنّما أعاده ليرتّب عليه قوله : (ولو متفرّقاً) وما بعده ، ومعنى جوازه متفرّقاً : أنّه لا يعتبر وقوع التعريف كلّ يوم من أيّام الحول ، بل المعتبر ظهور أنّ التعريف التالي تكرار لما سبق ، لا للقطة جديدة. فيكفي التعريف في الابتداء كلّ يوم مرّة أو مرّتين ، ثمّ في كلّ اُسبوع ، ثمّ في كلّ شهر مراعياً لما ذكرناه. ولا يختصّ تكراره أيّاماً باُسبوع واُسبوعاً ببقيّة الشهر وشهراً ببقيّة الحول ، وإن

__________________

(١) في (ر) و (ش) : التصرّفات.

(٢) هو ما يعدّه الإنسان لحوائجه ، ويأتي بمعنى العدد أيضاً.

(٣) ككتاب : جلد يغطّى به رأس القارورة.

(٤) الخيط الذي يشدّ به القِربة والصُرّة والكيس وغيرها.

(٥) في (ع) : جميعاً.

٣٢

كان ذلك مجزياً ، بل المعتبر : أن لا ينسى كون التالي تكراراً لما مضى؛ لأنّ الشارع لم يقدّره بقدر ، فيعتبر فيه ما ذكر؛ لدلالة العرف عليه.

وليس المراد بجوازه متفرّقاً : أنّ الحول يجوز تلفيقه لو فُرض ترك التعريف في بعضه ، بل يعتبر اجتماعه في حول واحد؛ لأنّه المفهوم منه شرعاً عند الإطلاق. خلافاً لظاهر التذكرة (١) حيث اكتفى به. وبما ذكرناه من تفسير التفرّق صرّح في القواعد (٢).

ووجوب التعريف ثابت (سواء نوى) الملتقط (التملّك أو لا) في أصحّ القولين (٣) لإطلاق الأمر به الشامل للقسمين. خلافاً للشيخ (٤) حيث شرط في وجوبه نيّة التملّك ، فلو نوى الحفظ لم يجب.

ويشكل باستلزامه خفاء اللقطة ، وبأنّ التملّك غير واجب فكيف تجب وسيلته؟ وكأ نّه أراد به الشرط.

(وهي أمانة) في يد الملتقط (في الحول وبعدَه) فلا يضمنها لو تلفت بغير تفريط (ما لم ينو التملّك ، فيضمن) بالنيّة وإن كان قبل الحول ، ثمّ لا تعود أمانة (٥) لو عاد إلى نيّتها استصحاباً لما ثبت. ولم تفد النيّة (٦) الملك في غير وقتها ،

__________________

(١) اُنظر التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٢٥٨.

(٢) القواعد ٢ : ٢١٠.

(٣) نسبه في المختلف ٦ : ٩٠ إلى المشهور واعتمد عليه ، واختاره المحقّق ، اُنظر الشرائع ٣ : ٢٩٢ و ٢٩٥ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٢١٠ ، والتحرير ٤ : ٤٦٩ ، الرقم ٦٠٨٢ ، والشهيد في الدروس ٣ : ٨٨ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ١٦٠.

(٤) المبسوط ٣ : ٣٢٢.

(٥) في (ع) : أمانته.

(٦) في (ر) : نيّته.

٣٣

لكن لو مضى الحول مع قيامه بالتعريف وتملّكها حينئذٍ بُني بقاء الضمان وعدمه على ما سلف : من تنجيز الضمان ، أو توقّفه على مطالبة المالك.

(ولو التقط العبدُ عرّف بنفسه أو بنائبه) كالحرّ (فلو أتلفها) قبل التعريف أو بعده (ضمن بعد عتقه) ويساره كما يضمن غيرَها من أموال الغير التي يتصرّف فيها بغير إذنه (ولا يجب على المالك انتزاعها منه) قبل التعريف وبعده (وإن لم يكن) العبد (أميناً) لأصالة البراءة من وجوب حفظ مال الغير مع عدم قبضه ، وخصوصاً مع وجود يد متصرّفة.

وقيل : يضمن بتركها في يد غير الأمين؛ لتعدّيه (١) وهو ممنوع.

نعم ، لو كان العبد غير مميّز فقد قال المصنّف في الدروس : إنّ المتّجه ضمان السيّد (٢) نظراً إلى أنّ العبد حينئذٍ بمنزلة البهيمة المملوكة يضمن مالكها ما تفسده من مال الغير مع إمكان حفظها.

وفيه نظر؛ للفرق بصلاحيّة ذمّة العبد لتعلّق مال الغير بها ، دون الدابّة ، والأصل براءة ذمّة السيّد من وجوب انتزاع مال غيره وحفظه.

نعم ، لو أذن له في الالتقاط اتّجه الضمان مع عدم تمييزه أو عدم أمانته إذا قصّر في الانتزاع قطعاً ، ومع عدم التقصير على احتمال من حيث إنّ يد العبد يد المولى.

(ويجوز للمولى التملّك بتعريف العبد) مع علم المولى به ، أو كون العبد ثقة ليقبل خبره ، وللمولى انتزاعها منه قبل التعريف وبعده. ولو تملّكها العبد بعد التعريف صحّ على القول بملكه ، وكذا يجوز لمولاه مطلقاً.

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ٣ : ٣٢٥.

(٢) الدروس ٣ : ٩٢.

٣٤

(ولا تدفع) اللقطة إلى مدّعيها وجوباً (إلّابالبيّنة) العادلة أو الشاهد واليمين (لا بالأوصاف وإن خفيت) بحيث يغلب الظنّ بصدقه لعدم (١) اطّلاع غير المالك عليها غالباً كوصف وزنها ونقدها ووكائها؛ لقيام الاحتمال (٢).

(نعم يجوز الدفع بها (٣)) وظاهره كغيره جواز الدفع بمطلق الوصف؛ لأنّ الحكم ليس منحصراً في الأوصاف الخفيّة ، وإنّما ذُكرت مبالغةً. وفي الدروس شرط في جواز الدفع إليه ظنَّ صدقه لإطنابه في الوصف ، أو رجحان عدالته (٤) وهو الوجه؛ لأنّ مناط أكثر الشرعيّات الظنّ ، ولتعذّر إقامة البيّنة غالباً ، فلولاه لزم عدم وصولها إلى مالكها كذلك. وفي بعض الأخبار (٥) إرشاد إليه.

ومنع ابن إدريس من دفعها بدون البيّنة؛ لاشتغال الذمّة بحفظها ، وعدم ثبوت كون الوصف حجّة (٦).

والأشهر الأوّل وعليه (فلو أقام غيره) أي غير الواصف (بها بيّنة) بعد دفعها إليه (استعيدت منه) لأنّ البيّنة حجّة شرعيّة بالملك ، والدفع بالوصف إنّما كان رخصة وبناءً على الظاهر (فإن تعذّر) انتزاعها من الواصف (ضمن الدافع) لذي البيّنة مثلَها أو قيمتها (ورجع) الغارم (على القابض) بما غرمه؛ لأنّ التلف في يده ، ولأ نّه عادٍ ، إلّاأن يعترف الدافع له بالملك ،

__________________

(١) تعليل للمنفيّ.

(٢) تعليل للنفي.

(٣) مع تعارض الأصل والظاهر. (منه رحمه الله).

(٤) الدروس ٣ : ٨٩.

(٥) اُنظر الوسائل ١٧ : ٣٥٦ ، الباب ٦ من أبواب اللقطة ، و ٣٦٦ ، الباب ١٥ من الأبواب ، الحديث الأوّل.

(٦) السرائر ٢ : ١١١.

٣٥

فلا يرجع عليه لو رُجع عليه؛ لاعترافه بكون الأخذ منه ظلماً. وللمالك الرجوع على الواصف القابض ابتداءً فلا يرجع على الملتقط ، سواء تلفت في يده أم لا.

ولو كان دفعها إلى الأوّل بالبيّنة ثمّ أقام آخر بيّنته حكم بأرجح البيّنتين عدالةً وعدداً ، فإن تساويا اُقرع ، وكذا لو أقاماها ابتداءً. فلو (١) خرجت القرعة للثاني انتزعها من الأوّل ، وإن تلفت فبدلها مثلاً أو قيمةً. ولا شيء على الملتقط إن كان دفعها بحكم الحاكم ، وإلّا ضمن.

ولو كان الملتقط قد دفع بدلها لتلفها ثمّ ثبتت للثاني رجع على الملتقط؛ لأنّ المدفوع إلى الأوّل ليس عين ماله ، ويرجع الملتقط على الأوّل بما أدّاه إن لم يعترف له بالملك لا من حيث البيّنة ، أمّا لو اعترف لأجلها لم يضرّ ، لبنائه على الظاهر وقد تبيّن خلافه (والموجود في المفازة) وهي البريّة القفر ، والجمع : المفاوز ، قاله ابن الأثير في النهاية (٢) ونقل الجوهري عن ابن الأعرابي : أنّها سُمّيت بذلك تفاؤلاً بالسلامة والفوز (٣) (والخربة) التي باد أهلها (أو مدفوناً في أرض لا مالك لها) ظاهراً (يُتملّكُ من غير تعريف) وإن كثر (إذا لم يكن عليه أثر الإسلام) من الشهادتين ، أو اسم سلطان من سلاطين الإسلام ونحوه (وإلّا) يكن كذلك بأن وجد عليه أثر الإسلام (وجب) التعريف؛ لدلالة الأثر على سبق يد المسلم ، فتستصحب.

وقيل : يملك مطلقاً (٤) ؛ لعموم صحيحة محمّد بن مسلم : «إنّ للواجد

__________________

(١) في المخطوطات : ولو.

(٢) النهاية ٣ : ٤٧٨ (فوز).

(٣) الصحاح ٣ : ٨٩٠ (فوز) ، ولكن فيه : قال الأصمعي.

(٤) وهو المنسوب إلى الشيخ في النهاية : ٣٢٠ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ١٠١ ، وهو ظاهر المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٩٣.

٣٦

ما يوجد في الخربة» (١) ولأنّ أثر الإسلام قد يصدر عن غير المسلم ، وحملت الرواية (٢) على الاستحقاق بعد التعريف فيما عليه الأثر (٣). وهو بعيد ، إلّاأنّ الأوّل أشهر.

ويستفاد من تقييد الموجود في الأرض التي لا مالك لها بالمدفون ، عدم اشتراطه في الأوّلين ، بل يُملك ما يوجد فيهما مطلقاً ، عملاً بإطلاق النصّ والفتوى. أمّا غير المدفون في الأرض المذكورة فهو لقطة.

هذا كلّه إذا كان في دار الإسلام. أمّا في دار الحرب فلواجده مطلقاً.

(ولو كان للأرض) التي وجد مدفوناً فيها (مالك عرّفه ، فإن عَرِفه) أي ادّعى أنّه له ، دفعه إليه من غير بيّنة ولا وصف (وإلّا) يدّعيه (٤) (فهو للواجد) مع انتفاء أثر الإسلام ، وإلّا فلقطة كما سبق. ولو وجده في الأرض المملوكة غير مدفون فهو لقطة ، إلّاأ نّه يجب تقديم تعريف المالك ، فإن ادّعاه فهو له كما سلف ، وإلّا عرّفه.

(وكذا لو وجده في جوف دابّة عرّفه مالكها) كما سبق؛ لسبق يده ، وظهور كونه من ماله دخل في علفها ، لبعد وجوده في الصحراء واعتلافه ، فإن عَرِفه المالك ، وإلّا فهو للواجد؛ لصحيحة عليّ (٥) بن جعفر قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزوراً ، أو بقرة للأضاحي فلمّا ذبحها وجد في جوفها

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٥٤ ، الباب ٥ من أبواب اللقطة ، الحديث ١ و ٢ نقلاً بالمعنى.

(٢) في المختلف ٦ : ١١٠ ، والدروس ٣ : ٨٦.

(٣) لتعارض الأصل والظاهر. (منه رحمه الله).

(٤) في (ر) : يدّعِه.

(٥) كذا في النسخ ، وفي المصادر : عبد اللّٰه بن جعفر.

٣٧

صُرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة ، لمن تكون؟ فقال : فوقّع عليه السلام : «عرّفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك ، رزقك اللّٰه إيّاه» (١) وظاهر الفتوى والنصّ عدم الفرق بين وجود أثر الإسلام عليه وعدمه.

والأقوى الفرق واختصاص الحكم بما لا أثر عليه ، وإلّا فهو لقطة جمعاً بين الأدلّة (٢) ولدلالة أثر الإسلام على يد المسلم سابقاً (أمّا) ما يوجد في جوف (السمكة فللواجد) لأنّها إنّما ملكت بالحيازة ، والمحيز إنّما قصد تملّكها خاصّة؛ لعدم علمه بما في بطنها فلم يتوجّه قصده إليه بناءً على أنّ المباحات إنّما تملك بالنيّة والحيازة معاً (إلّاأن تكون) السمكة (محصورة) في ماء (تعلف) فتكون كالدابّة ، لعين ما ذكر.

ومنه يظهر أنّ المراد بالدابّة : الأهليّة كما يظهر من الرواية ، فلو كانت وحشيّة لا تعتلف من مال المالك فكالسمكة. وهذا كلّه إذا لم يكن أثر الإسلام عليه. وإلّا فلقطة كما مرّ ، مع احتمال عموم الحكم له فيهما (٣) لإطلاق النصّ والفتوى.

(والموجود في صندوقه أو داره) أو غيرهما من أملاكه (مع مشاركة الغير) له في التصرّف فيهما (٤) محصوراً أو غير محصور على ما يقتضيه إطلاقهم (لُقطَة) أمّا مع عدم الحصر فظاهر؛ لأنّه بمشاركة غيره لا يَدَ له بخصوصه فيكون لقطة. وأمّا مع انحصار المشارك فلأنّ المفروض أنّه لا يعرفه ، فلا يكون له

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، الباب ٩ من أبواب اللقطة ، الحديث الأوّل.

(٢) مطلقات وجوب تعريف اللقطة ، ومطلقات جواز التملّك للواجد.

(٣) الوحشيّة والسمكة.

(٤) في سوى (ش) : فيها.

٣٨

بدون التعريف. ويحتمل قويّاً كونه له مع تعريف المنحصر؛ لأنّه بعدم اعتراف المشارك يصير كما لا مشارك فيه.

(ولا معها) أي لا مع المشاركة (حلّ) للمالك الواجد؛ لأنّه من توابع ملكه المحكوم له به.

هذا إذا لم يقطع بانتفائه عنه ، وإلّا أشكل الحكم بكونه له ، بل ينبغي أن يكون لقطة ، إلّاأنّ كلامهم هنا مطلق كما ذكره المصنّف.

ولا فرق في وجوب تعريف المشارك هنا بين ما نقص عن الدرهم وما زاد؛ لاشتراكهم في اليد بسبب التصرّف. ولا يفتقر مدّعيه منهم إلى البيّنة ولا الوصف؛ لأ نّه مال لا يدّعيه أحد.

ولو جهلوا جميعاً أمره فلم يعترفوا به ولم ينفوه ، فإن كان الاشتراك في التصرّف خاصّة فهو للمالك منهم ، وإن لم يكن فيهم مالك فهو للمالك ، وإن كان الاشتراك في الملك والتصرّف فهم فيه سواء.

(ولا يكفي التعريف حولاً في التملّك) لما يجب تعريفه (بل لا بدّ) بعد الحول (من النيّة) للتملّك وإنّما يُحدث التعريفُ حولاً تخيير (١) الملتقط بين التملّك بالنيّة ، وبين الصدقة به ، وبين إبقائه في يده أمانة لمالكه.

هذا هو المشهور من حكم المسألة ، وفيها قولان آخران على طرفي (٢) النقيض.

أحدهما : دخوله في الملك قهراً من غير احتياج إلى أمر زائد على التعريف؛

__________________

(١) في سوى (ع) : التخيّر.

(٢) في المخطوطات : طرف.

٣٩

لظاهر قول الصادق عليه السلام : «فإن جاء لها طالب ، وإلّا فهي كسبيل ماله» (١) والفاء للتعقيب ، وهو قول ابن إدريس (٢) وردّ بأنّ كونها (كسبيل ماله) لا يقتضي حصول الملك حقيقة.

والثاني : افتقار ملكه إلى اللفظ الدالّ عليه بأن يقول : «اخترت تملّكها» وهو قول أبي الصلاح (٣) وغيره (٤) لأنّه معه مجمع على ملكه ، وغيره لا دليل عليه.

والأقوى الأوّل؛ لقوله عليه السلام : «وإلّا فاجعلها في عرض مالك» (٥) وصيغة (افعل) للأمر (٦) ولا أقلّ من أن يكون للإباحة ، فيستدعي أن يكون المأمور به مقدوراً بعد التعريف وعدم مجيء المالك ، ولم يذكر اللفظ ، فدلّ الأوّل على انتفاء الأوّل ، والثاني على انتفاء الثاني ، وبه يجمع بينه وبين قوله عليه السلام : «كسبيل ماله» وإلّا لكان ظاهره الملك القهريّ ، لا كما ردّ سابقاً. والأقوال الثلاثة للشيخ (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٤٩ ، الباب ٢ من أبواب اللقطة ، الحديث الأوّل.

(٢) السرائر ٢ : ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٣) لم نعثر عليه في الكافي ، ونسبه في المختلف ٦ : ٨٦ إليه أيضاً.

(٤) مثل الشيخ في الخلاف ٣ : ٥٨٤ ، المسألة ١٠ من اللقطة.

(٥) الوسائل ١٧ : ٣٥٠ ـ ٣٥٢ ، الباب ٢ من أبواب اللقطة ، الحديث ٣ و ١٠.

(٦) في (ر) : للوجوب.

(٧) أوّلها في المبسوط ٣ : ٣٢٣ ، وثانيها في النهاية ٣٢٠ ، وثالثها في الخلاف ٣ : ٥٨٤ ، المسألة ١٠. (منه رحمه الله).

٤٠