الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-48-6
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٧٢

(الفصل الثاني)

(في اللواط)

وهو وطء الذكر ، واشتقاقه من فعل قوم لوط (والسَحق) وهو دَلك فرج المرأة (١) بفرجِ اُخرى (والقيادة) وسيأتي أنّها الجمع بين فاعلي هذه الفواحش.

أمّا الأوّل :

(فمن أقرّ بإيقاب ذكر) أي إدخال شيء من الذكر في دُبُره ولو مقدار الحشفة ـ وظاهرهم هنا الاتّفاق على ذلك وإن اكتفوا ببعضها في تحريم اُمّه واُخته وبنته ـ في حالة كون المقرّ (مختاراً) غير مكرَه على الإقرار (أربع مرّات) ولو في مجلس واحد (أو شهد عليه أربعة رجال) عدول (بالمعاينة) للفعل كالزنا (وكان) الفاعل المقرّ أو المشهود عليه (حرّاً بالغاً) عاقلاً (قُتل).

واعتبار بلوغه وعقله واضح؛ إذ لا عبرة بإقرار الصبيّ والمجنون. وكذا لا يُقتَلان لو شُهِدَ عليهما به؛ لعدم التكليف.

أمّا الحرّيّة : فإنّما تعتبر في قبول الإقرار؛ لأنّ إقرار العبد به يتعلّق بحقّ

__________________

(١) في (ف) : امرأة.

٣٠١

سيّده فلا يسمع. بخلاف الشهادة عليه ، فإنّه لا فرق فيها بينه وبين الحرّ ، فيقتل حيث يقتل. وكذا لو اطّلع عليهما (١) الحاكم. وبالجملة ، فحكمه حكم الحرّ إلّافي الإقرار ، وإن كانت العبارة توهم خلاف ذلك.

ويُقتل الفاعل (محصَناً) كان (أو لا).

وقتله (إمّا بالسيف ، أو الإحراق) بالنار (أو الرجم) بالحجارة وإن لم يكن بصفة الزاني المستحقّ للرجم (إو بإلقاء جدار عليه ، أو بإلقائه من شاهق) كجدار رفيع يقتل مثله.

(ويجوز الجمع بين اثنين منها) أي من هذه الخمسة بحيث يكون (أحدهما الحريق) والآخرُ أحد الأربعة ، بأن يُقتل بالسيف ، أو الرجم أو الرمي به ، أو عليه ثمّ يحرق زيادة في الردع.

(والمفعول به) يُقتل (كذلك إن كان بالغاً عاقلاً مختاراً. ويعزَّر الصبيّ) فاعلاً ومفعولاً.

(ويؤدّب المجنون) كذلك ، والتأديب في معنى التعزير هنا ، وإن افترقا من حيث إنّ التعزير يتناول المكلّف وغيرَه ، بخلاف التأديب.

وقد تحرّر من ذلك : أنّ الفاعل والمفعول إن كانا بالغين قُتلا ، حرّين كانا أم عبدين أم بالتفريق ، مسلمين كانا أم كافرين أم بالتفريق. وإن كانا صبيّين أو مجنونين أو بالتفريق اُدّبا. وإن كان أحدهما مكلّفاً والآخر غير مكلَّف قتل المكلّف واُدّب غيره.

(ولو أقرّ) به (دون الأربع لم يُحدّ) كالإقرار بالزنا (وعُزّر)

__________________

(١) في (ش) : عليها ، وفي نسخة بدلها : عليهما.

٣٠٢

بالإقرار ولو مرّة. ويمكن اعتبار المرّتين كما في موجب كلّ تعزير وسيأتي (١) وكذا الزنا ، ولم يذكره ثَمَّ.

(ولو شهد) عليه به (دون الأربعة) أو اختلّ بعض الشرائط وإن كانوا أربعة (حدّوا للفرية. ويحكم الحاكم فيه بعلمه) كغيره من الحدود؛ لأنّه أقوى من البيّنة.

(ولا فرق) في الفاعل والمفعول (بين العبد والحرّ هنا) أي في حالة علم الحاكم ، وكذا لا فرق بينهما مع البيّنة كما مرّ. وهذا منه مؤكّد لما أفهمته عبارته سابقاً من تساوي الإقرار والبيّنة في اعتبار الحرّيّة.

(ولو ادّعى العبد الإكراه) من مولاه عليه (دُرئ عنه الحدّ) دون المولى؛ لقيام القرينة على ذلك؛ ولأ نّه شبهة محتملة فيُدرأ الحدّ بها. ولو ادّعى الإكراه من غير مولاه فالظاهر أنّه كغيره (٢) وإن كانت العبارة تتناوله بإطلاقها.

(ولا فرق) في ذلك كلّه (بين المسلم والكافر) لشمول الأدلّة لهما.

(وإن لم يكن) الفعل (إيقاباً كالتفخيذ أو) جعل الذكر (بين الأليين) بفتح الهمزة واليائين المثنّاتين من تحت من دون تاء بينهما (فحدّه مئة جلدة) للفاعل والمفعول مع البلوغ والعقل والاختيار ، كما مرّ (حرّاً) كان كلّ منهما (أو عبداً ، مسلماً أو كافراً ، مُحصَناً أو غيره) على الأشهر (٣) لرواية سليمان بن هلال عن الصادق عليه السلام قال : «إن كان دون الثقب فالحدّ ، وإن كان ثقب

__________________

(١) في مسائل حدّ القذف الصفحة ٣٢٢.

(٢) أي كغير العبد في عدم سقوط الحدّ عنه بمجرّد ادّعاء الإكراه.

(٣) نقل المصنّف في الشرح غاية المراد ٤ : ٢١٤ إجماع الأصحاب على أنّ العبد لا ينتصف عليه الحدّ هنا. (منه رحمه الله).

٣٠٣

اُقيم قائماً ثمّ ضُرب بالسيف» (١) والظاهر أنّ المراد بالحدّ الجَلد.

(وقيل : يُرجم المُحصَن) ويُجلد غيره (٢) جمعاً بين رواية العلاء بن الفضيل عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «حدّ اللوطيّ مثل حدّ الزاني وقال : إن كان قد اُحصِن رُجم ، وإلّا جُلد» (٣) وقريب منها رواية حمّاد بن عثمان (٤) وبين ما رُوي مِن قَتل اللائط مطلقاً (٥)

وقيل : يُقتل مطلقاً (٦) لما ذكر.

والأخبار من الطرفين غير نقيّة السند (٧) والمتيقّن المشهور ، والأصل عدم أمر آخر.

(ولو تكرّر منه الفعل) الذي لا يوجب القتل ابتداءً (مرّتين مع تكرار الحدّ) عليه بأن حُدّ لكلّ مرّة (قُتل في الثالثة) لأنّه كبيرة ، وأصحاب الكبائر مطلقاً إذا اُقيم عليهم الحدّ مرّتين قُتلوا في الثالثة؛ لرواية يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : «أصحاب الكبائر كلّها إذا اُقيم عليهم الحدّ مرّتين قُتلوا في الثالثة» (٨).

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٥٢ ، الحديث ١٩٤ ، والوسائل ١٨ : ٤١٦ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ اللواط ، الحديث ٢. وفيه : إن كان دون الثقب فالجلد.

(٢) والقائل هو الشيخ في النهاية : ٧٠٤ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٥٣٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤١٣.

(٣) الوسائل ١٨ : ٤١٧ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ اللواط ، الحديث ٣ ، ٤ ، ٥.

(٤) الوسائل ١٨ : ٤١٧ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ اللواط ، الحديث ٣ ، ٤ ، ٥.

(٥) الوسائل ١٨ : ٤١٧ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ اللواط ، الحديث ٣ ، ٤ ، ٥.

(٦) قاله الصدوق في المقنع ٤٣٠ ، وابن بابويه وابن الجنيد على ما حكى عنهم العلّامة في المختلف ٩ : ١٧٦.

(٧) راجع المسالك ١٤ : ٤٠٩ و ٤٠٦.

(٨) الوسائل ١٨ : ٣٨٨ ، الباب ٢٠ من أبواب الحدود والتعزيرات ، الحديث ٣.

٣٠٤

(والأحوط) وهو الذي اختاره المصنّف في الشرح (١) قتله (في الرابعة) لرواية أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام : (الزاني إذا جُلد ثلاثاً يُقتل في الرابعة) (٢) ولأنّ الحدّ مبنيّ على التخفيف ، وللاحتياط في الدماء ، وترجيح هذه الرواية بذلك وبأ نّها خاصّة وتلك عامّة ، فيجمع بينهما بتخصيص العامّ بما عدا الخاصّ. وهو الأجود.

ولو لم يسبق حدّه مرّتين لم يجب سوى الجلد مئة.

(ولو تاب قبل قيام البيّنة سقط الحدّ عنه قتلاً) كان الحدّ أو رجماً (أو جلداً) على ما فُصّل.

(ولو تاب بعده لم يسقط) الحدّ؛ وكذا لو تاب مع الإقرار (ولكن يتخيّر الإمام في المقرّ) قبل التوبة (بين العفو والاستيفاء) كالزنا.

(ويعزَّر من قبَّل غلاماً بشهوة) بما يراه الحاكم؛ لأنّه من جملة المعاصي ، بل الكبائر المتوعّد عليه بخصوصه بالنار ، فقد رُوي «أنّ من قبَّل غلاماً بشهوة لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرضين (٣) وملائكة الرحمة وملائكة الغضب ، واُعدّ له جهنّم وساءت مصيراً» (٤) وفي حديث آخر : «من قَبَّل غلاماً

__________________

(١) غاية المراد ٤ : ٢١٥ ـ ٢١٦.

(٢) الوسائل ١٨ : ٣٨٧ ، الباب ٢٠ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث الأوّل ، في طريق رواية أبي بصير إسحاق بن عمّار وهو فطحي ، ورواية يونس نقلها الشيخ عنه في التهذيب ١٠ : ٣٧ ، الحديث ١٢٩ من الحسن؛ لأنّ أظهر الطرُق إليه ما دخل فيه إبراهيم بن هاشم ، وحينئذٍ فالرجوع إلى الاحتياط في الدماء والتخفيف أولى. (منه رحمه الله).

(٣) في (ف) : الأرض.

(٤) المستدرك ١٤ : ٣٥١ ، الباب ١٨ من أبواب النكاح المحرّم وما يناسبه ، الحديث ٣.

٣٠٥

بشهوة ألجمه اللّٰه يوم القيامة بلجام من نار» (١)(٢).

(وكذا يُعزّر) الذَكران (المجتمعان تحت إزار واحد مجرّدين وليس بينهما رحم) أي قرابة (من ثلاثين سوطاً إلى تسعة وتسعين) على المشهور.

أمّا تحديده في جانب الزيادة؛ فلأ نّه ليس بفعل يوجب الحدّ كملاً. فلا يبلغ به ، ولقول الصادق عليه السلام في المرأتين تنامان في ثوب واحد؟ : «تُضربان» قلت : حدّاً؟ قال : «لا» ، وكذا قال في الرجلين (٣) وفي رواية ابن سنان عنه عليه السلام : «يُجلدان حدّاً (٤) غير سوط واحد» (٥).

وأمّا في جانب النقيصة : فلرواية سليمان بن هلال عنه ، قال : «يُضربان ثلاثين سوطاً ، ثلاثين سوطاً» (٦).

وطريق الجمع : الرجوع فيما بين الحدّين إلى رأي الحاكم. والتقييد بنفي الرحم بينهما ذكره المصنّف كغيره (٧) تبعاً للرواية (٨).

ويشكل بأنّ مطلق الرحم لا يوجب تجويز ذلك. فالأولى ترك القيد ، أو التقليد بكون الفعل محرّماً.

__________________

(١)في (ش) : النار.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٥٧ ، الباب ٢١ من أبواب النكاح المحرّم وما يناسبه ، الحديث الأوّل.

(٣) الوسائل ١٨ : ٣٦٧ ، الباب ١٠ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ١٦.

(٤) في (ش) : جلداً ، ولم يرد أيّ منهما في الوسائل.

(٥) الوسائل ١٨ : ٣٦٧ ، الباب ١٠ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ١٨ ، وليس فيه : «حدّاً».

(٦) نفس المصدر ، الحديث ٢١.

(٧) كالمحقّق في الشرائع ٤ : ١٦٠ ، والعلّامة في الإرشاد ٢ : ١٧٥ ، والقواعد ٣ : ٥٣٧.

(٨) راجع الهامش رقم ٦ في هذه الصفحة.

٣٠٦

(والسحق) :

(يثبت بشهادة أربعة رجال) عدول ، لا بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات (أو الإقرار أربعاً) من البالغة الرشيدة الحرّة المختارة كالزنا (وحدّه مئة جلدة حرّة كانت) كلّ واحدة منهما (أو أمة ، مسلمة أو كافرة ، مُحصَنة أو غير مُحصَنة ، فاعلة أو مفعولة) ولا ينتصف هنا في حقّ الأمة. ويقبل دعواها إكراه مولاتها كالعبد.

كلّ ذلك مع بلوغها وعقلها ، فلو ساحقت المجنونة أو الصغيرة اُدّبتا خاصّة. ولو ساحقتهما بالغة حُدّت ، دونهما.

وقيل : تُرجم مع الإحصان (١) لقول الصادق عليه السلام : (حدّها حدّ الزاني) (٢). ورُدّ بأ نّه أعمّ من الرجم ، فيحمل على الجلد جمعاً (٣).

(وتُقتل) المساحِقة (في الرابعة لو تكرّر الحدّ ثلاثاً). وظاهرهم هنا عدم الخلاف وإن حكمنا بقتل الزاني واللائط في الثالثة ، كما اتّفق في عبارة المصنّف (٤).

(ولو تابت قبل البيّنة سقط الحدّ ، لا) إذا تابت (بعدها ويتخيّر الإمام لو تابت بعد الإقرار) كالزنا واللواط.

(وتُعزّر الأجنبيّتان إذا تجرّدتا تحت إزار) بما لا يبلغ الحدّ (فإن عُزّرتا

__________________

(١) قاله الشيخ في النهاية : ٧٠٦ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٥٣١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤١٤.

(٢) الوسائل ١٨ : ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ السحق والقيادة ، الحديث الأوّل.

(٣) اُنظر الإيضاح ٤ : ٤٩٣ ـ ٤٩٤ ، وغاية المراد ٤ : ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٤) راجع الصفحة ٣٠٤.

٣٠٧

مع تكرّر الفعل مرّتين حُدّتا في الثالثة) فإن عادتا عُزّرتا مرّتين ثمّ حُدّتا في الثالثة (وعلى هذا) أبداً.

وقيل : تُقتلان في الثالثة (١) وقيل : في الرابعة (٢) والمستند (٣) ضعيف. وقد تقدّم وجه التقييد بالأجنبيّتين.

(ولو وطئ زوجته فساحقت بكراً فحملت) البكر (فالولد للرجل) لأنّه مخلوق من مائه ، ولا موجب لانتفائه عنه ، فلا يقدح كونها ليست فراشاً له. ولا يلحق بالزوجة قطعاً ، ولا بالبكر على الأقوى (وتُحدّان) المرأتان حدَّ السحق؛ لعدم الفرق فيه بين المحصنة وغيرها (ويلزمها) أي الموطوءة (ضمان مهر مثل البكر) لأنّها سبب في إذهاب عُذرتها ، وديتها مهر نسائها. وليست كالزانية المطاوعة؛ لأنّ الزانية أذنت في الاقتضاض ، بخلاف هذه.

وقيل : ترجم الموطوءة (٤) استناداً إلى رواية (٥) ضعيفة السند ، مخالفة لما دلّ على عدم رجم المساحقة مطلقاً من الأخبار الصحيحة (٦).

وابن إدريس نفى الأحكام الثلاثة (٧) أمّا الرجم ، فلما ذكرناه. وأمّا إلحاق

__________________

(١) قاله ابن إدريس في السرائر ٣ : ٤٦٧.

(٢) قاله الشيخ في النهاية : ٧٠٧ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٥٣٣.

(٣) راجع المسالك ١٤ : ٣٧٢.

(٤) قاله الشيخ في النهاية : ٧٠٧ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٥٣٢.

(٥) الوسائل ١٨ : ٤٢٦ ، الباب ٣ من أبواب حدّ السحق ، الحديث الأوّل ، هذا ، وقد عبّر في المسالك ١٤ : ٤١٩ عن هذه الرواية بالصحيح.

(٦) الوسائل ١٨ : ٤٢٥ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ السحق والقيادة ، الحديث ٢.

(٧) السرائر ٣ : ٤٦٥.

٣٠٨

الولد بالرجل ، فلعدم ولادته على فراشه والولد للفراش. وأمّا المهر؛ فلأنّ البِكر بغيّ بالمطاوعة فلا مهر لها. وقد عرفت جوابه.

(والقيادة) :

(الجمع بين فاعلي الفاحشة) من الزنا واللواط والسحق (وتثبت بالإقرار مرّتين من الكامل) بالبلوغ والعقل والحرّيّة (المختار) غير المكرَه. ولو أقرّ مرّة واحدة عُزّر (أو بشهادة شاهدين) ذكرين عدلين.

(والحدّ) للقيادة (خمس وسبعون جلدة ، حرّاً كان) القائد (أو عبداً ، مسلماً) كان (أو كافراً ، رجلاً) كان (أو امرأة).

(وقيل) والقائل الشيخ : يضاف إلى جَلده أن (يُحلق رأسه ويُشهَّر) في البلد (ويُنفى) عنه إلى غيره من الأمصار (١) من غير تحديد لمدّة نفيه (بأوّل مرّة) لرواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام (٢) ووافقه المفيد على ذلك (٣) إلّاأ نّه جعل النفي في الثانية.

(ولا جزّ على المرأة ولا شهرة ولا نفي) للأصل ، ومنافاة النفي لما يجب مراعاته من ستر المرأة.

(ولا كفالة في حدّ) بأن يُكفل لمن ثبت عليه الحدّ إلى وقت متأخّر عن

__________________

(١) النهاية : ٧١٠.

(٢) الوسائل ١٨ : ٤٢٩ ، الباب ٥ من أبواب حدّ السحق والقيادة ، الحديث الأوّل ، وليس فيها حلق الرأس والتشهير. في طريق الرواية محمّد بن سليمان وهو مشترك بين الثقة والضعيف ، ولو سلم كانت من الحسن؛ لأنّ في طريقها إبراهيم بن هاشم. (منه رحمه الله).

(٣) المقنعة : ٧٩١.

٣٠٩

وقت ثبوته (ولا تأخير فيه) بل يُستوفى متى ثبت ، ومن ثَمّ حُدّ شهود الزنا قبل كمالهم في مجلس الشهادة وإن كان الانتظار يوجب كمالَ العدد (إلّامع العذر) المانع من إقامته ذلك الوقت (أو توجّه ضرر) به فتشرع الكفالة والتأخير إلى وقت القدرة (ولا شفاعة في إسقاطه) لأنّه حقّ للّٰه‌أو مشترك.

ولا شفاعة في إسقاط حقّ اللّٰه تعالى. قال النبيّ صلى الله عليه وآله : «لا كفالة في حدّ» (١) وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «لا يشفعنّ أحد في حدٍّ» (٢) وقال عليه السلام : (ليس في الحدود نظرة ساعة) (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٣٣٣ ، الباب ٢١ من أبواب مقدّمات الحدود ، الحديث الأوّل.

(٢) المصدر المتقدّم ، الباب ٢٠ ، الحديث ٤.

(٣) الوسائل ١٨ : ٤٤٦ ، الباب ١٢ من أبواب حدّ القذف ، الحديث ٣.

٣١٠

(الفصل الثالث)

(في القذف)

(وهو) الرمي بالزنا أو اللواط ، مثل (قوله : زنيت) بالفتح (أو لُطتَ أو أنت زان) أو لائط (١) (وشبهه) من الألفاظ الدالّة على القذف (مع الصراحة والمعرفة) أي معرفة القاذف (بموضوع اللفظ بأيّ لغةٍ كان) وإن لم يعرف المواجَه معناه. ولو كان القائل جاهلاً بمدلوله ، فإن عرف أنّه يفيد فائدة يكرهها المواجَه عزّر ، وإلّا فلا.

(أو قال لولده الذي أقرّ به : لستَ ولدي) أو لستَ لأبيك ، أو زنت بك اُمُّك. ولو لم يكن قد أقرّ به لكنّه لاحق به شرعاً بدون الإقرار ، فكذلك. لكن له دفع الحدّ باللعان ، بخلاف المُقَرّ به فإنّه لا ينتفي مطلقاً.

(ولو قال لآخر) غير ولده : (زنى بك أبوك أو يا بن الزاني حُدّ للأب) خاصّة؛ لأنّه قذفٌ له ، دون المواجه؛ لأنّه لم ينسب إليه فعلاً ، لكن يعزّر له ـ كما سيأتي ـ لتأذّيه به.

ولو قال : زنت بك اُمّك أو يا بن الزانية حُدّ للاُمّ.

__________________

(١) لم يرد «أو لائط» في (ع) و (ف).

٣١١

(ولو قال : يا بن الزانيين فلهما. ولو قال : وُلِدتَ من الزنا فالظاهر القذف للأبوين) لأنّ تولّده إنّما يتحقّق بهما وقد نسبه إلى الزنا ، فيقوم بهما ويثبت الحدّ لهما ، ولأ نّه الظاهر عرفاً.

وفي مقابلة الظاهر كونه قذفاً للاُمّ خاصّة (١) لاختصاصها بالولادة ظاهراً.

ويضعَّف بأنّ نسبته إليهما واحدة ، والاحتمال قائم فيهما بالشبهة ، فلا يختصّ أحدهما به.

وربما قيل بانتفائه لهما لقيام الاحتمال بالنسبة إلى كلّ واحد وهو دارئ للحدّ؛ إذ هو شبهة.

والأقوى الأوّل ، إلّاأن يدّعي الإكراه أو الشبهة في أحد الجانبين ، فينتفي حدّه.

(ومن نسب الزنا إلى غير المواجَه) كالأمثلة السابقة (فالحدّ للمنسوب إليه ، ويعزَّر للمواجه إن تضمّن شتمه وأذاه) كما هو الظاهر في الجميع.

(ولو قال لامرأة : زنيتُ بكِ احتُمل الإكراه ، فلا يكون قذفاً) لها؛ لأنّ المكرَه غيرُ زانٍ. ومجرّد الاحتمال كافٍ في سقوط الحدّ ، سواء ادّعاه القاذف أم لا؛ لأنّه شبهة يدرأ بها الحدّ.

(ولا يثبت الزنا في حقّه إلّابالإقرار أربع) مرّات كما سبق (٢).

ويحتمل كونه قذفاً؛ لدلالة الظاهر عليه ، ولأنّ الزنا فعل واحد يقع بين

__________________

(١) القول بثبوته للاُمّ خاصّة للشيخ النهاية : ٧٢٣ وبانتفائه لهما ظاهر الشرائع ٤ : ١٦٣ والتحرير ٥ : ٤٠٠ ـ ٤٠١ والعلّامة في غيره القواعد ٣ : ٥٤٥ ، والإرشاد ٢ : ١٧٧ وزاد فيه : «على إشكال» قال بثبوته لهما ، وهو ظاهر الأكثر. (منه رحمه الله).

(٢) تقدّم في الصفحة ٢٦٦.

٣١٢

اثنين ، ونسبة أحدهما إليه بالفاعليّة والآخر بالمفعوليّة.

وفيه : أنّ اختلاف النسبة يوجب التغاير ، والمتحقّق منه كونه هو الزاني.

والأقوى أنّه قذف لها؛ لما ذكر ، ولرواية محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (١).

(والديّوث والكشخان والقرنان (٢) قد تفيد القذف في عرف القائل فيجب الحدّ للمنسوب إليه) مدلولُ هذه الألفاظ من الأفعال ، وهو أنّه قوّاد على زوجته أو غيرها من أرحامه (وإن لم تفد) ذلك في عرفه نظراً إلى أنّها لغة غير موضوعة لذلك ولم يستعملها أهل العرف فيه (وأفادت شتماً) لا يبلغ حدّ النسبة إلى ما يوجب الحدّ (عُزّر) القائل كما في كلّ شاتم بمحرَّم.

والديّوث : الذي لا غيرة له ، قاله الجوهري (٣) وقيل : الذي يُدخِل الرجال على امرأته (٤).

قال تغلب : والقرنان والكشخان : لم أرهما في كلام العرب ، ومعناه عند

__________________

(١) الرواية صريحة في عدم الحدّ عليه ولازمه نفي القذف ، راجع الوسائل ١٨ : ٤٤٦ ، الباب ١٣ من أبواب حدّ القذف ، الحديث الأوّل.

(٢) سيأتي بيان معنى هذه الكلمات من الشارح قدس سره. وفي هامش (ر) ما يلي : الكشخان : يجوز أن يكون بالحاء المهملة صفة من الكشح بمعنى الستر والإضمار ، والرجل المذكور يضمر في قلبه ما يضمر من الأمر القبيح ، ويكون إعجام الحاء من تحريف العامّة. أو هو معرّب «كج خان» أي محرّف الدار والمنزل ، فإنّ هذا الرجل يجعل داره في المواضع الغير المشهورة ، بل في الأمكنة المختفية ، فتأمّل. ولعلّ القرنان من قولهم : قرن الفرس يقرن ، إذا وقعت حوافر رجليه موضع حوافر يديه ، أو من قرنت الشيء بالشيء : وصلته ، ونحو ذلك.

(٣) الصحاح ١ : ٢٨٢ (ديث).

(٤) والقائل هو إبراهيم الحربي ، راجع المغني مع الشرح ١٠ : ٢٢٨.

٣١٣

العامّة مثل معنى الديّوث أو قريب منه (١).

وقيل : القرنان : من يُدخل على بناته ، والكشخان : من يُدخل على أخواته (٢).

(ولو لم يعلم) القائل (فائدتها أصلاً) بأن لم يكن من أهل العرف بوضعها لشيء من ذلك ، ولا اطّلع على معناها لغة (فلا شيء) عليه (وكذا) القول في (كلّ قذف جرى على لسان من لا يعلم معناه) لعدم قصد شيء من القذف ولا الأذى وإن أفاد في عرف المقول له.

(والتأذّي) أي قول ما يوجب أذى المقول له من الألفاظ الموجبة له مع العلم بكونها مؤذية وليست موضوعة للقذف عرفاً ولا وضعاً (والتعريض) بالقذف دون التصريح به (يوجب التعزير) لأنّه محرَّم (لا الحدّ) لعدم القذف الصريح.

(مثل) قوله : (هو ولد حرام) هذا يصلح مثالاً للأمرين؛ لأنّه يوجب الأذى وفيه تعريض بكونه ولد زنا لكنّه محتمل لغيره بأن يكون وُلِد بفعل محرَّم وإن كان من (٣) أبويه ، بأن استولده حالة الحيض أو الإحرام عالماً. ومثله «لست بولد حلال» وقد يراد به عرفاً أنّه ليس بطاهر الأخلاق ، ولا وفيّ بالأمانات والوعود ، ونحو ذلك ، فهو أذى على كلّ حال. وقد يكون تعريضاً بالقذف.

__________________

(١) المغني مع الشرح ١٠ : ٢٢٨. وفيه : «قال ثعلب» بدل «تغلب».

(٢) نفس المصدر ، ومجمع البحرين ٢ : ٢٥٣ (ديث).

(٣) في (ف) و (ش) : بين.

٣١٤

(أو أنا لستُ بزانٍ) هذا مثال للتعريض بكون المقول له أو المنبَّه عليه زانياً (ولا اُمّي زانية) تعريض بكون اُمّ المعرَّض به زانية.

(أو يقول لزوجته : لم أجدك عذراء) أي بكراً ، فإنّه تعريض بكونها زنت قبل تزويجه وذهبت بكارتها به ، مع احتماله غيره بأن يكون ذهابها بالنزوة (١) أو الحرقوص (٢) فلا يكون حراماً ، فمن ثَمّ كان تعريضاً. بل يمكن دخوله فيما يوجب التأذّي مطلقاً.

وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل قال لامرأته : لم أجدك عذراء ، قال : (ليس عليه شيء؛ لأنّ العذرة تذهب بغير جماع) (٣) وتحمل على أنّ المنفيّ الحدّ؛ لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام أنّه قال : (يُضرب) (٤).

(وكذا يعزَّر بكلّ ما) أي قول (يكرهه المواجَه) بل المنسوب إليه وإن لم يكن حاضراً؛ لأنّ ضابط التعزير : فعل المحرّم ، وهو غير مشروط بحضور المشتوم (مثل الفاسق وشارب الخمر ، وهو مستتر) بفسقه وشربه ، فلو كان متظاهراً بالفسق لم يكن له حرمة.

(وكذا الخنزير والكلب والحقير والوضيع) والكافر والمرتدّ ، وكلّ كلمة تفيد الأذى عرفاً أو وضعاً مع علمه بها ، فإنّها توجب التعزير (إلّامع كون المخاطَب مستحقّاً للاستخفاف) به؛ لتظاهره بالفسق فيصحّ مواجهته بما تكون نسبته إليه حقّاً ، لا بالكذب.

__________________

(١) أي الوثبة.

(٢) الحرقوص ـ بالضمّ ـ : دويبة كالبرغوث.

(٣) الوسائل ١٥ : ٦٠٩ ، الباب ١٧ من أبواب اللعان ، الحديث الأوّل مع اختلاف يسير.

(٤) نفس المصدر ، الحديث ٢.

٣١٥

وهل يشترط مع ذلك جعله على طريق النهي فيشترط شروطه ، أم يجوز الاستخفاف به مطلقاً؟ ظاهر النصّ (١) والفتاوى (٢) الثاني. والأوّل أحوط.

(ويعتبر في القاذف) الذي يُحدّ (الكمال) بالبلوغ والعقل (فيعزَّر الصبيّ) خاصّة (ويؤدّب المجنون) بما يراه الحاكم فيهما. والأدب في معنى التعزير كما سلف (٣).

(وفي اشتراط الحرّيّة في كمال الحدّ) فيحدّ العبد والأمة أربعين ، أو عدم الاشتراط فيساويان الحرَّ (قولان) (٤) أقواهما وأشهرهما الثاني ، لعموم (وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنٰاتِ) (٥) ولقول الصادق عليه السلام في حسنة الحلبي : (إذا قذف العبدُ الحرَّ جُلِد ثمانين) (٦) وغيرها من الأخبار (٧).

والقول بالتنصيف على المملوك للشيخ في المبسوط (٨) لأصالة البراءة من الزائد ، وقوله تعالى : (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى اَلْمُحْصَنٰاتِ مِنَ

__________________

(١) راجع الوسائل ٨ : ٦٠٤ ـ ٦٠٥ ، الباب ١٥٤ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٤ و ٥.

(٢) راجع المقنعة : ٧٩٦ ، والشرائع ٤ : ١٦٤ ، والقواعد ٣ : ٥٤٤ ، وغيرها.

(٣) سلف في الصفحة ٣٠٢.

(٤) القول بعدم الاشتراط والتساوي لأكثر الأصحاب ، منهم : الشيخ في النهاية : ٧٢٢ ـ ٧٢٣ ، والخلاف ٥ : ٤٠٣ ، المسألة ٤٧ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٢٢١ ، وقوّاه العلّامة في التحرير ٥ : ٤٠٦.

(٥) النور : ٤.

(٦) الوسائل ١٨ : ٤٣٥ ، الباب ٤ من أبواب حدّ القذف ، الحديث ٤.

(٧) المصدر المتقدّم : ٤٣٤ ـ ٤٣٨ ، الباب ٤ من أبواب حدّ القذف.

(٨) المبسوط ٨ : ١٦.

٣١٦

اَلْعَذٰابِ) (١) ولرواية القاسم بن سليمان عنه عليه السلام (٢).

ويضعَّف بأنّ الأصل قد عُدل عنه للدليل. والمراد بالفاحشة : الزنا ، كما نقله المفسّرون (٣) ويظهر من اقترانهنّ بالمحصنات. والرواية مع ضعف سندها (٤) وشذوذها لا تعارض الأخبار الكثيرة (٥) بل الإجماع ، على ما ذكره المصنّف (٦) وغيره (٧).

والعجب أنّ المصنّف في الشرح تعجّب من المحقّق والعلّامة حيث نقلا فيها قولين ولم يرجّحا أحدهما مع ظهور الترجيح. فإنّ القول بالأربعين نادر جدّاً (٨) ، ثمّ تبعهم على ما تعجّب منه هنا.

(و) يشترط (في المقذوف الإحصان) وهو يطلق على التزويج كما في قوله تعالى : (وَاَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلنِّسٰاءِ) (٩) و (مُحْصَنٰاتٍ غَيْرَ مُسٰافِحٰاتٍ) (١٠).

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) الوسائل ١٨ : ٤٣٧ ، الباب ٤ من أبواب حدّ القذف ، الحديث ١٥.

(٣) مثل القمّي في تفسيره ١ : ١٣٦ ، والطبرسي في مجمع البيان ٢ : ٣٤ ، والفخر الرازي في التفسير الكبير ١٠ : ٦٤.

(٤) وضعفها بقاسم بن سليمان ، راجع المسالك ١٣ : ٤٥٧.

(٥) المشار إليها في الهامش رقم ٧ من الصفحة السابقة.

(٦) غاية المراد ٤ : ٢٢٩.

(٧) كابن زهرة في الغنية : ٤٢٧.

(٨) غاية المراد ٤ : ٢٢٩.

(٩) النساء : ٢٤.

(١٠) النساء : ٢٥.

٣١٧

وعلى الإسلام ، ومنه قوله تعالى : (فَإِذٰا أُحْصِنَّ) (١) قال ابن مسعود : «إحصانها إسلامها» (٢).

وعلى الحرّيّة ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ اَلْمُحْصَنٰاتِ (٣) وقوله تعالى : وَاَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ وَاَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتٰابَ) (٤)

وعلى اجتماع الاُمور الخمسة التي نبّه عليها هنا بقوله : و (أعني) بالإحصان هنا (البلوغ والعقل والحرّيّة والإسلام والعفّة ، فمن جُمعت فيه) هذه الأوصاف الخمسة (وجب الحدّ بقذفه ، وإلّا) تجتمع بأن فقدت جُمَع أو أحدُها ، بأن قذف صبيّاً أو مجنوناً أو مملوكاً أو كافراً أو متظاهراً بالزنا ، فالواجب (التعزير) كذا أطلقه المصنّف والجماعة (٥) غيرَ فارقين بين المتظاهر بالزنا وغيره. ووجهه : عموم الأدلّة وقبح القذف مطلقاً؛ بخلاف مواجَهة المتظاهر به بغيره من أنواع الأذى ، كما مرّ (٦).

وتردّد المصنّف في بعض تحقيقاته (٧) في التعزير بقذف المتظاهر به (٨)

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) نقله عنه وعن غيره الطبرسي في مجمع البيان ٢ : ٣٤.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) المائدة : ٥.

(٥) منهم العلّامة في القواعد ٣ : ٥٤٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٢١.

(٦) مرّ في الصفحة ٣١٥.

(٧) لم نعثر عليه.

(٨) لم يرد «به» في (ع) و (ف).

٣١٨

ويظهر منه الميل إلى عدمه محتجّاً بإباحته ، استناداً إلى رواية البرقي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام : «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة» (١) وفي مرفوع محمّد بن بزيع : «من تمام العبادة الوقيعة في أهل الريب» (٢) ولو قيل بهذا لكان حسناً.

(ولو قال لكافر اُمّه مسلمة : يا بن الزانية ، فالحدّ لها) لاستجماعها لشرائط وجوبه ، دون المواجَه.

(فلو) ماتت أو كانت ميتة و (ورثها الكافر فلا حدّ) ؛ لأنّ المسلم لا يُحدّ للكافر (٣) بالأصالة ، فكذا بالإرث.

ويتصوّر إرث الكافر للمسلم على تقدير موت المسلم مرتدّاً عند الصدوق (٤) وبعض الأصحاب (٥) أمّا عند المصنّف فغير واضح ، وقد فرض المسألة كذلك في القواعد لكن بعبارة أقبل من هذه للتأويل (٦).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٦٠٥ ، الباب ١٥٤ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٤.

(٢) السرائر ٣ : ٦٤٤ ، والبحار ٧٥ : ١٦١.

(٣) في (ر) و (ش) : لكافر.

(٤) المقنع : ٥٠٨.

(٥) نقله العلّامة عن ابن الجنيد ، راجع المختلف ٩ : ١٠٧.

(٦) فإنّه قال القواعد ٣ : ٥٤٥ : ولو قال لكافر اُمّه مسلمة : يا بن الزانية حدّ ، وإن كانت ميتةولا وارث لها سوى الكافر لم يحدّ. وهذه العبارة لا تقتضي إرث الكافر. ويحمل قوله : «لا وارث لها سوى الكافر» أي لا وارث لها على الخصوص غيره ، بأن يكون وارثها الإمام فإنّه وارث من لا وارث له ، فيصدق أنّه لا وارث لها غير الكافر ولا يستلزم كونه وارثاً. (منه رحمه الله).

٣١٩

(ولو تقاذف المحصنان) بما يوجب الحدّ (عزّرا) ولا حدّ على أحدهما؛ لصحيحة أبي ولّاد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : (اُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجلين قذف كلّ واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه ، فقال : يدرأ عنهما الحدّ ، وعزّرهما) (١).

(ولو تعدّد المقذوف تعدّد الحدّ ، سواء اتّحد القاذف أو تعدّد) لأنّ كلّ واحد سبب تامّ في وجوب الحدّ فيتعدّد المسبّب.

(نعم ، لو قذف) الواحد (جماعةً بلفظ واحد) بأن قال : أنتم زُناة ، ونحوه (واجتمعوا في المطالبة) له بالحدّ (فحدّ واحد ، وإن افترقوا) في المطالبة (فلكلّ واحد حدّ) لصحيحة جميل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل افترى على قوم جماعة قال : (إن أتوا به مجتمعين ضُرِب حدّاً واحداً ، وإن أتوا به متفرّقين ضرب لكلّ واحد منهم حدّاً) (٢).

وإنّما حملناه على ما لو كان القذف بلفظ واحد مع أنّه أعمّ جمعاً بينه وبين صحيحة الحسن العطّار عنه عليه السلام في رجل قذف قوماً جميعاً قال عليه السلام : «بكلمة واحدة؟ قلت : نعم ، قال : يُضرب حدّاً واحداً ، فإن فرّق بينهم في القذف ضُرِب لكلّ واحد منهم حدّاً» (٣) بحمل الاُولى على ما لو كان القذف بلفظ واحد ، والثانية على ما لو جاؤوا به مجتمعين.

وابن الجنيد رحمه الله عكس ، فجعل القذف بلفظ واحد موجباً لاتّحاد الحدّ مطلقاً ، وبلفظٍ متعدّدٍ موجباً للاتّحاد إن جاؤوا مجتمعين ، وللتعدّد إن جاؤوا

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٤٥١ ، الباب ١٨ من أبواب حدّ القذف ، الحديث ٢. وفيه : «فدرأ عنهما الحدّ».

(٢) الوسائل ١٨ : ٤٤٤ ، الباب ١١ من أبواب حدّ القذف ، الحديث الأوّل مع اختلاف يسير.

(٣) نفس المصدر ، الحديث ٢.

٣٢٠