الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-48-6
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٧٢

فراره بمنزلة الرجوع عن الإقرار وهو أعلم بنفسه ، ولأنّ الحدّ مبنيّ على التخفيف.

وفي هذه الوجوه نظر.

ومستند التفصيل رواية الحسين بن خالد عن الكاظم عليه السلام (١) وهو مجهول (وإلّا) يكن ثبوته بالبيّنة ، بل بإقرارهما وإصابتهما الحجارة على ذلك القول (لم يعادا (٢)) اتّفاقاً.

وفي رواية ماعز (٣) : أنّه لما أمر رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله برجمه هرب من الحفيرة ، فرماه الزبير بساق بعير فلحقه القوم فقتلوه ، ثمّ أخبروا رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله بذلك ، فقال : «هلّا تركتموه إذ هرب يذهب! فإنّما هو الذي أقرّ على نفسه ، وقال صلى الله عليه وآله : أما لو كان عليٌّ حاضراً لما ضللتم ، ووداه رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله من بيت المال».

وظاهر الحكم بعدم إعادته سقوط الحدّ عنه ، فلا يجوز قتله حينئذٍ بذلك الذنب ، فإن قُتِل عمداً اقتُصّ من القاتل ، وخطأً الدية. وفي الرواية إرشاد إليه. ولعلّ إيداءه من بيت المال لوقوعه منهم خطأً مع كونه صلى الله عليه وآله قد حكّمهم فيه ، فيكون كخطأ الحاكم ، ولو فرّ غيره من المحدودين اُعيد مطلقاً.

(و) حيث يثبت الزنا بالبيّنة (يبدأ) برجمه (الشهود) وجوباً.

(وفي) رجم (المقرّ) يبدأ (الإمام عليه السلام) ويكفي في البداءة مسمّى الضرب.

(وينبغي) على وجه الاستحباب (إعلام الناس) بوقت الرجم

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٣٧٦ ، الباب ١٥ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث الأوّل.

(٢) في (س) : لم يُعد ، وفي (ق) ونسخة (ر) من الشرح : لم يعاد.

(٣) وأي قصته المروية في رواية الحسين بن خالد المتقدّمة آنفاً.

٢٨١

ليحضروا ويعتبروا ، وينزجر من يشاهد (١) ممّن أتى مثل ذلك ، أو يريده ، ولقوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ) (٢) ولا يجب؛ للأصل.

(وقيل) والقائل ابن إدريس (٣) والعلّامة (٤) وجماعة (٥) : (يجب حضور طائفة) عملاً بظاهر الأمر. وهو الأقوى.

(و) اختلف في أقلّ عدد الطائفة التي يجب حضورها أو يستحبّ ، فقال العلّامة (٦) والشيخ في النهاية (٧) : (أقلّها واحد) لأنّه أقلّ الطائفة لغةً (٨) فيحمل الأمر المطلق على أقلّه؛ لأصالة البراءة من الزائد.

(وقيل) والقائل ابن إدريس (٩) : أقلّها (ثلاثة) لدلالة العرف عليه فيما إذا قيل : (جئنا في طائفة من الناس) ولظاهر قوله تعالى : (فَلَوْ لاٰ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) (١٠) فإنّ أقلّ الجمع فيما دلّ عليه الضمير ثلاثة وليتحقّق بهم الإنذار.

__________________

(١) في (ر) : يشاهده.

(٢) النور : ٢.

(٣) السرائر ٣ : ٤٥٣.

(٤) القواعد ٣ : ٥٢٩ ـ ٥٣٠ ، والمختلف ٩ : ١٥٥.

(٥) منهم المحقّق في المختصر النافع : ٢١٧ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ٥٥٣ ، وابن فهد الحلّي في المقتصر : ٤٠٢ ، ويظهر ذلك من غيرهم أيضاً.

(٦) القواعد ٣ : ٥٢٩ ـ ٥٣٠ ، والإرشاد ٢ : ١٧٣.

(٧) النهاية : ٧٠١.

(٨) قال في القاموس المحيط ٣ : ١٧٠ : الطائفة ... الواحد فصاعداً.

(٩) السرائر ٣ : ٤٥٤.

(١٠) التوبة : ١٢٢.

٢٨٢

(وقيل) والقائل الشيخ في الخلاف (١) : (عشرة) ووجهه غير واضح. والأجود الرجوع إلى العرف ، ولعلّ دلالته على الثلاثة فصاعداً أقوى.

(وينبغي كون الحجارة صغاراً لئلّا يسرع تَلفُه) بالكبار. وليكن ممّا يُطلق عليه اسم الحجر ، فلا يقتصر على الحصى؛ لئلّا يطول تعذيبه أيضاً.

(وقيل : لا يَرجم من للّه في قِبَله حدّ (٢)) للنهي عنه (٣).

وهل هو للتحريم أو الكراهة؟ وجهان : من أصالة عدم التحريم ، ودلالة ظاهر النهي عليه. وظاهر العبارة كون القول المحكيّ على وجه التحريم؛ لحكايته قولاً مؤذناً بتمريضه؛ إذ لا يتّجه توقّفه في الكراهة.

وهل يختصّ الحكم بالحدّ الذي اُقيم على المحدود ، أو مطلق الحدّ؟ إطلاق العبارة وغيرها يدلّ على الثاني. وحسنة زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال : «اُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد أقرّ على نفسه بالفجور ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه : اغدوا غداً عَليَّ متلثّمين ، فغدوا عليه متلثّمين ، فقال : من فعل مثلَ فعلِه لا يرجمه ولينصرف) (٤) تدلّ على الأوّل. وفي خبر آخر عنه عليه السلام في رجم امرأة أنّه نادى بأعلى صوته : «يا أيّها الناس إنّ اللّٰه عهد إلى نبيّه صلى الله عليه وآله عهداً عَهِده

__________________

(١) الخلاف ٥ : ٣٧٤ ، المسألة ١١.

(٢) منهم المفيد في المقنعة : ٧٨١ ، والشيخ في النهاية : ٧٠١ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٥٣١ ، وغيرهم.

(٣) الوسائل ١٨ : ٣٤١ ـ ٣٤٣ ، الباب ٣١ من أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها العامّة.

(٤) الوسائل ١٨ : ٣٤٢ ، الباب ٣١ من أبواب مقدّمات الحدود ، الحديث ٢ ، وفيه «عن أبي جعفر عليه السلام» ، وفي التهذيب ١٠ : ١١ ، باب حدود الزنا ، الحديث ٢٥ ، عن ابن أبي عمير عمّن رواه عن أبي جعفر أو أبي عبد اللّٰه عليهما السلام ، وفيهما : «فلا يرجمه».

٢٨٣

محمّد صلى الله عليه وآله إليَّ بأ نّه لا يقيم الحدّ مَن للّٰه‌عليه حدّ ، فمن كان للّٰه‌عليه حدّ مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحدّ» (١) وصدر هذا الخبر يدلّ بإطلاقه على الثاني ، وآخره يحتملهما ، وهو على الأوّل أدلّ؛ لأنّ ظاهر المماثلة اتّحادهما صنفاً. مع احتمال إرادة ما هو أعمّ ، فإنّ مطلق الحدود متماثلة في أصل العقوبة.

وهل يُفرق بين ما حصلت التوبة منها وغيره؟ ظاهر الأخبار (٢) والفتوى (٣) ذلك؛ لأنّ ما تاب عنه فاعله سقط حقّ اللّٰه منه ، بناءً على وجوب قبول التوبة فلم يبقَ للّٰه‌عليه حدّ.

ويظهر من الخبر الثاني عدم الفرق؛ لأنّه قال في آخره : «فانصرف الناس ما خلا أمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام» (٤) ومن البعيد جدّاً أن يكون جميع أصحابه (٥) لم يتوبوا من ذنوبهم ذلك الوقت ، إلّاأنّ في طريق الخبر ضعفاً (٦).

(وإذا فُرغ من رجمه) لموته (دُفِن إن كان قد صُلّي عليه بعد غُسله وتكفينه) حيّاً أو ميّتاً أو بالتفريق (وإلّا) يكن ذلك (جُهّز) بالغسل والتكفين والصلاة (ثمّ دفن).

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٣٤١ ، الباب ٣١ من أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها العامّة ، الحديث الأوّل.

(٢) الوسائل ١٨ : ٣٢٧ ـ ٣٢٩ ، الباب ١٦ من أبواب مقدّمات الحدود.

(٣) ذهب إلى ذلك الصدوق في المقنع : ٤٣١ ، والمفيد في المقنعة : ٧٧٧ ، والشيخ في النهاية : ٦٩٦ ، وغيرهم.

(٤) مرّ تخريجه آنفاً.

(٥) في (ف) : الصحابة.

(٦) ضعفه بعليّ بن أبي حمزة الواقع في طريقه ، راجع المسالك ١٥ : ٤٩٦.

٢٨٤

والذي دلّت عليه الأخبار (١) والفتوى (٢) أنّه يؤمر حيّاً بالاغتسال والتكفين ثمّ يجتزى به بعده ، أمّا الصلاة فبعد الموت. ولو لم يغتسل غُسل بعد الرجم وكُفّن وصُلّي عليه. والعبارة قد توهم خلاف ذلك ، أو تقصر عن المقصود منها.

(وثالثها : الجلد خاصّة)

(وهو حدّ البالغ المُحصَن إذا زنى بصبيّة) لم تبلغ التسع (أو مجنونة) وإن كانت بالغة ، شابّاً كان الزاني أم شيخاً (وحدُّ المرأة إذا زنى بها طفل) لم يبلغ (ولو زنى بها المجنون) البالغ (فعليها الحدّ تامّاً) وهو الرجم بعد الجلد إن كانت مُحصَنة لتعليق الحكم برجمها في النصوص (٣) على وطء البالغ مطلقاً فيشمل المجنون ، ولأنّ الزنا بالنسبة إليها تامّ ، بخلاف زنا العاقل بالمجنونة ، فإنّ المشهور عدم إيجابه الرجم (٤) للنصّ (٥) وأصالة البراءة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٧٠٣ ، الباب ١٧ من أبواب غسل الميّت ، وفيه حديث واحد. ومستدرك الوسائل ٢ : ١٨١ ـ ١٨٢ ، الباب ١٧ من أبواب غسل الميّت ، وفيه حديثان.

(٢) ذهب إلى ذلك الصدوق في المقنع : ٦٣ ، والشيخ في الخلاف ١ : ٧١٣ ، المسألة ٥٢١ ، والشهيد في الذكرى ١ : ٣٢٩ وقال : ولا نعلم فيه مخالفاً من الأصحاب.

(٣) مثل ما في الوسائل ١٨ : ٣٩٥ ـ ٣٩٩ ، الباب ٢٧ من أبواب حدّ الزنا ، الأحاديث ١ ، ٥ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٢.

(٤) أطلق ابن الجنيد المختلف ٩ : ١٤٤ حدّ الرجل المحصن إذا زنى بمجنونة ولم يذكر ما هو الحدّ. والظاهر أنّه يريد به المعهود وهو الرجم ، وابن إدريس السرائر ٣ : ٤٤٤ جعل المشهور رواية وهو يشعر باستضعافه. (منه رحمه الله).

(٥) لم نظفر بهذا النصّ كما صرّح بذلك الشارح في المسالك ١٤ : ٣٦٥ حيث قال : «ومع ذلك لا نصّ على حكم المجنونة». نعم ، قال ابن إدريس في السرائر ٣ : ٤٤٤ : وروي أنّ الرجل إذا زنى بمجنونة لم يكن عليه رجم إذا كان محصناً ، وكان عليه جلد مئة.

٢٨٥

وربما قيل بالمساواة (١) إطراحاً للرواية واستناداً إلى العموم (٢) ولا يجب الحدّ على المجنونة إجماعاً.

(والأقرب عدم ثبوته على المجنون) لانتفاء التكليف الذي هو مناط العقوبة الشديدة على المُحرَّم ، وللأصل. ولا فرق فيه بين المطبق وغيره إذا وقع الفعل منه حالتَه. وهذا هو الأشهر.

وذهب الشيخان (٣) وتبعهما ابن البرّاج (٤) إلى ثبوت الحدّ عليه كالعاقل من رجم وجلد؛ لرواية أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام قال : «إذا زنى المجنون أو المعتوه جُلِد الحدّ ، فإن كان مُحصَناً رُجم. قلت : وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال : المرأة إنّما تُؤتى والرجل يأتي ، وإنّما يأتي إذا عقل كيف يأتي اللذّةَ ، وإنّ المرأة إنّما تُستكره ويُفعل بها وهي لا تعقل ما يُفعل بها» (٥).

وهذه الرواية مع عدم سلامة سندها (٦) مشعرة بكون المجنون حالة الفعل

__________________

(١) ذهب إليه جماعة ، منهم ابن الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس ، وهو ظاهر المفيد ، راجع المختلف ٩ : ١٤٤ ، والكافي : ٤٠٥ ، والسرائر ٣ : ٤٤٤ ، والمقنعة : ٧٧٩ ، وراجع المسالك ١٤ : ٣٦٥.

(٢) وهو عموم إجراء الرجم على المحصن ، الوسائل ١٨ : ٣٤٦ ـ ٣٤٩ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ الزنا.

(٣) المقنعة : ٧٧٩ ، والنهاية : ٦٩٦.

(٤) راجع المهذّب ٢ : ٥٢١ ، وفيه : «وإذا زنى مجنون بامرأة كان عليها جلد مئة أو الرجم».

(٥) الوسائل ١٨ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، الباب ٢١ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٢.

(٦) في طريقها إبراهيم بن الفضل ، وهو مجهول. (منه رحمه الله).

٢٨٦

عاقلاً ، إمّا لكون الجنون يعتريه أدواراً أو لغيره ، كما يدلّ عليه التعليل ، فلا يدلّ على مطلوبهم.

(ويُجلد) الزاني (أشدّ الجلد) لقوله تعالى : (وَلاٰ تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ) (١) ورُوي ضربه متوسّطاً (٢).

(ويُفرَّق) الضرب (على جسده ، ويُتّقى رأسه ووجهه وفرجه) قبله ودبره؛ لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام : «يُتّقى الوجه والمذاكير) (٣) ورُوي عنه عليه السلام قال : (يُفرَّق الحدّ على الجسد ويُتّقى الفرج والوجه) (٤) وقد تقدّم استعمال الفرج فيهما (٥) وأمّا اتّقاء الرأس فلأ نّه مَخُوف على النفس والعين ، والغرض من الجَلد ليس هو إتلافه. واقتصر جماعة على الوجه والفرج (٦) تبعاً للنصّ.

(وليكن) الرجل (قائماً) مجرّداً مستور العورة (والمرأة قاعدة قد رُبطت ثيابُها) عليها لئلّا يبدو جسدها ، فإنّه عورة ، بخلاف الرجل.

ورُوي (ضرب الزاني على الحال التي يُوجد عليها إن وجد عرياناً ضُرِب عرياناً ، وإن وجد وعليه ثيابه ضُرب وعليه ثيابه) (٧) سواء في ذلك الذكر والاُنثى.

__________________

(١) النور : ٢.

(٢) الوسائل ١٨ : ٣٧٠ ، الباب ١١ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٦.

(٣) الوسائل ١٨ : ٣٦٩ ، الباب ١١ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث الأوّل ، وفيه : «يترك الرأس والمذاكير».

(٤) راجع الهامش رقم ٢ من هذه الصفحة.

(٥) تقدّم في الصفحة ٢٦٢.

(٦) منهم : الصدوق في المقنع : ٤٢٧ ـ ٤٢٨ ، والشيخ في المبسوط ٨ : ٨ ، والمحقّق في المختصر : ٢١٦ ، وغيرهم.

(٧) الوسائل ١٨ : ٣٧٠ ، الباب ١١ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٧.

٢٨٧

وعمل بمضمونها الشيخ (١) وجماعة (٢).

والأجود الأوّل؛ لما ذكرناه من أنّ بدنها عورة ، بخلافه. والرواية ضعيفة السند (٣).

(ورابعها : الجلد والجزّ) للرأس (والتغريب) :

(ويجب) الثلاثة (على) الزاني (الذكر الحرّ غير المحصَن وإن لم يملك) أي يتزوّج من غير أن يدخل؛ لإطلاق الحكم على «البكر) وهو شامل للقسمين ، بل هو على غير المتزوّج أظهر ، ولإطلاق قول الصادق عليه السلام في رواية عبد اللّٰه بن طلحة : (وإذا زنى الشابّ الحدث السنّ جُلد وحُلِق رأسه ونُفي سنة عن مصره) (٤) وهو عامّ فلا يتخصّص ، وإلّا لزم تأخير البيان.

(وقيل) والقائل الشيخ (٥) وجماعة (٦) : (يختصّ التغريب بمن أملك) ولم يدخل؛ لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : «المحصَن يُجلد مئة

__________________

(١) راجع النهاية : ٧٠٠ ، وقد عمل الشيخ بمضمون الرواية في الرجل خاصّة.

(٢) عمل الشيخ الصدوق في المقنع : ٤٢٨ ، بالرواية في الرجل والمرأة ، وعمل الحلبي والسيّد ابن زهرة في الرجل خاصّة ، وأمّا المرأة فقد قالا فيها : إنّها تجلد وقد شدّت عليها ثيابها. راجع الكافي : ٤٠٧ ، والغنية : ٤٢٥.

(٣) لأنّ في سندها «طلحة بن زيد» ، وهو بتري ، راجع المسالك ١٤ : ١٣.

(٤) الوسائل ١٨ : ٣٤٩ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ١١ ، وليس فيه : «وحُلق رأسه».

(٥) النهاية : ٦٩٤.

(٦) منهم القاضي في المهذّب ٢ : ٥١٩ ، والسيّد ابن زهرة في الغنية : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، والكيدري في إصباح الشيعة : ٥١٤.

٢٨٨

ويرجم (١) ولا يُنفى (٢) والتي قد اُملكت ولم يُدخل بها تُجلد مئة وتُنفى» (٣) ورواية محمّد بن قيس عنه عليه السلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في البكر والبكرة إذا زنيا جلدَ مئة ونفيَ سنة في غير مصرهما ، وهما اللذان قد اُملكا ولم يدخل بها» (٤).

وهاتان الروايتان مع سلامة سندهما يشتملان على نفي المرأة وهو خلاف الإجماع على ما ادّعاه الشيخ (٥) كيف وفي طريق الاُولى «موسى بن بكر» وفي الثانية «محمّد بن قيس» وهو مشترك بين الثقة وغيره حيث يروي عن الباقر عليه السلام.

فالقول الأوّل أجود وإن كان الثاني أحوط من حيث بناء الحدّ على التخفيف.

(والجزّ : حلق الرأس) أجمع ، دون غيره كاللحية ، سواء في ذلك المربّي (٦) وغيره وإن انتفت الفائدة في غيره ظاهراً.

(والتغريب : نفيه عن مصره) بل مطلق وطنه (إلى آخَر) قريباً كان أم بعيداً بحسب ما يراه الإمام مع صدق اسم الغربة ، فإن كان غريباً غُرِّب إلى بلد آخر غير وطنه والبلد الذي غُرِّب منه (عاماً) هلاليّاً. فإن رجع إلى

__________________

(١) لم يرد في المخطوطات.

(٢) والرواية منقولة بحسب الظاهر عن التهذيب ولكن سقطت عبارة : «ومن لم يحصن يجلد مئة» قبل «ولا يُنفى».

(٣) التهذيب ١٠ : ٤ ، الحديث ١٢ ، والوسائل ١٨ : ٣٤٨ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٧ وذيله.

(٤) الوسائل ١٨ : ٣٤٧ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٢.

(٥) الخلاف ٥ : ٣٦٨ ، المسألة ٣.

(٦) أي الذي يربّي شعره ليطول.

٢٨٩

ما غُرِّب منه قبلَ إكماله اُعيد حتّى يكمل ، بانياً على ما سبق وإن طال الفصل.

(ولا جزّ على المرأة ولا تغريب) بل تُجلد مئة لا غير؛ لأصالة البراءة. وادّعى الشيخ عليه الإجماع (١) وكأ نّه لم يعتدّ بخلاف ابن أبي عقيل (٢) حيث أثبت التغريب عليها؛ للأخبار السابقة (٣) والمشهور أولى بحال المرأة وصيانتها ومنعها من الإتيان بمثل ما فعلت.

(وخامسها : خمسون جلدة) :

(وهي حدّ المملوك والمملوكة) البالغين العاقلين (وإن كانا متزوّجين. ولا جزّ ولا تغريب على أحدهما) إجماعاً؛ لقوله عليه السلام : «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها» (٤) وكان هذا كلّ الواجب ، ولا قائل بالفرق.

وربما استُدلّ بذلك على نفي التغريب على المرأة؛ لقوله تعالى : (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى اَلْمُحْصَنٰاتِ مِنَ اَلْعَذٰابِ) (٥) فلو ثبت التغريب على الحرّة لكان على الأمة نصفها.

(وسادسها : الحدّ المبعَّض) :

(وهو حدّ من تحرّر بعضه ، فإنّه يُحدّ من حدّ الأحرار) الذي لا يبلغ القتل (بقدر ما فيه من الحرّيّة) أي بنسبته إلى الرقّيّة (ومن حدّ العبيد بقدر

__________________

(١) الخلاف ٥ : ٣٦٨ ، المسألة ٣.

(٢) نسبه إليه في المختلف ٩ : ١٣٦.

(٣) وهما رواية زرارة ورواية محمّد بن قيس السابقتان.

(٤) السنن الكبرى ٨ : ٢٤٤.

(٥) سورة النساء : ٢٥.

٢٩٠

العبوديّة) فلو كان نصفه حرّاً حُدّ للزنا خمساً وسبعين جلدة : خمسين لنصيب الحرّيّة ، وخمساً وعشرين للرقّيّة. ولو اشتمل التقسيط على جزءٍ من سوط كما لو كان ثُلُثه رقّاً فوجب عليه ثلاثة وثمانون وثلث ، قُبض على ثلثي السوط وضُرب بثلثه ، وعلى هذا الحساب.

(وسابعها : الضِغث) :

بالكسر وأصله الحُزمة من الشيء ، والمراد هنا القبض على جملة من العيدان ونحوها (المشتمل على العدد) المعتبر في الحدّ وضَربه به دفعة واحدة مؤلمة بحيث يمسّه الجميع أو ينكبس بعضها على بعض فيناله ألمها ، ولو لم تسع اليد العدد أجمع ضُرب به مرّتين فصاعداً إلى أن يكمل. ولا يشترط وصول كلّ واحد من العدد إلى بدنه (وهو حدّ المريض مع عدم احتماله الضرب المتكرّر) متتالياً وإن احتمله في الأيّام متفرّقاً (واقتضاء المصلحة التعجيل).

ولو احتمل سياطاً خفافاً فهي أولى من الضِغث ، ولا يجب إعادته بعد بُرئه مطلقاً. والظاهر الاجتزاء في الضغث بمسمّى المضروب به مع حصول الألم به في الجملة وإن لم يحصل بآحاده. وقد رُوي : «أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله فعل ذلك في مريض زانٍ بعُرجون فيه مئة شمراخ (١) فضربه ضربة واحدة» (٢).

ولو اقتضت المصلحة تأخيره إلى أن يبرأ ثمّ يقيم عليه الحدّ تامّاً فعل. وعليه يحمل ما رُوي من تأخير أمير المؤمنين عليه السلام حدّ مريضٍ إلى أن يبرأ (٣).

__________________

(١) الشِمراخ : العنقود ، كعنقود العنب والتمر ، والمراد به هنا ما تقدّم في صدر البحث.

(٢) الوسائل ١٨ : ٣٢٢ ، الباب ١٣ من أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها العامّة ، الحديث ٧ ، نقلاً بالمضمون.

(٣) نفس المصدر ، الحديث ٤ و ٦.

٢٩١

(وثامنها : الجلد) المقدَّر (و) معه (عقوبة (*) زائدة) :

(وهو حدّ الزاني في شهر رمضان ليلاً أو نهاراً) وإن كان النهار أغلظ حرمةً وأقوى في زيادة العقوبة (أو غيره من الأزمنة الشريفة) كيوم الجمعة وعرفة والعيد (أو في مكان شريف) كالمسجد والحرم والمشاهد المشرَّفة (أو زنى بميّتة).

(ويرجع في الزيادة إلى) رأي (الحاكم) الذي يقيم الحدّ ، ولا فرق بين أن يكون مع الجلد رجم وغيره. ولو كان الزنا لا جلد فيه بل القتل عُوقِب قبلَه ـ لمكان المحترم ـ ما يراه. وهذا لا يدخل في العبارة.

(تتمّة) :

(لو شهد لها أربع) نساء (بالبكارة بعد شهادة الأربعة بالزنا) قُبُلاً (فالأقرب درء الحدّ) أي دفعه (عن الجميع) : المرأة والشهود بالزنا؛ لتعارض الشهادات ظاهراً ، فإنّه كما يمكن صدق النساء في البكارة يمكن صدق الرجال في الزنا ، وليس أحدهم أولى من الآخر ، فتحصل الشبهة الدارئة للحدّ عن المشهود عليه ، وكذا عن الشهود. ولإمكان عود البكارة(١).

وللشيخ قول بحدّ شهود الزنا؛ للفرية (٢) وهو بعيد.

نعم ، لو شهدن أنّ المرأة رتقاء أو ثبت أنّ الرجل مجبوب حُدّ الشهود؛

__________________

(*)في (ق) : الجلد عقوبةً.

(٢) كأنً هذه الفقرة استكمال لقوله : «يمكن صدق الراجال فى الزنا» فالواو استءناف لا عطف.

(٣) النهاية : ٣٣٢ ـ ٣٣٣.

٢٩٢

للقذف. مع احتمال السقوط في الأوّل للتعارض (١) ولو لم يقيّدوه بالقُبُل فلا تعارض.

(ويقيم الحاكم الحدّ) مطلقاً (بعلمه) سواء الإمام ونائبه ، وسواء علم بموجبه في زمن حكمه أم قبله ، لعموم قوله تعالى : (اَلزّٰانِيَةُ وَاَلزّٰانِي فَاجْلِدُوا (٢)) (وَاَلسّٰارِقُ وَاَلسّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا) (٣) ولأنّ العلم أقوى دلالة من الظنّ المستند إلى البيّنة ، وإذا جاز الحكم مع الظنّ جاز مع العلم بطريق أولى.

وخالف في ذلك ابن الجنيد (٤) وقد سبقه الإجماع (٥) ولحقه (٦) مع ضعف متمسّكه بأنّ «حكمه بعلمه تزكية لنفسه ، وتعريض لها للتهمة وسوء الظنّ به» فإنّ التزكية حاصلة بتولية الحكم ، والتهمة حاصلة في حكمه بالبيّنة والإقرار وإن اختلفت بالزيادة والنقصان ، ومثل هذا لا يلتفت إليه.

(وكذا) يحكم بعلمه في (حقوق الناس) لعين ما ذكر وعدم الفارق (إلّاأ نّه بعد مطالبتهم) به كما في حكمه لهم بالبيّنة والإقرار (حدّاً كان) ما يعلم بسببه (أو تعزيراً) لاشتراك الجميع في المقتضي.

(ولو وجد مع زوجته رجلاً يزني بها فله قتلهما) فيما بينه وبين اللّٰه تعالى (ولا إثم) عليه بذلك وإن كان استيفاء الحدّ في غيره منوطاً بالحاكم.

__________________

(١)في الفرق نظر من حيث التعارض وإن افترقا من وجه آخر. (منه رحمه الله).

(٢) النور : ٢.

(٣) المائدة : ٣٨.

(٤) نقله عنه في الانتصار : ٤٩٤ ، وانظر المختلف ٨ : ٣٨٤ و ٣٨٨.

(٥) الانتصار : ٤٨٨.

(٦) الخلاف ٦ : ٢٤٤ ، المسألة ٤١.

٢٩٣

هذا هو المشهور بين الأصحاب لا نعلم فيه (١) مخالفاً. وهو مرويّ أيضاً (٢) ولا فرق في الزوجة بين الدائم والمتمتّع بها ، ولا بين المدخول بها وغيرها ، ولا بين الحرّة والأمة ، ولا في الزاني بين المحصن وغيره؛ لإطلاق الإذن المتناول لجميع ذلك.

والظاهر اشتراط المعاينة على حدّ ما يعتبر في غيره (٣) ولا يتعدّى إلى غيرها وإن كان رحماً أو محرماً ، اقتصاراً فيما خالف الأصل على محلّ الوفاق.

وهذا الحكم بحسب الواقع كما ذكر (ولكن) في الظاهر (يجب) عليه (القود) مع إقراره بقتله أو قيام البيّنة به (إلّامع) إقامته (البيّنة) على دعواه (أو التصديق) من وليّ المقتول؛ لأصالة عدم استحقاقه القتل وعدم الفعل المدّعى.

وفي حديث سعد بن عبادة ـ المشهور ـ لمّا قيل له : لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً؟ قال : كنت أضربه بالسيف. فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله : «فكيف بالأربعة الشهود؟ إنّ اللّٰه تعالى جعل لكلّ شيء حدّاً ، وجعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّاً» (٤).

(ومن تزوّج بأمة على حرّة) مسلمة (ووطئها قبل الإذن) من الحرّة

__________________

(١) في (ع) و (ف) : به.

(٢) الوسائل ١٨ : ٤١٣ ، الباب ٤٥ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٢. نقله عن دروس الشهيد ٢ : ٤٨.

(٣) أي غير الزوج من شهود الزنا.

(٤) الوسائل ١٨ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ ، الباب ٢ من أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها العامّة ، الحديث الأوّل.

٢٩٤

وإجازتها عقدَ الأمة (فعليه ثمن حدّ الزاني) : اثنا عشر سوطاً ونصف ، بأن يقبض في النصف على نصفه. وقيل : أن يضربه ضرباً بين ضربين (١).

(ومن اقتضّ (٢) بكراً بإصبعه) فأزال بكارتها (لزمه مهر نسائها) وإن زاد عن مهر السنّة إن كانت حرّة ، صغيرة كانت أم كبيرة ، مسلمة أم كافرة (ولو كانت أمة فعليه عشر قيمتها) لمولاها على الأشهر ، وبه رواية في طريقها طلحة بن زيد (٣) ومن ثمّ قيل بوجوب الأرش (٤) وهو ما بين قيمتها بكراً وثيّباً؛ لأ نّه موجَب الجناية على مال الغير. وهذا الحكم (٥) في الباب عرضيّ ، والمناسب فيه الحكم بالتعزير؛ لإقدامه على المحرَّم.

وقد اختلف في تقديره فأطلقه جماعة (٦) وجعله بعضهم من ثلاثين إلى ثمانين (٧) وآخرون إلى تسعة وتسعين (٨) وفي صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السلام «في امرأة اقتضّت جارية بيدها قال : عليها المهر وتضرب الحدّ» (٩) وفي

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) في (ق) ونسخة (ش) من الشرح : افتضّ ـ بالفاء ـ.

(٣) الوسائل ١٨ : ٤١٠ ، الباب ٣٩ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٥.

(٤) قاله ابن إدريس في السرائر ٣ : ٤٤٩.

(٥) أي الحكم بمهر المثل وعشر القيمة في باب الحدود عرضيّ ، وموضعه كتاب النكاح.

(٦) منهم الصدوق في المقنع : ٤٣٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤١١ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٥٤.

(٧) مثل الشيخ المفيد في المقنعة : ٧٨٥ ، وسلّار في المراسم : ٢٥٧.

(٨) منهم الشيخ في النهاية : ٦٩٩ ، وابن إدريس في السرائر ٣ : ٤٤٩ ، والكيدري في إصباح الشيعة : ٥١٦.

(٩) الوسائل ١٨ : ٤٠٩ ، الباب ٣٩ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث الأوّل.

٢٩٥

صحيحته أيضاً : «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضى بذلك ، وقال : تُجلد ثمانين) (١).

(ومن أقرّ بحدّ ولم يبيّنه ضُرِب حتّى ينهى عن نفسه أو يبلغ المئة) والأصل فيه رواية محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضى في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ولم يسمّ أيَّ حدّ هو أن يُجلد حتّى يكون هو الذي ينهى عن نفسه الحدّ» (٢) وبمضمونها عمل الشيخ (٣) وجماعة (٤) وإنّما قيّده المصنّف بكونه لا يتجاوز المئة؛ لأنّها أكبر (٥) الحدود ، وهو حدّ الزنا.

وزاد ابن إدريس قيداً آخر ، وهو أنّه لا ينقص عن ثمانين ، نظراً إلى أنّ أقلّ الحدود حدّ الشرب (٦).

وفيه نظر؛ إذ حدّ القوّاد خمسة وسبعون. والمصنّف والعلّامة وجماعة لم يحدّوه في جانب القلّة ، كما اُطلق في الرواية؛ لجواز أن يريد بالحدّ التعزير ولا تقدير له قلّة.

ومع ضعف المستند (٧) في كلّ واحد من الأقوال نظر :

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٤٠٩ ، الباب ٣٩ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل ١٨ : ٣١٨ ، الباب ١١ من أبواب الحدود والتعزيرات ، وفيه حديث واحد ، مع اختلاف في العبارة.

(٣) النهاية : ٧٠٢ ـ ٧٠٣.

(٤) منهم القاضي في المهذّب ٢ : ٥٢٩ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٥٤ ، والعلّامة في المختلف ٩ : ١٥٦.

(٥) في (ش) : أكثر.

(٦) السرائر ٣ : ٤٥٥.

(٧) فإنّ الخبر ضعيف بمحمّد بن قيس ، راجع المسالك ١٠ : ٥٣٢.

٢٩٦

أمّا النقصان عن أقلّ الحدود : فلأ نّه وإن حُمل على التعزير ، إلّاأنّ تقديره للحاكم لا للمعزِّر ، فكيف يقتصر على ما يبيّنه؟ (١) ولو حُمل على تعزير مقدّر وجب تقييده بما لو وقف على أحد المقدّرات منه ، مع أنّ إطلاق «الحدّ» على «التعزير» خلاف الظاهر ، واللفظ إنّما يحمل على ظاهره؛ ومع ذلك فلو وقف على عدد لا يكون حدّاً ـ كما بين الثمانين والمئة ـ اُشكل قبوله منه؛ لأ نّه خلاف المشروع.

وكذا عدم تجاوز المئة ، فإنّه يمكن زيادة الحدّ عنها ، بأن يكون قد زنى في مكان شريف أو زمان شريف؛ ومع ذلك فتقدير الزيادة على هذا التقدير إلى الحاكم ، لا إليه.

ثمّ يشكل بلوغ الثمانين بالإقرار مرّة؛ لتوقّف حدّ الثمانين على الإقرار مرّتين. وأشكل منه بلوغ المئة بالمرّة والمرّتين.

(وهذا) وهو بلوغ المئة إنّما (يصحّ إذا تكرّر) الإقرار (أربعاً) كما هو مقتضى الإقرار بالزنا (وإلّا فلا يبلغ المئة).

وبالجملة ، فليس في المسألة فرض يتمّ مطلقاً؛ لأنّا إن حملنا الحدّ على ما يشمل التعزير لم يتّجه الرجوع إليه في المقدار ، إلّاأن يخصّه (٢) بمقدار تعزير من التعزيرات المقدّرة. وحينئذٍ يتّجه أنّه يُقبل بالمرّة ولا يبلغ الخمسة والخمسين ، وإن أقرّ مرّتين لم يتجاوز الثمانين ، وإن أقرّ أربعاً جاز الوصول إلى المئة وأمكن القول بالتجاوز؛ لما ذكر (٣).

__________________

(١) في (ش) و (ف) : ما بيّنه.

(٢) في (ر) : نخصّه.

(٣) كما إذا زنى في مكان أو زمان شريفين.

٢٩٧

مع أنّه في الجميع كما يمكن حمل المكرّر على التأكيد لحدّ واحد ، يمكن حمله على التأسيس ، فلا يتعيّن كونه حدَّ زنا أو غيره ، بل يجوز كونه تعزيرات متعدّدة أو حدوداً كذلك مبهمة ، ومن القواعد المشهورة : أنّ التأسيس أولى من التأكيد. فالحكم مطلقاً (١) مشكل. والمستند ضعيف.

ولو قيل بأ نّه مع الإقرار مرّة لا يبلغ الخمسة والسبعين في طرف الزيادة ، وفي طرف النقيصة يقتصر الحاكم على ما يراه ، كان حسناً.

(وفي التقبيل) المحرَّم (والمضاجعة) أي نوم الرجل مع المرأة (في إزار) أي ثوب (واحد) أو تحت لحاف واحد (التعزير بما دون الحدّ) لأنّه فعلُ محرَّمٍ لا يبلغ حدّ الزنا ، والمرجع في كمّيّة التعزير إلى رأي الحاكم.

والظاهر أنّ المراد بالحدّ الذي لا يبلغه هنا حدّ الزنا ، كما ينبّه عليه في بعض الأخبار : إنّهما يُضربان مئة سوط غير سوط (٢).

(وروى) الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام (٣) ورواه غيره (٤) أيضاً : أنّهما يُجلدان كلّ واحد (مئة جلدة) حدّ الزاني. وحُملت على ما إذا انضاف إلى ذلك وقوع الفعل ، جمعاً بين الأخبار.

(ولو حملت) المرأة (ولا بعل) لها ولا مولى ولم يُعلم وجهُه (لم تحدّ) لاحتمال كونه بوجه حلال أو شبهة (إلّاأن تقرّ أربعاً بالزنا) فتُحد لذلك ، لا للحمل.

__________________

(١) بالنسبة إلى جميع الأقوال. (هامش ر).

(٢) راجع الوسائل ١٨ : ٣٦٧ ، الباب ١٠ من أبواب حدّ الزنا ، الأحاديث ١٨ ـ ٢٠.

(٣) الوسائل ١٨ : ٣٦٣ ، الباب ١٠ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث الأوّل ، نقلاً بالمضمون.

(٤) المصدر السابق : ٣٦٨ ، الأحاديث ٢٢ ـ ٢٤ وغيرها من أحاديث الباب.

٢٩٨

(وتؤخّر) الزانية الحامل (حتّى تضع) الحمل ـ وإن كان من الزنا ـ وتسقيه اللِباء ، وترضعه إن لم يوجد له كافل ثمّ يقيم عليها الحدّ إن كان رجماً ، ولو كان جلداً فبعد أيّام النفاس إن أمن عليها التلف أو وُجد له مرضع ، وإلّا فبعده. ويكفي في تأخيره عنها دعواها الحمل ، لا مجرّد الاحتمال.

(ولو أقرّ) بما يوجب الحدّ (ثمّ أنكر سقط الحدّ إن كان ممّا يوجب الرجم ، ولا يسقط غيره) وهو الجلد وما يلحقه (١).

هذا إذا لم يجمع في موجب الرجم بينه وبين الجلد ، وإلّا ففي سقوط الحدّ مطلقاً بإنكاره ما يوجب الرجم نظر : من إطلاق سقوط الحدّ الشامل للأمرين ، ومن أنّ الجلد لا يسقط بالإنكار لو انفرد فكذا إذا انضمّ ، بل هنا أولى؛ لزيادة الذنب ، فلا يناسبه سقوط العقوبة مطلقاً مع ثبوت مثلها في الأخفّ.

والأقوى سقوط الرجم دون غيره.

وفي إلحاق ما يوجب القتل ـ كالزنا (٢) بذات محرم أو كُرهاً ـ قولان (٣) : من تشاركهما في المقتضي وهو الإنكار لما بُني على التخفيف ، ونظرُ الشارع إلى عصمة الدم وأخذه فيه بالاحتياط ، ومن عدم النصّ عليه ، وبطلانِ القياس.

(ولو أقرّ بحدّ ثمّ تاب تخيّر الإمام في إقامته) عليه والعفو عنه (رجماً كان) الحدّ (أو غيره) على المشهور؛ لاشتراك الجميع في المقتضي ، ولأنّ

__________________

(١) من الجزّ والتغريب.

(٢) في المخطوطات : كالزاني.

(٣) قولٌ بالإلحاق وسقوط الحدّ ، استقربه فخر المحقّقين في الإيضاح ٤ : ٤٧٣. وقولٌ بعدم الإلحاق وعدم سقوط الحدّ ، وهو للمحقّق في الشرائع ٤ : ١٥٢ ، والعلّامة في الإرشاد ٢ : ١٧١ ، وابن إدريس في السرائر ٤ : ٤٥٥.

٢٩٩

التوبة إذا اُسقطت تحتّم أشدّ العقوبتين ، فإسقاطها لتحتّم الاُخرى أولى.

ونبّه بالتسوية بينهما على خلاف ابن إدريس حيث خصّ التخيير بما إذا كان الحدّ رجماً ، وحتم إقامتَه لو كان جلداً ، محتجّاً بأصالة البقاء ، واستلزام التخيير تعطيل الحدّ المنهيّ عنه في غير موضع الوفاق (١).

وينبغي على قول ابن إدريس إلحاق ما يوجب القتل بالرجم؛ لتعليله بأ نّه يوجب تلف النفس ، بخلاف الجلد.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٤٤٤ ، وليس فيه الاستدلال بأصالة البقاء.

٣٠٠