الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-48-6
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٧٢

(كتاب الحدود)

(وفيه فصول) :

(الأوّل) (في) حدّ (الزنا)

بالقصر لغة حجازيّة ، وبالمدّ تميميّة (وهو) أي الزنا (إيلاج) أي إدخال الذكر (البالغ العاقل في فرج امرأة) بل مطلق الاُنثى قبلاً أو دُبراً (محرّمة) عليه (من غير عقد) نكاح بينهما (ولا ملك) من الفاعل للقابل (ولا شبهةٍ) موجبة لاعتقاد الحلّ (قدرَ الحشفة) مفعول المصدر المصدَّر به (١) ويتحقّق قدرها بإيلاجها نفسها ، أو إيلاج قدرها من مقطوعها ـ وإن كان تناولها للأوّل لا يخلو من تكلّف ـ في حالة كون المولج (عالماً) بالتحريم (مختاراً) في الفعل.

__________________

(١) يعني «إيلاج» في قول الماتن.

٢٦١

فهنا قيود :

أحدها : الإيلاج ، فلا يتحقّق الزنا بدونه ، كالتفخيذ وغيره ، وإن كان محرّماً يوجب التعزير.

وثانيها : كونه من البالغ ، فلو أولج الصبي اُدِّب خاصّةً.

وثالثها : كونه عاقلاً ، فلا يُحدّ المجنون على الأقوى؛ لارتفاع القلم عنه. ويستفاد من إطلاقه عدم الفرق بين الحرّ والعبد ، وهو كذلك وإن افترقا في كمّيّة الحدّ وكيفيّته.

ورابعها : كون الإيلاج في فرجها ، فلا عبرة بإيلاجه في غيره من المنافذ وإن حصل به الشهوة والإنزال. والمراد بالفرج العورة ، كما نصّ عليه الجوهري (١) فيشمل القُبُل والدُبُر ، وإن كان إطلاقه على القُبُل أغلب.

وخامسها : كونها امرأةً وهي البالغة تسع سنين؛ لأنّها تأنيث «المرء» وهو الرجل. ولا فرق فيها بين العاقلة والمجنونة ، الحرّة والأمة ، الحيّة والميّتة ، وإن كان (٢) الميّتة أغلظ كما سيأتي (٣) وخرج بها إيلاجه في دُبُر الذكر ، فإنّه لا يُعدّ زناً وإن كان أفحش وأغلظ عقوبةً.

وسادسها : كونها محرّمة عليه ، فلو كانت حليلة بزوجيّة أو ملك لم يتحقّق الزنا. وشملت «المحرّمة» الأجنبيّةَ المحصنةَ ، والخاليةَ من بعل ، ومحارمَه ، وزوجتَه الحائض ، والمظاهَرَة ، والمُولى منها ، والمُحرِمةَ وغيرَها ، وأمته المزوّجة ، والمعتدّة ، والحائض ونحوَها. وسيخرج بعض هذه المحرَّمات.

__________________

(١) الصحاح ١ : ٣٣٣ ، (فرج).

(٢) في (ف) : كانت.

(٣) يأتي في الصفحة ٣٨١.

٢٦٢

وسابعها : كونها غير معقود عليها ، ولا مملوكة ، ولا مأتيّة بشبهة. وبه يخرج وطء الزوجة المحرّمة لعارض ممّا ذكر ، وكذا الأمة ، فلا يترتّب عليه (١) الحدّ وإن حرم ، ولهذا احتيج إلى ذكره بعد «المحرّمة» إذ لولاه لزم كونه زناً يوجب الحدّ وإن كان بالثاني (٢) يستغنى عن الأوّل (٣) إلّاأنّ بذلك لا يستدرك القيد ، لتحقّق الفائدة مع سبقه.

والمراد بالعقد : ما يشمل الدائم والمنقطع. وبالملك : ما يشمل العين والمنفعة كالتحليل. وبالشبهة : ما أوجب ظنّ الإباحة ، لا ما لولا المحرّميّة لحُلّلت ، كما زعمه بعض العامّة (٤).

وثامنها : كون الإيلاج بقدر الحشفة فما زاد ، فلو أولج دون ذلك لم يتحقّق الزنا كما لا يتحقّق الوطء؛ لتلازمهما هنا (٥) فإن كانت الحشفة صحيحة اعتبر مجموعها ، وإن كانت مقطوعة أو بعضها اعتبر إيلاج قدرها ولو ملفّقاً منها ومن الباقي. وهذا الفرد أظهر في القدريّة منها نفسها.

وتاسعها : كونه عالماً بتحريم الفعل ، فلو جهل التحريم ابتداءً لقرب عهده بالدين ، أو لشبهة ـ كما لو أحلّته نفسَها فتوهّم الحلّ مع إمكانه في حقّه ـ لم يكن زانياً ، ويمكن الغنى عن هذا القيد بما سبق؛ لأنّ مرجعه إلى طروء شبهة ، وقد تقدّم اعتبار نفيها.

__________________

(١) في (ع) : عليها.

(٢) المراد الثاني بالنسبة إلى المتن ، وهو سابع الشرح.

(٣) أي سادس الشرح.

(٤) وهو أبو حنيفة والثوري ، انظر المغني والشرح الكبير ١٠ : ١٥٢ و ١٨٦ ، والفتاوى الهنديّة ٢ : ١٤٧ ـ ١٤٨.

(٥) في باب الحدود.

٢٦٣

والفرق بأنّ الشبهة السابقة تجامع العلم بتحريم الزنا ـ كما لو وجد امرأة على فراشه فاعتقدها زوجته مع علمه بتحريم وطء الأجنبيّة ـ وهنا لا يعلم أصل تحريم الزنا غير كافٍ في الجمع بينهما مع إمكان إطلاق «الشبهة» على ما يعمّ الجاهل بالتحريم.

وعاشرها : كونه مختاراً ، فلو اُكره على الزنا لم يحدّ على أصحّ القولين في الفاعل (١) وإجماعاً في القابل. ويتحقّق الإكراه بتوعّد القادر المظنون فِعل ما توعّد به لو لم يفعل بما يتضرّر به في نفسه أو من يجري مجراه ، كما سبق تحقيقه في باب الطلاق (٢).

فهذه جملة قيود التعريف. ومع ذلك فيرد عليه اُمور :

الأوّل : أنّه لم يقيّد المُولج بكونه ذكراً ، فيدخل فيه إيلاج الخنثى قدر حشفته ... ، مع أنّ الزنا لا يتحقّق فيه بذلك؛ لاحتمال زيادته ، كما لا يتحقّق به الغسل ، فلا بدّ من التقييد بالذكر ليخرج الخنثى.

الثاني : اعتبار بلوغه وعقله إنّما يتمّ في تحقّق زنا الفاعل ، أمّا في زنا المرأة فلا ، خصوصاً العقل ، ولهذا يجب عليها الحدّ بوطئهما لها وإن كان في وطء الصبيّ يجب عليها الجلد خاصّة ، لكنّه حدّ في الجملة ، بل هو الحدّ المنصوص في القرآن الكريم (٣).

الثالث : اعتبار كون الموطوءة امرأة ، وهي كما عرفت مؤنّث الرجل ،

__________________

(١) ذهب إليه العلّامة في التحرير ٥ : ٣٠٤ ، والصيمري في غاية المرام ٤ : ٣١٢. والقول الثاني : لابن زهرة في الغنية : ٤٢٤ ، والكيدري في إصباح الشيعة : ٥١٤.

(٢) راجع الجزء الثالث : ٣٥١.

(٣) النور : ٢ ، (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ).

٢٦٤

وهذا إنّما يعتبر في تحقّق زناها. أمّا زنا الفاعل فيتحقّق بوطء الصغيرة كالكبيرة وإن لم يجب به الرجم لو كان محصناً ، فإنّ ذلك لا ينافي كونه زناً يوجب الحدّ كالسابق.

الرابع : إيلاج قدر الحشفة أعمّ من كونه من الذكر وغيره ، لتحقّق المقدار فيهما ، والمقصود هو الأوّل ، فلا بدّ من ذكر ما يدلّ عليه ، بأن يقول : (قدر الحشفة من الذكر) ونحوه. إلّاأن يُدّعى : أنّ المتبادر هو ذلك. وهو محلّ نظر.

الخامس : الجمع بين العلم وانتفاء الشبهة غير جيّد في التعريف كما سبق ، إلّا أن يخصّص «العالم» بفرد خاصّ ، كالقاصد ونحوه.

السادس : يخرج زنا المرأة العالمة بغير العالم كما لو جلست على فراشه متعمّدة قاصدة للزنا مع جهله بالحال ، فإنّه يتحقّق من طرفها وإن انتفى عنه. ومثله ما لو أكرهته.

ولو قيل : إنّ التعريف لزنا الفاعل خاصّة سلم من كثير ممّا ذكر ، لكن يبقى فيه الإخلال بما يتحقّق به زناها.

وحيث اعتبر في الزنا انتفاء الشبهة (فلو تزوّج الاُمّ (١)) أي اُمَّ المتزوّج (أو المحصنة) المتزوّجة بغيره (ظانّاً الحلّ) لقرب عهده من المجوسيّة ونحوها من الكفر ، أو سكناه في بادية بعيدة عن أحكام الدين (فلا حدّ) عليه للشبهة ، والحدود تدرأ بالشبهات (٢).

(ولا يكفي) في تحقّق الشبهة الدارئة للحدّ (العقد) على المحرَّمة

__________________

(١) في (ق) : الأمة ، وفي (س) : لاُمّه ، وفي هامشها : للاُمّ خ ل.

(٢) الوسائل ١٨ : ٣٣٦ ، الباب ٢٤ من أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها العامّة ، الحديث ٤. نقلاً بالمضمون.

٢٦٥

(بمجرّده) من غير أن يظنّ الحلّ إجماعاً منّا؛ لانتفاء معنى الشبهة حينئذٍ. ونبّه بذلك على خلاف أبي حنيفة (١) حيث اكتفى به في درء الحدّ ، وهو الموجب لتخصيصه البحث عن قيد الشبهة ، دون غيرها من قيود التعريف.

(ويتحقّق الإكراه) على الزنا (في الرجل) على أصحّ القولين (٢) (فيدرأ الحدّ عنه) به (كما يدرأ عن المرأة بالإكراه) لها؛ لاشتراكهما في المعنى الموجب لرفع الحكم ، ولاستلزام عدمه في حقّه التكليف بما لا يطاق.

وربما قيل (٣) بعدم تحقّقه في حقّه ، بناءً على أنّ الشهوة غير مقدورة وأنّ الخوف يمنع من انتشار العضو وانبعاث القوّة.

ويضعَّف بأنّ القدر الموجب للزنا وهو تغيّب (٤) الحشفة غير متوقّف على ذلك كلّه غالباً لو سلّم توقّفه على الاختيار ، ومنع الخوف منه.

(ويثبت الزنا) في طرف الرجل والمرأة (بالإقرار) به (أربع مرّات مع كمال المقرّ) ببلوغه وعقله (واختياره وحرّيّته ، أو تصديق المولى) له فيما أقرّ به؛ لأنّ المانع من نفوذه كونه إقراراً في حقّ المولى. وفي حكم تصديقه انعتاقه ، لزوال المانع من نفوذه.

ولا فرق في الصبيّ بين المراهق وغيره في نفي الحدّ عنه بالإقرار. نعم يؤدَّب ، لكذبه أو صدور الفعل عنه؛ لامتناع خلوّه منهما.

ولا في المجنون بين المطبق ومن يعتوره أدواراً إذا وقع الإقرار حالةَ الجنون. نعم لو أقرّ حالَ كماله حُكم عليه.

__________________

(١) المشار إليه في الهامش رقم ٤ الصفحة ٢٦٣.

(٢) و (٣) تقدّم تخريج القولين في الصفحة ٢٦٤ ، الهامش رقم ١.

(٣)

(٤) في (ع) : تغييب.

٢٦٦

ولا فرق في المملوك بين القنّ والمدبَّر والمكاتب بقسميه وإن تحرّر بعضه ، ومطلق المبعّض واُمّ الولد.

وكذا لا فرق في غير المختار بين من اُلجئ إليه بالتوعّد ، وبين من ضرب حتّى ارتفع قصده.

ومقتضى إطلاق اشتراط ذلك : عدم اشتراط تعدّد مجالس الإقرار بحسب تعدّده. وهو أصحّ القولين (١) للأصل ، وقول الصادق عليه السلام في خبر جميل : «ولا يرجم الزاني حتّى يقرّ أربع مرّات» (٢) من غير شرط التعدّد. فلو اشترط لزم (٣) تأخّر البيان.

وقيل : يعتبر كونه في أربعة مجالس (٤) لظاهر خبر ماعز بن مالك الأنصاري ، حيث أتى النبيّ صلى الله عليه وآله في أربعة مواضع والنبيّ صلى الله عليه وآله يردّده ويوقف عزمه بقوله : «لعلّك قبّلت ، أو غمزت ، أو نظرت ...» الحديث (٥).

وفيه : أنّه لا يدلّ على الاشتراط وإنّما وقعت المجالس اتّفاقاً. والغرض من

__________________

(١) ذهب إليه المحقّق في المختصر النافع : ٢١٤ ، والعلّامة في المختلف ٩ : ١٥٨ ، والقواعد ٣ : ٥٢٣ ، وهو ظاهر إطلاق المفيد في المقنعة : ٧٧٥ ، والشيخ في النهاية : ٦٨٩ ، وأتباعهما مثل القاضي في المهذّب ٢ : ٥٢٤ ، والحلبي في الكافي : ٤٠٤ ، وانظر للتفصيل غاية المراد ٤ : ١٨٧.

(٢) الوسائل ١٨ : ٣٨٠ ، الباب ١٦ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٣.

(٣) لم يرد في المخطوطات.

(٤) قاله الشيخ في الخلاف ٥ : ٣٧٧ ، المسألة ١٦ ، والمبسوط ٨ : ٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤١٠ ، والراوندي في فقه القرآن ٢ : ٣٧٠ ـ ٣٧١.

(٥) اُنظر السنن الكبرى ٨ : ٢٢٦ ، وعوالي اللآلئ ٣ : ٥٥١ ، الحديث ٢٤ مع اختلاف يسير في العوالي.

٢٦٧

تأخيره إتيانه (١) بالعدد المعتبر.

(ويكفي) في الإقرار به (إشارة الأخرس) المفهمة يقيناً كغيره ، ويعتبر تعدّدها أربعاً كاللفظ بطريق أولى. ولو لم يفهمها الحاكم اعتبر المترجم ، ويكفي اثنان؛ لأنّهما شاهدان على إقرار ، لا على زنا.

(ولو نسب) المقرّ (الزنا إلى امرأة) معيّنة كأن يقول : زنيت بفلانة (أو نسبته) المرأة المقرّة به (إلى رجل) معيّن بأن تقول : زنيت بفلان (وجب) على المقرّ (حدّ القذف) لمن نسبه إليه (بأوّل مرّة) لأنّه قذف صريح ، وإيجابه الحدّ لا يتوقّف على تعدّده.

(ولا يجب) على المقرّ (حدّ الزنا) الذي أقرّ به (إلّابأربع مرّات) كما لو لم ينسبه إلى معيّن. وهذا موضع وفاق ، إنّما الخلاف في الأوّل (٢).

ووجه ثبوته ما ذكر ، فإنّه قد رمى المحصنة ـ أي غير المشهورة بالزنا ـ لأنّه المفروض. ومن أنّه إنّما نسبه إلى نفسه بقوله : «زنيت» وزناه ليس مستلزماً لزناها؛ لجواز الاشتباه عليها أو الإكراه ، كما يحتمل المطاوعة وعدم الشبهة ، والعامّ لا يستلزم الخاصّ.

وهذا هو الذي اختاره المصنّف في الشرح (٣) وهو متّجه ، إلّاأنّ الأوّل أقوى.

__________________

(١) في (ف) : إثباته.

(٢) ذهب الشيخ في النهاية : ٦٩٨ و ٧٢٧ وابن فهد في المهذّب البارع ٥ : ٥١ إلى ثبوت حدّ القذف ، ونسب ابن فهد ذلك إلى المذهب والأصحاب ، وتردّد فيه المحقّق في الشرائع ٤ : ١٥٢ ، والمختصر النافع : ٢١٧ ، واستشكل فيه العلّامة في القواعد ٣ : ٥٢٣ ، والإرشاد ٢ : ١٧١ ، ولم نعثر على النافي بتّاً. نعم ، نسبه الشارح في ما سيأتي إلى المصنّف في الشرح.

(٣) اُنظر غاية المراد ٤ : ١٨٨ ، وفيه بعد بيان وجه عدم القذف قال : وفيه قوّة.

٢٦٨

إلّا أن يدّعي ما يوجب انتفاءه عنها كالإكراه والشبهة ، عملاً بالعموم (١).

ومثله القول في المرأة ، وقد رُوي عن عليّ عليه السلام قال : (إذا سألت الفاجرة من فجر بك؟ فقالت : فلان ، جلدتها حدّين : حدّاً للفجور ، وحدّاً لفريتها على الرجل المسلم) (٢). (و) كذا يثبت الزنا (بالبيّنة كما سلف) في الشهادات من التفصيل (٣).

(ولو شهد) به (أقلّ من النصاب) المعتبر فيه وهو أربعة رجال ، أو ثلاثة وامرأتان أو رجلان وأربع نسوة وإن ثبت بالأخير الجلد خاصّة (حُدّوا) أي من شهد وإن كان واحداً (للفرية) وهي الكذبة العظيمة؛ لأنّ اللّٰه تعالى سمّى مَن قذف ولم يأتِ بتمام الشهداء كاذباً (٤) فيلزمه كذب من نسبه وجزم به من غير أن يكون الشهداء كاملين وإن كان صادقاً في نفس الأمر. والمراد أنّهم يُحَدّون للقذف.

(ويشترط) في قبول الشهادة به (ذكر المشاهدة) للإيلاج (كالميل في المُكحُلة) فلا يكفي الشهادة بالزنا مطلقاً ، وقد تقدّم في حديث ماعز ما ينبّه عليه.

وروى أبو بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : «لا يُرجم الرجل والمرأة

__________________

(١) عموم الآية الكريمة (وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً) سورة النور : ٤.

(٢) الوسائل ١٨ : ٤١١ ، الباب ٤١ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٢.

(٣) تقدّم في الجزء الثاني : ١٢٣.

(٤) سمّاه بذلك في قوله تعالى (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدٰاءِ فَأُولٰئِكَ عِنْدَ اَللّٰهِ هُمُ اَلْكٰاذِبُونَ) سورة النور : ١٣.

٢٦٩

حتّى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والإيلاج والإدخال كالميل في المُكحُلة» (١).

وفي صحيحة الحلبي عنه قال : «حدّ الرجم أن يشهد أربعة أنّهم رأوه يُدخل ويُخرج» (٢).

وكذا لا يكفي دعوى المعاينة حتّى يضمّوا إليها قولهم : «من غير عقد ولا شبهة» إلى آخر ما يعتبر. نعم ، تكفي شهادتهم به (من غير علم بسبب التحليل) بناءً على أصالة عدمه (فلو لم يذكروا) في شهادتهم (المعاينة) على الوجه المتقدّم (حُدّوا) للقذف ، دون المشهود عليه ، وكذا لو شهدوا بها ولم يُكملوها بقولهم : ولا نعلم سبب التحليل ونحوه.

(ولا بدّ) مع ذلك (من اتّفاقهم على الفعل الواحد في الزمان الواحد والمكان الواحد ، فلو اختلفوا) في أحدها ، بأن شهد بعضهم على وجه مخصوص والباقون على غيره ، أو شهد بعضهم بالزنا غدوةً والآخرون عشيّة ، أو بعضهم في زاوية مخصوصة أو بيت والآخرون في غيره (حدّوا للقذف).

وظاهر كلام المصنّف وغيره (٣) : أنّه لا بدّ من ذكر الثلاثة في الشهادة والاتّفاق عليها ، فلو أطلقوا أو بعضهم حُدّوا وإن لم يتحقّق الاختلاف ، مع احتمال الاكتفاء بالإطلاق؛ لإطلاق الأخبار السابقة (٤) وغيرها (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٣٧١ ، الباب ١٢ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٤.

(٢) نفس المصدر ، الحديث الأوّل. وفيه : «أن يشهد أربع».

(٣) مثل المحقّق في الشرائع ٤ : ١٥٣ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٥٢٤ ، والإرشاد ٢ : ١٧٢.

(٤) اُنظر الوسائل ١٨ : ٣٧١ ، الباب ١٢ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ١ و ٤.

(٥) نفس المصدر ، سائر أحاديث الباب.

٢٧٠

واشتراط عدم الاختلاف حيث يقيّدون بأحد الثلاثة.

وكذا يشترط اجتماعهم حال إقامتها دفعة ، بمعنى أن لا يحصل بين الشهادات تراخٍ عرفاً ، لا بمعنى تلفّظهم بها دفعة وإن كان جائزاً.

(ولو أقام بعضهم الشهادة في غيبة الباقي حُدّوا ولم يُرتقب الإتمام) لأنّه لا تأخير في حدٍّ. وقد رُوي عن عليّ عليه السلام في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا فقال عليّ عليه السلام : «أين الرابع»؟ فقالوا : الآن يجيء ، فقال عليه السلام : «حُدُّوهم فليس في الحدود نظر ساعة» (١).

وهل يشترط حضورهم في مجلس الحكم دفعة قبل اجتماعهم على الإقامة؟ قولان ، اختار أوّلهما العلّامة في القواعد (٢) وثانيهما في التحرير (٣) وهو الأجود؛ لتحقّق الشهادة المتّفقة وعدم ظهور المنافي ، مع الشكّ في اشتراط الحضور دفعةً ، والنصّ لا يدلّ على أزيد من اعتبار عدم تراخي الشهادات.

ويتفرّع عليهما ما لو تلاحقوا واتّصلت شهادتهم بحيث لم يحصل التأخير ، فعلى الأوّل يحدّوا (٤) هنا بطريق أولى. وعلى الثاني يحتمل القبول وعدمه ، نظراً إلى فقد شرط الاجتماع حالة الإقامة دفعةً ، وانتفاء العلّة الموجبة للاجتماع ، وهي تأخير حدّ القاذف فإنّه لم يتحقّق هنا.

وحيث يُحدّ الشاهد (٥) أوّلاً قبل حضور أصحابه إمّا مطلقاً أو مع التراخي

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٣٧٢ ، الباب ١٢ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٨.

(٢) القواعد ٣ : ٥٢٥.

(٣) التحرير ٥ : ٣٠٩ ـ ٣١٠.

(٤) في هامش (ش) : كذا في جميع النسخ ، والظاهر أنّه لا وجه لحذف النون.

(٥) في (ش) : الشهود.

٢٧١

(فإن جاء الآخرون) بعد ذلك (وشهدوا حُدّوا أيضاً) لفقد شرط القبول في المتأخّر كالسابق.

(ولا يقدح تقادم الزنا) المشهود به (في صحّة الشهادة) للأصل. وما رُوي في بعض الأخبار : من أنّه (متى زاد عن ستّة أشهر لا يسمع) (١) شاذّ.

(ولا يسقط) الحدّ ولا الشهادة (بتصديق الزاني الشهود ولا بتكذيبهم) أمّا مع التصديق فظاهر. وأمّا مع التكذيب؛ فلأنّ تكذيب المشهود عليه لو أثّر لزم تعطّل الأحكام.

(والتوبة قبل قيام البيّنة) على الزاني (تسقط الحدّ) عنه جلداً كان أم رجماً على المشهور (٢) لاشتراكهما في المقتضي للإسقاط (لا) إذا تاب (بعدها) فإنّه لا يسقط على المشهور؛ للأصل. وقيل : يتخيّر الإمام في العفو عنه والإقامة (٣).

ولو كانت التوبة قبل الإقرار فأولى بالسقوط ، وبعده يتخيّر الإمام في إقامته. وسيأتي.

(ويسقط) الحدّ (بدعوى الجهالة) بالتحريم (أو الشبهة) بأن قال : ظننت أنّها حلّت بإجارتها نفسها أو تحليلها ، أو نحو ذلك (مع

__________________

(١) لم نعثر عليه. نعم ، ورد في مرسلة ابن أبي عمير ما يلي : قلت : فإن كان امرأً غريباً لم تُقَم؟ قال : لو كان خمسة أشهر أو أقلّ وقد ظهر منه أمر جميل لم تقم عليه الحدود. الوسائل ١٨ : ٣٢٧ ، الباب ١٦ من أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها العامّة ، الحديث ٣. نعم ، أشار المحقّق إلى ذلك الخبر في الشرائع ٤ : ١٥٣.

(٢) لم نقف على مستند هذه الأحكام ، لكنّها مشهورة. (منه رحمه الله).

(٣) قاله المفيد في المقنعة : ٧٧٧ ، والحلبي في الكافي : ٤٠٧.

٢٧٢

إمكانهما) أي الجهالة والشبهة (في حقّه). فلو كان ممّن لا يحتمل جهله بمثل ذلك لم يسمع.

(وإذا ثبت الزنا على الوجه المذكور وجب الحدّ) على الزاني.

(وهو أقسام ثمانية)

(أحدها : القتل)

(وهو للزاني بالمحرم) النَسَبي من النساء (كالاُمّ والاُخت) والعمّة والخالة وبنت الأخ والاُخت. أمّا غيره من المحارم بالمصاهرة ـ كبنت الزوجة واُمّها ـ فكغيرهنّ من الأجانب على ما يظهر من الفتاوى. والأخبار (١) خالية من تخصيص النسبي ، بل الحكم فيها معلّق على ذات المحرم مطلقاً.

أمّا من حرمت بالملاعنة والطلاق (٢) واُخت الموقَب وبنته واُمّه فلا وإن حرمن مؤبَّداً.

وفي إلحاق المحرَّم للرضاع بالنسب وجه ، مأخذه إلحاقه به في كثير من الأحكام للخبر (٣) لكن لم نقف على قائل به (٤) والأخبار تتناوله.

وفي إلحاق زوجة الأب والابن وموطوءة الأب بالملك بالمحرّم النسبي

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٣٨٥ ، الباب ١٩ من أبواب حدّ الزنا.

(٢) أي الطلاق التاسع؛ فإنّ الكلام في المحرّمة مؤبَّداً.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٨٠ ـ ٢٨٢ ، الباب الأوّل من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(٤) قاله الشيخ في المبسوط ٨ : ٨ ، والخلاف ٥ : ٣٨٦ ، المسألة ٢٩ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٤٩ ، راجع الجواهر ٤١ : ٣١٢.

٢٧٣

قولان (١) : من دخولهنّ في ذات المحرم ، وأصالة العدم.

ولا يخفى أنّ إلحاقهن بالمحرَم دون غيرهنّ من المحارم بالمصاهرة تحكُّم.

نعم ، يمكن أن يقال : دلّت النصوص (٢) على ثبوت الحكم في ذات المَحرم مطلقاً فيتناولهنّ. وخروج غيرهنّ بدليل آخر كالإجماع لا ينفي الحكم فيهنّ مع ثبوت الخلاف. لكن يبقى الكلام في تحقّق الإجماع في غيرهنّ.

(و) كذا يثبت الحدّ بالقتل (للذمّي إذا زنا بمسلمة) مطاوعة أو مُكرَهة عاقداً عليها أم لا. نعم ، لو اعتقده حلالاً بذلك لجهله بحكم الإسلام احتمل قبول عذره؛ لأنّ الحدّ يُدرأ بالشبهة ، وعدمه؛ للعموم (٣) ولا يسقط عنه القتل بإسلامه.

(والزاني مكرهاً للمرأة) والحكم في الأخبار (٤) والفتوى (٥) معلَّق على المرأة وهي ـ كما سلف ـ لا تتناول الصغيرة. ففي إلحاقها بها هنا نظر : من فقد النصّ وأصالة العدم ، ومن أنّ الفعل أفحش والتحريم فيها أقوى.

(ولا يعتبر الإحصان هنا) في المواضع الثلاثة؛ لإطلاق النصوص بقتله.

__________________

(١) ألحق الشيخ في النهاية : ٦٩٣ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ٢ : ٥١٩ زوجة الأب بالمحرم ، وألحق ابن حمزة في الوسيلة : ٤١٠ زوجة الأب وجاريته التي وطئها ، كما ألحق ابن إدريس في السرائر ٣ : ٤٣٨ زوجة الأب والابن وزاد على القتل الحدّ ، وذهب المفيد في المقنعة : ٧٨١ إلى أنّ من زنى بجارية أبيه جلد الحدّ. ولم نظفر على تصريح آخر بعدم لحوق المذكورات بالمحرم النسبي.

(٢) راجع الهامش رقم ١ في الصفحة السابقة.

(٣) أي عموم أخبار قتل الذمّي إذا زنى بمسلمة. الوسائل ١٨ : ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، الباب ٣٦ من أبواب حدّ الزنا ، وفيه حديثان.

(٤) الوسائل ١٨ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، الباب ١٧ من أبواب حدّ الزنا.

(٥) كما في المقنعة : ٧٧٨ ، والنهاية : ٦٩٣ ، والقواعد ٣ : ٥٢٦ ، والشرائع ٤ : ١٥٤.

٢٧٤

وكذا لا فرق بين الشيخ والشابّ ، ولا بين المسلم والكافر ، والحرّ والعبد. ولا تُلحق به المرأة لو أكرهته؛ للأصل مع احتماله.

(ويجمع له) أي للزاني في هذه الصور (بين الجلد ثمّ القتل على الأقوى) جمعاً بين الأدلّة ، فإنّ الآية دلّت على جلد مطلق الزاني (١) والروايات دلّت على قتل من ذُكر ، ولا منافاة بينهما ، فيجب الجمع.

وقال ابن إدريس : إنّ هؤلاء إن كانوا محصَنين جُلدوا ثمّ رُجموا ، وإن كانوا غير محصَنين جُلدوا ثمّ قُتِلوا بغير الرجم جمعاً بين الأدلّة (٢).

وفي تحقّق الجمع بذلك مطلقاً نظر؛ لأنّ النصوص دلّت على قتله بالسيف. والرجم يغايره. إلّاأن يقال : إنّ الرجم أعظم عقوبة ، والفعل هنا في الثلاثة أفحش ، فإذا ثبت الأقوى للزاني المحصَن بغير من ذكر ، ففيه أولى ، مع صدق أصل (٣) القتل به. وما اختاره المصنّف أوضح في الجمع.

(وثانيها : الرجم) :

(ويجب على المحصَن) بفتح الصاد (إذا زنى ببالغة عاقلة) حرّةً كانت أم أمة مسلمة أم كافرة (والإحصان : إصابة البالغ العاقل الحرّ فرجاً (٤)) أي قُبُلاً (مملوكاً) له (بالعقد الدائم أو الرقّ) متمكّناً بعد ذلك منه ، بحيث (يغدو عليه ويروح) أي يتمكّن منه أوّل النهار وآخره (إصابة معلومة) بحيث غابت الحشفة أو قدرها في القبل.

__________________

(١) النور : ٢.

(٢) السرائر ٣ : ٤٣٨.

(٣) في (ع) : الأصل.

(٤) في (ق) و (س) زيادة : قُبُلاً. وستأتي من الشارح قدس سره الإشارة إليها.

٢٧٥

(فلو أنكر) من يملك الفرج على الوجه المذكور (وطء زوجته صُدّق) بغير يمين (وإن كان له منها ولد؛ لأنّ الولد قد يُخلق (١) من استرسال المنيّ) بغير وطء ، فهذه قيود ثمانية :

أحدها : الإصابة ، أي الوطء قُبُلاً على وجه يوجب الغسل ، فلا يكفي مجرّد العقد ، ولا الخلوة التامّة ، ولا إصابة الدبر ، ولا ما بين الفخذين ، ولا في القُبُل على وجه لا يوجب الغسل. ولا يُشترط الإنزال ولا سلامة الخصيتين (٢) فيتحقّق من الخصيّ ونحوه ، لا من المجبوب وإن ساحق.

وثانيها : أن يكون الواطئ بالغاً ، فلو أولج الصبيّ حتّى غيّب مقدار الحشفة لم يكن محصَناً وإن كان مراهقاً.

وثالثها : أن يكون عاقلاً ، فلو وطئ مجنوناً وإن عقد عاقلاً لم يتحقّق الإحصان ويتحقّق بوطئه عاقلاً وإن تجدّد جنونه.

ورابعها : الحرّيّة ، فلو وطئ العبد زوجته حرّة وأمة لم يكن محصَناً وإن عُتِق ما لم يطأ بعده. ولا فرق بين القِنّ والمدبَّر والمكاتب بقسميه والمبعَّض.

وخامسها : أن يكون الوطء بفرج ، فلا يكفي الدُبُر ، ولا التفخيذ ونحوه ، كما سلف. وفي دلالة (الفرج) و (الإصابة) على ذلك نظر ، لما تقدّم من أنّ الفرج يُطلق لغةً على ما يشمل الدُبُر وقد أطلقه عليه (٣) فتخصيصه هنا مع الإطلاق وإن دلّ عليه العرف ليس بجيّد.

وفي بعض نسخ الكتاب زيادة قوله : (قُبُلاً) بعد قوله : (فرجاً) وهو تقييد

__________________

(١) في (ع) ونسخة (ف) : يلحق.

(٢) في (ع) : الخصيين.

(٣) تقدّم في القيد الرابع.

٢٧٦

لما اُطلق منه ، ومعه يوافق ما سلف (١).

وسادسها : كونه مملوكاً له بالعقد الدائم أو ملك اليمين ، فلا يتحقّق بوطء الزنا ولا الشبهة وإن كانت بعقد فاسد ، ولا المتعة.

وفي إلحاق التحليل بملك اليمين وجه؛ لدخوله فيه من حيث الحلّ ، وإلّا لبطل الحصر المستفاد من الآية (٢) ولم أقف فيه هنا على شيء.

وسابعها : كونه متمكّناً منه غدوّاً ورواحاً ، فلو كان بعيداً عنه لا يتمكّن منه فيهما وإن تمكّن في أحدهما دون الآخر (٣) أو فيما بينهما أو محبوساً لا يتمكّن من الوصول إليه لم يكن محصناً وإن كان قد دخل قبل ذلك. ولا فرق في البعيد بين كونه دون مسافة القصر وأزيد.

وثامنها : كون الإصابة معلومة ، ويتحقّق العلم بإقراره بها أو بالبيّنة ، لا بالخلوة ولا الولد؛ لأنّهما أعمّ كما ذكر.

واعلم أنّ الإصابة أعمّ ممّا يعتبر منها ، وكذا الفرج كما ذُكر. فلو قال : (تغيب قدر حشفة البالغ ... في قُبُلٍ مملوكٍ له ...» كان أوضح. وشمل إطلاق إصابة الفرج ما لو كانت صغيرة وكبيرة عاقلة ومجنونة. وليس كذلك ، بل يعتبر بلوغ الموطوءة كالواطئ ولا يتحقّق فيهما بدونه.

(وبذلك) المذكور كلّه (تصير المرأة محصَنة) أيضاً. ومقتضى ذلك صيرورة الأمة والصغيرة محصَنة ، لتحقّق إصابة البالغ ... فرجاً مملوكاً. وليس

__________________

(١) من أنّه لا يكفي الدُبُر.

(٢) وهي قوله تعالى (وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ * إِلاّٰ عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ) ، سورة المؤمنون : ٥ ـ ٦.

(٣) لم يرد في المخطوطات.

٢٧٧

كذلك ، بل يعتبر فيها البلوغ والعقل والحرّيّة كالرجل وفي الواطئ البلوغ دون العقل. فالمحصَنة حينئذٍ : المصابة حرّة بالغة عاقلة من زوج بالغ دائم في القبل بما يوجب الغسل إصابة معلومة ، فلو أنكرت ذات الولد منه وطأه لم يثبت إحصانها وإن ادّعاه وثبت (١) في حقّه ، كعكسه. وأمّا التمكّن من الوطء فإنّما يعتبر في حقّه خاصّة ، فلا بدّ من مراعاته في تعريفها أيضاً.

ويمكن أن يريد بقوله : (وبذلك تصير المرأة محصنة) أنّ الشروط المعتبرة فيه تعتبر فيها بحيث تجعل بدله بنوعٍ من التكلّف ، فتخرج الصغيرة والمجنونة والأمة وإن دخل حينئذٍ ما دخل في تعريفه.

(ولا يشترط في الإحصان الإسلام) فيثبت في حقّ الكافر والكافرة مطلقاً إذا حصلت الشرائط ، فلو وطئ الذمّي زوجته الدائمة تحقّق الإحصان ، وكذا لو وطئ المسلم زوجته الذمّيّة حيث تكون دائمة.

(ولا عدم الطلاق) فلو زنى المطلِّق أو تزوّجت المطلَّقة عالمة بالتحريم أو زنت رُجِمت (إذا كانت العدّة رجعيّة) لأنّها في حكم الزوجة وإن لم تتمكّن هي من الرجعة ، كما لا يعتبر تمكّنها من الوطء (بخلاف البائن) لانقطاع العصمة به ، فلا بدّ في تحقّق الإحصان بعدَه من وطء جديد ، سواء تجدّد الدوام بعقد جديد أم برجوعه في الطلاق حيث رجعت في البذل.

وكذا يعتبر وطء المملوك بعد عتقه وإن كان مكاتباً.

(والأقرب الجمع بين الجلد والرجم في المحصَن وإن كان شابّاً) جمعاً بين دليل الآية (٢) والرواية (٣).

__________________

(١) في (ر) : يثبت.

(٢) وهي قوله تعالى (اَلزّٰانِيَةُ وَاَلزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ)، سورة النور : ٢.

(٣) الوسائل ١٨ : ٣٤٧ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٣.

٢٧٨

وقيل : إنّما يجمع بينهما على المحصَن إذا كان شيخاً أو شيخة ، وغيرُهما يُقتصر فيه على الرجم (١).

وربما قيل بالاقتصار على رجمه مطلقاً (٢).

والأقوى ما اختاره المصنّف ، لدلالة الأخبار الصحيحة (٣) عليه. وفي كلام عليّ عليه السلام حين جمع للمرأة بينهما : «حددتُها (٤) بكتاب اللّٰه ، ورجمتها بسنّة رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله» (٥) ومستند التفصيل رواية (٦) تقصر عن ذلك متناً وسنداً (٧).

وحيث يجمع بينهما (فيُبدأ بالجلد) أوّلاً وجوباً ليتحقّق فائدته ، ولا يجب الصبر به حتّى يبرأ جِلده على الأقوى؛ للأصل وإن كان التأخير أقوى في الزجر. وقد رُوي : أنّ عليّاً عليه السلام جلد المرأة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة (٨).

وكذا القول في كلّ حدّين اجتمعا ويفوت أحدهما بالآخر ، فإنّه يبدأ بما يمكن معه الجمع. ولو استويا تخيّر.

__________________

(١) قاله الشيخ في النهاية : ٦٩٣ ، والسيّد في الغنية : ٤٢٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤١١ ، وغيرهم.

(٢) قاله ابن أبي عقيل ، حكى عنه العلّامة في المختلف ٩ : ١٣١.

(٣) الوسائل ١٨ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٨ و ١٤.

(٤) كذا في النسخ ، وفي العوالي ومستدرك الوسائل : جلدتها.

(٥) مستدرك الوسائل ١٨ : ٤٢ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ١٢. نقلاً عن العوالي ٣ : ٥٥٢ ، الحديث ٢٨.

(٦) الوسائل ١٨ : ٣٤٩ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ١١.

(٧) ضعفها سنداً بعبد اللّٰه بن طلحة. اُنظر المسالك ١٥ : ٣٥٣ ـ ٣٥٥.

(٨) راجع الهامش رقم ٥.

٢٧٩

(ثمّ تدفن المرأة إلى صدرها والرجل إلى حقويه) وظاهره كغيره (١) أنّ ذلك على وجه الوجوب. وهو في أصل الدفن حسن ، للتأسّي. أمّا في كيفيّته فالأخبار مطلقة (٢) ويمكن جعل ذلك على وجه الاستحباب ، لتأدّي الوظيفة المطلقة بما هو أعمّ.

وروى سماعة عن الصادق عليه السلام قال : «تدفن المرأة إلى وسطها ، ولا يدفن الرجل إذا رُجِم إلّاإلى حَقويه» (٣) ونفى في المختلف البأس عن العمل بمضمونها (٤).

وفي دخول الغايتين في المغيّا وجوباً واستحباباً نظر ، أقربه العدم ، فيخرج الصدر والحَقوان عن الدفن. وينبغي على الوجوب إدخال جزءٍ منهما من باب المقدّمة.

(فإن فرّا (٥)) من الحفيرة بعد وضعهما فيها (اُعيدا إن ثبت) الزنا (بالبيّنة أو لم تصب الحجارة) بدنهما (على قول) الشيخ (٦) وابن البرّاج (٧) والخلاف في الثاني خاصّة. والمشهور عدم اشتراط الإصابة؛ للإطلاق (٨) ولأنّ

__________________

(١) مثل الشيخ في النهاية : ٧٠٠ ، والمحقّق في الشرائع ٤ : ١٥٦ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٥٣١ ، وغيرهم.

(٢) الوسائل ١٨ : ٣٧٤ ، الباب ١٤ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ١ و ٣.

(٣) الوسائل ١٨ : ٣٧٤ ، الباب ١٤ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٣.

(٤) المختلف ٩ : ١٦٠.

(٥) في (ق) و (س) : فإن فرّ اُعيد.

(٦) النهاية : ٧٠٠.

(٧) المهذّب ٢ : ٥٢٧.

(٨) الوسائل ١٨ : ٣٧٧ ، الباب ١٥ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٤.

٢٨٠