الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-48-6
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٧٢

١
٢

٣
٤

٥
٦

كتاب اللقطة

٧
٨

(كتاب اللقطة)

بضمّ اللام وفتح القاف ، اسم للمال الملقوط ، أو للملتقِط (١) كباب فُعَلَة ـ كهُمَزَة ولُمَزَة ـ أو بسكون القاف اسم للمال ، واُطلِق على ما يشمل الإنسان تغليباً.

(وفيه فصول) :

(الأوّل)

(في اللقيط)

وهو فعيل بمعنى مفعول ـ كطريح وجريح ـ ويُسمّى منبوذاً. واختلاف اسميه باعتبار حالتيه إذا ضاع ، فإنّه يُنبذ أوّلاً ـ أي يُرمى ـ ثمّ يُلقط (وهو إنسان ضائع لا كافل له) حالة الالتقاط (ولا يستقلّ بنفسه) أي بالسعي إلى (٢) ما يصلحه ويدفع عن نفسه المهلكات الممكن دفعها عادة.

(فيُلتقط الصبيّ والصبيّة) وإن ميّزا على الأقوى؛ لعدم استقلالهما

__________________

(١) هذا مذهب خليل النحوي ، فإنّ ما جاء على «فُعَلَة» فهو اسم للفاعل. (هامش ر).

(٢) كذا في (ع) ، وفي سائر النسخ : على.

٩

بأنفسهما (ما لم يبلغا) فيمتنع التقاطهما حينئذٍ؛ لاستقلالهما وانتفاء الولاية عنهما.)

نعم ، لو خاف على البالغ التلف في مهلكة وجب إنقاذه كما يجب إنقاذ الغريق ونحوه.

والمجنون بحكم الطفل ، وهو داخل في إطلاق التعريف وإن لم يخصّه بالتفصيل ، وقد صرّح بإدخاله في تعريف الدروس (١).

واحترز بقوله : (لا كافل له) عن معلوم الوليّ أو الملتقِط (فإذا عُلم الأب أو الجدّ) (٢) وإن علا ، والاُمّ وإن صعدت (أو الوصيّ ، أو الملتقِط السابق) مع انتفاء الأوّلين (٣) لم يصحّ التقاطه و (سُلّم إليهم) وجوباً؛ لسبق تعلّق الحقّ بهم فيُجبرون على أخذه.

(ولو كان اللقيط مملوكاً حُفظ) وجوباً (حتّى يصل إلى المالك) أو وكيله. ويفهم من إطلاقه عدم جواز تملّكه مطلقاً وبه صرّح في الدروس (٤).

واختلف كلام العلّامة ، ففي القواعد قطع بجواز تملّك الصغير بعد التعريف حولاً (٥) وهو قول للشيخ (٦) لأنّه مال ضائع يُخشى تلفه. وفي التحرير أطلق المنع

__________________

(١) الدروس ٣ : ٧٣ حيث قال : اللقيط : كلّ صبيّ أو صبيّة أو مجنون ضائع لا كافل له.

(٢) أطلق المصنّف الأب والجدّ ، وزاد في الدروس ٣ : ٧٣ الاُمّ وإن علت ، ومحلّ النزاع غير محرزٍ ، فإنّ الحكم إن كان مختصّاً بمن يجب الإنفاق عليه فهو العمودان ، وإن كان من يجب عليه الحضانة ، فينبغي بناؤه على الخلاف فيمن يجب عليه ، فإن قيل بتعدّيها إلى الأقارب يُعدّى هنا فينبغي تأمّل ذلك. (منه رحمه الله).

(٣) بالكسر ، والمراد : الأب والجدّ والوصيّ.

(٤) الدروس ٣ : ٧٤.

(٥) القواعد ٢ : ٢٠١ ، ولم يقيّده بالحول.

(٦) المبسوط ٣ : ٣٢٨.

١٠

من تملّكه محتجّاً بأنّ العبد يتحفّظ بنفسه كالإبل (١) وهو لا يتمّ في الصغير. وفي قول الشيخ قوّة.

ويمكن العلم برقّيّته ، بأن يراه يباع في الأسواق مراراً قبل أن يضيع ، ولا يعلم مالكه ، لا بالقرائن من اللون وغيره ، لأصالة الحرّيّة.

(ولا يضمن) لو تلف أو أبق (إلّابالتفريط) للإذن في قبضه شرعاً ، فيكون أمانة (نعم ، الأقرب المنع من أخذه) أي أخذ المملوك (إذا كان بالغاً أو مراهقاً) أي مقارباً للبلوغ؛ لأنّهما كالضالّة الممتنعة بنفسها (بخلاف الصغير الذي لا قوّة معه) على دفع المهلكات عن نفسه.

ووجه الجواز مطلقاً أنّه مال ضائع يُخشى تلفه. وينبغي القطع بجواز أخذه إذا كان مخوف التلف ولو بالإباق؛ لأنّه معاونة على البرّ ، ودفع لضرورة المضطرّ ، وأقلّ مراتبه الجواز. وبهذا يحصل الفرق بين الحرّ والمملوك ، حيث اشترط في الحرّ الصغر ، دون المملوك؛ لأنّه لا يخرج بالبلوغ عن الماليّة ، والحرّ إنّما يُحفظ عن التلف ، والقصد من لَقطَته حضانته وحفظه ، فيختصّ بالصغير ، ومن ثَمّ قيل : إنّ المميّز لا يجوز لقطتُه (٢).

(ولا بدّ من بلوغ الملتقط وعقلِه) فلا يصحّ التقاط الصبيّ والمجنون ، بمعنى أنّ حكم اللقيط في يديهما ما كان عليه قبلَ اليد. ويُفهم من إطلاقه اشتراطهما دون غيرهما : أنّه لا يشترط رشده ، فيصحّ من السفيه؛ لأنّ حضانة اللقيط ليست مالاً. وإنّما يُحجر على السفيه له ، ومطلق كونه مولّى عليه غير مانع.

واستقرب المصنّف في الدروس اشتراط رشده؛ محتجّاً بأنّ الشارع

__________________

(١) التحرير ٤ : ٤٤٨ ، الرقم ٦٠٤٤.

(٢) قاله المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ٩٧ مع التقييد بكونه مراهقاً.

١١

لم يأتمنه على ماله ، فعلى الطفل وماله أولى بالمنع ، ولأنّ الالتقاط ائتمان شرعيّ والشرع لم يأتمنه (١).

وفيه نظر؛ لأنّ الشارع إنّما لم يأتمنه على المال ، لا على غيره ، بل جوّز تصرّفه في غيره مطلقاً وعلى تقدير أن يوجد معه مال يمكن الجمع بين القاعدتين الشرعيّتين ، وهما : عدم استئمان المبذّر على المال ، وتأهيله لغيره من التصرّفات التي من جملتها الالتقاط والحضانة ، فيؤخذ المال منه خاصّة.

نعم ، لو قيل : إنّ صحّة التقاطه يستلزم وجوب إنفاقه ، وهو ممتنع من المبذّر؛ لاستلزامه التصرّف المالي ، وجعل التصرّف فيه لآخر يستدعي الضرر على الطفل بتوزيع اُموره ، أمكن إن تحقّق الضرر بذلك ، وإلّا فالقول بالجواز أجود.

(وحرّيّته) فلا عبرة بالتقاط العبد (إلّابإذن السيّد) لأنّ منافعه له ، وحقّه مضيّق ، فلا يتفرّغ للحضانة. أمّا لو أذن له فيه ابتداءً أو أقرّه عليه بعد وضع يده جاز ، وكان السيّد في الحقيقة هو الملتقط والعبد نائبه ، ثمّ لا يجوز للسيّد الرجوع فيه.

ولا فرق بين القِنّ والمكاتب والمدبّر ومن تحرّر بعضه واُمّ الولد ، لعدم جواز تبرّع واحد منهم بماله ولا منافعه إلّابإذن السيّد. ولا يدفع ذلك مهاياة المبعَّض وإن وفى زمانُه المختصّ بالحضانة؛ لعدم لزومها ، فجاز تطرّق المانع كلَّ وقت.

نعم ، لو لم يوجد للقيط كافل غير العبد وخيف عليه التلف بالإبقاء فقد قال المصنّف في الدروس : إنّه يجب حينئذٍ على العبد التقاطه بدون إذن المولى (٢) وهذا في الحقيقة لا يوجب إلحاق حكم اللقطة ، وإنّما دلّت الضرورة على الوجوب من

__________________

(١) الدروس ٣ : ٧٦.

(٢) الدروس ٣ : ٧٥.

١٢

حيث إنقاذ النفس المحترمة من الهلاك ، فإذا وُجِدَ من له أهليّة الالتقاط وجب عليه انتزاعه منه وسيّده من الجملة؛ لانتفاء أهليّة العبد له.

(وإسلامه إن كان اللقيط محكوماً بإسلامه) لانتفاء السبيل للكافر على المسلم ، ولأ نّه لا يؤمن أن يفتنه عن دينه ، فإن التقطه الكافر لم يُقرَّ في يده. ولو كان اللقيط محكوماً بكفره جاز التقاطه للمسلم وللكافر؛ لقوله تعالى : (وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ) (١).

(قيل) والقائل الشيخ (٢) والعلّامة في غير التحرير (٣) : (وعدالته) لافتقار الالتقاط إلى الحضانة وهي استئمان لا يليق بالفاسق ، ولأ نّه لا يؤمن أن يسترقّه ويأخذ ماله.

والأكثر على العدم (٤) للأصل ، ولأنّ المسلم محلّ الأمانة ، مع أنّه ليس استئماناً حقيقيّاً ، ولانتقاضه بالتقاط الكافر مثلَه؛ لجوازه بغير خلاف.

وهذا هو الأقوى ، وإن كان اعتبارها أحوط. نعم لو كان له مال فقد قيل باشتراطها؛ لأنّ الخيانة في المال أمر راجح الوقوع (٥).

ويشكل بإمكان الجمع بانتزاع الحاكم ماله (٦) منه كالمبذّر. وأولى

__________________

(١) الأنفال : ٧٣.

(٢) المبسوط ٣ : ٣٤٠.

(٣) القواعد ٢ : ٢٠١ ، والإرشاد ١ : ٤٤٠.

(٤) منهم المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٨٤ ، وتلميذه في كشف الرموز ونفى عنه الخلاف ، واستقربه الشهيد في الدروس ٣ : ٧٥ ـ ٧٦.

(٥) قوّاه المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ١٠٨.

(٦) في المخطوطات : له.

١٣

بالجواز التقاط المستور (١) والحكم بوجوب نصب الحاكم (٢) مراقباً عليه لا يعلم به إلى أن تحصل الثقة به أو ضدّها فينتزع منه ، بعيد.

(وقيل) : يعتبر أيضاً (حضره (٣) فينتزع من البدوي ومن مريد السفر به) لأداء التقاطهما له إلى ضياع نسبه بانتقالهما عن محلّ ضياعه الذي هو مظنّة ظهوره.

ويضعَّف بعدم لزوم ذلك مطلقاً ، بل جاز العكس ، وأصالة عدم الاشتراط تدفعه ، فالقول بعدمه أوضح.

وحكايته اشتراط هذين قولاً يدلّ على تمريضه ، وقد حكم في الدروس بعدمه (٤) ولو لم يوجد غيرهما لم ينتزع قطعاً ، وكذا لو وُجد مثلهما.

والواجب على الملتقط حضانته بالمعروف ، وهو تعهّده والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره ولا يجب عليه الإنفاق عليه من ماله ابتداءً ، بل من مال اللقيط الذي وجد تحت يده ، أو الموقوف على أمثاله ، أو الموصى به لهم بإذن الحاكم مع إمكانه ، وإلّا أنفق بنفسه ولا ضمان.

(و) مع تعذّره (ينفق عليه من بيت المال) برفع الأمر إلى الإمام؛ لأنّه معدّ للمصالح وهو من جملتها (أو الزكاة) من سهم الفقراء والمساكين ، أو سهم سبيل اللّٰه إن اعتبرنا البسط ، وإلّا فمنها مطلقاً. ولا يترتّب أحدهما على الآخر.

__________________

(١) من لا يُعلم عدالته ولا فسقه.

(٢) هذا الحكم اختاره العلّامة في التذكرة ٢ : ٢٧٠ الحجريّة مع اشتراط العدالة ، ويضعّف بأنّ تمكّنه من المال مع عدم الشرط غير جائز. (منه رحمه الله).

(٣) قاله الشيخ في المبسوط ٣ : ٣٤٠ ـ ٣٤١.

(٤) الدروس ٣ : ٧٦.

١٤

(فإن تعذّر) ذلك كلّه (استعان) الملتقط (بالمسلمين) ويجب عليهم مساعدته بالنفقة كفاية؛ لوجوب إعانة المحتاج كذلك مطلقاً ، فإن وُجد متبرّع منهم ، وإلّا كان الملتقط وغيرُه ممّن لا ينفق إلّابنيّة الرجوع سواء في الوجوب.

(فإن تعذّر أنفق) الملتقط (ورجع عليه) بعد يساره (إذا نواه) ولو لم ينوِ كان متبرّعاً لا رجوع له ، كما لا رجوع له لو وجد المعين المتبرّع فلم يستعن به. ولو أنفق غيره بنيّة الرجوع فله ذلك.

والأقوى عدم اشتراط الإشهاد في جواز الرجوع وإن توقّف ثبوته عليه بدون اليمين.

ولو كان اللقيط مملوكاً ولم يتبرّع عليه متبرّع بالنفقة رفع أمره إلى الحاكم لينفق عليه ، أو يبيعه في النفقة ، أو يأمره به. فإن تعذّر أنفق عليه بنيّة الرجوع ثمّ باعه فيها إن لم يمكن بيعه تدريجاً.

(ولاولاء عليه للملتقط) ولا لغيره من المسلمين ـ خلافاً للشيخ (١) ـ بل هو سائبة يتولّى من شاء ، فإن مات ولا وارث له فميراثه للإمام.

(وإذا خاف) واجده (عليه التلف وجب أخذه كفاية) كما يجب حفظ كلّ نفس محترمة عنه مع الإمكان (وإلّا) يخف عليه التلف (استحبّ) أخذه؛ لأصالة عدم الوجوب مع ما فيه من المعاونة على البرّ.

وقيل : بل يجب كفاية مطلقاً؛ لأنّه مُعرَّض للتلف ، ولوجوب إطعام المضطرّ (٢) واختاره المصنّف في الدروس (٣).

__________________

(١) النهاية : ٣٢٣.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ٣ : ٣٣٦ ، واختاره العلّامة في القواعد ٢ : ٢٠٠ ، والإرشاد ١ : ٤٤١ ، ونسبه في غاية المرام ٤ : ١٤٥ إلى المشهور.

(٣) الدروس ٣ : ٧٦.

١٥

وقيل : يستحبّ مطلقاً؛ لأصالة البراءة (١) ولا يخفى ضعفه.

(وكلّ ما بيده) عند التقاطه من المال أو المتاع كملبوسه والمشدود في ثوبه (أو تحته) كالفراش والدابّة المركوبة له (أو فوقه) كاللحاف والخيمة والفسطاط التي لا مالك لها معروف (فله) لدلالة اليد ظاهراً على الملك. ومثله ما لو كان بيده قبل الالتقاط ثمّ زالت عنه لعارض ، كطائر أفلت من يده ومتاع غُصب منه أو سَقَط.

لا ما بين يديه ، أو إلى جانبه (٢) أو على دكّة هو عليها ، على الأقوى.

(ولا ينفق منه) عليه الملتقطُ ولا غيره (إلّابإذن الحاكم) لأنّه وليّه مع إمكانه ، أمّا مع تعذّره فيجوز للضرورة ، كما سلف (٣).

(ويستحبّ الإشهاد على أخذه) صيانةً له ولنسبه وحرّيّته ، فإنّ اللُقطة يشيع أمرها بالتعريف ، ولا تعريف للّقيط إلّاعلى وجه نادر. ولا يجب؛ للأصل.

(ويحكم بإسلامه إن التقط في دار الإسلام) مطلقاً (أو في دار الحرب وفيها مسلم) يمكن تولّده منه وإن كان تاجراً أو أسيراً (وعاقلته الإمام) دون الملتقط إذا لم يتوال أحداً بعد بلوغه ولم يظهر له نسب ، فدية جنايته خطأً عليه ، وحقّ قصاصه نفساً له ، وطرفاً للّقيط بعد بلوغه قصاصاً وديةً. ويجوز تعجيله للإمام قبلَه ، كما يجوز ذلك للأب والجدّ على أصحّ القولين (٤).

__________________

(١) قاله المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٨٥ ، والمختصر النافع : ٢٦١.

(٢) في (ف) و (ر) : جانبيه.

(٣) سلف في الصفحة ١٤.

(٤) اختاره المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٨٦ ، والعلّامة في الإرشاد ١ : ٤٤١ ، ونسبه في المسالك ١٢ : ٤٧٨ إلى الأكثر. والقول الآخر للشيخ في المبسوط ٣ : ٣٤٦.

١٦

(ولو اختلفا) الملتقط واللقيط بعد البلوغ (في الإنفاق) فادّعاه الملتقط وأنكره اللقيط (أو) اتّفقا على أصله واختلفا في (قدره حلف الملتقط في) قدر (المعروف) لدلالة الظاهر عليه وإن عارضه الأصل. أمّا ما زاد على المعروف فلا يلتفت إلى دعواه فيه؛ لأنّه على تقدير صدقه مفرط. ولو قُدّر عروض حاجة إليه (١) فالأصل عدمها ، ولا ظاهر يعضدها.

(ولو تشاحّ ملتقطان) جامعان للشرائط في أخذه قُدّم السابق إلى أخذه فإن استويا (اُقرع) بينهما وحُكم به لمن أخرجته القرعة ، ولا يُشرك بينهما في الحضانة؛ لما فيه من الإضرار باللقيط أو بهما (ولو ترك أحدهما للآخر جاز) لحصول الغرض ، فيجب على الآخر الاستبداد به.

واحترزنا بجمعهما للشرائط عمّا لو تشاحّ مسلم وكافر ، أو عدل وفاسق حيث يشترط العدالة ، أو حرّ وعبد ، فيرجّح الأوّل بغير قرعة وإن كان الملقوط كافراً في وجه.

وفي ترجيح البلدي على القروي ، والقروي على البدوي ، والقارّ على المسافر ، والموسر على المعسر ، والعدل على المستور ، والأعدل على الأنقص ، قول (٢) مأخذه النظر إلى مصلحة اللقيط في إيثار الأكمل.

والأقوى اعتبار جواز الالتقاط خاصّة.

(ولو تداعى بنوّته اثنان ولا بيّنة) لأحدهما ، أو لكلّ منهما بيّنة (فالقرعة) لأنّه من الاُمور المشكلة وهي لكلّ أمرٍ مشكل (ولا ترجيح) لأحدهما (بالإسلام) وإن كان اللقيط محكوماً بإسلامه ظاهراً (على قول

__________________

(١) ما زاد على المعروف.

(٢) نسبه في مفتاح الكرامة ٦ : ٩١ إلى التذكرة ، اُنظر التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٢٧١.

١٧

الشيخ) في الخلاف؛ لعموم الأخبار فيمن تداعوا نسباً (١) ولتكافؤهما (٢) في الدعوى.

ورجّح في المبسوط دعوى المسلم؛ لتأيّده بالحكم بإسلام اللقيط على تقديره (٣).

ومثله تنازع الحرّ والعبد مع الحكم بحرّيّة اللقيط. ولو كان محكوماً بكفره أو رقّه اُشكل الترجيح. وحيث يحكم به للكافر يحكم بكفره على الأقوى؛ للتبعيّة.

(و) كذا (لا) ترجيح (بالالتقاط) بل الملتقط كغيره في دعوى نسبه؛ لجواز أن يكون قد سقط منه أو نَبَذه ثمّ عاد إلى أخذه ، ولا ترجيح لليد في النسب. نعم ، لو لم يعلم كونه ملتقطاً ولا صرّح ببنوّته فادّعاه غيره فنازعه ، فإن قال : «هو لقيط وهو ابني» فهما سواء ، وإن قال : «هو ابني» واقتصر ولم يكن هناك بيّنة على أنّه التقطه ، فقد قرّب في الدروس ترجيح دعواه عملاً بظاهر اليد (٤).

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٥٩٦ ، المسألة ٢٥ من اللقطة.

(٢) يجوز في نحو هذه الهمزة كتبها ياءً وواواً؛ لأنّها وإن كانت متطرّفةً إلّاأ نّها في حكم المتوسّطة بسبب اتّصالها بالضمير ، فتكتب على نحو ما تخفّف وفي تخفيفها وجهان ، وكذا في كتابتها. (منه رحمه الله).

(٣) المبسوط ٣ : ٣٥٠.

(٤) الدروس ٣ : ٨٠.

١٨

(الثاني)

(في) لقطة (الحيوان)

(وتُسمّى (*) ضالّة ، وأخذه في صورة الجواز مكروه) للنهي عنه في أخبار كثيرة (٢) المحمول على الكراهة جمعاً (ويستحبّ الإشهاد) على أخذ الضالّة (ولو تحقّق التلف لم يُكره) بل قد يجب كفاية إذا عرف مالكها ، وإلّا اُبيح خاصّة.

(والبعير وشبهه) من الدابّة والبقرة ونحوهما (إذا وُجِد في كلاء وماء) في حالة كونه (صحيحاً) غير مكسور ولا مريض ، أو صحيحاً وإن لم يكن في كلاء وماء (تُرك) لامتناعه ، ولا يجوز أخذه حينئذٍ بنيّة التملّك مطلقاً.

وفي جوازه بنيّة الحفظ لمالكه قولان (٣) : من إطلاق الأخبار بالنهي

__________________

(*) في (ق) و (س) : يُسمّى.

(٢) اُنظر الوسائل ١٧ : ٣٤٩ ، الباب الأوّل من أبواب اللقطة ، الحديث ٧ ـ ١٠ ، وغيرها في الباب وغيره.

(٣) القول بالجواز للحفظ للعلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٢٦٩. والقول بعدم الجواز للشيخ في المبسوط ٣ : ٣١٩.

١٩

والإحسان (١) وعلى التقديرين (فيضمن بالأخذ) حتّى يصل إلى مالكه ، أو إلى الحاكم مع تعذّره.

(ولا يرجع آخذه بالنفقة) حيث لا يرجّح أخذه؛ لتبرّعه بها. أمّا مع وجوبه أو استحبابه فالأجود جوازه مع نيّته؛ لأنّه محسن ، ولأنّ إذن الشارع له في الأخذ مع عدم الإذن في النفقة ضرر وحرج.

(ولو تُرِك من جُهد) وعطب لمرض أو كسر أو غيرهما (لا في كلاء وماء اُبيح) أخذه ومَلِكَه الآخذ وإن وُجد مالكه وعينه قائمة في أصحّ القولين (٢) لقول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان : «من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاة من الأرض قد كلّت وقامت وقد سيّبها صاحبها لمّا لم تتبعه ، فأخذها غيره ، فاقام عليها وأنفق نفقة حتّى أحياها من الكلال ومن الموت فهي له ولا سبيل له عليها ، وإنّما هي مثل الشيء المباح» (٣) وظاهره أنّ المراد بالمال ما كان من الدوابّ التي تحمل ونحوها ، بدليل قوله : «قد كلّت وقامت وقد سيّبها صاحبها لمّا لم تتبعه».

والظاهر أنّ الفلاة المشتملة على كلاء دون ماء أو بالعكس بحكم عادمتهما؛ لعدم قوام الحيوان بدونهما ، ولظاهر قول أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّه إن تركها في

__________________

(١) أي قاعدة الإحسان المستندة إلى قوله تعالى : مٰا عَلَى اَلْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ التوبة : ٩١.

(٢) اختاره العلّامة في التحرير ٤ : ٤٥٨ ، ذيل الرقم ٦٠٥٧ ، والشهيد في الدروس ٣ : ٨٢ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ١٣٩ ، واعتمد عليه في غاية المرام ٤ : ١٥٠. والقول الآخر قوّاه الفخر في الإيضاح ٢ : ١٤٨ ، وقال : والأقوى عندي أنّ لمالكها أخذها.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣٦٤ ، الباب ١٣ من أبواب اللقطة ، الحديث ٢.

٢٠