الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٤

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-48-6
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٧٢

أمّا بقيّة الأحكام غير التحريم ، فيختصّ البالغ العاقل كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى مع بقيّة الأحكام في الحدود.

ويستثنى من الإنسان : الخنثى فلا يحرم موطوؤه (١) لاحتمال الزيادة.

(ولو اشتبه) بمحصور (قُسِّم) نصفين (واُقرع) بينهما ، بأن تكتب رقعتان في كلّ واحدة اسم نصف منهما ، ثمّ يخرج على ما فيه المحرَّم ، فإذا خرج في أحد النصفين قُسّم كذلك واُقرع وهكذا (حتّى تبقى واحدة) فيُعمل بها ما عمل بالمعلومة ابتداءً. والرواية تضمّنت قسمتها نصفين أبداً (٢) كما ذكرنا ، وأكثر العبارات خالية منه حتّى عبارة المصنّف هنا وفي الدروس (٣) وفي القواعد : قسّم قسمين (٤) وهو مع الإطلاق أعمّ من التنصيف.

ويشكل التنصيف أيضاً لو كان العدد فرداً. وعلى الرواية يجب التنصيف ما أمكن ، والمعتبر منه العدد ، لا القيمة. فإذا كان فرداً جعلت الزائدة مع أحد القسمين.

(ولو شرب المحلَّل خمراً) ثمّ ذبح عقيبه (لم يُؤكل ما في جوفه) من الأمعاء والقلب والكبد (ويجب غسل باقيه) وهو اللحم على المشهور. والمستند ضعيف (٥) ومن ثمّ كرّهه ابن إدريس خاصّة (٦) وقيّدنا ذبحه بكونه عقيب

__________________

(١) في (ع) و (ف) : وطؤه.

(٢) اُنظر الوسائل ١٦ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، الباب ٣٠ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ١ و ٢.

(٣) الدروس ٣ : ٦.

(٤) القواعد ٣ : ٣٢٨.

(٥) اُنظر الوسائل ١٦ : ٣٥٢ ، الباب ٢٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث الأوّل. وضعفه بأبي جميلة ، المفضل بن صالح. اُنظر فهارس المسالك ١٦ : ٢٩٧.

(٦) السرائر ٣ : ٩٧.

١٢١

الشرب تبعاً للرواية وعبارات الأصحاب (١) مطلقة.

(ولو شرب بولاً غُسل ما في بطنه واُكل) من غير تحريم. والمستند مرسل (٢) ولكن لا رادّ له ، وإلّا لأمكن القول بالطهارة فيهما نظراً إلى الانتقال كغيرهما من النجاسات.

وفُرّق ـ مع النصّ ـ بين الخمر والبول بأنّ الخمر لطيف تشربه الأمعاء فلا يطهر بالغَسل وتحرم ، بخلاف البول فإنّه لا يصلح للغذاء ولا تقبله الطبيعة (٣).

وفيه : أنّ غَسل اللحم إن كان لنفوذ الخمر فيه ـ كما هو الظاهر ـ لم يتمّ الفرق بينه وبين ما في الجوف ، وإن لم تصل إليه لم يجب تطهيره ، مع أنّ ظاهر الحكم غَسلُ ظاهر اللحم الملاصق للجلد ، وباطِنه المجاور للأمعاء. والرواية خالية عن غَسل اللحم.

(وهنا مسائل)

الاُولى (٤) :

(تحرم الميتة) أكلاً واستعمالاً (إجماعاً ، وتحلّ منها) عشرة أشياء متَّفقٍ عليها ، وحادي عشر مختلفٍ فيه وهي (الصوف والشعر والوبر والريش ، فإن) جُزّ فهو طاهر ، وإن (قُلع غُسِل أصله) المتّصل بالميتة؛ لاتّصاله برطوبتها

__________________

(١) مثل الشرائع ٣ : ٢١٩ ، والقواعد ٣ : ٣٢٨ ، والتحرير ٤ : ٦٣٣ ، الرقم ٦٢٣٧.

(٢) وهو رواية موسى بن أكيل عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه السلام. راجع الوسائل ١٦ : ٣٥٢ ، الباب ٢٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ٢.

(٣) ذكر هذا الفرق في التنقيح الرائع ٤ : ٤٣.

(٤) لم ترد «الاُولى» في (ع) و (ف).

١٢٢

(والقَرَن (١) والظِلف والسنّ) والعظم ، ولم يذكره المصنّف ولا بدّ منه ، ولو أبدله بالسنّ كان أولى؛ لأنّه أعمّ منه إن لم يُجمع بينهما كغيره (٢).

وهذه مستثناة من جهة الاستعمال. أمّا الأكل : فالظاهر جواز ما لا يضرّ منها بالبدن؛ للأصل. ويمكن دلالة إطلاق العبارة عليه ، وبقرينة قوله : (والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى) الصَلِب ، وإلّا كان بحكمها.

(والإنفَحَة) ـ بكسر الهمزة وفتح الفاء والحاء المهملة ، وقد تكسر الفاء ـ قال في القاموس : هي شيء يُستخرج من بطن الجدي الراضع ، أصفر ، فيُعصَر في صوفة فيغلظ كالجُبن ، فإذا أكل الجدي فهو كَرِش (٣) وظاهر أوّل التفسير يقتضي كون الإنفَحَة هي اللبن المستحيل في جوف السخلة ، فتكون من جملة ما لا تحلّه الحياة.

وفي الصحاح : الإنفحة كَرِش الحِمَل أو الجدي ما لم يأكل ، فإذا أكل فهي كرش (٤) وقريب منه ما (٥) في الجمهرة (٦) وعلى هذا فهي مستثناة ممّا تحلّه الحياة. وعلى الأوّل فهو طاهر وإن لاصق الجلد الميّت؛ للنصّ (٧) وعلى الثاني فما في داخله طاهر قطعاً ، وكذا ظاهره بالأصالة ، وهل ينجس بالعرض بملاصقة

__________________

(١) في (ر) زيادة : الظفر ، ولم ترد في مخطوطتي المتن أيضاً.

(٢) مثل الحيوان ، فإنّه يشمل الإنسان إذا لم يجمع بينهما.

(٣) القاموس المحيط ١ : ٢٥٣ ، (نفح).

(٤) الصحاح ١ : ٤١٢ ، (نفح).

(٥) لم يرد في المخطوطات.

(٦) جمهرة اللغة ١ : ٥٥٦ ، (نفح).

(٧) اُنظر الوسائل ١٦ : ٣٦٤ ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث الأوّل.

١٢٣

الميّت؟ وجهٌ. وفي الذكرى : الأولى تطهير ظاهرها (١) وإطلاق النصّ يقتضي الطهارة مطلقاً.

نعم ، يبقى الشكّ في كون الإنفَحَة المستثناة هل هي اللبن المستحيل أم الكَرِش؟ بسبب اختلاف أهل اللغة ، والمتيقّن منه ما في داخله؛ لأنّه متّفق عليه.

(واللبن) في ضرع الميتة (على قول مشهور) بين الأصحاب (٢) ومستنده روايات:

منها : صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : «سألته عن الإنفَحَة تُخرَج من الجدي الميّت ، قال : لا بأس به. قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت؟ قال : لا بأس» (٣).

وقد رُوي نجاسته صريحاً في خبر آخر (٤) لكنّه ضعيف السند (٥) إلّاأ نّه موافق للأصل من نجاسة المائع بملاقاة النجاسة ، وكلّ نجس حرام. ونسبة القول بالحلّ إلى الشهرة تشعر بتوقّفه فيه. وفي الدروس جعله أصحّ وضعّف رواية

__________________

(١) الذكرى ١ : ١١٨.

(٢) اختاره الصدوق في الهداية : ٣١٠ ، والمفيد في المقنعة : ٥٨٣ ، والشيخ في النهاية : ٥٨٥ ، ونسبه في المسالك ١٢ : ٥٦ إلى أكثر المتقدّمين وإلى جماعة من المتأخّرين.

(٣) الوسائل ١٦ : ٣٦٦ ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ١٠.

(٤) وهو خبر وهب بن وهب عن الصادق عليه السلام ، راجع الوسائل ١٦ : ٣٦٧ ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ١١. ولكنّ المصرّح فيه الحرمة وواضح أنّ الحرمة من باب النجاسة.

(٥) والرواية ضعيفة السند جدّاً ، فإنّ وهب الراوي ضعيف ، قال النجاشي إنّه : (كذّاب له أحاديث مع الرشيد في الكذب) ، المسالك ١٢ : ٥٧.

١٢٤

التحريم ، وجعل القائل بها (١) نادراً ، وحملها على التقيّة (٢).

(ولو اختلط الذكيّ) من اللحم وشبهه (بالميّت) ولا سبيل إلى تمييزه (اجتنب الجميع) لوجوب اجتناب الميّت ولا يتمّ إلّابه ، فيجب.

وفي جواز بيعه على مستحلّ الميتة قول (٣) مستنده صحيحة الحلبي وحسنته عن الصادق عليه السلام (٤) وردّه قوم (٥) نظراً إلى إطلاق النصوص بتحريم بيع الميتة وتحريم ثمنها (٦) واعتذر العلّامة عنه بأ نّه ليس ببيع في الحقيقة وإنّما هو استنقاذ مال الكافر برضاه (٧) ويُشكل بأنّ مِن مستحلّه من الكفّار من لا يحلّ مالُه كالذمّي.

__________________

(١) قاله ابن إدريس في السرائر ٣ : ١١٢ ، والعلّامة في المختلف ٨ : ٣١٦.

(٢) الدروس ٣ : ١٥.

(٣) اختاره الشيخ في النهاية : ٥٨٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٢ ، والعلّامة في المختلف ٨ : ٣١٩.

(٤) نبّه بقوله : مستنده صحيحة الحلبي الوسائل ١٦ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، الباب ٣٦ من كتاب الأطعمة ، الحديث ١ و ٢ على فائدةٍ وهي : أنّ المصنّف في الدروس ٣ : ١٣ جعل الرواية من الصحيح والعلّامة في المختلف وغيره المختلف ٨ : ٣٢٠ ، والتحرير ٤ : ٦٣٩ جعلها من الحسن. وكلاهما حسنٌ؛ لأنّها وردت بطريقين : أحدهما حسنٌ ، والآخر صحيح. وكأنّ ما ذكره المصنّف من أنّها صحيحةٌ أولى. (منه رحمه الله).

(٥) مثل القاضي في المهذّب ٢ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ ، وابن إدريس في السرائر ٣ : ١١٣ ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ٤ : ١٦١.

(٦) مثل ما ورد في رواية تحف العقول ، وما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله : إنّ اللّٰه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه ، وغيرهما. اُنظر الوسائل ١٢ : ٥٦ ، الباب ٢ من أبواب ما يكتسب به ، ذيل الحديث المروي عن تحف العقول ، وعوالي اللآلئ ٢ : ١١٠ ، الحديث ٣٠١.

(٧) المختلف ٨ : ٣١٩.

١٢٥

وحسّنه المحقّق مع قصد بيع الذكيّ حسبُ (١) وتبعه العلّامة أيضاً (٢) ويشكل بجهالته وعدم إمكان تسليمه متميّزاً ، فإمّا أن يعمل بالرواية (٣) لصحّتها من غير تعليل ، أو يحكم بالبطلان.

(وما اُبين من حيّ يحرم أكله واستعماله كأليات الغنم) لأنّها بحكم الميتة (ولا يجوز الاستصباح بها تحت السماء) لتحريم الانتفاع بالميتة مطلقاً ، وإنّما يجوز الاستصباح بما عرض له النجاسة من الأدهان ، لا بما نجاسته ذاتيّة.

(الثانية) : (تحرم من الذبيحة خمسةَ عشر) شيئاً : (الدم والطِحال) بكسر الطاء (والقضيب) وهو الذكر (والاُنثيان) وهما البيضتان (والفرث) وهو الروث في جوفها (والمَثانة) ـ بفتح الميم ـ وهو مجمع البول (والمرارة) ـ بفتح الميم ـ التي تجمع المِرّة الصفراء ـ بكسرها ـ معلّقةً مع الكبد كالكيس (والمشيمة) ـ بفتح الميم ـ بيت الولد وتسمّى الغِرْس ـ بكسر الغين المعجمة ـ وأصلها مَفعِلة فسكنت الياء (والفرج) الحياء ، ظاهره وباطنه (والعِلْباء) ـ بالمهملة المكسورة فاللام الساكنة فالباء الموحّدة فالألف ممدودةً ـ عصبتان عريضتان ممدودتان من الرقبة إلى عَجْب الذَ نَب (والنخاع) ـ مُثلَّث النون ـ الخيط الأبيض في وسط الظهر ينظّم (٤) خَرَز السلسلة في وسطها ، وهو الوتين الذي لا قوام للحيوان بدونه (والغُدد) ـ بضمّ الغين المعجمة ـ التي في اللحم

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٢٣.

(٢) المختلف ٨ : ٣٢٠ ، والإرشاد ٢ : ١١٣ ، والتحرير ٤ : ٦٣٩ ، ذيل الرقم ٦٢٥٤.

(٣) رواية الحلبي المتقدّمة آنفاً.

(٤) في المخطوطات : ينضم.

١٢٦

وتكثر في الشحم (وذات الأشاجع) وهي اُصول الأصابع التي يتّصل بعَصَب ظاهر الكفّ ، وفي الصحاح جعلها (الأشاجع) (١) بغير مضاف والواحد أشجع (وخرزة الدماغ) ـ بكسر الدال ـ وهي المُخّ الكائن في وسط الدماغ شبه الدودة بقدر الحِمِّصة تقريباً يخالف لونُها لونَه ، وهي تميل إلى الغبرة (والحدق) يعني حبّة الحدقة وهو الناظر من العين لا جسم العين كلّه.

وتحريم هذه الأشياء أجمع ذكره الشيخ غير المثانة (٢) فزادها ابن إدريس (٣) وتبعه جماعة منهم المصنّف (٤) ومستند الجميع غير واضح؛ لأنّه روايات (٥) يتلفّق من جميعها ذلك ، بعض رجالها ضعيف وبعضها مجهول.

والمتيقّن منها تحريم ما دلّ عليه دليل خارج كالدم. وفي معناه الطِحال ، وتحريمهما ظاهر من الآية (٦) وكذا ما استخبث منها ، كالفرث والفرج والقضيب والاُنثيين والمثانة والمِرارة والمشيمة. وتحريم الباقي يحتاج إلى دليل ، والأصل يقتضي عدمه. والروايات يمكن الاستدلال بها على الكراهة؛ لسهولة خطبها ، إلّا أن يدّعى استخباث الجميع (٧).

__________________

(١) الصحاح ٣ : ١٢٣٦ ، (شجع).

(٢) النهاية : ٥٨٥.

(٣) السرائر ٣ : ١١١.

(٤) مثل العلّامة في القواعد ٣ : ٣٢٩ ، والشهيد في الدروس ٣ : ١٤ ، وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٤ : ٢١٨.

(٥) راجع الوسائل ١٦ : ٣٥٩ ، الباب ٣١ من أبواب الأطعمة المحرّمة. وانظر المسالك ١٢ : ٦١.

(٦) وهي الآية ١٧٣ من سورة البقرة.

(٧) كما ادّعاه في المهذّب البارع ٤ : ٢١٨.

١٢٧

وهذا (١) مختار العلّامة في المختلف (٢) وابن الجنيد أطلق كراهية بعض هذه المذكورات ولم ينصّ على تحريم شيء (٣) نظراً إلى ما ذكرناه.

واحترز بقوله : (من الذبيحة) عن نحو السمك والجراد ، فلا يحرم منه شيء من المذكورات؛ للأصل. وشمل ذلك كبير الحيوان المذبوح كالجزور ، وصغيره كالعصفور.

ويشكل الحكم بتحريم جميع ما ذكر مع عدم تمييزه (٤) لاستلزامه تحريم جميعه أو أكثره؛ للاشتباه.

والأجود اختصاص الحكم بالنَعَم ونحوها من الحيوان الوحشي ، دون العصفور وما أشبهه.

(ويكره) أكل (الكُلى) ـ بضمّ الكاف وقصر الألف ـ جمع كُلية وكُلوة بالضمّ فيهما ، والكسر لحن عن ابن السكّيت (٥) (واُذنا القلب والعروق ولو ثُقِب الطِحال مع اللحم وشُوي حرم ما تحته) من لحم وغيره ، دون ما فوقه أو مساويه (ولو لم يكن مثقوباً لم يحرم) ما معه مطلقاً (٦) هذا هو المشهور ، ومستنده رواية عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام (٧) وعُلّل فيها بأ نّه مع الثقب يسيل الدم من الطحال إلى ما تحته فيحرم ، بخلاف غير المثقوب؛ لأنّه في حجاب لا يسيل منه.

__________________

(١) حمل الروايات على الكراهة.

(٢) المختلف ٨ : ٣١٥.

(٣) نقله عنه العلّامة في المختلف ٨ : ٣١٤.

(٤) في (ع) و (ف) : تميّزه.

(٥) نقله عنه الجوهري في الصحاح ٦ : ٢٤٧٥ ، (كلى).

(٦) لم يرد «مطلقاً» في (ع).

(٧) الوسائل ١٦ : ٣٧٩ ، الباب ٤٩ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث الأوّل.

١٢٨

(الثالثة) :

(يحرم تناول الأعيان النجسة) بالأصالة كالنجاسات ، وأمّا بالعرض فإنّه وإن كان كذلك إلّاأ نّه يأتي (و) كذا يحرم (المسكر (١)) مائعاً كان أم جامداً وإن اختصّت النجاسة بالمائع بالأصالة. ويمكن أن يريد هنا بالمسكر المائع بقرينة الأمثلة. والتعرّضُ في هذه المسألة للنجاسات وذكرُه تخصيص بعد تعميم (كالخمر) المتّخذ من العنب (والنبيذ) المسكر من التمر (والبِتع) ـ بكسر الباء وسكون التاء المثنّاة أو فتحها ـ نبيذ العسل (والفضيخ) ـ بالمعجمتين ـ من التمر والبسر (والنقيع) من الزبيب (والمِزْر) ـ بكسر الميم فالزاء المعجمة الساكنة فالمهملة ـ نبيذ الذُرة (والجِعة) ـ بكسر الجيم وفتح العين المهملة ـ نبيذ الشعير. ولا يختصّ التحريم في هذه بما أسكر ، بل يحرم (وإن قلّ).

(وكذا) يحرم (العصير العنبي إذا غلى) بالنار وغيرها بأن صار أعلاه أسفله ، ويستمرّ تحريمه (حتّى يذهب ثلثاه أو ينقلب خلّاً) ولا خلاف في تحريمه ، والنصوص متظافرة به (٢) وإنّما الكلام في نجاسته فإنّ النصوص خالية منها ، لكنّها مشهورة بين المتأخّرين (٣) (ولا يحرم) العصير (من الزبيب وإن غلى على الأقوى) لخروجه عن مسمّى العنب ، وأصالة الحلّ واستصحابه ، خرج منه عصير العنب إذا غلى بالنصّ ، فيبقى غيره على الأصل.

__________________

(١) في (ق) و (س) وقع «والمسكر» بعد قوله : كالخمر والنبيذ.

(٢) اُنظر الوسائل ١٧ : ٢٢٤ ـ ٢٢٨ ، الباب ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة.

(٣) مثل المحقّق في الشرائع ١ : ٥٢ ، والعلّامة في المختلف ١ : ٤٦٩ ، والقواعد ١ : ١٩١ ، والإرشاد ١ : ٢٣٩ وغيرها ، والمحقّق الكركي في رسائله ٢ : ٦٧.

١٢٩

وذهب بعض الأصحاب إلى تحريمه (١) لمفهوم رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام حيث سأله (عن الزبيب يؤخذ ماؤه فيُطبخ حتّى يذهب ثلثاه ، فقال : لا بأس) (٢) فإنّ مفهومه التحريم قبل ذهاب الثلثين. وسند الرواية والمفهوم ضعيفان (٣) فالقول بالتحريم أضعف. أمّا النجاسة فلا شبهة في نفيها.

(ويحرم الفقّاع (٤)) وهو ما اتّخذ من الزبيب أو الشعير حتّى وُجد فيه النشيش والحركة ، أو اُطلق عليه عرفاً ، ما لم يُعلم انتفاء خاصيّته. ولو وجد في الأسواق ما يُسمّى فُقّاعاً حكم بتحريمه وإن جُهل أصله ، نظراً إلى الاسم ، وقد روى عليّ بن يقطين في الصحيح عن الكاظم عليه السلام قال : (سألته عن شرب الفقّاع الذي يُعمل في السوق ويباع ولا أدري كيف عُمل ، ولا متى عُمل ، أيحلّ أن أشربه؟ قال : لا اُحبّه) (٥) وأمّا ما ورد في الفقّاع بقول مطلق وأ نّه بمنزلة الخمر فكثير (٦) لا يُحصى.

(والعذرات) بفتح المهملة فكسر المعجمة (والأبوال النجسة) صفة للعذرات والأبوال. ولا شبهة في تحريمها نجسة كمطلق النجس ، لكن مفهوم العبارة عدم تحريم الطاهر منها كعذرة وبول ما يؤكل لحمه ، وقد نقل في الدروس تحليل

__________________

(١) قال في الدروس ٣ : ١٦ : ولا يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش ، فيحلّ طبيخ الزبيب على الأصحّ ... وحرّمه بعض مشايخنا المعاصرين ، وهو مذهب بعض فضلائنا المتقدّمين.

(٢) الوسائل ١٧ : ٢٣٦ ، الباب ٨ من أبواب الأشربة المحرّمة ، الحديث ٢.

(٣) ضعف سنده بسهل بن زياد. راجع فهارس المسالك ١٦ : ٢٩٠.

(٤) في (ق) و (س) : وإن قلّ.

(٥) الوسائل ١٧ : ٣٠٦ ، الباب ٣٩ من أبواب الأشربة المحرّمة ، الحديث ٣.

(٦) راجع الوسائل ١٧ : ٢٨٧ ـ ٢٩١ ، الباب ٢٧ من الأبواب.

١٣٠

بول المحلَّل عن ابن الجنيد وظاهر ابن إدريس ، ثمّ قوّى التحريم للاستخباث (١).

والأقوى جواز ما تدعو الحاجة إليه منه إن فُرض له نفع.

وربما قيل : إنّ تحليل بول الإبل للاستشفاء إجماعيّ (٢) وقد تقدّم حكمه بتحريم الفرث من المحلَّل (٣) والنقل عن ابن الجنيد الكراهية (٤) كغيره من المذكورات. ويمكن أن تكون النجسة صفة للأبوال خاصّة ، حملاً للعذرة المطلقة على المعروف منها لغةً وعرفاً ، وهي عذرة الإنسان ، فيزول الإشكال عنها ويبقى الكلام في البول.

(وكذا) يحرم (ما يقع فيه هذه) النجاسات (من المائعات) لنجاستها بقليلها وإن كثرت (أو الجامدات ، إلّابعد الطهارة) استثناء من الجامدات ، نظراً إلى أنّ المائعات لا تقبل التطهير كما سيأتي.

(وكذا) يحرم (ما باشره الكفّار) من المائعات أو الجامدات برطوبة وإن كانوا ذِمّة (٥).

(الرابعة) :

(يحرم الطين) بجميع أصنافه ، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله : (من أكل الطين فمات‌فقد أعان على نفسه)(٦) وقال الكاظم عليه السلام : “ أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلّاطين قبر الحسين عليه السلام فإنّ فيه شفاءً من كلّ داء وأمناً من كلّ

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٧.

(٢) قاله ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٤ : ٢٢٧.

(٣) تقدّم في الصفحة ١٢٦ و ١٢٨.

(٤) تقدّم في الصفحة ١٢٦ و ١٢٨.

(٥) في (ر) : ذمّيّة.

(٦) الوسائل ١٦ : ٣٩٣ ، الباب ٥٨ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ٧.

١٣١

خوف) (١) فلذا قال المصنّف : (إلّاطين قبر الحسين عليه السلام فيجوز الاستشفاء) منه لدفع الأمراض الحاصلة (بقدر الحمّصة) المعهودة المتوسّطة (فما دون) ولا يشترط في جواز تناولها أخذها بالدعاء وتناولها به؛ لإطلاق النصوص (٢) وإن كان أفضل.

والمراد بطين القبر الشريف تربة ما جاوره من الأرض عرفاً ، ورُوي إلى أربعة فراسخ (٣) ورُوي ثمانية (٤) وكلّما قرب منه كان أفضل. وليس كذلك التربة المحترمة منها ، فإنّها مشروطة بأخذها من الضريح المقدّس أو خارجه كما مرّ مع وضعها عليه ، أو أخذها بالدعاء. ولو وجد تربة منسوبة إليه عليه السلام حُكِم باحترامها حملاً على المعهود.

(وكذا) يجوز تناول الطين (الأرمني) لدفع الأمراض المقرّر عند الأطبّاء نفعه منها مقتصراً منه على ما تدعو الحاجة إليه بحسب قولهم المفيد للظنّ؛ لما فيه من دفع الضرر المظنون ، وبه رواية حسنة (٥) و (الأرمني) طين معروف يُجلب من إرمينيّة يضرب لونه إلى الصفرة ، ينسحق بسهولة ، يحبس الطبع والدم ، وينفع البثور والطواعين شرباً وطَلاءً ، وينفع في الوباء إذا بُلّ بالخَلّ واستنشق رائحته ، وغير ذلك من منافعه المعروفة في كتب الطبّ.

__________________

(١) المصدر السابق : ٣٩٦ ، الباب ٥٩ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ٢.

(٢) اُنظر الوسائل ١٦ : ٣٩٥ ـ ٣٩٧ ، الباب ٥٩ من الأبواب.

(٣) هكذا ورد في غيره من الكتب ، مثل المهذّب البارع ٤ : ٢٢٠ ، ولكن لم نعثر عليه في الروايات كما اعترف به النراقي في المستند ١٥ : ١٦٦. نعم ، ورد في الروايات التحديد بخمسة فراسخ وأربعة أميال وعشرة أميال وغيرها ، اُنظر الوسائل ١٠ : ٣٩٩ ، الباب ٦٧ من أبواب المزار ، و ١٦ : ٣٩٥ ، الباب ٥٩ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٤) هكذا ورد في غيره من الكتب ، مثل المهذّب البارع ٤ : ٢٢٠ ، ولكن لم نعثر عليه في الروايات كما اعترف به النراقي في المستند ١٥ : ١٦٦. نعم ، ورد في الروايات التحديد بخمسة فراسخ وأربعة أميال وعشرة أميال وغيرها ، اُنظر الوسائل ١٠ : ٣٩٩ ، الباب ٦٧ من أبواب المزار ، و ١٦ : ٣٩٥ ، الباب ٥٩ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٥) اُنظر الوسائل ١٦ : ٣٩٩ ، الباب ٦٠ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث الأوّل.

١٣٢

(الخامسة) :

(يحرم السُمّ) بضمّ السين (كلّه) بجميع أصنافه جامداً كان أم مائعاً إن كان يقتل قليله وكثيره (ولو كان كثيره يقتل) دون قليله كالأفيون والسَقْمونيا (حَرُم) الكثير القاتل أو الضارّ (دون القليل (١)) هذا إذا اُخذ منفرداً ، أمّا لو اُضيف إلى غيره فقد لا يضرّ منه الكثير ، كما هو معروف عند الأطبّاء. وضابط المحرّم ما يحصل به الضرر على البدن وإفساد المزاج.

(السادسة) :

.(يحرم الدم المسفوح) أي المُنصبّ من عِرق بكثرة ، من سفحت الماء إذا أهرقته (وغيره كدم القُراد (٢) وإن لم يكن) الدم (نجساً) لعموم : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةُ وَاَلدَّمُ) (٣) ولاستخباثه (أمّا ما يتخلّف في اللحم) ممّا لا يقذفه المذبوح (فطاهر من المذبوح) حلال ، وكان عليه أن يذكر الحلّ؛ لأنّ البحث إنّما هو فيه ، ويلزمه الطهارة إن لم يذكرها معه.

واحترز بالمتخلّف في اللحم عمّا يجذبه النَفَس إلى باطن الذبيحة ، فإنّه حرام نجس. وما يتخلّف في الكبد والقلب طاهر أيضاً ، وهل هو حلال كالمتخلّف في اللحم؟ وجه. ولو قيل بتحريمه كان حسناً؛ للعموم.

ولا فرق في طهارة المتخلّف في اللحم بين كون رأس الذبيحة منخفضاً عن جسدها وعدمه؛ للعموم خصوصاً بعد استثناء ما يتخلّف في باطنها في غير اللحم.

__________________

(١)في (ق) : قليله.

(٢) دويبة تتعلّق بالبعير ونحوه ، وهي كالقمل للإنسان.

(٣) المائدة : ٣.

١٣٣

(السابعة) :

(الظاهر أنّ المائعات النجسة غير الماء)كالدِبس وعصيره واللبن والأدهان وغيرها (لا تطهر) بالماء وإن كان كثيراً (ما دامت كذلك) أي باقية على حقيقتها بحيث لا تصير باختلاطها بالماء الكثير ماءً مطلقاً؛ لأنّ الذي يطهر بالماء شرطه وصول الماء إلى كلّ جزء من النجس ، وما دامت متميّزة كلّها (١) أو بعضها لا يتصوّر وصول الماء إلى كلّ جزء نجس ، وإلّا لما بقيت كذلك.

هذا إذا وضعت في الماء الكثير ، أمّا لو وصل الماء بها وهي في محلّها ، فأظهر في عدم الطهارة قبل أن يستولي عليها أجمع؛ لأنّ أقلّ ما هناك أنّ محلّها نجس؛ لعدم إصابة الماء المطلق له أجمع ، فينجس ما اتّصل به منها وإن كثر؛ لأنّ شأنها أن تنجس بإصابة النجاسة (٢) لها مطلقاً.

وتوهّم طهارة محلّها وما لا يصيبه الماء منها بسبب إصابته لبعضها في غاية البُعد. والعلّامة في أحد قوليه أطلق الحكم بطهارتها؛ لممازجتها المطلق وإن خرج عن إطلاقه أو بقي اسمها (٣) وله قول آخر بطهارة الدهن خاصّة إذا صُبّ في الكثير وضُرِب فيه حتّى اختلطت أجزاؤه به (٤) وإن اجتمعت بعد ذلك على وجهه.

وهذا القول متّجه على تقدير فرض اختلاط جميع أجزائه بالضرب ولم يخرج الماء المطلق عن إطلاقه.

وأمّا الماء فإنّه يطهر باتّصاله بالكثير ممازجاً له عند المصنّف (٥) أو غير

__________________

(١) لم يرد في المخطوطات.

(٢) في (ر) : النجس.

(٣) لم نعثر عليه في كتبه ولا على من نقل عنه.

(٤) قاله في التذكرة ١ : ٨٨ ، والمنتهى ٣ : ٢٩١ ـ ٢٩٢ ، والنهاية ١ : ٢٨١.

(٥) الدروس ١ : ١٢٠ ، والذكرى ١ : ٨٥.

١٣٤

ممازج على الظاهر سواء صُبّ في الكثير ، أو وصل الكثير به ولو في آنية ضيّقة الرأس مع اتّحادهما عرفاً ، أو عُلوّ الكثير.

(وتُلقى النجاسة وما يكتنفها) ويلاصقها (من الجامد) كالسمن ، والدبس في بعض الأحوال ، والعجين ، والباقي طاهر على الأصل. ولو اختلفت أحوال المائع كالسمن في الصيف والشتاء فلكلّ حالةٍ حكمها. والمرجع في الجمود والميعان إلى العرف؛ لعدم تحديده شرعاً.

(الثامنة) :

(تحرم ألبان الحيوان المحرَّم لحمه)كالهرّة والذئبة واللبوة (١) (ويُكره لبن المكروه لحمه كالاُتُن) ـ بضمّ الهمزة والتاء وبسكونها ـ جمع أتان ـ بالفتح ـ الحمارة ذكراً أو اُنثى ، ولا يقال في الاُنثى : أتانة.

(التاسعة) :

(المشهور)بين الأصحاب بل قال في الدروس : إنّه كاد أن يكون إجماعاً (٢) لوجدانه مطروحاً (بانقباضه بالنار) عند طرحه فيها (فيكون مذكّى ، وإلّا) ينقبض بل انبسط واتّسع وبقي على حاله (فميتة) والمستند رواية شعيب عن الصادق عليه السلام (في رجل دخل قرية فأصاب بها لحماً لم يدرِ أذكيّ هو أم ميّت؟ قال : فاطرحه على النار فكلّما انقبض فهو ذكيّ ، وكلّما انبسط فهو ميت) (٣) وعمل بمضمونها المصنّف في

__________________

(١) الاُنثى من الأسد.

(٢) الدروس ٣ : ١٤.

(٣) الوسائل ١٦ : ٣٧٠ ، الباب ٣٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث الأوّل.

١٣٥

الدروس (١) وردّها العلّامة (٢) والمحقّق في أحد قوليه (٣) لمخالفتها للأصل ، وهو عدم التذكية ، مع أنّ في طريق الرواية ضعفاً (٤).

والأقوى تحريمه مطلقاً ، قال في الدروس تفريعاً على الرواية : ويمكن اعتبار المختلط بذلك ، إلّاأنّ الأصحاب والأخبار أهملت ذلك (٥) وهذا الاحتمال ضعيف؛ لأنّ المختلط يُعلم أنّ فيه ميتاً يقيناً مع كونه محصوراً ، فاجتناب الجميع متعيّن. بخلاف ما يحتمل كونه بأجمعه مذكّى ، فلا يصحّ حمله عليه مع وجود الفارق.

وعلى المشهور لو كان اللحم قِطَعاً متعدّدة ، فلا بدّ من اعتبار كلّ قطعة على حدة لإمكان كونه من حيوان متعدّد. ولو فرض العلم بكونه متّحداً جاز اختلاف حكمه ، بأن يكون قد قطع بعضه منه قبلَ التذكية.

ولا فرق على القولين بين وجود محلّ التذكية ورؤيته مذبوحاً أو منحوراً ، وعدمه؛ لأنّ الذبح والنحر بمجرّدهما لا يستلزمان الحلّ؛ لجواز تخلّف بعض الشروط ، وكذا لو وُجِد الحيوان غير مذبوح ولا منحور. لكنّه مضروب بالحديد في بعض جسده؛ لجواز كونه قد استعصى فذُكِّي كيف اتّفق حيث يجوز في حقّه ذلك ، وبالجملة فالشرط إمكان كونه مذكّى على وجه يبيح لحمه.

__________________

(١)حيث قال في الموضع المتقدّم آنفاً : والعمل بالمشهور.

(٢) راجع الإرشاد ٢ : ١١٣ ، والتحرير ٤ : ٦٢٦ ، الرقم ٦٢٣٠ ، والقواعد ٣ : ٣٣٣.

(٣) وهو قوله في الشرائع ٣ : ٢٢٧ حيث نسبه إلى قيل ، المشعر بالتضعيف. والقول الآخر اختاره في المختصر النافع : ٢٥٤.

(٤) لأنّ إسماعيل بن عمر واقفيّ وشعيباً مطلق ، وهو مشترك بين الثقة والممدوح والمهمل (المسالك ١٢ : (٩٧).

(٥) الدروس ٣ : ١٤.

١٣٦

(العاشرة) :

(لا يجوز استعمال شعر الخنزير)كغيره من أجزائه مطلقاً وإن حلّت من الميتة غيره ، ومثله الكلب (فإن اضطرّ إلى استعمال شعر الخنزير استعمل ما لا دَسَم فيه وغسل يده) بعد الاستعمال ، ويزول عنه الدَسَم بأن يُلقى في فخّار (١) ويجعل في النار حتّى يذهب دسمه. رواه بُرد الإسكاف عن الصادق عليه السلام (٢).

وقيل (٣) : يجوز استعماله مطلقاً (٤) لإطلاق رواية سليمان الإسكاف ، لكن فيها : (أنّه يغسل يده إذا أراد أن يصلّي) (٥) والإسكافان مجهولان ، فالقول بالجواز مع الضرورة حسن وبدونها ممتنع؛ لإطلاق تحريم الخنزير الشامل لموضع النزاع ، وإنّما يجب غَسل يده مع مباشرته برطوبة كغيره من النجاسات.

(الحادية عشرة) :

(لا يجوز) لأحد (الأكل من مال غيره) ممّن يُحترم مالُه وإن كان كافراً أو ناصبيّاً ، أو غيره من الفرق بغير إذنه؛ لقبح التصرّف في مال الغير كذلك ، ولأ نّه أكل مال بالباطل ، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعِرضه) (٦) (إلّا من بيوت من تضمّنته الآية) وهي قوله تعالى : (وَلاٰ عَلَى

__________________

(١) إناء من الخزف.

(٢) الوسائل ١٦ : ٤٠٤ ، الباب ٦٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث الأوّل.

(٣) قاله العلّامة في المختلف ٨ : ٣٢٣.

(٤) أي اختياراً أو اضطراراً ، زال دسمه أم لا. (منه رحمه الله).

(٥) الوسائل ١٦ : ٤٠٤ ، الباب ٦٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ٣.

(٦) مسند أحمد ٣ : ٤٩١ ، ومجمع الزوائد ٤ : ١٧٢.

١٣٧

أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمٰامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوٰالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خٰالاٰتِكُمْ أَوْ مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) (١) فيجوز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم وغيبتهم (إلّامع علم الكراهة (٢)) ولو بالقرائن الحاليّة بحيث تثمر الظنّ الغالب بالكراهة ، فإنّ ذلك كافٍ في هذا ونظائره ، ويطلق عليه العلم كثيراً.

ولا فرق بين ما يُخشى فساده في هذه البيوت وغيره ، ولا بين دخوله بإذنه وعدمه ، عملاً بإطلاق الآية. خلافاً لابن إدريس فيهما (٣).

ويجب الاقتصار على مجرّد الأكل ، فلا يجوز الحمل ، ولا إطعام الغير ، ولا الإفساد ، بشهادة الحال. ولا يتعدّى الحكم إلى غير البيوت من أموالهم ، اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورده ، ولا إلى تناول غير المأكول ، إلّاأن يدلّ عليه الأكل بمفهوم الموافقة كالشرب من مائه والوضوء به ، أو يدلّ عليه بالالتزام كالكون بها حالتَه.

وهل يجوز دخولها لغيره ، أو الكون بها بعده وقبله؟ نظر : من تحريم التصرّف في مال الغير إلّاما استثني ، ومن دلالة القرائن على تجويز مثل ذلك من المنافع التي لا يذهب من المال بسببها شيء حيث جاز إتلافه بما ذكر.

والمراد ب‍ (بُيُوتِكُمْ) ما يملكه الآكل؛ لأنّه حقيقة فيه. ويمكن أن تكون

__________________

(١) النور : ٦١.

(٢) في (ق) و (س) : الكراهية.

(٣) السرائر ٣ : ١٢٤ ، ولكنّه نسب التفصيل بين ما يخشى فساده وبين ما لا يخشى إلى بعض الأصحاب وقال : «والأوّل عدم التفصيل هو الظاهر» ، ولم نعثر على غيره فيه.

١٣٨

النكتة فيه ـ مع ظهور إباحته ـ الإشارة إلى مساواة ما ذكر له في الإباحة ، والتنبيه على أنّ الأقارب المذكورين والصديق ينبغي جعلهم كالنفس في أن يحبّ لهم ما يحبّ لها ، ويكره لهم ما يكره لها ، كما جعل بيوتهم كبيته.

وقيل : هو بيت الأزواج والعيال (١).

وقيل : بيت الأولاد (٢) لأنّهم لم يُذكروا في الأقارب مع أنّهم أولى منهم بالمودّة والموافقة ، ولأنّ ولد الرجل بعضه وحكمه حكم نفسه وهو وماله لأبيه (٣) فجاز نسبة بيته إليه. وفي الحديث (إنّ أطيب ما يأكل الرجل من كسبه ، وإنّ ولده من كسبه) (٤).

والمراد ب‍ (مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ) ما يكون عليها وكيلاً أو قيّماً يحفظها. واُطلق على ذلك ملك المفاتح؛ لكونها في يده وحفظه ، روى ذلك ابن أبي عمير مرسلاً عن الصادق عليه السلام (٥) وقيل : هو بيت المملوك (٦).

والمعنيّ في قوله : (أَوْ صَدِيقِكُمْ) بيوت صديقكم على حذف المضاف ، والصديق يكون واحداً وجمعاً ، فلذلك جمع البيوت. ومثله الخليط.

__________________

(١) قاله الطبرسي في مجمع البيان ٤ : ١٥٦ ، والفخر الرازي في تفسيره ٢٤ : ٣٦.

(٢) قاله الزمخشري في الكشّاف ٣ : ٢٥٦ ، ونسبه الفخر في تفسيره المتقدّم نفس الموضع إلى ابن قتيبة.

(٣) كما ورد في الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الوسائل ١٢ : ١٩٥ ـ ١٩٧ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الأحاديث ١ و ٨ و ٩.

(٤) المستدرك ١٣ : ٩ ، الباب الأوّل من أبواب مقدّمات التجارة ، الحديث ١٢.

(٥) الوسائل ١٦ : ٤٦٥ ، الباب ٢٤ من أبواب المائدة ، الحديث ٥.

(٦) قاله الطبرسي في مجمع البيان ٤ : ١٥٦ ، والراوندي في فقه القرآن ٢ : ٣٣.

١٣٩

والمرجع في «الصديق» إلى العرف؛ لعدم تحديده شرعاً ، وفي صحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام قلت : ما يعني بقوله : أو صديقكم؟ قال : هو واللّٰه الرجل يدخل بيت صديقه فيأكل بغير إذنه» (١) وعنه عليه السلام : «من عِظَم حرمة الصديق أن جُعل له من الاُنس والتفقّد والانبساط وطرح الحِشمة بمنزلة النفس والأب والأخ والابن» (٢).

والمتبادر من المذكورين كونهم كذلك بالنسب. وفي إلحاق من كان منهم كذلك بالرضاع وجه : من حيث إنّ «الرضاع لُحمة كلُحمة النسب» (٣) ولمساواته له في كثير من الأحكام. ووجه العدم : كون المتبادر النَسَبي منهم. ولم أقف فيه على شيء نفياً وإثباتاً ، والاحتياط التمسّك بأصالة الحرمة في موضع الشكّ.

وألحق بعض الأصحاب الشريك في الشجر والزرع والمباطخ (٤) فإنّ له الأكل من المشترك بدون إذن شريكه مع عدم علم الكراهة ، محتجّاً بقوله تعالى : (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ) (٥).

وفيه نظر؛ لمنع تحقّق التراضي مطلقاً ، وجعلها صفة للتجارة يقتضي جواز الأكل من كلّ تجارة وقع فيها التراضي بينهما ، وهو معلوم البطلان.

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٤٣٤ ، الباب ٢٤ من أبواب المائدة ، الحديث الأوّل.

(٢) نقله الزمخشري في الكشّاف ٣ : ٢٥٧ ، ونقله عنه الأردبيلي في زبدة البيان : ٣٧٠ ، وفيهما بدل التفقّد : الثقة.

(٣) لم ينسب العبارة إلى المعصوم ولم نعثر عليها في الجوامع الحديثيّة من الخاصّة والعامّة. والظاهر أنّها مصطادة من الأحاديث ، ويؤيّده ما قال ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢ ، وفيه : والرضاع لحمة كلحمة النسب لقوله عليه السلام «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

(٤) هو ابن فهد في المهذّب البارع ٤ : ٢٣٧. (منه رحمه الله).

(٥) النساء : ٢٩.

١٤٠