تراثنا العدد [ 62 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا العدد [ 62 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣٠٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

مجلّة تراثنا العدد 62

١
 &

تراثنا

العدد الثاني [ ٦٢ ]

السنة السادسة عشرة

محتويات العدد

* تشييد المراجَعات وتفنيد المكابَرات ( ١٧ ) .

......................................  السيّد علي الحسيني الميلاني ٧

* عدالة الصحابة ( ٥ ) .

...............................................  الشيخ محمّد السند ٤٨

* معجم مؤرّخي الشيعة ( ٦ ) .

...............................................  صائب عبد الحميد ٩٢

* دليل المخطوطات ( ٨ ) ـ مكتبة الفيض المهدوي .

......................................  السيّد أحمد الحسيني الاشكوري ١٣٥



ISSN ١٠١٦ – ٤٠٣٠

٢
 &

ربيع الآخر ـ جمادىٰ الأُولىٰ ـ جمادىٰ الآخرة

١٤٢١ هـ



* فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين العامّة / النجف الأشرف ( ٧ ) .

.......................................  السيّد عبد العزيز الطباطبائي قدس‌سره ١٨١

* مصطلحات نحوية ( ١٦ ) .

..........................................  السيّد علي حسن مطر ٢١٣

* من ذخائر التراث :

* فلسفة الميثاق والولاية ـ للإمام العلّامة السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي ( ١٢٩٠ ـ ١٣٧٧ هـ ) .

..............................  تحقيق : علي جلال باقر ٢٢٥

* من أنباء التراث .

........................................  هيئة التحرير ٢٨٥

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة كتاب « دلائل الصدق » للعلّامة الشيخ المظفّر ، محمّد حسن بن محمّد بن عبد الله النجفي ( ١٣٠١ ـ ١٣٧٥ هـ ) وهي بخطّ المصنّف رحمه‌الله ، والذي تقوم مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث بتحقيقه .

٣
 &

مجلّة تراثنا العدد 62

٤
 &

مجلّة تراثنا العدد 62

٥
 &

مجلّة تراثنا العدد 62

٦
 &

تشييد المراجَعات وتفنيد المكابَرات ( ١٧ )

السيّد عليّ الحسيني الميلاني

قوله تعالىٰ : ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ . . . ) (١) .

قال السيّد :

« وفيهم وفيمن فاخرهم بسقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام أنزل الله تعالىٰ : ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) » .

قال في الهامش :

« نزلت هذه الآية في عليٍّ وعمّه العبّاس وطلحة بن شيبة ؛ وذلك أنّهم افتخروا فقال طلحة : أنا صاحب البيت ، بيدي مفاتيحه وإليَّ ثيابه .

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٩

٧
 &

وقال العبّاس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها . وقال عليٌّ : ما أدري ما تقولان ! لقد صلّيت ستّة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد . فأنزل الله تعالىٰ هذه الآية .

هذا ما نقله الإمام الواحدي في معنىٰ الآية في كتاب أسباب النزول ، عن كلٍّ من الحسن البصري والشعبي والقرطبي (١) .

ونقل عن ابن سيرين ومرّة الهمداني أنّ عليّاً قال للعبّاس : ألا تهاجر ؟ ! ألا تلحق بالنبيّ صلّیٰ الله عليه وآله وسلّم ؟ ! فقال : ألستُ في أفضل من الهجرة ؟ ! ألستُ أسقي حاجّ بيت الله وأعمر المسجد الحرام ؟ ! فنزلت الآية .

قيل :

« إنّ أمر هذا المؤلّف من أعجب العجب ، كانت الأمانة العلميّة تقتضيه أن يشير ـ مجرّد إشارة ـ إلىٰ الرواية الأُولىٰ عند الواحدي في سبب نزول هذه الآية ، لكنّه لم يفعل ! إذ وجدها تنقض استشهاده .

فقد روىٰ مسلم في صحيحه ١٣ / ٢٦ من حديث النعمان بن بشير ، قال : كنت عند منبر رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم فقال رجل : ما أُبالي أنْ لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلّا أنْ أسقي الحاجّ .

وقال الآخر : ما أُبالي أنْ لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلّا أنْ أعمر المسجد الحرام .

وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل ممّا قلتم .

__________________

(١) هذا خطأ مطبعي ، والصحيح هو : القرظي ، وهو محمّد بن كعب .

٨
 &

فزجرهم عمر وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم وهو يوم الجمعة ، ولكنّي إذا صلّيت الجمعة دخلت فاستفتيت رسول الله في ما اختلفتم فيه ؛ فنزلت هذه الآية .

الطبري ١٤ / ١٦٩ ومسلم ١٣ / ٢٦ ، وأورده السيوطي في الدرّ ٣ / ٢١٨ وزاد نسبته لأبي داود وٱبن المنذر وٱبن أبي حاتم وٱبن حبان والطبراني وأبي الشيخ وٱبن مردويه .

وهكذا ، ترك المؤلّف الرواية الصحيحة المسندة ، وعمد إلىٰ الروايات الأُخرىٰ التي لا سند لها وبعضها مرسل ، وكلّها تسقط أمام الرواية الأُولىٰ الصحيحة ، وٱستشهد بها ، علىٰ أنّ في متن بعضها ما يشهد بعدم صحّتها ، فطلحة الذي يشير إليه المؤلّف لم يسلم وإنّما الذي أسلم هو عثمان بن طلحة » .

أقول :

أوّلاً : إنّ مقصود السيّد ـ رحمه الله ـ في هذه المراجعة المطوّلة التي تصلح لأنْ تكون كتاباً مستقلّاً ـ هو إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلّیٰ الله عليه وآله وسلّم بلا فصل ، من القرآن الكريم ، علىٰ ضوء روايات الفريقين وأقوال العلماء من الطرفين ؛ لأنّ المتّفق عليه أَوْلىٰ بالقبول في مقام البحث ، والحديث الذي استشهد به من هذا القبيل ، ورواته من أعلام القوم كثيرون كما سيأتي .

وأمّا الحديث الذي ذكره هذا المفتري فهو ممّا تفرّدوا به ، ولا يجوز لهم الاحتجاج به علينا بحسب قواعد المناظرة ، كما صرّح به غير واحدٍ من

٩
 &

أعلامهم كالحافظ ابن حزم الأندلسي (١) .

وثانياً : إنّ الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره ، ليس فيه ذِكر لاسم أحدٍ ، فهو « قال رجل » و « قال آخر » و « قال آخر » ، أمّا الحديث الذي استدلّ به السيّد ففيه أسماء القائلين بصراحةٍ ، فنقول :

١ ـ أيّ فائدة في هذا الحديث في مقام المفاضلة بين الأشخاص ؟ !

٢ ـ وأيّ مناقضة بين هذا الحديث وبين الحديث الذي استشهد به السيّد ؟ !

٣ ـ بل إنّ الحديث الذي استند إليه السيّد يصلح لأنْ يكون مفسّراً لحديث مسلم ، الذي أبهم فيه أسماء القائلين !

وثالثاً : إنّ الحديث الذي رواه الواحدي قد أورده السيوطي في الدرّ المنثور كذلك (٢) ونَسَبَه إلىٰ :

١ ـ عبد الرزّاق بن همّام الصنعاني ، وهو شيخ البخاري .

٢ ـ أبي بكر ابن أبي شيبة ، وهو شيخ البخاري .

٣ ـ محمّد بن جرير الطبري .

٤ ـ ابن أبي حاتم .

٥ ـ ابن المنذر .

٦ ـ ابن عساكر الدمشقي .

٧ ـ أبي نعيم الأصبهاني .

٨ ـ أبي الشيخ الأصبهاني .

__________________

(١) الفصل في الأهواء والنحل ٤ / ١٥٩ .

(٢) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ٣ / ٢١٨ .

١٠
 &

٩ ـ ابن مردويه .

فهؤلاء الأئمّة الأعلام من المحدثين . . . يروون هذه الرواية ، وبهم الكفاية !

ورابعاً : لقد ذكر المفسّرون الكبار من أهل السُنّة هذا الحديث بذيل الآية المباركة ، بل إنّ بعضهم قدّمه في الذِكر علىٰ غيره من الأخبار والأقوال :

* قال الحافظ ابن كثير ـ وهو الذي يعتمد عليه أتباع ابن تيميّة ـ : « قال عبد الرزّاق : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسماعيل ، عن الشعبي ، قال : نزلت في عليٍّ والعبّاس رضی الله عنهما بما تكلّما في ذلك .

وقال ابن جرير : حدّثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة ، عن أبي صخر ، قال : سمعت محمّد بن كعب القرظي يقول : افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعبّاس بن عبد المطّلب وعليّ بن أبي طالب . . .

وهكذا قال السدّي إلّا أنّه قال : افتخر عليّ والعبّاس وشيبة بن عثمان ؛ وذكر نحوه .

وقال عبد الرزّاق : أخبرنا معمر ، عن عمرو ، عن الحسن ، قال : نزلت في عليٍّ وعبّاس وشيبة ، تكلّموا في ذلك . . .

ورواه محمّد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ؛ فذكر نحوه » .

وهنا أورد ابن كثير الحديث الآخر ووصفه بـ « المرفوع » فقال : « وقد ورد في تفسير هذه الآية حديث مرفوع ، فلا بُدّ من ذِكره هنا ، قال عبد الرزّاق : أخبرنا معمر ، عن يحيىٰ بن أبي كثير ، عن النعمان بن

١١
 &

بشير . . . » (١) .

أقول :

فأمر هؤلاء المفترين من أعجب العجب ! كيف يُعرضون عن الحديث المعتبر ، المروي من طرقهم بالأسانيد الكثيرة ، المتّفق عليه بين المسلمين ، الواضح في دلالته ، الصريح في معناه ، ويذكرون في مقابله حديثاً مبهماً في معناه ، تفرّد به بعضهم ، ولم يعبأ به جُلّهم ، ثمّ يتّهمون علماء الطائفة المحقّة بعدم الأمانة العلمية ؟ !

إنّهم طالما يستندون إلىٰ روايات ابن كثيرٍ وأمثاله ، أمّا في مثل هذا المقام فلا يعبأون بذلك ولا يرجعون إليه ! !

إنّهم ينقلون ذلك الحديث عن الدرّ المنثور ويذكرون نسبته إلىٰ من رواه من المحدّثين ، ولا يشيرون ـ ولا مجرّد إشارة ـ إلىٰ وجود الحديث الذي رواه السيّد عن الواحدي في الدرّ المنثور عن عدّةٍ كبيرة من أئمّتهم ! !

* وقال القرطبي : « وظاهر هذه الآية أنّها مبطلة قول من افتخر من المشركين بسقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام ، كما ذكره السدّي ، قال : افتخر عبّاس بالسقاية ، وشيبة بالعمارة ، وعليٌّ بالإسلام والجهاد ، فصدّق الله عليّاً وكذّبهما . . وهذا بيّن لا غبار عليه » .

ثمّ إنّه تعرض لحديث مسلم ، وذكر فيه إشكالاً ، وحاول دفعه بناءً علىٰ وقوع التسامح في لفظ الحديث من بعض الرواة ، فراجعه (٢) .

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ٢ / ٢٩٦ .

(٢) تفسير القرطبي ٨ / ٩٢ .

١٢
 &

أقول :

وبذلك يظهر أنّ في حديث مسلم إشكالاً في المعنى والدلالة أيضاً !

* وقال الآلوسي بتفسير الآية والمقصود بالخطاب في ( أَجَعَلْتُمْ ) : « الخطاب إمّا للمشركين علىٰ طريقة الالتفات ، وٱختاره أكثر المحقّقين . . . وإمّا لبعض المؤمنين المؤثِرين للسقاية والعمارة علىٰ الهجرة والجهاد ، وٱستُدِلّ له بما أخرجه مسلم . . . وبما روي من طرق أنّ الآية نزلت في عليٍّ كرّم الله وجهه والعبّاس . . . وأيّد هذا القول بأنّه المناسب للاكتفاء في الردّ عليهم ببيان عدم مساواتهم عند الله تعالىٰ للفريق الثاني . . . » (١) .

أقول :

ومن هذا الكلام يُفهم :

١ ـ أنْ لا تعارض بين حديث مسلم وحديثنا ، كما أشرنا من قبل .

٢ ـ إنّ لحديثنا طُرُقاً لا طريق واحد ، وٱعترف به الشوكاني أيضاً (٢) .

٣ ـ إنّه كان بعض المؤمنين يؤثِر السقاية والعمارة علىٰ الهجرة والجهاد ! فجاءت الآية لتردّ عليهم قولهم ، بأنّ الفضل للهجرة والجهاد دون غيرهما .

وتلخّص :

إنّ حديثنا معتبر سنداً ، وهو عندهم بطرقٍ ، في أوثق مصادرهم في

__________________

(١) روح المعاني ١٠ / ٦٧ .

(٢) فتح القدير ٢ / ٣٤٦ .

١٣
 &

الحديث والتفسير ، ودلالته علىٰ أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام من سائر الصحابة واضحة ؛ لأنّ الإمام قد استدلّ لأفضليّته بما يقتضي الفضل علىٰ جميع الأُمّة ، وقد صدّق الله سبحانه عليّاً عليه السلام في ما قاله ، وإذا كان هو الأفضل فهو الأَوْلىٰ بالإمامة والولاية العامّة بعد رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم .

وأمّا الحديث الوارد في كتاب مسلم فلا يعارض الحديث المذكور ، علىٰ إنّه متفرَّد به ، ومخدوش سنداً ودلالةً باعتراف أئمّتهم !

*       *      *

١٤
 &

قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ . . . ) (١) .

قال السيّد :

« وفي جميل بلائهم وجلال عنائهم قال الله تعالىٰ : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) وقال : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) » .

قال في الهامش :

« أخرج الحاكم في الصفحة ٤ من الجزء ٣ من المستدرك عن ابن عبّاس ، قال : شرىٰ عليٌّ نفسه ولبس ثوب النبيّ . . الحديث ؛ وقد صرّح الحاكم بصحّته علىٰ شرط الشيخين وإنْ لم يخرجاه ، وٱعترف بذلك الذهبي في تلخيص المستدرك .

وأخرج الحاكم في الصفحة المذكورة أيضاً عن عليّ بن الحسين ، قال : إنّ أوّل من شرىٰ نفسه ابتغاء رضوان الله عليّ بن أبي طالب ، إذ بات

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٠٧ .

١٥
 &

علىٰ فراش رسول الله . ثمّ نقل أبياتاً لعليٍّ أوّلها :

وقيتُ بنفسي خيرَ من وطئ الحصا

ومن طافَ بالبيت العتيق وبالحجر »

فقيل :

« هذه الآية من سورة البقرة ، وهي مدنيّة بالاتّفاق . وقيل : نزلت لمّا هاجر صهيب وطلبه المشركون ، فأعطاهم ماله وأتىٰ المدينة ، فقال له النبيّ صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم : ربح البيع أبا يحيىٰ .

علىٰ إنّ عليّاً رضي الله عنه ممّن شروا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله ، ليس في ذلك شكّ » .

أقول :

إنّه لا مناص للمتعصّبين من القوم من الالتزام بصحّة ما وافق الذهبيُّ الحاكمَ النيسابوري في تصحيحه ؛ لأنّ ما يصحّحه الذهبي ـ علىٰ شدّة تعصّبه ـ لا يمكنهم التكلّم فيه أبداً !

فإلىٰ هذه الآية ونزولها في هذه القضيّة أشار ابن عبّاس في قوله في حديث المناقب العشر ، التي اختصّ بها أمير المؤمنين عليه السلام : « وشرىٰ عليٌّ نفسه ، لبس ثوب النبيّ صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم ونام مكانه . . . » (١) .

__________________

(١) هذا الحديث من أصحّ الأحاديث وأثبتها كما نصّ عليه كبار الحفّاظ ، كابن عبد البرّ في الاستيعاب ، والمزّي في تهذيب الكمال ، وأخرجه أبو داود الطيالسي والنسائي وأحمد وكبار الأئمّة الأعلام . . ولنا فيه رسالة مستقلّة مطبوعة في ملحقات كتابنا الكبير نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار .

١٦
 &

هذا ، ولا ينافي ذلك كون سورة البقرة مدنيّة .

ودلالة الآية المباركة بضميمة الحديث الصحيح علىٰ أفضلية الإمام عليه السلام واضحة ، والأفضل هو الإمام بالاتّفاق .

*       *      *

١٧
 &

قوله تعالىٰ : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ . . . ) (١) .

قال السيّد :

« ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) » .

قال في الهامش :

« أخرج المحدّثون والمفسّرون وأصحاب الكتب في أسباب النزول بأسانيدهم إلىٰ ابن عبّاس في قوله تعالىٰ : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ) قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب ، كان عنده أربعة دراهم ، فأنفق بالليل واحداً وبالنهار واحداً وفي السرّ واحداً وفي العلانية واحداً . . فنزلت الآية .

أخرجه الإمام الواحدي في أسباب النزول بسنده إلىٰ ابن عبّاس . وأخرجه أيضاً عن مجاهد ، ثمّ نقله عن الكلبي مع زيادة فيه » .

فقيل :

« هذه الرواية كذب علىٰ ابن عبّاس ، وهي من رواية عبد الوهّاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس .

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٧٤ .

١٨
 &

وعبد الوهّاب بن مجاهد ، كذّبه سفيان الثوري ، وقال أحمد : ليس بشيء ضعيف الحديث ، وقال النسائي : ليس بثقة ولا يُكتب حديثه ، وقال وكيع : كانوا يقولون إنّه لم يسمع من أبيه ، وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يُرغب عن الرواية عنهم ، وقال الحاكم : روىٰ أحاديث موضوعة ، وقال ابن الجوزي : أجمعوا علىٰ ترك حديثه .

وكذلك هي رواية عن الكلبي .

راجع الحاشية رقم ١٣ .

ومع إنّ الواحدي سبق وذكر في هذه الآية أربع روايات تخالف ما ذهب إليه المؤلّف ، إلّا أنّه اختار ما لم يصحّ لأنّه يؤيّد مذهبه ؛ فتأمّل سلامة منهجه .

وقد علّق شيخ الإسلام ابن تيميّة في ردّه علىٰ ابن المطهّر في هذه الآية بقوله : « لكن هذه التفاسير الباطلة يقول مثلها كثير من الجهّال . . . » .

أقول :

قال الحافظ السيوطي في الدرّ المنثور بتفسير هذه الآية :

« وأخرج عبد الرزّاق ، وعبد بن حميد ، وٱبن جرير ، وٱبن المنذر ، وٱبن أبي حاتم ، والطبراني ، وٱبن عساكر ، من طريق عبد الوهّاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس ، في قوله : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ) قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب ، كانت له أربعة دراهم ، فأنفق بالليل درهماً وبالنهار درهماً وسرّاً درهماً وعلانيةً

١٩
 &

درهماً » (١) .

فمن رواة هذا الخبر :

١ ـ عبد الرزّاق بن همّام الصنعاني ، وهو شيخ البخاري .

٢ ـ عبد بن حميد ، وهو صاحب المسند المعروف .

٣ ـ ابن المنذر ، وهو المفسّر الكبير .

٤ ـ ابن أبي حاتم ، صاحب التفسير وغيره من الكتب المعتمدة .

٥ ـ الطبراني ، صاحب المعاجم الثلاثة .

٦ ـ ابن عساكر ، حافظ الشام .

فقد أورد السيوطي هذا الحديث بذيل الآية المذكورة ، ونسبه إلىٰ هؤلاء الأعلام ، وهم يروونه عن عبد الوهّاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس .

ورواه الحافظ ابن الأثير بإسناده عن « عبد الرزّاق ، حدّثنا عبد الوهّاب ابن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس . . . ( ثم قال ) :

ورواه عفّان بن مسلم ، عن وهيب ، عن أيّوب ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ؛ مثله » (٢) .

* ووردت الرواية في :

١ ـ تفسير القرطبي : « عن عبد الرزّاق : أخبرنا عبد الوهّاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس ، أنّه قال : نزلت في عليّ . . . » (٣) .

٢ ـ تفسير البغوي : « روي عن مجاهد ، عن ابن عبّاس رضي الله

__________________

(١) الدرّ المنثور ١ / ٣٦٣ .

(٢) أُسد الغابة ٤ / ٩٩ .

(٣) تفسير القرطبي ٣ / ٣٤٧ .

٢٠