تراثنا العدد [ 62 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا العدد [ 62 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣٠٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

في أحدهما ما ذكره الإشبيلي (١) ، وقال في الآخر : « البدل تابع يعتمد عليه في نسبة الإسنادِ إليه » (٢) ، وهو بمضمون حدّ الزمخشري المتقدّم من أنّ البدل « هو الذي يعتمد بالحديث » .

وعقّب عليه ابن هشام قائلاً : « وبيان ذلك : أنّك تقول : قام زيدٌ أخوكَ ، فيكون ذكر زيد لمجرّد التوطئة والتمهيد لذكر المقصود بالنسبة وهو الأخ ، وفائدة هذه أنّ الحكم مستفيد بها فضل تقوية وتقرير ؛ لأنّه بمنزلة إسناد الحكم إلىٰ المحكوم عليه مرّتين ، وهذا الحدّ . . . مختلٌّ ؛ فإنّه إنّما يصدق علىٰ بعض أمثلة البدل ، وهو البدل من المسند إليه ، وأمّا البدل من المنصوب والمجرور فلا » (٣) .

*       *      *

__________________

(١) غاية الإحسان في علم اللسان ، أبو حيّان الأندلسي ، مخطوط ٨ / أ .

(٢) شرح اللمحة البدرية ، ابن هشام ، تحقيق هادي نهر ٢ / ٢٣٤ .

(٣) شرح اللمحة البدرية ٢ / ٢٣٥ .

٢٢١
 &

مجلّة تراثنا العدد 62

٢٢٢
 &

مجلّة تراثنا العدد 62

٢٢٣
 &

مجلّة تراثنا العدد 62

٢٢٤
 &

مجلّة تراثنا العدد 62

٢٢٥
 &

مجلّة تراثنا العدد 62

٢٢٦
 &

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي أخذ الميثاق له بالربوبية والوحدانية ، ولنبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة ، ولأخيه أمير المؤمنين والأحد عشر من وُلده بالإمامة والولاية ، وأشهد العباد علىٰ أنفسهم علىٰ ذلك لكي يسدّ عليهم باب الاحتجاج يوم القيامة .

والصلاة والسلام علىٰ من تحمّل عبء الرسالة الثقيل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلىٰ أخيه ووصيّه أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وعلىٰ ابنته الزهراء البتول سيّدة نساء العالمين عليها‌السلام ، وعلىٰ الأئمّة المعصومين المنتجبين من وُلدهما عليهم‌السلام .

أمّا بعد .

فإنّ الميثاق والولاية من الأُمور الخطيرة التي تدخل في صميم العقيدة الإسلامية الحقّة ، وهي من البساطة بمكان حتّىٰ إنّها لا تحتاج من القارئ المنصف الذي يبحث عن الحقّ وأهله إلىٰ كثير من العناء والمشقّة ليزيل الغشاوة عن عينيه ليرىٰ نور الله الذي يضيء له طريق النجاة والفلاح .

فآيات القرآن الكريم صريحة جدّاً في إظهار أحقّية أهل البيت عليهم‌السلام

٢٢٧
 &

بالولاية والإمامة والخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، منها : ما تناولها كاتب هذه الرسالة الإمام العلّامة السيّد عبد الحسين شرف الدين قدس‌سره في القسم الأوّل منها ، وهي آية الميثاق ، وذلك في معرض جوابه عن سؤال الشيخ عبّاس قلي الواعظ التبريزي الجراندابي ، حين سأله عن معنىٰ قوله تعالىٰ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ) ، وذلك لو أردنا تفسيرها بغضّ النظر عن حملها علىٰ عالم الذرّ ، الذي نقول به ، والذي تثبت وقوع هذا الإشهاد وأخذ الميثاق فيه الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام .

وكذلك آية الولاية في القسم الثاني من الرسالة ، حين سأله عن قوله تعالىٰ : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) بأنّها آية واحدة مسوقة لبيان الأحكام ، فأيّ ربط لها بتعيين الإمام ؟ !

والأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة السند والمتواترة تملأ بطون الكتب ، سواء في ذلك روايات الفريقين ، وحتّىٰ تلك الفرق المعادية لأهل البيت عليهم‌السلام تظهر في مرويّاتهم وبوضوح أحقّيّة أهل البيت عليهم‌السلام بالخلافة والإمامة ، فنلاحظ من خلالها أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدّخر جهداً في توضيح هذه المسألة وإبلاغه الناس ، منذ اللحظة الأُولىٰ من البعثة النبوية المباركة وحتّىٰ آخر لحظة من حياته الشريفة ، حين طلب منهم أن يحضروا له دواة

٢٢٨
 &

وكتفاً ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً .

فنحن نعتقد بأنّ معرفة الحقّ قد خُزنت في قلوب بني آدم منذ أن أشهدهم الله علىٰ أنفسهم حين رأوا من حقائق الأُمور ما جعلهم يقرّون مستسلمين بالبداهة التي تتداعىٰ في الذهن من جملة : ( قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ) ، إلّا أنّ عدم وجود المؤهّل الذاتي ، أو وجود تراكمات الذنوب والأوهام والخطرات وتلويث النطف ، وغيرها ، تحول دون أن يرىٰ الإنسان مكامن النور في قلبه ، وذلك لكونها محجوبة بحجب الأدران والزيغ ، فيبدأ مسيرته باتّجاه نسيان ما رآه وعرفه . . ( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) .

ومتىٰ ما أقبلت النفس علىٰ الأعمال التي من شأنها أن تعمل علىٰ تصفيتها وتهذيبها وتزكيتها ممّا علق بها من هذه الحجب تفتّحت مكامن المعرفة ، وتختلف هذه باختلاف سعي النفوس وراءها ، حتّىٰ يبلغ بها المقام عند مرتبة أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه‌السلام بقوله : « لو كُشف الغطاء ما ازددتُ يقيناً » (١) .

فجاءت هذه الرسالة صغيرة الحجم ، قوية السبك ، عالية المضامين ، جليّة الحجّة والبرهان .

*       *      *

__________________

(١) ٱنظر : غرر الحكم ودرر الكلم ٢ / ١٤٢ رقم ١ .

٢٢٩
 &

ترجمة المؤلّف (١)

يكلّ القلم وتعجز الأنامل عن إيفاء الكتابة عن حياة عالم كبير مثل السيّد شرف الدين قدس‌سره ، الذي هو علم من أعلام عصره ، الذي جمع بين العلم والجهاد ضدّ الاستعمار ومقارعته ، ولكنّنا وفاءً لقليل من الدين الذي علينا تجاه هذا الرجل العظيم ، ننقل قبساً من حياته التي قضاها في سبيل خدمة مذهب أهل البيت عليهم‌السلام .

اسمه ونسبه :

عبد الحسين بن يوسف بن الجواد بن إسماعيل بن محمّد بن محمّد بن إبراهيم شرف الدين بن زين العابدين بن علي نور الدين بن نور الدين علي بن الحسين الموسوي العاملي .

مولده :

وُلد السيّد شرف الدين في مدينة الكاظمية من العراق سنة ١٢٩٠ هـ ، من أبوين كريمين يصل نسبهما إلىٰ الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

عاد في الثانية والثلاثين من عمره إلى جبل عامل من جنوب لبنان حيث منبت أُسرته ، وغدا بعد فترة قليلة زعيمها الكبير .

__________________

(١) اعتمدت في هذه الترجمة علىٰ المصادر التالية :

أعيان الشيعة ٧ / ٤٥٧ ، الأعلام ٣ / ٢٧٩ ، معجم المؤلّفين ٢ / ٥٣ ، مقدّمة كتاب « المراجعات » .

٢٣٠
 &

قاد التغيير الاجتماعي في بلده ، ثمّ تصدّىٰ لمجابهة الاستعمار والاحتلال الفرنسي في لبنان ، فطاردته القوات الفرنسية وأحرقت بيته ومقرّه بما في ذلك مكتبته الكبرىٰ ، وشرّدت عائلته ، فتنقّل من لبنان إلىٰ الشام ففلسطين فمصر ، وأينما حلّ كان مشعلاً للإسلام ونوراً للمسلمين .

وفي سنة ١٣٢٩ زار مصر وٱلتقىٰ هناك الشيخ سليم البشري الذي تراسل معه في عدّة رسائل أنتجت في ما بعد كتاب « المراجعات » ، وكان قد زار المدينة المنوّرة نحو سنة ١٣٢٨ ، وفي سنة ١٣٤٠ حجّ بيت الله الحرام ، وفي سنة ١٣٥٥ زار العراق فإيران .

دراسته :

درس في النجف الأشرف وفي سامرّاء على أعلامهما أمثال الطباطبائي والخراساني وشيخ الشريعة الأصفهاني والشيخ محمّد طٰه نجف .

وفاته :

توفّي رحمه‌الله في إحدىٰ مستشفيات بيروت ، يوم الثلاثاء عاشر جمادىٰ الآخرة ١٣٧٧ هـ ، ونقل جثمانه إلىٰ بغداد بالطائرة ، بعد أن شيّع في بيروت تشييعاً رسمياً ، ودفن بالنجف الأشرف .

مؤلّفاته :

١ ـ المراجعات ؛ وقد انتشر انتشاراً واسعاً وطبع طبعات كثيرة .

٢٣١
 &

٢ ـ النصّ والاجتهاد .

٣ ـ الفصول المهمّة في تأليف الأُمّة .

٤ ـ الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء عليها‌السلام .

٥ ـ أبو هريرة .

٦ ـ أجوبة مسائل جار الله .

٧ ـ فلسفة الميثاق والولاية ، وهي الرسالة التي بين يديك عزيزي القارئ .

٨ ـ مسائل فقهية خلافية .

٩ ـ بغية الراغبين .

١٠ ـ ثبت الأثبات في سلسلة الرواة .

١١ ـ مؤلّفو الشيعة في صدر الإسلام .

١٢ ـ زكاة الأخلاق .

وغير ذلك من المؤلّفات المفيدة النافعة التي خدمت المذهب الحقّ .

منهجيّة التحقيق :

اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة علىٰ نسخة مطبوعة في ذيل رسالته المسمّاة « كلمة حول الرؤية » بالقطع الجيبي ، والتي طبعتها مكتبة نينوىٰ الحديثة ، في طهران ، بالتصوير عن الطبعة الثانية للرسالة ، المطبوعة في مطبعة العرفان ، في صيدا ، عام ١٣٧١ هـ / ١٩٥٢ م ، وٱقتصرتُ في تحقيق هذه الرسالة علىٰ :

١ ـ ضبط النصّ ، من حيث التقطيع والتصحيح .

٢٣٢
 &

٢ ـ استخراج الآيات القرآنية .

٣ ـ استخراج الأحاديث النبوية الشريفة ، وإرجاعها إلىٰ مصادرها الأصلية ، وقد ٱقتصرت فيها علىٰ ذِكرِ بعضٍ من أهمّ المصادر المخرِّجة لها ، إذ لو أردنا التوسّع في ذِكر المصادر ـ لا سيّما في أحاديث فضائل ومناقب أهل البيت عليهم‌السلام ـ لخرج بنا المقام عن هدف الرسالة المؤلّفة لأجله ، والتفصيل مرهونٌ في مظانّه ممّا أُلّفَ في خصوص كلٍّ منها .

٤ ـ استخراج الأبيات الشعرية التي وردت في الرسالة ، مع ترجمة مختصرة لقائلها .

٥ ـ توضيح المطالب المهمّة ، بشرحها والتعليق عليها ، أو إحالتها علىٰ مصادرها الأصلية .

٦ ـ شرح معاني الكلمات الغامضة والغريبة .

٧ ـ أبقيتُ علىٰ الهوامش التي أدرجها السيّد شرف الدين قدس‌سره في رسالته ، وألحقت بها جملة « منه قدس‌سره » .

٨ ـ أدرجت عدّة عناوين لتوضيح رؤوس المطالب ووضعتها بين القوسين المعقوفتين [  ] .

وفي الختام :

لا يسعني إلّا أن أُقدّم شكري الجزيل إلىٰ نشرة « تراثنا » الغرّاء ، التي حثّتني علىٰ الشروع بتحقيق هذه الرسالة القيّمة وإكمالها ، ومن ثمّ نشرها علىٰ صفحاتها .

وكذا أُسدي شكري إلىٰ أعضاء مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء

٢٣٣
 &

التراث / فرع دمشق ، الّذين ساهموا معي في إخراج هذا العمل إلىٰ الملأ العلمي لفائدته الجُلّىٰ ، لا سيّما الأخ عبد الكريم الجوهر ؛ والأخ السيّد محمّد علي الحكيم ، الذي قدّم لي التوجيهات اللازمة لإبراز هذه الرسالة بما يليق بها ، داعياً المولىٰ العليّ القدير أن يوفّقنا جميعاً لِما فيه خدمة مذهب أهل البيت عليهم‌السلام وبثّ علومهم ونشرها ، إنّه نعم المجيب .

وآخر دعوانا أنِ . .

« اللّهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن ، صلواتك عليه وعلىٰ آبائه ، في هذه الساعة ، وفي كلّ ساعة ، وليّاً وحافظاً ، وقائداً وناصراً ، ودليلاً وعيناً ، حتّىٰ تسكنه أرضك طوعاً ، وتمتّعه فيها طويلاً » .

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وصلّىٰ الله علىٰ سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، وسلّم تسليماً .

علي جلال باقر ذكرىٰ المبعث النبويّ الشريف ٢٧ رجب الحرام ١٤٢١ هـ

٢٣٤
 &

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين

إنّ أخي في الله عزّ سلطانه ، المخلص لله في دينه ويقينه ، القائم في نصرة الحقّ علىٰ ساقه ، المجاهد في سبيله بيده ولسانه وقلمه ، الشيخ الجليل الحاجّ عبّاس قلي الواعظ التبريزي الجراندابي (١) ، أدام الله سداده ،

__________________

(١) هو ميرزا عبّاس قلي صادق پور وجدي ، المشتهر بواعظ جرندابي ، وُلد بتبريز سنة ١٣١٥ وتوفّي فيها سنة ١٣٨٦ .

تعلّم العلوم الدينية عند الشيخ علي الشربياني [ المتوفّىٰ ٢ ذي القعدة ١٣٤٨ ، صاحب كتاب « معرفة الأئمّة » المطبوع في تبريز سنة ١٣٢٤ هـ ، و « خلاصة التوحيد » في الكلام ، لم يُطبع ] ، ودرس الرياضيّات والإسطرلاب علىٰ الميرزا لطف علي ، إمام الجمعة [ المتوفّىٰ عن حدود ٧٣ عاماً في ١٣٣٩ ] .

وقد أسّس الواعظ الجرندابي في سنة ١٣٣٦ هـ مدرسة جديدة سمّاها « الإرشاد » في راسته كوچه بتبريز ـ كما في تاريخ فرهنك آذربايجان ١ / ١٧٠ ـ وذلك في عهد رئاسة أبو القاسم فيرضات والدكتور أعلم الملك ، وفي عهد محمّد علي تربيت ترك المدرسة هذه وٱشتغل بالتدريس في المدرسة الطالبية القديمة فدرّس الرياضيّات والمنطق ، ثمّ في حدود ١٣٤١ أسّس عدّة من العلماء مدرسة « سرخاب وشترخاب » وعيّنوا الجرندابي مديراً لها برعاية الميرزا صادق المجتهد التبريزي ، وبعد مدّةٍ ترك هذه المدرسة وتفرّغ للوعظ والخطابة .

وللمترجَم مكتبةٌ نفيسةٌ تحتوي علىٰ أكثر من عشرة آلاف مجلّد ، أهدىٰ نفائسها والمخطوطات منها لمكتبة مشهد الإمام الرضا عليه‌السلام ـ آستانه قدس رضوي ـ ، وكان له مكاتبات مع علماء عصره ، كالسيّد محسن الأمين العاملي والشيخ محمّد جواد البلاغي والسيّد هبة الدين الشهرستاني والشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء والشيخ آقا بزرك الطهراني وغيرهم رحمهم‌الله .

٢٣٥
 &

وبلّغه رشاده ؛ أتحفني في هذه الأيام بكتاب مستطاب ، فرض علَيَّ فيه فلسفة الميثاق (١) والولاية . .

إذ سألني عن آيات تختصّ بهما كما سنفصّله في الجواب إن شاء الله تعالىٰ .

وحيث لا يسعني إلّا الإيجاب ؛ بادرت بالجواب ، علىٰ ما بي من البلبال ، في هذه الأحوال ، متوكّلاً علىٰ الله ، مستمدّاً من فيضه تبارك وتعالىٰ ، معتصماً به من خطل الرأي وعثرة القلم .

فأقول مخاطباً لجنابه العالي ـ وما توفيقي إلّا بالله ، عليه توكّلت وإليه أُنيب ـ :

__________________

ومن مؤلّفاته : عظمت حسين بن علي عليه‌السلام ، زندگاني محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتوماس كارلايل ، ذو القرنين وسدّ يأجوج ومأجوج ، هشت مقاله .

ٱنظر : مستدركات أعيان الشيعة ٣ / ١١٥ .

(١) الميثاقُ ـ من المواثقة والمعاهدة : العهد ؛ ومنه المَوْثِق ، تقول : واثقته بالله لأفعلنّ كذا وكذا .

انظر : لسان العرب ١٥ / ٢١٢ مادّة « وثق » .

٢٣٦
 &

[ الميثاق ]

سألتني أيّها الشيخ ـ أعزّك الله ـ عن قوله تعالىٰ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ) (١) . .

فقلتَ : ما معنىٰ هذه الآية إذا قطعنا النظر عن حملها علىٰ عالَم الذرّ ؟

وما وجه الاستشهاد بها علىٰ نبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإمامة أئمّتنا عليهم‌السلام ؟

فالجواب ـ إذاً ـ يقع في مقامين :

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ : ١٧٢ .

٢٣٧
 &

المقام الأوّل في معنىٰ الآية (١)

فأقول :

ظاهر الآية أنّها إنّما جاءت علىٰ سبيل التمثيل والتصوير ، فمعناها ـ والله تعالىٰ أعلم .

( وَ ) ٱذكر يا محمّد للناس ما قد واثقوا الله عليه بلسان حالهم التكوينيّ ، من الإيمان به والشهادة له بالربوبية ، وذلك ( إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) أي حيث أخذ ربّك جلّ سلطانه ( مِن بَنِي آدَمَ ) أي ( مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، فأخرجها من أصلاب آبائهم نطفاً ، فجعلها في قرار مكين من أرحام أُمّهاتهم ، ثمّ جعل النطف علقاً ، ثمّ مُضَغاً ، ثمّ عظاماً ، ثمّ كسا العظام لحماً ، ثمّ أنشأ كلّاً منهم خلقاً سويّاً (٢) ، قويّاً ، في أحسن تقويم (٣) ،

__________________

(١) إنّ هذه الآية المباركة من أعجب الآيات نظماً وأوضحها وأدقّها دلالة علىٰ الميثاق الذي أخذه الله سبحانه وتعالىٰ من بني آدم علىٰ ربوبيّته ، ويستفاد من سياق الآية والآيات التي بعدها أنّ الله تعالىٰ قطع عذر العباد بإقامته الحجّة عليهم ، إذ لولا هذا الأخذ والإشهاد علىٰ ربوبيته تعالىٰ ، ونبوّة النبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام ، لكان للعباد أن يحتجّوا علىٰ الله يوم القيامة بحجّة يدفعون بها عن أنفسهم العذاب لعدم إيمانهم أو شركهم به سبحانه ، ولعدم إيمانهم بالنبوّة والإمامة .

(٢) إشارة إلىٰ قوله تعالىٰ : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) سورة المؤمنون ٢٣ : ١٢ ـ ١٤ .

(٣) إشارة إلىٰ قوله سبحانه تعالى : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) سورة التين ٩٥ : ٤ .

٢٣٨
 &

سميعاً بصيراً (١) ، ناطقاً ، عاقلاً ، مفكّراً ، مدبّراً ، عالماً ، عاملاً ، كاملاً ، ذا حواسَّ ومشاعرَ وأعضاء أدهشت الحكماء ، وذا مواهب عظيمة ، وبصائر نيّرة تميّز بين الصحيح والفاسد ، والحسن والقبيح ، وتفرّقُ بين الحقّ والباطل ، فيدرك بها آلاء الله في ملكوته ، وآيات صنعه جلّ وعلا في خلق السماوات والأرض ، وٱختلاف الليل والنهار ، وفي نُظُمه المستقيمة جارية في سمائه وأرضه علىٰ مناهجه الحكيمة .

وبذلك وجب أن يكونوا علىٰ بيّنة قاطعة بربوبيّته ، مانعة عن الجحود بوحدانيّته .

فكأنّه تبارك وتعالىٰ إذ خلقهم علىٰ هذه الكيفية قرّرهم ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) فقال لهم : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) ؟ ! (٢) .

وكأنّهم ( قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ) علىٰ أنفسنا لك بالربوبية ، وبخعنا لعزّتك وجلالك بالعبودية ، نزولاً علىٰ ما قد حكمتْ به عقولنا ، وجزمتْ به

__________________

(١) إشارة إلىٰ قوله تعالىٰ : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) سورة الإنسان ٧٦ : ٢ .

(٢) نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٠٠ عن أبي سعيد الخدري ، قال : « حججنا مع عمر أوّل حجّة حجّها في خلافته ، فلمّا دخل المسجد الحرام ، دنا من الحجر الأسود فقبّله وٱستلمه ، وقال : إنّي لأعلم أنّك حجَر لا تضرّ ولا تنفع ، ولولا أنّي رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبّلك وٱستلمك لَما قبّلتك ولا استلمتك .

فقال له عليٌّ عليه‌السلام : بلى . . . إنّه ليضرُّ وينفع ، ولو علمتَ تأويل ذلك من كتاب الله لعلمتَ أنّ الذي أقول لك كما أقول ، قال الله تعالىٰ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ) فلمّا أشهدهم وأقرّوا له أنّه الربّ عزّ وجلّ وأنّهم عبيد ، كتب ميثاقهم في رقٍّ ، ثمّ ألقمه هذا الحَجر ، وله لعينين ولساناً وشفتين ، تشهد لمن وافاه بالموافاة ، فهو أمين الله عزّ وجلّ في هذا المكان .

فقال عمر : لا أبقاني الله في أرض لست بها يا أبا حسن ! » .

٢٣٩
 &

بصائرنا ، حيث ظهر لديها أمرك ، وغلب عليها قهرك ، فلا إلٰه إلّا أنت ، خلقتنا من تراب ، ثمّ أخرجتنا من الأصلاب نطفة ، ثمّ علقة ، ثمّ مضغة ، ثمّ عظاماً ، ثمّ كسوت العظام لحماً ، ثمّ أنشأتنا خلقاً آخر قد انطوىٰ فيه العالم الأكبر . .

فسبحانك سبحانك ما أسطع برهانك ، تحبّبت إلينا ، فدللتنا عليك بآياتك ، وأنت الغني الحميد ، وتفضّلت علينا ، فدعوتنا إليك ببيّناتك ، ونحن الفقراء العبيد ، ولولا أنت لم ندرِ ما أنت .

فلك الحمد إقراراً لك بالربوبية ، والحمدُ فضلُك ، ولك الشكرُ بخوعاً منّا بالعبودية ، والشكرُ طَوْلُك ، لا إلٰه إلّا أنت ربّ العرش العظيم .

هذا كلّه من مرامي الآية الكريمة ، وإنّما جاءت علىٰ سبيل التمثيل والتصوير ، تقريباً للأذهان إلىٰ الإيمان ، وتفنّناً في البيان والبرهان ، وذلك ممّا تعلو به البلاغة فتبلغ حدّ الإعجاز .

ألا ترىٰ كيف جعل الله نفسه في هذه الآية بمنزلة المُشهِد لهم علىٰ أنفسهم ، وجعلهم بسبب مشاهدتهم تلك الآيات البيّنات وظهورها في أنفسهم وفي خلق السماوات والأرض بمنزلة المعترف الشاهد ، وإن لم يكن هناك شهادة ولا إشهاد ؟ !

وباب التمثيل واسع في كلام العرب ، ولا سيّما في الكتاب والسُنّة ، قال الله تعالىٰ : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ) (١) . .

ضرورة أنّهم لم يشهدوا علىٰ أنفسهم بألسنتهم ، وإنّما شهدوا بألسنة

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٧ .

٢٤٠