نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

حيث يسلم عما أوردنا عليه من الاشكال ، ولكن الكلام حينئذ في أصل استفادة هذا المطلب من النصوص إذ لايكاد استفادة ذلك من شيء من النصوص لولا دعوى استفادة خلافه منها إذ المستفاد من مثل النصوص الواردة في الناسي للقرائة والسجدة والتشهد وفي الجاهل التارك للاجهار أو الاخفات بالقراءة وكذلك القصر والاتمام بمثل قوله عليه‌السلام ( قد تمت صلوته ولا يعيد ) وكذلك النصوص الواردة في الصلوات الاضطرارية بالنسبة إلى العاجز ، هو كون الصلوات المزبورة صلاة حقيقية لا انها ابدال للصلاة وان ما هو المسمى بالصلاة هو خصوص الصلاة الثابتة في حق العالم القادر المختار كما هو واضح.

وحينئذ فعلى كل حال لا مجال لما افاده في التقرير من الالتزام بالصحيح الشخصي بوجه أصلا كما لايخفى. وحينئذ فبعد بطلان احتمال الاشتراك اللفظي وتعدد الوضع بشهادة صحة قولك هذه الجماعة يصلون في جماعة يصلي كل واحد صلاة تغاير صلاة الآخر كالصلاة اليومية وصلاة الخسوف والعيدين وصلاة الجنازة من دون رعاية عناية في البين من نحو التأويل بالمسمى ، وبطلان تخصيص الوضع ببعض الأنواع دون بعض بجعل البقية ابدالا كما عن التقرير فلا محيص من الكشف عن قدر مشترك بين تلك المختلفات الكمية والكيفية يكون هو المسمى بالصلاة ويدور عليه مدار التسمية والصحة ، مع كونه أيضا من التشكيكيات التي تنطبق على الزائد والناقص بتمام الانطباق ، فينطبق على الفرد المشتمل على ثلاثة اجزاء والفرد المشتمل على أربعة اجزاء وهكذا الفرد المشتمل على تمام الاجزاء والشرائط الذي هو صلاة الكامل العالم المختار ، نظير مفهوم الجمع الصادق على الثلاثة والأربعة والخمسة ، ونظير مفهوم الكلمة الصادق على كل حرفين من حروف التهجي وعلى الثلاثة وعلى الأربعة فصاعدا ، ومفهوم الكلام الصادق على كل كلمتين فصاعدا.

وطريق كشف الجامع حينئذ انما هو أحد الامرين على سبيل منع الخلو :

الأول استكشافه من جهة ما ذكرنا من صدق مفهوم الصلاة على الصلوات المختلفة بحسب الكمية والكيفية وانسباق وحدة المفهوم منها الحاكية عن اتحاد الحقيقة ، نظير تمسكهم بانسباق مفهوم واحد من الوجود على كونه مشتركا معنويا ومتحدا في الحقيقة ، حيث إن الانسباق المزبور وصدق الصلاة على الصلوات المختلفة في قولك هذه الجماعة يصلون في جماعة يصلي كل واحد منها صلاة تخالف صلاة الآخر ، من دون رعاية عناية و

٨١

تأويل بالمسمى يقتضي قهرا وجود جامع بين تلك المختلفات مع كونه من قبيل التشكيكيات الصادقة على القليل والكثير. وحينئذ نقول بأنه بعد عدم جامع صوري محفوظ في البين بين تلك الافراد وعدم جامع مقولي ذاتي أيضا ـ لالتيام الصلاة خارجا من مقولات متعددة كالكيف والوضع والفعل والإضافة ونحوها ـ فلابد في تصويره من أن يجعل الجامع المزبور عبارة عن الجامع الوجودي.

وذلك انما هو بان يؤخذ من كل مقولة من تلك المقولات المتعددة جهة وجودها ، بالغاء الحدودات الخاصة المقومة لخصوصيات المقولات ، مع تحديد الوجود المزبور أيضا بان لا يخرج عن دائرة أفعال الصلاة واجزائها على اختلافها حسب اختلاف حالات المكلفين ، ثم جعله أيضا من التشكيكيات الصادقة على الزائد والناقص وعلى القليل والكثير ، فيقال في مقام شرح حقيقة الصلاة بأنها عبارة عن رتبة خاصة من الوجود المحدود بكونها من الدائرة المزبورة مع اشتمالها أيضا على الأركان ولولا بوصف مقوليتها بل بجهة وجودها الساري فيها ـ نظير تحديد مفهوم الكلمة مثلا الملتئمة من حرفين فصاعدا بكونها مشتملة على الحرف أو حرفين من حروف التهجي ـ وجعلها من طرف غير الأركان من الافعال والأذكار مبهما محضا وعلى نحو اللابشرط كي تصدق على ذي اجزاء خمسة وذي اجزاء سبعة فصاعدا بحيث يشار إليها في مقام الإشارة الاجمالية بما هو معراج المؤمن وما هو قربان كلي تقي وما هوناه عن الفحشاء والمنكر ، فإنه على هذا البيان يكون مفهوم الصلاة بعينه من قبيل مفهوم الكلمة المنطبق على كل حرفين من حروف التهجي فصاعدا ، ومن قبيل مفهوم الجمع الصادق على كل ثلاثة وأربعة فصاعدا على اختلاف مراتب الجمع قلة وكثر فينطبق الصلاة أيضا على كل واحدة من افراد الصلاة من صلاة الكامل العالم المختار وصلاة المضطر والغريق ونحوها من المصاديق المختلفة كيفية وكمية ، نحو انطباق الكلي المتواطي على افراده ومصاديقه ، ومع ذلك أيضا باعتبار جعلها لا بشرط من طرف غير الأركان يكون من قبيل الحقايق التشكيكية المتصورة في الكم الملتئم من اجزاء مختلفة بحسب المصداق من حيث الزيادة والنقصان.

واما ما قيل من استلزام هذا المعنى لجواز اتيان المكلف بأي نحو من الافراد والمصاديق في مقام الامتثال نظراً إلى تحقق الجامع المزبور الذي هو مورد تعلق التكليف والامر باتيان أي فرد من الافراد مع قضاء الضرورة من الدين ببطلانه ، من جهة ضرورية

٨٢

ان لكل شخص حسب اختلاف الحالات والعوارض الطارية عليه من السفر والحضر والاختيار والاضطرار والصحة والسقم وظيفة خاصة معينة بحيث لو أتى في مقام الامتثال بغير ما هو الوظيفة المقررة في حقه لما كان آتيا بالصلاة وما هو المأمور به في حقه ، فمدفوع بان هذا المحذور انما يتوجه لولا مدخلية الحالات الخاصة في حصر مصداق الجامع في حقه بصدور فعل خاص من فاعله ولو من جهة إناطة القرب في كل حالة مخصوصة بصدور فعل خاص منه ، والا فمع مدخلية تلك الحالات الخاصة في ذلك فلا مجال لهذا الاشكال فان عدم جواز اتيان المكلف العالم المختار مثلا بصلاة المضطر والغريق في مقام الامتثال انما هو من جهة مدخلية تلك الحالة الخاصة في جزئية الشيء الفلاني وشرطيته بنحو يستحيل تحقق الجامع المزبور بدونه ، كمدخلية كل حالة مخصوصة في انحصار المرتبة الخاصة من مراتب الجامع المزبور بها ، بملاحظة دوران التسمية مدار تأثيرها المختص كل مرتبة منها بطائفة خاصة ، وعليه يلزمه انحصار مصداق الجامع المزبور في حق كل طائفة بفرد خاص بنحو لايكاد تحقق الجامع منه بدونه.

ولئن شئت فاستوضح ذلك بما لو تعلق الغرض مثلا بشرب الماء المشبع والرافع للعطش الجامع بين ماء الكوز وماء الجرة وماء الحب وماء الشط مع فرض اختلاف الاشخاص حسب استعداد مزاجهم واختلاف حالاتهم الطارية عليهم في مقدار الرافع للعطش وفرض وجود الماء المزبور أيضا في ضمن هيئات مخصوصة واشكال متعدده ، حيث إنه باعتبار اختلاف الاشخاص قد يختلف مصداق المشبع من الماء أيضا في حقهم فيكون مصداق المشبع بالنسبة إلى شخص ماء الكوز على شكل خاص وهيئة مخصوصة ومصداق المشبع بالنسبة إلى آخر ماء الجرة على هيئة خاصة وبالنسبة إلى ثالث يكون مصداق المشبع في حقه ماء الحب ، وهكذا ، فصار مصداق المشبع من الماء الرافع للعطش في حق كل شخص غير ما هو المصداق في حق الاخر. وفى المقام أيضا كذلك حيث نقول بان الغرض الذي هو تكميل العباد المعبر عنه بقربان كل تقى تعلق بالجامع المزبور وان لهذا الجامع مصاديق متعددة مختلفة بحسب الكيفية والكمية حسب اختلاف حالات المكلفين فكان مصداق الجامع المزبور في حق كل طائفة مخصوصا بفرد خاص ولو بلحاظ إناطة القرب في كل حالة مخصوصة بفعل خاص من فاعله بنحو لايكاد بدونه تحقق الجامع منه في الخارج ولاتحقق الغرض الذي هو التكميل الا به.

٨٣

وعلى هذا فتلخص ان حقيقة الصلاة التي رتب عليها غرض التكميل لا تكون الا عبارة عن معنى بسيط وحداني لايكون بجوهر ولا عرض بل مرتبة خاصة من الوجود من المقولات الخاصة بعد الغاء خصوصيات الحدود والمقولات المحدودة بكونها من أول التكبيرة إلى آخر التسليم مثلا ، ولها جهة كلية بالنسبة إلى الافراد العرضية ينطبق عليها بنحو التواطئ ، وكلية بالقياس إلى الاجزاء والافراد الطولية ينطبق عليها بنحو السريان والتشكيك ، نظير مفهوم الجامع الصادق على الثلاثة والأربعة وغيرها من مراتب الجمع على اختلافها قلة وكثرة ، نعم في عالم تنزل تلك الحقيقة ومرحلة تحققها في الخارج ، تحتاج إلى خصوصيات الحدود والمقولات ، نظراً إلى استحالة تحقق تلك الحقيقة في الخارج الا محدودة بحدود خاصة وفي ضمن المقولات المخصوصة من الكيف والفعل والإضافة والوضع ونحوها ، وذلك أيضا على اختلاف حالات المكلفين في الدخل في لزوم صدور فعل خاص من فاعله الذي لايكاد بدونه تحقق الجامع منه في الخارج ، ومرجع ذلك كله إلى كون دخل الحدود والمقولات الخاصة من باب كونها من المشخصات الفردية لحقيقة الصلاة بلا ان يكون لها دخل في أصل حقيقة الصلاة بوجه أصلا كي يلزمها كونها أمرا مركبا من المقولات المتعددة كما هو واضح. وبذلك أيضا يجمع بين ما ذكرنا من بساطة حقيقة الصلاة وبين ما ورد في شرح الصلاة بأنها ركوع وسجود وقراءة ونحوها ، حيث يحمل تلك النصوص على بيان المصداق الخارجي للصلاة.

الثاني : من طرق كشف الجامع على صحيح استكشافه من جهة وحدة الأثر المترتب عليها على ما يقتضيه النصوص الواردة في مقام اثبات بعض الخواص والآثار للصلاة من نحو قوله عليه‌السلام الصلاة قربان كلي تقى وانها معراج المؤمن وانها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، حيث إنه جهة القرب والتكميل بعد أن كان اثرا بسيطا غاية البساطة فلا بد بمقتضي وحدته وبساطته من كشف جامع وحداني بسيط بين تلك المختلفات الكمية والكيفية يكون هو المؤثر في ذلك الأثر الوحداني البسيط نظراً إلى استحالة تأثير المتبائنات بما هي كذلك في واحد بسيط. واما احتمال ان يكون الأثر الوحداني في المقام اثرا ذا جهات متعددة مختلفة يؤثر كل امر من تلك الأمور المتعددة في جهة من ذلك الأثر ، فمدفوع بان جهة المقربية والمعراج ليست الا عبارة عن تكميل العبد وبلوغ نفسه بمرتبة خاصة من الكمال بها يصير العبد موردا للألطاف الإلهية والعنايات الخاصة

٨٤

الرحمانية ، ومن المعلوم بداهة ان مثل ذلك لايكون الا أمرا بسيطا وحدانيا غير ذي جهات ، وعليه فبعد امتناع المتبائنات في امر وحداني بسيط فلا بد بمقتضي بساطة الأثر ووحدته من وجود جامع وحداني في البين بين تلك الافراد المتعددة المختلفة بحيث نشير إليه بنحو الاجمال بما هو قربان كل تقى وما هو معراج المؤمن وان لك يمكننا تحديده تفصيلا ، مع امكان تحديده بوجه اجمالي أبسط أيضا بالإشارة إلى تلك الحقيقة بالوجود المحفوظ بين تلك المراتب من مرتبة صلاة الغريق إلى مرتبة صلاة الكامل العالم المختار ، بالغاء خصوصيات الحدود والمراتب الخاصة ، فيقال بان حقيقة الصلاة عبارة عن معنى وحداني بسيط غير ذي جهات لا تكون بجوهر ولا عرض بل مرتبة خاصة من الوجود المحفوظ بين المراتب من الصلاة المختلفة المحدودة حدها من التكبيرة إلى آخر التسليم ، بالغاء خصوصيات التكبيرة والقيام والركوع والسجود ونحوها ، بجعل تلك الحدود والمقولات الخاصة من المشخصات الفردية للصلاة لا من مقولات حقيقتها.

ثم لايخفى عليك انه كما يستكشف الجامع الافرادي بمقتضى البيان المزبور بين افراد الصلوات المختلفة كذلك لابد من الكشف عن جامع اجزائي أيضا بين الاجزاء من افراد الصلوات يكون هو المؤثر في ذلك الأثر الوحداني البسيط مع كونه أيضا من قبيل الحقايق التشكيكية الصادقة على الزائد والناقص ، والفرق بينه وبين الجامع الافرادي هو الفرق بين الطبيعة الصرفة المتحققة بأول وجود فردها والطبيعة السارية في ضمن جميع الافراد ، فيكون الجامع الافرادي من قبيل الأول والجامع الاجزائي من قبيل الثاني ، من حيث عدم تحققه بمرتبة المؤثر الفعلي منه الا في صورة تحقق مجموع الاجزاء ، وان تحقق مرتبة أخرى غير مؤثرة فعلا بتحقق بعض الاجزاء ، مثلا لو فرضنا تركب فرد من اجزاء ثمانية أو عشرة يكون المؤثر الفعلي من الجامع المزبور الساري في مجموع الاجزاء الثمانية أو العشرة وما دون تلك المرتبة يكون مؤثرا شأنيا لا فعليا فإذا تحقق في الخارج الاجزاء الثمانية أو العشرة يتحقق الجامع الافرادي أيضا لان تحققه انما هو بأول وجوده فرده. وأما إذا لم يتحقق في الخارج الاجزاء الثمانية أو العشرة بل كان المتحقق في الخارج من ذي اجزاء ثمانية سبعة اجزاء ومن ذي اجزاء عشرة ثمانية ففي مثله لم يتحقق المرتبة المؤثرة الفعلية من الجامع المزبور بل المتحقق في مثله هو المرتبة المؤثرة الشأنية منه.

فإذا تمهد لك هذه الجهة نقول بأنه بعد أن كان للجامع المتصور المزبور بين الافراد

٨٥

عرض عريض ومراتب متفاوتة وكان المؤثر الفعلي منه من كل فرد ومرتبة هو الساري في مجموع الاجزاء من ذي اجزاء خمسة وذي اجزاء ستة وذي اجزاء ثمانية وهكذا والمؤثر الشأني منه من كل فرد ومرتبة هو الساري لا في ضمن مجموع الاجزاء ، فلك ان تعتبر الجامع أيضا بين الصحيح والأعم بعين ما اعتبرته بين افراد الصحيح من البرهان فتأخذ من كل فرد ومرتبة جزء أو جزئين وتجعل الجامع عبارة عن الأعم من واجد هذا الجزء الذي يكون مؤثرا فعليا ومن فاقده الذي يكون مؤثرا شأنيا ، حيث لا نعنى من الفاسد الا ما كان مؤثرا شأنيا وغير تام في نفسه في عالم المؤثرية الفعلية وتشير إليه في مقام الإشارة بالوجود المحفوظ بين المرتبة المؤثرة الشأنية الفاقدة لبعض الاجزاء وبين المرتبة المؤثرة الفعلية الواجدة لتمام الاجزاء. وعليه ما مر من تصوير الجامع على الأعم ثبوتا كتصويره على الصحيح واضح لاينبغي الارتياب فيه ، نعم لو كان كلام حينئذ فإنما هو في مرحلة الاثبات ومقام وضع اللفظ في أن الصلاة هل هي موضوعة للجامع بين افراد الصحيح أو انها موضوعة للأعم من الفاسد والصحيح؟ والا فاصل امكانه ثبوتا بعد الالتزام بالصحيح النوعي بمقتضي ما ذكرنا مما لا يعتريه ريب كما هو واضح.

ثم إن في المقام وجوها اخر أفادوه في تصوير الجامع بين الصحيح والفاسد لا باس بالإشارة إلى بعضها ، فنقول :

ان منها ما عن المحقق القمي قدس‌سره بان الصلاة اسم لجملة من الاجزاء كالأركان مثلا وان بقية الاجزاء خارجة عن المسمى وان كانت داخلة في المأمور به ومنها ان الصلاة عبارة عن معظم الاجزاء من غير مدخلية لخصوصية جزء أو جزء. ومنها تنظيره بباب الاعلام الشخصية كزيد من حيث إنه زيد في جميع الحالات من دون ان يضر في التسمية تبادل الحالات من الصغر والكبر والصحة والسقم وكذلك نقصان بعض اجزائه كاليد والرجل وغيرها.

ولكن يرد على الأول بان ذلك مجرد فرض لا واقعية له إذ نرى بأنه لا جامع صوري متصور بين تلك المختلفات يدور عليه المسمى وجودا وعدما. ويرد على الثاني أيضا بعد عدم إرادة مفهوم معظم الاجزاء قطعا بل ما يصدق عليه هذا المفهوم ، بأنه يلزمه كون شيء واحد داخلا في المسمى تارة وخارجا عنه أخرى. وعلى الثالث بمنع المقايسة المزبورة للفرق الواضح بين المقامين فإنه في الاعلام الشخصية يكون في البين شيء محفوظ في جميع

٨٦

تلك الحالات المتبادلة المختلفة لا تغير ولا تبدل وهو الموجود الشخصي والتشخص الخاص الذي به قوام شخصيته ، وهذا بخلاف المقام حيث إنه لايكون في البين ما يجمع شتات تلك المختلفات مع تركبها من المقولات المختلفة ، الا على النحو الذي تصورناه من الجامع الوجودي. وعليه يرجع هذا التقريب إلى ما قربناه سابقا فلايكون تقريبا آخر للجامع.

وعلى كل حال فبعدان ظهر لك امكان تصوير الجامع ثبوتا على كل واحد من القولين في المسألة بما ذكرناه من البيان ، يبقى الكلام في مقام اثبات ان الوضع هل هو لخصوص الصحيح أو للأعم منه والفاسد؟

فنقول انه يمكن ان يستدل للوضع للأعم بأمور :

منها : صلوح التقسيم إلى الصحيح والفاسد في قولك : الصلاة اما صحيحة أو فاسدة ، فان في ذلك شهادة على الوضع للأعم ، لأنه لولا ذلك يلزم ان يكون الاستعمال المزبور استعمالا مجازيا محتاجا إلى رعاية عناية في البين ، وهو كما ترى مما يشهد الوجدان بخلافه.

ومنها : صدق الصلاة وصحة اطلاقها على صلوات مختلفة في قولك : هذه الجماعة يصلون في جماعة يصلي كل واحد منها صلاة بعضها فاسدة وبعضها صحيحة ، فإنه لولا كونها مشتركا معنويا بينهما يلزم محذور استعمال اللفظ في أزيد من معنى واحد أو عدم صحة الاطلاق المزبور ، وحيث إن الاطلاق المزبور كان صحيحا بالوجدان فلا جرم بعد بطلان استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى واحد واستحالته يثبت المطلوب من الوضع للأعم.

ومنها : ملاحظة ما استقر عليه ديدن العرف والعقلاء في مخترعاتهم من المركبات الخارجية وغيرها من الوضع للأعم من الصحيح منها والفاسد لكي لايحتاجوا في استعمالهم إياها في الفاسد إلى رعاية عناية وعلاقة ، فإنه بعد القطع بأنه لم يكن للشارع في هذا الباب ديدن خاص وطريقة مخصوصة على خلاف ديدن العرف والعقلاء وانه من هذه الجهة كأحد من أهل العرف يكشف به الوضع للأعم لا لخصوص الصحيح.

ومنها : قوله عليه‌السلام : لا تعاد الصلاة من سجدة وتعاد من ركعة وقول عليه‌السلام : ( لا تعاد الصلاة الا من خمس ) فإنه بناء على الوضع للأعم يكون الصلاة في الفقرتين مستعملة في الجامع وأريد خصوصية الفرد الصحيح والفاسد بدالين ومدلولين

٨٧

بلا لزوم محذور في البين من نحو استخدام أو غيره. وهذا بخلافه على القول بالوضع للصحيح فإنه عليه يلزم اما استعمال لفظ الصلاة في أكثر من معنى واحد أي المعنى الحقيقي والمجازي بناء على رجوع الضمير في قوله ( وتعاد ) إلى تلك الصلاة المذكورة في الصدر ، أو المصير إلى نحو استخدام ورعاية عناية في البين ، وهما كما ترى.

ومنها : ما دل على مبطلية الزيادة في الصلاة من نحو قوله عليه‌السلام : ( من زاد في صلوته فعليه الإعادة ) خصوصا على القول بتصوير الزيادة الحقيقية في الصلاة كما حققناه في محله فان تصوير الزيادة الحقيقية لايكاد يمكن الا بجعل دائرة اختراع ماهية الصلاة أوسع من دائرة المأمور به ومن المعلوم ان ذلك لايكاد ينفك عن الوضع للأعم ، كما هو واضح. وحينئذ فبمقتضى تلك البيانات لا باس بالالتزام بالوضع للأعم من الصحيح والفاسد.

بقى الكلام فيما استدل به الفريقان لا ثبات الوضع للصحيح أو الأعم ، فنقول :

اما ما استدل به للوضع للصحيح فأمور :

منها : التبادر بمعنى انسباق الصحيح عند اطلاق الصلاة. ومنها : صحة سلبها عن الفاسدة حقيقة وان صح اطلاقها عليها بالعناية والمشاكلة.

وفيه : اما التبادر فلو أريد تبادر خصوص الصحيح ولو بمعونة القرائن الخارجية كما هو الغالب ولو بمثل عدم اقدام المسلم على العمل الفاسد في قولك : فلان يصلي ، فهو مسلم ولكنه غير مفيد حيث لا يثبت ذلك كونها موضوعة للصحيح. وان أريد تبادر خصوص الصحيح من حاق اللفظ مهما أطلق ففي المنع عنه كمال مجال بل لنا دعوى ان المتبادر منها عند اطلاقها هو الأعم.

واما صحة السلب ففيه انه ان أريد صحته عما هو المأمور به فهو صحيح ولكنه لا يثبت الوضع لخصوص الصحيح. وان أريد صحته ولولا بما هي مأمور بها بل بما هي معنى اللفظ فهو ممنوع جدا لكونه أول الدعوى.

ومنها : الآيات والاخبار المثبتة لبعض الخواص والآثار للصلاة من نحو الصلاة معراج المؤمن ، وانها قربان كل تقي ، وانها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، بتقريب ان فيها الدلالة بعكس النقيض على أن كل ما لايكون معراج المؤمن وما لايكون قربان كل تقى لا تكون بصلاة ، فيستفاد منها عدم كون الفاسدة صلاة حقيقة وان صح اطلاقها عليها

٨٨

عناية.

ولكن فيه ما لايخفى ، فان الاستدلال المزبور انما هو من قبيل التمسك بعموم العام لا خراج ما يعلم بخروجه عن حكم العام عن موضوعه ، فرارا عن لزوم التخصيص على تقدير دخوله في موضوع العام ، فهو نظير ما لو ورد بأنه يجب اكرام كل عالم وقد علم من الخارج بعدم وجوب اكرام زيد ولكنه شك في أنه هل هو من افراد العالم المحكوم بوجوبه كي يكون عدم وجوب اكرامه من باب التخصيص ، أو انه خارج عن العام موضوعا كي يكون خروجه من باب التخصص والخروج الموضوعي ، ففي المقام أيضا قد علم من الخارج عدم كون الفاسدة مما يترتب عليها تلك الخواص والآثار وانما الشك في أنها صلاة حقيقة ليكون تخصيصا في الاطلاق أو عموم ما دل على أن كل صلاة يترتب عليها تلك الخواص والآثار ، أو انها لا تكون بصلاة حقيقة ليكون عدم ترتب تلك الخواص والآثار على الفاسدة من باب التخصص والخروج الموضوعي فاستدل بتلك الأدلة على خروجها عن الموضوع. وعلى كل حال نقول تمامية الاستدلال المزبور مبني على حجية أصالة العموم والاطلاق مطلقا حتى فيما كان الشك من جهة الشك في خروج ما هو خارج قطعا عن حكم العام عن موضوعه ، والا فبناء على اختصاص حجيته بما لو كان الشك ممحضا في خروج ما كان داخلا في موضوع العام عن حكمه فلا مجال للتمسك بتلك الأخبار المزبورة لا ثبات عدم كون الفاسدة بصلاة حقيقة ، وسيجيء في محله انشاء الله تعالى عدم حجية أصالة العموم والاطلاق في نحو ذلك باعتبار ان عمدة الدليل على حجية أصالة العموم والاطلاق انما هو السيرة التي هي من الأدلة اللبية ، والقدر المتيقن منها انما هو مورد الشك في خروج فرد عن حكم العام فارغا عن أصل فرديته للعام موضوعا.

ومن العجب ان الكفاية مع بنائه على عدم حجية أصالة العموم والاطلاق الا في مورد الشك في خروج ما هو داخل في العام موضوعا عن حكمه ، بنى في المقام على التمسك بالاخبار المزبورة المثبتة لبعض الخواص والآثار للصلاة لا ثبات عدم كون الصلاة الفاسدة صلاة حقيقة. نعم هو قدس‌سره رجع عن ذلك في حاشيته على الكفاية واستشكل على كلامه بما استشكلنا عليه من عدم حجية أصالة العموم والاطلاق في نحو ذلك فراجع.

ومنها : قوله عليه‌السلام لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ، ولا صلاة الا بطهور. وتقريب

٨٩

الدلالة انما هو من جهة ظهور النفي في نفى الحقيقة فيستفاد منها حينئذ ان الصلاة التي لا تكون فيها الفاتحة أو الطهور لا تكون بصلاة حقيقة.

ولكن فيه انه وان سلم ظهور النفي في غير المقام في نفى الحقيقة ولكن ظهوره في المقام في ذلك ممنوع ، إذ نقول بظهوره في المقام في نفى الصحة ولو من جهة الانصراف أو نفى الحقيقة عما هو المأمور به بما هو كذلك ، وعليه لايكاد يفيد في اثبات عدم كون الفاسدة بصلاة حقيقة كما هو واضح.

ومنها : دعوى القطع بان طريقة كل واضع ومخترع للمركبات هو الوضع للمركبات التامة الأجزاء والشرائط والمؤثرة الفعلية ، والشارع أيضا غير متخطي عن تلك الطريقة المتداولة بين العرف والعقلاء فيثبت بذلك وضعها لخصوص الصحيح المؤثر في الغرض دون الأعم منه والفاسد.

وفيه أيضا ما لايخفى ، إذ نمنع أولا كون طريقة الواضعين المخترعين للمهيات على الوضع لخصوص الصحيح المؤثر الفعلي بل نقول باستقرار طريقتهم في مثل ذلك على الوضع للأعم ، من جهة انه كثيرا ما تقضي الحاجة وتمس إلى الاستعمال في الفاسدة ومن المعلوم ان قضية ذلك انما هو لزوم وضعها للأعم لكي لايحتاجوا عند استعمالهم اللفظ في الفاسدة إلى القرينة وهو واضح. على أنه لو اغمض عن ذلك وقلنا باستقرار طريقة العقلاء في وضع اللفظ لمخترعاتهم من المركبات لخصوص الصحيح منها ، نقول : بأنه من الممكن ان يكون للشارع في المقام طريقة خاصة على خلاف ما عليها ديدن العقلاء تقتضي الوضع للأعم ولو من جهة تعلق الغرض على تسهيل الامر على المكلفين امتنانا عليهم في جواز تمسكهم بالاطلاقات في نفى ما شك في اعتباره شطرا أو شرطا وعدم رجوعهم إلى الأصول العملية من البراءة أو الاشتغال ، حيث إنه من الواضح انه لايكاد الوصول إلى مثل هذا الغرض الا بوضع اللفظ للأعم دون الصحيح فإنه على تقدير الوضع لخصوص الصحيح لايبقى مجال لرجوع المكلفين عند الشك إلى الاطلاقات من جهة عدم احرازهم المسمى حينئذ وكونه من باب التمسك بالعام مع الشك في أصل مصداقية المشكوك للعام كما هو واضح. هذا كله فيما استدل به للقول بالصحيح.

واما ما استدل به للقول بالأعم فأمور أيضا :

منها : التبادر بمعنى انسباق الأعم من اطلاق لفظ الصلاة والصوم والحج.

٩٠

ومنها : عدم صحة سلبها عن الفاسدة حيث يرى بالوجدان عدم صحة سلب الصلاة عن الصلاة التي نقص منها بعض اجزائها خصوصا إذا كان الناقص من الاجزاء الغير الركنية كما هو ذلك في المركبات العرفية ، بل ولئن صح سلبها عنها فإنها هو باعتبار الصحة حيث يقال : بأنها ليست بصلاة صحيحة لا انها لا تكون بصلاة حقيقة.

ومنها : قوله عليه‌السلام : ( بنى الاسلام على خمس : الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه ، يعنى الولاية ، فلو ان أحدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير الولاية لم يقبل منه صوم ولا صلاة ) بتقريب ان الاخذ بأربع أي الصلاة والصوم والحج والزكاة مع بطلان عبادة تاركي الولاية انما يتم بناء على كونها أسامي للأعم والا لما كانوا آخذين بأربع فلايصح القول بأنهم آخذين بأربع.

وفيه ما لايخفى ، فإنه لو تم البيان المزبور فغايته اثبات استعمال الأربع في قوله عليه‌السلام فاخذ الناس بأربع في الفاسدة وهو غير مثبت للوضع للأعم الذي هو المدعي باعتبار أعمية الاستعمال من الحقيقة. مع أنه نقول : بأنه بعد أن كان المراد من الأربع التفصيلي في صدر الرواية بقرينة بناء الاسلام عليها هو الصحيح بلا اشكال فلابد وان يحمل الأربع الاجمالي أيضا على الصحيح ، ولو باعتقادهم ، من جهة ما هو المعلوم من كون المراد من الأربع الاجمالي هو ذاك الأربع التفصيلي في صدر الرواية ، وعليه فلايكون الأربع الاجمالي أيضا الا مستعملا في الصحيح ، غايته هو الصحيح باعتقادهم دون الصحيح الواقعي النفس الأمري وهو أيضا لايكون من المجاز كما لايخفى. مع أنه لو سلم استعمال الأربع الاجمالي في الفاسدة من جهة فقدانها للولاية نقول بان مجرد ذلك غير مضر بدعوى القائل بالصحيح من جهة ان مقصودهم من الصحيح على ما تقدم انما هو الصحيح من غير ناحية قصد التقرب كما يكشف عنه اتفاقهم على خروج مثل قصد التقرب عن الصحة ، وحينئذ فإذا كانت الولاية من شؤون القربة المصححة للعبادة فللقائل بالصحيح دعوى خروجها أيضا كنفس قصد القربة ، وعليه فلايكون استعمال الأربع الاجمالي الا فيما هو الصحيح عند القائل به كما هو واضح.

ومنها : قوله عليه‌السلام ( دعي الصلاة أيام أقرائك ) بتقريب انه بعد عدم امكان حمل الرواية على إرادة الصحيح منها من جهة معلومية عدم قدرة الحائض في حال المحيض على

٩١

ايجاد الصحيح ومعلومية اعتبارها في صحة توجه النهى إليها ، فلابد من حملها على الأعم بإرادة الجامع مع إفادة خصوصية الفرد الفاسد منها بدال اخر.

وفيه : أيضا انه اما ان يحمل النهى الوارد في الرواية على النهى المولوي الذاتي الناشي عن مفسدة ذاتية في متعلقه في حال الحيض ، واما ان يحمل على مجرد التشريع باعتبار مزاحمة مصلحة الصلاة في حال الحيض مع مفسدة أقوى في البين ، واما ان يحمل على الارشاد إلى مانعية الحيض عن صحة الصلاة ، فعلى الأول لا دلالة لها على المطلوب من الوضع للأعم بوجه أصلا من جهة ان كون الشيء عبادة ومنهيا عنه بالنهي المولوي الذاتي حينئذ لايتصور الا بكون الشيء من الآلات الموضوعة للخضوع ومن ابزار العبودية نظير تقبيل اليد والرجل ورفع القلنسوة في العرفيات الموضوعة عندهم من ابزار العبودية ومن آلات الخضوع ، فان مثل هذا المعنى هو الذي يكون قابلا لتعلق النهى المولوي به ، كما أنه يكفي في مقربيته ووقوعه عبادة فعلا مجرد رضاء المولى به وعدم نهيه عن الاتيان به ، وبهذه الجهة أيضا صححنا النيابة في العبادات حيث قلنا بأنه يكفي في صحة العبادة ووقوعها عن الغير مجرد رضاء ذلك الغير باتيان العبادة عن قبله كما نظيره في الخضوعات العرفية من نحو تقبيل اليد والرجل عن قبل الغير حيث إنه مع امر ذلك الغير بتقبيل يد الأمير مثلا عن قبله أو رضائه به يقع ذلك التقبيل الصادر عن النائب خضوعا عن ذلك الغير ويكون ذلك مقربا له دون النائب المباشر للتقبيل ، نعم عند عدم رضائه بذلك أو نهيه عنه لا يقع ذلك خضوعا له ولا مقربا له. وعلى ذلك نقول : بأنه من الواضح حينئذ عدم دلالة الرواية على القول بالأعم لولا دعوى دلالتها على القول بالصحيح كما هو الظاهر ، حيث إنه للقائل بالصحيح حينئذ دعوى كونها مستعملة في الراوية في خصوص الصحيح باعتبار ان الفساد حينئذ مستند إلى قضية نهى الشارع وعدم رضائه باتيان الحائض الصلاة في حال الحيض ، لا إلى قصور في نفس العبادة في عالم اقتضائها للمقربية ، ولقد عرفت بان مثل قصد القربة خارج عن المسمى عند الصحيحي أيضا وان ما هو المسمى عنده انما هو الصحيح من غير ناحية قصد القربة ، والمفروض في المقام أيضا انه لولا نهى الشارع لا قصور في صلاة الحائض في عالم مقربيتها. هذا كله بناء على حمل النهى في الرواية على النهى المولوي الذاتي.

واما بناء على الاحتمال الثاني من حمله على مجرد التشريع فكذلك أيضا ، حيث نقول

٩٢

بكونها مستعملة في الرواية في خصوص الصحيح وان البطلان والفساد انما نشأ من جهة فقد الامر وخلوها عن قصد القربة الذي هو خارج عن المسمى قطعا عند الصحيحي أيضا.

واما بناء على الاحتمال الثالث من حمل النهى فيها على الارشاد إلى مانعية الحدث وهو الحيض عن صحتها فعليه وان كانت للرواية دلالة على المطلوب ، ولكنه أيضا مبنى على أن يكون الاطلاق المزبور في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( دعي الصلاة ) بلحاظ حال الحيض بنحو يتحد ظرف الجري مع ظرف النسبة الحكمية ، والا فبناء على تغاير الظرفين وكون الاطلاق المزبور بلحاظ حال قبل الحيض وهو حال الطهارة فلاتدل أيضا على مطلوب الأعمى من الاستعمال في الأعم ، إذ المعنى حينئذ ان الصلاة التي يؤتى بها في حال الطهارة لا تأتى بها في حال الحيض ، ومن المعلوم حينئذ كونها مستعملة في خصوص الصحيح.

ومنها أي من أدلة القول بالأعم صحة تعلق النذر بترك الصلاة في مكان مكروه كالحمام مثلا مع حصول الحنث بفعلها فيه أيضا ، بتقريب ان صحة النذر وحصول الحنث لايكون الا بوضعها للأعم ، والا فبناء على الصحيح يلزم عدم حصول الحنث بفعلها فيه بل عدم صحة النذر رأسا ، لان النذر الصحيح هو ما يجب الوفاء به يأمر الشارع بالوفاء به ، واعتبار القدرة على المتعلق تركا وايجادا مما لابد منه في صحة توجيه التكليف بالوفاء بالايجاد أو الترك ، وحينئذ فمع فرض وضعها للصحيح يلزمه كونها منهيا عنها بمقتضي توجه التكليف بالترك إليه ، ولازم كونها منهيا هو فسادها على ما برهن في محله من اقتضاء النهى عن العبادة لفسادها ، ومع فسادها لايكون له القدرة على الحنث بايجاد الصلاة الصحيحة ، لان كل ما أوجده يقع فاسدا بمقتضى النهى المزبور ، ومع عدم قدرته على الحنث لايكاد توجه التكليف بالوفاء به إليه ، ولازمه هو عدم انعقاد نذره من أصله ، مع أن ذلك خلاف البداهة من صحة النذر وحصول الحنث ، فيكون ذلك برهانا اجماليا تاما على أن المسمى والموضوع له هو الأعم دون الصحيح ، لأنه على الأعم لا يلزم محذور في البين أصلا.

وفيه ما لايخفى ، إذ نقول : بأنه بعد معلومية اعتبارهم الرجحان الفعلي في متعلق النذر ، اما ان يحمل الكراهة في المواضع المزبورة على أقلية الثواب كما التزم به جماعة من

٩٣

الأصحاب نظراً إلى اعتبارهم الرجحان الفعلي في العبادة ، واما ان تحمل على معناها المصطلح لكن بجعل المكروه عبارة عن خصوصية كينونة الصلاة مثلا في الحمام مع ابقاء ذات العبادة على ما هي عليها من الرجحان والمحبوبية الفعلية.

فعلى الثاني نقول : بان النذر وان كان صحيحا في فرض تعلقه بخصوصية كينونة الصلاة في الحمام لا بذات الصلاة ولكن لازمه أيضا هو صحة الصلاة المزبورة عند حصول الحنث واتيانه بالصلاة في الحمام ، فلا يلزم حينئذ من مجرد حصول الحنث بفعلها فيه فسادها كي ينفع القائل بالأعم. وتوهم عدم انفكاك الخصوصية عن الذات لمكان اتحادها معها فتسري الحرمة حينئذ إلى أصل الصلاة فتقع فاسدة ، مدفوع بمنع اقتضاء هذا المقدار من الاتحاد للسراية إلى ذات الصلاة والا لاقتضى السراية إليها ولو في غير مورد تعلق النذر بها ، فيلزمه حينئذ بطلان الصلاة في الحمام ونحوه باعتبار سراية المرجوحية من الخصوصية على الفرض إلى ذات العبادة ولو في غير مورد تعلق النذر مع أن ذلك كما ترى لايظن بأحد الالتزام به. هذا بناء على فرض تعلق النذر بخصوصية كينونة الصلاة في الحمام واما لو فرض تعلق النذر في الفرض المزبور بنفس العبادة ، ففي مثل الفرض نلتزم بعدم انعقاد النذر من رأسه وذلك لا من جهة عدم القدرة على الحنث بل من جهة انتفاء الرجحان في المتعلق الذي هو ترك الصلاة كما هو واضح.

ومن ذلك البيان ظهر انه كذلك الامر أيضا في الفرض الأول وهو فرض حمل الكراهة على أقلية الثواب حيث إن لازمه بعد اعتبارهم الرجحان الفعلي في متعلق النذر هو عدم صحة النذر المزبور من رأسه لان مجرد كونها أقل ثوابا لايوجب مرجوحيتها حتى يكون تركها راجحا فصح النذر على تركها.

وحينئذ فالأولى في المقام هو التمثيل بباب العهد واليمين بناء على عدم اعتبار الرجحان في متعلقهما فإنه حينئذ يسلم عن الاشكال المزبور. وعليه نقول أيضا بأنه وان كان صح العهد واليمين ويحصل أيضا الحنث بفعل الصلاة في المكان المكروه ولكن نقول : بان مجرد صحة العهد واليمين وحصول الحنث لاينافي تعلقهما بالصحيح إذ نقول بان ما تعلق به العهد واليمين حينئذ انما هو الصحيح لولا هذا العهد لا الصحيح على الاطلاق حتى من جهة هذا العهد ، وعليه كان العهد صحيحا ويقع الحنث أيضا بفعلها لان ما أوجده انما كان هو الصحيح لولا العهد ، وما الفساد من قبل العهد فهو غير

٩٤

مناف لصحة متعلقه وصحة عهده لأنه نتيجة وجوده نعم لو كان متعلق النذر هو الصحيح الفعلي حتى بالنظر إلى هذا العهد لما كان يتحقق الحنث بفعلها فيتوجه المحذور المزبور ، ولكن ذلك من المستحيل لاستحالة تقيد المتعلق وهو المسمى بالصحيح حتى من قبل هذا الحكم العهدي المتأخر ، كما هو واضح. على أن غاية ذلك هو عدم صحة تعلق النذر والعهد بفعل الصحيح وأين هذا والقول بان المسمى هو الأعم دون الصحيح؟ كما لايخفى. وحينئذ فالأولى في اثبات الوضع للأعم دون الصحيح هو التشبث بما ذكرناه سابقا من التبادر وصحة التقسيم ونحوهما.

بقى الكلام فيما قيل من الثمرة بين القولين ، فنقول : انه قيل بظهور الثمرة بين القولين في أمور :

منها : ظهورها من حيث مرجعية البراءة والاشتغال عند الشك في مدخلية شيء شطرا أو شرطا في المأمور به ، بتقريب انه على الصحيح كان المرجع هو الاشتغال باعتبار الشك في تحقق ما هو المسمى بالصلاة بدون المشكوك بخلافه على الأعم فإنه عليه يكون المرجع عند الشك هو البراءة بناء على جريانها في الارتباطيات.

وفيه ما مر سابقا من عدم ابتناء الرجوع إلى البراءة بكونه من خواص القول بالأعم ، بل هو كذلك أيضا حتى على القول بالصحيح ، ولو على القول ببساطة المأمور به ، حيث إن التكليف المتعلق بالمأمور به بعد انحلاله إلى تكاليف ضمنية فبالنسبة إلى المشكوك يشك في أصل توجه التكليف بالنسبة إليه ، وحينئذ فعلى القول بجريان البراءة في الارتباطيات يجوز للصحيحي أيضا الرجوع إليها عند الشك في شرطية شيء أو شطريته ، كما هو واضح. ولذلك أيضا ترى بناء الأكثر على الرجوع إلى البراءة عند الشك في دخل شيء في المأمور به جزء أو شرطا مع مصيرهم في المقام إلى الصحيح.

وقد يفصل في مرجعية البراءة والاشتغال بين الصحيح الشخصي والنوعي ، بتقريب انه على الصحيح الشخصي يكون مرجع الشك في الشرطية أو الجزئية في البدل إلى الشك في كون الفاقد بدلا أم لا ، فأصالة العدم تقضي بالاحتياط والاشتغال ، بخلافه على الصحيح النوعي فان للرجوع إلى البراءة عليه كمال مجال. ولكن يدفعه ان الشك في البدلية حيثما كان مسببا عن الشك في جزئية المشكوك أو شرطيته فلا جرم تجرى البراءة فيه ومعه لايبقى مجال التفرقة بينهما ، كما لايخفى.

٩٥

ومنها : ظهورها في مسألة النذر فيما لو نذر اعطاء درهم لمن يصلي ، بتقريب انه على الأعم يتحقق البراءة باعطائه لمن يصلى الفاسدة من جهة صدق الصلاة عليها حقيقة بخلافه على الصحيح فإنه لايحصل الوفاء بالنذر الا في صورة احراز كونها صحيحة ولو من جهة أصالة الصحة في فعل المسلم.

وفيه أيضا ما لايخفى ، فإنه بعد تقيده بما لو كان المنذور هو المسمى بالصلاة نمنع كونها ثمرة للمسألة ، حيث نقول بأنها حينئذ ثمرة لمسألة فرعية ، لان المسألة الأصولية على ما ذكرنا ها غير مرة هي التي يقع نتيجتها في طريق الاستنباط وتكون منتجة لحكم كلي فرعى ، كما في مسألة حجية خبر الواحد ، والثمرة المفروضة في المقام لا تكون كذلك إذ لا تكون تلك الا من باب تطبيق كبرى فرعية وهي مسألة وجوب الوفاء بالنذر على المورد ، وعليه فلايكون جواز الاعطاء الا ثمرة لمسألة فرعية دون الأصولية ، كما هو واضح.

ومنها : صحة التمسك بالاطلاقات والأصول اللفظية عند الشك في دخل بعض الأمور في المأمور به جزء أو شرطا على القول بالأعم وعدم صحته على الصحيح ، للشك في تحقق المسمى بدونه وعدم العلم بدخوله في موضوع الاطلاق ، فلابد على القول بالصحيح من الرجوع إلى الأصول العملية براءة أو اشتغالا.

وفيه أيضا ان ذلك وان كان ثمرة للمسألة ، الا انه نقول بكونه مجرد فرض لا واقع له من جهة ابتنائها على أن يكون تلك المطلقات من مثل أقيموا الصلاة واردة مورد البيان من جهة الاجزاء والشرائط لا في مقام الاهمال وهو أول شيء ينكر ، حيث نقول : بان ورود ها انما كان لمحض التشريع من غير أن تكون بصدد البيان من هذه الجهات ، وعليه تكون الثمرة المزبورة بحكم العدم. هذا كله بالنسبة إلى الاطلاقات اللفظية ، واما الاطلاقات المقامية ففي فرض تماميتها يصح على كلا القولين الرجوع إليها عند الشك في دخل شيء في المأمور به. كما هو واضح. هذا كله في العبادات.

الكلام في ألفاظ المعاملات

واما المعاملات كالبيع والصلح والإجارة ونحوها فيبقى الكلام فيها في أنها كالعبادات داخلة في محل النزاع أو خارجة عن موضوع النزاع ، فنقول :

٩٦

انه ان قلنا بان تلك العناوين أسام للأسباب كما هو المترائي من ظاهر من عبر عنها في مقام شرحها بعقودها بقولهم البيع مثلا عقد كذا فلا اشكال في دخولها في محل النزاع فكان للنزاع فيها في كونها أسامي للصحيح أو الأعم كمال مجال باعتبار كونها حينئذ من الأمور القابلة للاتصاف بالصحة بمعنى ترتب الأثر عليها تارة وبالفساد بمعنى عدم ترتب الأثر عليها أخرى. نعم لما كان هذا النزاع مخصوصا بالمخترعات الشرعية ولا يجرى في الأمور العرفية أمكن دعوى خروج الأسباب عن مورد النزاع من هذه الجهة ، نظراً إلى أن العقد والايقاع والايجاب والقبول أمور عرفية لا تكون من المخترعات الشرعية ، فبهذه الجهة لا مجال للنزاع فيها في كونها موضوعة للصحيح أو الأعم ، كما هو واضح. هذا كله بناء على القول بكون عناوين المعاملات أسامي للأسباب.

واما على القول بكونها أسامي للمسببات كما هو التحقيق وعليه المعظم بأنها أمور بسيطة ناشئة من قبل أسبابها الخاصة وانها مما يتوصل إلى وجودها بعقودها وان عقودها بمنزلة الأسباب الموجدة لها لا انها نفسها ، فقد يقال : بأنه لا اشكال في خروجها عن محل النزاع ، تارة من جهة انها بنفسها آثار ، ومحل الكلام انما هو في المؤثرات التي يترتب عليها الآثار تارة ولايترتب عليها الآثار أخرى ، لما مر ان معنى كون الشيء صحيحا عبارة عن كونه بحيث يترتب عليه الأثر المقصود كما أن معنى كونه فاسدا عبارة عن كونه بحيث لايترتب عليه الأثر المقصود ، فعلى هذا يختص النزاع المزبور بالمؤثرات ولا يشمل الآثار نفسها ، وأخرى من جهة انها أمور بسيطة دائرة أمرها بين الوجود والعدم غير متصور فيها التمامية والنقصان ، لما تقدم من اختصاص هذا النزاع بما يكون قابلا للامرين بحيث يتصف بالصحة والتمامية تارة وبالفساد والنقصان أخرى.

ولكنه يدفع ذلك ، اما الأول فبأنها وان كانت بنفسها آثارا ولكنها بالنسبة إلى الاحكام المترتبة عليها من مثل جواز التصرف وحرمة تصرف الغير بل بالنسبة إلى مثل السلطنة التي هي من الأحكام الوضعية مؤثرات ، وحينئذ فمن هذه الجهة لا مجال للاشكال فيها في دخولها في محل النزاع. واما الاشكال الثاني من كونها أمورا بسيطة دائرة بين الوجود والعدم فله وجه ، بناء على رجوع تخالف الشرع والعرف إلى تخطئة الشارع للعرف في الموارد الخاصة كما في بيع المنابذة والبيع الربوي ما يرونه مصداقا للبيع مع اتحاد البيع مفهوما ومصداقا عند العرف والشرع ، والا فبناء على رجوع ذلك إلى تعدد

٩٧

حقيقة البيع عند العرف والشرع لا مجال لهذا الاشكال ، فإنه عليه أمكن قابلية البيع مع كونه بسيطا غاية البساطة للاتصاف بالصحة والفساد.

ولتوضيح المرام نذكر المحتملات المتصورة في موارد تخالف الشرع والعرف ، فنقول : ان المحتملات المتصورة لعدم امضاء الشارع لكثير من المعاملات العرفية كبيع المنابذة والملامسة والبيع الربوي وغيرها ثلاثة :

الأول : ان يكون من باب تخطئة الشارع نظر العرف في عدهم غير البيع مصداقا حقيقيا للبيع ، ومرجع ذلك إلى اتحاد حقيقة البيع مفهوما ومصداقا عند العرف والشرع ، ولكن العرف لما أخطئوا في نظرهم وتخيلوا بزعمهم غير البيع بيعا حقيقيا خطاهم الشارع بأنه لايكون مصداقا للبيع وانه سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.

الثاني : ان يكون ذلك من باب التخصيص والاخراج الحكمي والتنبيه على أن جميع البيوع العرفية وان كان بيعا حقيقة حتى في نظر الشارع الا ان الأثر الشرعي مرتب على بعض مصاديق البيع لا على جميع مصاديقه ، ومرجع ذلك أيضا إلى اتحاد حقيقة البيع مفهوما ومصداقا عند العرف والشرع ولكن الشارع لم يرتب الآثار الا على بعض مصاديقه.

الثالث : ان يكون ذلك من باب ان الأثر الشرعي مرتب على ما هو مصداق للبيع عند الشارع لا على الجامع المنطبق على المصداق الشرعي والعرفي ، ومرجع هذا الوجه إلى أن للبيع حقيقة مصداقين : أحدهما منسوب إلى الشارع ومضاف إليه وهو الموضوع للآثار الشرعية ، والآخر منسوب إلى العرف وهو الموضوع للآثار الخاصة عندهم. والفرق بين الوجهين الآخرين هو انه في الأول يكون جميع المصاديق من البيوع العرفية بيعا حقيقة في نظر الشارع أيضا ولكنه مع ذلك يخص حكمه ببعض افراده ومصاديقه ، بخلافه على الأخير فإنه عليه يكون للبيع مصداقان : مصداق شرعي ومصداق عرفي ، نظير مفهوم الايجاب الذي كان له مصداقان : مصداق شرعي ومصداق عرفي ، فكان الأثر الشرعي مرتبا على ما هو مصداق للبيع عند الشارع. فهذه وجوه ثلاثة متصورة للاختلاف.

وربما يختلف هذه الوجوه بعضها مع بعض بحسب اللوازم ، فان لازم الوجه الأول هو عدم قابلية البيع للاتصاف بالصحة تارة وبالفساد أخرى نظراً إلى دوران امره دائما بين الوجود والعدم ، بخلافه على الآخرين فإنه عليهما قابل لان يوجد البيع ويكون مؤثرا شرعا

٩٨

تارة وغير مؤثر أخرى. هذا كله في مقام التصور.

واما مقام التصديق : فأبعد الوجوه هو الوجه الأوسط لمخالفته لما عليه ارتكاز الأصحاب فان السلطنة على الملك من لوازم ملكية الشيء ، فالتصديق بتحقق مصداق البيع والملكية مع نفى السلطنة على الملك ربما يعد من التناقض ، فمن هذه الجهة لا مجال للمصير إلى الوجه الثاني بل لا مجال لتوهمه. وحينئذ فيدور الامر بين الوجه الأول والأخير وفى مثله نقول : بأنه ان بنينا على أن البيع امر واقعي انتزاعي عن منشأة غير منوط بالجعل يتعين المصير إلى الوجه الأول من ارجاع موارد عدم امضاء الشارع للبيوع العرفية في الموارد الخاصة إلى تخطئة الشارع الأنظار العرفية فيما يرونه مصداقا للبيع وللنقل والانتقال ، ولازمه هو خروج المسببات من عناوين المعاملات عن مورد البحث والنزاع. واما ان بنينا على كون تلك المسببات من الأمور الاعتبارية الجعلية يتعين المصير إلى الوجه الا خير حيث لايتصور حينئذ وجه لتخطئة الشارع للعرف ، لان البيع المضاف إليهم والمصداق المختص بهم متحقق لا محالة في جميع الموارد حسب اعتبارهم إياه. نعم البيع الشرعي والمصداق المضاف إليه يكون تحققه تابع اعتبار الشارع وجعله إياه فمع عدم اعتبار الشارع إياه في مورد لاتحقق للبيع الشرعي وانما المتحقق هو البيع العرفي والمصداق المختص بهم. فعلى ذلك فاطلاق القول بخروج عناوين المعاملات عن حريم النزاع بتقريب انها أمور بسيطة أمرها دائر بين الوجود والعدم مما لا وجه له ، بل اللازم هو التفصيل بين المسلكين والقول بالخروج عن مورد النزاع على أحد المسلكين دون الاخر.

ثم إن المتعين من هذين الوجهين أيضا هو الوجه الأخير فان دعوى كون تلك المسببات من الأمور الواقعية بعيد جدا ، بل هي من الأمور الاعتبارية الجعلية التي قوام تحققها بالجعل ، نعم بعد الجعل والاعتبار يصير من قبيل الأمور الواقعية نظير الارتباط المتحقق بين اللفظ والمعنى الحاصل بالجعل والوضع أو من كثرة الاستعمال ، فكما ان أصل تلك العلاقة والارتباط تكون تابعة للجعل في أصل تحققها وبعد الجعل تصير من الأمور الواقعية كذلك تلك المسببات ، وعليه فتدخل في حريم النزاع.

ثم إن الثمرة تظهر من مقام التمسك بالاطلاق من مثل ( أحل الله البيع ) عند الشك في مدخلية شيء في البيع ، فإنه على الأعم لا باس بالتمسك بالاطلاق في نفى ما شك في اعتباره. ولا كذلك الامر على الصحيح ، فإنه عليه مع الشك في مدخلية شيء في صحته عرفا يشك في

٩٩

تحقق المسمى بدونه ومعه لايبقى مجال للتمسك بالاطلاق. نعم بعد احراز البيع العرفي بما له من الشرائط لو شك في دخل شيء في صحته شرعا يجوز التمسك باطلاق مثل ( أحل الله البيع ) في نفى ما شك في اعتباره شرعا حتى على الصحيح. هذا بناء على المسلك الأخير من جعلية البيع ونحوه ، واما بناء على المسلك الأول ففي التمسك بالاطلاقات اللفظية في نفى ما شك في اعتباره شرعا في صحته البيع اشكال ينشأ من احتمال خطأ العرف فيما يرونه مصداقا للبيع ، حيث إنه مع هذا الاحتمال يشك لا محالة في أصل تحقق البيع بدون المشكوك ، من جهة معلومية عدم اتباع فهم العرف الا في مقام كشف المفاهيم لا في مقام تطبيق المفهوم على المصداق الخارجي فارغا عن معلومية المفهوم. وحينئذ فمع احتمال خطأ العرف في تطبيق مفهوم البيع على المورد لم يجز التمسك بالاطلاق ، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفس العام ، هذا.

ولكن الذي يسهل الخطب هو وجود الاطلاق المقامي في المقام ، حيث إنه بعد ما يرون العرف الفرد الغير الواجد للمشكوك بحسب ارتكازهم مصداقا حقيقيا للبيع ويرتبون عليه الآثار من النقل والانتقال ومع ذلك لم يردعهم الشارع يكشف ذلك عن أن ما يكون بيعا عندهم بيع شرعي أيضا ، والا لكان عليه التنبيه بذلك ببيان : ان غير الواجد لايكون حقيقة مصداقا للبيع وانه مصداق زعمي تخيلي. وحينئذ فبهذا الاطلاق الموصوف بالمقامي يستكشف ان جميع ما يراه العرف بيعا بيع حقيقة لذي الشارع الا ما خرج قطعا بالردع كبيع المنابذة والبيع الربوي ونحوهما ، فيكون الاطلاق المقامي حينئذ مثمرا لثمرة الاطلاق اللفظي. ومن ذلك أيضا نتمسك به لنفى اعتبار مثل قصد القربة مع عدم جريان في الرسائل من منعه عن التمسك بالاطلاق في مورد قائلا بأنه ليس ذلك تقييدا في دليل العبادة حتى يدفع بالاطلاق ، وتجويزه التمسك به في مورد آخر في ضمن تقريب دليل الانسداد ، حيث نقول بان نظره في المنع عن التمسك بالاطلاق إلى الاطلاق اللفظي وفى التجويز إلى الاطلاق المقامي.

تنبيه

قد يكون الشيء مطلوبا في العبادة ومندوبا إليه فيها من جهة جزئيته ودخله

١٠٠