نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

احتياج إلى ما تصورناه من القسم الآخر لعام الوضع والموضوع له. فيقال حينئذ بان الموضوع له في كل من أسماء الإشارة والضمائر والموصولات عبارة عن الذات المبهمة التي هي معنى كلي ، لكنها بما هي ملازمة مع خصوصية الإشارة والغيبة والخطاب والمعهودية ، وعليه أيضا لايكون دلالة تلك الأسامي على الإشارة والغيبة والخطاب الا بالملازمة ، كما هو كذلك أيضا في لام الامر في قولك ليضرب فان دلالته على الطلب انما كان بالملازمة لا بالمطابقة لأنه لا يدل الا على وقوع المبدأ وصدوره من الفاعل متعلقا للطلب فبهذه الجهة دل على الطلب أيضا. وسيأتي لذلك مزيد بيان أيضا إن شاء الله تعالى في مبحث الأوامر.

الامر الثالث

لايخفى عليك ان حقيقة الاستعمال سواء في المعنى الحقيقي أو فيما يناسبه من المعنى المجازى حسب ما يدركه الطبع والذوق من المناسبات انما يتحقق بجعل اللفظ في مقام الاستعمال فانيا في المعنى فناء المرآة في المرئي بحيث بالقائه كان المعنى هو الملقى إلى المخاطب ويكون اللفظ مما به ينظر إلى الغير لا مما فيه ينظر ، وعليه يستحيل اطلاق اللفظ وإرادة شخصه منه بنحو كان اللفظ حاكيا عن شخص نفسه كحكايته عن معناه عند استعماله فيه ، ضرورة استلزامه حينئذ لاجتماع النظرين فيه : أحدهما النظر العبوري الآلي والآخر النظر الاستقلالي ، حيث إنه باعتبار كونه حاكيا يكون منظورا فيه بالنظر الآلي وباعتبار كون شخصه أيضا محكيا يكون منظورا بالنظر الاستقلالي وهو كما ترى كونه من المستحيل. وعليه فلايحتاج في ابطاله إلى ما عن الفصول قدس‌سره من لزوم تركب القضية من جزئين بل من جزء واحد بملاحظة امتناع تحقق النسبة بدون المنتسبين. وما يرى من قوله زيد لفظ فهو غير مربوط بباب الاستعمال بل هو من قبيل القاء الموضوع والحكم عليه كما في اعطائك زيدا درهما وقولك انه درهم فيكون لفظ زيد حينئذ هو الموضوع الملقى إلى المخاطب فحكمت عليه بأنه لفظ وحينئذ فلايرتبط ذلك بالاستعمال الذي حقيقة عبارة عن جعل اللفظ فانيا في المعنى كما هو واضح.

ومن ذلك البيان ظهر حال ما إذا أطلق لفظ وأريد صنفه أو نوعه كقوله : ضرب

٦١

فعل ماض ، مريدا به نوعه ، أو زيد في ضرب زيد فاعل ، مريدا به صنفه ، فإنه لو كان ذلك من باب جعل شخص اللفظ الملقى خارجا امارة لنوعه أو صنفه لا من باب الاستعمال الذي مرجعه إلى جعل شخص اللفظ مرآة وفانيا فيما يستعمل فيه فلا مانع عن صحته ، ضرورة امكان جعل الشخص والجزئي الخارجي امارة لنوعه لكي ينتقل المخاطب من الشخص إلى نوعه وصنفه ثم الحكم على النوع من ذلك المرئي والموجود الخارجي الجزئي من دون ان يترتب عليه محذور أصلا. بل ولئن تأملت ترى صحة الاطلاق على النحو المزبور بنحو يعم الحكم شخص اللفظ المذكور أيضا ، فإنه بعد ما لم يكن ذلك من باب الاستعمال بل من باب القاء الفرد وجعله امارة لنوعه فأمكن الحكم عليه أيضا بما انه فرد ومصداق للكلي ، كما هو واضح.

واما لو كان الاطلاق المزبور من باب الاستعمال الذي مرجعه إلى جعل اللفظ فانيا في المعنى ففيه اشكال ينشأ من امتناع كون الفرد والجزئي مرآة للطبيعي والكلي من جهة ان الفرد والكلي وان كانا متحدين وجودا خارجا ولكنهما متغايران مفهوما وذهنا ، ومع تغايرهما وتباينها لايمكن حكاية الفرد بما انه فرد وجزئي عن الطبيعي والكلي ، كيف ولازمه هو امكان القسم الرابع من الأقسام الأربعة المتصورة في الوضع وهو الوضع الخاص والموضوع له العام لا امتناعه كما التزموا به ، فان عمدة ما أوجب مصيرهم إلى امتناعه انما هو هذه الجهة من عدم امكان حكاية الفرد والجزئي بما هو فرد عن الكلي والطبيعي كي يصح جعله آلة لملاحظة المعنى العام الكلي. وحينئذ فإذا امتنع ذلك هناك يلزمه القول في المقام بامتناع اطلاق اللفظ وإرادة جنسه أو نوعه أو صنفه أيضا إذا كان من باب استعمال. هذا إذا لم يرد من الطبيعي والنوع ما يشمل شخص اللفظ المذكور ، وأما إذا أريد به ما يعم هذا الفرد أيضا فامر الاستحالة أوضح ، لأنه مضافا إلى ما ذكر يترتب عليه محذور اجتماع اللحاظين في شخص اللفظ المذكور : اللحاظ الآلي ، واللحاظ الاستقلالي ، وهو كما عرفت من المستحيل.

لايقال : كيف ذلك مع أنه في الحقيقة من افراد الطبيعة المطلقة.

فإنه يقال : نعم ولكن النظر إلى شخص اللفظ في مقام الاستعمال بعد كونه آليا يلزمه لا محالة تضيق في دائرة المحكى والملحوظ بنحو يخرج عنه شخص هذا اللفظ ، إذ المحكى والملحوظ حينئذ لايكون في لحاظه الا الطبيعة الغير القابلة للانطباق

٦٢

على شخص هذا الفرد الحاكي.

فتلخص انه لا فرق بين اطلاق اللفظ وإرادة شخصه وبين اطلاقه وإرادة نوعه أو صنفه فإذا كان الاطلاق المزبور من باب الاستعمال فكما لايجوز ذلك في الصورة الأولى لايجوز في الصورة الثانية أيضا. وأما إذا لم يكن الاطلاق من باب الاستعمال بل من باب القاء الفرد وجعله امارة لنوعه وصنفه فكما يجوز ذلك في الصورة الثانية كذلك يجوز في الصورة الأولى أيضا حيث أمكن القاء شخص لفظ والحكم عليه بأنه لفظ كما هو واضح.

الامر الرابع

هل الألفاظ موضوعه للمعاني المرادة للافظها أو انها موضوعة لذات معانيها من حيث هي مع قطع النظر عن كونها مرادة أو غير مرادة؟ فيه وجهان بل قولان :

أولهما منسوب إلى العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي الخواجة نصير الدين ( قدهما ) بان الدلالة تتبع الإرادة ، ولعل وجه استفادة ذلك من كلامهما انما هو من جهة الملازمة بين تبعية الدلالة تتبع الدلالة للإرادة وبين كون الموضوع له المعنى المقيد بكونه مرادا ، بتقريب ان طرف العلقة الخاصة بعد أن كان هو المعنى المراد فقهرا يلزمه ان يكون الدلالة الحاصلة من العلقة المزبورة أيضا تابعة للإرادة. وهذا بخلاف ما لو كان المعنى والموضوع له ذات المعنى مجردا عن حيثية الإرادة فإنه عليه لايبقى مجال للتبعية المزبورة الا إذا أريد التبعية في مقام الاثبات والكشف عن الواقع وكان المراد من الدلالة هي الدلالة التصديقية.

ولكن التحقيق هو الثاني من وضع الألفاظ لذات المعاني من حيث هل بل وامتناع وضعهما للمعاني المرادة ، وذلك لوضوح ان الإرادة سواء أريد بها اللحاظ المقوم للاستعمال ، أو إرادة تفهيم المعنى ، أو إرادة الحكم في مقام الجد انما هي من الأمور المتأخرة رتبة عن المعنى فيستحيل حينئذ اخذها قيدا في ناحية المعنى والموضوع له ، فلا محيص حينئذ من تجريد المعنى والموضوع له عن الإرادة مطلقا سواء بمعناها المقوم للاستعمال أعني اللحاظ أو بمعنى إرادة التفهيم أو الحكم والمصير إلى أن الموضوع له في الألفاظ عبارة عن ذات المعنى بما هي عارية عن خصوصية كونها ملحوظة باللحاظ الاستعمال أو مرادة بإرادة

٦٣

التفهيم أو الحكم ، ومعه يبطل القول بوضعها للمعنى المراد كما هو واضح.

نعم لهذا الكلام مجال فيما لو أريد وضعها للمعاني المقرونة بكونها مرادة على نحو القضية الحينية لا التقيدية حتى يتوجه الاشكال المزبور ، وذلك أيضا بالتقريب الذي ذكرناه سابقا في شرح مرام الكفاية في وجه عدم صحة استعمال الحروف مكان الأسماء ، بان يقال في المقام أيضا بان الداعي والغرض من الوضع بعد أن كان هو تفهيم المعنى والمقصود باللفظ وكان التفهيم أيضا ملازما مع إرادة المعنى حين القاء اللفظ فلا جرم يقتضى هذا الضيق تضيقا في دائرة وضعه وبتبعه أيضا يتضيق موضوع وضعه بنحو يخرج عماله من سعة الاطلاق الشامل لحال عدم الإرادة فيختص المعنى والموضوع له حينئذ بحال إرادة المعنى أي لحاظه أو إرادة التفهيم أو الحكم وان لم يكن مقيدا بها ، إذ على هذا التقريب يسلم القول المزبور عن الاشكال المذكور حيث لا محذور يرد عليه ثبوتا.

ولكنه فرع اثبات ان الغرض من الوضع انما هو تفهيم المعنى ، والا فبناء على المنع عن ذلك كما هو الأقوى من دعوى ان الغرض من الوضع انما هو مجرد جعل العلقة بين اللفظ ومعناه بنحو ينتقل الذهن عند سماعه بانتقال تصوري إلى معناه ولو كان صدوره من خرق الهوى أو من شيء آخر فلا يتم ذلك كما هو واضح. كيف وانه لولا ذلك لما كان وجه لاحتياجهم في الدلالة التصديقية في استفادة إرادة المتكلم للمعنى إلى ضم مقدمات الحكم من مثل كون المتكلم في مقام الإفادة ، إذ لو كان ذلك بمقتضى الوضع يكفيه نفس وضع الواضع كما في الحمل على المعنى الحقيقي ولايحتاج إلى ضم مقدمة خارجية ، مع أنه خلاف ما تسالموا عليه من اشتراط كون المتكلم في مقام الإفادة في استفادة إرادة المعنى.

ثم انه مما يشهد لما ذكرنا أيضا انسباق ذات المعنى وتبادرها عند سماعنا اللفظ من النائم والساهي أو من خرق الهوى فإنه لولا كونها أي الألفاظ موضوعة لذات المعاني لما كان وجه لانسباقها في الذهن عند صدوره من النائم والغافل والساهي. وتوهم ان ذلك انما كان من جهة انس الذهن لا انه من حاق اللفظ ، يدفعه الألفاظ الغير المأنوسة الاستعمال فإنه يرى فيها أيضا انسباق ذات المعنى منها في الذهن بمجرد العلم بالوضع ، ولو كان صدوره من النائم الذي هو غير مريد قطعا أو من خرق الهواء ، فيكون ذلك حينئذ أقوى شاهد لما ذكرناه من وضعها لنفس المعاني من حيث هي لا للمعاني المرادة.

واما كلام العلمين ( قدس سرهما ) من التبعية المزبورة فغير ظاهر في إرادة الدلالة

٦٤

التصورية التي هي محل البحث لولا دعوى ظهوره في إرادة الدلالة التصديقية وفيها نحن نقول أيضا بتبعية الدلالة للإرادة ، ولذا لا نحكم بان الكلام ظهورا في المعنى بالظهور التصديقي الا في مورد أحرز ولو من الخارج ان المتكلم كان في مقام بيان مرامه من لفظه وفي مقام الإفادة كما هو واضح.

الامر الخامس

لايخفى انه لا وضع للمركبات من المواد والهيئات علاوة عن وضع المفردات ووضع الهيئات الخاصة وضعا نوعيا للدلالة على النسب الايقاعية ، ضرورة كفاية وضع المفردات ووضع الهيئات عن وضع آخر لها بجملتها من المادة والهيئة فارتكاب وضع آخر حينئذ للمجموع يكون لغوا ومستدركا. ومن ذلك البيان ظهر أيضا فساد ما عسى يتوهم من أن للمركبات وضعين : وضع للمواد خاصة ووضع آخر لمجموع المادة والهيئة. وجه الفساد هو انتفاء الحاجة حينئذ إلى الوضع للمجموع لان المحتاج إليه حينئذ بعد وضع المواد انما هو الوضع لخصوص الهيئات لا لها وللمواد أيضا كما هو واضح.

الامر السادس

هل الألفاظ كما كان لها وضع للمعنى الحقيقي كذلك لها وضع آخر نوعي لما يناسبه من المعنى المجازي حسب أنحاء العلائق والمناسبات ، أو لايكون لها الا وضع واحد للمعنى الحقيقي وان صحة استعماله في المعنى المجازي لمناسبات خاصة يدركها الطبع والذوق في الموارد الخاصة غير مندرجة تحت ضابط كلي؟ فيه وجهان. أقويهما الثاني ، فان كل ما يتصور من المناسبات والعلاقات النوعية من نحو علاقة المجاورة وعلاقة الحال والمحل والسببية والمسببية ونحوها يرى بالوجدان بأنه لا يدور مدارها صحة الاستعمال في المعنى المجاري ، ولذا لايجوز استعمال الحمار في زيد بعلاقة الحال والمحل فيما لو كان زيد دائما راكبا على الحمار ، مع أنه لو كان في البين وضع نوعي باعتبار تلك المناسبات والعلاقات النوعية يلزمه جواز الاستعمال المزبور. وحينئذ فنفس عدم صحة الاستعمال المزبور مع وجود العلائق النوعية وصحته بدون وجود تلك العلائق كاشف قطعي عن أن

٦٥

مناط صحة الاستعمال المجازي انما هو على مناسبات خاصة يدركها الطبع والذوق في مواردها لا على وجود العلائق النوعية كما هو واضح.

الامر السابع في الحقيقة والمجاز

وتعرف الحقيقة بأمور :

منها : تنصيص الواضع بقوله : اني قد وضعت اللفظ الكذائي لمعنى كذائي ولا اشكال في ثبوت الوضع ولكن الكلام في فرض ثبوت صغراه حيث لايكاد حصول العلم بذلك خصوصا بالنسبة إلينا.

ومنها : تنصيص أهل اللغة حيث كانوا هم المرجع في تعيين الأوضاع ويقبل قولهم فيما قالوا اما من جهة كونهم من أهل الخبرة ، أو من جهة الشهادة ، أو الانسداد. ولكن الاشكال فيه أيضا من جهة عدم ثبوته نظراً إلى عدم كونهم بصدد تعيين الأوضاع حتى يثبت الوضع بقولهم بل وانما هم بصدد تعيين ما يستعمل فيه اللفظ ومن الواضح انه بمثل ذلك لايكاد يثبت الوضع نظراً إلى أعمية الاستعمال من الحقيقة ، كما هو واضح.

ومنها : التبادر وهو انسباق المعنى إلى الذهن من نفس اللفظ وحاقه عند سماعه بلا كونه لقرينة حالية أو مقالية ، ولا اشكال أيضا في ثبوت الوضع بذلك حيث إنه كان امارة على كون المعنى المنساق في الذهن من اللفظ معناه الحقيقي الموضوع له. نعم قد يورد عليه باستلزامه محذور الدور الباطل من جهة توقف التبادر والانسباق على العلم بالوضع ـ من جهة انه لولاه لايكاد تبادر المعنى من نفس اللفظ وحاقه وتوقف العلم بالوضع وكون المعنى المنساق هو المعنى الحقيقي على التبادر فيدور. وبعين هذا التقريب أورد هذا الاشكال على الشكل الأول بان العلم بالنتيجة يتوقف على العلم بكلية الكبرى وتوقف العلم بكلية الكبرى على العلم بالنتيجة. وقد أجيب عنه في المقامين بالاجمال والتفصيل بان العلم الذي يتوقف التبادر عليه انما هو العلم الاجمالي الارتكازي ، والعلم الذي يتوقف على التبادر هو العلم التفصيلي ، فان الانسان بحسب ماله من الارتكاز يتبادر المعنى في ذهنه من اللفظ وبالتبادر يلتفت تفصيلا بان المعنى المنساق هو المعنى الحقيقي وحينئذ فيرتفع الدور المزبور باختلاف العلمين وكون الموقوف على التبادر غير الموقوف

٦٦

عليه التبادر. هذا إذا أريد تبادر المعنى عند شخص المستعلم الذي هو جاهل بالأوضاع ، واما لو أريد بالتبادر تبادر المعنى عند أهل المحاورة فالامر أوضح ، حيث لايكاد مجال لتوهم الاشكال المزبور حتى يحتاج إلى الجواب عنه بالاجمال والتفصيل إذ عليه يكون ما يتوقف على التبادر هو علم المستعلم الجاهل بالأوضاع وما يتوقف التبادر عليه هو علم أهل المحاورة فيكون الموقوف عليه غير الموقوف عليه.

نعم قد يورد على التبادر اشكال آخر ، وحاصله ان مجرد تبادر المعنى ولو من حاق اللفظ غير موجب لكونه كذلك في زمن صدور الاخبار عن الأئمة عليهم‌السلام حتى يحمل عليه ما ورد عنهم في مقام الاستنباط فان من المحتمل حينئذ كون المعنى المتبادر من اللفظ حين صدوره في ذلك الزمان شيئا آخر غير ما هو المتبادر عندنا الآن ، ومع هذا الاحتمال لايكاد يجدي هذا التبادر في مقام الاستنباط أصلا الا إذا انضم إليه امر آخر وهو أصالة عدم النقل المعبر عنها بأصالة تشابه الأزمان كي يثبت بها كون المعنى المتبادر في سابق الزمان أيضا هو المعنى المتبادر عندنا. ولكن فيه انه وان كان الامر كذلك ولكنه نقول بأنه لا مانع من اجراء الأصل المزبور بعد كونه من الأصول العقلائية المتداولة بينهم في محاوراتهم كما في أصالة عدم القرينة وأصالة عدم التخصيص والتقييد ، إذ لولا تلك الأصول العقلائية لانهدم أساس الاستنباط في المسائل الشرعية ، وحينئذ فبعد تبادر المعنى من اللفظ يحمل عليه اللفظ الصادر ويحكم بمعونة الأصل المزبور بكونه كذلك في زمن صدوره أيضا.

ومنها عدم صحة السلب المعبر عنه بصحة الحمل أيضا فإنه قيل بكونه مما يثبت به الوضع أيضا لكونه علامة ان المعنى هو المعنى الحقيقي. وفي قباله صحة سلب المعنى بقول مطلق فإنه أيضا من علائم المجاز ، فهما علامتان حينئذ للحقيقة والمجاز. وقد أورد عليه بما أورد على التبادر باستلزامه الدور المحال ، ولكن الجواب هناك حرفا بحرف وكلمة بكلمة.

نعم هنا اشكال آخر وحاصله هو منع كون مجرد صحة العمل من علائم الحقيقة كما في استعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء والملزوم في اللازم فإنه نرى صحة الحمل في تلك الموارد كقولك الانسان ناطق والانسان ضاحك وكاتب وهكذا مع أنه لا شبهة في كونه مجازا حيث لايصح استعمال اللفظ الموضوع لاحد المفهومين في المفهوم الآخر على

٦٧

الحقيقة. بل ومن ذلك ظهر الحال في موارد الحمل الذاتي كقولك الانسان حيوان ناطق حيث إنهما مع كونهما متحدين ذاتا ووجودا خارجا ، لايصح استعمال أحدهما في الآخر نظراً إلى ما بين المفهومين من التغاير وكونه في أحدهما بسيطا وفى الآخر مركبا. وبالجملة نقول بان المدار في الحقيقة وصحة الاستعمال انما هو على وحدة المفهوم منهما كما في الانسان والبشر ، وصحة الحمل ولو بالحمل الذاتي فضلا عن الشايع الصناعي الذي مداره الاتحاد في الوجود لاتقتضي وحدة المفهوم الموجبة لصحة استعمال أحد اللفظين في الآخر بنحو الحقيقة لأنه يكفي في صحة الحمل مجرد الاتحاد وجودا أو ذاتا وان اختلفا في حدود المفهوم ، وعليه فلايكون مجرد عدم صحة السلب وصحة الحمل من علائم الحقيقة بقول مطلق وكاشفا عن وحدة المفهوم كما هو واضح. نعم صحة السلب بقول مطلق من علائم المجاز من جهة كشفه حينئذ عن اختلاف المفهومين وعدم اتحادهما كما هو واضح. ولذلك أيضا ترى خلو كلمات السابقين عن ذلك حيث إنهم جعلوا صحة السلب بقول مطلق من امارات المجاز وما تعرضوا لصحة الحمل وعدم صحة السلب في جعله في عداد امارات الحقيقة.

ومنها الاطراد في استعمال بلا معونة قرينة في البين حالية أو مقالية ، ولا اشكال ظاهرا أيضا في كونه من علائم الحقيقة كما كان عدم الاطراد كذلك من علائم المجاز فإنه بعد أن يرى اطراد استعمال لفظ في مقامات متعددة في معنى وانه في جميع تلك الموارد ينسبق منه معنى واحد يقطع عادة بان الانسباق المعهود في تلك الموارد كان من نفس اللفظ وحاقه لا انه كان من جهة قرينة مخفية في البين أو مناسبة طبيعية ، ففي الحقيقة يكون الاطراد من قبيل السراج على السراج حيث إنه كان طريقا إلى التبادر الحاقي الذي هو طريق إلى الحقيقة ، وعلى كل حال فلا اشكال في كونه علامة الحقيقة ومما يثبت به الوضع ولو باعتبار كونه طريقا على الطريق ، غير أن الكلام فيه في تشخيص موارد الاستعمالات بأنها كانت من جهة القرائن الخاصة والمناسبات الطبيعية أم لا. ثم إن اشكال الدور الوارد في التبادر غير جار في الاطراد كي يحتاج إلى الجواب عنه بما عرفت من الاجمال والتفصيل بداهة عدم توقف الاطراد على العلم بالوضع ولو اجمالا أصلا.

٦٨

الامر الثامن

قد اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدم ثبوتها على أقوال : ثالثها التفصيل بين الألفاظ المتداولة الكثيرة الدوران وبين غيرها ، بالثبوت في الأول دون الثاني.

وليعلم بان مورد النزاع في هذا البحث بين الفريقين نفيا واثباتا انما هو في المهيات المخترعة الشرعية كالصلاة والصوم والحج ونحوها ، والا ففي المفردات كالركوع والسجود والقيام والقعود ونحوها وكذا المخترعات العرفية لا مجال لجريان هذا البحث والنزاع ، إذ فيها لايكون استعمال الشارع ألفاظها الا في معانيها العرفية أو اللغوية كما في استعماله غيرها من الألفاظ المتداولة كالماء والتراب والحجر ونحوها ، ومجرد اعتبار الشارع فيها بعض القيود عند الامر بها والبعث نحوها بالايجاد بدال آخر عليه غير موجب لجريان النزاع فيها أيضا ، إذ عليه لايكون استعمال الشارع تلك الألفاظ الا في نفس معانيها العرفية أو اللغوية غايته انه في مقام المطلوبية أفاد بعض القيود والخصوصيات فيها بدال اخر. ومن ذلك البيان ظهر خروج المعاملات طرا كالبيع والصلح والإجارة ونحوها عن حريم هذا النزاع حيث كان حقايقها عرفية أمضاها الشارع ، غايته انه اعتبر فيها بعض القيود الوجودية أو العدمية بدال آخر ككونه مقترنا بأمر كذا وفي حال عدم كذا. وعليه فلاينبغي عد ذلك تفصيلا في المسألة كما يظهر عن بعض حيث فصل بين العبادات والمعاملات إذ التفصيل المزبور فرع عموم النزاع وجريانه حتى في المخترعات العرفية كما هو واضح.

بل ومن هذا البيان ابتناء هذا النزاع وجريانه في العبادات أيضا على أن يكون حقائقها مستحدثة في شرعنا ، والا فبناء على ثبوتها في الشرايع السابقة وكون الاختلاف فيها بين الشريعتين في خصوصيات الافراد نظير اختلافها بحسب حالات المكلفين كما ينبئ عنه غير واحد من الآيات من مثله قوله عز من قائل : أوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا (١) وقوله سبحانه لإبراهيم عليه‌السلام واذن في الناس بالحج (٢) وقوله

__________________

١ ـ سورة مريم ، الآية ٣١.

٢ ـ سورة الحج ، الآية ٢٧.

٦٩

سبحانه : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم (١) تخرج أيضا عن حريم النزاع إذ عليه يكون ألفاظها حقايق لغوية قد استعملها الشارع في معانيها المعهودة الثابتة في اللغة ، غاية ما هناك انه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعض الشرائط والموانع فيها بدوال أخر.

واما ما قيل من أن مجرد ثبوت هذه المعاني قبل شرعنا ومعهوديتها عند العرف لا يقتضى معهوديتها عندهم بتلك الألفاظ الخاصة المستعملة فيها في شرعنا فيمكن حينئذ كونها حقيقة شرعية بوضع الشارع تلك الألفاظ الخاصة لتلك المعاني والمهيات المخصوصة وضعا تعيينيا أو تعينيا فان العبرة والمدار في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدم ثبوتها انما هو على صيرورة تلك الألفاظ حقيقة في تلك المعاني والمهيات بوضعه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كانت تلك المعاني ثابتة قبل شرعنا ومعهودة عند العرف أو كانت حادثة في شرعنا ، وعليه فلايوجب مجرد ثبوت تلك المعاني في الشرايع السابقة كون ألفاظها حقائق لغوية كي تخرج عن حريم النزاع ما لم يثبت ان تلك الألفاظ المستعملة فيها في لسان الشارع بعينها هي الألفاظ المستعملة فيها في عرف اللغة في سابق الزمان واما دعوى ان تلك الألفاظ بعينها هي الألفاظ المستعملة فيها في سابق الزمان فخال عن البرهان ، حيث لا برهان يساعده ولا شاهد له غير ما يرى في الكتاب العزيز من اطلاق تلك الألفاظ فيه على تلك المعاني ، وهو كما ترى مما لا شهادة فيه على ذلك ، لان غاية ما يوجبه انما هي الدلالة على وجود سنخ تلك المهيات والمعاني في الشرايع السابقة واما انها مما يعبر عنها أيضا بتلك الألفاظ في ذلك الزمان فلا كما لايخفى. فمدفوع بأنه يكفي في الشهادة على ذلك ما في قوله سبحانه ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) فإنه لولا معهودية حقيقة الصوم بمثل هذا اللفظ عند العرف لكان اللازم حينئذ إقامة البيان على ما هو المراد من الصوم إذ حينئذ كان المجال لسؤالهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه أي شيء كان واجبا على الأمم السابقة فصار واجبا علينا ، وحينئذ فنفس هذا الاطلاق بضم عدم التعرض لتفسيره بالامساك المخصوص أقوى شاهد على معهودية الصوم الذي كان واجبا على الأمم السابقة بهذا اللفظ عند عرف اللغة. وعليه يتوجه الاشكال المزبور بأنه

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية ١٨٣.

٧٠

بعد ثبوت تلك المعاني في الشرايع السابقة يكون ألفاظها أيضا حقايق لغوية فيخرج عن حريم النزاع.

نعم لو اغمض عن هذه الجهة وقلنا بكون هذه المهيات مستحدثة في شرعنا أو كونها ثابتة في الشرايع السابقة ولكنها بغير تلك الألفاظ المستعملة فيها في لسان الشارع ، لما كان مجال حينئذ لانكار الحقيقة الشرعية ، تارة بدعوى ان استعمال الشارع تلك الألفاظ فيها كان من باب المجاز ومعونة القرائن ، وأخرى كما عن الباقلاني ـ بدعوى ان استعمال الشارع تلك الألفاظ دائما كان في معناها اللغوي لا غير ولكنه أفاد بعض الخصوصيات من الشرائط والموانع بدوال خارجية ، فكان لفظ الصلاة مثلا في جميع الموارد في كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله مستعملة في الدعاء وأفاد الخصوصيات من الترتيب والموالاة ونحوها من الشرائط والاجزاء والموانع بدوال أخر خارجية ، وثالثة بغير ذلك. إذ ذلك كله ينافيه ما عليه ديدن العقلاء في اخترائهم الماهيات ، فان كل مخترع لماهية من الصدر الأول إلى الآن بنائه وديدنه على وضع لفظ مخصوص أيضا بإزاء ما اخترعه من الماهية لا انه يستعمل فيه اللفظ مجازا بلا وضع اسم خاص لما اخترعه ، ومن المعلوم أيضا ان الشارع في مقام شارعيته واختراعه لتلك الماهيات أو امضائه لها بين رعيته ما جاوز هذه الطريقة المألوفة ، حيث إنه من المستبعد جدا ان يكون له في ذلك طريقة خاصة غير ما جرى عليه ديدن العقلاء ، وإلا يلزم عليه البيان بكونه غير سالك لما هو طريقة العقلاء لكي لا يحملوا اللفظ الصادر منه عند خلوه عن القرينة على المعنى الشرعي مع أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقم بيانا على ذلك فكان نفس عدم بيانه لذلك كاشف كون جريه على طبق ديدن العقلاء فيثبت بذلك الوضع والحقيقة الشرعية.

واما الاشكال عليه بان صيرورة اللفظ حقيقة في معنى لسانه صلى‌الله‌عليه‌وآله لابد وأن يكون بأحد الامرين ، اما وضعه صلى‌الله‌عليه‌وآله ابتداء أو كثرة استعماله ، وهما ممنوعان ، اما الأول فلبعده غايته لأنه لو كان لو صل إلينا مع أنه لم ينقل أحد من المؤرخين انه صلى‌الله‌عليه‌وآله قام يوم كذا في مجلس كذا وقال اني وضعت لفظ الصلاة للأركان المخصوصة ، خصوصا مع وفور الدواعي على نقل ما يصدر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله واما الثاني فمن جهة احتياجه إلى مضى زمان طويل بنحو يصير اللفظ إلى حد الحقيقة ، فمندفع بأنه كذلك مع انحصار الوضع بما ذكر وليس كذلك ، بل له طريق ثالث ،

٧١

وهو ان يتحقق بنفس الاستعمال الذي هو من قبيل الانشاء الفعلي نظير المعاطاة في المعاملات كما في قولك في مقام تسميتك ولدك جئني بولدي محمد ، قاصدا تحقق العلقة الوضعية بنفس هذا الاستعمال ، بل ومن ذلك أيضا ما للمصنفين في كتبهم من الاصطلاحات الخاصة ، كالحاكم والمحكوم والوارد والمورود ونحو ذلك. نعم لابد في ذلك من إقامة قرينة على وضعه كي لايحتاج بعد ذلك إلى إقامة قرينة على المراد كما في المجاز. وعدم كون مثل هذا الاستعمال حقيقة ولا مجازا غير ضمائر بالمقصود بعد عدم كونه أيضا من المستنكرات. وحينئذ لو ادعى القائل بالثبوت مثل هذا المعنى كان دعواه في محله حيث لا يرد عليه محذور ، كما هو واضح.

ثم إن الثمرة بين القولين انما هي في الألفاظ المستعملة في لسانه صلى‌الله‌عليه‌وآله من دون تعويل على القرينة ، فإنه بناء على الثبوت يحمل على المعنى الشرعي وبناء على عدم الثبوت يحمل على المعنى اللغوي ، فتدبر.

الامر التاسع

قد وقع التشاجر والخلاف بين الاعلام في أن الألفاظ أسام للمعاني الصحيحة أو لأعم منها والفاسدة ، ولتنقيح المرام نقدم أمورا فنقول :

الامر الأول : ان مورد الخلاف كما عرفت في عنوان البحث انما هو الوضع لخصوص الصحيح أو لأعم منه والفاسد واما احتمال وضعها لخصوص الفاسدة قبالا للقولين الأولين فلم يعهد من كلماتهم بل لم يتوهمه أحد منهم. كما أن الظاهر هو اختصاص هذا النزاع بخصوص الألفاظ المستعملة في المعاني المخترعة الشرعية كألفاظ العبادات ونحوها لا مطلقا حتى الألفاظ الموضوعة للمعاني المفردة كالركوع والسجود ونحوهما مما اخذ موضوعا للتكليف في لسان الشرع ولو مقيدا بأمور وجودية أم عدمية ، لان مثل هذه مما لايتصور فيها اتصافها بالصحة تارة وبالفساد أخرى ، حيث كان أمرها دائما دائرا بين الوجود والعدم. نعم قد يتصور جريانه بالنسبة إلى المركبات الخارجية أيضا مما كان لها القابلية للاتصاف بأحد الامرين تارة وبالآخر أخرى ، ولكن مورد كلامهم انما كان في المخترعات الشرعية من نحو الصلاة والحج ونحوهما.

٧٢

الثاني من الأمور : ان مثل هذا النزاع غير مبتن على القول بثبوت الحقيقة الشرعية كما توهمه بعض ، بل يجري النزاع ولو على القول بعدم الثبوت حيث كان مرجع النزاع على هذا القول إلى أن العلاقة النوعية التي اعتبرها الشارع ابتداء في استعمال تلك الألفاظ مجازا هل هي بين المعنى اللغوي وخصوص الصحيح منها بحيث يحتاج استعمالها في الأعم إلى رعاية علاقة أخرى بينه وبين الأعم ، أو بين الأعم والصحيح من باب سبك المجاز عن مجاز ، أو ان تلك العلاقة النوعية ابتداء كانت بين المعنى اللغوي وبين الأعم من الصحيح من تلك الماهيات؟ كما أنه يجرى النزاع أيضا على قول الباقلاني من استعمال الشارع تلك الألفاظ في خصوص معانيها اللغوية مع ضم قرينة عامة على اعتبار بعض القيود ، إذ مرجع النزاع على هذا القول أيضا إلى أن تلك القرينة العامة هل بنحو تدل على اعتبار جميع الاجزاء والشرائط والموانع أو بنحو تدل على اعتبارها في الجملة؟ نعم لو كان اعتبار الاجزاء والشرائط على هذا القول بمعونة القرائن الشخصية الدالة كل واحدة منها على اعتبار جزء أو شرط أو مانع لاشكل جريان النزاع على هذا القول ، ولكن الفرض بعيد جدا فإنه مضافا إلى ضعف هذا المسلك في نفسه ولذا لم يذهب إليه الا الباقلاني لايظن التزامه بالقرائن الشخصية لكل واحد من الاجزاء والشرائط والموانع ، وعليه فكان المجال لجريان هذا النزاع على كلا القولين في المسألة السابقة.

الثالث من الأمور : لايخفى ان الصحة في المقام وكذا في غير المقام انما هي بمعناها اللغوي والعرفي أي التمامية بالإضافة إلى الأثر المهم ، وفي قبالها الفساد بمعنى النقصان الذي هو عبارة عن كون الشيء بحيث لم يترتب عليه الأثر المرغوب منه. وحينئذ فكانت الصحة في جميع الموارد بمعنى واحد وهو التمامية بلا اختلاف في معناها وحقيقتها أصلا. واما ما يرى من الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في تفسيرها تارة باسقاط الإعادة والقضاء كما عن الفقيه ، وأخرى بموافقة الامر والشريعة كما عن المتكلم ، وثالثة بغير ذلك فإنما هو بلحاظ ما هو المهم عند كل طائفة من الآثار والاغراض ، لا ان الاختلاف بينهم كان في أصل مفهوم الصحة وحقيقتها ، فغرض الفقيه لما تعلق باثر خاص منها وهو المسقطية للإعادة والقضاء فسرها بما يوافق غرضه ، كما أن غرض المتكلم تعلق باثر خاص آخر منها وهو تحقق الامتثال الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة عليه ففسرها بما وافق غرضه من موافقة الامر والشريعة ، مع وفاقهم على وحدة معناها ، فكان كل منهم

٧٣

مشيرا إلى تلك الحقيقة بتوسيط ما هو المهم في نظره في إضافة تمامية الشيء بالقياس إليه بلا اختلاف بينهم في أصل مفهوم الصحة وحقيقتها. ولئن شئت قلت بان اختلاف الفقيه والمتكلم انما هو فيما هو مصداق الصحة الذي يختلف باختلاف الأنظار لا في مفهومها ، والا فالصحة حقيقتها من الأمور الاعتبارية الطارية على الشيء بلحاظ ما يترتب على الشيء من الآثار من دون اختلاف في حقيقتها أصلا.

ومن ذلك نقول أيضا بان الصحة والفساد أمران إضافيان يختلفان بحسب الأنظار والآثار ، فربما يكون الشيء صحيحا بنظر بلحاظ ترتب الأثر المقصود عليه في هذا النظر ، وفاسدا بنظر آخر لعدم ترتب الأثر المرغوب منه عليه في هذا النظر ، كما في الاتيان بالمأمور به الظاهري على القول بالاجزاء عند كشف الخلاف فإنه يكون صحيحا بنظر الفقيه وفاسدا بنظر المتكلم كما هو واضح. ومن ذلك البيان انقدح أيضا جهة أخرى وهي عدم امكان اخذ عنوان الصحة مفهوما أو مصداقا قيدا في ناحية المعنى والموضوع له ، لان هذه الحيثية حينئذ انما هي كعنوان الموضوعية والكلية والجزئية من العناوين المنتزعة عن رتبة متأخرة عن الشيء فإنها بعد كونها بمعنى تمامية الشيء التي هي عبارة أخرى عن مؤثريته ووفائه بالغرض فلا جرم كان انتزاع عنوانها عن رتبة متأخرة عن ترتب الأثر عليه ، نظير العلية والموضوعية ، لان الشيء باعتبار انه واف بالغرض ويترتب عليه الأثر ينتزع عنه الصحة ويتصف بكونه صحيحا ، ومعه يستحيل اخذ مثل ذلك مفهوما أو مصداقا في ناحية ذات المعنى والموضوع له الذي هو الموضوع للآثار ، من دون فرق في ذلك بين الصحة الفعلية أو الشأنية ففي الثاني أيضا تكون الصحة مفهوما ومصداقا من العناوين الطارية على الشيء المنتزعة عن رتبة متأخرة عن قابلية الشيء بنحو يترتب عليه الأثر المهم ، وهذا واضح بعد وضوح كون القابلية المزبورة من العوارض الطارية على الذات الزائدة عليها.

نعم الذي يمكن اخذه فيه انما هو المعنى الملازم للصحة لا المقيد بها. وعليه فتحريرهم النزاع بالوضع لخصوص المعنى الصحيح أو الأعم لابد وأن يكون بضرب من العناية والمسامحة والا فقد عرفت كونه من المستحيل. وحينئذ فكان الأولى في مقام تحرير النزاع هو تحريره بان اللفظ هل هو موضوع للمعنى الملازم للصحة خارجا أو المعنى الغير الملازم لها فتدبر.

٧٤

وعلى كل حال فالظاهر أن المراد من الصحة في المقام عند القائل بالصحيح هو الصحة الاقتضائية على معنى كون الشيء تاما في مرحلة اقتضائه في المؤثرية ويقابلها الفساد بمعنى عدم تماميته في مرحلة الاقتضاء في التأثير ، لا ان المراد هو الصحة الفعلية الملازمة للمؤثرية الفعلية ، كيف وان مثل هذا المعنى في العبادات منوط بقصد القربة المعلوم بالبداهة خروجه عن المسمى جزما نظراً إلى استحالة اخذه فيه كما هو واضح ، ومعه لا محيص وأن يكون مورد البحث والكلام من الصحة والتمامية هو الصحة الاقتضائية لا الفعلية.

نعم يبقى الكلام حينئذ بالنسبة إلى غير قصد القربة من الشرائط الاخر كالطهور والقبلة والتستر ونحوها في عموم النزاع وجريانه بالنسبة إليها أيضا أو اختصاصه بخصوص الاجزاء؟ فنقول : الذي يظهر من المشهور من القائلين بالصحيح من مثل استدلالهم بمثل قوله : لا صلاة الا بطهور ولا صلاة الا إلى القبلة ، هو الأول من تعميم النزاع بالنسبة إلى الشرائط أيضا فان استدلالهم بما ذكر لنفى الحقيقة بدون الطهور والقبلة ظاهر بل صريح في إرادة الصحة والتمامية حتى بحسب الشرائط أيضا. وعليه فلا يبقى مجال لتخصيص هذا النزاع بخصوص الاجزاء وجعل المراد من الصحة والتمامية هو التمامية بحسب الاجزاء دون الشرائط كما لايخفى.

نعم قد يشكل عليه بان ذلك كذلك فيما لو كانت الشرائط راجعة إلى مقام الدخل في ناحية المؤثر والمقتضى ولو بنحو دخول التقيد وخروج القيد الراجع إلى كون حقيقة الصلاة مثلا عبارة عن الاجزاء الخاصة من الركوع والسجود ونحوهما مع تقيدات خاصة بالطهارة والقبلة والستر ، والا فبناء على رجوعها إلى مقام الدخل في قابلية المحل للتأثر والانوجاد نظير الشرائط في العلل التكوينية الخارجية كما في مثل يبوسة المحل والمحاذاة الخاصة في الاحراق ، فلا جرم يلزمه خروج الشرائط طرا عن مركز هذا النزاع ، من جهة ان ما فيه اقتضاء الصحة حينئذ ليس الا نفس الاجزاء وانما كان دخل الشرائط في مقام اتصافها بالصحة والمؤثرية الفعلية ، كما هو الشأن في العلل التكوينية الخارجية أيضا كالنار مثلا فان ما ينشأ منه الاحراق الا النار بلا مدخل لحيث يبوسة المحل والمحاذاة الخاصة الا في مرحلة اتصافها بالمؤثرية الفعلية. وعليه فبعد ان لم يكن المراد من الصحة هو الصحة الفعلية بشهادة خروج مثل قصد القربة ، بل كان المراد منها هو الصحة

٧٥

الاقتضائية على معنى كون الشيء تاما في عالم اقتضائه في التأثير ، فلا جرم يلزمه تخصيص النزاع بخصوص الاجزاء في التمامية والنقصان مع الالتزام بخروج الشرائط عن مقام الدخل في المسمى والتسمية لا تعميمه حتى بالنسبة إلى الشرائط ، الا على فرض إرادة القائل بالصحيح الوضع للصحيح الفعلي ، وعليه أيضا يتوجه اشكال قصد القربة كما هو واضح.

وعليه فلابد من تنقيح ان الشرائط هل هي راجعة إلى مقام الدخل في ناحية المقتضى ولو بنحو دخول التقيد ، أو هي راجعة إلى مرحلة الدخل في قابلية المحل والمقتضى بالفتح للتأثر والانوجاد من قبل المقتضي بالكسر وما ينشأ منه الوجود ، كي يلزمه انحصار ما فيه اقتضاء الصحة في المقام بخصوص الاجزاء؟ وفي مثله ربما كان المتعين هو الثاني ، نظراً إلى ما تقتضيه النصوص من استناد المقربية والنهى عن الفحشاء إلى عنوان الصلاة بضميمة معلومية كون الصلاة من العناوين القصدية التي قوام تحققها بالقصد إلى عنوانها عند الاتيان بها ، بشهادة عدم صدق الزيادة الحقيقية عند الاتيان بشيء من اجزائها قرائة أو ركوعا أو غير هما لا بقصد الصلوتية ، حيث إنه بعد عدم قصدية التقيدات الخاصة بالطهارة والستر والقبلة وتوصليتها ، بشهادة اجماعهم على صحة صلاة من صلى مع الغفلة عن الشروط مع اتفاق وجدان صلوته لجميع ما اعتبر فيها من الطهارة والستر والقبلة ونحوها واقعا ، يستفاد من المقدمتين المزبورتين ان الصلاة التي هي المؤثرة في النهى عن الفحشاء والمقربية عبارة عن خصوص الاجزاء وان الشرائط خارجة عن المسمى وعن مقام الدخل في المقتضي ، لأنه لولا خروجها عنه يلزمه تركيب الصلاة من الأمور القصدية وغيرها. وهو كما ترى مما لايمكن الالتزام به ، لمنافاته لما بنوا عليه وما هو المرتكز من قصدية عنوان الصلاة كما هو واضح فتأمل. وعليه فلا يبقى مجال للقائل بالصحيح لا دخال الشرائط في المسمى بدعواه الوضع للصحيح حتى من جهة الشرائط بعد فرض عدم التزامه بالصحيح الفعلي ، هذا.

اللهم الا ان يقال حينئذ بان الشرائط بمقتضى البيان المزبور وان كانت خارجة عن المسمى وعن مقام الدخل في الاقتضاء بل كان المسمى وما فيه الاقتضاء للتأثير هو خصوص الاجزاء ، دونها مع التقيدات الخاصة ، ولكنه مع ذلك أمكن دعوى دخلها في مقام التسمية ، حيث يمكن ان يقال بكونها بمقتضى قوله : لا صلاة الا بطهور ، والا إلى

٧٦

القبلة ، مما لها الدخل في أصل اتصاف الاجزاء بالصلوتية بحيث لو لاها لما كاد اتصافها بكونها صلاة أصلا ، وعليه فللقائل بالصحيح كمال المجال لدعوى الوضع للصحيح حتى من جهة الشرائط مع التزامه أيضا بالصحيح الاقتضائي دون الفعلي والتزامه أيضا بان ما هو المقتضي للصحة وللنهي عن الفحشاء هو خصوص الاجزاء وانها هي المسماة بالصلاة دون غيرها كما لايخفى.

بقى شيء وان لم يكن له مساس بما نحن بصدده وهو ان الصحة والفساد في المقام بل وكذا في غير المقام ، هل هي مجعولة أو انتزاعية صرفة من التكليف ، أو انها من الأمور الواقعية؟ حيث إن فيها وجوها ، ولكن التحقيق فيها هو التفصيل بين كونها بمعنى سقوط الإعادة والقضاء كما عند الفقيه فجعلية كما في موارد القصر والاتمام والجهر والاخفات حيث كان سقوط الإعادة والقضاء بجعل من الشارع وحكم منه بالسقوط ، وبين كونها بمعنى موافقة الامر كما عند المتكلم فانتزاعية صرفة من التكليف والامر ، وبين كونها بمعنى المؤثرية في الملاك والمصلحة فامر واقعي لا جعلي ولا انتزاعي من التكليف والامر فتدبر.

الرابع من الأمور : لايخفى ان هذا النزاع انما يختص جريانه بالمعاني القابلة للاتصاف بالصحة تارة وبالفساد أخرى ، واما ما لايكون كذلك مما يدور امره دائما بين الوجود والعدم وكان وجوده مساوقا لصحته فلا يجري فيه هذا النزاع. وعلى هذا فيختص هذا النزاع بعناوين العبادات كالصلاة والصوم والحج ونحوها ولا يجرى في عناوين المعاملات كالبيع والصلح والنكاح ونحوها لان تلك العناوين مما يدور أمرها دائما بين الوجود والعدم ، حيث كان صحتها وترتب الأثر عليها مساوق وجودها وتحققها كما أن عدم ترتب الأثر عليها مساوق عدم وجودها فلايتصور لها وجود حينئذ يترتب عليها الأثر تارة ولايترتب عليها أخرى. وهذا بخلافه في العبادات فإنها باعتبار تركبها كانت قابلة للاتصاف بالصفين المزبورين بحيث يترتب عليها الأثر تارة ولايترتب عليها أخرى ولذلك كان لجريان النزاع فيها كمال مجال. نعم لو قلنا في المعاملات بان تلك العناوين من البيع والصلح والإجارة ونحوها أسام للأسباب وهي العقود دون المسببات يدخل المعاملات أيضا في عموم النزاع ، حيث إنها باعتبار تركبها حينئذ من اجزاء كالايجاب والقبول واشتمالها على شرائط خاصة من نحو صدورها عن البالغ العاقل وممن له الأهلية

٧٧

كانت قابلة للصحة تارة والفساد أخرى ، فبذلك يجرى فيها النزاع أيضا.

اشكال ودفع : قد يتوهم منافاة ما ذكرنا من خروج عناوين المسببات في المعاملات عن حريم هذا النزاع من جهة دوران أمرها بين الوجود والعدم وعدم قابليتها للاتصاف بالصحة تارة وبالفساد أخرى ، مع ما بنوا عليه من جريان أصالة الصحة فيها عند الشك في صحتها وفسادها من جهة الشك في بعض ما اعتبر فيها ، حيث كان قضية بنائهم على جريان أصالة الصحة فيها هي قابليتها للوصفين المزبورين فيلزمه حينئذ دخولها في حريم هذا النزاع. ولكنه مدفوع بمنع التنافي لان ما يرى من بنائهم على جريان أصالة الصحة في البيع الصادر مثلا عند الشك في صحته وفساده فإنما هو باعتبار اجرائهم القائدة المزبورة في سببه الذي هو العقد الصادر ، باعتبار كون ترتب المسبب شرعا من لوازم صحة العقد وتماميته في عالم مؤثريته لا ان ذلك من جهة اجرائهم القاعدة في نفس المسبب حتى يرد الاشكال التنافي وهذا واضح.

وهم ودفع آخر : اما الوهم فهو انه قد يشكل في العبادات أيضا بلزوم خروجها عن محل النزاع ، نظراً إلى دعوى بساطتها وان الصلاة مثلا عبارة عن العطف الخاص الذي هو امر بسيط غاية البساطة وكان الافعال والأذكار الخاصة من قبيل المحققات لذلك العطف الخاص ، نظيره الطهارة بالقياس إلى الغسلات والمسحات فيلزمها خروجها أيضا على هذا المبنى عن حريم النزاع لعين ما ذكر من المناط في عناوين المسببات في المعاملات من العقود والايقاعات ، بل ولازمها حينئذ هو تعين المصير فيها إلى الاشتغال عند الشك في جزئية شيء أو شرطيته أو ما نعيته دون البراءة ، نظراً إلى كون مرجع الشك حينئذ إلى الشك في مرحلة الفراغ والخروج عن عهدة ما ثبت الاشتغال به يقينا وهو الامر البسيط لا إلى الشك في أصل الاشتغال بالتكليف ، كما هو واضح.

وتوضيح الدفع هو انه انما يتوجه هذا الاشكال بناء على كون الامر البسيط أمرا آنيا غير متدرج الحصول من قبل الاجزاء والشرائط المعهودة وهو في محل المنع جدا ، من جهة منافاته لما نطق به الأخبار الواردة في شرح الصلاة من نحو قوله عليه‌السلام تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ، وما دل على قاطعية بعض الأمور لها كالحدث والاستدبار ونحوهما ، بل الذي يمكن القول به على فرض البساطة هو كونها أمرا ممتدا ذا مراتب من أول التكبيرة إلى آخر التسليم بنحو يكون كل جزء مؤثرا في تحقق مرتبة منها ، وعليه فلايقتضي مجرد

٧٨

بساطتها خروجها عن محل النزاع بل لجريان النزاع المزبور فيها حينئذ كمال مجال ، إذ كان مرجع النزاع المزبور إلى أن الصلاة هل هي اسم لتلك المرتبة الخاصة الناشئة من قبل مجموع الاجزاء والشرايط والممتدة من أول التكبيرة إلى اخر التسليم التي هي منشأ للآثار أو انها اسم للأعم منها ومن غيرها من المراتب الاخر الناشئة من قبل بعض الاجزاء والشرائط؟

ومن ذلك البيان ظهر الجواب عن شبهة مرجعية الاشتغال أيضا عند الشك في جزئية شيء أو شرطيته للواجب ، إذ نقول بأنه بعد فرض كون الامر البسيط أمرا ممتدا ذا مراتب فلا جرم مرجع الشك في دخل المشكوك إلى الشك في تعلق التكليف بأزيد من تلك المرتبة المعلومة ، وفي مثله كان لجريان البراءة فيها كمال مجال بناء على جريانها في كلية الأقل والأكثر الارتباطيين.

ثم إن هذا كله في فرض تسليم البساطة بالمعنى المزبور والا فبناء على المنع عن ذلك أيضا والقول بالبساطة فيها بمعنى آخر بجعل الصلاة عبارة عن امر معنوي منطبق خارجا على الافعال والأذكار المعهودة فلا موقع لهذا الاشكال ، فضلا عما لو قلنا بأنها عبارة عن نفس الافعال والأذكار المعهودة المتقيدة بقصد الصلوتية على نحو خروج القيد ودخول التقيد كما هو الظاهر المنساق من النصوص الواردة في شرح حقيقة الصلاة ، إذ عليها كان امر جريان النزاع المزبور فيها بل والنزاع الآخر أيضا من جهة مرجعية البراءة أو الاشتغال أوضح كما هو واضح.

الخامس من الأمور : وهو العمدة في الباب ، انه على كلا القولين في المسألة لابد من تصور جامع في البين يكون هو المسمى بالصلاة مثلا ، حيث لا اختصاص لذلك على القول بالأعم ، بل على القول بالصحيح أيضا لابد من وجود الجامع أيضا عنده بين الافراد الصحيحة ، نظراً إلى ما يرى من الاختلاف الفاحش بين افراد الصحيح حسب اختلاف الموارد والاشخاص بحسب حالاتهم ، كما في صلاة العالم القادر المختار وصلاة العاجز غير القادر على اختلاف مراتب العجز المتصور فيه البالغ إلى صلاة الغريق المشرف على الهلاك ، بل وكذلك بالنسبة إلى افراد صلاة العالم القادر المختار حيث إن فيها أيضا اختلافا عظيما من حيث الكمية والكيفية كصلاة القصر والاتمام وصلاة الصبح والظهر والمغرب وصلاة الكسوف والعيد والجنازة ونحوها ، إذ حينئذ لا محيص على القول بالصحيح أيضا

٧٩

من كشف جامع بين تلك الافراد المختلفة كمية وكيفية يكون هو المسمى بالصلاة عنده ، فرارا عن محذور الاشتراك اللفظي فيها وجعل الصلاة من قبيل متكثر المعنى.

وحيث إن تصور الجامع بين افراد الصحيح في غاية الصعوبة والاشكال لعدم جامع صوري بينها يدور عليه مدار التسمية ولا جامع معنوي أيضا بينها ، التزم بعض كالشيخ قدس‌سره على ما في التقرير بالصحيح الشخصي فقال بان الصلاة اسم لخصوص صلاة العالم القادر المختار التي هي تامة الاجزاء والشرائط ، وان ما عداها من الصلوات الاخر ابدال لها لا انها صلاة حقيقة وان اطلاقها على مثل صلاة الناسي لبعض الاجزاء والشرائط وصلاة المريض ونحو هما من باب التوسعة بمعنى ان المتشرعة توسعوا في تسميتها بالصلاة من جهة حصول ما هو الأثر المقصود من الصلاة التامة الاجزاء والشرائط وهو المسقطية للإعادة والقضاء منها أيضا. ولكن فيه ما لايخفى إذ ذلك بعد عدم تماميته في نفسه لايكاد يندفع به الاشكال المزبور أيضا ، إذ نقول بأنه بعد وضوح كثرة الاختلاف بين الصلوات الثابتة في حق العالم القادر المختار كمية وكيفية كما بين صلاة الكسوف والعيدين وصلاة الجنازة والقصر والاتمام والصبح والظهر والمغرب ونحوها فيسئل عنه بأنه أي واحدة منها تجعل أصلا والبقية بدلا؟.

فلا محيص حينئذ بعد بطلان القول بالأصلية والبدلية في مثل تلك الصلوات من القول بأحد الامرين ، اما الالتزام بالاشتراك اللفظي فيها ، واما الالتزام بكشف الجامع وقدر المشترك بينها. وبعد بطلان الاشتراك اللفظي فيها بشهادة صحة قولك هذه الجماعة يصلون ، في جماعة يصلي كل واحد منها صلاة غير ما يصلى الاخر ، بلا محذور لزوم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، يتعين الوجه الثاني من الالتزام بالجامع بين افراد صلاة المختار التامة الاجزاء والشرائط. وعليه نقول بأنه إذا أمكن تصور الجامع بين هذه فلا داعي إلى اتعاب النفس وجعل مثل صلاة الناسي والعاجز ابدالا للصلاة ، بل من الأول توسع دائرة ذلك الجامع بنحو يشمل الصلوات الاضطرارية وصلاة الناسي للجزء أو الشرط كي لا نحتاج إلى اتعاب النفس بجعل ما عدا الصلوات التامة الاجزاء والشرائط الثابتة في حق العالم القادر ابدالا للصلاة.

نعم لو كان قضية الالتزام بالصحيح الشخصي من جهة الاستفادة من الأخبار الواردة في شرح حقيقة الصلاة لا من جهة عدم تصور الجامع والقدر المشترك بينها فله وجه ،

٨٠