نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

في كونها من باب التقييد ، واما ما كان منها بلسان لاتكرم الفساق من العلماء أو لايجب اكرام الفساق منهم كما هو الغالب في التخصيصات بالمنفصل فهو قابل لكلا الامرين حيث يصلح لان يكون من باب التقييد ، فيقيد به العنوان المأخوذ في العام في قوله : أكرم العلماء ، بكونهم عادلين أو غير فاسقين ، كصلاحيته أيضا لان يكون من باب التخصيص الغير الواجب الا لحصر الحكم في قوله : أكرم العلماء بما عدا الفساق من الافراد الاخر ، من دون اقتضائه لتعنون الافراد الباقية بكونهم عادلين أو غير فاسقين ، وان كانوا في الواقع ملازمين مع العدالة قهرا ، وحينئذ فقد يقال في مثله بدوران الامر بين رفع اليد عن أحد الظهورين اما ظهور عنوان الموضوع في الاطلاق واما ظهور العام في العموم ، وان المتعين في مثله هو رفع اليد عن ظهوره في الاطلاق مع الاخذ بظهوره في العموم بالنسبة إلى كل فرد من افراد العالم ، ولا أقل من تصادم الظهورين ، فتكون النتيجة حينئذ كالتقييد في عدم جواز التمسك بالعام عند الشك في مصداق المخصص. ولكنه مدفوع بمنع الدوران بينهما ، فإنه بعد القطع بخروج افراد الفساق عن دائرة حكم العام ، وهو وجوب الاكرام ، اما رأسا على التخصيص واما من جهة انتفاء القيد على التقييد ، فلا جرم لايترتب اثر عملي على أصالة العموم بالنسبة إليهم ، حتى يجري العموم بلحاظه ، ومعه فلا مجرى لأصالة العموم بالنسبة إلى كل فرد من العلماء حتى الفساق منهم ، وحينئذ فمع عدم جريان أصالة العموم وسقوطها عن الحجية فقهرا تبقى أصالة الاطلاق فيه بلا معارض ، ونتيجة ذلك قهرا هو التخصيص لا غير ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فبعد ما اتضح وجه الفرق بين باب التخصيص وبين باب التقييد والاشتراط بحسب الكبرى ، وكون التخصيص من قبيل انعدام بعض الافراد أو الأصناف بموت ونحوه في عدم اقتضائه لاحداث عنوان سلبي أو ايجابي في ناحية الافراد الباقية لكي ينقلب عن كونها تمام الموضوع للحكم إلى جزئه ، ظهر لك عدم صحة ما أفيد من التقريب المزبور في وجه عدم جواز التمسك بالعام في المشتبه كونه من افراد المخصص ومصاديقه ، من دعوى عدم الجزم بانطباق عنوان الموضوع بعد تقييده على المورد ، نظراً إلى الشك الوجداني حينئذ في جزئه الآخر وعدم صلاحية أصالة العموم لاحراز ذلك الجزء المشكوك ، إذ نقول بان هذا التقريب يتم في فرض ان يكون التخصيص أيضا كالتقييد موجبا لتعنون عنوان العام بأمر وجودي أو عدمي ، والا فعلى ما عرفت من الفرق

٥٢١

بين البابين لايكاد مجال لهذا الاشكال أصلا ، حيث إنه بعد عدم انقلاب عنوان العام عن كونه تمام الموضوع للحكم إلى جزء الموضوع فلا جرم أصل تطبيق العنوان على المورد عند الشك جزميا ، وفي مثله يتجه الاستدلال المزبور للقول بالجواز ، بتقريب انه بعد الجزم بانطباق عنوان العام على المورد واحتمال مطابقة ظهوره للواقع في الزائد عن الافراد المعلومة الفسق ، ولو من جهة احتمال كونهم عدولا ، يشمله دليل التعبد بالظهور الآمر بالغاء احتمال الخلاف ، فان المدار في التعبد بالظهور انما هو على مجرد احتمال مطابقة الظهور للواقع ، وحينئذ فكما انه عند احتمال مطابقة الظهور للواقع في زيد العالم المشكوك فسقه وعدالته من جهة الشبهة الحكمية واحتمال خروج الفساق الداخل فيهم زيد على تقدير فسقه عن تحت حكم العام لأجل مخصص خارجي لايعلمه المكلف تجري أصالة الظهور ، وبمقتضاها يحكم بوجوب اكرام زيد المشكوك فسقه وعدالته ، كك الامر فيما لو كان احتمال مطابقة الظهور للواقع من جهة الشبهة المصداقية واحتمال كون المشتبه عادلا في الواقع ، فإنه في مثله أيضا يشمله دليل التعبد بالظهور الآمر بالغاء احتمال الخلاف. نعم في المقام بالنسبة إلى الشبهة الحكمية لما قام حجة أقوى على الخلاف يرفع اليد عن حجية ظهوره ، واما بالنسبة إلى الشبهة المصداقية فحيث انه لم يعلم بمخالفة ظهوره للواقع من جهة احتمال كون المشتبه عدلا ولم تقم حجة أيضا على الخلاف من جهة فرض الشك في انطباق دليل الخاص على المورد فيؤخذ بظهوره ويحكم عليه بحكمه.

واما توهم اختصاص حجية الظهور بما لو كان الشك في مخالفة الظهور للواقع من جهة الشبهة الحكمية دون الشبهة الموضوعية ، بدعوى ان الرجوع إلى أصالة الظهور انما هو في الشبهات التي كان رفعها وازالتها من شأن المتكلم دون غيرها مما ليس من شأن المتكلم ازالتها ، وبذلك ينحصر حجية الظهور في موارد الشبهات الحكمية ، لأنها هي التي كان إزالة الشبهة فيها من وظائف المتكلم ، ولا تعم الشبهات المصداقية ، نظراً إلى عدم كون مثل هذه الشكوك مما ازالتها من شأن المتكلم حتى يصح الرجوع إلى الظهور في رفع الشبهة فيها ، فمدفوع بأنه وان كان الامر كك بالنسبة إلى كل شبهة شخصية على التفصيل ، ولكنه لا مانع من جعل امارة كلية لتميز الموارد وتشخيص حكم الصغريات ، فان ذلك أيضا من شأن الشارع ووظائفه ، كما في موارد اليد والبينة والسوق وغيرها.

وبالجملة نقول بان ما أفيد من عدم كون إزالة الشبهة في الصغريات

٥٢٢

من شأن الشارع ووظائفه ، ان أريد ذلك بالنسبة إلى كل شبهة شخصية بنحو التفصيل فهو مسلم ، ولكنه لا ينتج المطلوب من سقوط أصالة الظهور عن الحجية في الشبهات المصداقية ، من جهة عدم كون أصالة الظهور من هذا القبيل ، وانما هي من قبيل جعل امارة كلية لتشخيص الصغريات وان أريد به خروج الشبهات الموضوعية كلية على الاطلاق عن موارد التمسك بالظهور ، بدعوى عدم كون إزالة الاشتباه فيها من شأن الشارع ووظائفه على الاطلاق ، ولو بنصب امارة كلية عليها للمكلف لكي يرجع إليها عند جهله وتحيره فهو ممنوع جدا بشهادة جعل البينة واليد والسوق ونحوها حجة عند اشتباه الموارد في الموضوعات ، وعليه نقول : بان من الامارات الكلية أيضا لتميز الوارد وتشخيص حكم الصغريات عند الجهل والاشتباه أصالة العموم ، فمتى تحتمل مطابقتها للواقع ولو من جهة الشبهة في المصداق ، ولم تقم حجة أقوى على خلافها يجب التعبد بظهوره والغاء احتمال الخلاف ، هذا.

ولكن مع ذلك فالتحقيق في المقام هو عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية ، إذ نقول : بان ما ذكر من التقريب المزبور للجواز مبنى على أن يكون مدار الحجية في الظهورات على الدلالة التصورية المحضة التي هي عبارة عن مجرد تبادر المعنى وانسباقه إلى الذهن من اللفظ عند سماعه الناشي من جهة العلم بالوضع المجامعة مع القطع بعدم كون المتكلم في مقام الإفادة والجد بالمراد أيضا ، كما في الألفاظ الصادرة عن الساهي والنائم ، حيث إنه مع القطع بعدم كون الألفاظ في مقام الإفادة والجد بالمراد يتبادر المعنى وينسبق إلى الذهن بمجرد سماع اللفظ ، فعلى هذا المسلك يتجه التقريب المزبور للجواز من جهة تحقق موضوع الحجية وهو الظهور التصوري مع احتمال المطابقة للواقع ، والا فعلى ما هو التحقيق من كون مدارا الحجية في أصالة الظهور على الدلالة التصديقية والكشف النوعي عن المراد فلايكون مجال لدعوى حجية أصالة العموم والظهور الا في موارد الشبهات الحكمية الناشئة من جهة احتمال مخالفة الظهور للواقع من جهة الشك في أصل التخصيص واصل القرينية ، والوجه فيه واضح بعد معلومية تبعية حصول التصديق بالمراد من اللفظ قطعا أو ظنا لاحراز كون المتكلم بكلامه في مقام الإفادة ومقام الجد بالمرام المتوقف ذلك على التفاته بجهات مرامه وخصوصياته ، إذ حينئذ يختص حصول التصديق النوعي بالمراد من اللفظ بما إذا كان هناك غلبة نوعية على التفات المتكلم

٥٢٣

بجهات مرامه وخصوصياته ، فيختص ذلك حينئذ بخصوص ما كان الشك في مخالفة الظهور للواقع من جهة الشبهة في الحكم الراجعة إلى الشك في التوسعة وتضييق دائرة مراد المتكلم. واما فيما عدا ذلك من موارد كون الشك في المخالفة من جهة الشك في مصداق المخصص فحيثما لايكون هناك غلبة نوعية فيها على التفات المتكلم ، بل ربما كان الامر بالعكس من حيث كون الغالب هو غفلة المتكلم وجهله بالحال ، بشهادة ما نرى من وقوع التردد والاشتباه كثيرا للمتكلم في تطبيق مرامه على الصغريات ، فلايكاد حصول التصديق النوعي بالمراد حتى يكون مشمولا لدليل التعبد ، فتكون نتيجته جواز الرجوع إلى العام في الشبهات المصداقية للمخصص ، بل ولو قلنا بان مدار الحجية في الظهورات على الظهور الفعلي والدلالة التصديقية الفعلية كان الامر في عدم جواز التمسك بأصالة العموم عند الشك في مصداق المخصص أظهر ، من جهة وضوح انتفاء الدلالة والتصديق الفعلي بالمراد مع تلك الغلبة النوعية على غفلة المتكلم وعدم التفاته في مقام التطبيق على الصغريات ، وان كان أصل المبني مما يبعد الالتزام به ، من جهة ما يلزمه من عدم حجية الظهورات في موارد قيام الظن الفعلي الغير المعتبر على الخلاف ، وهو مما لايمكن الالتزام به.

وحينئذ فلابد من تنقيح هذه الجهة بان حجية أصالة العموم ونحوها هل هي من باب الظهور التصوري المساوق لتبادر المعنى من اللفظ وانسباقه إلى الذهن المجامع ولو مع الجزم بعدم كون المتكلم في مقام الإفادة ومقام الجد بالمراد الواقعي ، أو انه من باب الظهور التصديقي المفيد للظن بالمراد ولو نوعا وان لم يفده فعلا لمانع خارجي؟ وذلك بعد القطع بعدم كونه من جهة التعبد المحض ، بشهادة بنائهم على عدم حجية الظهورات مع الاتصال بما يصلح للقرينية ، بل ولا من باب الظن الفعلي بالمراد كما عليه بعضهم ، بشهادة ما عرفت من بنائهم على عدم اضرار قيام الظن الغير المعتبر على الخلاف.

فعلى الأول من كون مدار الحجية على الظهور التصوري المساوق لانسباق المعنى إلى الذهن ، فلا محيص كما عرفت من القول بجواز التمسك بالعام فيما شك كونه من افراد المخصص ومصاديقه ، نظراً إلى وجود المقتضي حينئذ للحجية وعدم المانع عنها ، حيث إنه بعد انطباق عنوان العام على المورد وعدم قيام حجة على الخلاف ، نظراً إلى فرض عدم حجية الخاص بالنسبة إليه بلحاظ الشك في انطباق عنوانه عليه ، فلا جرم

٥٢٤

يشمله دليل التعبد بالظهور الآمر بالغاء احتمال الخلاف ، من غير فرق في ذلك بين كون المخصص لفظيا أو لبيا.

واما على الثاني : فلازمه كما عرفت هو المصير إلى عدم الجواز من جهة ما عرفت من اختصاص هذا المعنى أي إفادة الظهور للتصديق النوعي بالمراد بما إذا كان هناك غلبة نوعية على التفات المتكلم وعدم غفلته عن جهات مرامه الملازم ذلك للاختصاص بما إذا كان الشك في مخالفة الظهور للواقع من جهة الشبهة الحكمية الراجع إلى الشك في التوسعة والتضييق في دائرة المراد الواقعي في كبرى الحكم ، دون ما لو كان الشك في المخالفة والمطابقة من جهة الشبهة الموضوعية الراجعة إلى الشك في تطبيق الكبرى وما هو المراد الواقعي على المصاديق والصغريات ، وذلك من جهة انتفاء تلك الغلبة النوعية في هذا المقام ، لوضوح انه لا غلبة نوعية على التفات المتكلم بتطبيق مرامه على المصاديق والصغريات لولا دعوى كون الغلبة بالعكس ، على ما نرى ونشاهد بالوجدان من غفلة المتكلم وجهله وتردده كثيرا في تطبيق ما هو المرام على المصاديق والصغريات ، إذ حينئذ لايكون مجال لدعوى جواز الاخذ بأصالة العموم فيما شك كونه من افراد المخصص ومصاديقه ، حيث إنه لايكون اللفظ ظهور تصديقي ودلالة تصديقية ولو نوعية بالنسبة إلى الصغريات ومقام التطبيق على المصاديق ، حتى يشمله دليل التعبد من هذه الجهة ، ففي الحقيقة عدم حجية أصالة العموم فيما شك كونه من افراد المخصص كان من جهة عدم المقتضي للتعبد ، وهو الظهور التصديقي ، لا من جهة وجود المانع ، حتى يدفع بان دليل المخصص لما كان تطبيقه على المورد مشكوكا لايكون له صلاحية للمانعية عن التمسك بالعموم ، ولئن شئت قلت بان عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية انما هو من جهة الشك في انطباق عنوان العام بما هو حجة على المورد ، حيث إنه بعد اقتضاء الدليل المخرج لقصر حكم العام في قوله : أكرم العلماء على ما عدا الفساق مثلا ، فقهرا عند الشك في كون المورد من مصاديق الفساق الخارج عن دائرة موضوع حكم العام يشك في انطباق ما هو المراد الواقعي على المورد ، وفي مثله لايبقى مجال لتوهم جواز الرجوع إلى العام في المشتبه كما هو واضح.

وحيث إن التحقيق في المسألة كما حقق في محله هو الثاني من كون مدار الحجية في الظهورات على الدلالة التصديقية لا الدلالة التصورية المساوقة لانسباق المعنى إلى

٥٢٥

الذهن ، فلا جرم كان الأقوى هو عدم جواز التمسك بالعام فيما شك في كونه من افراد المخصص ومصاديقه ، بل وكك الامر فيما لو شك في ذلك ولم يحرز من طريقة العقلاء ان مدار الحجية على الظهور التصوري أو الظهور التصديقي ، حيث إنه بعد ما لم يكن في البين اطلاق لفظي ، نظراً إلى كون الدليل عليه هو السيرة وبناء العقلاء ، فلابد من الاخذ بما هو الأخص وهو الدلالة التصديقية المعبر عنها بالظهور النوعي ، من جهة كونه هو القدر المتيقن من بناء العقلاء على الاخذ بالظهورات.

ومقتضاه كما عرفت هو لزوم المصير إلى عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية ، من غير فرق في ذلك بين كون المخصص لفظيا أم لبيا ، لان مناط عدم الجواز انما هو انتفاء الدلالة التصديقية ، وعليه لا يفرق بين كون الخاص لفظيا أم لبيا ، كما أنه على المسلك الأول في حجية أصالة الظهور أيضا لا يفرق بين لفظية المخصص ولبيته ، من جهة ما عرفت من جواز التمسك بالعام على هذا المسلك ولو مع كون المخصص لفظيا. وحينئذ فالتفصيل بين فرض كون المخصص لفظيا وبين كونه لبيا كما عن بعض ساقط على كل حال. بل اللازم على المسلك الأول في حجية أصالة الظهور هو المصير إلى الجواز مطلقا حتى في المخصص اللفظي ، كما أن اللازم على المسلك الثاني هو المصير إلى عدم الجواز كك حتى في المخصص اللبي.

ثم انه مما ذكرنا ظهر أيضا عدم صحة التشبث بقاعدة المقتضي والمانع لاثبات حكم العام في المشكوك ، بتقريب ان العام المنفصل عنه المخصص من جهة ظهوره واستقرار دلالته النوعية على المراد كان فيه اقتضاء الحجية وان الخاص المنفصل انما كان يزاحم حجيته في مقدار دلالته لا أصل ظهوره وحينئذ فعند الشك في فرد في كونه من مصاديق الخاص وعدمه يؤل إلى الشك في جود المزاحم وعدمه مع القطع بوجود المقتضي للحجية ، وهو الظهور ، وفي مثله لابد بحكم العقل من الجري على طبق المقتضي إلى أن يظهر الخلاف ، كما كان هو الشأن أيضا في كل واجب احتمل مزاحمته مع أهم منه كالصلاة والإزالة مثلا ، فكما انه هناك لا يعتنى باحتمال وجود المزاحم بل يجري على طبق المهم ويحكم بوجوب الاتيان به كك في المقام أيضا ، ففي المقام أيضا كان المقتضي للحجية وهو الظهور والدلالة النوعية متحققا وانما الشك في وجود المزاحم بالنسبة إلى المشكوك ، فلابد من الجري على طبق المقتضي والحكم على المشكوك بحكم

٥٢٦

العام إلى أن ينكشف الخلاف ، حيث لا فرق بين المقامين ، غير أن المزاحمة هناك كانت في الحكم الفرعي وفى المقام في الحكم الأصولي وفي مرحلة الحجية.

وجه الفساد يظهر مما عرفت من المسلكين في وجه حجية أصالة الظهور ، إذ نقول : بأنه على المسلك الأول من كفاية مجرد الظهور التصوري في التعبد والحجية فان المقتضي للحجية وهو الظهور وان كان متحققا ، ولكنه بعد عدم حجية الخاص في المشكوك من جهة الشك في انطباق عنوانه عليه يقطع بعدم المزاحم له ، ومع القطع بعدم المزاحم لايكاد ينتهى النوبة إلى القاعدة المزبورة بوجه أصلا ، كما لايخفى. واما على المسلك الثاني من عدم كفاية مجرد الظهور التصوري في التعبد والحجية واحتياجها إلى الظهور التصديقي ولو نوعا فلاتحقق للمقتضي حينئذ حتى ينتهى الامر إلى القاعدة ، من جهة ما عرفت من أنه لايكون حينئذ للعام ظهور ودلالة تصديقية بالنسبة إلى مقام التطبيق على المصاديق والصغريات حتى يشملها دليل التعبد والحجية ، فعلى كل من المسلكين لا مجال للقاعدة المزبورة بوجه أصلا ، كما لايخفى.

تنبيه

لايخفى عليك ان المرجع بعد سقوط العام عن الحجية فيما شك كونه من مصاديق الخاص لفظيا أو لبيا انما هو الأصول العملية وحينئذ لو كان هناك أصل حكمي من استصحاب وجوب أو حرمة ونحوه فلا اشكال ، واما الأصل الموضوعي فيبتنى جريانه على ما تقدم من المسلكين في التخصيصات من أن قضية التخصيص هل هي كالتقييد في اقتضائه لاحداث عنوان ايجابي أو سلبي في الافراد الباقية بعد التخصيص الموجب لتقيد موضوع الحكم في نحو قوله : أكرم كل عالم ، بالعالم العادل أو العالم الغير الفاسق ، أم لا؟ بل وان قضيته مجرد اخراج بعض الافراد أو الأصناف عن تحت حكم العام الموجب لقصر حكم العام ببقية الافراد أو الأصناف من دون اقتضائه لاحداث عنوان ايجابي أو سلبي في موضوع حكم العام في الافراد أو الأصناف الباقية ، وان فرض ملازمة تلك الافراد الباقية بعد خروج الفساق مثلا من باب الاتفاق مع العدالة أو عدم الفسق.

فعلى المسلك الأول لا بأس بجريان الأصل الموضوعي في المشتبه حيث يجرز به كونه من افراد العام ، فيحكم عليه بحكمه بعد احراز جزئه الآخر وهو العالمية بالوجدان ، نظير

٥٢٧

سائر الموضوعات المركبة التي يحرز بعضها بالأصل وبعضها بالوجدان ، ففي المقام أيضا إذا جرى استصحاب العدالة أو عدم الفسق في الفرد المشكوك فبانضمام الاحراز الوجداني للجزء الآخر وهو العالمية يحرز ما هو موضوع حكم العام وهو العالم العادل أو العالم الذي لم يكن فاسقا فيحكم عليه بحكمه.

واما على المسلك الثاني الذي هو المختار فلا مجال لجريان الأصل الموضوعي المزبور من جهة عدم ترتب اثر شرعي عليه حينئذ فإنه على هذا المسلك لايكون لمثل هذه العناوين دخل في موضوع الحكم والأثر ولو على نحو القيدية حتى يجري فيها استصحابها ، بل وانما موضوع الأثر حينئذ عبارة عن ذوات تلك الافراد الباقية بخصوصياتها الذاتية من دون طرو لون عليها من قبل دليل المخصص ، غاية الامر هو اقتضاء خروج افراد الفساق مثلا لملازمة الافراد الباقية بعد التخصيص عقلا مع العدالة أو عدم الفسق ، ومن المعلوم في مثله حينئذ عدم اجداء قضية استصحاب العدالة أو عدم الفسق للمشكوك لاثبات كونه من الافراد الباقية الملازمة مع عدم الفسق ، الا على القول بالمثبت ، وحينئذ فعلى هذا المسلك لابد من الرجوع في المشكوك إلى الأصول الحكمية الجارية فيه من استصحاب وجوب أو حرمة أو غيرهما ، والا فلا مجال للتشبث بالأصول الموضوعية لاندراج المشكوك فيه من موضوع العام والحكم عليه بحكمه نعم لو كان مفاد الدليل الخاص نقيضا لحكم العام كما لو كان مفاد العام وجوب اكرام العلماء وكان مفاد الخاص عدم وجوب اكرام الفساق من العلماء ففي مثله أمكن اثبات وجوب الاكرام الذي هو حكم العام بمقتضي استصحاب عدم الفسق ، من جهة انه باستصحابه يترتب عليه نقيض اللا وجوب الذي هو عبارة عن وجوب الاكرام. وهذا بخلافه في فرض كون مفاد الخاص عبارة عن حرمة الاكرام التي هي ضد لحكم العام ، حيث إنه في مثله لايكاد يمكن اثبات وجوب الاكرام باستصحاب العدالة أو عدم الفسق لان غاية ما يقتضيه الأصل المزبور حينئذ انما هو عدم حرمة اكرام الفرد المشكوك لا وجوب اكرامه الا على النحو المثبت كما هو واضح.

بقى الكلام في جواز التمسك بعموم العام لاخراج ما شك في كونه من مصاديق العام عن تحت العام مع القطع بخروجه عن حكمه وعدم جوازه واختصاصه بما لو كان الشك في خروج فرد عن حكم العام بعد القطع بفرديته له ، حيث إن فيه خلافا بين الاعلام ،

٥٢٨

ولكن التحقيق هو عدم الجواز ، نظراً إلى أنه لايكون لنا دليل لفظي على الحجية حتى يصح الاخذ باطلاقه في مثل المقام ، حيث إن العمدة في الباب انما هي السيرة وبناء العقلاء ، وبعد عدم العلم باستقرار بنائهم على حجية أصالة العموم في مثل المقام لابد من الاقتصار على ما هو المتيقن منها ، وهو لايكون الا في موارد الشك في خروج ما هو من افراد العام ومصاديقه قطعا عن حكم العام ، ومن العجب ان صاحب الكفاية قدس‌سره مع اشكاله في المقام (١) ومنعه عن جواز التمسك بالعام فيما شك في كونه من افراد العام بمنع قيام السيرة على التمسك بأصالة العموم مطلقا تمسك به في مسألة الصحيح والأعم (٢) حيث استدل لاثبات الوضع لخصوص الصحيح بعموم الدلالة المثبتة للآثار من نحو قوله عليه‌السلام : الصلاة معراج المؤمن ، وانها قربان كل تقي ، وانها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، بتقريب دلالتها بعكس النقيض على أن كل ما لايكون معراج المؤمن وناهيا عن الفحشاء والمنكر فليس بصلاة ، فراجع. وعلى كل حال فالتحقيق في المسألة كما عرفت هو ما افاده قدس‌سره في المقام من عدم الحجية الا في موارد الشك في الخروج عن العام حكما مع اليقين بدخوله فيه موضوعا.

الجهة الرابعة

لا اشكال في عدم الاخذ بأصالة العموم والاطلاق الا بعد الفحص التام عن المخصص والمقيد واليأس عن الظفر بهما والوجه في ذلك أمران : أحدهما : وهو العمدة حيث المعرضية للتخصيص ، كما هو كذلك في العمومات الواردة في الكتاب والسنة ، فإنه لابد حينئذ في كل عام من الفحص التام عن مخصصاته بحيث يخرج المورد عن المعرضية للتخصيص وتطمئن النفس بأنه غير مخصص ، بل ذلك غير مختص بباب العمومات والمطلقات فيجري في كل ظاهر كان في معرض إرادة خلافه بإقامة القرينة على الخلاف ، كما في الظواهر الصادرة عن المعصومين عليهم‌السلام ، ففيها أيضا لابد من الفحص التام

__________________

١ ـ ج ١ ص ٣٥٠.

٢ ـ ج ١ ص ٤٥.

٥٢٩

عن القرينة بمقدار يخرج المورد عن المعرضية لإرادة الخلاف ، والا فقبل الفحص لايجوز الاخذ بها ، لعدم قيام السيرة على الحجية حينئذ قبل الخروج عن المعرضية ، ولدليل ( هلا تعلمت )؟ (١) المقتضي لعدم معذورية المكلف التارك للفحص.

وثانيهما : من جهة العلم الاجمالي بتقريب انه يعلم اجمالا بورود مخصصات كثيرة فيما بأيدينا من الاخبار لهذه العمومات الواردة في الكتاب والسنة ، فيجب الفحص حينئذ عن مخصصات تلك العمومات بمقتضى العلم الاجمالي المزبور. ولكن يرد عليه ان لازم ذلك هو جواز الرجوع إلى العمومات الباقية بعد الظفر بمقدار يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه نظراً إلى صيرورة الشك في البقية حينئذ بدويا ، كما أن لازمه أيضا في فرض عدم الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال هو عدم جواز الاخذ بالعمومات ولو بعد الفحص التام عن مخصصاتها من جهة بقاء المانع وهو العلم الاجمالي حينئذ على حاله ، مع أنهما كما ترى لايكاد يلتزمون بشيء منهما ، فان ظاهرهم هو وجوب الفحص عن المخصص بالنسبة إلى كل واحد من العمومات ، مع تخصيص المنع عن الاخذ بالعمومات بما قبل الفحص عن المخصص ، وحينئذ فالأولى في التشبث بهذا التقريب لاثبات المدعى وهو وجوب الفحص والمنع عن الاخذ بالعمومات الا بعد الفحص التام عن مخصصاتها هو تقييد العلم الاجمالي المزبور بقيد خاص وهو كون المخصص المعلوم بالاجمالي على نحو لو تفحصنا عنه لظفرنا به ، بدعوى ان العلم الاجمالي وان كان بمخصصات كثيرة لتلك العمومات فيما بأيدينا من الاخبار ، ولكنه لا على نحو الاطلاق بل على نحو لو تفحصنا عنها بالمقدار المتعارف فيما بأيدينا من كتب الاخبار لظفرنا بها ، فإنه على هذا التقريب يتم المدعى ويسلم عن الاشكال المزبور ، من جهة ان عدم الظفر بالمخصص على هذا التقريب بالفحص يكشف عن خروج العام المتفحص عنه من الأول عن الطرفية للعلم الاجمالي ، وحينئذ فلابد على هذا التقريب أولا من الفحص التام عن المخصص بالنسبة إلى كل واحد من العمومات حتى يظفر بالمخصص أو يخرج بواسطة الفحص وعدم الظفر عن الطرفية للعلم الاجمالي ، هكذا افاده الأستاذ دام ظله في بحثه.

ولكن أقول : بأنه غير خفى عدم اجداء مثل هذا التقريب أيضا لدفع الاشكال الأول

__________________

١ ـ البحار ج ١ ص ١٧٧ ح ٥٨.

٥٣٠

وهو لزوم جواز الاخذ ببقية العمومات بلا فحص مع الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال من المخصصات ، وذلك من جهة وضوح ان المعلوم بالاجمال بعد ما كان محدودا كمه ومقداره بالضرورة بحد خاص لا يتجاوز عنه كما في كلية الأقل والأكثر ، فلا جرم الظفر بذلك المقدار يوجب قهرا ارتفاع العلم الاجمالي من البين وصيرورة الشك في الزايد بدويا ، ومعه يلزم جواز الاخذ ببقية العمومات بلا فحص ، نعم انما يجدي هذا التقريب لدفع الاشكال الثاني وهو لزوم عدم جواز الاخذ بالعمومات ولو بعد الفحص عند عدم الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال ، والا فهو غير دافع للاشكال الأول ، وحينئذ فالعمدة في اثبات وجوب الفحص على الاطلاق والمنع عن الرجوع إلى أصالة العموم الا بعد الفحص التام هو الوجه الأول وهو المعرضية للتخصيص.

ثم إن هذا كله في أصل وجوب الفحص ، واما المقدار اللازم منه فهو على الوجه الأول كما عرفت بمقدار يخرج المورد عن المعرضية بحيث تطمئن النفس بأنه غير مخصص ، والظاهر هو تحقق الوثوق بالخروج عن المعرضية بالفحص عن المخصص بالمقدار المتعارف فيما بأيدينا من الكتب ، حيث إنه بهذا المقدار من الفحص يحصل الوثوق بل العلم العادي بأنه غير مخصص ، كما أن مقداره على مسلك مانعية العلم الاجمالي أيضا هو الفحص بالمقدار المتعارف عما هو من دائرة العلم المزبور من كتب الاخبار ، فإنه بهذا المقدار من الفحص يحصل الوثوق والعلم العادي بخروجه عن الطرفية للعلم الاجمالي ، فيجوز الاخذ معه حينئذ بأصالة العموم ، من دون احتياج إلى تحصيل القطع بالخروج عن الطرفية للعلم الاجمالي فتدبر.

الجهة الخامسة

في أنه هل الخطابات الشفاهية تختص بالحاضرين المشافهين أو انها تعم الغائبين بل المعدومين أيضا؟ فيه خلاف بين الاعلام ، وتنقيح المرام في المقام هو ان الخطابات الواردة في الكتاب والسنة على أنحاء :

منها : ما كان من قبيل : قوله : يجب على الحاضر كذا وعلى المسافر كذا وعلى المستطيع كذا ونحو ذلك مما كان المخاطبة بنفس المواجهة من دون توسيط أداة خطاب في البين.

٥٣١

ومنها : ما كان من قبيل قوله : يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا ونحو ذلك ، مما كان الخطاب بأداة النداء وكان موضوع الخطاب عنوانا عاما قابلا للانطباق على الموجود والمعدوم.

ومنها : ما كان من قبيل قوله : يجب عليكم كذا وقوله : كتب عليكم الصيام ونحو ذلك ، مما كان التخاطب بأداة الخطاب وكان المكلف بالتكليف نفس المخاطب.

اما القسم الأول منها فلاينبغي الاشكال في شمولها للغائبين بل المعدومين ، بل الظاهر هو خروج مثل هذا القسم عن حريم النزاع وعن مورد النفي والاثبات بينهم ، كيف وانه لا وجه لتوهم اختصاص مثل هذا القسم من الخطابات بخصوص المشافهين وعدم شموله للغائبين والمعدومين بعد عموم العنوان وعدم ما يوجب الاختصاص بالحاضرين ، ومن ذلك ترى انه قد يكون المكلف والمقصود بالخطاب غير المخاطب في مجلس الخطاب ، كما في قولك لمن حضرك من الرجال : يجب على النساء كذا.

واما الاشكال في أصل شمول التكاليف المستفادة التكاليف المستفادة من الخطابات للمعدومين في زمن الخطاب ، نظراً إلى لا بدية وجود المكلف عقلا في صحة توجيه التكليف إليه ، فمدفوع بأنه كك في التكاليف الفعلية المستتبعة للبعث والزجر ، فإنها هي التي يحكم العقل باستحالة توجيهها نحو المعدوم فعلا ، واما الغير البالغة إلى تلك المرتبة فلا محذور فيها ، ضرورة انه لا مانع من توجيه التكليف على وفق ما تقتضيه الحكمة والمصلحة قانونا نحو الموجود والمعدوم حين الخطاب ، ليصير فعليا منجزا عند اجتماع الشرائط وفقد الموانع ، كقوله : يجب على المستطيع كذا وعلى المسافر كذا ، كما هو واضح.

واما القسم الثالث فالظاهر أنه لا اشكال أيضا في خروجه عن محل النزاع ، وعدم شموله الا لخصوص الموجودين الحاضرين حال الخطاب ، وذلك من جهة وضوح ان الخطاب الحقيقي يستدعى وجود المخاطب فعلا ، لعدم صحة المخاطبة مع غير الموجود حال الخطاب بل ومع الغائب عن مجلس الخطاب أيضا ، وحينئذ فإذا فرضنا ان المكلف هو المخاطب بالخطاب ، فقهرا يلازم ذلك اختصاص التكليف الذي هو مضمون الخطاب أيضا بخصوص الحاضرين وعدم شموله للغائبين ، فضلا عن المعدومين حال الخطاب ، واما توهم انه في الخطاب الحقيقي يكفي وجود المخاطب ولو ادعاء ولا يعتبر فيه وجود المخاطب حقيقة ، فمدفوع بأنه في الموجود الا دعائي لايكون الخطاب أيضا الا ادعائيا ، من جهة ما

٥٣٢

عرفت من عدم صحة الخطاب الحقيقي بقصد التفهيم الا إلى الموجود الحقيقي ، كما هو واضح.

وحينئذ فينحصر محل النزاع ومورد النفي والاثبات بالقسم الثاني الذي يكون موضوع الخطاب فيه من العناوين العامة القابلة للانطباق على الموجود والمعدوم حين الخطاب ، كقوله : يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا ، حيث إن مقتضي عموم المتلو هو الشمول للغائبين والمعدومين أيضا كما أن مقتضي ظهور الأداة في الخطاب الحقيقي هو الاختصاص بخصوص الحاضرين المشافهين ، فيدور الامر حينئذ بين الاخذ بظهور الأداة في الخطاب الحقيقي وتخصيص عموم ما في التلو بخصوص الحاضرين ، وبين الاخذ بعموم ما وقع في التلو وحمل الأداة على الخطاب الايقاعي ، وفي مثله قد يقال في تعميم الحكم المتكفل له الخطاب للغائبين والمعدومين بوجوه :

منها : ما افاده في الكفاية (١) من دعوى ان ظهور تلك الأدوات في الخطاب الحقيقي انما كان من جهة الانصراف ، والا فهي موضوعة للخطاب الايقاعي الانشائي ، وان الاختلاف انما كان ممن جهة الدواعي ، فالمتكلم ربما يوقع النداء لكن لا بداعي الخطاب الحقيقي ، بل بدواع أخرى كالتحسر والتأسف كقوله أيا كوكبا ما كان أقصر عمره ، وربما يوقعه بداعي الخطاب الحقيقي كما كان ذلك هو الشأن أيضا في التمني والترجي ونحوهما ، فإنها أيضا موضوعة للايقاعي منها لا لخصوص الحقيقي منها ، وحينئذ فإذا كان ظهورها في الخطاب الحقيقي من جهة الانصراف دون الوضع نقول : بان الانصراف إلى الخطاب الحقيقي انما يكون إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه كما في المقام ، حيث يكفي في المانعية عمومية ما وقع في التلو ، خصوصا بعد ملاحظة عدم اختصاص الاحكام الملقى من الشارع غالبا في نحو هذه الخطابات من نحو قوله : يا أيها الناس اتقوا ، ويا أيها الذين آمنوا ، بخصوص من حضر مجلس الخطاب ، وعليه فيؤخذ في مثل هذه الخطابات بعموم العنوان المتلو للموجود والمعدوم حال الخطاب ، ويحمل الخطاب على الخطاب الايقاعي الانشائي من دون استلزام قضية العمومية أيضا لاستعمال كلمة ( يا ) في غير معناها الحقيقي. ولكن فيه ان ظهور الياء في الخطاب الحقيقي بمقتضي الانصراف أو الغلبة أو غير ذلك انما كان

__________________

١ ـ ج ١ ص ٣٥٧.

٥٣٣

ظهورا مستقرا ، فيزاحم حينئذ مع ظهور المتلو في العموم ، فيوجب تخصيصه بالحاضرين ، خصوصا مع احتمال مدخلية قيد الحضور في التكليف المتكفل له الخطاب ، حيث يكفي في القرينية عليه نفس الخطاب.

ومنها : ان الياء وان كان ظاهرا في الخطاب الحقيقي وضعا أو انصرافا ويحتاج إلى وجود المخاطب حين الخطاب ، الا انه يكفي في صحة الخطاب مطلق الموجودية ولو ادعاء ، بادعاء المعدوم بمنزلة الموجود ، فان ذلك امر متداول عند أهل اللسان في محاوراتهم واستعمالاتهم ، ومن ذلك ترى كثيرا انهم يدعون ما لا شعور له بمنزلة ذي الشعور ويخاطبون معه ، كقوله : ( أيا جبلي نعمان بالله خليا ) بل يثبتون للوجود الا دعائي آثار الوجود الحقيقي كما في ( انشبت المنية أظفارها ) ونحو ذلك من الاستعمالات المتداولة ففي المقام أيضا إذا ادعى المعدوم منزلة الموجود يصلح معه المخاطبة ، فلا محذور حينئذ في شمول الخطابات للمعدومين. ولكن فيه انه وان لم ينكر وقوع مثل هذه الادعاءات في نحو تلك الاستعمالات ولكنه بعد عدم صلاحية المعدوم للخطاب الحقيقي فلا محالة يكون الخطاب أيضا ادعائيا من جهة ان الخطاب الحقيقي بقصد التفهيم يستحيل توجيهه نحو المعدوم حال الخطاب. على أنه لو اغمض عن ذلك وقلنا بصحة الخطاب الحقيقي نحو الموجود الادعائي لايكاد يفيد أيضا في المطلوب من شمول الخطابات للمعدومين في زمان الخطاب ، من جهة ان ذلك كما ذكر يحتاج إلى ادعاء المعدوم بمنزلة الموجود الحقيقي ، ومثل ذلك مما لا طريق إلى احرازه ، إذ لم يعلم بان الشارع في خطابه ادعى المعدومين بمنزلة الموجود ، ومعه يشك لا محالة في شمول الحكم المتكفل له الخطاب للمعدومين ، خصوصا بعد احتمال مدخلية قيد الحضور أيضا في التكليف ، كما في وجوب صلاة الجمعة والعيدين ونحوهما ، واما قضية اطلاق الخطاب فهو أيضا غير منتج لاثبات ذلك ، من جهة عدم تكفله لاحراز موضوعه ، وعليه فكيف يمكن دعوى التعميم للغائبين والمعدومين؟

ومنها : دعوى تساوى الموجود والمعدوم في خطاباته سبحانه ، لإحاطته سبحانه بالموجود حال الخطاب والموجود في الاستقبال إلى يوم القيمة ، وفيه أيضا ما افاده في الكفاية (١) بان احاطته سبحانه وتعالى بالموجود في الحال والاستقبال لايقتضي

__________________

١ ـ ج ١ ص ٣٥٨.

٥٣٤

صلاحية المعدوم للمخاطبة ، وعدم صحة المخاطبة الحقيقية معهم أيضا لايقتضي نقصا في ناحيته سبحانه بوجه أصلا ، كما لايخفى.

ثم انه من التأمل فيما ذكرنا أيضا من احتمال مدخلية قيد الحضور ظهر عدم اجداء قاعدة الاشتراك أيضا في اثبات التعميم للمعدومين ، وذلك من جهة ان الذي تقتضيه القاعدة المزبورة انما هو من مدخلية الخصوصيات الذاتية ، كخصوصية الزيدية والعمروية والبكرية. واما الخصوصيات العرضية الصنفية كخصوصية الحضور وكونهم موجودين في زمان الخطاب فلايكون من شأن القاعدة الغائها ونفيها ، ومن ذلك ترى اختصاص بعض الأحكام كوجوب صلاة الجمعة بل وصلاة العيدين وإقامة الحدود على قول بحال الحضور ، وحينئذ فمع احتمال مدخلية خصوصية الحضور في تكليف الحاضرين الموجودين في زمان صدور الخطاب ، فلا مجال للتشبث بقاعدة الاشتراك لاثبات الحكم المتكفل له الخطاب في حق المعدومين أيضا ، كما هو واضح.

وحينئذ فالأولى في اثبات تعميم الحكم المتكفل له الخطابات للمعدومين هو التشبث بعموم الناس أو المؤمنون الواقع في حيز الخطاب ، بدعوى ان الخطاب من جهة ظهوره في الخطاب الحقيقي وان كان غير شامل عقلا لغير الحاضرين في مجلس الخطاب الا ان مقتضي عموم العنوان الواقع في التلو هو شمول الحكم المتكفل له الخطاب لغير الحاضرين أيضا من الغائبين والمعدومين ، حيث لا منافاة بين اختصاص الخطاب بخصوص الحاضرين في مجلس الخطاب وبين عموم الحكم المكفل له الخطاب لغير الحاضرين ، بل قد عرفت امكان الحكم والتكليف بغير الحاضرين المخاطبين بالخطاب ، كما في قوله مخاطبا لجماعة من الرجال : يجب على الحائض من النساء كذا وكذا.

واما ما ذكرنا من احتمال مدخلية قيد الحضور في التكليف فيدفعه قضية الاطلاق حيث إن مقتضاه هو عدم مدخلية قيد الحضور في التكليف المستفاد من الخطاب.

واما توهم ان الاخذ بالاطلاق في نفى مدخلية القيد انما يصح فيما لو كان القيد المحتمل دخله من القيود المفارقة كالقيام ونحو ذلك ، لا في مثل القيود الملازمة الغير المفارقة كما في المقام.

وذلك لأنه في نحو هذه القيود لا يلزم من عدم بيانها اخلال للمتكلم بغرضه ، كي

٥٣٥

بعدم بيان دخلها في الغرض يتم الاطلاق ، بخلاف القسم الأول فإنها من جهة قابليتها للانفكاك ففي فرض دخلها في الغرض يجب إقامة البيان على دخلها في الغرض ، والا يلزم الاخلال بالغرض الذي هو مستحيل من الحكيم ، فيستكشف من عدم بيانه عدم دخلها في المطلوب ، وعليه فإذا كان قيد الحضور المحتمل دخله من القيود اللازمة الغير المفارقة عن الموجودين الحاضرين في زمن الخطاب ، بحيث لا يلزم من عدم ذكره وبيانه على تقدير دخله اخلال بالغرض ، فلا جرم لا يتم امر الاطلاق كما لايخفى.

فمدفوع بأنه كك إذا لم يكن القيد المحتمل دخله من القيود الخفية المغفول عنها غالبا ، والا فمع فرض كونه غير ملتفت إليه بحسب الغالب فلايكاد يفيد مجرد وجدان القيد في الاكتفاء به عن ذكره وبيانه ، بل لابد من إقامة البيان على دخله في غرضه ومطلوبه لئلا يأخذ المكلف باطلاق كلامه حتى في غير مورد وجود القيد ، والا لأخل بغرضه ومرامه. وبهذه الجهة أيضا قلنا بصحة التمسك بالاطلاق لنفى دخل مثل قصد القربة والوجه والتميز في العبادة ، بملاحظة كونها من القيود الخفية المغفول عنها غالبا. ففي المقام أيضا نقول : بان قيد الحضور وان كان من القيود الملازمة الغير المنفكة عن الموجودين في زمان الخطاب ، ولكن لما كان مغفولا عنه وغير ملتفت إليه غالبا فعلى تقدير دخله في التكليف لابد للمولى من بيانه والتصريح بدخله في مرامه ومطلوبه ، كي لا يأخذ المكلفون باطلاق الحكم والتكليف الذي هو مفاد الخطاب ، ولايصح له الاكتفاء عن ذكره وبيانه بوجدان المخاطبين في مجلس الخطاب للخصوصية ، والا لأخل بغرضه ومرامه. وحينئذ فعلى ذلك فنفس الخطاب وان كان غير قابل للشمول لغير الحاضرين في مجلس الخطاب الا ان الحكم المتكفل له الخطاب بمقتضي عموم العنوان الواقع في التلو يعم الغائبين والمعدومين أيضا.

بل ومن ذلك البيان ظهر صحة التمسك بقاعدة الاشتراك أيضا في اثبات التعميم وذلك انما هو باجراء أصالة الاطلاق أولا في حق الموجودين المخاطبين في نفى احتمال مدخلية خصوصية قيد الحضور ثم تسرية الحكم بقاعدة الاشتراك القاضية بعدم مدخلية الخصوصيات الذاتية في حق غيرهم من الغائبين ، حيث إنه بمقتضي هاتين القاعدتين يثبت التكليف المستفاد من الخطابات في حق غير المشافهين ولو كان الخطاب بمثل قوله : يجب عليكم كذا وكذا.

٥٣٦

ويمكن استفادة التعميم من وجه آخر ، وهو استفادته من جهة نفس الخطاب وظهوره في الكشف عن المصلحة المطلقة وعن فعلية التكليف بالنسبة إلى كل من وجد وبلغ من افراد المكلفين ، بتقريب ان عدم صحة توجيه الخطاب الحقيقي إلى المعدوم لما لم يكن من جهة وضع الأداة ، بل ولا من جهة قرينة متصلة لفظية أو عقلية ارتكازية بل كان ذلك من جهة قرينة عقلية غير مرتكزة ، بلحاظ ان حكمه بعدم صحة توجيه الخطاب الحقيقي نحو المعدوم انما هو بعد التفاته إلى أن المواجهة بالخطاب الحقيقي لابد لها من طرف موجود ذي شعور ، فلا جرم يكون من قبيل القرائن المنفصلة الغير الكاسرة لظهور الخطاب ، نظير حكمه باشتراط القدرة في صحة توجيه التكليف ، وفي مثله فيؤخذ بظهور الخطاب في الكشف عن المصلحة المطلقة في الفعل وعن فعلية التكليف بالنسبة إلى كل من وجد وبلغ من افراد المكلفين ، كما يؤخذ بظهور الهيأة في الكشف عن المصلحة في المتعلق حتى في حال العجز وعدم القدرة ، وبهذا التقريب أيضا أمكن استفادة التعميم لغير المشافهين في الحكم الذي هو مفاد الخطاب وان كان نفس الخطاب بمقتضي تلك القرينة العقلية لا يعم غير المشافهين ، ولكن الأستاذ لم يتعرض لبيان هذا التقريب بل اقتصر على بيان التقريب الأول.

ثم إن الفرق بين التقريبين هو انه على التقريب الأول يختص استفادة التعميم بما لو كان الخطاب مصدرا بأداة النداء ، مثل قوله : يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا ، بخلاف التقريب الأخير الذي ذكرناه ، فإنه عليه أمكن استفادة التعميم ولو كان التخاطب بأداة الخطاب ، كقوله : كتب عليكم الصيام ونحوه ، كما هو واضح.

ثم إن لو أبيت عن ذلك كله نقول بأنه يكفي في تعميم الحكم المتكفل له الخطاب القرينة النوعية العرفية على الغاء مثل هذه الخصوصيات في التكاليف الشرعية ، حيث إنه من جهتها يقطع بأنه لا مدخلية لخصوصية الحضور في التكليف وان توجيه التكليف إلى الحاضرين انما هو من جهة كونهم من افراد المكلفين لا من جهة خصوصية حضورهم.

ومن ذلك أيضا ترى بناء الأصحاب رضوان الله عليهم على الغاء مثل تلك الخصوصيات في التكاليف الشرعية المستفادة من الخطابات الواردة في الكتاب والسنة ، حيث لم يتوهم أحد اختصاص حرمة النقض في مثل عليه‌السلام لزرارة : ( لاينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ) بخصوص زرارة ، وكذا في قوله عليه‌السلام لزينب بنت

٥٣٧

جحش ( تغتسل ) في الاختصاص بها دون غيرها ، وهكذا غير ذلك من الخطابات المتكفلة للأحكام الشرعية ، بل ولعل مثل تلك القرينة النوعية السارية في جميع الخطابات هي المدرك أيضا لقاعدة الاشتراك المعروفة ، والا فلا دليل عليها بالخصوص فتأمل. واما الاجماع فمدركه أيضا تلك القرينة النوعية وعليه فلاينبغي الاشكال في عدم اختصاص الاحكام المتكفلة لها الخطابات بخصوص المشافهين وشمولها للغائبين والمعدوم أيضا ، وان كان نفس الخطاب الحقيقي يقصر عن الشمول لغير الحاضرين من جهة تلك القرينة العقلية المتقدم ذكرها ، كما لايخفى.

بقى الكلام فيما قيل من الثمرة بين القولين وهي ثمرتان :

الأولى : حجية ظهور الخطابات لغير المشافهين من الغائبين كالمشافهين بناء على الشمول وعدم حجيته بناء على الاختصاص بالمشافهين ، نظراً إلى دعوى احتمال إرادة المتكلم خلاف الظاهر واتكاله في تفهيم مرامه على قرينة حالية أو مقالية معهودة بينه وبين المخاطب.

الثانية : صحة التمسك بالاطلاقات وظهورا الخطابات القرآنية لكل من وجد وبلغ من المعدومين على التعميم وعدم صحته على الاختصاص بالمشافهين حيث إنه على اختصاص الحكم بالمشافهين يحتاج اثبات تعميمه للمعدومين بمقتضي الاطلاق إلى احراز الاتحاد مع المشافهين في الصنف حتى يحكم بقاعدة الاشتراك بالاشتراك معهم في الحكم ، والا فمع عدم اثبات الاتحاد لايكاد يفيد التشبث بالاطلاقات وظهور الخطابات في التعميم للمعدومين ، وحيث انه لا دليل على ذلك ولاتقتضيه أيضا قاعدة الاشتراك من جهة ما تقدم من عدم اقتضائها الأنفى مدخلية الخصوصيات الذاتية دون الخصوصيات العرضية كخصوصية الحضور ونحوه ، فلا جرم بعد احتمال عدم الاتحاد مع المشافهين لا مجال لاثبات الحكم وتعميمه للمعدومين.

والفرق بين الثمرتين واضح ، فان الكلام في الأولى في صحة التمسك بظواهر الخطابات وجوازه بالنسبة إلى غير المشافهين والمخاطبين بالخطاب وعدم صحته ، نظراً إلى احتمال إرادة المتكلم خلاف الظاهر واتكاله في تفهيم مرامه من خطابه على قرينة معهودة بينه وبين المخاطبين ، من غير نطر إلى اشتراك غير المشافهين مع المشافهين في الحكم والتكليف أو اختصاصه بخصوص المخاطبين ، ومن ذلك يجرى هذا الكلام حتى في موارد عدم الاتحاد

٥٣٨

في الصنف كما في تمسك المجتهد بالظاهر لاثبات حكم صنف غير شامل له كتمسكه بظهور ما دل على الحكم المتعلق بالنساء لاثبات الاحكام المختصة بهن. ففي الحقيقة يكون البحث من الجهة الأولى ، وحجية ظهور الخطابات كلية لغير المخاطبين المقصودين بالافهام ، من جملة المقدمات في البحث للثمرة الثانية حيث إنه يحتاج في الثمرة الثانية إلى اثبات حجية الظهورات للمعدومين كي يتمسكوا بالظاهر لاثبات حكمه للموجودين ثم اثباته لنفسهم بمقتضي قاعدة الاشتراك بعد احراز الاتحاد في الصنف ، وهذا بخلافه في الثمرة الثانية ، فان الكلام فيها في صحة التمسك لكل من وجد وبلغ من المعدومين بالظواهر على التعميم ، وعدم صحته على الاختصاص ، واحتياج التعميم إلى قاعدة الاشتراك واحراز الاتحاد في الصنف.

وعلى كل حال فالثمرة الأولى منهما مبنية على القول بحجية الظهورات لخصوص من قصد افهامه ، والا فبناء على عدم الاختصاص بمن قصد افهامه كما هو التحقيق أيضا فلا مجال لهذه الثمرة ، حيث إنه كان لغير المشافهين أيضا الاخذ بظهور الخطابات في استفادة مرام المتكلم من خطابه ، خصوصا مع ما عرفت من منع كون المشافهين مخصوصين بكونهم مقصودين بالافهام من الخطابات المتكفلة للأحكام الشرعية ، بل وان جميع الناس إلى يوم القيمة كانوا كذلك وان لم يعمهم الخطابات.

واما الثمرة الثانية : فهي أيضا غير ظاهرة من جهة ما بينا سابقا من اقتضاء الاطلاقات نفى مدخلية قيد الحضور في التكليف الحاضرين باعتبار كونه من القيود المغفول عنها غالبا ، واما ما قيل : من عدم الاحتياج إلى ذكره والتنبيه عليه بعد كونه من القيود اللازمة للمشافهين ، فلا يلزم من عدم ذكره في دخله في التكليف اخلال منه بغرضه فمدفوع بان مجرد ذلك غير مجد في دفع محذور نقض الغرض بعد كونه من القيود المغفول عنها غالبا ، خصوصا بعد فرض كون المتكلم في مقام بيان مرامه على الاطلاق ، حتى بالنسبة إلى غير المشافهين ، بل لابد حينئذ من بيانه والتصريح بمدخلية قيد الحضور في تكليف الحاضرين لئلا يأخذ غير الحاضرين باطلاق تكليف الحاضرين ويستكشفوا من الخطاب المتوجه إليهم تكليف أنفسهم ، هذا كله مع امكان منع كون خصوصية الحضور من القيود اللازمة غير المنفكة عن الحاضرين من جهة وضوح عدم كون قيد الحضور في زمان الخطاب أو النبي مثلا من القيود اللازمة

٥٣٩

الغير المفارقة عن اشخاص الحاضرين مجلس الخطاب ، بل وانما ذلك من قبيل الأوصاف المفارقة ، من جهة جواز كون المخاطبين فاقدين للحضور في أثناء عمرهم. وحينئذ فإذا جرى أصالة الاطلاق في نفى اعتبار قيد الحضور في تكليف الحاضرين فصح تمسك المعدومين لا محالة بظهور الخطابات لاثبات تعميم الحكم ، حيث إنه باجراء أصالة الاطلاق في حق المشافهين ينفى احتمال مدخلية خصوصية الحضور ثم ينفى احتمال دخل الخصوصيات الذاتية بقاعدة الاشتراك ، فيستفاد من اجل هاتين القاعدتين تعميم التكليف المستفاد من الخطاب لكل من وجود وبلغ من المعدومين ، ومعه فينتفي الثمرة المزبورة أيضا ، من جهة انه على كل تقدير يصح تمسك المعدومين باطلاقات الخطابات القرآنية وغيرها.

ومن ذلك كان الحري هو اسقاط هذا البحث من رأسه حيث إنه لا يزيد الا اغتشاشا في الأذهان الصافية ، والا فلا اشكال في جواز التمسك بالاطلاق الواردة في الكتاب والسنة للمعدومين كالمشافهين ، كما عليه أيضا ديدن الأصحاب من الصدر الأول إلى زماننا هذا ، حيث لا يزال يتمسكون عند الشك في مدخلية شيء في التكليف بالاطلاقات الواردة في الكتاب والسنة ، فكان مثل هذه التشكيكات تشكيكات في البديهيات ، كما هو واضح.

الجهة السادسة

اختلفوا في أن الاستثناء الواقع عقيب الجمل المتعددة هل هو راجع إلى الجميع أو إلى خصوص الأخيرة؟ وذلك بعد الفراغ منهم على مرجعية الأخيرة لكونها القدر المتيقن في المرجعية ، وظاهر عنوان البحث يقتضي تخصيص النزاع بما لو كان المخصص متصلا ، بان كان الخاص والجمل المتعددة في كلام واحد ، والا ففي فرض انفصاله وكونهما في كلامين مستقلين لا مجال لعنوان البحث بالاستثناء ولا لدعوى القطع بمرجعية الأخيرة بكونها القدر المتيقن من التخصيص ، إذ حينئذ يكون نسبة المخصص إلى الأخيرة والى غيرها على حد سواء ، فيحتاج تعين الأخيرة كغيرها إلى قرينة معينة ، والا فيسقط الجميع عن الحجية من جهة العلم الاجمالي بتخصيص الجميع أو احديها المرددة بين الأخيرة وغيرها ، فلابد حينئذ من الحكم عليها بالاجمال.

٥٤٠