نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

بما حررناه من البيان المتقدم ولكنه لا باس بالتعرض لبيان هذه الجهة جريا على طبق ممشى القوم.

فنقول : اما دلالة القضية الشرطية على التلازم بين المقدم والتالي ، بل وعلى كون اللزوم بينهما بنحو العلية والمعلولية ، فالظاهر هو كونها في غاية الوضوح ، كما يشهد به الوجدان ويوضحه المراجعة إلى العرف وأهل المحاورة واللسان في نحو هذه القضايا ، حيث ترى انهم يفهمون منها الترتب بين المقدم والتالي بنحو العلية فضلا عن اللزوم بينهما ، وعليه فدعوى المنع عن الدلالة على اللزوم أو الترتب بنحو العلية في غاية السقوط.

نعم لدعوى المنع عن اقتضائها للترتب بنحو العلية المنحصرة كمال مجال ، من جهة احتمال فرد علة أخرى تقوم مقامها عند انتفائها ، وحينئذ فللقائل بالمفهوم اثبات هذه الجهة وسد باب الاحتمال المزبور كي يصح له الحكم بالانتفاء عند الانتفاء.

فنقول : انه قد استدل للدلالة على ذلك بأمور : منها انصراف اطلاق العلاقة اللزومية إلى أكمل افرادها وهو اللزوم بين المقدم والتالي بنحو العلية المنحصرة ، وأورد عليه في الكفاية (١) تارة بمنع كون الأكملية منشأ للانصراف ، وأخرى بمنع كون اللزوم بينهما أكمل مما إذا لم يكن بانحصار ، من جهة ان الملازمة لا تكون الا عبارة عن إضافة خاصة بين الشيئين ، ومن المعلوم انه لايكاد يختلف تلك الإضافة بالشدة والضعف في صورة الانحصار وعدمه ، بل هي على ما هي عليها ، كان بينه وبين شيء آخر أيضا ملازمة أم لا. ولكن يمكن ان يقال بان أشدية الملازمة حينئذ مع الانحصار انما هي من جهة ما يلزمه أيضا من الانتفاء عند الانتفاء ، بخلافه مع عدم الانحصار ، فان الملازمة حينئذ كانت بينهما من طرف الوجود الخاصة ، ومعلوم حينئذ ان العرف يرون الملازمة بينهما على النحو الأول أشد من الملازمة على النحو الثاني ، وحينئذ لو فرضنا الاغماض عن عدم منشئية هذه الأكملية للانصراف فلا جرم يصح الاستدلال بهذا الوجه لاثبات الانحصار.

بل ومن ذلك أيضا ظهر صحة التمسك باطلاق الملازمة بمقدمات الحكمة ، نظير التمسك باطلاق الطلب لاثبات الوجوب لكونه أكمل افراد الطلب ، بدعوى ان مقتضي الحكمة حينئذ هو الحمل على أكمل افراد اللزوم وهو اللزوم بين المعلول والعلة المنحصرة ، فتأمل.

__________________

١ ـ ج ١ ص ٣٠٤.

٤٨١

ومنها اطلاق الشرط بتقريب اقتضائه لانحصاره في مقام التأثير ، وانه تمام المؤثر في الجزاء ، سبقه أو قارنه امر آخر أم لا ، من جهة انه مع عدم الانحصار لايكون التأثير مستندا إليه خاصة فيما لو سبقه أو قارنه امر آخر ، بل التأثير على الأول كان مستندا إلى الامر السابق ، وعلى الثاني إلى المجموع لا إليه فقط أو الجامع بينهما ، فكان اللازم حينئذ تقييده بان لا يسبقه أو يقارنه آخر ، فاطلاقه حينئذ وعدم تقييده بذلك كاشف عن انحصاره في مقام التأثير وهو المطلوب. وقد أورد عليه أيضا في الكفاية (١) بمنع الاطلاق كك نظراً إلى دعوى ندرة تحققه بل عدم تحققه ، ولكن فيه تأمل واضح.

ومنها : اطلاق الشرط أيضا بتقريب اقتضائه كونه بنحو التعين وانه لايكون له بديل يقوم مقامه عند انتفائه ، والا كان اللازم تقييده بمثل ( أو كذا ) فعدم تقييده كاشف عن اطلاقه من هذه الجهة ، ومقتضاه هو كونه بنحو التعين ، نظير اقتضاء اطلاق الوجوب كونه تعيينا لا تخييريا وبذلك يثبت المطلوب وهو الانحصار في العلية. وأورد عليه أيضا في الكفاية بان التعين في الشرط ليس يغاير نحو فيما لو كان متعددا ، كما كان في الوجوب حيث إنه يغاير نحوا فيما لو كان له عدل فيحتاج في الوجوب التخييري إلى العدل ، ومقتضي اطلاقه هو كونه بنحو لايكون له عدل ، وهذا بخلافه في الشرط واحدا كان أم متعددا حيث إن دخله في المشروط على نحو واحد لا يتفاوت الحال فيه ثبوتا كي يتفاوت عند الاطلاق اثباتا ، وكان الاطلاق مثبتا لنحو لايكون له عدل ، واما ما يرى من الاحتياج إلى ذكر العدل مع التعدد فإنما هو من جهة بيان التعدد لا من جهة نحو الشرطية وكونه مع الانحصار بنحو يغاير كونه مع التعدد وبينهما فرق واضح. ولكن فيه انه لا وجه لهذا الاشكال بعد تسليم أصل الاطلاق فان معنى تعين الشرط انما هو كونه مؤثرا بالاستقلال بخصوصيته الشخصية في المشروط ، ولازم ذلك هو ترتب الانتفاء عند انتفائه على الاطلاق ، كان هناك امر آخر لا ، فإذا أثبت ذلك حينئذ قضية الاطلاق وكان الحكم أيضا سنخيا ، فقهرا يلزمه الانتفاء عند الانتفاء ، نعم لو كان الحكم شخصيا أو ملحوظا بنحو الطبيعة المهملة لم يلزمه انتفاء الحكم بقول مطلق عند انتفائه ، من جهة امكان ان يكون هناك علة أخرى توجب شخص حكم آخر مثله عند انتفائه فتدبر.

__________________

١ ـ ج ١ ص ٣٠٥.

٤٨٢

بقى التنبيه على أمور

الأول : انهم ذكروا ان المفهوم المصطلح انما هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشيء شرطا كان أو وصفا أو غاية عند انتفاء ذلك الشيء لا انتفاء شخص الحكم ، لان انتفاء شخص الحكم عند انتفاء موضوعه أو بعض قيوده عقلي ، فلا يتمشى الكلام في مثل ذلك بان للقضية الشرطية دلالة على الانتفاء عند الانتفاء ، ولا ربط له بالمفهوم المصطلح ، وغرضهم من ذلك انما هو دفع ما ربما يورد عليهم من الاشكال في باب الوصايا والأقارير والأوقاف والنذر ونحو ذلك ، بأنه كيف المجال لدعوى انكار المفهوم مع أنه لا اشكال في دلالة هذه القضايا على الانتفاء عند الانتفاء ، فدفعوا الاشكال بان الحكم المعلق في مثل هذه القضايا انما يكون حكما شخصيا لا سنخيا فمن ذلك لايرتبط بالمفهوم المصطلح الذي هو معركة الآراء. ولكن نقول : بان هذا التفصي انما يتم فيما لو كان الوجه في انكار المفهوم عند منكريه من جهة عقد الحمل في القضية : من دعوى عدم كون الحكم المعلق هو السنخ والطبيعة المطلقة بل هو الطبيعة المهملة ، والا فإذا كان انكارهم ذلك راجعا إلى طرف عقد وضع القضية ، كما صنعه في الكفاية وغيرها ، من حيث جعل مركز النزاع في طرف عقد الوضع ومنع اقتضاء القضية لانحصار العلة ، فكان الاشكال كمال مجال كما بيناه سابقا ، إذ يقال حينئذ بأنه كما أنه في موارد الحكم السنخي يحتمل وجود علة أخرى غير المذكور في القضية ، ومن اجل هذا الاحتمال لا يحكم بانتفاء السنخ عند الانتفاء ، كك في موارد شخص الحكم أيضا يحتمل فرد علة أخرى في البين بحيث كانت العلة للحكم الشخصي هو الجامع بينهما ، ومعلوم انه حينئذ لا مجال للحكم بلزوم الانتفاء عند الانتفاء وجعل الانتفاء فيه عقليا كما هو واضح ، فتأمل.

الامر الثاني : انه يعتبر في المفهوم في القضايا الشرطية بل الغائية والوصفية أيضا حفظ الموضوع في طرف المفهوم وتجريده عن خصوص الشرط في القضايا الشرطية وعن الوصف في الوصفية ، ففي مثل قوله : ان جاء زيد يجب اكرامه ، لابد من حفظ زيد في طرف المفهوم وتجريده عن خصوص الشرط وهو المجيء ، كي يكون الحاصل على المفهوم هو عدم وجوب اكرام زيد عند انتفاء المجيء ، والا فمع عدم بقاء الموضوع عند انتفاء المنوط به لايكون

٤٨٣

انتفاء الحكم من المفهوم المصطلح ، فمن ذلك تخرج القضايا المسوقة لبيان تحقق الموضوع عن المفهوم المصطلح كقوله : ان وجد زيد فأطعمه ، وان ركب الأمير فخذ ركابه ، وان رزقت ولدا فاختنه ، ونحو ذلك من القضايا التي كان انتفاء الحكم فيها عند الانتفاء من السالبة بانتفاء الموضوع.

الامر الثالث فيما لو تعدد الشرط واتحد الجزاء وتنقيح الكلام فيه يقع فيه مقامين :

الأول : ما لو كان الجزاء واحدا غير قابل للتعدد بتعدد الشرط لا وجودا ولا مرتبة ، كما في وجوب القصر المترتب على خفاء الاذان والجدران في قوله : إذا خفى الاذان فقصر ، وإذا خفى الجدران فقصر ، حيث إن الجزاء في مثل هذا الفرض ليس قابلا للتكرر وجودا بل ولا للتأكد أيضا عند خفائهما. ونحوه قوله : إذا نمت فتوضأ ، وإذا بلت فتوضأ بناء على عدم قابليته للتأكد وجوبا.

الثاني : ما لو كان الجزاء واحدا بحسب الحقيقة ولكنه كان قابلا للتعدد والتكرر وجودا كما في الكفاية المترتبة على الافطار وعلى الظهار في قوله : ان ظاهرت فكفر وان أفطرت فكفر.

اما المقام الأول : فملخص الكلام فيه هو ان الجزاء في مثل قوله إذا خفى الاذان فقصر وإذا خفى الجداران فقصر ، لما كان واحدا شخصيا غير قابل للتكرر وجودا ولا مرتبة لقيام الاجماع والضرورة على عدم تعدد القصر عند تعدد الأسباب وخفائهما بل وعدم تأكد وجوبه فلا جرم يقع المعارضة بين الشرطين ، حيث لايمكن ابقاء ظهور كل منهما على حاله في الاقتضاء لترتب الجزاء عليه بالاستقلال ، فيعلم اجمالا بمخالفة ظهورهما للواقع فمن ذلك لابد من التصرف في ناحية عقد الوضع في الشرطين ، اما برفع اليد عن قضية اطلاقهما في الاستقلال في التأثير بتقييد كل منهما بحال وجود الاخر وجعل الشرط هو مجموع خفاء الاذان والجدران ، واما برفع اليد عن ظهورهما في الانحصار وفى الدخل بعنوانهما الخاص ، اما بجعل الشرط هو الجامع والقدر المشترك بينهما أو تقييد كل منهما في اقتضائه لترتب الجزاء عليه بعدم كونه مسبوقا بوجود الآخر لو فرض عدم جامع بينهما ، كي يكون لازمه وجوب القصر بخفاء أول الامرين وانتفائه بانتفائهما معا.

واما احتمال تقييد المفهوم في كل منهما بمنطوق الآخر كما في الكفاية فهو (١) مع أنه

__________________

١ ـ ج ١ ص ٣١٣.

٤٨٤

راجع بحسب النتيجة إلى ما ذكرنا كما ترى ، لضرورة ان المفهوم في نفسه غير قابل للتقييد ، لأنه من اللوازم العقلية للقضية اللفظية حسب مالها من الخصوصيات الموجبة لذلك ، فكان مرجع تقييده حينئذ مع ابقاء القضية اللفظية المنطوقية على حالها بما لها من الخصوصية إلى نحو تفكيك بين الملزوم ولازمه ، وهو كما ترى من المستحيل جدا. وحينئذ ففي مقام التوفيق يدور الامر بين رفع اليد عن أحد الظهورين ، اما عن ظهور الشرطين في الاستقلال بجعل الشرط مجموع خفاء الاذان والجدران ، كي يكون لازمه وجوب القصر عند خفاء الامرين معا وانتفاء وجوبه عند خفاء أحدهما ، واما عن ظهورهما في الدخل بعنوانهما الخاص بجعل الشرط الجامع بينهما ، أو عن قضية ظهور اطلاقهما في الانحصار المقتضي لترتب الوجوب عليه وان سبقه آخر ، كي يلزمه وجوب القصر بمجرد خفاء أحدهما ، وفي مثله نقول : بأنه وان كان الظهور ان كلاهما بمقتضي الاطلاق ، ولكن أمكن دعوى تعين الثاني وترجيح ظهور الشرطين في الاستقلال على ظهورهما في الدخل بعنوانهما الخاص وفى الانحصار ، إذ على هذا الفرض كان ظهور كل واحد من الشرطين في الاستقلال في التأثير على حاله ، بخلاف العكس ، فإنه علاوة عما يلزمه من رفع اليد عن ظهور الشرطين في الاستقلال يلزمه أيضا رفع اليد عن ظهورهما في الانحصار ، وواضح حينئذ انه عند الدوران كان المتعين هو الأول ، لان الضرورة تتقدر بقدرها ، وعليه فكان المدار في وجوب القصر على خفاء أول الامرين منهما. نعم لو خودش في ذلك ولم يرجح أحد الظهورين على الآخر فلا جرم يسقطان عن الحجية ، للعلم بمخالفة أحدهما للواقع ، وبعد تساقطهما كان المرجع هو الأصل ، وهو أصالة التمام إلى حد يعلم بخفائهما معا ، كما أنه في طرف الإياب كان الأصل مقتضاه وجوب القصر إلى حد لايخفى عليه واحد منهما وهو واضح. هذا كله في المقام الأول.

واما المقام الثاني : وهو ما لو تعدد الشرط واتحد الجزاء سنخا بحيث كان قابلا للتكرر وجودا كقوله : ان بلت فتوضأ وان نمت فتوضأ ، بناء على كونه من المثال ، وكقوله : ان أفطرت فكفر وان ظاهرت فكفر ، ففي عدم التداخل ووجوب الاتيان بالوضوء والكفارة متكررا حسب تعدد الشرط مطلقا ، أو التداخل وعدم وجوب الاتيان الا دفعة واحدة كك ، أو التفصيل بين صورة تحقق الشرط الثاني بعد امتثال الأول أو قبله فعدم التداخل على الأول والتداخل على الثاني ، أو التفصيل بين فرض اتحاد الشروط في الجنس

٤٨٥

وبين فرض اختلافها فالتداخل على الأول وعدمه على الثاني وجوه ، بل أقوال.

وتحقيقه ان يقال : ان ظاهر الجملة الشرطية فيهما لما كان هو حدوث الجزاء عند كل شرط ، ومقتضاه كان هو لزوم تعدد الوضوء والكفارة وجودا عند تعدد الشروط ، وكان الاخذ بما يقتضيه ظاهر الشرطين مع ظهور المتعلق في الجزاء في صرف الوجود الغير القابل للتعدد والتكرر غير ممكن جدا ، لاستلزامه لاجتماع الوجودين في وجود واحد ، فلا جرم يقع بينهما التنافي ، حيث يعلم اجمالا بمخالفة أحد الظهورين للواقع اما ظهور المتعلق في صرف الوجود أو ظهور الشرطين ، وفي مثله لابد من التصرف في أحد الظهورين ، ورفع اليد اما عن ظهور المتعلق في الصرف وحمله على وجود ووجود ، أو عن ظاهر الشرطين في اقتضائهما الاستقلال في التأثير في الجزاء ، نعم لما كان طرف المعارضة لظهور الجزاء بدوا بمقتضى العلم الاجمالي هو مجموع الشرطين فلا جرم لايكاد يبقى مجال انتهاء الامر في هذا المقام إلى ملاحظة التعارض بين الشرطين والتصرف فيهما بإحدى الوجوه المتقدمة ، كما يظهر من الكفاية ، لضرورة انه انما ينتهى الامر إلى ذلك في فرض تحكيم ظهور الجزاء في الوحدة وصرف الوجود على ظهور الشرطين ، حيث إنه بعد هذا التحكيم يقع تعارض بالعرض بين نفس الشرطين ، فيحتاج إلى رفع التعارض من البين بالتصرف فيهما إحدى الوجوه المتقدمة ، والا ففي عدم تحكيم ظهور الجزاء وحمله على الطبيعة المهملة القابلة لتعدد فلايكاد يتصور تعارض بينهما حتى يحتاج إلى التصرف فيهما ، كما في المقام الأول ، من جهة وضوح امكان ابقاء كلا الشرطين حينئذ على ظاهرهما في الاستقلال واقتضائهما التعدد في الجزاء كما هو واضح ، وعليه نقول : ان التعارض بعد ما كان بدوا بين ظهور الجزاء في الصرف وبين مجموع الشرطين بمقتضي العلم الاجمالي فلا جرم في مقام التوفيق لابد من رفع اليد عن أحد الظهورين اما عن ظهور الجزاء في صرف الوجود أو عن ظهور الشرطين في الاستقلال ، وفي مثله نقول : ان الذي يقتضيه التحقيق هو لزوم تحكيم ظهور الشرطين في الاستقلال على ظهور الجزاء في صرف الوجود ولزوم التصرف فيه بحمله على التعدد ووجود بعد وجود ، وذلك لما يلزمه من كونه أقل محذورا من العكس ، حيث إنه على تقدير تحكيم ظهوره على ظهور الشرطين يلزمه رفع اليد عن ظهور كل واحد من الشرطين في الاستقلال ، فيحتاج إلى ارتكاب خلاف ظاهرين ، وهذا بخلافه في طرف العكس ، حيث إنه لايلزمه الا ارتكاب خلاف الظاهر واحد ، ومن المعلوم أيضا انه

٤٨٦

عند الدوران يتعين ما هو أقل محذورا من الآخر ، فان ارتكاب خلاف الظاهر بنفسه محذور ، وهو يتقدر بقدره ، هذا كله ، خصوصا بعد ملاحظة تبعية الجزاء ثبوتا للشرط بلحاظ كونه من علل وجوده ، فان هذه التعبية توجب تبعيته له عرفا أيضا في مقام الاثبات والدلالة ، فتوجب أولوية التصرف في الجزاء عند الدوران على التصرف في ناحية سببه وعلته ، من جهة اقتضائه اقوائية ظهوره من ظهوره ، كما هو واضح.

وعليه فيبطل القول بالتداخل على الاطلاق وجواز الاكتفاء بوجود واحد ، فان مبناه انما هو من جهة تحكيم ظهور الجزاء في صرف الوجود على ما يقتضيه ظهور الشرطين ، وبعد تعين التصرف في ظهوره بمقتضي تحكيم ظهور الشرطين عليه لايبقى مجال توهم التداخل وجواز الاكتفاء بوجود واحد على الاطلاق.

نعم بعد ما ظهر من لزوم تحكيم قضية الشرطين ولزوم التصرف في الجزاء بحمله على التعدد يبقى الكلام في أن قضية ذلك هل هو لزوم التصرف في خصوص الحكم وهو الوجوب مع ابقاء موضوعه ومتعلقه وهو الوضوء أو الكفارة ـ كما في المثال ـ على حاله من الظهور في صرف الوجود؟ كي يلزمه المصير إلى التفصيل المزبور بين ما قبل الامتثال وما بعده بالتداخل في الأول وعدمه في الثاني ، نظراً إلى أنه بعد الاخذ بظهور المتعلق في صرف الوجود لايكاد يكون قضية تعدد الشرط قبل الامتثال الا تأكد الطلب بالنسبة إلى المتعلق ، بخلافه فيما بعد الامتثال ، فإنه يوجب قهرا تعدد الوجوب ، أو ان قضية ذلك هو لزوم التصرف في المتعلق أيضا وحمله على وجود فوجود حسب تعدد الشروط؟ كي يلزمه المصير إلى عدم التداخل على الاطلاق ولزوم الاتيان بالكفارة متعددا حسب تعدد الشروط ، من جهة اقتضاء كل شرط وجودا للكفارة ، أو ان مقتضاه هو لزوم التعدد في ناحية متعلق المتعلق أيضا؟ فكان الواجب في مثل قوله : ان جاء زيد يجب اكرام العالم وان جاء عمر ويجب اكرام العالم ، هو اكرام العالمين ، ولا يكتفي باكرامين لعالم واحد ، بخلاف سابقه ، فإنه عليه يكتفى باكرامين لعالم واحد في نحو المثال فيه وجوه : ولكن الأقوى أوسطها ، وذلك لا لما أفيد كما عن بعض الأعاظم (١) في تقريب ذلك باقتضاء كل شرط وجودا للمتعلق وان تعدد الوجوب انما هو من جهة كونه مقتضي

__________________

١ ـ هذا البعض حضرة السيد محمد الأصفهاني قدس‌سره « المؤلف ، قدس‌سره ».

٤٨٧

تعدد الوجود ، لكي يورد عليه بان اقتضاء الشرط للوجود بعد ما لم يكن بنحو التكوين بل بنحو التشريع فمرجعه لا محالة إلى كونه منشأ لقيام المصلحة بالوجود واتصافه بكونه ذا مصلحة ، وحينئذ فبعد امكان قيام مصالح متعددة بوجود واحد شخصي بجهات مختلفه فلا مجال لاستفادة تعدد الوجود خارجا بمحض تعدد الشروط ، من جهة امكان ان يكون كل شرط حينئذ مؤثرا في قيام شخص من المصلحة بوجود المتعلق ، بل ذلك من جهة ظهور كل شرط في ترتب حكم محدود مستقل عليه ، حيث إن قضية تعدد الشرط حينئذ انما هو تعدد الحكم بحسب تعدده ، ولازمه بعد امتناع اجتماع المثلين في موضوع واحد هو لزوم المصير إلى تعدد الوجود في الموضوع والمتعلق أيضا ، فتعدد الوجود حينئذ في الحقيقة انما هو لكونه من لوازم تعدد الوجوب واستقلاله الناشي ذلك من جهة تعدد الشرط ، نظراً إلى اقتضاء كل شرط لوجوب خاص محدود بحد مستقل ، لا من جهة اقتضاء كل شرط بدوا وجودا وان تعدد الوجوب من جهة كونه من تبعات تعدد الوجود كما على المسلك الأول.

وعلى ذلك فيبطل القول بالتفصيل في التداخل وعدمه بين ما قبل الامتثال وما بعده ، من جهة ان القول بالتداخل وتأكد الوجوب فيما قبل الامتثال مما ينافي لا محالة ما يقتضيه ظهور كل شرط في ترتب حكم خاص محدود مستقل على الاطلاق ، فقضية الاخذ بظهورهما في استقلال الحكم حينئذ كما عرفت هو وجوب المصير إلى عدم التداخل ولزوم الاتيان بالجزاء متكررا حسب تعدد الشرط وتكرره ، واما جواز الاكتفاء باكرامين لعالم واحد في مثل قوله : ان جاء زيد يجب اكرام العالم وان جاء عمرو يجب اكرام العالم ، وعدم لزوم التعدد في متعلق المتعلق واكرام العالمين ، فإنما هو من جهة عدم الدليل على ذلك ، من جهة ان غاية ما يقتضيه قضية تعدد الحكم انما هو التعدد في ناحية موضوعه ومتعلقه ، نظراً إلى ما يقتضيه امتناع اجتماع الحكمين المتماثلين في موضوع واحد ، واما اقتضائه التعدد في متعلق متعلقه أيضا فلا ، خصوصا بعد كونه كثيرا ما غير محتاج إلى المتعلق ، كما في قوله : ان أفطرت فكفر وان ظاهرت فكفر ، نعم قد يتفق الاحتياج إلى لزوم التعدد في متعلق المتعلق أيضا فيما لو كان الواجب من قبيل الاطعام ونحوه ، فإنه في مثل هذا الفرض ربما يحتاج إلى التعدد في طرف المتعلق أيضا ، نظراً إلى توقف صدق التعدد في الاطعام عرضيا لا طوليا على تعدد الشخص ، كما هو واضح.

فتلخص مما ذكرنا ان التحقيق في المسألة بحسب القواعد هو ما عليه المشهور من عدم

٤٨٨

التداخل مطلقا ولزوم الاتيان بالجزاء متكررا حسب تعدد الشروط وتكرره ، دون القول بالتداخل الذي مبناه هو التصرف في ناحية الشرط وعقد الوضع في القضية ، ودون القول بالتفصيل بين ما قبل الامتثال وما بعده الذي مبناه على التصرف في ناحية الحكم والطلب ورفع اليد عن ظهور كل شرط في اقتضائه ترتب حكم محدود مستقل عليه ، وذلك لما عرفت بما لا مزيد عليه من هدم المبني فيهما ، من جهة قوة ظهور كل شرط في الاستقلال في العلية لترتب الاجزاء واقتضاء كل لجزاء مستقل ، حيث إن مقتضاه حينئذ هو عدم التداخل ووجوب الاتيان بالجزاء متكررا حسب تكرر الشرط ، من غير فرق بين حدوث الشرط الثاني قبل امتثال الأول أو بعده ، بل ولا بين فرض اتحاد الشروط في الجنس أو اختلافها أيضا.

حيث إنه لا وجه لمثل هذا التفصيل الا توهم ظهور القضية الشرطية في كون المؤثر في الجزاء هو الشرط بصرف وجوده المنطبق على أول وجود دونه بوجوده الساري ، بدعوى ان الشروط المتعددة حينئذ ان كانت من نوع واحد كما لو بال مكررا أو أفطر كك فالتأثير لا محالة كان مستندا إلى الجامع والقدر المشترك المنطبق على أول وجود ، ويلزمه كون الوجود الثاني منعزلا عن فعلية التأثير فيترتب عليه القول بالتداخل وعدم وجوب الاتيان بالجزاء متكررا وأما إذا لم تكن من نوع واحد فيلزمه عدم التداخل وجوب الاتيان بالجزاء متعددا ، من جهة اقتضاء كل شرط حينئذ حسب ما يقتضيه ظاهر القضية لجزاء مستقل ، ولكنه مدفوع بمنع الظهور المزبور في باب العلل والأسباب ، كما في المقام ، لولا دعوى ظهورها في التأثير بنحو الوجود الساري ، كيف وان حال العلل والأسباب الشرعية من هذه الجهة انما هو كالعلل والأسباب التكوينية العقلية ، فكما ان قضية السببية والمؤثرية الفعلية في العلل التكوينية لا تختص بصرف الوجود المنطبق على أول وجود ، بل جار في الوجود الساري في ضمن الافراد المتعاقبة ، ومع فرض قابلية المحل يكون كل وجود منه مؤثرا فعليا ، كما في النار ، حيث إن كل وجود منها كانت مؤثرة في الاحراق ، كك الامر في العلل الشرعية ، فكانت تلك أيضا مؤثرة بوجودها الساري في ضمن الافراد المتعاقبة ، ومن المعلوم أيضا ان قضية ذلك عند قابلية المحل للتعدد هو تعدد المسبب بتعدد أسبابه ، كما في فرض اختلاف الأسباب في الجنس ، وعليه فلا محيص من المصير بمقتضي القواعد إلى ما عليه المشهور من عدم التداخل

٤٨٩

على الاطلاق ، كما هو واضح.

هذا كله فيما لو كان الجزاء واحدا سنخا وكان قابلا للتعدد والتكرر بتعدد شرطه وسببه ، وقد عرفت ان رجوع التداخل وعدمه فيه إلى التداخل في الأسباب وعدمه من حيث اقتضاء كل سبب لجزاء مستقل وعدمه ، وعرفت أيضا ان التحقيق فيه هو عدم التداخل ولزوم الاتيان بالجزاء متعددا.

واما لو كان الشرط واحدا والجزاء أيضا واحدا سنخا لا شخصا ، كقوله : ان أفطرت فكفر ، فهل قضية ذلك أيضا هو كون الشرطية بنحو الوجود الساري في ضمن الافراد كي يلزمه تعدد الجزاء وجودا حسب تعدد افراد الشرط خارجا؟ أو بنحو صرف الوجود حتى لايلزمه الا وجود واحد وان تعدد افراد الشرط؟ فيه وجهان : أظهرهما الأول كما تقدم وجهه آنفا.

واما لو تعدد الشرط وتعدد الجزاء أيضا اما عنوانا كالاكرام والاطعام ، أو من ناحية ما تعلق به موضوع الخطاب كاكرام العالم والهاشمي ، حيث كان الاكرام في ذاته حقيقة واحدة ، وانما الاختلاف فيه باعتبار اضافته إلى عنوان العالم والهاشمي ، ففي مثله يقع الكلام في أنه في مورد تصادق العنوانين هل يتداخل الامر ان؟ فيجوز الاكتفاء باكرام واحد في المجمع بداعي الامرين ، أم لا يتداخلان؟ فيجب تعدد الاكرام ، وهكذا في مثال الاكرام والاطعام ، فلايجوز الاكتفاء بالاطعام الواحد وان صدق عليه الاكرام أيضا. ومرجع التداخل في هذه المسألة إلى التداخل في المسبب ، بعد الفراغ عن عدم التداخل في الأسباب ، واقتضاء كل سبب لجزاء ، بخلاف التداخل في المسألة السابقة ، فان التداخل فيها انما كان في الأسباب وعدم اقتضاء الأسباب المتعددة الا جزاء واحداً.

ثم إن منشأ الاشكال في المقام انما هو من جهة محذور اجتماع المثلين ، حيث إنه بعد تحكيم ظهور الشرطين في اقتضاء كل منهما لترتب جزاء مستقل ووجوب محدود بحد خاص ، يتوجه الاشكال بأنه على التداخل في المجمع ، يلزمه اجتماع الوجوبين فيه وصيرورة ذاك الاكرام الشخصي محكوما بوجوبين مستقلين.

نعم قد يتوهم اشكال آخر عليه وهو لزوم التنافي بين مفهوم أحد الشرطين ومنطوق الاخر فيما لو تحقق أحد الشرطين وانتفى الآخر ، من حيث اقتضاء كل منهما بمفهومه انتفاء

٤٩٠

سنخ الحكم بقول مطلق حتى في المجمع عند الانتفاء ولو مع تحقق الآخر. ولكنه كما ترى ، إذ مضافا إلى عدم ابتناء المسألة في المقام بالمفهوم وجريانه في شخص الحكم أيضا نمنع التنافي بينهما ، إذ نقول : بان غاية ما يقتضيه قوله : ان جاء زيد فأكرم عالما ، انما هو انتفاء سنخ وجوب الاكرام في المجمع عند الانتفاء من حيث العالمية لا مطلقا ولو بلحاظ كونه هاشميا ، ولا منافاة بين ان يكون زيد مثلا واجب الاكرام من حيث كونه هاشميا وبين كونه غير واجب الاكرام من حيث كونه عالما.

وحينئذ فكان العمدة هو الاشكال الأول ، وفي مثله نقول : بان العنوانين المتصادقين على مجمع واحد تارة من قبيل الجنس والفصل كالحيوان والناطق ، وأخرى من قبيل العامين من وجه المتصادقين في مجمع واحد عنه الاجتماع ، فان كانا من قبيل الجنس والفصل فلا اشكال في التداخل وفي انه لا يلزم منه محذور أصلا ، إذ حينئذ بعد اختلاف العنوانين بحسب الحقيقة والمنشأ فقهرا يكون مركب كل حكم جهة غير الجهة الأخرى التي هي مركب الحكم الآخر ، ومعه فلا يلزم من القول بالتداخل محذور أصلا ، كما هو واضح. واما ان كانا من قبيل العامين من وجه كما في مثال اكرام العالم والهاشمي فيبتنى على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه ، فعلى القول بالجواز في مثله ولو بدعوى كفاية هذا المقدار من المغايرة في رفع المحذور فلا اشكال في التداخل في المقام ، واما على القول بعدم الجواز كما هو التحقيق في نحو المثال ، بلحاظ وحدة الحقيقة في الجهة المشتركة وهو الاكرام ، ففيه اشكال جدا ، لاستلزامه اجتماع الحكمين المتماثلين في ذات الاكرام الذي هو مجمع الإضافتين ، مع كونه حقيقة واحدة وحيثية فاردة ، واما الحمل على التأكد حينئذ ورفع اليد عن استقلال الحكمين فهو ان يرتفع به المحذور المزبور ولكنه مخالف لما يقتضيه ظاهر الشرطين في اقتضاء كل لوجوب مستقل ، والا لما كان وجه للمصير إلى عدم التداخل في المسألة السابقة ، وحينئذ فبعد تحكيم ظهور الشرطين لابد فرارا عن المحذور والمزبور من المصير إلى عدم التداخل حتى في مورد التصاديق أيضا هذا.

ولكن مع ذلك بناء الأصحاب في مثله على التداخل وجواز الاكتفاء باكرام واحد في المجمع في سقوط الخطابين. اللهم الا ان يقال حينئذ بكفاية التعدد في الحكم في المجمع في الجملة في حفظ ظهور الشرطين في الاستقلال ، بدعوى ان الواجب في قوله : أكرم عالما وأكرم هاشميا وان كان هو الاكرام المضاف إلى عنوان العالم والهاشمي بحيث كان

٤٩١

لحيثية الإضافة أيضا دخل في موضوع الحكم ، الا ان قضية الحكم في تعلقه بالاكرام المضاف هو مشمولية الإضافة المزبورة أيضا للحكم ولو ضمنا ، فلا باس في مثله بالمصير إلى التأكد برفع اليد عن استقلال الحكمين وتعددهما في المجمع بالإضافة إلى ذات الاكرام التي هي جهة مشتركة بين الإضافتين مع حفظ استقلالهما بالقياس إلى الإضافتين المزبورتين ، فان الذي ينافيه قضية الظهور المزبور انما هو رفع اليد عن تعدد الحكمين واستقلالهما في المجمع على الاطلاق ، حتى بالقياس إلى الإضافتين ، واما رفع اليد عن ذلك في الجملة في خصوص ذات الاكرام التي هي جهة مشتركة بين الإضافتين فلا ، وعلى ذلك فيتم قول المشهور من جواز الاكتفاء بايجاد واحد في المجمع ومورد التصادق في سقوط الامرين وعدم وجوب تعدد الاكرام في سقوطهما وامتثالهما ، نعم لابد حينئذ في سقوط الامرين من أن يكون الايجاد الواحد بداعي كلا الامرين ، والايكون الساقط خصوص ما قصد منهما ، ما لم يكن الآخر توصليا والا فيسقطان معاً.

ثم انه مما ذكرنا ظهر الحال فيما لو كان الجزاء واحدا بحسب الصورة ومتعددا بحسب الحقيقة ، كما في الغسل على ما يظهر من بعض النصوص من قوله عليه‌السلام : إذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد (١) الظاهر في أنها أي الأغسال مع اتحادها صورة مختلفات بحسب الحقيقة وقابلية التصادق على الواحد ، الواحد ، حيث إن قضية الاجتزاء بغسل واحد عن المتعدد حينئذ انما هو جهة تصادفها على الواحد ، نعم ربما كان قضية اطلاقه حينئذ هو جواز الاكتفاء بالواحد عن المتعدد ، ولو مع عدم قصد البقية. ومن هذه الجهة ينافي ما ذكرنا من لزوم قصد الجميع في جواز الاكتفاء بالواحد وعدم سقوط الامر عن البقية مع عدم قصد امتثال الجميع. ولكنه يمكن دفع ذلك أيضا بدعوى تقييد تلك المطلقات بخصوص غسل الجنابة ، كما في خبر حريز ونحوه (٢) فيقال حينئذ بان

__________________

١ ـ الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

٢ ـ ليس في ما رأينا من اخبار الباب ما كان الراوي فيه عن المعصوم عليه‌السلام حريزا ، نعم هو واقع في جملة من اسناد اخبار الباب. كما في موثق حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل واحد. ونحوه مرسل جميل بن دراج. فراجع الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب الجنابة [ المصحح ].

٤٩٢

جواز الاكتفاء بغسل الجنابة عن ما عداه من غسل الحيض والنفاس ومس الميت ونحوها انما هو من جهة ان الجنابة من أكبر الاحداث التي تندك في ضمنها سائر الاحداث نظير اندكاك السواد الضعيف في ضمن السواد الشديد ، فإنه حينئذ مع زوالها بغسلها لايبقى حدث حتى ينتهى بعد الغسل منها إلى الامر بالغسل لسائر الاحداث ، ففي الحقيقة سقوط الامر بالغسل عن الحيض والنفاس ونحوهما مع غسل الجنابة انما هو من جهة عدم بقاء المحل والموضوع وهو الحدث مع غسل الجنابة ، لا من جهة وقوع غسل الجنابة امتثالا للامر بسائر الأغسال تعبدا مع عدم قصد عنوانها حتى يتوجه الاشكال المزبور ، فتأمل. وهذا بخلاف غسل غير الجنابة ، فإنه من جهة عدم وفائه بزوال الحدث بجميع مراتبه لا يكتفى به في سقوط غسل الجنابة الا بقصدها أيضا ، كما يشهد له أيضا ما في الصحيح عن أبي عبد الله وأبى الحسن عليهما‌السلام في رجل يجامع المرأة فتحيض قبل ان تغتسل من الجنابة قال (ع) غسل الجنابة عليها واجب (١) الظاهر في عدم كفاية ما تأتى به من غسل الحيض عن غسل الجنابة ولزوم الاتيان بغسلها أيضا ليرتفع به تمام مراتب الحدث ، فتأمل ، وتمام الكلام في هذا المقام موكول إلى محله في الفقه.

ثم إن هذا كله فيما لو أحرز تعدد الجزاء عنوانا واختلافه بحسب الحقيقة ولو بمعونة قرينة خارجية كما في الأغسال. واما لو لم يحرز ذلك واحتمل تعدده بحسب الحقيقة ، كما في الكفارة المترتبة على الافطار والظهار ، فهل مقتضي القواعد في هذه الصورة هو الحمل على تعدد العنوان والحقيقة كي يندرج في موضوع البحث المتقدم عند التصادق ، ويقال فيه بالتداخل ، أو الحمل على وحدة الحقيقة؟ فيه وجهان : أظهرهما الثاني ، إذ نقول : بان اختلاف الحقيقة في الجزاء لابد وأن يكون بأحد الامرين ، اما من جهة الاختلاف ذاتا كالظهرية والعصرية أو من جهة الإضافة إلى الشروط. اما الجهة الأولى : فهي منتفية في المقام من جهة عدم الطريق إلى اختلاف الحقيقة ذاتا فيه وكون الكفارة المترتبة على الافطار بذاتها غير الكفارة المترتبة على الظهار ، واما الجهة الثانية : فكذلك أيضا من جهة ظهور مثل هذه القضايا الشرطية في كون المشروط من الجهات التعليلية للحكم لا من الجهات التقييدية للموضوع ، كي يكون لإضافتها دخل في الموضوع. ومن ذلك نفرق

____________

١ ـ الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب الجنابة ، الحديث ٨.

٤٩٣

بين القضايا التوصيفية في نحو قوله : أكرم زيد الجائي ، وبين القضايا الشرطية في نحو قوله : أكرم زيدا ان جائك ، حيث نقول بدخول التقييد بالمجيء على الأول في الموضوع حيث كان الموضوع لوجوب الاكرام هو زيد المتقيد بالمجيء ، بخلافه على الثاني حيث كان تمام الموضوع لوجوب الاكرام هو ذات زيد بلا اخذ جهة زائدة فيه في موضوعيته للحكم ، وانما المجيء كان علة للحكم بوجوب اكرامه ، وعلى ذلك فحيث انه كان الظاهر من القضايا الشرطية في مثل قوله : ان ظاهرت فكفر وان أفطرت فكفر ، هو كون الظهار والافطار من الجهات التعليلية لوجوب الكفارة لا من الجهات التقييدية للموضوع فلا جرم لايبقى مجال اخذ الإضافات المزبورة في طرف الموضوع ، وهو الكفارة ، ومعه فلا يبقى مجال الحمل على تعدد الحقيقة واختلافها بمحض قابلية الجزاء لذلك ، كما هو واضح ، وعليه ففي نحو هذه القضايا لابد من القول بعدم التداخل ولزوم الاتيان بالجزاء متعددا على حسب تعدد الشرط.

فتلخص مما ذكرنا ان لنا صورا ثلاثا : الأولى : ما تكرر الشرط واتحد الجزاء شخصا بحيث لم يكن قابلا للتكرر كما في القصر في قوله : إذا خفى الاذان فقصر وإذا خفى الجدران فقصر ، وقد عرفت انه لابد فيه من التداخل في السبب ولزوم التصرف في عقد الشرط بأحد الوجهين المتقدمين ، الثانية : ما لو تكرر الشرط ولكنه اتحد الجزاء سنخا لا شخصا بحيث كان قابلا للتعدد وجودا ، وقد عرفت رجوع القول بالتداخل المطلق في هذا القسم أيضا إلى التداخل في الأسباب وان التحقيق فيه هو عدم التداخل ولزوم الاتيان بالجزاء متعددا حسب تعدد الشرط ، الثالثة : ما لو تعدد الشرط وتعدد الجزاء أيضا عنوانا وحقيقة وان اتحد صورة مع قابليتها للتصادق على وجود واحد ، وقد عرفت رجوع التداخل في هذا القسم إلى التداخل في المسبب فارغا عن عدم التداخل في السبب واقتضاء كل سبب الجزاء مستقل وان التحقيق فيه هو التداخل عند التصادق وفى المجمع وجواز الاكتفاء بايجاد واحد في المجمع وسقوط الامرين فيما لو كان الايجاد بداعيهما ، والا فالساقط هو خصوص ما قصد الاتيان بداعية لولا اقتضائه لافناء موضوع آخر كما في غسل الجنابة أو كون الآخر توصليا يسقط بمجرد الانطباق القهري ولولا عن قصد الامتثال فتدبر.

بقى الكلام فيما يقتضيه الأصل العملي عند الشك في التداخل وعدمه فنقول : قد عرفت ان الشك في التداخل وعدمه تارة يكون من جهة احتمال التداخل في الأسباب واحتمال

٤٩٤

كون المؤثر هو الجامع بينهما المنطبق على أول وجود ، وأخرى من جهة احتمال تأكد الوجوب ، كما هو قضية القول بالتفصيل المتقدم ، وثالثة من جهة احتمال تصادق العناوين المتعددة على مجمع واحد. فان كان الأول فلا اشكال في أن مقتضي الأصل هو جواز الاكتفاء بوجود واحد وعدم وجوب الزائد عن وجود أحد لأصالة البراءة عن التكليف الزائد ، واما على الثاني فقد يقال بان مقتضي الأصل فيه أيضا هو البراءة عن الزائد لعدم العلم بالتكليف بالنسبة إلى الوجود الثاني بعد احتمال تأكد الوجوب بالنسبة إلى وجود الأول ، ولكن التحقيق خلافه ، إذ نقول بأنه انما يرجع إلى البراءة فيما لو كان الشك في أصل التكليف الزائد ، وفى المقام لايكون كك ، حيث إنه يعلم تفصيلا بتأثير كل شرط في مرتبة من التكليف ، وانما الشك في تعلقهما بوجود واحد أو بوجودين ، وبعبارة أخرى يعلم تفصيلا بأنه من قبل كل شرط توجه الزام إلى المكلف ، وانما الشك في تعلقهما بوجود واحد فيلزمه تأكد الوجوب فيه أو بوجودين مستقلين ، وفي مثله لا محيص الا من الاحتياط من جهة انه في الاكتفاء بايجاد واحد يشك في الخروج عن عهدة ذاك التكليف الناشي من قبل الشرط الثاني ، لاحتمال تعلقه بوجود آخر ، فلابد حينئذ من الاحتياط ، تحصيلا للقطع بالفراغ عما ثبت الاشتغال به ، وهذا بخلافه في الصورة الأولى حيث إنه بعد احتمال كون التأثير مستندا إلى الجامع المنطبق على أول وجود يشك في أصل توجه الالزام والتكليف من قبل الشرط الثاني ، فيندرج في الأقل والأكثر ، ويرجع فيه إلى البراءة ، ومن ذلك البيان ظهر الحال في الصورة الثالثة أيضا فان المرجع فيه أيضا عند الشك في التداخل من جهة احتمال تصادق العنوانين على الواحد هو الاشتغال لا غير ، كما هو واضح.

الامر الرابع : لا اشكال في أنه تعتبر في مقام اخذ المفهوم مراعاة جميع ما اعتبر في المنطوق من القيود المأخوذة في الشرط والجزاء في المفهوم أيضا ، ومن ذلك يكون المفهوم في مثل قوله : ان جاء زيد راكبا فأكرمه يوم الجمعة ، هو انتفاء هذا الحكم الخاص ، وهو وجوب الاكرام يوم الجمعة عن زيد عند انتفاء الشرط المزبور بما له من القيود ، إذ كان المفهوم ان لم يجيء زيد راكبا فلاتكرمه يوم الجمعة ، كما أن المفهوم في قوله : ان جاء زيد زيد فأكرم مجموع الجماعة ، هو انتفاء وجوب اكرام الجماعة من حيث المجموع عند انتفاء المجيء الغير المنافي لوجوب اكرام بعضهم ، وهذا مما لا كلام فيه. وانما الكلام فيما لو كان الجزاء حكما عاماً

٤٩٥

أصوليا ثابتا لافراد الطبيعة بنحو الاستغراق ، كقوله : ان جاء زيد فأكرم كل عالم ، وقوله إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء ، في أن قضية المفهوم هل هو السلب الكلي في الأول والايجاب الكلي في الثاني ، أو هو السلب الجزئي والايجاب الجزئي؟ ومبني الخلاف في المسألة ان قضية إناطة هذا الحكم العالم وتعليقه بالشرط في قوله : الماء إذا بلغ قدر كر الخ ، هل هو تعليق وإناطة شخصي غير قابل للانحلال إلى تعليقات متعددة بتعدد افراد النجاسات ، أو هو تعليق سنخي منحل إلى تعليقات متعدده؟ حيث إنه على الأول يلزمه كون المفهوم منه هو الايجاب الجزئي الغير المنافي مع عدم منجسية بعض النجاسات عند عدم بلوغه كرا ، بخلافه على الثاني فإنه يلزمه كون مفهومه بنحو الايجاب الكلي ، من جهة ان لازم انحلال التعليق هو انحلال التعليق هو انحلال القضية الشرطية إلى قضايا متعددة حسب تعدد النجاسات ، ولازمه عقلا هو استخراج مفاهيم متعددة عند عدم بلوغه كرّاً.

وربما يبتنى الخلاف في المسألة على أن المعلق على الشرط في نحو المثال هو الحكم العام أو عموم الحكم ، بدعوى لزوم كون المفهوم على الأول هو الايجاب الكلي ، بخلافه على الثاني ، فإنه لايكون الا بنحو الايجاب الجزئي ، ولكنه كما ترى ، إذ نقول : انه على الثاني من تعليق العمومية وان لم يكن المجال الا للايجاب الجزئي ، بلحاظ عدم اقتضائه حينئذ في طرف المفهوم الا انتفاء هذه العمومية الغير المنافي مع عدم منجسية بعض النجاسات ، الا انه نقول : بأنه على الأول لا يتعين كونه بنحو الايجاب الكلي ، بل هو بمقتضي ما بيناه قابل لإفادة الايجاب الجزئي أيضا ، ومع قابليته لذلك في فرض كون المعلق هو الحكم العام فلايصح ابتناء الخلاف المزبور على تعليق الحكم العام أو عموم الحكم ، بل ولعل التأمل التام يقتضي أيضا بكون النزاع المزبور في فرض تعليق الحكم العام ولو بملاحظة كونه مقتضي طبع مثل هذه القضايا من حيث ظهورها في كون المناط هو النسبة الحكمية في القضية في قوله : أكرم كل عالم ، دون حيث العمومية والاستيعاب الذي هو من شؤون موضوع العام ومن كيفياته القائمة به ، حيث إن تعليق هذه الجهة يحتاج إلى نحو عناية زائدة وتعقل ثانوي بلحاظ نحو العمومية.

وعليه فلابد من لحاظ هذه الجهة في أن إضافة الحكم العام بشرطه في قوله : الماء إذا بلغ قدر كر الخ ، هل هو من قبيل اضافته إلى موضوعه ، فكانت بتعليق سنخي حتى يلزمه انحلاله إلى تعليقات متعددة وقضايا شرطية عديدة حسب تعدد افراد الموضوع ، من مثل

٤٩٦

إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه بول ، وإذا كان قدر كر لا ينجسه غائط ، ولا دم ، وهكذا ... فيلزمه استخراج مفاهيم متعددة من كل قضية مفهوما؟ أو بإناطة وتعليق شخصي غير منحل إلى تعليقات متعددة كي يلزمه كون مفهومه هو انتفاء هذا الحكم ، وهو عدم منجسية كل شيء له ، عند عدم بلوغه كرا الغير المنافي مع عدم منجسية بعض النجاسات؟ وفي مثله لايبعد ان يقال بالأول ، نظراً إلى دعوى ظهور القضية حينئذ في كون نسبة الحكم المزبور إلى شرطه بعينه على نحو كيفية تعلقه بموضوعه الملازم لكونه بتعليق سنخي منحل إلى تعليقات متعددة ، وعليه وعليه فقهرا تكون النتيجة في طرف المفهوم بنحو الايجاب الكلي لا الايجاب الجزئي ، فتدبر ، هذا تمام الكلام فيما فيما يتعلق بمفهوم الشرط.

مفهوم الغاية

ومن المفاهيم الغاية وقد اختلف كلماتهم في أنه هل التقييد بالغاية يقتضي انتفاء سنخ الحكم عما بعد الغاية ، بل وعن الغاية أيضا بناء على خروجها عن المغني ، كي لو ورد دليل على ثبوت الحكم فيما بعد الغاية يلاحظ بينهما التعارض؟ أو انه لايقتضي ذلك؟ ولكن الذي يقتضيه التحقيق هو الأول ، وذلك لعين ما ذكرنا في مفهوم الشرط ، إذ بعد ما يستفاد انحصار الحكم بمقتضي الاطلاق الجاري فيه في نحو قوله : أكرم زيدا ، بذلك الطلب الشخصي المنشأ في القضية وعدم ثبوت شخص طلب آخر عند مجيء الليل أو قدوم الحاج ، فقهرا في فرض إناطة تلك النسبة الحكمية في القضية بالغاية ، بقوله : أكرم زيدا إلى الليل أو حتى يقدم الحاج كما هو ظاهر طبع القضية من رجوع الغاية فيها إلى النسبة الحكمية لا إلى خصوص الموضوع أو المحمول يلزمه ارتفاع سنخ الحكم عند تحقق الغاية ، ولا نعنى من المفهوم الا هذا.

نعم لو كانت الغاية في القضية قيدا للموضوع أو للحكم لكان للمنع عن الدلالة على ارتفاع سنخ الحكم عما بعد الغاية كمال مجال ، وذلك اما على الأول فلما يأتي إن شاء الله تعالى في الوصف. واما على الثاني فلان مرجعه إلى ثبوت حكم خاص محدود بحد مخصوص من الأول لزيد ، ومن المعلوم بداهة عدم منع ذلك عن ثبوت شخص حكم آخر له بعد انتهاء

٤٩٧

أمد الحكم الأول ، كما هو واضح ، ولكن الذي يسهل الخطب هو ظهور القضايا الغائية كلية في نفسها في رجوع الغاية فيها إلى النسبة الحكمية وان وجوب اكرام زيد في قوله : أكرم زيدا إلى أن يقدم الحاج ، هو المغيى بالغاية التي هي قدوم الحاج ، وعليه فلا جرم تكون القضية دالة على انتفاء سنخ وجوب الاكرام عن زيد عند الغاية ، من جهة ان احتمال ثبوت شخص وجوب آخر له فيما بعد الغاية مما يدفعه قضية الاطلاق المثبت لانحصاره في ذلك الفرد من الطلب الشخصي ، وهو واضح.

بقى الكلام في أن الغاية هل هي داخلة في المغيى أم خارجة عنه؟ حيث إنه قد اختلف فيه كلماتهم ، وربما ينسب الثاني إلى المشهور. وقد يظهر من بعضهم التفصيل بين الغاية المدلول عليها بحتى ونحوه وبين الغاية المدلول عليها بالي ، فالدخول في الأول دون الثاني ، بل ربما يظهر منهم أيضا تخصيص الخلاف بالغاية المدلول عليها بالى ونحوه مع جعل الغاية في نحو حتى مفروغ الدخول ، كما في قولك : اكلت السمكة حتى رأسها.

ولكن التحقيق هو خروجها عن المغيى مطلقا ، والوجه فيه ظاهر إذا الغاية للشيء عبارة عما ينتهى إليه وجود الشيء ولا يتعدى عنه فيستحيل حينئذ دخولها في الشئ.

وبالجملة نقول : بان مفاد الحروف لما كان عبارة عن النسب والارتباطات المتقومة بالطرفين ، فلا جرم في قولك : سرت من البصرة إلى محل كذا ، ما هو طرف تلك الإضافة الغائية المدلول عليها بالى انما كان هو الجزء الأخير من السير الذي هو منتهى وجوده والجزء الأول من ذلك المحل الذي هو في الحقيقة حد وجوده ، وفي مثله من المستحيل دخول الغاية في المغيى ، كما هو واضح.

بقى الكلام في أنه هل يعتبر في المفهوم ان يكون الحكم المعلق بالشرط أو الغاية بنحو أمكن ثبوته للموضوع عند انتفاء القيد كي يكون قضية اعتباره بنحو السنخ لدفع توهم ثبوت فرد آخر منه في غير مورد وجود القيد ، أو انه لا يعتبر ذلك بل يكفي في المفهوم اعتباره بنحو السنخ وان لم يمكن ثبوته في غير مورد القيد لمكان انحصاره بفرد خاص ، فيكون مثل قوله (ع) كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام ، وكل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر ، من المفهوم المصطلح؟ فيه وجهان ، أظهرهما الثاني ، ولكن الذي يسهل الخطب هو عدم ترتب فائدة على هذا النزاع من جهة انتفاء الحكم على أي تقدير في نحو هذه الموارد عند

٤٩٨

تحقق الغاية ، كان ذلك من باب المفهوم المصطلح أو غيره ، وهو واضح.

مفهوم الوصف

ومن المفاهيم مفهوم الوصف حيث اختلف فيه كلماتهم في ثبوت المفهوم وعدمه ، والظاهر هو اختصاص النزاع بالوصف الأخص من موصوفه بحيث كان قابلا للافتراق من طرف الموصوف ، كالعلم والعدالة والفسق ونحو ذلك ، دون الوصف المساوي والأعم ، كما هو واضح ، وعلى كل حال فالظاهر هو عدم ثبوت المفهوم لنحو هذه القضايا الوصفية بحسب طبعها ما لم يكن في البين قرينة عليه من حال أو مقال ، إذ لا دلالة للقضية بطبعها على كون الحكم المعلق على الوصف هو السنخ كي يقتضي انتفائه عند انتفاء القيد ، بل وانما غايتها الدلالة على مجرد ثبوت الحكم للمقيد بنحو الطبيعة المهملة الغير المنافي لثبوت فرد آخر مثله في غير مورد القيد ، كما كان ذلك هو الشأن أيضا في القضايا اللقبية حيث لا فرق بينهما من هذه الجهة الا من جهة كون الموضوع في القضايا الوصفية عبارة عن امر خاص مقيد بقيد خاص.

واما ما ذكرنا من قضية الاطلاق في الحكم المثبت لانحصاره في شخص الفرد المنشأ في الشرط والغاية فغير جار في المقام ، من جهة القطع بعدم اطلاقه كك في المقام وفى القضايا اللقبية ، إذ من الممتنع حينئذ اطلاق الحكم في قوله : يجب اكرام زيد أو زيد القائم ، بنحو يشمل جميع افراد وجوب الاكرام حتى الثابت لعمرو ، ومع امتناع اطلاقه كك ثبوتا لا مجال لكشفه اثباتا ، وهذا بخلافه في الشرط والغاية ، فان اطلاق الحكم فيهما انما هو بحسب الحالات دون الافراد ، فإذا اقتضى قضية الاطلاق في الحكم ثبوت ذلك الحكم الشخصي للموضوع في جميع الحالات من القيام والقعود والمجيء ونحوه وأنيط ذلك الحكم أيضا بالشرط أو الغاية ، فقهرا يلزمه عقلا انتفائه بانتفاء المنوط به شرطا أو غاية ، وهذا بخلافه في القضايا الوصفية واللقبية ، حيث إنه بعد اخذ الوصف قيدا في الموضوع لا مجال للاطلاق الحالي للحكم ، فلابد حينئذ وأن يكون السنخ والاطلاق فيه بلحاظ الافراد ، فإذا فرض حينئذ امتناع اطلاقه من هذه الجهة ، فلا جرم لايبقى مجال لدعوى دلالة القضية الوصفية على المفهوم والانتفاء عند الانتفاء ، بل لابد حينئذ في اثباته من قيام قرينة خارجية عليه.

٤٩٩

من حال أو مقال تقتضي كونه في مقام التحديد ومقام حصر الحكم ، والا فلو كنا نحن ونفس القضية الوصفية لايكاد اقتضائها بحسب طبعها الا مجرد ثبوت المحمول للمقيد بنحو الطبيعة المهملة الغير المنافي لثبوت شخص حكم آخر لذات المقيد عند ارتفاع القيد.

واما توهم ان ذلك مقتضي قضية التقيد بالوصف من جهة ظهوره في دخله في اختصاص الحكم بمورده والا يلزم لغوية ذكره في القضية ، فمدفوع بمنع اللغوية ، إذ فائدته حينئذ تضيق دائرة الموضوع في القضية وبيان انه هو الذات المتقيدة بقيد كذائي ، وحينئذ فإذا فرض عدم كون الحكم المحمول في القضية الا بنحو الطبيعة المهملة فلايمكن الحكم بانتفاء الحكم على الاطلاق عند انتفاء القيد وعدم ثبوت شخص حكم آخر مثله للذات. نعم انما كان لهذا الكلام مجال فيما لو كان القيد والوصف بحسب اللب من الجهات التعليلية لثبوت الحكم اللذات ، ولكنه أيضا خلاف ما تقتضيه القضايا الوصفية من الظهور في كون الوصف من الجهات التقييدية الراجعة إلى اخذ التقيد بها في ناحية موضوع الحكم.

لايقال : انه وان كان الامر كك الا ان إناطة الحكم وتعليقه بالوصف الذي هو امر عرضي في نحو قوله : أكرم زيد العادل ، دون ذات الموصوف ودخل العنوان العرضي في موضوع الحكم تكشف عن أن ما له الدخل في ترتب الحكم على الذات انما هو ذلك العنوان العرضي ، ولازم ذلك لا محالة هو انتفاء سنخ الحكم المحمول في القضية عند انتفاء الوصف ، والا فلو فرض ثبوت شخص حكم آخر مثله للذات في مورد فقد الوصف يلزمه ان يكون ما له الدخل في ترتب الحكم هو ذات الموصوف ، وفي مثله يلزم لغوية ذكر القيد ،

فإنه يقال : بأنه لو تم هذا التقريب فإنما هو في نحو المثال المزبور حيث إنه بعد عدم مناسبة حكم وجوب الاكرام لعنوان الفسق يتوجه الكلام بأنه لولا دخل الوصف في اختصاص الحكم بمورده يلزم ان يكون المقتضي لثبوته هو ذات الموصوف ، من جهة فرض عدم مناسبة الحكم بوجوب الاكرام لعنوان فسقه ، فيتجه حينئذ دعوى عدم صحة الاستناد إلى العنوان العرضي ، كما هو الشأن أيضا في آية النبأ حيث أمكن بالتقريب المزبور استفادة المفهوم من جهة الوصف نظراً إلى ما تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع من اختصاص وجوب التبين بالنبأ المضاف إلى الفاسق وعدم ملائمته مع عدالة الراوي ، لا مطلقا حتى فيما لايكون كك مما كان الوصف من قبيل القيام والقعود ونحوهما كما في قوله : أكرم زيداً

٥٠٠