نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

في المقام في اثبات الصحة برفع المشكوك المانعية ، من جهة استلزامه لوجوب الوفاء الذي هو خلاف الامتنان في حقه. لايقال : ان ذلك كك في مثل دليل الرفع ونحوه مما كان مسوقا في مقا الامتنان لا في مثل دليل الحلية مما لايكون كك وحينئذ لولا دعوى اختصاصه بالحلية التكليفية لا بأس بدعوى جريانه واقتضائه لنفوذ المعاملة باجرائه في نفس المعاملة حيث إنه باقتران المعاملة بمشكوك المانعية والمخلية يشك في حليتها وضعا ونفوذها في النقل والانتقال فبدليل الحلية يثبت كونها حلالا وضعا ومؤثرا في النقل والانتقال ، فإنه يقال : نعم ولكنه من جهة اختصاصه بخصوص الحلية التكليفية غير جار في المعاملات حتى يقتضي صحة المعاملة ونفوذها ، ومن ذلك أيضا لم يتوهم أحد من الأصحاب جريان هذه الأدلة في أبواب المعاملات لاثبات الصحة فيها ، بل ومع الشك اطبقوا على جريان أصالة الفساد ومن المعلوم انه لايكون ذلك الا من جهة اختصاصه بالحلية التكليفية ، كما هو واضح.

هذا كله حسب ما تقتضيه القواعد ، ولقد عرفت عدم اقتضاء النهى المولوي التحريمي للفساد مطلقا ، سواء بين تعلقه بالمسبب أو السبب أو بالتسبب به إلى المسبب ، وان المقتضى له انما هو النهى الارشادي.

واما حسب النصوص الخاصة فقد يقال : بدلالتها على ملازمة النهى للفساد كالخبر المروي في الكافي والفقيه عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : سئلته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال : عليه‌السلام ذاك إلى سيده ، ان شاء اجازه وان شاء فرق بينهما ، قلت : أصلحك الله ان الحكم بن عيينة ( عتيبة ) وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : ان أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له ، فقال عليه‌السلام : انه لم يعص الله سبحانه وانما عصى سيده ، فإذا إجازة فهو له جائز (١) بتقريب دلالة الرواية على أن النكاح لم يكن مما حرمه الله حتى يقع فاسدا ولا يصلحه إجازة السيد ، فتدل حينئذ على ملازمة النهى والمولوي للفساد في المعاملات ،

ولكن فيه ان الظاهر من المعصية المنفية بقرينة المقابلة انما هو عدم كونه مما لم يمضه الله ولم يشرعه له كما كان ذلك هو المراد أيضا من معصية السيد حيث أريد منها عدم إجازة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ، ج ١٤ ص ٥٢٣ الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١. والكافي ج ٥ ص ٤٧٨ الحديث ٣.

٤٦١

السيد له وعدم اعطائه السلطنة في النكاح في قبال اذنه بذلك ، فان مقتضي المولوية والعبدية هو عدم نفوذ تصرفات العبد في شيء الا بإجازة واذن من سيده ومولاه ، فكان المراد حينئذ من قوله عليه‌السلام : انه لم يعص الله سبحانه الخ ، هو ان النكاح ليس مما لم يشرعه الله في حقه بحسب أصل الشرع حتى يقع باطلا وانما كان عدم التشريع والامضاء من قبل سيده فإذا جاز ونحن نقول أيضا باستتباع مثل هذا النحو من المعصية للفساد بلا مجال لانكاره من أحد.

ومما يؤيد ذلك بل يشهد عليه أيضا من عدم كون المراد من المعصية هو مخالفة النهى التحريمي قضية عدم انفكاك معصية السيد عن معصية الله من حيث وجوب اطاعته على العبد شرعا وجوبا تكليفيا كما في إطاعة الوالد ، فإنه لولا ما ذكرنا كان اللازم في المقام هو فساد النكاح المزبور مع أنه خلاف ما تضمنه الرواية من الحكم بالصحة. ومن هذه الجهة أيضا استدل بعضهم بهذه الرواية على عدم دلالة النهى التحريمي على الفساد بتقريب ما عرفت من الملازمة بين معصية السيد وبين معصية الله ، وان كان لا يخلو ذلك أيضا عن اشكال ، لامكان دعوى ان صحة النكاح ونفوذه بعد إجازة السيد انما هو من جهة ارتفاع معصية الله حسب تبعيتها لمعصية سيده عنه إجازة السيد له ، والا فقبل إجازة السيد له بمقتضى كونه عصيانا للنهي التكليفي لايكون النكاح صحيحا فعليا ومؤثرا في تحقق علقة الزوجية بل وانما غايته حينئذ كونه صحيحا شأنيا ، وعليه فلا مجال للاستدلال بهذه الرواية على عدم دلالة النهى التحريمي على الفساد هذا.

ولئن قيل بان المقصود من اقتضاء النهى التكليفي للفساد وعدم صحة المعاملة انما هو فسادها وعدم صحتها ولو شأنا وحينئذ فبمقتضى الملازمة بين معصية السيد وبين معصية الله تكليفا تكون الرواية لا محالة حسب تضمنها للصحة دالة على عدم اقتضاء النهى التكليفي للفساد ، ومن ذلك لابد وأن يكون المراد من عصيان الله الموجب لفساد النكاح بعد عدم انفكاك معصية السيد عن معصية الله تبارك وتعالى هو العصيان الوضعي دون العصيان التكليفي ، نقول : بأنه كك إذا كان العصيان المتحقق في الفرض راجعا إليه سبحانه من جهة كونه مخالفة لتكليف من تكاليفه بحيث يستحق العقوبة من قبله ، وليس الامر كك بل العصيان في المقام انما هو راجع إلى مخالفته لمقتضي حق المولوية المجعول من قبله سبحانه لسيده ، من جهة ان مقتضي المولوية هو عدم جواز تصرف العبد في شيء الا

٤٦٢

باذنه ورضاه ، فلايكون مثل هذا العصيان حينئذ راجعا سبحانه كعصيانه لتكاليفه كالصلاة والصوم ونحوهما ، حتى يوجب استحقاق العقوبة ويوجب فساد المعاملة. وحينئذ فلو ادعى أحد اقتضاء النهى المولوي التحريمي لفساد المعاملة لا مجال للاستدلال بالرواية المزبورة في القبال على عدم دلالة النهى التكليفي للفساد كما لايخفى ، فتأمل. نعم كما لا دلالة لها على عدم اقتضاء النهى للفساد لا دلالة لها أيضا على اقتضائه للفساد من جهة ما عرفت من ظهورها في إرادة العصيان الوضعي بمعنى عدم المشروعية ، فتدبر.

ومن الاخبار التي استدل بها للفساد رواية ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشيء ، من خالف كتاب الله عز وجل رد إلى كتاب الله عز وجل (١) ، وبمضمونه أيضا روايات كثيرة (٢) ولكن الجواب عنها يظهر مما سبق حيث إن مخالفة الطلاق ثلاثا في مجلس واحد لكتاب الله والسنة انما هي من جهة كونه مما ردع الله عنه ولم يشرعه في كتابه ، ونحن نقول بالفساد فيما كان من هذا القبيل.

ثم إن المحكي عن أبي حنيفة والشيباني انما هو دلالة النهى التكليفي على الصحة ، وقد حكى عن الفخر موافقتهما في ذلك.

وهو كك في المعاملات فيما لو كان النهى عنها بلحاظ الآثار ، من جهة وضوح اعتبار القدرة على المتعلق في النهى كما في الامر ، فإذا كانت المعاملة فاسدة من جهة النهى يلزم عدم كونها مقدورا للمكلف ، ومعه لايكاد يصح توجيه النهى إليه عن ايجادها وحينئذ فوجود النهى عن المعاملة بالفرض يقتضي كونها مقدورة له ، ومقدوريتها له تقضي صحتها وهو المطلوب ، هذا إذا كان النهى عن المعاملة بلحاظ المسبب أو بلحاظ التسبب بها إليه ، واما لو كان النهى عنها بلحاظ السبب فهو غير مقتض لصحتها وترتب الآثار عليها إذ لا يلزم من مجرد مقدورية السبب ترتب الأثر عليه ، كما هو واضح.

واما في العبادات فما كان منها عبادة ذاتية كالركوع والسجود ونحوهما من الأمور الموضوعة لان تكون آلات للخضوع فكذلك أيضا فإنها كانت مقدورة وكانت مع النهى باقية على وصفها العبادي ، فيتمكن من الاتيان بها صحيحة مع النهى ، حيث كان صحتها عبارة أخرى عن تحقق ذواتها ، نعم غاية ما هناك هو عدم وقوعها مقربة له من جهة

__________________

١ و ٢ ـ الوسائل ، ج ١٥ ص ٣١٣ ، الباب ٢٩ من مقدمات الطلاق الحديث ٨ و ...

٤٦٣

احتياج مثل هذا النحو من العبادة في مقربيتها إلى عدم كونها مبغوضة للمعبود له. واما ما كان منها عبادة من جهة قصد القربة المتوقفة عباديتها على الامر بها أو رجحانها فلا يلزم من النهى عنها صحتها ، بل في مثله يستحيل تعلق النهى بها يوصف كونها عبادة فعلا ، فالنهي حينئذ انما يكون متعلقا بذات الشيء بما له من الاجزاء والشرائط غير الوصف الناشي من قبل الامر به نعم لو أريد من الصحة حينئذ الصحة التي يدعيها القائل بالوضع للصحيح : من كون الشيء واجدا لجميع الاجزاء والشرائط وكونه وافيا بالغرض على تقدير الامر به ، لكان لدعواه كمال مجال ، ولكنه لا ينتج ما هو المطلوب من الصحة الفعلية ، كما هو واضح.

بقى الكلام في النهى التشريعي ، في أنه هل يوجب فساد العبادة أو المعاملة أم لا؟ ولتوضيح المرام ينبغي بيان حقيقة التشريع في الاحكام فنقول : ان حقيقة التشريع بعد أن كانت من سنخ البناء القلبي الذي هو من أفعال الجوانح دون الفعل الخارجي الذي هو من أفعال الجوارح فتارة في مقام التشريع يبنى الانسان على وجوب الشيء أو حرمته لكن لا بما انه من الدين ، نظير القوانين المجعولة من طرف السلطان بين الرعية وأخرى يبنى على وجوب شيء أو حرمته في الدين بما انه مشرع ، وذلك بان يدعى نفسه شارعا كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم في مقام شارعيته يجعل الشيء الفلاني واجبا أو حراما أو غير ذلك ، وثالثة يبني على وجوب شيء أو حرمته في الدين بما انه هو الحكم المنزل من الله سبحانه بتوسيط رسوله من دون ادعائه الشارعية لنفسه ، وعلى التقادير تارة يخبر أو يعمل على طبق تشريعه ، وأخرى لا يخبر ولا يفتى بذلك ولا كان له عمل على طبق ما شرعه ، كما لو كان تشريعه في حكم عمل غيره الذي هو أجنبي عنه ، ثم على التقدير الأخير تارة يكون تشريعه في أصل الحكم الشرعي وأخرى في تطبيقه على المصداق الخارجي ، فهذه صور متصورة في التشريع.

وبعد ذلك نقول : اما القسم الأول فلا مجال لدعوى كونه قبيحا عقلا ومحرما شرعا فان مجرد البناء والالتزام على وجوب شيء لا بما انه من الدين والشرع لايقتضي كونه قبيحا عقلا ومحرما شرعا بوجه أصلا وان كان قد عمل على طبق ما شرعه فضلا عما لو لم يكن له عمل على طبقه.

واما القسم الثاني فكذلك أيضا من حيث تشريعه وبنائه على وجوب شيء أو حرمته

٤٦٤

نعم انما يكون المحرم في هذا القسم هو حيث ادعائه الشارعية لنفسه ، حيث إنه من أكبر المعاصي وكان العقل أيضا مستقلا بقبحه.

كما أنه لاينبغي الاشكال أيضا في قبح القسم الثالث وحرمته إذ كان فضوليا في امر المولى وكان اخباره بذلك أيضا افتراء عليه. نعم يبقى الكلام حينئذ في أن حكم العقل بالقبح في المقام هل هو بنحو يستتبع حكمه أيضا باستحقاق العقوبة كما في حكمه بقبح المعصية لكونها ظلما على المولى. حتى لايكون المورد قابلا للحكم المولوي الشرعي ، أو انه بنحو لا يستتبع للحكم باستحقاق العقوبة كما في حكمه بقبح الظلم حتى يكون المورد قابلا للحكم المولوي الشرعي وكان المجال أيضا لاستكشاف الحكم الشرعي بقاعدة الملازمة بناء على تماميتها؟ وفي مثله لايبعد دعوى كونه من قبيل الثاني إذ نقول : بان التشريع وان كان نحو ظلم على المولى لكونه تصرفا في سلطانه بحيث يستقل العقل بقبحه ، الا انه لايكون بمثابة يستتبع الحكم باستحقاق العقوبة كما في العصيان ، بل هو من هذه الجهة نظير الظلم على النفس الذي يحكم العقل فيه بالقبح من دون حكمه باستحقاق العقوبة عليه ، وعليه فكان كمال المجال لدعوى كونه محكوما بالحرمة المولوية الشرعية بمقتضي الملازمة ، ولكن حيث إن روح التشريع وحقيقته من سنخ البناء آت القلبية من غير دخل فيه للاخبار أو الفتوى على طبقه بل ولا للفعل الخارجي الجوارحي ، بشهادة تعلق التشريع بحكم فعل الغير كالتشريع في ايجاب الصلاة والصوم على الحائض والنفساء ، فلا جرم ما هو المحرم بالحرمة التشريعية أيضا لايكون الا نفس البناء القلبي الذي هو من فعل الجوانح دون العمل الخارجي أو الافتاء بشيء ، كما هو واضح.

وحينئذ فما أفيد من حرمة الافتاء والعمل الخارجي بالحرمة التشريعية أيضا بتخيل ان التشريع عبارة عن الفعل الصادر عن البناء المزبور كان الفعل هو الافتاء بشيء أو العمل الخارجي دون نفس البناء القلبي مجردا عن العمل والافتاء ودون الفعل الخارجي مجردا عن كون نشوه عن البناء المزبور ، وان الفعل الناشي عن البناء القلبي هو مصداق التشريع المحرم ، منظور فيه ، لما عرفت من أن روح التشريع وحقيقته ليس الا عبارة عن نفس البناء القلبي ، وان العمل والافتاء كالاخبار به خارج عن حقيقة التشريع ، حيث كان مرجع الافتاء إلى كونه اظهارا وابرازا لذلك البناء القلبي كالاخبار ، ومرجع العمل إلى كونه امتثالا لما شرعه بحسب بنائه على الوجوب أو الحرمة ،

٤٦٥

وعليه فلايكاد يوجب حرمة التشريع حرمة الافتاء والعمل الخارجي الجوانحي ، حتى يوجب فساده إذا كان عبارة ، ولو مع فرض انكشاف مشروعية المأتي به واقعا وتبين كون ما بنى على وجوبه أو جزئيته باعتقاد حرمته وما نعيته واجبا شرعا وجزء للمأمور به واقعا وفرض كون تشريعه في تطبيق المأمور به على المصداق لا في مقام الامر الشرعي.

ومن ذلك البيان ظهر أيضا بطلان ما أفيد بان ذات العمل وان لم يكن قبيحا ومبغوضا حينئذ الا انه من حيث صدوره من المكلف كان قبيحا ومبغوضا ، ومعه لايكون قابلا للتقرب به ، وجه البطلان يظهر ما سبق من كون المحرم هو البناء القلبي الذي هو من فعل الجوانح وخروج العمل بقول مطلق عن موضوع التشريع المحرم ، كيف ومع الغض عن ذلك نقول : بان ما هو القبيح حينئذ انما كان حيث إضافة العمل إلى الفاعل دون نفسه ، وفي مثله لا بأس بالتقرب بذات العمل بعد فرض كونه راجحا واقعا وكون تشريعه أيضا في تطبيق ما هو المأمور به على المصداق الخارجي لا في ناحية الامر الشرعي فتأمل ، وعلى فرض سراية القبح والمبغوضية إلى ذات العمل ولو بدعوى اتحاد الوجود والايجاد وكون الاختلاف بينهما بالاعتبار ، نقول انه وان كان يلزمه حينئذ فساد العبادة ، لكن يلزمه أيضا المصير إلى الفساد في المعاملة أيضا بناء على ما سلكه القائل المزبور من اقتضاء النهى عن المعاملة لفسادها ، من جهة اقتضاء النهى لخروج المعاملة عن حيطة قدرة المكلف وسلطانه ، إذ حينئذ بمقتضي هذا النهى التشريعي يخرج العمل عن حيطة قدرته وسلطانه بنحو كان له الفعل والترك ، ومع خروجه عن حيطة قدرته وكونه أجنبيا عنه لا جرم يبطل المعاملة ، فلايصح حينئذ التفكيك بين العبادات والمعاملات في اقتضاء النهى التشريعي للفساد ، هكذا افاده الأستاذ دام ظله في بحثه.

ولكن أقول : بان التأمل في كلمات القائل المزبور يقتضي عدم ورود هذا الاشكال عليه حيث إنه قدس‌سره انما يدعى خروج النقل أو العمل عن حيطة قدرة المكلف وسلطانه بالنهي أو الامر فيما لو كان النهى أو الامر متعلقا بالشيء بمعناه الاسم المصدري لا مطلقا ولو كان المنهى عنه هو الشيء بمعناه المصدري ، وعليه فإذا كان المنهى عنه في المقام على ما صرح به في التقرير حيث إضافة اصدار العمل من المكلف بهذا العنوان لا نفس الصادر فلايكون فيه جهة مبغوضية أصلا ، فلا جرم يلزمه الالتزام بعد الفساد في المعاملة ، واما التزامه بالفساد في العبادات فإنما هو من جهة اعتباره في

٤٦٦

صحة العبادة رجحان العمل في نفسه وعدم اتصافه بالقبح الفاعلي ، فحيث ان الفعل المشرع به في المقام يصدر عنه مبغوضا وقبيحا بالقبح الفاعلي ولم يكن قابلا للتقرب من هذه الجهة التزم فيها بالفساد ، هذا.

ولكن الذي يهون الامر هو فساد أصل هذا المبني لما تقدم من أن ما هو القبيح والمبغوض انما كان هو البناء القلبي لأنه حقيقة التشريع ، وروحه وان الافتاء وكذا العمل على طبق هذا البناء فخارج عن حقيقة التشريع ، وفي مثله لايكاد سراية الحرمة والمبغوضية منه إلى نفس العمل بوجه أصلا ، ولو بحيث إضافة اصداره من الفاعل. وعلى ذلك نقول : بأنه لو شرع وبنى على وجوب شيء أو جزئيته أو شرطيته في العبادة جهلا أو معتقدا بالخلاف ، وعمل أيضا على طبق ما شرع جزء أو شرطا أو مانعا ، فتبين بعد ، كون المشرع به مطابقا للواقع بحيث لم يقع منه اخلال في عمله بما هو الواجب والمأمور به في حقه ، فلا جرم تصح عبادته ما لم يكن هناك اخلال بالقربة من جهة الامر ، بان كان تمام داعيه على الاتيان هو الامر الشرعي الحقيقي وكان تشريعه ممحضا في تطبيق المأمور به على المأتي ، والا فتبطل من جهة اخلال بالتقرب ، هذا ذا تبين كون العمل المشرع به مطابقا للواقع.

واما تبين الخلاف ففيه صور : فعلى فرض مانعية الجزء أو الشرط المشرع به في الواقع فلا محالة تبطل العبادة لمكان ايجاد المانع فيها ، كما أنه كك أيضا فيما لو بنى على مانعية شيء للصلاة ولم يأت به فتبين كونه جزء أو شرطا في الواقع فإنه تبطل العبادة في هذا الفرض أيضا لمكان النقيصة ، واما على فرض عدم جزئية ما بنى على جزئيته أو شرطيته واقعا فيبنى البطلان وعدمه على مبطلية الزيادة.

وعلى أي حال فمجرد التشريع في العبادة لايقتضي البطلان ، بل الفساد والبطلان لابد وأن يكون من جهة أخرى كمحذور الزيادة أو النقيصة أو غير ذلك ، هذا في العبادات ، وهكذا في المعاملات فيدور الفساد فيها مدار الاخلال خارجا بما هو المعتبر فيها شرطا أو شطرا أو مانعا ، وهو واضح.

٤٦٧

المقصد الثالث في المفاهيم

اعلم أنه قد عرف المفهوم بتعاريف : منها انه ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق باعتبار كونه مدلولا التزاميا للفظ ، ولتنقيح المقال لابد من بيان ما لللازم من الأقسام كي به يتضح ما هو المراد منها من المفهوم المصطلح في المقام فنقول : ان اللزوم على مراتب وأقسام : منها ان تكون الملازمة بين الامرين بمرتبة من الخفاء ، بحيث يحتاج الانتقال إلى اللازم إلى الالتفات التفصيلي بأصل الملازمة بينهما كي ينتقل الذهن بعده إلى اللازم ، وبعبارة أخرى كانت الملازمة في الخفاء بنحو تحتاج في الانتقال إليها إلى تدقيق النظر ، ومن ذلك جميع ما يصدر من أرباب العلوم من الاشكالات العلمية في اخذ بعضهم بعضا بما يقتضيه لازم كلامه من التوالي الفاسدة ، حيث إنه لولا خفاء الملازمة على صاحب الكلام لما يصدر منه ما يلزم من التوالي الفاسدة من كذا وكذا. ومنها ان تكون الملازمة واضحة في الجملة بنحو يكفي في الانتقال إلى اللازم مجرد تصور الملزوم والملازمة ، من دون احتياج إلى دقيق النظر في أصل الانتقال إلى الملازمة ، ومن ذلك دلالة الآيتين على كون أقل الحمل ستة أشهر. ومنها ان تكون الملازمة في الوضوح بمثابة كانت ارتكازية ومألوفة في الأذهان ، بحيث يكفي في الانتقال إلى اللازم مجرد تصور الملزوم بلا احتياج إلى الالتفات بالملازمة تفصيلا أم اجمالا ، ومن ذلك أكثر الكنايات كالحاتم والجود ، وانو شيروان والعدالة ، ونحو ذلك ، فهذه اقسام ومراتب للزوم ، ولئن شئت فعبر عن الأول باللزوم الغير البين ، وعن الثاني بالبين بالمعنى الأعم ، وعن الثالث بالبين بالمعنى الأخص.

٤٦٨

وبعد ذلك نقول : ان التعريف المزبور وان كان يشمل جميع الأقسام المزبورة ، حيث ينطبق على الجميع التعريف المزبور بأنه ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق ، الا انه نقول بان المراد من المفهوم المصطلح في المقام ما هو من قبيل القسم الأخير الذي كانت الملازمة في غاية الوضوح بنحو يكفي في الانتقال إلى اللازم مجرد تصور الملزوم من دون احتياج في الانتقال إليه إلى الانتقال إلى الملازمة بينهما والالتفات إليها تفصيلا أو اجمالا ، لا مطلق ما يلازم الشيء ويستتبعه ، وعليه فيخرج من المفهوم المصطلح ما يكون من قبيل الأولين كالآيتين ونحوهما مما لم يكن اللزوم فيه من البين الأخص ، بحيث يحتاج في الانتقال إليه إلى الالتفات بالملازمة تفصيلا أم اجمالا ولايكفيه مجرد تصور الملزوم.

نعم على ذلك يدخل في التعريف المزبور باب الكنايات كالحاتم والجود ونحوه مما كان اللزوم فيه من البين الأخص ومع ذلك لايكون من المفهوم المصطلح ، فمن ذلك عرفوه بوجه آخر ، تارة بأنه حكم لغير مذكور ، وأخرى بأنه حكم غير مذكور لازم لحكم مذكور ، حيث إن الغرض من العدول إلى هذا التعريف انما هو اخراج المفردات كالحاتم والجود ، وتخصيص المفهوم المصطلح بالقضايا وان كان الأولى حينئذ تعريفه بأنه قضية غير مذكورة اما بحكمها أو بموضوعها لازمة لقضية مذكورة ، ووجه أولوية ذلك سلامته عما أورد على التعريفين المزبورين ، حيث أورد على الأول بلزوم خروج مفهوم الشرط الذي هو من اجل المفاهيم عن التعريف ، نظراً إلى كون الموضوع فيه مذكورا ، في القضية اللفظية حيث كان الموضوع في طرف المفهوم في قوله ( ان جائك زيد فأكرمه ) هو زيد المذكور في القضية ، وعلى الثاني بلزوم خروج مفهوم الموافقة في نحو قوله ( لا تهن عبد زيد ) الدال على حرمة إهانة زيد بالأولوية ، وهذا بخلافه على ما ذكرنا من التعريف حيث إن فيه جمعا بين الجهات.

وعلى أي حال فيعتبر في المفهوم المصطلح ان يكون الحكم المعلق في القضية اللفظية هو سنخ الحكم والطبيعة المطلقة دون شخص الحكم ، والا فيخرج عن المفهوم المصطلح المتنازع فيه ، ومن ذلك أيضا بنوا على خروج القضايا المتكفلة لاثبات شخص الحكم عن حريم النزاع ، معللين بان انتفاء شخص الحكم المذكور في القضية عند انتفاء بعض القيود المعتبرة فيه يكون عقليا ، فلا مجال للنزاع فيها في ثبوت المفهوم وعدمه ، كما لايخفى.

ومن هذا البيان ظهر أيضا ان مركز التشاجر والنزاع في المقام في ثبوت المفهوم وعدمه

٤٦٩

لابد وأن يكون ممحضا في ناحية عقد الحمل في القضية ، في أن الحكم المنشأ في القضية الشرطية أو الوصفية أو غيرهما هل هو سنخ الحكم والطبيعة المطلقة منه كي يلزمه انتفائه رأسا عن غير مورد وجود القيد أو انه شخص الحكم أو الطبيعة المهملة كي لاينافي ثبوت شخص حكم آخر في غير مورد وجود القيد؟ فكان القائل بثبوت المفهوم للقضية يدعى ان الحكم المعلق في القضية اللفظية هو سنخ الحكم والطبيعة المطلقة والقائل بعدم المفهوم يدعى خلافه وانه لا يدل عقد الحمل في القضية الا على الطبيعة المهملة ، مع تسالم الفريقين في ظهور عقد الوضع في القضايا ـ اسمية كانت أم فعلية أو غيرهما في كون القيود المأخوذة فيها بخصوصياتها دخيلة في ترتب الحكم كما هو ديدنهم في كلية العناوين المأخوذة في الخطابات ، حيث كان بنائهم على دخلها بخصوصياتها في ترتب الحكم لا بما أنها مرآة إلى امر آخر ، ولا بما انها مصداق للجامع بينها وبين غيرها.

لا انه كان مورد النزاع في ناحية عقد الوضع كما يظهر من الكفاية (١) وغيرها ، من جعل مركز التشاجر في ناحية عقد الوضع في القضية حيث قال : بان من يقول بالمفهوم في مثل الجملة الشرطية لابد له من اثبات دلالة الجملة الشرطية على ترتب الجزاء على الشرط بنحو ترتب المعلول على علته المنحصرة واما القائل بعدم المفهوم فهو في فسحة من ذلك ، لان له منع دلالتها على اللزوم تارة بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق ، ومنع دلالتها على الترتب أو على نحو الترتب على العلة ثانيا ، أو على العلة المنحصرة ثالثا ، بعد تسليم اللزوم والعلية.

وذلك لما عرفت من أن ظهور القضايا في مدخلية العنوان المأخوذ فيها لترتب الحكم بخصوصيته مما لايكاد ينكر عند أحد منهم أصلا ، فلايمكن ان يكون النزاع بينهم حينئذ في المقام في ناحية عقد الوضع في الدلالة على العلية أو بنحو الانحصار ، بل لابد وأن يكون النزاع ممحضا في المقام في ناحية عقد الحمل خاصة كيف وانه لولا مفروغية الظهور المزبور عندهم لما كان وجه لفهمهم التنافي عند احراز وحدة المطلوب بين قوله : أعتق رقبة ، وبين قوله : أعتق رقبة مؤمنة ، وحملهم المطلق على المقيد ، وذلك من جهة امكان ان يكون موضوع الحكم بوجوب العتق حينئذ هو مطلق الرقبة الجامع بين المؤمنة وغيرها وان ذكر الايمان

__________________

١ ـ ج ١ ص ٣٠٢.

٤٧٠

من جهة كونه أحد المصاديق أو أفضلها ، وحينئذ فنفس فهمهم التنافي بينهما في المثال شاهد ما بيناه من التسالم في ظهور عقد الوضع في القضايا كلية على أن العنوان المأخوذ فيها مما له الدخل بخصوصيته الشخصية في ترتب الحكم ، إذ حينئذ بعد ظهور دليل المقيد في دخل الايمان بخصوصيته في وجوب العتق واحراز وحدة المطلوب ولو من الخارج ، يقع بينهما التعارض فيحتاج إلى حمل المطلق منهما على المقيد ، وهكذا في قوله : أكرم زيدا ، وقوله : أكرم عمرا ، حيث إنه مع العلم بوحدة المطلوب يقع بينهما التعارض ، ومعلوم انه لايكون له وجه الا ظهور كل من الدليلين في مدخلية خصوصية العنوان ، وان كل عنوان بخصوصيته تمام الموضوع للحكم ، لا بما انه مصداق للجامع وان الواجب انما هو اكرام الانسان ، وعلى ذلك نقول : بأنه بعد تسلم هذا الظهور في عقد الوضع في كلية القضايا فلا جرم لايبقى مجال النزاع في المقام في المفهوم وعدمه الا في طرف عقد الحمل في القضية ، في أنه هل هو السنخ والطبيعة المطلقة أو الشخص والطبيعة المهملة؟ فمع احراز كون المحمول هو الحكم السنخي فلا جرم بمقتضى الظهور المزبور في عقد الوضع في دخل الخصوصية يستفاد انتفاء الحكم بانتفاء الخصوصية.

ومما يشهد لما ذكرنا أيضا تصريحاتهم كما سيجيء بخروج القضايا المتكفلة لشخص الحكم عن حريم النزاع وعن المفهوم المصطلح ، وتعليلهم لذلك بان انتفاء شخص الحكم بانتفاء موضوعه أو بعض قيوده عقلي غير قابل للنزاع فيه في البقاء وعدمه. إذ نقول : بأنه لولا الظهور المزبور في دخل الخصوصية لكان من المحتمل ان يكون هناك فرد علة أخرى توجب بقاء ذلك الحكم الشخصي ، بان كان العلة في الحقيقة للحكم الشخصي هو الجامع بينهما وان المذكور في القضية أحد فردي الجامع ، ومن المعلوم انه مع تطرق هذا الاحتمال لا مجال لجعل الانتفاء فيه عقليا عند الانتفاء الا بتسلم الظهور المزبور في عقد الوضع.

وعليه نقول : بأنه إذا كان ذلك يوجب انتفاء الحكم الشخصي عند الانتفاء فليكن الامر كك في الحكم السنخي أيضا ، فمع احراز الحكم السنخي فقهرا بمقتضي الظهور المزبور في دخل الخصوصية يلزمه عقلا انتفاء الحكم بانتفاء الخصوصية من دون احتياج إلى اثبات العلية المنحصرة ، واما توهم عدم كفاية هذا المقدار في الحكم بانتفاء الحكم السنخي لولا اثبات انحصار العلة ، بدعوى انه بدونه يحتمل ان يكون هناك علة أخرى توجب شخصا آخر من الحكم مثله ، ومعه فلايمكن الحكم بانتفاء السنخ بهذا المقدار الا

٤٧١

باثبات انحصار العلة ، فمدفوع بان ذلك كك فيما لو كان الحكم المحمول في القضية بنحو الطبيعة المهملة والا ففي فرض كونه بنحو الطبيعة المطلقة فلا جرم لا يفرق بينهما بل توجب قضية الظهور المزبور حينئذ في دخل الخصوصية لزوم انتفاء الحكم السنخي عند انتفاء الخصوصية.

وعلى ذلك فلا محيص حينئذ من صرف النزاع في المقام في ثبوت المفهوم وعدمه عن عقد الوضع في القضية وارجاعه إلى طرف عقد الحمل ، بان المحمول هو الطبيعة المهملة حتى لايلزمه الانتفاء عند الانتفاء أو هو السنخ والطبيعة المطلقة حتى يلزم الانتفاء عند الانتفاء؟ من دون احتياج إلى اثبات العلية المنحصرة.

ومن ذلك نقول : بأنه لابد للقائل بالمفهوم في كل قضية شرطية أو وصفية أو غائية أو غيرها من اثبات كون المحمول في تلك القضية هو السنخ ، اما من جهة دلالة القضية عليه ولو بالاطلاق أو من جهة القرائن الخارجية ، كي يستفاد المفهوم بضم ظهور عقد الوضع في القضية في دخل الخصوصية ، والا فبدون اثبات هذه الجهة لايكاد يصح له الاخذ بالمفهوم والحكم بالانتفاء عند الانتفاء ولو مع اثباته انحصار العلة ، هذا.

ولكن أقول : بأنه لايخفى عليك ان مجرد ظهور عقد الوضع في دخل العنوان بخصوصيته في ترتب الحكم السنخي غير مجد أيضا في استفادة الانتفاء عند الانتفاء الا بضم قضية اطلاق ترتب الحكم والجزء عليه في الترتب عليه بالخصوص بنحو الاستقلال ، والا فبدونه يحتمل ان يكون هناك علة أخرى تقوم مقامه عند انتفائه ، ومع هذا الاحتمال لايمكن الاخذ بالمفهوم في القضية ، كما هو واضح. وحينئذ فإذا احتجنا إلى قضية اطلاق ترتب الجزاء في الحكم بالانتفاء عند الانتفاء ـ كما اعترف به الأستاذ أيضا نقول بأنه ملازم قهرا مع انحصار العلة فلا يستغني حينئذ في الحكم بانتفاء السنخ عن اثبات انحصار العلة ، كما لايخفى.

ثم اعلم بان السنخ والطبيعة المطلقة تارة يراد به المعنى القابل للانطباق على الافراد المتكثرة ، كالانسان مثلا بالقياس إلى افراده ومصاديقه المتكثرة ، حيث إن اطلاقه انما هو بمعنى قابلية انطباقه وصدقه في الخارج على افراده من زيد وعمرو وبكر وخالد وغير ذلك من الافراد ، وأخرى يراد به ما يقتضي حصر الكلي والطبيعي بفرده ومصداقه الخاص نظير قولك : انما العالم زيد ، مريدا به حصر تلك الطبيعة لزيد وعدم ثبوت مصداق آخر

٤٧٢

لغيره. وإذ عرفت ذلك نقول : ان المراد من السنخ والطبيعة المطلقة في المقام انما هو السنخ بالمعنى الثاني لا هو بالمعنى الأول ، فالمراد هو ان المتكلم في قوله : ان جاء زيد فأكرمه ، مثلا بصدد حصر هذا السنخ من الحكم بفرده الخاص والا فهو باعتبار المعنى الأول غير معقول لأنه من المستحيل اطلاق الحكم في المثال المزبور بنحو يشمل وجوب الاكرام الثابت لعمرو وخالد ، ضرورة ان شخص الحكم الثابت لموضوع غير قابل للثبوت لموضوع آخر ، وهو واضح.

ارشاد في طريق استخراج المفهوم

اعلم أن الحكم إذا كان له إضافات متعددة بالقياس إلى موضوعه وقيده وشرطه وغايته ونحو ذلك ، فطريق استخراج المفهوم من كل جهة شرطا أو وصفا أو غاية انما هو باعتبار لحاظ الحكم سنخا بالإضافة إلى تلك الجهة لا باعتبار لحاظه سنخا على الطلاق ، حيث إنه من الممكن ان يكون المتكلم في مقام تعليق السنخ ومقام الاطلاق بالإضافة إلى قيد ، مع كونه في مقام الاهمال بالقياس إلى قيد آخر ، وعلى ذلك فلو ورد حكم معلق على شرط ، ومرتب على لقب ، ومنوط على وصف ، ومغيى بغاية خاصة ، كقوله : ان جاء زيد راكبا إلى يوم الجمعة يجب اكرامه ، ففي مثله كان لهذا الحكم إضافات متعددة : إضافة إلى شرطه وهو المجيء ، وإضافة باللقب وهو زيد ، وإضافة إلى قيده ووصفه ، وإضافة إلى الغاية الخاصة.

وحينئذ فإذا فرضنا ان المتكلم كان في مقام اطلاق الحكم وإناطته من حيث السنخ بالإضافة إلى كل واحد من الشرط واللقب والوصف والغاية فلا جرم يلزمه استخراج مفاهيم متعددة حسب تعدد الإضافات ، فمن اضافته إلى المجيء يستفاد مفهوم الشرط فيحكم بانتفاء سنخ وجوب الاكرام عن زيد عند عدم المجيء وان كان راكبا ، ومن اضافته إلى موضوعه يستفاد مفهوم اللقب ويحكم بانتفاء سنخ وجوب الاكرام عن غير زيد ولو كان غيره جائيا راكبا إلى يوم الجمعة ، ومن اضافته إلى قيده يستفاد مفهوم الوصف ويحكم بانتفاء سنخ الوجوب عن زيد عند انتفاء الوصف ولو كان جائيا إلى يوم الجمعة ، ومن اضافته إلى الغاية يستفاد مفهوم الغاية ويحكم بانتفاء سنخ وجوب الاكرام عنه عند

٤٧٣

عدم مجيئه إلى يوم الجمعة ، ولو كان جائيا راكبا بعد يوم الجمعة.

وأما إذا لم يكن المتكلم في مقام الاطلاق وإناطة الحكم من حيث السنخ الا بالإضافة إلى بعض تلك القيود ، مع كونه في مقام الاهمال بالإضافة إلى بعضها الآخر ، ففي مثله يلاحظ المفهوم بالقياس إلى ما اعتبر كونه سنخا بالإضافة إليه شرطا أو وصفا أو غاية ، فإذا كان المتكلم في مقام تعليق السنخ بالإضافة إلى المجيء وهو الشرط مثلا كان المستفاد منه هو انتفاء سنخ وجوب الاكرام عن زيد عند انتفاء المجيء ، ولكنه حيث لم يعتبر الحكم من حيث السنخ بالإضافة إلى موضوعه ووصفه وغايته فلاتدل القضية على انتفاء حكم وجوب الاكرام عن غير زيد ولا عنه عند انتفاء وصفه أو غايته ، كي لو ورد دليل على وجوب اكرامه عند انتفاء وصفه أو غايته يقع بينهما التعارض. نعم ذلك الحكم الشخصي ينتفي بانتفاء كل واحد من القيود ، ولكنه غير المفهوم المصطلح ، فان المصطلح من المفهوم انما هو انتفاء سنخ هذا الحكم وعدم ثبوت شخص حكم آخر في غير مورد الوصف والغاية. وعلى كل حال فلابد في طرف المفهوم من حفظ القضية المنطوقية وتجريدها من خصوص ما أنيط به الحكم السنخي دون غيره.

نعم قد يقع الاشكال في أصل تصور الحكم السنخي واستفادته من القضايا وتنقيح المرام في ذلك هو ان الحكم المنشأ في القضايا الشرطية أو غيرها اما ان يكون بمادة الوجوب ، كقوله : ان جاء زيد يجب اكرامه ، واما ان يكون بصيغة الوجوب. فعلى الأول لاينبغي الاشكال في امكان تصور الحكم السنخي بل واستفادته من تلك القضايا. واما الاشكال عليه بان الحكم المنشأ بهذا الانشاء الخاص حينئذ انما كان حكما شخصيا حقيقتا ومن خصوصياته حصوله وتحققه بهذا الانشاء الخاص وتعلقه بالشرط الخاص ، وعليه فلايتصور جهة سنخية للحكم حتى يكون من حيث السنخ معلقا على الشرط أو الوصف ، فيلزمه انتفاء الحكم السنخي عند الانتفاء فمندفع بان مثل هذه الخصوصيات بعد ما كان نشوها من قبل الاستعمال المتأخر عن المعنى والمنشأ ، فلا جرم غير موجب لخصوصية المعنى المنشأ وعليه فكان المعنى المنشأ حينئذ معنى كليا ، وقد علق على الشرط أو الوصف ، وكانت الخصوصيات الناشئة من قبل الاستعمال من لوازم وجوده ، لا انها تكون مأخوذة فيه يصير المعنى لأجلها جزئيا ، كما هو واضح.

واما على الثاني فقد يشكل في أصل استفادة الحكم السنخي من الهيأة ، ومنشأه

٤٧٤

هو الاشكال المعروف في الحروف والهيئات من حيث خصوص الموضوع له فيها ، بتقريب ان الحروف وكذا الهيئات لما كانت غير مستقلة بالمفهومية لكون معانيها من سنخ النسب والارتباطات الذهنية المتقومة بالطرفين ، فلا محالة كانت جزئية وغير قابلة للاطلاق الفردي والصدق على الكثيرين ، ومعه فلايتصور الحكم السنخي في مفاد الهيأة في الصيغة حتى يعلق على الشرط أو الوصف فيترتب عليه الحكم بانتفاء السنخ عند الانتفاء.

بل ومن ذلك قد يشكل أيضا في صحة أصل الإناطة والتعليق وارجاع القيد في القضايا الطلبية إلى الهيأة في نحو قوله : ان جاء زيد فأكرمه ، بدعوى ان صحة الإناطة والتقييد فرع امكان اطلاق الهيأة ، ومع فرض خصوصية المعنى في الحروف والهيئات يستحيل التقييد أيضا ، فمن ذلك لابد من ارجاع تلك القيود في نحو هذه القضايا إلى المادة ، هذا.

ولكن الاشكال الثاني كما ترى واضح الدفع ولو على القول بخصوص الموضوع له في الحروف والهيئات ، وذلك من جهة وضوح ان المقصود من خصوص الموضوع له وجزئية المعنى في الحروف والهيئات انما هو جزئيته باعتبار الخصوصيات الذاتية التي بها امتياز افراد نوع واحد بعضها من بعض ، لا مطلقا حتى بالقياس إلى الحالات والخصوصيات الطارية عليه من اضافته إلى مثل المجيء والقيام والقعود ، فكان المراد من عدم كلية المعنى في الحروف هو عدم كليته من جهة الافراد ، وانها موضوعة لاشخاص الارتباطات الذهنية المتقومة بالمفهومين ، وكونها من قبيل المتكثر المعنى ، ومن المعلوم بداهة ان عدم كلية المعنى في الحروف والهيئات وجزئية الموضوع له فيها من هذه الجهة غير مناف مع اطلاقه بحسب الحالات ، وعليه فكما ان للمتكلم ايقاع النسبة الارسالية في استعمال الهيأة مطلقة وغير منوطة بشيء من مثل المجيء وغيره بقوله أكرم زيدا كك كان له ايقاعها من الأول منوطة بالمجيء ونحوه بقوله ان جاء زيد فأكرمه. ومن ذلك أيضا أوردنا على الشيخ قدس‌سره في مبحث الواجب المشروط وقلنا بان مجرد خصوصية الموضوع له في الحروف والهيئات لايقتضي تعين ارجاع القيود الواقعة في القضايا الشرطية إلى المادة وصرفها عما تقتضيه القواعد العربية من الرجوع إلى الهيأة.

نعم انما كان لهذه الاشكال مجال بناء على مسلك آلية معاني الحروف وجعل الفارق بينها وبين الأسماء من جهة اللحاظ من حيث الآلية والاستقلالية ، كما افاده في الكفاية ،

٤٧٥

حيث إن لازم آلية المعنى فيها حينئذ هو كونه غير ملتفت إليه عند الاستعمال ، من جهة كونه ملحوظا باللحاظ العبوري المرآتي ، ولازم ذلك لا محالة هو امتناع التقييد رأسا ، بلحاظ ان صحة التقييد فرع الالتفات إلى المعنى ، فمع فرض عدم الالتفات إليه عند الاستعمال فلا جرم يمتنع تقييده أيضا ، ولكن عمدة الاشكال على ذلك في أصل هذا المبنى لما ذكرنا فساده في محله وقلنا بان معاني الحروف وكذا الهيئات انما هي من سنخ الارتباطات الذهنية المتقومة بالطرفين وان الفرق بينها وبين الأسماء انما هو من جهة ذات المعنى والملحوظ لا من جهة كيفية اللحاظ فقط ، وعليه فلا مجال لهذا الاشكال من هذه الجهة أيضا ، كما هو واضح.

وحينئذ يبقى الكلام في الاشكال الأول في أصل استفادة الحكم السنخي بل وتصوره ثبوتا بملاحظة جزئية الموضوع له في الحروف والهيئات ، وفي ذلك نقول : بانا وان أجبنا عن ذلك سابقا بكلية المعنى فيها ، من جهة ما تصورناه في مبحث الحروف من القسم الآخر من عموم الوضع والموضوع له في الحروف غير عام الوضع والموضوع له المشهوري ، ولكن التأمل التام فيه يقتضي عدم اجداء هذا النحو من الكلية لدفع هذا الاشكال ، والوجه فيه هو ان ذلك المعنى العام والقدر المشترك الذي تصورناه لما لايمكن تصوره واحضاره في الذهن الا في ضمن إحدى الخصوصيات فلا جرم لايكاد يمكن ان يوجد في ذهن المتكلم عند استعمالها ، بمثل قوله : الماء في الكوز أو زيد على السطح وسرت من البصرة إلى الكوفة ، الا اشخاص النسب الخاصة والارتباطات المخصوصة كما هو ذلك على القول بخصوص الموضوع له فيها أيضا ، وفي مثله يتوجه الاشكال المزبور بان الموجود في ذهن المتكلم عند استعمال الهيأة بقوله : أكرم زيدا ان جائك ، بعد أن لم يكن الا شخص نسبة وربط خاص قائم بالطرفين فلا جرم لايتصور له الاطلاق الفردي حتى يتصور فيه السنخ فيكون هو المعلق على الشرط أو الوصف المذكور في القضية فينتج الانتفاء عند الانتفاء ، وحينئذ فهذا النحو من عموم الوضع والموضوع له في الحروف غير مجد لدفع الاشكال في المقام لأنه بحسب النتيجة كالقول بخصوص الموضوع له فيها.

فعلى ذلك فلابد من التصدي لدفعه بوجه آخر غير ذلك فنقول : ان قصارى ما يمكن ان يقال في دفع الاشكال وجهان :

أحدهما : ما افاده الأستاذ دام ظله في الدورة السابقة ، وحاصله هو ان دلالة الهيأة

٤٧٦

على الطلب في قوله ( افعل ) بعد ما كانت بالملازمة ، من جهة كونه أي الطلب ملزوما للنسبة الارسالية التي هي مدلول الهيأة ، لا مدلولا لها بالمطابقة ، كما هو مختار الكفاية ، وكان المهم أيضا اثبات السنخ والاطلاق في طرف الحكم والطلب ، فلا بأس حينئذ بلحاظ الاطلاق والتقييد بالنسبة إلى ذلك الطلب الملازم مع الارسال ، ولو على القول بخصوص الموضوع له في الحروف والهيئات ، من جهة انه لا ملازمة بين خصوصية المدلول في الهيأة مع خصوصية ما يلازمه ، فأمكن ان يكون المدلول في الهيأة جزئيا وخاصا ، ومع ذلك يكون ملزومه وهو الطلب كليا ، وحينئذ فإذا كان المهم في المقام هو اثبات السنخ في طرف الحكم والطلب فأمكن اثبات السنخ من غير طريق الهيأة ولو بمثل الاطلاق المقامي ونحوه.

الوجه الثاني : ما افاده دام ظله أخيرا ، وتقريبه انما هو بدعوى ان مفاد الحروف وكذا الهيئات وان كان جزئيا ، لكونها عبارة عن اشخاص الارتباطات الذهنية المخصوصة المتقومة بالطرفين ، الا انها تبعا لكلية طرفيها أو أحد طرفيها قابلة للاتصاف بالكلية ، كما في قولك : الانسان على السطح والماء في الكوز والسير من البصرة إلى الكوفة ، في قبال قولك : زيد على السطح وهذا الماء في هذا الكوز وسرت من النقطة الكذائية من البصرة إلى النقطة الكذائية من الكوفة ، فان السير وكذا البصرة في قولك : السير من البصرة لما كان كليا وقابلا للانطباق في الخارج على الكثيرين كالسير من أول البصرة ووسطها وآخرها فقهرا تبعا لكلية هذين المفهومين تتصف تلك الإضافة والربط الواقع بينهما أيضا بالكلية ، وهكذا في قولك : الانسان على السطح أو الماء في الكوز ، حيث إنه تبعا لكلية الطرفين تتصف تلك النسبة والربط والاستعلائية أو الظرفية بالكلية ، فينحل إلى الروابط المتعددة ، فيصدق في الخارج على زيد الكائن على السطح ، وعلى عمرو الكائن على السطح وهكذا ، ولا نعني من كلية المعنى الا كونه قابلا للانطباق في الخارج على الكثيرين ، ويقابله قولك : زيد على السطح ، حيث إن ذلك الربط الخاص حينئذ تبعا لجزئية المتعلق غير قابل للانطباق في الخارج على الكثيرين. وحينئذ فعلى هذا البيان صح ان يقال : بان تلك النسب والروابط التي هي مفاد الحروف والهيئات بنفسها لاتتصف بالكلية والجزئية ، بل وانما اتصافها بالكلية والجزئية تابع كلية طرفيها أو أحدهما ، فمتى كان أحد طرفيها كليا قابلا للصدق في الخارج على الكثيرين فلا جرم تبعا لكليته تلك الإضافة والربط القائم به

٤٧٧

أيضا تتصف بالكلية ، كما كان ذلك هو الشأن أيضا في التكاليف الكلية الانحلالية ، كقوله : يجب اكرام العالم ويحرم شرب الخمر ، حيث إن كلية التكليف حينئذ انما هي باعتبار كلية متعلقه ، فإذا كان متعلقه كليا فلا جرم تبعا لكلية متعلقه يتصف الحكم أيضا بالكلية ، وينحل حسب تعدد افراد متعلقه في الخارج إلى تكاليف متعددة ، والا فالحكم المنشأ في مثل قوله : أكرم العالم ويحرم شرب الخمر ، لايكون الا شخص حكم وشخص إرادة متعلقة بموضوعه ، وهو الاكرام المضاف إلى العالم والشرب المضاف إلى الخمر. وعلى ذلك ففي المقام أمكن استكشاف الحكم السنخي من الهيأة في الصيغة باجراء الاطلاق في ناحية المادة المنتسبة بما هي معروضة للهيئة ، إذ حينئذ من اطلاقها يستكشف الحكم السنخي ، فإذا أنيط الحكم النسخي حينئذ بمثل الشرط أو الوصف في القضية بقوله ان جاء زيد فأكرمه أو أكرم زيدا العادل ، فقهرا بانتفاء القيد بعد فرض ظهوره في الدخل بخصوصيته واقتضاء اطلاق ترتب الجزاء عليه في ترتبه عليه بالاستقلال يلزمه انتفاء الحكم السنخي ، كما هو واضح.

وكيف كان فبعد ان ظهر لك طريق استكشاف المفهوم في القضايا بحسب الكبرى يبقى الكلام في صغريات المفاهيم.

مفهوم الشرط

فنقول ان من المفاهيم مفهوم الشرط في نحو قوله ان جاء زيد يجب اكرامه حيث إنهم اختلفوا في دلالة إن وأخواتها من أدوات الشرط على الانتفاء عند الانتفاء وعدم دلالتها عليه ونقول في تنقيح المرام انه لاينبغي الارتياب في أن القضية الحملية في مثل قوله : أكرم زيدا ، مع قطع النظر عن ورود أداة الشرط عليها بطبعها لاتقتضي أزيد من كون المتكلم في مقام اثبات حكم وجوب الاكرام لزيد بنحو الطبيعة المهملة ، واما اقتضائها لكونه بصدد اثبات سنخ الحكم والطبيعة المطلقة وفي مقام حصر الطبيعي في هذا الفرد في تلك القضية فلا ، لان ذلك مما يحتاج إلى عناية زائدة عما يقتضيه طبع القضية ، ومن ذلك يحتاج إلى قيام قرينة عليه بالخصوص ، والا فمع عدم القرينة عليه فلايقتضي طبع القضية الحملية الا مجرد ثبوت المحمول مهملا للموضوع.

ولذلك أيضا ترى بنائهم على عدم المفهوم في القضايا اللقبية وعدم اقتضائها انتفاء

٤٧٨

سنخ الحكم المحمول على الاطلاق عن غير الموضوع المذكور في القضية ، كي لو ورد دليل آخر على ثبوت شخص حكم آخر لعمرو لوقع بينهما المعارضة ، ومن المعلوم انه لايكون ذلك الا من جهة ما ذكرناه من عدم اقتضاء القضية الحملية بطبعها في نحو قوله : أكرم زيدا مع قطع النظر عن القرائن الخارجية الا مجرد ثبوت الحكم والمحمول لزيد بنحو الطبيعة المهملة الغير المنافي مع ثبوت شخص حكم آخر من هذا السنخ للعمر والبكر.

نعم لما كان مقتضاه حينئذ هو ثبوت هذا الحكم والمحمول على الاطلاق لزيد ، فلا جرم يلزمه اطلاق الحكم المزبور من جهة حالات الموضوع من القيام والعقود ونحو ذلك ، فكان مقتضي اطلاقه هو ثبوته له على الاطلاق وفي جميع الحالات الطارية عليه من القيام والقعود والمجيء ونحوه ، ولئن شئت قلت إنه لما كان لموضوعه اطلاق بحسب الحالات من المجيء وغيره يلزمه قهرا اطلاق في طرف الحكم المترتب عليه أيضا بحسب تلك الحالات بحيث يلزمه عدم جواز ثبوت وجوب آخر أيضا لذلك الموضوع في حال القيام أو القعود من جهة ما يلزمه حينئذ بعد هذا الاطلاق من لزوم محذور اجتماع المثلين ، من غير أن ينافي اطلاق الحكم والمحمول من تلك الجهة مع اهماله المفروض من الجهة المزبورة ، إذ مثل هذا النحو من الاطلاق في الحكم يجتمع مع اهماله من جهة الافراد بل ومع شخصيته أيضا ، كما هو واضح.

وحينئذ فإذا كان ذلك مقتضي طبع القضية الحملية فكان قضية اطلاقها في ثبوت الحكم المحدود الشخصي لموضوعه على الاطلاق وفي جميع الحالات هو حصر الطبيعي بهذا الفرد المحمول في القضية ، بلحاظ ما عرفت من استلزام اطلاق هذا الحكم الشخصي لجميع الحالات عدم ثبوت فرد آخر منه لموضوعه في بعض الحالات نقول : بان طبع أداة الشرط الوارد عليها أيضا في نحو قوله : ان جاء زيد يجب اكرامه لايقتضي الا مجرد إناطة النسبة الحكمية بما لها من المعنى الاطلاقي بالشرط وهو المجيء لان ما هو شأن الأداة انما هو مجرد إناطة الجملة الجزائية بما لها من المعنى الذي يقتضيه طبع القضية الحملية بالشرط وحينئذ فإذا كان مقتضي طبع القضية الحملية أو الانشائية في مثل قوله أكرم زيدا ، هو ثبوت حكم شخصي محدود لزيد على الاطلاق الملازم لانحصاره وعدم فرد آخر منه في بعض الحالات وكان قضية الأداة على ما هو شأنها إناطة تلك الجملة بما لها من المعنى بالشرط وهو المجيء في وقوله : ان جاء زيد فأكرمه ، فلا جرم بعد ظهور الشرط في دخل الخصوصية بمقتضي ما بيناه يلزمه قهرا انتفاء وجوب الاكرام عن

٤٧٩

زيد عند انتفاء المجيء وعدم ثبوت وجوب شخص آخر له في غير حال المجيء من جهة ان احتمال ذلك مما ينافي ما تقتضيه طبع الجملة من ثبوت ذلك الوجوب الشخصي لزيد على الاطلاق وفي جميع الحالات التي منها عدم المجيء من جهة ما يلزمه من محذور اجتماع المثلين. واما احتمال التأكد حينئذ فيدفعه أيضا ظهور القضية في محدودية الحكم بحد شخصي مستقل ، فإذا فرضنا حينئذ انحصار الوجوب بهذا الفرد من الحكم الشخصي الثابت في القضية المنطوقية فقهرا بمقتضي الإناطة يلزمه عقلا انتفاء سنخ وجوب الاكرام عن زيد عند انتفاء المجيء ، ولا نعنى من المفهوم الا ذلك. نعم لو كان قضية الأداة مضافا إلى إناطة الجزاء بالشرط هو اخراجه عما تقتضيه طبع الجملة الحملية من الاطلاق بحسب الحالات لكان للاشكال في الانتفاء عند الانتفاء كمال مجال ، ولكنه كما ترى بعيد جدا ، فان شأن الأداة على ما عرفت لايكون الا مجرد ربط إحدى الجملتين وإناطتها بما لها من المعنى والمدلول بجملة أخرى ، بلا اقتضائها لا همال القضية واخراجها عما يقتضيه طبعها من الظهور الاطلاقي الموجب لانحصار الطبيعي في الشخص ، كما لايخفى.

ولايخفى عليك انه على هذا البيان لايحتاج في اثبات المفهوم في القضايا الشرطية إلى اتعاب النفس لاثبات العلية المنحصرة ، كي يمنع تارة بمنع اقتضاء الشرط العلية بل مجرد الثبوت عند الثبوت ، وأخرى بمنع العلية المنحصرة على فرض تسليم اقتضاء أصل العلية ، فان ذلك كله منهم ناش عن عدم التفطن بوجه استفادة المفهوم في القضايا الشرطية وعدم ملاحظة ما يقتضيه طبع القضايا الانشائية والحملية من الظهور الاطلاقي الموجب لحصر الطبيعي في قوله : أكرم زيدا في حكم شخصي محدود بحد خاص ، والا فنفس ذلك كاف في استفادة المفهوم ، من جهة ان لازم إناطة مثل هذا الحكم الشخصي حينئذ هو لزوم انتفاء ذلك عند الانتفاء ، وحيث إن فرض انحصار الطبيعي أيضا بهذا الشخص بمقتضي الظهور الاطلاقي ، فقهرا يلزمه انتفاء الحكم السنخي بانتفائه ، من دون احتياج إلى اثبات العلية المنحصرة ، وهو واضح.

ثم انه لو أغمضنا عن ذلك البيان وبنينا على مقالة المشهور في استفادة المفهوم في القضايا الشرطية فهل للقضية الشرطية دلالة على التلازم بين المقدم والتالي أم لا؟ وعلى تقدير الدلالة فهل تدل على الترتب بينهما بنحو العلية أو العلية المنحصرة أم لا؟.

فنقول : انه وان لم يتعرض الأستاذ لذكر هذا البحث بل اكتفى في اثبات المفهوم

٤٨٠