نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

التركيب بينهما اتحاديا كما عرفت في مثال الجنس والفصل بل القراءة بالقياس إلى الجهر بها. وعليه فما أفيد كما عن بعض الاعلام قدس‌سره كما في التقرير من أن العنوانين المنتزعين من وجود واحد إذا كانا من قبيل الجهات التعليلية لابد وأن يكون التركيب بينهما اتحاديا ، وإذا كانا من الجهات التقييدية لابد وأن يكون التركيب بينهما انضماميا لا اتحاديا منظور فيه.

السابع من الأمور

لايخفى ان الطبيعي والفرد وان كانا متغايرين مفهوما وفي عالم التصور حيث كانا صورتين متبائنتين في الذهن بحيث لايكاد انتقال الذهن في مقام لحاظ الطبيعي وتصوره إلى الفرد ، وبهذه الجهة أيضا لايكاد سراية الحكم المتعلق بالطبيعي والكلي إلى الفرد ، الا على مبنى سخيف : من تعلق الاحكام بالخارجيات ، والا فعلى المذهب الحق كما حققناه في محله : من تعلق الاحكام بالعناوين وبالصور الذهنية يستحيل سراية الحكم من كل صورة في نظر إلى الصورة الموجودة في نظر وتصور آخر ، الا ان الفرد لما كان يحكى عما يحكى عنه عنوان الكلي وزيادة مفقودة في الكلي فكانا متحدين في جهة ومختلفين في زيادة الفرد لخصوصية زائدة عن الطبيعي وكانت الصور أيضا في مقام تعلق الاحكام بها مأخوذة بنحو لا ترى الا خارجية ، فقهرا تلك الجهة الواحدة الخارجية فيهما بعد قيام المصلحة بها بأي صورة تتصور أو شكل يتشكل توجب التلازم بين الصورتين المتحدتين في الجهة الخارجية في تعلق الإرادة والكراهة أيضا ، فيتعلق الحكم المتعلق بالطبيعي بالفرد أيضا لكن من حيث الطبيعي المحفوظ في ضمنه لا بتمامه حتى بمشخصاته الفردية وحينئذ فإذا كان الامر متعلقا بالطبيعة السارية كالنهي فقهرا يسرى الحكم المزبور من الطبيعي إلى الحصص المحفوظة في ضمن الافراد من الطبيعي دون الخصوصيات الزائدة عنها ، بمعنى ان كل فرد إذا لوحظ كان الطبيعي المحفوظ في ضمنه متعلقا للإرادة أو الكراهة بالتقريب المزبور ، لا انه بمحض النظر إلى الطبيعي والكلي يسرى حكمه إلى الفرد أيضا وذلك لما عرفت من أن الطبيعي والفرد مفهومان متغايران في الذهن ، فيستحيل في هذا النظر سراية الحكم من أحد المفهومين إلى الاخر ، هذا إذا كان الامر متعلقا بالطبيعة السارية.

٤٢١

وأما إذا كان متعلقا بصرف وجود الطبيعي الغير القابل للانطباق الاعلى أول وجود فكذلك أيضا ، غاية الامر انه في فرض تعلق الحكم بالطبيعة السارية يكون الحصص المحفوظة في ضمن كل فرد بتمام حدودها مشمولة للحكم ، ومن ذلك يصير كل فرد بما انه مصداق للطبيعي واجبا تعيينا ، بخلافه في فرض تعلقه بصرف وجود الطبيعي الجامع بين الافراد فان مشمولية الحصص الفردية حينئذ للوجوب انما يكون ببعض حدودها أعني حدودها المقومة لطبيعتها واما الحدود المقومة لشخصية الحصة المحفوظة في كل فرد التي هي مقسمة للطبيعي لا مقومة له فهي خارجة عن حيز الوجوب ومرجع ذلك كما عرفت في مبحث الواجب التخييري إلى لزوم سد باب العدم في كل حصة وفرد من قبل حدود عاليها المقومة لطبيعتها دون حدودها المقومة لشخصيتها المقسمة لطبيعتها الراجع ذلك إلى وجوب كل فرد من الافراد لكن بوجوب ناقص بنحو لايقتضي المنع الا عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك الملازم لترك بقية الحصص الأخرى ، ونتيجة ذلك كما عرفت سابقا هي صيرورة الافراد المزبورة واجبة بوجوب تخييري شرعي لا بوجوب تخييري عقلي محض كما هو مبنى القول بوقوف الطلب على نفس الطبيعي والجامع وعدم سرايته منه إلى الافراد أصلا ، فتدبر.

الثامن من الأمور

التزاحم بين المصلحة في الشيء ومفسدته تارة يكون في مقام التأثير في الرجحان والمرجوحية ومن حيث ايراث الحب والبغض ، وأخرى يكون التزاحم بينهما في عالم الوجود والتحقق بحيث يدور الامر بين وجود المفسدة وفوت المصلحة وبالعكس ، فعلى الأول لاينبغي الاشكال في أن الأثر للأقوى منهما ولا يلاحظ في هذه المرحلة مقام مزاحمتهما في عالم الوجود ، وان فرض امكان دركهما معا ولو في ضمن فردين ، وحينئذ فلو فرض قيام مصلحة أهم بصرف الطبيعي والجامع فقهرا بمقتضي ما عرفت في المقدمة السابقة من سراية المحبوبية من الجامع إلى الفرد ولو ببعض حدوده يصير الفرد بحدوده المقومة لعاليه تحت المحبوبية الفعلية وتلغو المفسدة المزبورة عن التأثير في المبغوضية فيه بالقياس إلى هذا الحد لمكان أهمية المصلحة المزبورة واما بالقياس إلى حدوده المقومة

٤٢٢

لشخصيته فحيث انه لا تزاحمها المصلحة تبقى المفسدة القائمة بالفرد بجميع حدوده على حالها فتؤثر في مبغوضية الفرد في حدوده المقومة لشخصيته فيصير الفرد المزبور حينئذ ببعض أنحاء حدوده وهو الحد الجامعي المستلزم لحفظه في ظرف عدم بديله بمقتضى أهمية المصلحة تحت المحبوبية الفعلية وببعض حدوده الاخر وهو الحد المقوم لشخصية الحصة تحت المبغوضية الفعلية هذا بالنسبة إلى مقام مزاحمة الملاكين في عالم التأثير في الحب والبغض.

واما بالنسبة إلى مقام مزاحمتها في عالم الوجود فحيث انه أمكن حفظ كلا الغرضين ولو في ضمن وجودين فلا جرم يرجح العقل جانب المفسدة المهمة ومبغوضية الفرد من ناحية حدوده المشخصة على المصلحة الا هم المؤثرة في محبوبيته من ناحية حدوده الجامعي جمعا بين الغرضين ، وبهذه الجهة تصير الإرادة الفعلية على وفق المفسدة المهمة ولو كانت في أدنى درجة الضعف والمصلحة في أعلى درجة القوة من غير أن يلاحظ في ذلك درجات المصلحة والمفسدة وتأثيراتهما في المحبوبية والمبغوضية بوجه أصلا ، الا إذا فرض وقوع المزاحمة بينهما في عالم الوجود أيضا بحيث لا يتمكن من الجمع بين الغرضين فيؤثر الأقوى درجة منهما ويكون الإرادة الفعلية أيضا بحكم العقل على وفقه ، والا فمع عدم صدق المزاحمة بينهما حقيقة في هذه المرحلة وامكان الجمع بينهما ولو في ضمن وجودين فلا محالة يكون الترجيح بحكم العقل في لزوم الجمع بين الغرضين مهما أمكن للمفسدة المهمة وتكون الإرادة الفعلية أيضا على وفقها وان كانت في أدنى درجة الضعف حتى البالغة إلى حد الكراهة.

ومن هذا البيان ظهر حل الاعضال في العبادات المكروهة أيضا فإنه بمقتضى ما ذكرنا أمكن الالتزام فيها بالكراهة المصطلحة فيما لو كان الامر متعلقا بالجامع المنتج لوجوب كل فرد تخييرا ، والنهى متعلقا بالطبيعة السارية ، كالأمر بالصلاة الجامعة بين الصلاة في الحمام وبين الصلاة في غيره من الأمكنة مع النهى التنزيهي عن الصلاة في الحمام أو في موضع التهمة مثلا ، وذلك انما هو بالتفكيك بين حدود الفرد من حيث حدوده الجامعة وحدوده المشخصة له بالتقريب المتقدم من دون حاجة إلى الالتزام فيها بأقلية الثواب أو غيرها من المحامل الاخر ، كما هو واضح.

ثم إن هذا كله فيما لو كان الامر متعلقا بصرف الطبيعي الجامع بين الافراد.

واما لو كان الامر متعلقا بالطبيعة السارية كالنهي بحيث يقتضي مطلوبية كل واحدة من الحصص على نحو التعيين ، فلا جرم لايكاد يتم التفكيك المزبور بين مقام تأثير الملاكين

٤٢٣

في الرجحان والمرجوحية وبين مقام تأثيرهما في الايجاد ، نظراً إلى أن المفسدة حينئذ كما تقتضي مبغوضية الفرد بتمام حدوده كك المصلحة أيضا تقتضي محبوبية الفرد بتمام حدوده وفي مثله لا محالة يكون الأثر للأقوى منهما حتى في عالم الوجود أيضا مصلحة كانت أو مفسدة ، والوجه فيه واضح ، لان المزاحمة حينئذ كما تكون بينهما في عالم التأثير في الحب والبغض ، كك تكون المزاحمة بينهما في عالم الوجود أيضا ، وفي مثله يكون الأثر لما هو الغالب منهما ، ومن ذلك أيضا لا يجري ما ذكرنا في النواهي التنزيهية في موارد يكون الامر بنحو الطبيعة السارية إذ لايمكن الالتزام فيها بالكراهة المصطلحة بالتقريب المتقدم ، بل بعد الفراغ عن صحة العبادة لابد من المصير إلى محامل أخر : اما بصرف النهى عن ظاهره والحمل على أقلية الثواب ، أو بصرفه عن نفس العبادة إلى حيثية ايقاعها وكينونتها في وقت كذا ومكان كذا نظير النهى عن جعل الماء للشرب في كأس كثيف ، أو غير ذلك من المحامل الاخر.

في بيان ما هو الحق في المسألة

وحيث اتضح لك هذه الأمور فنقول : ان اختلاف العنوانين لو كان في صرف كيفية النظر لا في المنظور فلاينبغي الاشكال فيه في عدم جواز الاجتماع ، وذلك لوضوح ان المنظور بعد ما كان فيهما واحدا ذاتا وجهة لايكاد يتحمل طرو الصفتين المتضادتين المحبوبية والمبغوضية ، من غير فرق في ذلك بين ان نقول بتعلق الاحكام بالخارجيات أو بالعناوين والصور الذهنية ، وذلك لان الصور وان كانت متغايرة ولكنها بعد ما كانت مأخوذة بنحو لا ترى الا خارجية وكان المنظور فيهما واحدا ذاتا وجهة فقهرا يرى المنظور فيهما غير قابل لطرو الصفتين المتضادتين عليه وهما المحبوبية والمبغوضية ، ومن ذلك أيضا نقول بامتناع اتصاف اجزاء المركب بالوجوب الغيري مع فرض كونها واجبة بوجوب الكل نفسيا ، وعدم اجداء مجرد الاختلاف في النظر فيها من حيث اللابشرطية والبشرط لائية في رفع محذور اجتماع المثلين بعد اتحاد الذات الملحوظة في ضمن الاعتبارين.

ومثله في عدم الجواز ما لو كان العنوانان من العناوين الاعتبارية المحضة الغير القابلة لقيام المصالح بها فإنه في مثل ذلك أيضا يكون مركب المصالح والحب والبغض هي الذات المعروضة لها ، وانها في ظرف وجود منشأها كانت من الجهات التعليلية

٤٢٤

لمصلحة الذات المعروضة لها وحينئذ فإذا كانت الذات المعروضة لها واحدة ذاتا وجهة فقهرا تأبى عن ورود الصفتين المتضادتين عليها من الحب والبغض والإرادة والكراهة.

واما لو كان اختلاف العنوانين في المنظور لا في صرف كيفية النظر ، فان كان الاختلاف بينهما بتمام المنشأ على وجه يكون منشأ انتزاع كل بتمامه غير المنشأ في الآخر ففي مثل ذلك لا باس بالالتزام بجواز الاجتماع ، من غير فرق في ذلك بين كون العنوانين من مقولتين مختلفين أو من مقولة واحدة ، كما في الأجناس بالقياس إلى فصولها ، وكذا القراءة بالقياس إلى الجهر بها ، إذ حينئذ بعد تغاير الجهتين أمكن تعلق الحكمين المتضادين بوجود واحد على وجه يكون مركب كل حكم جهة غير الأخرى ، ومجرد وحدة الوجود في الخارج وعدم قابليته للتقسيم وللإشارة الحسية خارجا غير مانع عن ورود الحكمين المتضادين عليه ، بعد حل العقل إياه في مقام التحليل بجهة دون جهة ومرتبة دون أخرى ، إذ حينئذ من جهة هذا التحليل العقلي يتميز معروض الحكمين بنحو يرتفع التضاد من البين ، فكان معروض أحد الحكمين جهة ومرتبة غير معروض الحكم الآخر. ومن غير فرق أيضا بين كون التركيب في المجمع انضماميا أو اتحاديا ، ولا بين كون العنوانين من قبيل الجهة التعليلة أو التقييدية ، ولا بين القول بوقوف الطلب على الصور أو سرايته إلى الخارجيات ، ولا بين كون الامر متعلقا بصرف الطبيعة أو بالطبيعة السارية ، فإنه على جميع تلك التقادير مهما اختلف معروض الحكمين ذاتا أو جهة أو مرتبة كما لو كان معروض أحد الحكمين هو حدوث الشيء ومعروض الآخر بقائه يصار فيه بالجواز على جميع التقادير حتى على القول بتعلق الاحكام بالخارجيات ، من جهة انه باختلاف المعروضين يرتفع غائلة محذور التضاد من البين ، كما هو واضح. هذا كله فيما لو كان اختلاف العنوانين بتمام المنشأ.

واما لو كان اختلافهما ببعض المنشأ بان كانا مشتركين في جهة أو مقولة وممتازين في جهة أو مقولة أخرى ففي مثله لابد من المصير إلى عدم الجواز بالنسبة إلى الجهة المشتركة بينهما ، من جهة عدم تحملها لطرو الصفتين المتضادتين عليها ، المحبوبية والمبغوضية ، فمن ذلك لابد وأن يكون الأثر لما هو الأقوى منهما مناطا مصلحة أو مفسدة ، من غير فرق بين ان يكون الامر كالنهي متعلقا بالطبيعة السارية أو بالجامع وبصرف وجودها.

الا على مسلك من يقول بوقوف الطلب على نفس الطبيعي والجامع وعدم سرايته إلى

٤٢٥

الافراد بوجه أصلا ولو من حيث حدودها الطبيعية ، بخيال ان الطبيعي والفرد صورتان مبتائنتان في الذهن والامر بعد تعلقه بالصور لا بالخارجيات لا يتعدى بوجه من الوجوه إلى الافراد ، وان الافراد حينئذ انما كانت واجبة بوجوب تخييري عقلي لا بوجوب تخييري شرعي ، وأيضا إن صرف الطبيعي والجامع بعد ما كان غير قابل للانطباق الا على أول وجود فلا جرم قبل الانطباق لايكون هناك أول وجود حتى يسرى إليه الحكم وكك بعد الانطباق ، نظراً إلى أن مثل هذا الظرف لسقوط الطلب عن الطبيعي فلايمكن كونه ظرفا لثبوته فمن ذلك يستحيل سراية الطلب إلى الفرد ، فإنه على هذا المسلك لا بأس بالالتزام بصحة العبادة باتيان هذا الفرد بداعي الامر بالطبيعي ، بل على هذا المسلك يخرج المسألة عن فرض اجتماع الأمر والنهي في وجود واحد من جهة ان الوجود والفرد على ذلك لايكون الا مبغوضا محضا ، كما هو واضح.

ولكنك قد عرفت في المقدمة السابقة فساد المسلك المزبور وان التحقيق هو سراية الحكم من الطبيعي والجامع إلى الافراد بالتقريب المتقدم في شرح السراية ، وعليه فلابد من المصير إلى عدم جواز الاجتماع بالنسبة إلى الجهة المشتركة بينهما نظراً إلى عدم قابليتها لطرو الصفتين المتضادتين عليها سواء فيه بين ان يكون الامر أيضا كالنهي متعلقا بالطبيعة السارية أو كان متعلقا بصرف وجود المنتج لمحبوبية الافراد تخييرا إذ كما أن مبغوضية الشيء بجميع حدوده تنافى محبوبيته التعيينية كك تنافى أيضا محبوبيته التخييرية فان مرجع كون الشيء محبوبا تخييريا إلى كون تركه لا إلى بدل مبغوضا ومنهيا عنه وهو مما ينافي بداهة مبغوضية التعيينية الملازمة لمحبوبية تركه ولولا إلى بدل ، كما هو واضح.

وحينئذ فبعد ما امتنع الاجتماع بالنسبة إلى الجهة المشتركة بين العنوانين ولم تتحمل لطرو الصفتين المتضادتين عليها من المحبوبية والمبغوضية ، فلا جرم في مقام التأثير كان الأثر لما هو الأقوى منهما ملاكا مصلحة أو مفسدة ، وحينئذ لو كان الأقوى هو النهى فقهرا تصير الجهة المشتركة بجميع حدودها بمقتضي المفسدة الغالبة مبغوضة محضا لا محبوبة.

واما لو كان الأقوى هو الامر ، فان كان متعلقا بالطبيعة السارية فكذلك أيضا حيث إنه تصير الجهة المشتركة حينئذ بجميع حدودها بمقتضي المصلحة الغالبة محبوبة محضا لا مبغوضة عكس الصورة الأولى وان كان متعلقا بصرف الطبيعي والجامع ففي هذا الفرض يمكن الجمع بين الرجحان الفعلي والمرجوحية الفعلية بالنسبة إلى الجهة

٤٢٦

المشتركة وذلك لما تقدم في المقدمة الثامنة من أن مقتضى المصلحة الأهم في الجامع المستتبع للسراية إلى الفرد حينئذ انما هو التأثير في رجحان الفرد ومحبوبيته بالقياس إلى بعض أنحاء حدوده وهو حدوده الجامعي لا مطلقا حتى بالقياس إلى حدوده المشخصة. وحينئذ فإذا فرض قيام المفسدة المغلوبة بالفرد بجميع حدوده حسب تعينها فلا جرم المقدار الذي تزاحمها المصلحة الأهم في الجامع في عالم التأثير انما هو بالقياس إلى حدوده الجامعي المقومة لعاليه. واما بالقياس إلى حدوده المشخصة المقومة لسافله فحيث انه لا تزاحمها المصلحة الأهم فقهرا تبقى المفسدة المهمة على حالها فتؤثر في مبغوضية الفرد من حيث حدوده المشخصة فيصير الفرد والجهة المشتركة حينئذ ببعض أنحاء حدوده وهو حده الجامعي المستتبع لحفظه في ظرف عدم بديله بمقتضى المصلحة الأهم في الجامع تحت الرجحان والمحبوبية الفعلية ، وببعض حدوده الاخر وهو حده المشخص له المقوم لسافله تحت المرجوحية والمبغوضية الفعلية ، بمقتضى خلو المفسدة المهمة عن المزاحم بالقياس إلى مثل هذه الحدود ويخرج عن كونه محبوبا فعليا على الاطلاق ومبغوضا فعليا كك ، كما هو واضح.

ثم إن ذلك كما عرفت بالنسبة إلى مقام تزاحم الملاكين في عالم التأثير في الرجحان والمرجوحية.

واما بالنسبة إلى مقام التزاحم في عالم الوجود فحيث انه أمكن استيفاء كلا الغرضين ولو بايجاد المأمور به في ضمن فرد آخر فلا جرم كان التأثير بحكم العقل للمفسدة المهمة المغلوبة ويقيد بحكم العقل دائرة فعلية إرادة الطبيعة بما عدا هذا الفرد وان لم يكن كك في عالم التأثير في الرجحان والمحبوبية ، فيصير الفرد المزبور حراما فعليا ويجب الاتيان بالطبيعي في ضمن فرد آخر ، جمعا بين الحقين وحفظا للغرضين ، وان كان لو اتى بالطبيعي في ضمن هذا الفرد بداعي رجحانه الفعلي من حيث حده الجامعي كان ممتثلا ومطيعا من تلك الجهة وعاصيا من جهة أخرى.

وبالجملة فالمقصود هو عدم ملاحظة حيثية أهمية مصلحة الجامع في هذا المقام عند التمكن من استيفائها في ضمن فرد آخر وانه يقدم حينئذ تلك المفسدة المهمة المغلوبة القائمة بالخصوصية على المصلحة الأهم في الجامع ، ولو كانت في أدنى درجة الضعف حتى البالغة إلى درجة الكراهة وكانت المصلحة في أعلى درجة القوة. وعمدة النكتة في ذلك

٤٢٧

انما هي عدم صدق المزاحمة والدوران حينئذ بين الغرضين في الوجود بلحاظ امكان الجمع بينهما باتيان الطبيعي والجامع في ضمن غير هذا الفرد والا فمع صدق المزاحمة في هذا المقام أيضا لا اشكال في أن التأثير للأقوى منهما كما في فرض انحصار الطبيعي بهذا الفرد وكذا في فرض قيام المصلحة أيضا كالمفسدة بالطبيعة السارية.

ومن ذلك البيان ظهر أيضا حل الاشكال في الكراهة في العبادات فيما كان لها البدل ، حيث إنه بمقتضي البيان المزبور أمكن الالتزام بفعلية الكراهة المصطلحة في الفرد ولو من حيث حدوده المشخصة مع الالتزام أيضا بصحة العبادة بلحاظ رجحانها ذاتا بمقدار يقتضي رجحان حفظ الفرد المزبور من ناحية حدود الطبيعي. نعم فيما لا بدل لها من العبادات لا يجري البيان المزبور من جهة وقوع المزاحمة حينئذ بين الأمر والنهي في الفرد بجميع حدوده ، فلابد فيها اما من الحمل على أقلية الثواب والرجحان ، أو صرف النهى عن ظاهره إلى ايقاع العبادة في الأوقات المخصوصة ، نظير النهى عن ايقاع جوهر نفيس في مكان قذر ، بجعل المبغوض كينونة العبادة في وقت كذا لا نفسها ، حتى لاينافي المبغوضية مع محبوبية العمل ورجحانه المقوم لعباديته.

وعلى ذلك فكم فرق بين الجواز بهذا المعنى وبين الجواز بالمعنى المتقدم بمسلك مكثرية الجهات ، حيث إنه على الأول يكفي في جواز الاجتماع مجرد تغاير العنوانين بتمام المنشأ على نحو يكون منشأ انتزاع كل عنوان بتمامه مغايرا مع منشأ انتزاع الآخر من غير فرق بين ان يكون الامر متعلقا بالطبيعة السارية أو بصرف وجودها ولا بين اقوائية ملاك الامر في نفسه أو اقوائية ملاك النهى ، بخلافه على مسلك اختلاف أنحاء حدود الشيء فان الجواز بهذا المعنى يحتاج أولا إلى عدم كون الامر متعلقا بالطبيعة السارية بل بصرف الطبيعي والجامع المنتج للوجوب التخييري في الافراد بالتقريب المتقدم في المقدمة السابعة. وثانيا إلى أهمية مصلحة الجامع من المفسدة التعيينية في الفرد.

ثم انه مما ذكرنا ظهر الحال في المفاهيم الاشتقاقية المأخوذة في حيز الحكم بنفسها أو بعنوان ايجادها ، حيث إنه يختلف مصب الحكم حسب الاختلاف في مفهوم المشتق ، فعلى القول بأخذ الذات فيه وتركبه من المبدء والذات فلا جرم يكون العنوانان في المجمع من قبيل العنوانين المختلفين في بعض المنشأ والمشتركين في البعض الآخر ، من جهة اشتراك عنوان العالم والفاسق حينئذ في جهة الذات الحاكية عن جهة واحدة وحيثية

٤٢٨

فاردة ، وفي مثله لابد من المصير إلى الامتناع بمقتضي ما تقدم ، لا الجواز ، الا في فرض تعلق الامر بصرف الطبيعي والجامع مع فرض أهمية المصلحة الجامعية أيضا من المفسدة التعيينية في الفرد ، فيصار حينئذ إلى الجواز بمقتضي البيان المتقدم.

واما على القول ببساطة المشتق وعدم اخذ الذات فيه فان قلنا بالفرق بين المشتق ومبدئه باعتبار اللابشرطية والبشرط لائية وجعلنا مصب الحكم بهذا الاعتبار نفس المبدئين فالعنوانان من قبيل العنوانين المختلفين بتمام المنشأ وفي مثله كان الحكم هو الجواز من جهة اختلاف المتعلقين بتمام الحقيقة ، واما ان قلنا بعدم كفاية مجرد اعتبار اللابشرطية في كون مصب الحكم هو المبدء بشهادة عدم صحة جعله مصب الحكم في مثل أطعم العالم وقبل يد العالم وأكرم العالم ، ولو مع اعتبار اللابشرطية الف مرة وان مصب الحكم ومحطه انما كان عبارة عن نفس الذات غايته بما هي متجلية بجلوة العلم والقيام والقعود ونحو ذلك على نحو كان المبدء ملحوظا في مقام الحكم تبعا للذات وان كان بحسب اللب من الجهات التعليلية لمصلحة الذات فلا جرم يكون العنوانان في مقام الحكاية عن محط الحكم من قبيل حكاية المفهومين عن جهة واحدة وحيثية فاردة وفي مثله لابد من المصير إلى الامتناع من جهة استحالة طرو الصفتين المتضادتين على جهة واحدة وحيثية فاردة ، كما هو واضح.

مسألة الصلاة في محل مغصوب

بقى الكلام في مسألة الغصب والصلاة التي هي معركة الآراء بين الأصحاب بعد الفراغ عن اختلافهما حقيقة ، في أنه هل هما حاكيان عن الجهتين الخارجيتين الممتازتين بتمامهما في المجمع على نحو كان منشأ انتزاع كل بتمامه جهة غير الجهة التي ينتزع عنها الاخر؟ أم هما مشتركان في جهة خارجية وممتازان في جهة أخرى كك نظير العالم والفاسق بناء على القول بتركب المشتق من المبدء والذات؟ ومبني الخلاف انما هو الخلاف في خروج الأكوان عن حقيقة الصلاة والغصب وعدم خروجها عن حقيقتهما.

فعلى المختار من عدم خروج الأكوان عن حقيقة الصلاة والغصب وان الصلاة عبارة عن الافعال الخاصة من القيام والركوع والسجود المقرونة ببعض الإضافات والنسبيات

٤٢٩

الاخر من الترتيب والموالاة ونشؤها عن قصد الصلاتية ، وكذا الغصب عبارة عن الفعل الشاغل لمحل الغير في حال عدم رضاه الجامع بين الركوع والسجود وبين غيرهما من الافعال الاخر الأجنبية عن الصلاة فالعنوانان مشتركان في جهة وممتازان في جهة أخرى من جهة اشتراكهما حينئذ في نفس الأكوان وامتيازهما في الخصوصيات الزائدة من الإضافات المقومة للصلاتية والإضافات المقومة للغصبية ، ومقتضي ذلك كما تقدم هو المصير إلى عدم الجواز الاجتماع في المجمع في تمام العنوانين في الجهة المشتركة بينهما وهي نفس الأكوان ، مع الالتزام بجواز الاجتماع بالنسبة إلى الجهتين الممتازتين القائمتين بالأكوان المقومة إحديهما للصلاتية والأخرى للغصبية.

واما على القول بخروج الأكوان عن حقيقة الصلاة أو الغصب اما بجعل الصلاة عبارة عن الأوضاع الواردة على الأكوان الخاصة بجعلها عبارة عن مقولة الوضع ، مع جعل الغصب عبارة عن الفعل الشاغل لمحل الغير بدونه اذنه ورضاه ، أو عن مقولة الأين بجعله عبارة عن اشغال المحل بالفعل مع جعل الصلاة من مقولة الفعل فالعنوانان ممتازان في المجمع بتمام حقيقتهما ، ومقتضاه كما تقدم هو المصير إلى جواز الاجتماع.

وحينئذ فلابد من تنقيح هذه الجهة فنقول : والتحقيق حينئذ هو ما عرفت من عدم خروج الأكوان عن حقيقة الصلاة والغصب وذلك فان القول بكون الصلاة من مقولة الوضع وانها عبارة عن الأوضاع الواردة على الأكوان من الاستقامة والتقوس والانحناء مع خروج نفس الأكوان عن حقيقة الصلاة بعيد جدا ، فإنه مع الاغماض عن أن القراءة عبارة عن نفس الحركة لا عن الخصوصيات الواردة عليها نقول : بان ظاهر المنساق من العناوين المزبورة من نحو القيام والركوع والسجود هو كونها عبارة عن نفس الأكوان الخاصة دون الأوضاع الواردة ، عليها ، ومن ذلك أيضا لا يكتفي في القيام الواجب في الصلاة بصرف احداث هيئة القيام من دون وقوع ثقله على الأرض ونحوها في حال الاختيار فتأمل ، كبعد القول بان الغصب من مقولة الأين وانه عبارة عن اشغال المحل بالفعل لا الفعل الشاغل لمحل الغير فان الظاهر هو عدم فهم العرف من الغصب الأنفس التصرفات الشاغلة لا مجرد اشغال المحل بها كيف ومع الاغماض عن ذلك وتسليم كون الغصب عبارة عن نفس الحيطة على الشيء نقول : بأنه يكفينا حينئذ العمومات الناهية عن التصرف في مال الغير بدون اذنه ورضاه المعلوم انصرافه في الأذهان إلى نفس التصرفات الشاغلة حركة وسكونا من

٤٣٠

جهة انطباق عنوان التصرف المنهي عنه في عموم عدم جواز التصرف حينئذ على نفس الأكوان الخاصة من القيام والقعود والركوع والسجود وحينئذ فإذا كانت الصلاة أيضا عبارة عن نفس الأكوان الخاصة غايته مقرونة ببعض الإضافات والنسبيات الاخر من الترتيب والموالاة ونشو كونها عن قصد الصلاتية ، فلا جرم تصير الصلاة والغصب من قبيل العنوانين المشتركين في بعض الجهة دون بعض ، من جهة اشتراكهما حينئذ في نفس الأكوان التي هي جهة واحدة ومقولة فاردة ، وفي مثله لابد كما عرفت من المصير إلى عدم الاجتماع بالنسبة إلى نفس الأكوان مع الالتزام بالجواز في الجهات الزائدة عن الأكوان من الخصوصيات والإضافات القائمة بها المقومة بعضها للصلاتية وبعضها للغصبية.

على أن مجرد الالتزام بان الغصب من مقولة الأين مع الالتزام بان الصلاة من مقولة الفعل لا يجدي أيضا فيما هو المهم من تصحيح الصلاة ، فان الأكوان على ذلك تصير سببا للغصب المنهي عنه في عموم لايجوز التصرف في مال الغير الا باذنه فكانت محرمة حينئذ بالحرمة الغيرية ومع حرمتها تقع فاسدة من هذه الجهة من جهة اندراجها في باب النهى عن العبادة وان كان بينهما فرق من حيث تحقق ملاك الأمر والنهي في المقام دونه في ذلك المقام ، كما هو واضح. ولكن التحقيق في المقام هو ما عرفت من عدم خروج الأكوان عن حقيقة الصلاة ولا عن حقيقة الغصب وانه كما أن الصلاة عبارة عن الأكوان الخاصة بضميمة بعض الإضافات الخاصة كذلك الغصب أيضا حسب ما هو المنصرف منه لدى العرف من العمومات الناهية عن التصرف في مال الغير بدون رضاه عبارة عن نفس الافعال الشاغلة حركة وسكونا المنطبقة على الأكوان الخاصة فيكونان حينئذ مشتركين في نفس الأكوان التي هي جهة واحدة وحيثية فاردة وممتازين في الخصوصيات الزائدة من الإضافات الخاصة المقومة بعضها للصلاتية وبعضها للغصبية. ومقتضى ذلك هو لزوم المصير إلى عدم الجواز بالنسبة إلى نفس الأكوان التي هي جهة مشتركة بينهما في المجمع مع الجواز بالنسبة إلى الجهتين الزائدتين القائمتين بالأكوان المقومة إحديهما للصلاة والأخرى للغصب ، نعم لما كان المفروض حينئذ أهمية مفسدة الغصبية من مصلحة الصلاة باعتبار كونها من حقوق الناس فلا جرم يقع الأكوان الخاصة من القيام والركوع والسجود موردا لتأثير المفسدة الأهم في المبغوضية الفعلية فتقع مبغوضا صرفا لا محبوبا ومعه تبطل الصلاة لا محالة لعدم المجال حينئذ للتقرب بها بايجادها.

٤٣١

اللهم الا ان يقال حينئذ بأنه يكفي في تصحيحها التقرب بالجهات الزائدة عن الأكوان فيتقرب حينئذ بجعل الأكوان صلاة لان ما هو المبغوض حينئذ انما كان تلك الأكوان بعناوينها الأولية وبما هي قيام وركوع وسجود لا بما انها صلاة بهذا العنوان الطاري عليها الناشي من قصد الصلاتية بها. وحينئذ فبعد ان كانت هذه الخصوصيات القائمة بالأكوان موردا لتأثير المصلحة المهمة في المحبوبية الفعلية بمقتضى خلوها عن المزاحم فيها فلا جرم أمكن التقرب بحيثية كونها صلاة فيتقرب بحيثية صلاتية الأكوان لا بنفسها وإيجاد تمام حقيقة الصلاة ويكتفي أيضا في التقرب بمثلها في العبادة من دون احتياج في صحتها إلى التقرب بتمام حقيقتها كي يشكل من جهة مبغوضية نفس الأكوان ، ومع الشك في احتياج العبادة في القرب إلى أزيد من هذا المقدار فالأصل هو البراءة عن المقدار الزائد ، بناء على ما هو التحقيق من جريانها في الشك في أصل قربية العمل وتعبديته أو توصليته نعم بناء على مرجعية الاحتياط في أصل المسألة عند الشك في التعبدية والتوصلية بالتقريبات المذكورة في محله لابد من الاحتياط في المقام أيضا والمصير إلى عدم كفاية القرب بالمقدار المزبور في صحة العبادة ، هذا.

ولكن مع ذلك لا تخلوا لمسألة عن اشكال فان الظاهر هو تسالم الأصحاب على عدم كفاية القرب بالمقدار المزبور في صحة العبادة واحتياجها إلى التقرب بتمام حقيقتها وحينئذ فإذا فرضنا مبغوضية الأكوان المزبورة من جهة أهمية مفسدة الغصب لكونه من حقوق الناس فلا جرم لايبقى مجال للتقرب بتمام حقيقة الصلاة فتفسد العبادة حينئذ لا محالة ، كما هو واضح ، نعم لو اغمض عن ذلك وقلنا بكفاية التقرب بحيثية صلاتية الأكوان والجهات الزائدة عنها لما كان مجال للاشكال عليه بان تلك الجهات الزائدة من الإضافات الخاصة المقومة للصلوتية والغصبية انما هي من الاعتباريات المحضة الخارجة عن حيز المصلحة والمفسدة وان ما هو مركب المصلحة والمفسدة انما هو الصادر الخارجي الذي هو نفس الكون ومعه يكون ما في الخارج مبغوضا محضا بتمامه لا ببعضه ، إذ يمكن دفعه بما عرفت في المقدمة الخامسة من عدم كون هذا النحو من الإضافات المقولية من قبيل الإضافات الاعتبارية المحضة التي لايكون لها واقعية بل هي بلحاظ خارجيتها في نفسها حينئذ كانت قابلة لان تكون مركب المصالح والمفاسد ضمنا أو استقلالا من غير فرق في ذلك بين ان نقول بحظ من الوجود لها أيضا كما قيل أم لا ، لأنها حينئذ كانت من قبيل

٤٣٢

حدود وجود الشيء الذي بحده الخاص تقوم به المصالح والمفاسد ومعه لايبقى مجال الغائها عن التأثير في الصلاح والفساد بالمرة والحاقها بالأمور الاعتبارية المحضة التي لايكون لها واقعية في الخروج عن حيز الصلاح والفساد ، وحينئذ فلو لا الاجماع المزبور على عدم كفاية هذا المقدار من القرب من صحة العبادة واحتياجها إلى التقرب بتمام حقيقتها أمكن تصحيح العبادة بمقتضى القاعدة بالمقدار المزبور من القرب ، كما هو واضح.

وكيف كان فهذا كله في اجتماع الأمر والنهي وتميز موارد الجواز والامتناع على المسالك المزبورة.

وقد تلخص من جميع ما ذكرنا ان المختار هو جواز الاجتماع في فرض اختلاف العنوانين وتغايرهما بتمام المنشأ على نحو كان منشأ انتزاع كل عنوان بتمامه غير ما ينتزع عنه العنوان الاخر ، من غير فرق بين كون العنوانين من مقولتين كعناوين الأوصاف الحاكية عن الكم والكيف والأين أو من مقولة واحدة ، كان التركيب بينهما في المجمع اتحاديا أو انضماميا ، ومن غير فرق بين كون الامر كالنهي متعلقا بالطبيعة السارية أو بصرف وجودها ، ولا بين تعلق الامر بالعناوين والصور الذهنية أو بالمعنونات الخارجية ، ولا بين وقوف الطلب على نفس الطبيعي أو السراية إلى الافراد ، وعدم جواز الاجتماع فيما لم يكن تغاير العنوانين بهذا النحو سواء كان اختلافهما في صرف كيفية النظر دون المنظور ، أو كان اختلافهما في المنشأ وفى المنظور أيضا لكن لا بتمامه بل بجزء منه ، إذ حينئذ بالنسبة إلى الجهة المشتركة بينهما يتوجه محذور اجتماع الضدين وهما الحب والبغض في امر وحداني ، ولقد عرفت أيضا ان مثل الصلاة والغصب الذي هو معركة الآراء من هذا القبيل حيث إنه بعد عدم خروج الأكوان عن حقيقتهما كان اختلافهما في جزء المنشأ خاصة ، لا في تمامه كما هو مقتضي القول بخروج الأكوان عن حقيقة الغصب أو القول بخروجها عن حقيقة الصلاة بجعلها عبارة عن الأوضاع الواردة على الأكوان ، ولا كان اختلافهما أيضا بالاعتبار مع اتحادهما حقيقة في تمام المنشأ كما يظهر من الكفاية (١) من حيث عدة الصلاتية والغصبية من الاعتباريات الصرفة الخارجة عن حيز المصلحة والمفسدة هذا كله على مسلك مكثرية الجهات جوازا ومنعا.

__________________

١ ـ ج ١ ص ٢٤٩.

٤٣٣

كما أنه على مسلك عدم سراية الامر من الطبيعي إلى الفرد كان المتجه هو المصير إلى الجواز في كل مورد كان الامر متعلقا بالطبيعي والجامع والنهى بفرد من افراده وان كان المبنى خلاف التحقيق ، كما مر بيانه وشرح السراية في المقدمة السابعة.

واما على المسلك اختلاف أنحاء حدود وجود الشيء الوحداني الجاري حتى في صورة وحدة عنوان المتعلق في الأمر والنهي كقوله : صل وقوله : لا تصل في الدار المغصوبة أو في الحمام فقد عرفت ان المختار على هذا المسلك أيضا هو الجواز في كل مورد كان المطلوب من الامر هو صرف الطبيعي والجامع دون الطبيعة السارية مع اقوائية المصلحة الجامعية من المفسدة التعيينية في الفرد والا فالمتجه هو عدم جواز الاجتماع ، ومن ذلك لايكاد يجدي هذا المسلك أيضا للجواز في مثال الغصب والصلاة الذي هو معركة الآراء وذلك انما هو من جهة ما يعلم من مذاق الشرع من أهمية مفسدة الغصب ولو من جهة كونه من حقوق الناس إذ حينئذ يخصص دائرة رجحان الطبيعي والجامع عقلا بما عدا هذا الفرد فيصير الفرد الغصبي بتمام حدوده مورد تأثير المفسدة الأهم التعيينية في المبغوضية الفعلية وهذا بخلافه في فرض أهمية مصلحة الجامع فإنه في هذا الفرض يكون التأثير للمصلحة الأهم فيمكن حينئذ الالتزام بجواز الاجتماع بالتفكيك بين أنحاء حدود الفرد المزبورة بالتقريب المتقدم.

بل وعلى هذا التقريب أيضا عرفت حل الاعضال في العبادات المكروهة أيضا ، حيث جمعنا بين صحة العبادة وبين ظهور النواهي المتعلقة بها في الكراهة المصطلحة بالالتزام بفعلية الكراهة في الفرد ولو ببعض حدوده مع الالتزام بصحة العبادة أيضا لمكان رجحانها ذاتا بمقدار يقتضي حفظ وجودها من قبل حدودها الطبيعي لا مطلقا حتى من قبل حدودها الشخصية ، ولكن مثل ذلك كما عرفت انما هو في العبادات المكروهة التي لها بدل كالصلاة في الحمام مثلا ، واما ما لا بدل لها منها كصوم يوم عاشورا والصلوات المبتدئة في الأوقات المخصوصة في أول طلوع الشمس وعند غروبها ونحو ذلك مما كان امره من قبيل الوجود الساري فلا يتم هذا التقريب ، إذ في مثل ذلك يقع التزاحم قهرا بين الأمر والنهي في الفرد بجميع حدوده ، ومن ذلك لابد فيها اما من صرف تلك النواهي عن ظاهرها إلى حيث ايقاع العبادة في الأوقات الخاصة ، نظير النهى عن ايقاع جوهر نفيس في مكان قذر ، فكان المبغوض حينئذ هو كينونة الصلاة في أوقات خاصة لأنفسها ، واما من حمل الكراهة

٤٣٤

فيها على أقلية الثواب والرجحان ، وان كان المتعين هو الوجه الأول نظراً إلى عدم ملائمة أقلية الرجحان مع مداومة الأئمة عليهم‌السلام على الترك.

نعم هنا وجهان آخر ان تفصى بكل منهما في الكفاية (١) لدفع الاشكال : أحدهما دعوى قيام مصلحة أخرى أقوى على عنوان منطبق على الترك فكان رجحان تركها حينئذ لمكان ما في نفس الترك حينئذ من المصلحة الأهم بملاحظة ذاك العنوان المنطبق عليه وثانيهما دعوى قيام مصلحة أقوى على عنوان وجودي ملازم مع تركها ، فكان النهى عن ايجادها حينئذ في الحقيقة كناية عن الامر بذلك العنوان الملازم مع الترك ، حيث اكتفى في الامر به بالنهي عما هو نقيض ملزومه.

ولكن لايخفى ما في كلا الوجهين : اما الأول فلان مقتضى أرجحية الترك بعد فرض انطباق العنوان المزبور عليه واتحاده معه هو ان يكون نقيضه وهو الفعل بمقتضي اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن نقيضه مرجوحا فعليا ومع صيرورة الفعل الذي هو نقيض الترك مرجوحا يتوجه الاشكال المزبور بأنه كيف المجال لصحة العبادة مع مرجوحيتها الفعلية؟ واما الثاني فلكونه مخالفا لما يقتضيه ظهور النهى من التعلق بنفس العمل لا بما يلازمه من امر آخر ، كما هو واضح.

بقى التنبيه على أمور

الامر الأول : لايخفى عليك انه لا اختصاص لنتيجة هذه المسألة بالعبادات بل كما انها تجرى في العبادات كك تجرى في المعاملات أيضا ، كما لو آجر نفسه على خياطة ثوب أو طحن حنطة بمعناهما المصدري فخاطه أو طحنها في مكان مغصوب حيث إنه تقع الخياطة وكذا الطحن بملاحظة كونهما أداء لحق الغير مأمورا بالايجاد ، وبملاحظة كونه غصبا وتصرفا في مال الغير بدون رضاه كان منهيا عن الايجاد. وحينئذ فبناء على جواز الاجتماع كان له ايجاد الخياطة والطحن في مكان مغصوب وباتيانه يقع العمل وفاء لعقد الإجارة نظراً إلى خروج محل الإجارة حينئذ عن المبغوضية وبقائه على ماليته فيصير حينئذ وفاء

__________________

١ ـ ج ١ ص ٢٥٦.

٤٣٥

قهرا بعقد الإجارة ، نعم على ذلك لابد في صحة أصل الإجارة من وجود المندوحة من جهة انه بدون المندوحة لا قدرة له على الوفاء وهي شرط صحة الإجارة فمن ذلك يبطل الإجارة حينئذ لانتفاء شرط صحتها الذي هو القدرة على الوفاء ، ومن هذه الجهة يفرق العبادات عن المعاملات ، حيث إنه في العبادات لايحتاج إلى اعتبار قيد المندوحة الا من جهة رفع غائلة محذور التكليف بما لايطاق الذي هو غير مهم أيضا عند القائل بالجواز من جهة ما عرفت من أن المهم عنده انما هو محذور اجتماع الضدين الذي هو بنفسه من التكليف المحال ، بخلافه في المعاملات حيث إن الاحتياج إلى قيد المندوحة من جهة أصل صحة المعاملة. واما بناء على الامتناع وتغليب جانب النهى فحيث انه تسرى المبغوضية إلى الخياطة فقهرا تصير مبغوضة ومحرمة ومعه تخرج شرعا عن المالية فلا يصلح مثلها للوقوع وفاء بعقد الإجارة وحينئذ فلو كان المحل باقيا بعد ذلك فلا اشكال ، حيث يجب الاتيان بالخياطة في غير المكان المغصوب والا فيبطل الإجارة لعدم بقاء المحل للوفاء.

هذا إذا كانت الإجارة على نفس الخياطة والطحن بما انهما عمل له واما لو كانت الإجارة عليهما بما انهما نتيجة عمله وفعله ففي هذا الفرض صحت الإجارة مع المندوحة ويقع الطحن والخياطة أيضا وفاء للمعاملة بلا اشكال ، نظراً إلى عدم سراية المبغوضية حينئذ إليهما وبقائهما على ماليتهما لخروجهما حينئذ حقيقة عن فرض اجتماع الأمر والنهي في وجود واحد كما هو واضح.

الامر الثاني : قد عرفت سابقا ان المسألة كانت من صغريات باب التزاحم دون التعارض ولو على الامتناع ومن ذلك لابد من احراز الملاك والمقتضي لكل واحد من الحكمين على الاطلاق حتى في المجمع كي يحكم عليه على الجواز بكونه محكوما بحكمين من المحبوبية والمبغوضية والإرادة والكراهة ، وعلى الامتناع بأقوى الملاكين لو كان أحدهما أقوى والا فبحكم آخر غيرهما مثلا. ولقد عرفت أيضا بيان الفرق بين باب التزاحم والتعارض وان المدار في باب التزاحم انما هو على تزاحم الملاكين في مقام التأثير في الرجحان والمرجوحية أو في عالم الوجود ومرحلة فعلية الإرادة والكراهة كما في المتضادين وجودا ، ومنه باب الاجتماع بناء على الجواز خصوصا مع عدم المندوحة ، لا على تزاحم الحكمين في مقام الامتثال كما توهم والا فكما عرفت لايكاد ينتهى النوبة إلى مقام تزاحم الحكمين حتى في المتضادين اللذين يلازم امتثال أحدهما عصيان الآخر الا على فرض

٤٣٦

جعل القدرة من شرائط تنجز التكليف لا من شرائط أصل التكليف وفعليته ، والا فعلى فرض كونها من شرائط أصل التكليف وفعليته كما هو التحقيق لايكاد يكون مجال لوقوع المزاحمة بين الحكمين الفعليين حتى في المتضادين وجودا من جهة وضوح استحالة تشريع الحكمين حينئذ على الاطلاق في المتضادين ، نظير امتناع تشريع اطلاق الحكمين في مجمع العامين من وجه فلابد على هذا الملاك حينئذ من ادراج جميع هذه الموارد في باب التعارض مع أنه كما ترى. وحينئذ فلا محيص من الالتزام بما ذكرناه من المعيار بجعل المناط في باب التزاحم على تزاحم الملاكين من المفسدة والمصلحة في عالم التأثير في ايراث الحب والبغض كما في باب الاجتماع على الامتناع ، أو تزاحمهما في عالم الوجود ومقام فعلية الإرادة والكراهة كما في المتضادين وجودا ، ومنه باب الاجتماع على الجواز ، وان كان الحكم الفعلي دائما على طبق أحد الملاكين في قبال باب التعارض الذي ملاكه تكاذب الدليلين في مرحلة أصل الاقتضاء.

وعليه فكل مورد أحرز ولو من الخارج وجود الملاك والمقتضي لكل واحد من الحكمين كان ذلك من باب التزاحم الذي من لوازمه هو الاخذ بما هو الأقوى والاهم منهما ملاكا وان كان أضعف سندا من الآخر نعم يخرج عن ذلك صورة إناطة المصلحة في قيامها بالشيء بعدم تأثير المفسدة في المرجوحية ، كما في كلية التكاليف المشروطة بالقدرة شرعا عند مزاحمتها مع ما لايكون القدرة فيه الا شرطا عقليا ، كما في الحج الواجب في فرض انحصار المركوب بالدابة المغصوبة مثلا حيث إنه في هذا القسم لا يلاحظ جهة اقوائية المفسدة في مقام تقديمها على المصلحة ، بل حينئذ يقدم المفسدة على المصلحة في مقام التأثير في المرجوحية الفعلية ولو كانت أضعف بمراتب من المصلحة ، وذلك من جهة استحالة مزاحمة المصلحة التعليقية مع المفسدة التنجيزية ، لان مانعيتها دورية فتبقى المفسدة المزبورة في رتبة تأثيرها بلا مزاحم فتؤثر في المبغوضية ولو كانت في أدنى درجة الضعف وكانت المصلحة في أعلى درجة القوة وحينئذ فينحصر باب التمانع الذي يكون جهة تأثير كل من الملاكين تابع الأهمية والأقوائية بما عدا تلك الصورة ، كما هو واضح.

كما أن كل مورد لم يحرز وجود المقتضي والملاك لكل من الحكمين كان من باب التعارض الذي من حكمه هو الرجوع بعد العجز عن الجمع بينهما إلى المرجحات السندية.

ثم انه بعد ما اتضح لك ما هو كبرى المسألة وتميز ثبوتا عن كبرى باب التعارض

٤٣٧

يبقى الكلام في تشخيص صغريات باب التزاحم عن صغريات باب التعارض ، وان مقتضي ظهور الخطابين عند عدم قيام قرينة قطعية من اجماع أو غيره على وجود الملاكين في المجمع هل هو كونه من باب التزاحم مطلقا؟ أو من باب التعارض كك؟ أو يفصل بين صورة تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه وبين صورة وحدة عنوان المأمور به والمنهى عنه؟ كما في اكرام العالم والهاشمي فيما لو تعلق الامر مثلا باكرام العالم والنهى باكرام الهاشمي.

فنقول : اما فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه حقيقة كالغصب والصلاة قضية اطلاق الخطابين حينئذ الكاشف عن وجود الملاك والمصلحة في موضوعيهما على الاطلاق حتى في المجمع بل وفي حال العجز عن موضوعهما وجدانا أيضا ، كما كان ذلك هو الشأن أيضا في كلية الخطابات. ومن ذلك أيضا ترى بنائهم على كشف قيام المصلحة بمتعلق التكاليف على الاطلاق حتى في حال العجز عن امتثالها من مثل تلك الخطابات مع الجزم باختصاص فعلية التكليف بحال القدرة ، من غير تخصيص للمصلحة أيضا بحالها الا في فرض اخذ القدرة أيضا قيدا في حيز الخطاب كما في الحج ، وحينئذ فإذا كان قضية اطلاق الخطابين هو الكشف عن وجود الملاك في موضوعهما على الاطلاق حتى في المجمع ، فقهرا يندرج في باب التزاحم الذي من حكمه هو الاخذ بأقوى الملاكين منهما.

نعم هنا اشكال معروف وهو ان طريق كشف المصلحة في المتعلق انما كان حيث ظهور الخطاب في فعلية التكليف والا فلا دلالة له على وجود المصلحة في المتعلق أو قيام الرجحان به في قبال دلالته على فعلية التكليف ، وحينئذ فإذا فرض سقوط دلالته على فعلية التكليف بمقتضي حكم العقل بتخصيص فعلية التكليف بحال القدرة وعدم العجز فلا جرم مع سقوط دلالته هذه لايبقى مجال الكشف عن قيام المصلحة في المتعلق على الاطلاق حتى في حال العجز وعدم القدرة ، ومعه أين الطريق بعد لكشف المناط والمصلحة في المتعلق على الاطلاق؟ ولكن يدفع هذا الاشكال بأنه انما يتم ذلك فيما لو كان حكم العقل باشتراط القدرة في الارتكاز بمثابة يكون من القرائن الحافة بالكلام الكاسرة لظهور اللفظ نظير قرينة الحكمة فإنه حينئذ كما أفيد لايبقى مجال الكشف عن وجود الملاك والمصلحة من اطلاق الخطاب ، لان دلالة الخطاب والهيئة على قيام المصلحة في المتعلق لما كانت بالالتزام كانت فرع دلالته على فعلية التكليف وبعد سقوط دلالته

٤٣٨

على فعلية التكليف بمقتضي القرينة العقلية فقهرا لايبقى له الدلالة على قيام المصلحة أيضا الا في حال القدر ، ولكن ذلك في محل المنع جدا ، بل نقول : بأنه من قبيل القرائن المنفصلة الغير الكاسرة لظهور اللفظ وان ما نعيته انما هو عن حجيته لا عن أصل ظهوره ، وعليه نقول : بان القدر الممنوع بحكم العقل حينئذ انما هو حجية الخطاب بهيئته في فعلية التكليف في حال العجز وعدم القدرة ، فيبقى ظهوره في الدلالة على قيام المصلحة في المتعلق على الاطلاق على حاله ، فيؤخذ بظهوره ذلك ويحكم بوجود الملاك في متعلق الخطابين على الاطلاق حتى في المجمع ، من دون احتياج حينئذ إلى التشبث باطلاق المادة والمتعلق لكشف المصلحة حتى في حال العجز عن الامتثال كي يقال بان المادة بعد ما اخذت موضوعة للهيأة في الخطاب فمقتضى طبع الموضوعية هو كونها سعة وضيقا بمقدار سعة الهيأة وضيقها ، وحينئذ فمع تضيق دائرة الهيأة واختصاصها بحال القدرة وعدم العجز لايكون للمادة سعة اطلاق في قبال الهيأة العارضة لها حتى يتشبث باطلاقها ، كما هو واضح.

ومما ذكرنا ظهر أيضا عدم صحة مقايسة هذا الحكم العقلي في المقام بمثل قرينة الحكمة التي هي من الارتكازيات في مقام المخاطبات في كونها موجبة لانصراف الهيأة إلى صورة القدرة وعدم العجز وذلك فان قرينة الحكمة بملاحظة كونها من شؤون اللفظ في مقام المخاطبات تعد من قبيل القرائن اللفظية الحافة بالكلام ، وهذا بخلافه في حكم العقل باشتراط القدرة في فعلية التكليف ، حيث إنه لايكون بمثابة قرينة الحكمة حتى يكون ذلك أيضا من شؤون الألفاظ كالحكمة ، بل ولا كان في الارتكاز أيضا بمثابة لايحتاج إلى تأمل من العقل حتى يعد بذلك من القرائن الحافة الكاسرة لظهور الهيأة ، بل هو من جهة احتياجه إلى نحو تأمل من العقل يكون من القرائن المنفصلة الغير المانعة الا عن حجية الظهور لا عن أصل الظهور ، وعليه فبعد عدم انثلام ظهور الهيأة بمقتضي حكم العقل باشتراط القدرة في التكليف الفعلي فلا محالة يؤخذ بظهورها في الدلالة على قيام المصلحة في المتعلق على الاطلاق حتى في حال العجز.

هذا كله فيما لو تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه ، ومثله بل أوضح منه ما لو تباينا وجودا أيضا مع تلازمهما خارجا فإنه أيضا مندرج في باب التزاحم بالبيان المزبور.

واما لو اتحد عنوان المأمور به والمنهى عنه كاكرام العالم والهاشمي حيث كان متعلق الأمر والنهي عنوانا واحدا وهو الاكرام فمقتضى ما ذكرنا وان كان هو اعمال قواعد

٤٣٩

التزاحم فيه أيضا الا ان ظاهر الأصحاب في مثله على اعمال قواعد التعارض ، ولعل النكتة في الفرق بين الفرضين هو ان في فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه لايكون العقل مانعا بدوا عن فعلية التكليف بالعنوانين بل وانما الممنوع فيه هو فعلية التكليفين في ظرف التطبيق في المجمع ، حيث يرى بعد التطبيق كونهما من التكليف بما لايطاق ، فمن ذلك يخرج عن كونه من القرائن الحافة الكاسرة لظهور الهيأة. وهذا بخلافه في صورة وحدة عنوان المأمور به والمنهى عنه كما في العامين من وجه كاكرام العالم والهاشمي فإنه في هذا الفرض يكون العقل بدوا مانعا عن فعلية التكليفين بعنوان وحداني وعن اجتماع المحبوبية والمبغوضية فيه ، إذ يرى كون أصل التكليف به بالفعل تارة وبالترك أخرى من التناقض ، ومن هذه الجهة يكون من قبيل القرائن المتصلة الحافة ، فيوجب كسر صولة ظهور الخطابين في الفعلية ، ومعلوم انه مع انثلام الظهور المزبور لايبقى مجال كشف المناطين فيه ، فمن ذلك لابد فيه من اعمال قواعد التعارض ، إذ يكفي في اجراء قواعد التعارض فيه مجرد عدم احراز كونه من باب التزاحم كما هو واضح ، هذا.

وقد يوجه نكتة الفرق بين الفرضين بوجه آخر وحاصله : دعوى ان اعمال قواعد التعارض في فرض وحدة عنوان المأمور به والمنهى عنه انما هو من جهة ما يقتضيه العقد السلبي في كل من الخطابين ، بتقريب ان كل واحد من الخطابين في الفرض المزبور كما يكشف عن وجود مناطه فيه أي في متعلقه كك يكشف عن عدم وجود مناط آخر فيه غير مناطه ، وحينئذ فحيث ان متعلق الخطابين عنوان واحد فقهرا يقع التكاذب بين العقد الايجابي في كل منهما مع العقد السلبي في الخطاب الآخر بنحو يوجب تقديم كل خطاب الغاء الآخر بالمرة حتى من جهة دلالته على وجود مناط فيه ، فمن ذلك لابد فيه من اعمال قواعد التعارض بينهما ، وهذا بخلافه في فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه ، فإنه في هذا الفرض لا ينتهى النوبة إلى مقام معارضة الخطابين حيث لايقتضي تقديم شيء من الخطابين حينئذ الغاء الآخر عن الدلالة على وجود المناط في متعلقه بوجه أصلا ، فمن هذه الجهة يؤخذ بظهور كل من الخطابين في الدلالة على وجود الملاك والمصلحة في متعلقه حتى في المجمع ويجري عليه بعد ذلك قواعد باب التزاحم ، هذا.

ولكن يمكن الخدشة في هذا التقريب بمنع التنافي بين الخطابين في فرض وحدة عنوان المأمور به والمنهى عنه أيضا وذلك من جهة امكان ان يكون الشيء الوحداني

٤٤٠