نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

الصغرى وهو التلازم بين وجود أحد الضدين وترك الآخر مما لا كلام فيه ، فهاتان الجهتان حينئذ متعاكستان في الجهة المبحوث عنها ، وبعد ذلك نقول :

اما الجهة الأولى فتقريب الاقتضاء انما هو من جهة قضية المنافرة والمعاندة بين الوجودين وعدم اجتماعهما في التحقق ، بدعوى اقتضاء تلك المنافرة والمعاندة لمقدمية عدم الضد لوجود الضد الآخر نظراً إلى وضوح كون عدم المانع من المقدمات ومن اجزاء العلة التامة للشيء ، فإذا ثبت حينئذ مقدمية عدمه لوجود الضد الواجب فلا جرم يجب بوجوب مقدمي غيري بمقتضى كبرى التلازم بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ومع وجوبه يقع فعله لا محالة بمقتضى النهى عن النقيض حراما ومنهيا عنه ، هذا

وقد أورد عليه بمنع المقدمية نظراً إلى انتفاء السنخية بين الوجود والعدم واستحالة كون العدم من مقدمات وجود الشيء ومن اجزاء علته ، ولكن فيه ما تقدم سابقا من ابتناء هذا الاشكال على اتحاد المقدمات طرا في كيفية الدخل في وجود المعلول ورجوع دخل الجميع إلى المؤثرية والمتأثرية كما في المقتضى ، فإنه على هذا المبني لا محيص من اخراج عدم المانع بقول مطلق عن المقدمات وعن كونه من اجزاء العلة التامة نظراً إلى انتفاء السنخية بين الوجود والعدم وامتناع تأثير العدم في الوجود ، والا فبناء على اختلاف المقدمات في كيفية الدخل في المعلول ورجوع بعضها إلى كونها معطيات الوجود كما في المقتضي ورجوع بعضها الاخر إلى كونها معطيات الحدود للوجود والقابلية كما في الشرط وعدم المانع على ما شرحناه سابقا فلا مجال للمنع عن مقدمية عدم الضد بالبيان المزبور.

وحينئذ فالأولى هو المنع عن المقدمية بما في الكفاية : من دعوى عدم اقتضاء مجرد المعاندة والمنافرة بين الضدين وعدم الاجتماع في الوجود لمقدمية عدم أحدهما لوجود الاخر وللتوقف الموجب لتخلل الفاء بينهما الكاشف عن اختلافهما بحسب الرتبة بل وان غاية ما يقتضيه ذلك انما هو التلازم بين وجود أحدهما مع عدم الآخر ، كما هو الشأن أيضا في النقيضين ، حيث لايكاد اقتضاء بينهما لمقدمية ارتفاع أحدهما لثبوت الآخر ، كيف وانه لو اقتضى مجرد هذه المنافرة والمعاندة التوقف الموجب لمقدمية عدم أحد الضدين لوجود الضد الاخر لاقتضى مقدمية عدم الضد الاخر أيضا لوجود هذا الضد ، من جهة ان المعاندة والمنافرة كانت من الطرفين ، فكما ان هذا الضد لايكاد يتحقق الا في

٣٦١

ظرف عدم ضده كذلك ذلك أيضا لايتحقق الا في ظرف عدم ذلك ، وهو واضح الاستحالة ، من جهة استلزامه لكون الشيء في رتبتين ، وبيان ذلك انا لو فرضنا في مثل الصلاة والإزالة مثلا توقف الإزالة على عدم الصلاة توقف الشيء على عدم مانعه ، فلازم التوقف والمقدمية هو تقدم العدم المزبور على وجود الإزالة ، ولازم ذلك بمقتضي حفظ الرتبة بين النقيضين تقدم وجود الصلاة أيضا على الإزالة ، نظراً إلى كونها في رتبة عدمها الذي هو مقدم رتبة على وجود الإزالة ، فإذا فرضنا حينئذ بمقتضي المعاندة المزبورة توقف الصلاة أيضا على عدم الإزالة توقف الشيء على عدم مانعه يلزمه لا محالة بمقتضي حفظ الرتبة بين النقيضين تقدم الإزالة أيضا وجودا وعدما على وجود الصلاة ، ولازمه حينئذ صيرورة كل من الصلاة والإزالة في رتبة متأخرة عن الاخر الملازمة لكون كل منهما في رتبتين ، وهو كما ترى مقطوع استحالته ، وحينئذ فكان ذلك برهانا قطعيا على استحالة ما ادعى من المقدمية بين الضدين كما هو واضح ، هذا.

وقد أورد على المقدمية أيضا من جهة محذور الدور ، بتقريب انه كما يتوقف وجود أحد الضدين على عدم الضد الاخر توقف الشيء على عدم مانعه كذلك يتوقف العدم المزبور أيضا على وجود هذا الضد توقف عدم الشيء على وجود مانعه ، لبداهة ثبوت المعاندة من الطرفين والمطاردة من الجانبين ، وهو دور واضح ، من جهة توقف كل منهما حينئذ على الاخر.

وأجيب عن الدور المزبور بان فعلية التوقف انما كانت من طرف الوجود خاصة لا من طرف العدم ، بدعوى ان عدم الشيء انما يستند إلى وجود المانع في ظرف ثبوت المقتضي له مع شراشر شرائطه ، والا ففي ظرف عدم وجود المقتضي لايكاد استناده الا إلى عدم ثبوت المقتضي له لا إلى وجود المانع ، ومن ذلك ترى عدم صحة استناد عدم الاحراق إلى وجود الرطوبة مع عدم وجود النار أو عدم تحقق شرطه الذي هو المماسة والمحاذاة الخاصة ، بخلافه في ظرف وجود أصل النار وتحقق المحاذاة الخاصة ومماسة الجسم مع النار إذ صح حينئذ استناد عدم الاحراق إلى وجود المانع والرطوبة ، وعلى ذلك فحيث أنه تحقق الصارف في المقام عن الوجود فلا جرم في مثله يكون عدم الضد مستندا إلى عدم الإرادة والصارف الذي هو أسبق رتبة من المانع لا إلى وجود الضد حتى يلزم الدور ، كما هو واضح ، هذا.

٣٦٢

وقد أورد عليه الأستاذ في الدورة السابقة بأنه بعد أن كان المعلول استناده في طرف الوجود إلى مجموع اجزاء العلة من المقتضي والشرط وعدم المانع في عرض واحد بتخلل فاء واحد بينهما في قولك : ( وجدت العلة بأجزائه فوجد المعلول ) لا بتخلل فائين بقولك : ( وجد فوجد فوجد المعلول ) والايلزمه خروج مثل عدم المانع عن كونه من أجزاء العلة التامة في التأثير في تحقق المعلول ، فلا جرم بمقتضي حفظ الرتبة بين النقيضين لابد وأن يكون عدمه أيضا عند انتفاء العلة باجزائها مستندا إلى انتفاء الجميع في عرض واحد بنحو تخلل فاء واحد على نحو استناد وجوده إلى مجموع اجزاء العلة لا إلى خصوص بعض اجزائها وهو عدم المقتضي ، فيبطل حينئذ ما ادعى من الترتب والطولية بين اجزاء العلة التامة من المقتضي والشرط والمانع في مقام التأثير الفعلي في وجود المعلول ، وان ما يرى من عدم صحة استناد عدم الاحراق في المثال المزبور عند عدم وجود النار وتحقق المحاذاة الخاصة إلى الرطوبة ووجود المانع فإنما هو فيما إذا أريد استناده إلى خصوص المانع ، والا فصحة استناده حينئذ إلى عدم المجموع مما لا ريب فيه ، كما هو واضح. واما صحة استناده إلى خصوص عدم المقتضي مع انتفاء الشرط ووجود المانع أيضا فلعله من جهة اقوائية المقتضي حينئذ من بين اجزاء العلة عند العرف في استناد العدم إليه ، والا فبحسب الدقة لايكون العدم الا مستندا إلى عدم وجود علته التامة التي من اجزائها الشرط والمانع ، ومن ذلك ربما يكون الامر بالعكس في استناد العدم عرفا إلى شيء كما في الخشبة التي تحت البحر ، حيث صح استناد عدم احراقه إلى وجود الماء عند كونه تحت البحر عرفا ، ولايصح استناده إلى عدم وجود النار ، بل ولئن علل عدم احراقه إلى عدم وجود النار والحال هذه ترى بأنه يضحك عليه العرف.

وحينئذ فإذا لايكون اجزاء العلة التامة في عالم التأثير في المعلول الا في عرض واحد ومرتبة واحدة بنحو لايتخلل بينه وبين المجموع إلا فاء واحد نقول في المقام أيضا بان العلة التامة لوجود الصلاة إذا كانت هي الإرادة وترك ضدها الذي هو الإزالة حسب ما هو المفروض من مقدمية الترك للوجود ولم يكن بينهما في مقام التأثير في الأثر ترتب وطولية ، بل كان استناده إلى مجموع الامرين في عرض واحد بتخلل فاء واحد كقولك : ( وجدت الإرادة وترك الإزالة فوجدت الصلاة ) فلا جرم في طرف العدم أيضا بمقتضي حفظ الرتبة بين النقيضين لايكونان الا في رتبة واحدة ، فإذا قلب حينئذ كل من الإرادة و

٣٦٣

الترك إلى النقيض بقلب الإرادة إلى عدمها والترك إلى الفعل فقهرا يكون العدم مستندا إلى مجموع الامرين من وجود الصارف وفعل الضد الذي هو المانع ، لا انه مستند إلى خصوص الصارف وعدم الإرادة ، وعليه يتوجه محذور الدور المزبور نظراً إلى فعلية التوقف حينئذ من الطرفين ، كما هو واضح ، هذا.

ولكن الأستاذ ( دام ظله ) أجاب عن ذلك أخيرا ، وبنى على الترتب والطولية بين اجزاء العلة التامة من المقتضي والشرط والمانع ، والتزم بتقدم المقتضي على الشرط والمانع رتبة بمقتضي ما بنى عليه من اختلاف اجزاء العلة في كيفية الدخل في وجود المعلول برجوع بعضها كالمقتضي إلى كونها مؤثرات ومعطيات الوجود ، ورجوع بعضها إلى كونها معطيات الحدود للوجود كالشرط وعدم المانع ، فإنه عليه يكون المقتضي باعتبار كونه مؤثرا ومعطيا لأصل الوجود مقدما رتبة على ما يكون دخله في حدود ولو بنحو دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري ، كتقدم ذات الوجود على حده العارض عليه رتبة ، وحينئذ فعند انتفاء المقتضي ووجود المانع لا جرم يكون العدم مستندا إلى عدم ثبوت المقتضي ، ولا مجال لاستناده إلى وجود المانع أو عدم شرطه الا في ظرف ثبوت أصل المقتضي للوجود ، وحينئذ ففي المقام أيضا حيثما كان عدم الإرادة والصارف أسبق رتبة من الشرط والمانع بمقتضي حفظ الرتبة بين النقيضين فقهرا يكون العدم عند عدم الإرادة مستندا إلى الصارف لا إلى وجود المانع وهو الضد حتى يتوجه محذور الدور المزبور ، وهو واضح.

وحينئذ فالعمدة في الاشكال على المقدمية هو ما ذكرنا من لزوم كون الشيء في رتبتين نظراً إلى مقدمية ترك كل واحد من الضدين بعد كون المطاردة من الطرفين لوجود الضد الاخر ، بل ذلك أيضا لازم للاشكال الثاني أيضا نظراً إلى بقاء غائلة الدور وهو لزوم كون الشيء في رتبتين بعد على حاله وان اندفع فعلية التوقف بالبيان المزبور ، كما هو واضح.

وحينئذ فبعد ان ظهر بطلان مقدمية ترك الضد الاخر فلا جرم لايبقى في البين الا مجرد التلازم بين وجود أحد الضدين وترك الاخر ، وفي مثله نقول بان من الواضح أيضا عدم اقتضاء مجرد التلازم بين الشيئين التلازم بين حكميهما أيضا بحيث لابد وان يكون محكوما بحكم ملازمه كي بعد اثبات وجوب الترك بالمناط المزبور يحكم بحرمة نقيضه وهو الفعل بمقتضي النهى عن النقيض ، وذلك لان غاية ما يقتضيه الملازمة

٣٦٤

المزبورة انما هو عدم كون أحدهما محكوما بما يضاد حكم الاخر لا وجوب كونه محكوما بحكمه ، كيف وان دعوى سراية الحكم من أحد المتلازمين إلى الاخر مما يحكم بخلافها بداهة الوجدان والارتكاز عند طلب شيء والامر به ، من حيث وضوح وقوف الطلب والامر والحب والبغض على نفس متعلقه وعدم سرايتها منه إلى ما يلازمه من الأمور الاخر بوجه أصلا.

وعليه فلا مجال لاثبات حرمة فعل الضد حتى يترتب عليه فساده إذا كان عبادة ، لا بمناط التلازم ولا بمناط المقدمية ، خصوصا على ما تقدم منافي المبحث المتقدم من تخصيص الوجوب بالمقدمة الموصلة ، فإنه على المقدمية أيضا حينئذ لايكاد اتصاف فعل الضد المقرون بوجود الصارف بالحرمة الفعلية من جهة خروجه حينئذ عن دائرة ما هو نقيض الواجب ، من غير فرق في ذلك بين ان يكون الضدان مما لهما ثالث بحيث أمكن تركهما معا أم لا كما هو واضح.

وحينئذ فبعد ان ظهر عدم اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده الخاص لا بمناط الملازمة وجدانا ولا بمناط المقدمية برهانا نقول :

فاعلم أن الضدين اما ان يكونا متساويين بحسب الملاك والمصلحة واما لا ، بل يكون أحدهما مزية على الاخر بحسب الملاك وعلى التقديرين لا يخلوان من كونهما مضيقين أو موسعين أو مختلفين فهذه صور عديدة وينبغي التعرض لكل واحدة من الصور بما يخصها من الحكم فنقول :

أما إذا كانا متساويين في الملاك والمصلحة وكانا أيضا مضيقين ، فان لم يكن لهما ثالث كما في الحركة والسكون والنوم واليقطة فلا اشكال في أن الحكم فيهما هو التخيير عملا بمعنى اللاحرجية نظير التخيير بين الفعل والترك في النقيضين ، لا التخيير الشرعي بمعنى الالزام بأحد الفعلين فإنه بعد عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما ولا من تركهما معا فقهرا في مثله بعد تساوى الملاكين يحكم العقل فيهما بالتخيير وعدم الحرج في الفعل والترك ، ومعه لايكاد مجال لالزام شرعي في البين ولو تخييري بوجه أصلا لأنه في ظرف ترك أحد الضدين يكون الضد الاخر قهري الحصول ومعه لايبقى مجال اعمال الجهة المولوية بالامر بهما تخييرا ، كما هو واضح. ولئن شئت قلت بان الامر التخييري بشيئين بعد أن كان مرجعه إلى المنع عن ترك المجموع فلا جرم يختص بما إذا تمكن

٣٦٥

المكلف من ترك كلا الامرين كما في ضدين لهما ثالث ، والا ففي مثل المقام المفروض عدم تمكن المكلف من ترك كلا الامرين لايكاد مجال للامر التخييري واعمال الجهة المولوية لا بالنسبة إلى ترك المجموع ولا بالنسبة إلى أحد الفعلين نظراً إلى امتناع الأول في نفسه وقهرية حصول أحد الفعلين ، كما هو واضح. هذا إذا كان الضد ان مما ليس لهما ثالث.

وأما إذا كان الضدان مما لهما ثالث بحيث يتمكن المكلف من ترك كلا الامرين معا كما في الامر بانقاذ الغريقين وكما في مثل الصلاة والإزالة ففي مثله لا اشكال في أنه ليس له ترك كلا الامرين معا وانه يجب عليه الاتيان بأحد الامرين مخيرا بينهما لا مجرد التخيير بينهما عملا كما في الصورة الأولى بلا الزام شرعي أو عقلي في البين ، وذلك من جهة ان الممنوع حينئذ انما هو وجوب كل واحد منهما عليه بالزام تعييني على الاطلاق بنحو يقتضي المنع عن جميع أنحاء تروكه حتى الترك في حال وجود الاخر ، واما وجوب كل واحد منهما عليه تخييرا فلا مانع يمنع عنه بعد فرض تمكن المكلف من اتيان أحد الامرين وتمكنه أيضا من ترك الجميع ، فإنه حينئذ يكون كمال المجال لأعمال الجهة المولوية بالامر بهما تخييرا ، وهذا بخلافه في الصورة الأولى فإنه فيها من جهة عدم تمكن المكلف من ترك كلا الامرين وقهرية حصول أحد الامرين عند ترك الاخر الا جرم لايبقى في مثله مجال الامر المولوي بأحد الامرين ولو بنحو التخيير بوجه أصلا فهذا مما لا اشكال فيه ولا كلام ، وانما الكلام فيها ينتهي إليه مرجع هذا التخيير وانه هل هو راجع إلى تقييد الطلب في كل من الامرين بعدم الاخر وعصيانه؟ أو راجع إلى غير ذلك؟ بل مثل هذا الكلام لايختص بالمقام فيجري في كلية التخييرات الشرعية.

فنقول : ان المتصور في ذلك هو أمور :

أحدها : رجوعه إلى تقييد الطلب في كل من الواجبين بعدم الاخر اما بعدمه المحفوظ قبل الامر واما بعدمه المتأخر عن الامر المنتزع عنه عنوان العصيان الذي هو نقيض الإطاعة.

وثانيها : رجوعه إلى تقييد الواجب في كل منهما بعدم الاخر مع اطلاق الطلب فيهما ، وذلك أيضا اما بأخذ القيد في كل منهما مطلق عدم الاخر بنحو يقتضي وجوب تحصيله واما بأخذه عبارة عن العدم الناشي من قبل سائر الدواعي غير دعوة الامر والطلب بحيث

٣٦٦

لايقتضي الطلب وجوب تحصيله.

وثالثها : رجوعه إلى وجوب كل واحد منهما على التعيين ولكنه لا بايجاب تام بنحو يقتضي المنع عن جميع أنحاء تروكه حتى الترك الملازم مع وجوده ضده بل بايجاب ناقص مقتضاه عدم المنع الا عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك الاخر الراجع إلى ايجاب حفظ الوجود في كل منهما من قبل سائر الجهات في ظرف انحفاظ وجوده من قبل بديله وعدم ضده من باب الاتفاق ، إذ الشيء بعد أن كان له أنحاء من العدم بالإضافة إلى فوت كل مقدمة من مقدماته ووجود كل ضد من أضداده تبعا لحدود وجوده الحاصلة بالقياس إلى وجود مقدماته وعدم اضداده ، فلا جرم بعد خروج أحد تلك الاعدام من حيز التكليف اما لعدم القدرة أو لغير ذلك كما في المقام من فرض عدم تمكن المكلف من الجمع بين الوجودين لايكون قضية التكليف بالايجاد حينئذ الا وجوب سد بقية الاعدام في ظرف انسداد عدمه من باب الاتفاق من قبل بديله وضده ، ومرجعه إلى كونه أمرا بمتمم الوجود لا بالوجود على الاطلاق بنحو يقتضي وجوب سد جميع الاعدام حتى العدم الملازم مع وجود ضده ، ومرجع ذلك بالآخرة إلى تخصيص الواجب في كل منهما بما يكون ملازما مع عدم الآخر من دون ان يكون ذلك من جهة تقييد في الواجب ولا في الوجوب ، بل من جهة قصور الوجوب في نفسه حينئذ عن الشمول لغير ذلك ، هذا كله بحسب مقام التصور.

واما بحسب مقام التصديق فلاينبغي الاشكال في أن المتعين منها هو الوجه الأخير ، وذلك لما في غيره من عدم خلوه عن المحذور وذلك :

اما الوجه الأول من فرض تقييد الطلب في كل منهما بعصيان الاخر أو بعدمه من باب الاتفاق المحفوظ قبل الامر فواضح ، إذ الشق الثاني منه غير دافع لمحذور المطاردة بين الامرين ، من جهة بقاء المطاردة بينهما بعد على حاله ، بملاحظة تحقق ما هو الشرط فيهما قبل الاتيان بواحد منهما ، واما الشق الأول فهو وان اندفع به محذور المطاردة ، نظراً إلى وقوع تأثير كل منهما في رتبة الآخر الا انه يتوجه عليه حينئذ محذور طولية الامرين وتأخر كل منهما عن الاخر برتبتين حسب إناطة كل منهما بعصيان الاخر.

واما الوجه الثاني من فرض تقييد الواجب في كل منهما بعدم الاخر فهو أيضا بشقيه كذلك ، لان مقتضي الإناطة حينئذ هو تأخر كل من الواجبين رتبة عن عدم الاخر ، و

٣٦٧

لازمه بمقتضي حفظ الرتبة بين النقيضين هو تأخر كل من الوجودين عن الاخر وهو ملازم لكون كل منهما في رتبتين ، وهو كما ترى من المستحيل ، خصوصا مع ما يرد على الشق الأول منه من لزوم وقوع المطاردة بين الامرين ، بلحاظ اقتضاء اطلاق الامر في كل منهما لزوم ترك الضد الاخر من باب المقدمة واقتضاء الامر به عدم تركه ولزوم ايجاده ، إذ حينئذ يصير كل واحد منهما وجودا وعدما موردا للتكليف الإلزامي وهو محال.

وعليه فبعد بطلان الوجوه المزبورة يتعين الوجه الأخير الذي عرفت رجوعه إلى وجوب كل واحد منهما على التعيين ، لكنه لا بايجاب تام كي يقتضي النهى عن جميع أنحاء تروكه حتى الترك الملازم مع وجود الاخر بل بايجاب ناقص بنحو لايقتضي الا المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال الترك الراجع في الحقيقة إلى ايجاب متمم الوجود لا ايجاب الوجود على الاطلاق ، وفي مثله يرتفع المطاردة بين الامرين ، حيث لا تنافي بين هذين الامرين بالضدين بعد كونهما من قبيل متمم الوجود وعدم اقتضائهما لوجوب الحفظ على الاطلاق كما في الامر التأمين كما هو واضح. وعليه أيضا لا داعي إلى رفع اليد عن الامرين على الاطلاق والمصير إلى الزام عقلي تخييري فيهما بل يؤخذ حينئذ بوجوب كل منهما على التعيين غايته انه من جهة محذور المطاردة والوقوع في ما لايطاق يرفع اليد عن اطلاق الامرين واقتضائهما للحفظ على الاطلاق ويصار إلى وجوب كل منها بايجاب ناقص راجع إلى ايجاب حفظ المرام من سائر الجهات في ظرف انحفاظه من قبل ضده من باب الاتفاق ، من دون ان يكون ذلك من جهة تقييد في الطلب أو المتعلق بوجه أصلا كما لايخفى.

ومن ذلك البيان ظهر الحال في كلية التخييرات الشرعية أيضا إذ نقول برجوع الامر التخييري في جميع الموارد إلى ايجاب كل واحد من الفردين أو الافراد لكن بايجاب ناقص بنحو لايقتضي الا المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك الاخر مع كون الترك في حال وجود الاخر تحت الترخيص كما صنعه صاحب الحاشية قدس‌سره في تعريف الواجب التخييري حيث عرفة بأنه طلب الشيء مع المنع عن بعض أنحاء تروكه في قبال الواجب التعييني الذي مرجعه إلى ايجابه وطلبه مع المنع عن جميع أنحاء تروكه الراجع في الحقيقة إلى كون الواجب في كل واحد من الفردين التخييريين هي الحصة الملازمة مع عدم الاخر لا مطلق وجودهما على الاطلاق ، لا إلى وجوب الجامع بين الفردين

٣٦٨

كما افاده بعضهم ، ولا إلى وجوب أحد الفردين بلا عنوان أو أحدهما المعين عند الله وهو الذي يختاره المكلف لعلمه سبحانه أزلا بما يختاره في مقام الايجاد ، وذلك لان الأول مع أنه غير متصور في كثير من الموارد كما في فرض الدوران بين فعل شيء وترك الاخر وفي الضدين كالصلاة والإزالة مثلا مخالف لظواهر الأدلة الآمرة بكل واحد من الفردين ، من جهة وضوح ظهورها في وجوب كل واحد من الفردين بخصوصيتهما لا بما ان الوجودين كل منهما مصداق لما هو الواجب وهو الجامع كما هو واضح. واما الثاني فلما فيه أيضا بان عنوان أحد الفردين بلا عنوان امر عرضي انتزاعي لايكون له ما بإزاء في الخارج ولا كان قابلا لقيام المصلحة به فلايمكن ان يكون موردا للالزام واما مصداق أحد الفردين والخصوصيتين على نحو النكرة فهو وان كان قابلا لان يقوم به المصلحة ويصير موردا للالزام ولكنه أيضا مناف لما يقتضيه ظواهر الأدلة الآمرة بكل واحد من الوجودين. واما الثالث فهو أيضا كذلك إذ يكون منافيا لما اقتضه الأدلة الآمرة بكل واحد من الوجودين من جهة ظهورها في وجوبها كل واحد من الوجودين بخصوصيته ، نعم لا يرد عليه حينئذ محذور لزوم عدم اتصاف الوجودين بالوجوب في ظرف عصيان المكلف وعدم اختياره لواحد منهما ، وذلك من جهة وضوح ان اختيار المكلف حينئذ طريق إلى ما هو الواجب عند الله لا انه يكون له موضوعية وهو واضح.

وحينئذ فبعد بطلان الوجوه المزبورة يتعين قهرا ما ذكرنا ، إذ عليه تبقى الأدلة على ظاهرها في وجوب كل واحد من الفردين بخصوصيته غايته انه رفع لليد عما يقتضيه ظهور الوجوب في كل منهما في الوجوب التام وايجاب حفظ الوجود على الاطلاق بارجاع الوجوب فيهما إلى ايجابين ناقصين على نحو لايقتضي كل منهما بمقتضي النهى عن النقيض الا المنع عن تركه في حال ترك الآخر وذلك أيضا لا من جهة تقييد في الطلب أو المتعلق بل من جهة قصور في نفس الوجوبين حينئذ في اقتضاء حفظ الوجودين على الاطلاق حتى في حال وجود الاخر وهذا القصور أيضا ناش من جهة ما بين ملاكهما من التضاد الموجب لخروج أحد الوجودين عن كونه ذا مصلحة عند تحقق الاخر ، ونتيجة ذلك كما عرفت هو حرمة ترك كلا الوجودين ووجوب الاتيان بأحدهما كما هو واضح.

وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا في الضدين المتساويين ظهر أيضا حال ما ذا كان أحدهما أهم والاخر مهما فإنه فيهما أيضا أمكن بالتقريب المزبور الجمع بين

٣٦٩

الامرين في رتبة واحدة ، امر تام بالأهم وأمر ناقص بالمهم على نحو كان مقتضاه لزوم حفظ المهم من سائر الجهات في ظرف انحفاظه من باب الاتفاق من قبل ضده الأهم ، إذ نقول بان عمدة المحذور في عدم جواز الامر بالضدين كما عرفت انما هو محذور لزوم ايقاع المكلف فيما لايطاق بلحاظ اقتضاء كل واحد من الامرين ولو بتوسيط حكم العقل بلا بدية الإطاعة والامتثال لصرف القدرة نحو متعلقه ، إذ حينئذ بعد أن لايكون للمكلف الا قدرة واحدة ولا يتمكن من الجمع بين الإطاعتين ربما يقع المكلف من ناحية اقتضاء الامرين في محذور ما لايطاق وحيث إن ذلك ينتهى بالآخرة إلى الشارع والمولى ربما يصدق ان المولى هو الذي أوقع المكلف في ما لايطاق ، ولكن نقول بأنه من المعلوم ان هذا المحذور انما يكون إذا كان الامر ان كل واحد منهما تاما بنحو يقتضي حفظ متعلقه على الاطلاق حتى من ناحية ضده ، والا فإذا لم يكونا كذلك بل كانا ناقصين كما تصورناه في المتساويين أو كان أحدهما تاما والاخر ناقصا غير تام بنحو لايقتضي الا حفظ متعلقه من قبل مقدماته وسائر أضداده غير هذا الضد فلا محذور أصلا ، حيث لايكون مطاردة بين الامرين في مرحلة اقتضائهما حتى يكون منشأ لتحير العقل ويصدق ان المولى من جهة امره أوقع المكلف في ما لايطاق ، وذلك لان الامر بالأهم حسب كونه تاما وان اقتضى حفظ متعلقه على الاطلاق حتى من ناحية ضده فيقتضي حينئذ افناء المهم أيضا ، ولكن اقتضائه لافناء المهم انما هو بالقياس إلى حده الذي يضاف عدمه إليه لا مطلقا حتى بالقياس إلى بقية حدوده الاخر التي لا تضاد وجود الأهم وحينئذ فإذا لايكون الامر بالمهم حسب نقصه مقتضيا لحفظ متعلقه على الاطلاق حتى من الجهة المضافة إلى الأهم بل كان اقتضائه للحفظ مختصا بسائر الجهات والحدود الاخر غير المنافية مع الأهم في ظرف انحفاظه من باب الاتفاق من قبل الأهم. وبعبارة أخرى كان قضية الامر بالمهم من قبيل متمم الوجود الراجع إلى ايجاب حفظ المهم من قبل مقدماته وسائر أضداده في ظرف انحفاظه من قبل الضد الأهم من باب الاتفاق فلا جرم يرتفع المطاردة بينهما ، حيث إن الذي يقتضيه الامر بالأهم من افناء المهم بالقياس إلى الحد المضاف عدمه إليه لايقتضي الامر بالمهم خلافه ، وما اقتضاه الامر بالمهم من ايجاب حفظ متعلقه من سائر الجهات الاخر لايقتضي الامر بالأهم افنائه من تلك الجهات فأمكن حينئذ الجمع بين الامرين في مرتبة واحدة من دون احتياج إلى الترتب المعروف ، كما هو واضح.

٣٧٠

ولئن شئت فاستوضح ذلك بما إذا ألم يكن في البين الا امر واحد بشيء لكن في ظرف تحقق بعض مقدماته أو انعدام بعض أضداده من باب الاتفاق ، كما لو امر بايجاد شيء كذائي في ظرف تحقق المقدمة الكذائية ، فإنه لا شبهة حينئذ في أن ما اقتضاه مثل هذا الامر انما هو لزوم حفظ الشيء من قبل سائر المقدمات والأضداد غير تلك المقدمة الكذائية ، لا لزوم حفظه على الاطلاق ، ومن ذلك لايكاد يكون مثل هذا الامر الا أمرا بمتمم الوجود ولازمه قهرا هو خروج الواجب ببعض حدود وجوده عن حيز الالزام وصيرورته بالقياس إلى الحد المضاف إلى المقدمة الكذائية تحت الترخيص الفعلي بحيث يجوز له تفويت المأمور به من قبل تلك المقدمة كما لو أنيط وجوبه بتحقق تلك المقدمة ، وعليه نقول : بأنه كما لا منافاة بين هذا الالزام وبين الترخيص في الترك بالقياس إلى الحد المضاف إلى المقدمة الكذائية مثلا وأمكن ان يكون الشيء ببعض حدود وجوده تحت الالزام وببعض حدود وجوده تحت الترخيص كذلك لا منافاة بين هذا الالزام وبين الالزام على الترك بالقياس إلى الحد المضاف إلى ضده بتبديل الجواز هنا بالالزام فأمكن حينئذ ان يكون المهم بالقياس إلى حده الملازم مع عدم الأهم تحت الالزام بالترك ، وبالقياس إلى سائر حدود وجوده الحاصلة بقياسه إلى سائر المقدمات وعدم بقية الأضداد تحت الالزام ، بالفعل في ظرف انحفاظ وجوده من قبل عدم الأهم من باب الاتفاق ، إذ في مثل ذلك لايكاد مجال المطاردة بين الامرين في مرحلة اقتضائهما في صرف القدرة نحو متعلقه ، بل ولا المطاردة أيضا بين الإطاعتين ، بلحاظ انه في ظرف إطاعة الأهم لا موضوع لإطاعة الامر بالمهم إذ كان اطاعته خارجا رافعة لعنوان الإطاعة عن المهم لا لوجودها فارغا عن الاتصاف ، وفي ظرف إطاعة المهم كان إطاعة الامر بالأهم منطردا لمانع سابق كالشهوة مثلا لا ان إطاعة المهم كانت طاردة لإطاعة الامر بالأهم ، ومعه لا وجه لدعوى سقوط الامر عن المهم بقول مطلق في ظرف ثبوته للأهم بمحض اقتضاء الامر بالأهم افناء المهم ، بصرف القدرة نحو متعلقه ، كي نحتاج في اثبات الامر بالمهم إلى الترتب المعروف والطولية بين الامرين ، بل لنا حينئذ بمقتضى البيان المزبور اثبات الامر بالمهم في عرض ثبوت الامر بالأهم وفي رتبته.

نعم لو كان قضية الامر بالأهم حينئذ هو لزوم افناء المهم بقول مطلق حتى من قبل حدوده المضافة إلى سائر المقدمات وعدم سائر الأضداد كان اللازم هو المصير إلى سقوط

٣٧١

الامر عن المهم على الاطلاق وعدم الامر به ولو ناقصا ، ولكنه ليس كذلك قطعا لما عرفت بان القدر الذي يقتضيه الامر بالأهم من طرد المهم وافنائه انما هو طرده بالقياس إلى الحد الذي يضاف عدمه إليه لا مطلقا حتى بالنظر إلى بقية الحدود المضافة إلى مقدماته وعدم سائر أضداده ، لأنه بالقياس إلى بقية حدوده الاخر لايكون مزاحما مع الأهم حتى يقتضي طرده وافنائه ، وحينئذ فإذا فرضنا خروج المهم بحده المضاف إلى عدم الأهم عن حيز التكليف بالحفظ ولايقتضي أمره الناقص الا حفظه وسد باب عدمه بالقياس إلى بقية حدوده الاخر غير المزاحمة للأهم فلا جرم لايبقى مجال المطاردة بين مقتضي الامرين كي بالجمع بينهما يصدق بأن المولى أوقع المكلف بأمره في ما لايطاق ، فصح حينئذ الالتزام بثبوت الامر بالمهم في رتبة الامر بالأهم.

لايقال بأنه كذلك إذا كان قضية الامر بالمهم هو مجرد سد باب عدمه المضاف إلى مقدماته وسائر أضداده ولو لم ينضم إلى تلك السدود السد من قبل الضد الأهم ، وليس كذلك قطعا من جهة وضوح عدم انتاج هذا المقدار لوجود المهم فان المهم لابد في تحققه ووجوده وان ينسد جميع أبواب عدمه حتى عدمه الملازم مع وجود ضده والا فبدونه لايكاد انتهاء مجرد السد من بقية الجهات إلى وجوده بوجه أصلا ، وعليه فلابد وأن يكون مقتضى الامر بالمهم على نحو يوجب وصل بقية السدود بالسد المضاف إلى الأهم كي بذلك يتحقق الوجود ، وحيث أن ذلك يلازم قهرا الحفظ من قبل الحد المضاف إلى الأهم ، فقهرا يعود محذور المطاردة بين الامرين إذ يكون قضية الامر بالمهم حسب اقتضائه لتحقق صفة الوصل المزبور هو حفظه من ناحية حده الملازم للأهم ، وقصية الامر بالأهم حينئذ هو عدم حفظه بالقياس إلى ذلك الحد بل وجوب افنائه فيقع بينهما المطاردة.

فإنه يقال نعم ان المطلوب بالمهم وان كان هو الحفظ من بقية الحدود الملازم مع الحفظ من جهة الأهم ، ولكنه بعد خروج الحفظ من تلك الجهة عن حيز أمر المهم لرجوع امره إلى الامر بمتمم الوجود الراجع إلى ايجاب الحفظ من تلك الحفظ من بقية الجهات في ظرف انحفاظه من الجهة المزبورة من باب الاتفاق فقهرا يرتفع بينهما المطاردة والمزاحمة إذ حينئذ يصير المطلوب بالمهم هو الذات الواجدة للملازمة مع عدم الأهم من باب الاتفاق ، وفي مثله أيضا ربما يكون وصف الوصل بالملزم به من قبل المهم قهري الحصول في ظرف فعلية الامر ، من جهة كونه حينئذ من اللوازم القهرية للحفظ من قبل بقية الحدود كما هو واضح

٣٧٢

وعليه فلا بأس بالجمع بين الامرين في الضدين على نحو ما عرفت أمر ناقص بالمهم وأمر تام بالأهم ، حيث نقول بأن القدر الذي يقتضيه الأهم من عدم الامر بالمهم بمقتضى المطاردة انما هو عدم الامر به مطلقا على نحو يقتضي حفظ المهم على الاطلاق ومن جميع الحدود لا عدم الامر به بقول مطلق ولو ناقصا كما هو واضح.

ومن ذلك البيان ظهر أيضا عدم الحاجة إلى التشبث بالترتب والطولية في اثبات الامر التام بالمهم بإناطة امره بعصيان الأهم ، وذلك لأنه وان كان هذا التقريب أيضا بنفسه تقريبا تاما نفيسا ويرتفع به محذور المطاردة بين الامرين بلحاظ صيرورة الامر بالمهم حسب اناطته بعصيان الأهم في رتبة متأخرة عن سقوط امر الأهم الا أنه غير محتاج إليه بعد امكان الجمع بين الامرين في مرتبة واحدة واندفاع محذور المطاردة بينهما بجعل الامر بالمهم أمرا ناقصا غير تام ، بل ولئن تدبرت ترى كون مثل هذا التقريب في طول التقريب الذي ذكرناه وعدم وصول النوبة إلى الامر التام بمقتضى الترتب الا في فرض عدم امكان تأثير مصلحة المهم في الامر الناقص في رتبة الامر بالأهم ، وذلك من جهة أنه بعد تأثير المصلحة في الامر الناقص وصيرورة امره في رتبة الامر بالأهم قهرا يلزمه كون سقوطه أيضا في رتبة سقوط الأهم ، وحينئذ فإذا سقط الأهم بالعصيان يلزمه سقوطه عن المهم أيضا ومع سقوطه لايبقى مجال للامر التام بالمهم من جهة عدم المقتضى له في هذه الرتبة ، فمن ذلك لابد اما من تأثير المصلحة في رتبة سابقة في الامر الناقص فقط أو بقائه بلا تأثير في الرتبة السابقة وتأثيره في الامر التام في رتبة متأخرة عن العصيان ، وفي مثله من المعلوم أنه عند الدوران يكون المتعين هو الأول ، فان عدم تأثير المصلحة في الامر الناقص في رتبة الأهم وبقائها إلى المرتبة المتأخرة مما لا وجه يقتضيه بعد قابلية المحل وعدم المانع عن التأثير ، بخلافه في تأثيره في الامر التام فان عدم تأثيره فيه اما في مرتبة الأهم فمن جهة المحذور العقلي واما في مرتبة عصيانه فمن جهة عدم المقتضى له مع فرض تأثيره سابقا في الامر الناقص الساقط في مرتبة سقوط الأهم ، ففي الحقيقة يكون مرجع الدوران بينهما من قبيل الدوران بين التخصيص والتخصص ، إذ كان عدم تأثير المصلحة في الامر الناقص من باب التخصيص وفى الامر التام في الرتبة المتأخرة بعد تأثيره أولا في الامر الناقص من باب التخصص ، وفي مثله من المعلوم ان المتعين هو الثاني من جهة أولوية التخصص من التخصيص.

٣٧٣

الكلام في الترتب

نعم لو اغمض عن ذلك كان هذا التقريب في نفسه تقريبا نفسيا تاما في اثبات الامر التام بالمهم وفي رفع محذور المطاردة بين الامرين ، وتوضيح ذلك يحتاج إلى ذكر أمور :

الأول ان النسبة الواقعة في القضايا على ما مر منا غير مرة على ضربين ، فإنه تارة تلاحظ النسبة من حيث خروجها من كتم العدم إلى الوجود وأخرى تلاحظ من حيث ثبوتها ووقوعها فارغا عن أصل ايقاعها ، فهي بالاعتبار الأول تعبر عنها بالنسبة الايقاعية وبالاعتبار الثاني بالنسبة الوقوعية ، كما أن القضية باعتبار اشتمالها على النسبة الأولى تكون من القضايا التامة الملحوظ فيها ايقاع النسبة بين الموضوع والمحمول أو بين المبدء والفاعل ، كقولك زيد قائم وزيد ضرب ، وباعتبار اشتمالها على النسبة بالمعنى الثاني تكون من القضايا التقييدية والمركبات الناقصة ، وحيث إن النسبة بالمعنى الأول تكون مقدمة على النسبة بالمعنى الثاني بملاحظة تفرع الثبوت والوقوع دائما على الايقاع كانت القضايا التقييدية التوصيفية باعتبار اشتمالها على النسبة الثابتة الوقوعية في رتبة متأخرة عن القضايا التامة ونتيجة لها.

الامر الثاني لا اشكال في أن مقام عروض الإرادة وتأثيرها ، انما هو مرحلة النسبة الايقاعية ، حيث إنه كان طلب الشيء بعثا نحو الشيء وارسالا للفاعل نحو المبدء بايجاده واخراجه من كتم العدم إلى الوجود لا مرحلة النسبة الثابتة الوقوعية ، لوضوح ان مثل هذه المرحلة مرحلة وجود المراد الذي هو مرحلة سقوطه فلايمكن ان يكون ذلك ظرفا لعروض طلبه وثبوته ، كيف وانه مضافا إلى كونه حينئذ من طلب الحاصل يلزمه كون طلبه في مرتبة وجود مراده ، وهو كما ترى من المستحيل ، من جهة استحالة أن يكون للشيء سعة واطلاق يشمل مرتبة وجود معلوله وبالعكس ، بل بعد أن يكون نسبة الإرادة إلى المراد نسبة العلية والمعلولية فقهرا مقتضى تخلل الفاء بينهما هو محدودية كل منهما بحد خاص غير متجاوز عن ذلك الحد ، فيكون مرتبة الإرادة في رتبة قبل الفاء والمراد في رتبة بعد الفاء ، وفي مثله لايكاد يكون اقتضاء الإرادة وتأثيرها إلا في مرتبة ذاتها التي هي رتبة قبل الفاء دون مرتبة بعد الفاء التي هي رتبة وجود المراد بل كان مثل هذه الرتبة رتبة سقوطها عن التأثير كما هو واضح.

الامر الثالث لا اشكال في أن عنوان الإطاعة انما كان منتزعا عن مرتبة وجود المراد

٣٧٤

والمقتضى بالفتح المتأخر عن رتبة الامر والإرادة ، ومثله أيضا عنوان العصيان حيث إن انتزاعه أيضا انما كان عن مرتبة وجود المقتضى بالفتح لأنه نقيض للإطاعة فيكون ذلك أيضا في رتبة متأخرة عن الامر والإرادة ، ولازم ذلك كما عرفت هو عدم شمول الامر والإرادة لمرتبة اطاعته التي هي مرتبة وجود المراد ولا لمرتبة عصيانه ، من جهة تأخر رتبتيهما عن رتبته ، ومن ذلك يكون اقتضائه للتأثير دائما في مرتبة قبل العصيان ، نعم قضية تقارن العلة زمانا مع المعلول انما هو وجود الامر في زمان الإطاعة والعصيان ، ولكن مع ذلك كل في رتبة نفسه ، كما في حركة اليد وحركة المفتاح ، حيث أنهما مع تقارنهما زمانا يكون كل منهما في رتبة نفسه إحديهما قبل الفاء والأخرى بعده ، وهو واضح.

وإذ عرفت ذلك نقول : بان مقتضى إناطة امر المهم بعصيان الأهم قهرا وقوع امره حسب الإناطة المزبورة في رتبة متأخرة عن العصيان المتأخر عن الامر بالأهم ، ومعه يرتفع لا محالة محذور المطاردة بين الامرين حيث إنه في مرتبة اقتضاء امر الأهم لا امر بالمهم حتى يزاحم مع الأهم في اقتضائه ، من جهة أن أمره انما كان في رتبة متأخرة عن العصيان الذي هو متأخر عن الامر بالأهم ، وفي مرتبة ثبوت الامر للمهم واقتضائه في التأثير لا وجود للامر ولا اقتضاء له في التأثير حيث كان مثل هذه المرتبة مرتبة سقوطه عن التأثير دون ثبوته ، وعليه فما اجتمع الأمران في مرتبة واحدة حتى يقع بينهما المطاردة والمزاحمة في مرحلة اقتضائهما في التأثير.

واما ما قيل كما في الكفاية بأن طلب المهم وان لم يكن في مرتبة طلب الأهم فلا يلزم في تلك المرتبة اجتماع طلبهما الا أنه في مرتبة طلب المهم كان اجتماع لطلبهما من جهة فعلية الامر بالأهم أيضا في تلك المرتبة بملاحظة عدم سقوطه بعد ما لم يتحقق المعصية ، ومعه يتوجه محذور المطاردة والمزاحمة في تلك المرتبة ، فمدفوع بما عرفت في المقدمة الثالثة من استحالة أن يكون لكل امر اطلاق وسعة يشمل مرتبة إطاعة نفسه وعصيانه ، كيف وأنه إذا فرض انه لايكون الامر بالمهم في مرتبة الامر بالأهم لكونه في رتبة متأخرة عن العصيان المتأخر عن الامر بالأهم فكيف يمكن ان يكون الامر بالأهم في مرتبة الامر بالمهم ، ومجرد وجود أمر الأهم وفعليته في زمان العصيان أيضا لا يقتضى وجوده وفعليته في مرتبته ، فضلا عن كونه في المرتبة المتأخرة عن العصيان التي هي رتبة الامر بالمهم ، كما عرفت نظيره في مثل حركة اليد والمفتاح ، حيث أنهما مع كونهما

٣٧٥

متقارنتين زمانا متفاوتتان بحسب المرتبة بنحو يتخلل بينهما الفاء في قولك وجدت فوجدت ، وعليه فلا يبقى في البين الا مجرد مقارنة الامرين زمانا واجتماعهما في زمان واحد ، ولكنه بعد اختلافهما بحسب الرتبة وكون المدار في التأثير على الرتبة لا الزمان كما في كلية العلل والمعلولات لايكاد يضر حيث اجتماع طلبهما بحسب الزمان ، إذ كان اقتضاء كل واحد من الامرين وتأثيره حينئذ في مرتبة نفسه ، فكان تأثير الامر الأهم في رتبة قبل العصيان وتأثير المهم في رتبة بعد العصيان ، فتدبر.

ثم إنه مما ذكرنا ظهر لك حال بقية الشقوق والصور من فرض كونهما موسعين أو مختلفين أيضا ، فعلى ما ذكرنا من امكان الجمع بين الامرين بالضدين إما بنحو ما ذكرنا أو بنحو الترتب لا بأس باتيان ما هو الموسع منهما بداعي أمره ، فإذا كان الموسع عبادة كان للمكلف التقرب بها باتيانها بداعي أمرها بلا احتياج في تصحيحها إلى حيث رجحانها الذاتي ، نعم لو بنينا على مسلك من يقول باستحالة الجمع بين الامر بهما ولو في رتبتين أيضا لكان المتعين حينئذ في تصحيحها هو حيث رجحانها الذاتي ، من جهة انه بمزاحمة هذا الفرد مع المضيق فقهرا بحكم العقل يخرج عن دائرة الطبيعة المأمور بها ، ومع خروجه عنها لا جرم يختص الامر أيضا بغيره من الافراد الاخر ، فلا يبقى مجال تصحيحها حينئذ باتيانها بداعي أمرها.

واما توهم أن الفرد المزاحم مع المضيق بعد كونه كالأفراد الباقية في الوفاء بالغرض وعدم كون خروجه من باب التخصيص الكاشف عن خلوه عن المصلحة والوفاء بالغرض رأسا فأمكن التقرب به باتيانه بقصد الامر بالمتعلق بالطبيعة والجامع ، فمدفوع بأن داعوية الامر في التكاليف بعد أن كانت عبارة عن كون الامر علة فاعلية للايجاد فلا جرم بخروج هذا الفرد عن دائرة الطبيعة المأمور بها يتضيق دائرة الطبيعي المأمور به بما عدا هذا الفرد ، ومعه لايكاد اقتضاء للامر المتعلق بالطبيعة بالنسبة إليه في الداعوية حتى يصح جعله داعيا ومحركا نحوه بالايجاد ، وهذا هو الذي اشتهر بينهم بأن الامر لايدعو الا إلى متعلقه من جهة أن داعوية الامر انما هي باقتضائه للايجاد فمع عدم اقتضاء فيه بالنسبة إلى هذا الفرد يستحيل داعويته نحوه كما هو واضح.

ثم إن هذا كله فيما يتعلق بالضد الخاص.

واما الضد العام بمعنى الترك فلا إشكال فيه في اقتضاء الامر بالشيء للنهي عنه

٣٧٦

كما تقدم ، وانما الكلام والاشكال في أنه هل هو بنحو العينية أو التضمن أو من جهة الالتزام حيث إن فيه وجوها ، وفي مثله كان المتعين هو الأخير من كونه على نحو الالتزام دون العينية والتضمن.

وذلك اما عدم كونه بنحو العينية فواضح ، فإنه لا وجه له الا توهم ان حقيقة النهى عبارة عن طلب الترك قبال الامر الذي هو عبارة عن طلب الوجود وان ترك الترك في المقام بعد أن كان عبارة أخرى عن الوجود الذي هو طارد العدم قهرا كان طلب الوجود أيضا عبارة أخرى عن النهى عن النقيض الذي هو عبارة عن طلب ترك الترك ومقتضاه حينئذ هو عينية الامر بالشيء مع النهى عن النقيض بحسب المنشأ وان لم يكن كذلك بحسب المفهوم ، ولكنه فاسد جدا ، وذلك لما سيجيء من أن حقيقة النهى عن الشيء ليس الا عبارة عن الزجر عن الوجود في قبال الامر الذي هو الارسال والبعث نحو الوجود لا أنه عبارة عن طلب الترك كي يلزمه اشتراكه مع الامر في جزء المدلول وهو الطلب فيلزمه عينيتهما في المقام بحسب المنشأ ، وعليه فمن الواضح المغايرة التامة بين مدلوليهما علاوة عما كان بين مفهوميهما من المغايرة ، كما هو واضح.

واما عدم كونه بنحو التضمن والجزئية فظاهر أيضا ، من جهة ابتناء القول بالجزئية على تركب الوجوب من طلب الفعل مع المنع عن الترك ، والا فعلى التحقيق من بساطة حقيقة الوجوب وعدم تركبه لايبقى مجال دعوى كون الاقتضاء المزبور من جهة التضمن.

وحينئذ يتعين الامر بكونه على نحو الالتزام ، نظراً إلى ما هو الواضح من الملازمة التامة بين إرادة الشيء وكراهة تركه بحسب الارتكاز بحيث لو التفت إلى الترك ليبغضه ويمنع عنه ، نعم لا بأس بدعوى العينية بينهما بحسب الانشاء بلحاظ كونه مبرزا عن مبغوضية الترك كابرازه عن محبوبية الوجود ومطلوبيته فتدبر.

٣٧٧

المبحث السادس

قد اختلفوا في جواز امر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه وعدم جوازه على قولين ، وقد نسب القول بالجواز إلى الأشاعرة ، ولكن الظاهر أن المراد من الشرط المنتفى انما هو شرط وجود المأمور به لا شرط نفس الامر ، لان ذلك مما لا مجال للنزاع فيه ، إذ لاينبغي الاشكال في عدم جوازه حتى من الأشاعرة المنكرين للتحسين والتقبيح العقليين ، نظراً إلى رجوعه حينئذ إلى البحث عن جواز تحقق المعلول بدون علته التامة ، وهو كما ترى لا يتوهمه من له أدنى شعور ، هذا إذا أريد من الانتفاء الانتفاء بقول مطلق ، واما لو أريد انتفاء شرط بعض مراتب الامر فهو أيضا مما لاينبغي الاشكال في جوازه ، فإنه إذا كان للامر مراتب من حيث الانشاء والفعلية والتنجز أمكن لا محالة الامر به بمرتبة انشائه مع انتفاء شرطه بالنسبة إلى مرتبة فعليته أو مرتبة تنجزه أو الامر به بمرتبة فعليته مع انتفاء شرط مرتبة تنجزه ، إذ لا محذور عقلايترتب عليه كي يصار لأجله إلى عدم جوازه وامتناعه ، كيف وان الدليل على امكانه حينئذ هو وقوعه في العرفيات والشرعيات كما في موارد الأصول والامارات المؤدية إلى خلاف الواقع ، بل ولعل كثيرا من الاحكام بعد واقفة على مرتبة انشائها ولم تصل إلى مرتبة فعليتها إلى أن يقوم الحجة عجل الله تعالى فرجه كما لعله من ذلك أيضا قوله عليه‌السلام : « ان الله سبحانه سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا الخ » وحينئذ فيتعين إرادة انتفاء شرط وجود المأمور به ، وعليه أيضا ينبغي تخصيص مورد النزاع بالانتفاء الموجب لسلب قدرة المأمور على الامتثال واتيانه واجدا لشرطه لا مطلق الانتفاء ولو المستند إلى اختيار المكلف مع تمكنه من تحصيله ، فان ذلك أيضا مما لا

٣٧٨

مجال للنزاع فيه ، إذ لا اشكال في جواز ذلك كما في تكليف الجنب بالصلاة عند دخول الوقت مع تمكنه من تحصيل الطهارة ، ومن ذلك كان الواجب عليه حينئذ تحصيل شرطها الذي هي الطهارة ، فإنه لولا وجوب الصلاة عليه لما كان الواجب عليه تحصيل الطهارة ، وهو واضح بعد وضوح كون وجوب الطهارة عليه وجوبا غيريا ترشحيا من وجوب ذيها.

وعليه فيرجع هذا النزاع إلى النزاع المعروف بين الأشاعرة وغيرهم من جواز تعلق التكليف بالمحال وعدم جوازه من جهة رجوع التكليف بالمشروط حينئذ مع انتفاء شرط المأمور به وعدم تمكن المكلف من تحصيله إلى التكليف بالمحال وبما لايقدر عليه المكلف ، فيندرج حينئذ في ذلك النزاع الذي أثبته الأشاعرة حسب زعمهم الفاسد من انكار التحسين والتقبيح العقليين وتجويزهم على الله سبحانه تكليف عباده بما لا يقدرون عليه. وربما يبتني ذلك أيضا على النزاع المتقدم في مسألة وحدة الطلب والإرادة وتغايرهما ، بجعل الطلب عبارة عن معنى قابل للتعلق بالمحال مع كونه موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال ، كما هو ظاهر استدلالهم بالمغايرة ، إذ حينئذ على القول بالاتحاد كما هو التحقيق يكون عدم جوازه من جهة كون التكليف بنفسه محالا لا من جهة انه تكليف بالمحال ، نظراً إلى وضوح استحالة تعلق الإرادة الفعلية بالممتنع ، بخلافه على القول بالمغايرة فان المحذور فيه انما هو من حيث كونه تكليفا بالمحال وبما لايقدر عليه المكلف ، وفي مثله نقول بأنه على القول بالمغايرة وتسليم هذا المبنى الفاسد لا باس بالقول بالجواز في المقام ، ولكن الذي يسهل الخطب هو فساد أصل المبني لما عرفت في محله من اتحاد حقيقة الطلب والإرادة وانه لايتصور معنى آخر يكون هو الطلب في قبال الإرادة بحيث كان موضوعا للحكم بوجوب الامتثال وكان قابلا أيضا للتعلق بالمحال ، وعليه فكان التحقيق في المقام هو عدم جوازه من جهة ما عرفت من كون مثل هذا التكليف بنفسه محالا ، كما هو واضح.

٣٧٩

المبحث السابع

( في أنه هل الامر والطلب متعلق بالوجود أو الطبيعي )

وقبل الخوض في المرام ينبغي بيان ما هو مركز التشاجر والكلام بتمهيد مقدمتين : فنقول :

المقدمة الأولى : لا اشكال في أنه على كلا القولين في المسألة لابد عند طلب شيء والامر به من لحاظ موضوع الطلب وتصوره واحضاره في الذهن ، كي بذلك يتمكن من طلبه والبعث إليه والا فبدونه يستحيل تحقق الطلب والبعث إليه وهو واضح.

الثانية : ان من المعلوم ان لحاظ الطبيعة يتصور على وجوه : منها لحاظها بما هي في الذهن ومحلاة بالوجود الذهني ، ومنها لحاظها بما هي شيء في حد ذاتها ، ومنها لحاظها بما هي خارجية بحيث لايلتفت إلى مغايرتها واثنينيتها مع الخارج ولا يرى في هذا اللحاظ التصوري الا كونها عين الخارج ومتحدة معه بحيث لو سئل بأنه أي شيء ترى في هذا اللحاظ يقول بأنه ما أرى الا الخارج وان كان بالنظر التصديقي يقطع بخلافه فيرى كونها غير موجودة في الخارج.

وفي ذلك نقول : بان من الواضح أيضا انه ليس المقصود من تعلق الامر بالطبيعي عند القائل به هو الطبيعي بما هو موجود في الذهن من جهة وضوح انه بهذا الاعتبار مع كونه كليا عقليا غير قابل للصدق على الخارج لايكون مما تقوم به المصلحة حتى يتعلق به الامر والطلب ، فلا يتوهم أحد حينئذ تعلق الطلب والامر به بهذا الاعتبار كما لايخفى ، كوضوح عدم كون المقصود أيضا هو الطبيعي بالاعتبار الثاني من جهة وضوح ان الطبيعة بهذا الاعتبار ليست الا هي فلا تكون هي أيضا مركب المصلحة حتى يتعلق بها الامر والطلب ، بل وانما المقصود من ذلك عند القائل به هو الطبيعي بالاعتبار الثالث الذي يرى كونها عين الخارج.

وعليه فمركز النزاع بين الفريقين في أن معروض الطلب وموضوعه هو الطبيعة أو الوجود انما هو في الطبيعي بالاعتبار الثالث فالقائل بالطبيعي يدعي تعلق الطلب والامر بنفس الطبيعي والعناوين بما هي ملحوظة كونها خارجية لا بمنشأ انتزاعها وهو الوجود

٣٨٠