نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

اختصاص شمولها لكل جزء من المركب بحال انضمام بقية الاجزاء أيضا وقصورها بنفسها لضمنيتها عن الشمول لجزء عند عدم انضمام بقية الاجزاء ، وذلك انما هو بتقريب ان دخل كل مقدمة وان لم يكن الأسد باب عدم ذيها من قبلها وفي ذلك أيضا لا يفرق بين حال انفكاكها عن بقية المقدمات الملازم لعدم الايصال إلى ذيها وبين حال عدم انفكاكها عنها ، من جهة انه بتحقق كل مقدمة يترتب عليها لا محالة الحفظ من جهة وسد باب العدم الذي هو ملاك وجوبها الغيري ، انضمت إليها بقية المقدمات أم لا ، ترتب عليها وجود ذيها في الخارج أم لم يترتب ، الا ان التكليف المتعلق بكل واحد من السدود المزبورة حيثما كان تكليفا انحلاليا ضمنيا حسب انحلال التكليف بالواجب إلى تكاليف متعددة متعلقة بالسدود المزبورة وكان من جهة ضمنيته في تعلقه بالسد من هذا الجهة وتلك الجهة قاصر الشمول لحال عدم تحقق بقية السدود وعدم انحفاظ المطلوب من الجهة الأخرى على ما هو شأن كلية التكاليف الضمنية في المركبات الارتباطية فلا جرم نقصها وقصورها ذلك يوجب كون الطلب الغيري المترشح منها إلى المقدمات الموجبة للسدود المزبورة أيضا طلبا ناقصا غير تام بنحو يقصر في تعلقه بكل مقدمة عن حال انفرادها عن بقية المقدمات الاخر إذ لايمكن حينئذ ان يكون هذا الطلب الغيري الناشي من الطلب الضمني طلبا مستقلا تاما في حد نفسه وقابلا للامتثال على الاطلاق حتى في ظرف عدم تحقق بقية المقدمات للتالي ، مع كون الطلب المترشح منه هذا الطلب الغيري طلبا ناقصا غير تام في نفسه ، وفي ذلك أيضا لا يفرق بين ان نقول بكون المقدمات بأجمعها تحت تكليف واحد أو تحت تكاليف متعددة بصيرورة كل مقدمة تحت تكليف غيري مستقل ، فإنه على كل تقدير لايكون المترشح الا تكليفا غير يا ناقصا وذلك : اما على الأول فظاهر لأنه بعد خروج الإرادة التي هي من المقدمات عن حيز التكليف فقهرا يكون التكليف المتعلق ببقية المقدمات تكليفا ناقصا غير تام واما على الثاني فكذلك لكونه مقتضي ضمنية الطلب المتعلق بالسدود المزبورة.

وعلى ذلك نقول : بأنه إذا كان التكليف المتعلق بكل مقدمة تبعا للتكليف النفسي الضمني المترشح منه ناقصا غير تام نفسه بنحو يقصر عن الشمول لحال عدم تحقق بقية المقدمات فلا جرم يوجب نقصه وقصوره ذلك تخصيص المطلوب أيضا بما لايكاد انفكاكه عن بقية المقدمات التي منها الإرادة الملازم ذلك مع الايصال إلى وجود ذيها في

٣٤١

الخارج ، ومعه يكون الواجب قهرا عبارة عن خصوص ما هو ملازم مع الايصال بنحو لايكاد انفكاكه في الخارج عن وجود الواجب لا مطلق وجود المقدمة ولو في حال الانفكاك عن الايصال وعن ترتب الواجب عليها ، وعليه فالواجب بما هو واجب وان لم يكن مقيدا بقيد الايصال ولكنه لقصور في حكمه عن الشمول لحال انفكاك عن بقية المقدمات لايكون مطلقا أيضا بنحو يشمل حال عدم الايصال إلى وجود ذيه فهو أي الواجب حينئذ عبارة عن ذات المقدمة بما انها توأمة وملازمة مع الايصال وترتب ذيها عليها ، لا بشرط الايصال كما هو مقتضي كلام الفصول ولا لا بشرط الايصال كما هو مقتضي القول بوجوب المقدمة مطلقا كما لايخفى.

ومن ذلك البيان ظهر ان مجرد تمامية المقدمة بذاتها فيما هو ملاك الوجوب الغيري وهو الحفظ من جهة غير مقتض لاتصافها بالوجوب على الاطلاق ولو في حال انفكاكها عن سائر المقدمات الاخر وعدم ايصالها إلى ذيها ، إذ نقول بأنه انما يقتضي ذلك لولا ما في حكمها من القصور الناشئ من قصور الامر الضمني عن الشمول للسد من جهة ولو مع عدم تحقق بقية السدود والا فمع مثل هذا القصور في الحكم لايكاد اتصافها بالوجوب أيضا الا في ظرف اجتماع بقية المقدمات الاخر.

كما أنه من ذلك ظهر حال الغرض الداعي إلى الامر بالمقدمة أيضا فان الغرض من الامر بكل مقدمة وان كان هو جهة وفائها بما يخصها من سد باب عدم ذيها من قبلها الا انه من جهة ضمنيته باعتبار تعلقه بمجموع السدود يكون قاصر الشمول في تعلقه بالسد من هذه الجهة عن حال عدم تحقق بقية السدود ، فمن ذلك لايكاد اقتضائه لايجاب المقدمة الا في حال تحقق سائر المقدمات الملازم لتحقق بقية السدود من الجهات الاخر أيضا ، والا لاقتضى وجوب الاتيان ولو بمقدمة واحدة عنه عدم التمكن من الاتيان بسائر المقدمات نظراً إلى تمامية تلك المقدمات حينئذ ووفائها بما هو ملاك وجوبها الغيري ، مع أنه ليس كذلك قطعا فتأمل.

وعلى ذلك فلا يبقى مجال لا ثبات وجوبها مطلقا كما أفيد في الكفاية من دعوى انه من المعلوم بداهة سقوط التكليف عن المقدمة بمجرد الاتيان بها من دون انتظار ترتب ذيها عليها في ذلك بحيث لايبقى مع الاتيان بها الا طلبه وايجابه بالنسبة إلى ذيها كما لو لم تكن هذه بمقدمة أو كانت حاصلة من أول الامر ، وحينئذ فلو اعتبر في اتصافها بالوجوب ترتب

٣٤٢

ذيها عليها خارجا لما كاد يسقط عنها التكليف بمجرد الاتيان بها ، مع أن سقوط التكليف عنها حينئذ في الوضوح كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار ، كوضوح ان سقوطه عنها أيضا انما كان من جهة الموافقة لا من جهة ارتفاع الموضوع أو العصيان والمخالفة فسقوط التكليف عنها حينئذ وعدم الامر بها ثانيا بعد الاتيان بها كاشف قطعي عن وقوعها على صفة الوجوب وعدم دخل حيث الايصال إلى ذيها في ذلك

إذ نقول : مضافا بالنقض باجزاء المركبات الارتباطية والمشروطات بالشرط المتأخر المعلوم فيها أيضا عدم وجوب الاتيان ثانيا بالجزء المأتي به من المركب ما دام على صلاحيته للانضمام ببقية الاجزاء مع معلومية عدم سقوط الامر عنه الا بعد لحوق الجزء الأخير من المركب بلحاظ توأمية الأوامر الضمنية المتعلقة بالاجزاء ثبوتا وسقوطا ان عدم وجوب الاتيان بالجزء المأتى به هناك وبالمقدمة في المقام انما هو من جهة سقوط الامر حينئذ عن المحركية والفاعلية لا من جهة سقوطه بالمرة ، فحيث انه لم يكن قصور في طرف المأتى به أوجب اتيانه سقوط امره عن الفاعلية والمحركية نحو الاتيان ثانيا وثالثا ولكن الامر والتكليف لقصور فيه قد بقى على فعليته إلى حين لحوق بقية الاجزاء في المركبات وتحقق بقية المقدمات في المقام ، ومن ذلك لو فرض خروج المأتى به عن القابلية بالمرة يجب الاتيان به ثانيا بنفس التكليف الأول ، وليس ذلك الا من جهة بقاء التكليف به بعد ذلك على فعليته وكون الساقط مع الاتيان هو مرتبة محركيتها لا مرتبة فعليته ، ولا تنافي أيضا بين فعلية الامر والتكليف وعدم فاعليته حيث أمكن التفكيك بينهما ومن ذلك أيضا فككنا نحن بين التكليف وفاعليته فيما تصورناه من الواجب المشروط ، وعليه فلا مجال للكشف عن وجوب المقدمة على الاطلاق بمحض سقوط الامر بها عن المحركية والفاعلية باتيان ذات المقدمة.

بل لا محيص ، بمقتضي ما ذكرنا من المصير إلى أن الواجب من المقدمات هو خصوص ما يلازم خارجا مع الايصال وترتب ذيها في الخارج عليها ، فيكون حيثية الايصال على ذلك حينئذ من قبيل العناوين المشيرة إلى ما هو الواجب بأنه عبارة عن الذات الخاصة التوأمة مع الايصال بنحو لايكاد انفكاكها في ظرف التطبيق على الخارج عن وجود ذيها وكان اخذه في الموضوع أيضا في قولنا : ( الواجب هو المقدمة الموصلة ) لمحض كونه معرفا لما هو الواجب لا من جهة كونه قيدا له كما يقتضيه ظاهر كلام الفصول قدس‌سره كما

٣٤٣

هو واضح.

نعم قد يقال حينئذ بعدم انفكاك هذا القول عن القول باعتبار قصد التوصل نظراً إلى دعوى احتياج امتثال الامر الغيري حينئذ إلى تطبيق عنوان الواجب على المأتى به واحتياج التطبيق المزبور إلى قصد التوصل بالمقدمة إلى ذيها أو قصد ذيها ، من جهة انه بدون القصد المزبور لايكاد تطبيق عنوان الواجب على المأتى به حتى يصح اتيانها بداعي أمرها ، فمن ذلك لايكاد انفكاك القول بوجوب المقدمة الموصلة عن القول باعتبار قصد التوصل ، ولكنه مدفوع إذ نقول بان المحتاج إليه في مقام تطبيق عنوان الواجب على المقدمة انما هو العلم بترتب ذيها عليها خارجا فيكفي حينئذ مجرد العلم بتحقق الواجب فيما بعد في تطبيق الواجب على المأتى به وان لم يكن من قصده التوصل بالمقدمة إلى ذيها ولا كان أيضا قاصدا ومريدا لذيها حال الاتيان بها بوجه أصلا كما لايخفى.

بقى الكلام في بيان الثمرة بين القولين

فنقول : قد يقال كما في الفصول : بظهور الثمرة بين القولين في الضد العبادي الذي يتوقف على تركه فعل الواجب بناء على مقدمية ترك الضد لفعل الضد الواجب كما في الصلاة بالنسبة إلى الا زالة ، فإنه على القول بوجوب مطلق المقدمة تقع العبادة فاسدة لا محالة من جهة كون فعلها حينئذ نقيضا للترك الواجب وصيرورتها حراما ومبغوضا بمقتضى النهى عن النقيض ، واما على القول بوجوب المقدمة الموصلة فلا تبطل بل تصح من جهة خروج فعلها حينئذ عن كونه نقيضا للترك الواجب ، نظراً إلى أن الواجب بعد كونه عبارة عن الترك الخاص فنقيضه لايكون الا رفعه الذي هو ترك الترك الخاص دون الفعل المطلق ، بشهادة امكان ارتفاع كل من الفعل المطلق والترك الموصل بالترك المجرد غير الموصل كامكان ارتفاع كل من الترك الموصل والترك المجرد بالفعل المطلق ، مع وضوح امتناع ارتفاع النقيضين كاجتماعهما ، وحينئذ فإذا لم يكن الفعل المطلق نقيضا للترك الموصل بل كان مما يقارن ما هو النقيض ، من رفع الترك الخاص المجامع معه تارة ومع الترك المجرد أخرى ، فلا جرم لا يحرم أيضا بمقتضي وجوب الترك الموصل ، ومعه تقع صحيحة لا محالة بلحاظ عدم سراية حرمة الشيء إلى ما يلازمه ويقارنه ، هذا.

٣٤٤

وقد أورد عليه بأنه يكفي في فساد العبادة وبطلانها حينئذ مقدمية فعلها لترك الضد الواجب ، فان مقتضى مبغوضية الترك المزبور حينئذ انما هو مبغوضية ما هو عليه ، فإذا فرض ان العبادة كانت مقدمة وعلة لترك الواجب فلا جرم تقع مبغوضة ومعه تقع فاسدة من هذه الجهة ، فلايحتاج حينئذ إلى اثبات كون فعلها نقيضا للترك الواجب كي يشكل بما أفيد بان الفعل المطلق لايكون نقيضا للترك الخاص وانما كان مقارنا لما هو النقيض من رفع الترك الخاص المجامع معه تارة ومع الترك المجرد أخرى ، ولايقتضى حرمة شيء أيضا حرمة ما يلازمه ويقارنه إذ على كل تقدير تقع العبادة حينئذ فاسدة سواء على القول بوجوب مطلق المقدمة أو القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة.

ولكن فيه انه مبنى على مقدمية فعل الضد لترك الضد الاخر ، وهو في محل المنع ، فان القائل بمقدمية الضد انما يدعى فعلية التوقف من طرف الوجود خاصة لا مطلقا حتى من طرف العدم أيضا ، ومن ذلك يمنع استناد الترك المزبور إلى وجود ضده بل يسنده إلى الصارف وعدم تحقق مقتضيه وهو الإرادة ، وحينئذ فإذا كان الترك مستندا إلى الصارف وعدم الإرادة لا إلى وجود ضده فلا جرم تكون الثمرة المزبورة على حالها ، حيث لا موجب في البين حينئذ يقتضي حرمة العبادة على القول بالمقدمة الموصلة حتى تقع فاسدة ، كما هو واضح.

وحينئذ فالأولى في الاشكال عليه هو المنع عن كون الفعل مما يقارن النقيض وانه بنفسه نقيض للترك الواجب بدعوى ان نقيض المقيد بعد انحلاله إلى جزئين أحدهما ذات الترك والاخر التقيد بالخصوص يتحقق بأحد الامرين : اما بقلب ذات الترك أو بقلب التقيد ، فنقيض الترك كان هو الفعل ونقيض القيد هو عدم التقيد ، وحينئذ فإذا تحقق أحد الامرين لا محالة ينطبق عليه النقيض ويصير مبغوضا ، كما هو ذلك أيضا في كلية المركبات ، ومن ذلك اشتهر ان المركب كما ينتفي بانتفاء مجموع الاجزاء كذلك ينتفي بانتفاء أحد اجزائه ، وعلى ذلك نقول بأنه إذا تحقق الفعل الذي هو نقيض ذات الترك فبتحققه ينطبق عليه أول نقيض وبذلك يصير مبغوضا ، فيصير فاسدا لا محالة إذا كان عبادة.

واما الاشكال عليه : بأنه بعد معلومية انه لايكون لوجود واحد الا نقيض واحد فلابد من اعتبار جامع في البين يكون هو النقيض حقيقة ، وهو غير متصور في المقام ، نظراً إلى

٣٤٥

عدم تصور الجامع بين الوجود والعدم ، فلابد حينئذ من جعل النقيض عبارة عن رفع الترك الخاص الملازم للوجود والغاء الفعل بالمرة عن كونه نقيضا للترك الخاص ومعه تتم الثمرة المزبورة ، فمدفوع بأنه كذلك إذا كان وحدة الموضوع ذاتية والا فلو كانت اعتبارية كما في المقام وفي كلية المركبات فلا جرم حسب تكثر الوجودات يتكثر النقيض أيضا حقيقة ، غايته انه من جهة ان المجموع تحت امر واحد لا يتصف بالمبغوضية الا أحد النقائض المنطبق عليه أول نقيض ، من جهة خروج البقية بعد ذلك عن دائرة المحبوبية الضمنية بقلب وجود واحد منها بالنقيض.

ولئن شئت قلت : بان المركبات كما أن وحدتها ليست الا بالاعتبار والا فهي متكثرات حقيقة كذلك الامر في نقيضها فوحدتها أيضا لا تكون الا بالاعتبار ، وقضية ذلك كما عرفت هي مبغوضية أحد النقائض المنطبق عليه أول نقبض من جهة خروج البقية بعد ذلك عن دائرة المبغوضية من غير فرق في ذلك بين المركبات الخارجية كالصلاة والحج والوضوء والغسل وبين المركبات التحليلية كالمقيدات من جهة انه وان لم يكن للمقيد في الخارج الا وجود واحد ولا كان لحيثية التقيد ما بإزاء في الخارج الا ان تعدد الجهات والحيثيات فيه لما كانت توجب انحلال الامر به إلى الأوامر المتعددة تكون لا محالة كالمتكثرات الخارجية فيكون لكل حيثية نقيض مستقل غير أنه كان المتصف بالمبغوضية هو أول نقيض من جهة خروج بقية الحيثيات الاخر بعد ذلك عن دائرة المطلوبية ، وعليه نقول في المقام أيضا بان نقيض ذات الترك الذي هو إحدى الحيثيات المأخوذة في الموضوع بعد أن كان رفعه المساوق للوجود الذي هو الفعل فقهرا يصير الفعل بمقتضى النهى عن النقيض مبغوضا ومنهيا عنه ، ومعه يقع لا محالة باطلا إذا كان عبادة ، فيرتفع حينئذ الثمرة المزبورة ، من جهة بطلان الضد العبادي حينئذ على كل تقدير.

ثم إن هذا كله مسلك اخذ الايصال قيدا للواجب كما عليه ظاهر الفصول قدس‌سره واما على ما سلكناه في تخصيص الوجوب المقدمة الموصلة من جعل الموضوع عبارة عمالايكاد انفكاكه عن بقية المقدمات الاخر الملازم قهرا مع الايصال وترتب وجود ذيها في الخارج فلا بأس باستنتاج النتيجة المزبورة في تصحيح الضد العبادي ، إذ نقول حينئذ بان الوجوب المتعلق بالمقدمة بعد كونه ناقصا غير تام بنحو لايكاد يشمل الا الترك في حال إرادة الضد الواجب فلا محالة يكون البغض الناشئ من

٣٤٦

هذا الوجوب الناقص بالنسبة إلى النقيض وهو الفعل أيضا بغضا ناقصا غير تام بحيث لنقصه وقصوره لا يشمل الا الفعل في حال إرادة الضد ، لا مطلق وجوده ولو في ظرف الصارف وعدم إرادة الواجب ، وحينئذ فإذا خرج الفعل في ظرف الصارف وعدم الإرادة عن دائرة المبغوضية لاختصاص البغض بالفعل في حال إرادة الواجب ولم يتمكن أيضا من الفعل الا في ظرف الصارف وعدم إرادة الضد الواجب من جهة امتناع اجتماع إرادة الواجب مع فعل ضده وهو الصلاة فلا جرم يقع الفعل منه غير مبغوض فيقع صحيحا ، ومعه يتجه النتيجة المزبورة.

نعم لو كان نتيجة تعلق الوجوب الناقص بالمقدمة هو البغض التام في طرف النقيض بحيث يقتضي مبغوضية النقيض على الاطلاق لاتجه الاشكال المزبور فتنتفى الثمرة المزبورة ، ولكنه في محل المنع جدا ، فإنه كما عرفت لايكاد اقتضاء تعلق الوجوب الناقص بشيء بالنسبة إلى النقيض الا البغض الناقص ، وحينئذ فلا يبقى في البين الا جهة مقدمية الوجود لترك الضد الواجب الذي هو مبغوض بالبغض التام ، وهذا أيضا مما قد عرفت الجواب عنه باستناد الترك حينئذ دائما إلى الصارف وعدم وجود المقتضي وهو الإرادة لا إلى وجود الفعل ، فان صحة استناد عدم شيء إلى عدم وجود الشرط أو إلى وجود المانع انما يكون في ظرف وجود مقتضيه وتحققه ، والا ففي ظرف عدم تحقق المقتضي لايكاد استناد العدم الا إلى عدم المقتضي ، ومن ذلك ترى انه مع أنه عدم وجود النار لايكاد صحة استناد عدم الاحراق إلى وجود المانع وهو الرطوبة مثلا أو إلى عدم تحقق شرطه ، بل وانما الصحيح استناده إلى عدم وجود المقتضي وهو النار وليس ذلك الا من جهة سبق المقتضى رتبة على بقية اجزاء العلة من الشرط والمانع ، كما سيجيء زيادة تحقيق لذلك إن شاء الله تعالى في مبحث الضد ، وحينئذ فحيث ان الفعل مسبوق دائما بالصارف وعدم إرادة الضد الواجب فلا جرم يكون عدم الضد مستندا إلى الصارف دون الفعل ومع يقع الفعل العبادي قهرا غير مبغوض فيقع صحيحا ، هذا.

وقد تظهر الثمرة أيضا بين القولين في ضمان الأجرة على المقدمة فيما لو امر بالحج أو الزيارة عنه واخذ المأمور بالمشي فمات قبل الوصول إلى المقصد ، فإنه على القول بوجوب مطلق المقدمة يستحق المأمور الأجرة على ما اتى به من المقدمات من جهة أن الامر بالحج عنه امر بمقدماته التي منها المشي وطي الطريق وبذلك يستحق عليه الأجرة على المقدمة ،

٣٤٧

واما على القول بوجوب المقدمة الموصلة فلا استحقاق له للأجرة على المقدمة نظراً إلى عدم كون المأتي به من المقدمات مأمورا به حتى يقتضي ذلك تضمين الآمر للأجرة عليه ، وذلك من جهة فرض اختصاص امره بخصوص المقدمة الموصلة ومجرد تخيل المأمور واعتقاده بكون المقدمة المأتي بها واجبة ومأمورا بها أيضا غير مقتض لضمان الامر ، والا لاقتضى تضمينه في غيره من الموارد الاخر كما لو اعتقد بان زيدا امره بكنس داره فكنس داره بموجب هذا الامر الزعمي ، مع أنه كما ترى لايظن من أحد الالتزام به.

وتظهر الثمرة أيضا في فرض انحصار المقدمة بالفرد المحرم كالمشي في الأرض المغصوبة لانقاذ الغريق ، فإنه على القول بوجوب مطلق المقدمة يكون المشي المزبور واجبا وان لم يترتب عليه الانقاذ ، واما على المقدمة الموصلة يقع المشي المزبور حراما مع عدم الايصال ، سواء قصد به الايصال أيضا أم لم يقصد ، غايته انه مع قصد الايصال يكون منقادا كما أنه مع عدم قصد الايصال يكون واجبا إذا كان ترتب عليه الانقاذ الواجب غايته انه يكون متجريا حينئذ في فعله كما هو واضح ..

ثمرة أصل المسألة

واما ثمرة الصل المسألة فقد يقال بظهورها في موارد : منها في مسألة النذر فيما لو نذر ان يأتي بواجب من الواجبات فإنه على القول بالملازمة ووجوب المقدمة يحصل البرء باتيان المقدمة بخلافه على القول بعدم وجوبها. ومنها حصول الفسق بترك واجب له مقدمات متعددة نظراً إلى صدق الاصرار على الحرام الموجب للفسق. ومنها عدم جواز اخذ الأجرة على المقدمة بناء على الملازمة بلحاظ خروجها حينئذ عن ملكه وعن حيطة سلطانه من حيث الفعل والترك فكان اخذ الأجرة عليها اكلا للمال بالباطل.

ولكن لايخفى عليك ما في الوجوه ، وذلك :

اما الأول فلمنع كونه ثمرة أصولية ، إذ هو انما يكون ثمرة لمسألة فرعية لأنه من تطبيق كبرى فرعية وهي كبرى وجوب الوفاء على المورد وأين ذلك والمسألة الأصولية التي من شأنها وقوع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الفرعي الكلي؟ وبالجملة نقول بان المسألة الأصولية عبارة عما وقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الفرعي الكلي لا في طريق

٣٤٨

تطبيق الحكم الشرعي الكلي على المورد ومسألة بر النذر انما كانت من قبيل الثاني لا من قبيل الأول فلا تكون حينئذ ثمرة لمسألة أصولية كما هو واضح.

واما الثاني فلانه بترك مقدمة واحدة يحصل العصيان للواجب ، إذ لا يتمكن معه بعد من الواجب ، ومعه يخرج بقية المقدمات عن حيز الوجوب كي يكون تركها حراما فيتحقق الاصرار الموجب لحصول الفسق ، مضافا إلى ما عرفت سابقا بأن تعدد العصيان انما يكون تابعا لتعدد الغرض ، فإذا لايتحقق من ترك الواجب بما له من المقدمات العديدة الا فوت غرض واحد لايكاد ترتب عليه إلا عصيان واحد.

واما الثالث فلوضوح عدم اقتضاء مجرد وجوب شيء على المكلف عينا أم كفاية لخروجه عن المالية بحيث لايجوز له أخذ الأجرة بإزائه ما لم يعتبر كونه على نحو المجانية ، ومن ذلك ترى جواز اخذ الأجرة على كثير من الواجبات كالصناعات الواجبة عينا أم كفاية وكموارد المخمصة التي امر فيها ببذل الأموال ، فان ذلك كله شاهد عدم اقتضاء مجرد الامر ببذلك الأعمال والأموال ووجوب اتلافها لخروجها عن المالية رأسا بحيث كان اخذ العوض بإزائه من اكل المال بالباطل ، وحينئذ فيحتاج حرمة أخذ الأجرة عليه إلى قيام دليل بالخصوص يقتضي ايجاب بذله على نحو المجان كما ورد في مثل الاذان والقضاء ونحوهما ، والا فلو كنا نحن ومجرد وجوب العمل عليه عينا أم كفاية فلايقتضي هذا المقدار خروجه عن المالية حتى يحرم عليه اخذ الأجرة بإزائه كما هو واضح.

وحينئذ فالأولى جعلها أي الثمرة التوسعة في التقرب ، فإنه بناء على الملازمة كما يتحقق القرب باتيان المقدمة بقصد التوصل بها إلى ذيها كذلك يتحقق باتيانها بداعي أمرها ومطلوبيتها لدى المولى ولو غيريا بناء على ما عرفت من صلاحية الامر الغيري أيضا للمقربية ، واما على القول بعدم الملازمة فلايكاد يصح التقرب بالمقدمة الا باتيانها بقصد التوصل بها إلى ذيها.

وربما يجعل من الثمرة أيضا اجتماع الوجوب والحرمة عند كون المقدمة محرمة مع عدم الانحصار نظراً إلى اندراجه على الملازمة حينئذ في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، فيبتني على الخلاف في تلك المسألة ، فعلى القول بجواز اجتماع الأمر والنهي له الاتيان بالمقدمة بداعي كونها مرادة للمولى بخلافه على القول بالعدم فإنه لايندرج في باب الاجتماع حتى يبتني على الخلاف في تلك المسألة. وأورد عليه في الكفاية بالمنع عن اندراجه في مسألة

٣٤٩

الاجتماع على الملازمة بدعوى ان الواجب بعد كون عنوان المقدمية من الجهات التعليلية لا التقييدية عبارة عما هو بالحمل الشايع مقدمة لا عنوانها ، وحينئذ فعلى الملازمة يكون المقام من باب النهى عن العبادة أو المعاملة لا من باب الاجتماع كي يكون مبنيا عليه. ولكن فيه أن المقدمية وان كانت من الجهات التعليلية لا التقييدية ولكن الواجب بعد كونه في المقام عبارة عن الجامع بين الفردين والخصوصيتين ، فلا محالة يندرج في مسألة الاجتماع حيث يصير الفرد المحرم حينئذ مجمع العنوانين فكان بأحد العنوانين وهو الجامع المنطبق عليه متعلقا للحكم الوجوبي وبالعنوان الآخر متعلقا للحكم التحريمي ، لا في مسألة النهى عن العبادة أو المعاملة الذي ملاكه توارد الحكمين على موضوع واحد من جهة واحدة ، وهذا واضح بعد معلومية عدم سراية مصلحة الجامع إلى الخصوصية ولا مفسدة الخصوصية إلى الجامع المزبور ووقوف كل منهما على نفس متعلقه ، فإنه في مثله ينحصر التزاحم بين الملاكين في عالم الوجود محضا والا ففي مقام التأثير في الحب والبغض لايكون بينهما مزاحمة أصلا كما لايخفى.

تأسيس الأصل في المسألة

بقى الكلام في تأسيس الأصل في المسألة عند الشك في الملازمة ووجوب المقدمة

وليعلم بأن الشك في وجوب المقدمة وان كان يتصور على وجوه : تارة من جهة الشك في أصل مقدمية شيء للواجب ، وأخرى من جهة الشك في وجوب ذيها مع العلم بأصل المقدمية واصل الملازمة ، وثالثة من جهة الشك في أصل ثبوت الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ، الا ان الجهة المبحوث عنها في المقام انما هي خصوص الجهة الأخيرة التي يكون الشك ممحضا في أصل ثبوت الملازمة نظراً إلى خروج ما عداها عن مفروض الكلام في المقام فنقول حينئذ :

اما نفس الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها فلا اشكال في أنه لا أصل فيها ، فإنها من جهة كونها أزلية وجودا وعدما لا حالة سابقة لها حتى يجرى فيها الاستصحاب ، وحديث الرفع أيضا غير جار فيها لعدم كونها أمرا شرعيا ولا موضوعا أيضا لاثر شرعي ، لان ترتب فعلية الوجوب عليها حينئذ ترتب عقلي لا شرعي ، كما هو واضح.

واما نفس وجوب المقدمة فهو وان كان مسبوقا بالعدم حيث يكون حادثا بحدوث

٣٥٠

وجوب ذي المقدمة الا انه من جهة عدم قابلية المورد لا يجري فيه الأصل أيضا ، لان جريان مثل هذه الأصول انما كان في مورد قابل للوضع الرفع ، ومع كون فعلية الوجوب على الملازمة من اللوازم القهرية لوجوب ذي المقدمة لايكون المحل قابلا للرفع كي يجرى فيه الأصل فيقتضي عدم فعلية وجوبها ، ولئن شئت قلت بالعلم التفصيلي حينئذ بعدم جريان الأصل فيه ، اما لعدم وجوبها واقعا على تقدير عدم ثبوت الملازمة واما لعدم قابلية المورد للرفع على تقدير ثبوت الملازمة كما هو واضح ، نعم لو اغمض عن ذلك وقلنا بجريان الأصل في طرف الوجوب فلا مجال للاشكال عليه من جهة انتفاء الأثر العملي بدعوى انه بعد حكم العقل بلا بدية الاتيان بالمقدمة لايترتب على نفى وجوبها ثمرة أصلا من حيث الحركة والسكون ، وذلك لامكان الجواب عنه بعدم الانحصار الأثر حينئذ بحيث الحركة والسكون وانه يكفي فيه التوسعة في التقرب باتيان المقدمة بداعي مراديتها حيث إنه بنفي وجوبها حينئذ يترتب نفى هذا الأثر فيتضيق بذلك دائرة التقرب. وأما توهم عدم كون مثل هذا الأثر حينئذ شرعيا لأنه من كيفيات الإطاعة التي هي من الآثار العقلية فلايكاد يمكن اثباتها بمثل هذه الأصول التعبدية ، فمدفوع بأنه كنفس الإطاعة من لوازم مطلق وجوب الشيء ولو ظاهرا ، هذا.

ولكن مع ذلك كله يشكل الاكتفاء بمثل هذا الأثر في جريان الاستصحاب ينشأ من عدم كونه اثرا للمستصحب حتى يجري الاستصحاب بلحاظه وكونه من آثار نفس الحكم الاستصحابي ، إذ حينئذ جريان الاستصحاب بلحاظ مثل هذا الأثر لعله من المستحيل ، فلابد حينئذ من التماس اثر في البين للمستصحب حتى يكون جريان الاستصحاب بلحاظه ، وحيثما لايكون في البين اثر عملي يترتب على المستصحب فلا مجال لجريانه بوجه أصلا كما لايخفى.

أدلة الأقوال في وجوب المقدمة

وإذ عرفت ذلك فلنشرع في الاستدلال على وجوب المقدمة ، فنقول :

انه يكفي دليلا على وجوبها الوجدان بان من يريد شيئا ويطلبه يريد بالجبلة مقدماته أيضا بحيث لو التفت إلى المقدمية تفصيلا يجعلها في قالب الطلب ويطلبها أيضا بطلب مستقل مولوي بقوله ادخل السوق واشتر اللحم ، كما أنه يوضح ذلك أيضا لحاظه الإرادات

٣٥١

التكوينية حيث ترى انه متى تريد شيئا تريد بالجبلة مقدماته أيضا فمتى تعلق إرادتك بشرب الماء لغرض هو رفع العطش تقصد تحصيله فتصير بصدد تحصيله بشراء ونحوه وإذا كان تحصيله يتوقف على المشي إلى مكان تقصد المشي إلى ذلك المكان ، وهكذا غيره من المقدمات ، بخلاف ما لايكون مقدمة من الملازمات القهرية كالمشي تحت السماء ونحوه فإنها وان كانت مما لابد منه عقلا الا انها غير مقصودة ولا مرادة في مشيك بوجه أصلا ، وحينئذ فإذا كان ذلك شأن الإرادات التكوينية المتعلقة بالاغراض كذلك تكون مثلها الإرادات التشريعية ، حيث لا فرق بينهما الا في كون الأولى محركة لنفس المريد والثانية للمأمور نحو المراد ، ففي الإرادات التشريعية أيضا يلازم إرادة الشيء والبعث نحوه البعث نحو مقدماته بحيث مع الالتفات إلى مقدميتها يجعلها في قالب طلب مثله فيبطلها ويأمر بايجادها ، بل قد عرفت سابقا بان ذلك مقتضي أكثر الواجبات في العرفيات والشرعيات حيث كان وجوبها بحسب اللب وجوبا غيريا من جهة انتهائها بالآخرة إلى امر واحد يكون هو المراد والمطلوب النفسي ، وعليه ففي نفس هذا الوجدان والارتكاز غنى وكفاية في اثبات الوجوب الغيري للمقدمات عن الاستدلال على وجوبها بل ولعله هو العمدة في الباب.

والا فمع الغض عنه لايكاد يتم الاستدلال على وجوبها بالبرهان المعروف عن البصري بأنه لو لم تجب لجاز تركها وحينئذ فان بقى الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لايطاق والاخراج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا.

وذلك لما فيه بأنه ان أريد من التالي في الشرطية الأولى الإباحة الشرعية فعليه وان صدق الشرطية الثانية حيث لايمكن بقاء الواجب على وجوبه مع ترخيص الشارع في ترك مقدمته الا ان الملازمة حينئذ ممنوعة نظراً إلى عدم اقتضاء مجرد عدم وجوب المقدمة للترخيص في تركها ، وان أريد به مجرد عدم المنع الشرعي عن الترك من جهة عدم اقتضاء فيه للالزام فهو وان كان صحيحا ولكنه نمنع حينئذ صدق إحدى الشرطيتين وهو لزوم التكليف بما لايطاق أو خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا ، فأنه بعد عدم اقتضاء مجرد عدم المنع الشرعي عن الترك لخروج الواجب عن القدرة نقول ببقاء الواجب حينئذ على وجوبه ولزوم الاتيان به بايجاد مقدماته بمقتضي اللابدية العقلية هذا بناء على إرادة الجواز وعدم المنع الشرعي عما أضيف إليه الظرف في قوله ( وحينئذ ) ، واما لو

٣٥٢

أريد منه نفس الترك فعليه بعد تقييده بما إذا كان الترك في آخر الوقت بحيث لا يتمكن معه من الواجب نقول بان الواجب وان لم يبق على وجوبه حينئذ الا انه حيثما كان ذلك بالعصيان وسوء الاختيار فلا محالة يستحق عليه العقوبة من جهة تمكنه من الاتيان بالواجب وحكم عقله بلزوم اتيان المقدمة من باب اللابدية ارشادا إلى ما في تركها من العصيان المستتبع للعقوبة.

نعم لو أريد من الجواز اللاحرجية في الفعل والترك شرعا وعقلايترتب عليه أحد المحذورين وهو لزوم خروج الواجب عن وجوبه ولكنك عرفت بالمنع حينئذ عن الملازمة من جهة عدم اقتضاء مجرد عدم الوجوب شرعا جواز تركها شرعا حتى ينافي مع التكليف بالواجب بل وانما غايته هو عدم كونها محكومة بحكم شرعي وحينئذ فيكفي في لزوم الاتيان بها حكم العقل باللابدية كما هو واضح.

ومن ذلك البيان ظهر الجواب أيضا عما افاده بعض لاثبات وجوبها بأنها لو لم تجب بايجابه يلزم ان لايكون تارك الواجب المطلق عاصيا ومستحقا للعقوبة مع أن التالي باطل قطعا فالمقدم مثله ، إذ نقول بأنه كذلك لولا كون الترك عن سوء اختياره وحكم عقله بلابدية الاتيان ارشادا إلى ما في الترك من العصيان المتتبع للعقوبة كما لايخفى.

وحينئذ فالعمدة في اثبات وجوبها هو ما ذكرناه من قضية الوجدان والارتكاز في الواجبات العرفية وفى الإرادات التكوينية للانسان المتعلقة بما له مقدمات ، وعليه أيضا لا يفرق في المقدمات بين السبب وغيره من جهة ان ملاك ترشح الوجوب الغيري انما هو كونها مما لها الدخل في المطلوب وفى حصول الغرض ، فإذا كان الشيء مما له الدخل في حصوله وتحققه سواء كان بنحو المؤثرية كما في المقتضى أو بنحو الدخل في القابلية أو غير ذلك يترشح إليه الإرادة الغيرية فيصير واجبا بالوجوب الغيري.

وعليه فلا وجه لما ذكروه من التفصيل تارة : بين السبب وغيره بتقريبين تارة بان القدرة لما كانت غير حاصلة على المسببات وحدها الا في حال انضمام أسبابها إليها فلا جرم لابد وأن يكون الأسباب أيضا ملحوظة للآمر حال التكليف بالمسببات ، من جهة بعد اختصاص التكليف حينئذ بالمسببات وخروج الأسباب بالمرة عن حيز التكليف ، وأخرى بان التكليف لما كان لايمكن تعلقه الا بأمر مقدور للمكلف ولايكون المقدور الا الأسباب دون المسببات لأنها من الآثار المترتبة على الأسباب فلابد من صرفه عنها

٣٥٣

إلى الأسباب. وأخرى : بين الشرائط الشرعية وغيرها بدعوى وجوب الشرايط الشرعية دون غيرها من تقريب انه لولا وجوبه شرعا لما كان شرطا حيث إنه ليس مما لابد منه عقلا أو عادة.

إذ فيه ما لايخفى ، اما التفصيل الأول : فان أريد من عدم اختصاص التكليف بالمسبب في التقريب الأول تعلق التكليف بمجموع المسبب والسبب ففساده واضح حيث لايقتضي مجرد عدم القدرة على الشيء الا في حال انضمام أسبابه كون أسبابه أيضا ملحوظة للآمر حال التكليف بحيث يكون تكليفه بمجموع السبب والمسبب ، مع أنه على ذلك يكون السبب واجبا بالوجوب النفسي الضمني لا بالوجوب الغيري الذي هو محل البحث. وان أريد به اقتضاء التكليف بالمسبب حينئذ لتعلق تكليف غيري أيضا بسببه لكونه مما يتوقف عليه وجود المسبب وبدونه لايكاد تحققه في الخارج فهو مما لا يفرق فيه بين السبب وغيره ، فيجري في جميع المقدمات كانت من معطيات الوجود أو من معطيات القابلية واما التقريب الثاني للتفصيل المزبور فهو مع كونه انكارا التفصيل حقيقة من جهة رجوعه إلى تعلق الامر النفسي بدوا في هذه الموارد بالسبب ، نقول بان المسبب حيثما كان مقدورا للمكلف ولو بسببه يكفي هذا المقدار في صحة التكليف به ، فإنه لا يعتبر في صحة التكليف بالشيء أزيد من القدرة عليه ، كانت بلا واسطة أو معها ، ومعه لا وجه لصرف التكليف عن المسبب وارجاعه إلى سببه كما هو واضح.

واما ما قيل بان العلة والمعلول اما ان يكون لكل منهما وجود ممتاز عن الاخر في الخارج كما في شرب الماء ورفع العطش حيث كانا أمرين ممتازين وجودا في الخارج واما ان يكونا عنوانين لفعل واحد غايته طوليا لا عرضيا ، كالالقاء والاحراق المتصف بهما فعل المكلف في الخارج حيث كان صدق عنوان الالقاء متقدما على صدق عنوان الاحراق. فان كانا من قبيل الأول ففي مثله يتعلق الإرادة الفاعلية بالمعلول أولا لقيام المصلحة به ثم تتعلق بعلته وسببه لتوقفه عليها ، ونحوه الإرادة التشريعية الامرية فأنها أيضا تتعلق أولا بالمعلول والمسبب ثم بعلته وسببه فيصير سببه واجبا بالوجوب الغيري المقدمي. واما ان كانا من قبيل الثاني كما في الالقاء والاحراق وعنوان الغسل والتطهير ونحوهما فيلزمه كون الامر بالمسبب والمعلول عين الامر بسببه وعلته والامر بالسبب عين الامر بالمسبب ، لأنه في تعلق الامر بالمسبب يكون السبب مأخوذا فيه لا

٣٥٤

محالة كما أنه في تعلقه بالسبب يكون معنونا بالمسبب ، فعلى كل تقدير يكون الامر بكل منهما أمرا بالآخر وفى مثله لايكاد اتصاف السبب بالوجوب الغيري بوجه أصلا كما لايخفى ، فمدفوع بان مثل عنوان الالقاء والاحراق عنوانان ممتازان وجودا كل منهما عن الآخر حيث كان الالقاء الذي هو فعل المكلف سببا لملاصقة الخشب مع النار التي هي سبب لتحقق الحرقة في الخارج ، فالحرقة حينئذ لها وجود مستقل في قبال الالقاء الذي هو من فعل المكلف ، نظير حركة اليد وحركة المفتاح اللتين هما وجود ان من الحركة إحديهما معلولة للأخرى ، نعم غاية ما هناك انه ينتزع من وجود المعلول عنوانان : أحدهما عنوان الاحراق بالإضافة إلى الفاعل والآخر عنوان الحرقة بالإضافة إلى نفسه ، نظير الايجاد والوجود ، ولكن مجرد ذلك لايقتضي صدق عنوان الاحراق وانطباقه حقيقة على الالقاء الذي هو فعل المكلف. وعليه فإذا كان العنوانان كل منهما وجودا عن الاخر في الخارج فلا محالة يكون حالهما حال شرب الماء ورفع العطش في اتصاف الالقاء بالوجوب الغيري عند تعلق الامر بالاحراق وعدم كون الامر بالاحراق أمرا حقيقة بالالقاء كما هو واضح.

ثم إن هذا كله إذا كان المسبب والمعلول من آثار فعل المكلف خاصة على معنى كون فعله علة تامة لتحققه بحيث لايكون لفعل الغير أيضا واختياره دخل في ترتب المسبب والمعلول وتحققه.

وأما إذا كان لفعل الغير واختياره أيضا دخل في تحققه كعنوان حقيقة البيع مثلا الذي هو مترتب على مجموع ايجاب البايع وقبول المشتري فقد يقال حينئذ بأن التكليف بالمسبب وهو البيع حقيقة تكليف بسببه وهو الايجاب من جهة خروج المسبب حينئذ بعد مدخلية قبول المشتري عن حيز قدرة البايع حتى بالواسطة ، فمن ذلك لو ورد امر بشخص ببيع داره لا جرم لابد بعد خروجه عن حيز قدرته من صرفه إلى سببه وهو ايجابه الناشي منه من جهة امتناع بقائه على ظاهره في التعلق بعنوان البيع ، ولكنه أيضا مدفوع بأنه كذلك إذا كان قضية الامر بالبيع أمرا بايجاده على الاطلاق وأما إذا كان أمرا بحفظ وجوده من قبل ما هو تحت قدرته واختياره فلا يلزم ارجاعه وصرفه عنه إلى سببه ، بل يجعل الامر في تعلقه بالمسبب على حاله حينئذ ويقال بأن والواجب هو حفظ وجوده من قبل ما هو تحت اختياره ، كما هو الشأن أيضا في كلية المقيدات ببعض القيود غير الاختيارية ،

٣٥٥

إذ كان مرجع التكليف بها أيضا إلى التكليف بسد باب عدمه وحفظه من قبل ما هو تحت الاختيار في ظرف انحفاظه من قبل سائر القيود غير الاختيارية وحينئذ فإذا كان الواجب هو حفظ وجود المعلول والمسبب من قبل ما هو فعل اختياري للمكلف وهو ايجابه وكان هذا المقدار من الحفظ بتوسيط القدرة على الايجاب تحت قدرته واختياره فلا جرم يكون الايجاب الذي هو مسبب لهذا المقدار من الحفظ متصفا بالوجوب الغيري لا بالوجوب النفسي كما توهم فتدبر هذا كله في التفصيل الأول.

واما التفصيل الثاني بين الشرائط الشرعية وغيرها : بدعوى انه لولا وجوبها لما كان شرطا ، ففيه أيضا انه ان أريد كون التكليف والامر من قبيل الواسطة في الثبوت بالنسبة إلى الشرطية والمقدمية بحيث لولا امر الشارع لما كان مقدمة وشرطا ففساده واضح من جهة بداهة ان الامر الغيري انما يتعلق بما هو مقدمة الواجب وشرطه فلو كان مقدميته متوقفة على الامر الغيري بها لدار. وان أريد كون التكليف والامر من قبيل الواسطة في الاثبات بالنسبة إلى المقدمية والشرطية بحيث يكشف امر الشارع به عن كونه مقدمة وشرطا في الواقع ، ففيه مع أنه كثيرا ما يكون دليل الشرطية بغير لسان التكليف كما في قوله : « لا صلاة الا بطهور ، ولا صلاة الا إلى القبلة » نقول بأنه لايكون ذلك تفصيلا في المسألة لان مقتضاه حينئذ هو وجوب كل ما يتوقف عليه الواجب بالوجوب الغيري ولو كان الطريق إلى المقدمية غير امر الشارع كما هو واضح. ثم إن هذا كله في مقدمة الواجب

مقدمة المستحب والمكروه والحرام

واما مقدمة المستحب : فحكمها حكم مقدمة الواجب ، طابق النعل بالنعل ، كما أن مقدمة المكروه حكمها حكم مقدمة الحرام كما سنحرره.

واما المقدمة الحرام : فلا اشكال بينهم في أنه على الملازمة لايكون وزانها وزان مقدمة الواجب في اتصاف كل مقدمة من المقدمات بالحرمة الفعلية. كما في مقدمة الواجب ، وان ما هو المحرم لايكون الا العلة التامة أو الجزء الأخير منها الذي لايبقى معه الاختيار على ترك الحرام ، ولعل هذا التفكيك بين مقدمة الواجب والحرام انما هو من جهة ان المطلوب في الواجب انما كان هو الوجود وهو مما يتوقف تحققه على حصول جميع المقدمات بحيث بانعدام واحدة منها ينتفي المطلوب فمن ذلك يسرى

٣٥٦

المحبوبية إلى كل واحدة من المقدمات ، بخلافه في طرف الحرام ، فإنه بعد أن كان المبغوض فيه هو الوجود يكون المطلوب فيه هو الترك وحيث إن الترك يتحقق بترك إحدى المقدمات فلايكون الواجب الا أحد التروك تخييرا ، فيتعين ذلك حينئذ في المقدمة الأخيرة التي لايبقى معها اختيار ترك الحرام ، فإذا وجب ترك المقدمة الأخيرة حينئذ فقد حرم فعلها بمقتضى النهى عن النقيض ، ولكن ذلك أيضا في مثل الافعال التوليدية التي لايحتاج في اختياريتها الا إلى إرادة سابقة على المتولد منه ، والا ففي غيرها مما يحتاج بعد تمامية المقدمات إلى إرادة محركة للعضلات نحوه كالصلاة مثلا فلا محالة تكون المقدمة الأخيرة فيها هي تلك الإرادة التي هي خارجة عن حيز التكليف ، إذ تكون العلة التامة للحرام حينئذ مركبة من الإرادة وغيرها ، وفي مثلها لايكاد اتصاف شيء من المقدمات بالحرمة بمقتضى البيان المزبور إذ كان استناد الحرام حينئذ إلى الإرادة وعدم الصارف عنه التي هي أسبق رتبة من غيرها. ومن ذلك نقول أيضا بعدم حرمة ترك مقدمات الواجب بمقتضي النهى عن النقيض نظراً إلى استناد ترك الواجب دائما ولو في ظرف ترك بقية المقدمات إلى وجود الصارف وعدم الإرادة من جهة سبقها رتبة على غيره كما سنحققه إن شاء الله تعالى.

ثم إن هذا كله بناء على مسلك المشهور من وجوب مطلق المقدمة. واما على ما ذكرنا من تخصيص الوجوب بالمقدمة الموصلة اما بنحو التقييد كما عليه ظاهر الفصول واما على ما اخترناه من جعل الواجب ولو بلحاظ قصور في امره عبارة عن الذات التوامة مع وجود بقية المقدمات الملازمة للايصال قهرا فلا اشكال في البين في مثل المقام إذ حينئذ تكون مقدمات الحرام حالها كحال مقدمات الواجب فتكون كل مقدمة من مقدماته متصفة بالحرمة الغيرية في ظرف انضمامها ببقية المقدمات الملازم لترتب الحرام عليها. ومن ذلك أيضا نقول بأنه لو أتى بمقدمة الحرام ولولا بقصد التوصل بها إلى المحرم بل بقصد التوصل بها إلى امر واجب واتفق بعد ذلك ترتب الحرام عليها كان ما اتى به حراما فعليا في الواقع ، كما أنه لو اتفق عدم ترتب الحرام عليها لايكون ما اتى به حراما وان كان من قصده التوصل به إلى الحرام. فالمدار حينئذ في اتصاف المقدمة بالحرمة وعدم اتصافها بها على ترتب الحرام عليها وعدمه.

ثم إن الثمرة بين المسلكين تظهر في التوضي في المصب الغصبي بالماء المباح مع تمكنه

٣٥٧

من المنع عن وصول ماء الوضوء إلى المصب ولو بجعل كفه مانعا عنه ، فإنه على المشهور من تخصيص الحرمة بالجزء الأخير يقع وضوئه صحيحا من جهة ان الجزء الأخير من العلة حينئذ انما هو عدم ايجاد الحائل عن وصول الماء إلى المصب الغصبي الذي هو امر أجنبي عن وضوئه فيكون هو المحرم والمنهي عنه دون وضوئه ، فمن ذلك يقع وضوئه صحيحا من غير فرق بين علمه بذلك من الأول وبين صورة عدم علمه به ، ولكن ذلك بخلافه على ما اخترناه ، إذ عليه في ظرف عدم منعه عن وصول الماء إلى المصب يقع أصل وضوئه حراما ومنهيا عنه فيقع باطلا إذا كان من نيته عدم ايجاد المانع عن وصول الماء إلى المصب. نعم لو لم يعلم بذلك من الأول كما لو كان بانيا من الأول على احداث المانع عن وصول ماء وضوئه إليه فاتفق بعد ذلك وصول الماء إليه ولو من جهة حصول البداء له عن احداث المانع يقع وضوئه صحيحا وان كان حراما في الواقع ، نظراً إلى وضوح عدم اقتضاء مجرد وقوع وضوئه على وجه الحرمة في الواقع لفساد وضوئه وبطلانه كما هو واضح فتدبر

٣٥٨

المبحث الخامس في الضد

قد اختلفوا في أن الامر بالشيء هل يقتضي النهى عن ضده أم لا؟ وقبل الخوض في المرام ينبغي بيان أمرين :

الأول : الظاهر أن المسألة انما هي من المسائل الأصولية من جهة رجوعها إلى البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء وحرمة ضده فتكون كالبحث عن سائر الملازمات فكان ذكرها حينئذ في مباحث الألفاظ مع كونها من المسائل العقلية لمحض المناسبة ، ويمكن أيضا ان تكون من المبادي الاحكامية الراجعة إلى البحث عن لوازم وجوب الشيء وانه هل من لوازمه هو حرمة ضده أم لا ، فإنه بعد الفراغ عن دلالة الصيغة على الوجوب اقتضت المناسبة البحث عن لوازمه بأنه هل من لوازم وجوب الشيء هو حرمة ضده أم لا أو وجوب مقدمته أم لا كما تقدم. واما احتمال كونها من المسائل الفرعية نظير ما قيل في مقدمة الواجب فبعيد جدا ، حيث إنه لايكاد يناسب ذلك عنوان البحث المزبور ، بخلاف مسألة وجوب المقدمة فإنه يتطرق فيها احتمال كونها مسألة فرعية بمقتضي عنوان البحث ، مضافا إلى ما عرفت في المسألة السابقة من عدم انطباق ميزان المسألة الفرعية عليها وحينئذ فيدور الامر بين كونها من المبادي الاحكامية أو من المسائل الأصولية العقلية ولكل منهما وجه ، وان كان الا وجه هو الثاني.

الامر الثاني : في تحرير مفردات عنوان البحث من الأمر والنهي والشيء والاقتضاء والضد ، فنقول : اما الأمر والنهي فالظاهر أن المراد بهما يعم النفسي والغيري والأصلي والتبعي ، كم ان المراد بالشيء أيضا هو ما يعم الفعل والترك كما في تروك الصوم لا انه

٣٥٩

عبارة عن خصوص الفعل كما ربما يتوهم. واما الثالث فالمراد به هو الاقتضاء في مرحلة أصل الثبوت لا الاقتضاء في مقام الكشف والدلالة والاثبات ، ولذلك يجري هذا النزاع في الأوامر المستكشفة من الاجماع والعقل أيضا. واما الرابع وهو الضد فالظاهر أن المراد به هو مطلق المعاند الشامل للنقيض أيضا فإنه تارة يطلق ويراد به معناه الأخص وهو المعاندة بين الشيئين على نحو لايمكن اجتماعهما في محل واحد مع جواز ارتفاعهما كالسواد والبياض ، وأخرى يطلق ويراد به مطلق المعاند الشامل للنقيض أيضا بنحو لايجوز ارتفاعهما أيضا ، فكان اطلاقه في المقام بمعناه الأعم الشامل للنقيض لا بمعناه الأخص ، نعم ذلك بمعناه الأخص أيضا لايختص بالوجوديين كما توهم بل يعمه وما لو كان أحدهما أمرا عدميا كالترك الخاص بالنسبة إلى الفعل المطلق بل وأما إذا كانا معا عدميين كما في صوم يومين مع فرض عدم قدرة المكلف خارجا الا على أحد الصومين.

وإذ عرفت ذلك فاعلم بان الكلام يقع في مقامين : تارة في الضد الخاص ، وأخرى في الضد العام بمعنى الترك.

اما المقام الثاني فسيجيء انه لا اشكال فيه في اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده بمعنى الترك والنقيض ، وانما الكلام فيه بأنه أي الاقتضاء بنحو العينية أو التضمن أو الالتزام ، وسيجيء تحقيق الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

واما المقام الأول ففي اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده الخاص اشكال بين الاعلام ، والبحث فيه في الاقتضاء وعدمه يقع من جهتين :

الأولى : من جهة مقدمية ترك أحد الضدين لوجود الآخر كما عليه مبنى كثير منهم حيث بنوا على حرمة الضد المأمور به بمناط مقدمية تركه لفعل الضد الواجب. الثانية : من جهة مجرد التلازم بين وجود أحد الضدين وترك الآخر بدعوى اقتضاء هذا التلازم للتلازم بين حكميهما وصيرورة ترك الضد واجبا أيضا واقتضاء وجوب الترك بمقتضى النهى عن النقيض لحرمة فعله.

ولايخفى عليك حينئذ ان النزاع من الجهة الأولى يكون صغرويا محضا ، فإنه بعد الفراغ عن الكبرى وهي التلازم بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته كان الكلام في اثبات الصغرى وهي مقدمية ترك أحد الضدين لوجود الاخر ، بخلافه في النزاع من الجهة الثانية فإنه يكون في أصل كبرى لزوم اتحاد المتلازمين في الحكم ، والا فاصل

٣٦٠