نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

مع انقلابه بالنقيض في ظرف التكليف ، ومن ذلك لو علم في الحال بأنه يتوجه إليه تكليف من المولى في الغد لابتلائه بغرض كذا وكذا ولكنه غفل في الغد عن التكليف فلم يأت بالمأمور به أو انقلب علمه شكا فأجرى البراءة عن التكليف لايكاد يستحق العقوبة عليه ، كما أنه في فرض العكس لو قطع بعدم التكليف في الغد ثم انقلب قطعه في الغد إلى القطع بالوجود يستحق العقوبة عليه لو خالفه. وحينئذ نقول بأنه إذا كان المدار في البيان وكذا اللابيان على البيان في ظرف التكليف فلا جرم بعد فرض عدم التكليف الفعلي بذيها قبل حصول الشرط والمنوط به خارجا لايكاد يجدي مجرد العلم بحصول المنوط به والشرط وفعلية التكليف والغرض بذيها بعد ذلك في وجوب تحصيل مقدماته الوجودية واستحقاق العقوبة على تفويت الواجب بوجه أصلا الا باثبات كونه مكلفا من الحين بحفظ الواجب البعدي من قبل مقدماته الاختيارية ومعه يرجع لا محالة إلى ما ذكرناه ، كما هو واضح.

ثم إن هذا كله في غير المعرفة من المقدمات ، واما هي فقد يقال كما عن بعض الاعلام بأنها تكون واجبة بالوجوب الطريقي لتنجيز الواقع عند الإصابة كما في سائر الطرق بحيث كان العقاب على نفس المخالفة لا على ترك التعلم ، ولكن التحقيق خلافه إذ نقول بان التعلم لا يخلوا امره اما ان يكون تركه يؤدى إلى الغفلة عن أصل التكليف في ظرفه ، واما ان لايكون كذلك بل كان بعد يحتمل وجود التكليف ، وعلى الثاني اما ان يتمكن من الاحتياط في ظرفه بالجمع بين المحتملات واما ان لا يتمكن من الاحتياط كما لو دار الامر بين الوجوب والحرمة في فعل شخصي. فعلى الأول يكون حال التعلم حال المقدمات المعدة التي يلزم من عدم تحصيلها عدم القدرة على الواجب في ظرفه لأنه بعد تأدية تركه إلى الغفلة عن التكليف يكون غير قادر على الاتيان بالواجب ومعه يكون حكمه حكم سائر المقدمات المفوتة ، طابق النعل بالنعل. واما على الثاني فلا وجه لوجوبه رأسا مع فرض تمكنه من الاحتياط البناء على صحة عمل المحتاط التارك لطريقي الاجتهاد والتقليد الا إذا فرض كونه غير معذور في هذا الجهل تكليفا ، وعليه يكون وجوبه ارشاديا محضا لا طريقيا. واما على الثالث فكذلك أيضا حيث إنه لايكون وجوبه الا ارشاديا محضا لأجل الفرار عن تبعة مخالفة التكليف الواقعي كما في موارد العلم الاجمالي بالتكليف في الجمع بين المحتملات. فعلى كل تقدير حينئذ لا معنى لدعوى

٣٢١

وجوب التعلم بالوجوب الطريقي كما في الطرق بل هو مما يدور امره بين كونه واجبا بملاك المقدمات المعدة التي يترتب على تركها عدم القدرة على الواجب في ظرفه وبين كونه بملاك الارشاد العقلي لأجل الفرار عن تبعة مخالفة التكليف كما في الجمع بين المحتملات في موارد العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة كما هو واضح.

وكيف كان فعلى ما اخترناه في المشروط والمعلق من فعلية الوجوب فيهما قبل المنوط به والقيد في الخارج ووجوب المقدمات الوجودية قد يتوجه الاشكال بالنسبة إلى بعض المقدمات الوجودية للواجب كالوضوء والغسل قبل دخول وقت الصلاة حيث يقال بان لازم القول بفعلية الوجوب والتكليف في المشروطات والمعلقات قبل حصول قيودها في الخارج هو لزوم اتصاف مثل هذه المقدمات بالوجوب الغيري إما على التخيير فيما لو علم بتمكنه من تحصيل الوضوء والغسل بعد دخول الوقت وإما على التعيين إذا يعلم بعدم تمكنه من تحصيلهما في ظرف الواجب لولا تحصيلهما في الحال ، ولازمه هو الالتزام بوجوب تحصيل الوضوء أو الغسل قبل دخول وقت الصلاة بل ولزوم ابقائهما إلى ما بعد دخول الوقت إذا فرض كونه متطهرا قبل دخول الوقت ، مع أنه لايكون كذلك من جهة قيام الاجماع منهم على عدم وجوب تحصيل الطهارة الحدثية قبل الوقت حتى مع العلم بعدم تمكنه من تحصيلها في الوقت وعدم وجوب ابقائها أيضا إلى ما بعد دخول الوقت. ولكن الجواب عن ذلك انما هو بدعوى ان أصل وجوب الطهور كالصلاة كان منوطا بدخول الوقت بمقتضى قوله عليه‌السلام : ( إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور ) فكان عدم وجوب التحصيل الوضوء والغسل قبل دخول الوقت من جهة التعليق المزبور الظاهر في أن ما فيه ملاك المقدمية للصلاة هو الطهور بعد الوقت فلا اشكال حينئذ يرد على ما ذكرنا.

واما ما قد يقال : من اقتضاء ذلك حينئذ لعدم جواز الاكتفاء بالطهارة الحاصلة قبل الوقت لأجل غاية أخرى من الغايات إذا فرض بقائها من باب الاتفاق إلى ما بعد دخول الوقت مع أنه ليس كذلك قطعا ، فمدفوع بان ما هو المقدمة انما هو الطهارة بعد الوقت ولو بوجودها البقائي فلا يعتبر فيها كونها حادثة أيضا بعد الوقت وحينئذ فإذا فرض انه كان متطهرا قبل الوقت فبقيت من باب الاتفاق إلى أن دخل الوقت يجوز الاكتفاء بها في الدخول في الصلاة ، وبعبارة أخرى ما هو المقدمة هو الطهارة بعد الوقت بما هي جامعة بين وجودها الحدوثي أو وجودها البقائي فيه من باب الاتفاق ، ومن ذلك لو فرض بقائها

٣٢٢

إلى حين دخول الوقت يجب عليه تخييرا أو تعيينا في فرض الانحصار ابقائها وحفظها إلى أن يأتي بالصلاة معها وحينئذ فلا اشكال يرد في البين من هذه الجهة أيضا.

هذا بالنسبة إلى نفس الوضوء والغسل ولقد عرفت ان عدم وجوبها قبل الوقت انما هو على قواعد التعليق المستفاد من ظاهر قوله عليه‌السلام : ( إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور ) ومن قوله سبحانه : ( فإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ) الظاهر في إناطة الوجوب في الطهور كأصل الصلاة بدخول الوقت. واما سائر مقدماته كتحصيل الماء وحفظه ونحوهما فلابد من تحصيلها تخييرا أو تعيينا إذا فرض العلم بعدم التمكن منه في الوقت لولا تحصيلها في الحال ، وذلك أيضا على القواعد التي ذكرناها في كلية المقدمات الوجودية ، وعليه أيضا يكون ما ورد على وجوب حفظ الماء قبل الوقت من النصوص على طبق القواعد ، لا انه كان ذلك حكما تعبديا من الشارع ، كما هو واضح.

الأمر الثاني : لو شك بالشك البدوي في قيديه شيء للوجوب أو الواجب بنحو التعليق أو التنجيز ، فان كان القيد حاصلا بالفعل فلا اشكال حيث لا ثمرة في البين يترتب عليه ، وأما إذا كان غير حاصل بالفعل فمقتضى الاطلاق في جميع الصور هو ثبوت الوجوب ، وفى الثالثة عدم وجوب تحصيل المشكوك القيدية. ومع عدم الاطلاق فالبرائة نتيجتها التقييد في الأول ونتيجتها الاطلاق في الأخيرين. هذا إذا كان الشك في أصل تقيد الوجوب أو الواجب.

وأما إذا علم بأصل التقييد ولكنه دار الامر بين كونه قيدا للوجوب أو الواجب ، فأصالة الاطلاق تجرى في كل من الهيئة والمادة وبعد التساقط يكون المرجع هو الأصل العملي. ولا ينظر حينئذ في ترجيح أحد الاطلاقين على الاخر إلى حيث الأقوائية كما توهم ، لان ذلك انما يكون فيما لو كان التعارض بين الاطلاقين في نفسهما لا في مثال المقام الذي كان التعارض بينهما لأجل العلم الاجمالي بعروض التقييد على أحدهما ، إذ حينئذ لايكون مجرد اقوائية أحدهما موجبا لارجاع القيد إلى الآخر فتأمل. هذا إذا كان التقييد في دليل منفصل ، واما لو كان ذلك في دليل متصل فالامر أظهر ، إذ حينئذ باتصال الكلام بذلك وصلاحيته للعروض على كل واحد منهما لاينعقد الظهور الاطلاقي لواحد منهما ، فلا بد حينئذ من الرجوع إلى الأصل العملي ، ومقتضاه هو البراءة عن وجوب تحصيل القيد فيما إذا كان الدوران بين المشروط وبين المطلق المعلق أو المنجز. وأما إذا كان الدوران

٣٢٣

بين المشروط وبين المعلق فلا ثمرة بالنسبة إلى القيد لأنه غير واجب التحصيل على كل تقدير. وكذلك الامر بالنسبة إلى نفس الواجب وذلك اما في فرض حصول القيد في الخارج فواضح من جهة وجوب الاتيان بالمأمور به والواجب حينئذ على كل تقدير ، واما في فرض عدم حصوله فللعلم بعد الفائدة. في الاتيان حينئذ إما لعدم وجوبه رأسا لو فرض رجوعه إلى الهيئة والوجوب واقعا وإما من جهة انتفاء قيده على فرض رجوعه إلى المادة والواجب ، فعلى كل تقدير يقطع بعدم الفائدة في ايجاده حينئذ ، كما هو واضح. ولعله إلى ذلك أيضا نظراً القائل بالعلم بتقييد المادة على كل تقدير من جهة استلزام تقييد الهيئة أيضا لبطلان محل الاطلاق في المادة ، لعدم انفكاكها حينئذ عن وجود قيد الهيئة فتدبر.

ومن التقسيمات تقسيم الواجب إلى النفسي

والغيري فالغيري هو الذي يكون الغرض من ايجابه التوصل به إلى وجود واجب آخر ، والنفسي ما لايكون كذلك كالمعرفة بالله سبحانه والصلاة والصوم والحج ونحوها من العباديات والتوصليات.

ثم إن وجود هذين القسمين في الواجبات وان كان وجدانيا غير قابل للانكار ولكن الظاهر هو كون الغرض من ذلك دفع ما يتوهم وروده من الاشكال من لزوم ترتب مثوبات وعقوبات كذلك على فعل واجب واحد له مقدمات عديدة نظراً إلى تخيل ان المثوبة والعقوبة تابعتان لفعل مطلق الواجب وتركه ، إذ يستشكل حينئذ بأنه على الملازمة من وجوب المقدمة أيضا يلزم ترتب مثوبات متعددة على فعل واجب واحد له مقدمات متعددة وعقوبات كذلك على تركه بما له من المقدمات ، لأنه ترك واجبات متعددة ، فمن اجل ذلك صاروا بصدد هذا التقسيم فقسموا الواجب إلى الغيري والنفسي للتنبيه على أنه ليس مطلق الواجب مما يترتب عليه فعلا وتركا استحقاق المثوبة والعقوبة حتى يتوجه الاشكال المزبور وان الذي يترتب عليه ذلك انما هو خصوص الواجب النفسي واما الواجب الغيري فحيث انه كان وجوبه لأجل التوصل به إلى وجود واجب آخر فلايكاد يترتب عليه فعلا أو تركا استحقاق المثوبة والعقوبة بوجه

٣٢٤

أصلا وحينئذ فلاينافي القول بوجوب المقدمة شرعا وحدة المثوبة والعقوبة على فعل الواجب وتركه كي يكون مجال للاشكال المزبور ، هذا.

أقول : ولكن لايخفى عليك ما في هذا الجواب والاشكال المزبور ، حيث إنه مبني على كون مدار استحقاق المثوبة والعقوبة على عنوان الإطاعة والمعصية بموافقة الامر النفسي ومخالفته ، والا فبناء على كونهما من تبعات عنوان التسليم للمولى وعنوان الطغيان عليه بما انه ابراز للجرئة عليه والتمرد عن امره ونهيه الجامعين بين الانقياد والإطاعة والتجري والعصيان كما هو التحقيق على ما حققناه في مبحث التجري فلا مجال لهذا الجواب ولا موقع أيضا للاشكال المزبور ، نظراً إلى امكان الحكم حينئذ بترتب المثوبة والعقوبة على موافقة الامر الغيري ومخالفته أيضا مع الالتزام بعدم تعدد المثوبة والعقوبة عند تعدد المقدمات بلحاظ كونهما تابعتين في الوحدة والتعدد لتعدد التسليم والطغيان ووحدتيهما التابعين لوحدة الغرض وتعدده ، وذلك انما هو من جهة وضوح انه كما يتحقق عنوان التسليم والطغيان بموافقة الأوامر النفسية ومخالفتها كذلك يتحقق أيضا بموافقة الأوامر الغيرية ومخالفتها ، ومن ذلك بمجرد كونه في صراط الإطاعة وشروعه في مقدمات المأمور به ترى انه يمدحونه العقلاء ويحكمون باستحقاقه الأجر والثواب من دون انتظار منهم في المدح وحكمهم باستحقاق الأجر والثواب إلى وقت اتيانه بما هو المطلوب النفسي للمولى كما لايخفى ، ومعلوم انه لايكون له وجه الا ما ذكرنا من تحقق عنوان التسليم بموافقة الامر الغيري أيضا كتحققه بموافقة الامر النفسي ، والا لكان اللازم عدم الحكم باستحقاق الأجر والثواب فعلا الا بعد اتيانه بما هو المطلوب النفسي. وهكذا الامر في طرف الطغيان فإنه أيضا مما يتحقق بمجرد شروعه في مقدمات الحرام أو تركه لما هو مقدمة الواجب حيث إنه يصدق عليه بأنه ممن أبرز الجرئة على المولى وصار بصدد التمرد عن امره ونهيه ، ومن اجل ذلك يصير موردا للتوبيخ والذم من العقلاء بلا حالة منتظرة أيضا في ذلك إلى وقت فوت الواجب النفسي ، كما فيمن رمى سهما لقتل مؤمن مع كون السهم يبلغ إليه بعد ساعة فإنه من الحين يصير هذا الرمي موردا للذم عند العقلاء ، كما هو واضح.

وعلى ذلك نقول : بأنه إذا كان مدار المئوية والعقوبة على عنوان التسليم والطغيان لا على عنوان الإطاعة والمعصية بموافقة الامر النفسي ومخالفته وكان التسليم أيضا

٣٢٥

يتحقق بموافقة الامر الغيري ومخالفته كتحققهما بموافقة الامر النفسي ومخالفته ، فلا قصور في الحكم بترتب المثوبة والعقوبة على الواجبات الغيرية التوصلية أيضا بل وترتب القرب عليها أيضا فيما لو كان الاتيان بها بداعي أمرها ، ومن ذلك قلنا سابقا في مبحث قصد القربة باشتراك الواجبات التوصلية مع التعبدية من جهة المقربية نظراً إلى عدم انفكاك الامر بها عن القربة وعدم اتصاف المأتى به فيها بعنوان المأمور به الا باتيانها عن دعوة أمرها ، وان تمام الفرق بين التوصلي والتعبدي انما كان من جهة مدخلية حيث القرب في سقوط الامر وسقوط الغرض في العبادات وعدم مدخلية في التوصليات ، من جهة سقوط أمرها وحصول الغرض فيها بمحض حصول العمل وتحققه كيفما اتفق ولولا عن داع قربى ، كما هو واضح.

واما اشكال لزوم تعدد المثوبة والعقوبة في فعل واجب واحد له مقدمات وتركه بترك ما له من المقدمات ، فغير وارد ، من جهة ما عرفت من أن وحدة المثوبة والعقوبة تابعة وحدة التسليم والطغيان وتعددهما التابعين لوحدة الغرض وتعدده ، فإذا لايكون الغرض حينئذ الا واحدا لايكون له الا تسليم واحد وطغيان كذلك ، ومعه لايكاد يترتب عليه الا مثوبة واحدة وعقوبة كذلك وان كان له مقدمات عديدة لا تحصى ، وعلى ذلك فالتسليم وان كان يتحقق بمجرد شروع العبد في المقدمة ويستحق عليه المثوبة ، ولكنه لما كان الغرض واحدا فلا محالة يكون التسليم أيضا واحدا ويمتد هذا التسليم الواحد إلى زمان الاتيان بذيها الذي هو المطلوب النفسي ، كما أنه كذلك أيضا في طرف الطغيان حيث إنه يتحقق بمجرد الشروع في المقدمة ويمتد إلى زمان تحقق الحرام في الخارج ، لا انه يتعدد التسليم والطغيان بتعدد المقدمات حتى يلزمه تعدد المثوبة والعقوبة أيضا كما هو واضح ، كوضوح ان استحقاقه للمثوبة والعقوبة على التسليم والطغيان بشروعه في مقدمات الواجب أو الحرام أيضا انما يكون فيما إذا استمر على ذلك ولم يحصل له البداء بعد ذلك في العصيان أو الإطاعة ، والا فلو حصل له البداء بعد ذلك وحصل منه الطغيان بترك الواجب يكون طغيانه ذلك بعكس التوبة من الحين رافعا لما استحقه على تسليمه السابق بحيث كأنه لم يفعل شيئا ولم يتحقق منه التسليم أصلا مع صدور هذا الطغيان منه ، كما أنه في صورة العكس يكون الامر بالعكس. فإذا كان بصدد ترك الواجب أو فعل الحرام وأتى ببعض المقدمات ثم ندم واتى بالواجب أو ترك الحرام

٣٢٦

يكون تسليمه ذلك باتيان الواجب وترك الحرام رافعا لما استحقه على طغيانه من الحين بحيث كأنه لم يتحقق منه الطغيان أبدا ، نعم لو كان عدم حصول الواجب والمأمور به لا من جهة حصول البداء له وطغيانه بل من جهة عدم تمكنه منه خارجا لموت أو مرض أو غير ذلك مع كونه بصدد الامتثال واتيان المأمور به يدخل ذلك حينئذ في الانقياد فيستحق المثوبة حينئذ على انقياده ، كما أنه في فرض العكس يكون الامر بالعكس فيندرج في التجري ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فعلى ما ذكرنا من تبعية المثوبة والعقوبة ودورانهما مدار عنوان التسليم والانقياد للمولى وتبعيتهما أيضا في الوحدة والتعدد مدار تعدد التسليم والطغيان ووحدتهما التابعين لوحدة الغرض وتعدده يظهر لك عدم المجال أيضا لما أفيد في دفع الاشكال المزبور من تخصيص المثوبة والعقوبة بموافقة الامر النفسي ومخالفته ، إذ نقول بأنه لا وجه حينئذ لهذا التخصيص بعد صدق عنوان التسليم والطغيان على موافقة الامر الغيري ومخالفته أيضا وان مجرد وحدة المثوبة والعقوبة أيضا على فعل واجب واحد وتركه غير مقتض للالتزام بكونهما من تبعات خصوص موافقة الامر النفسي ومخالفته ، بل يلتزم حينئذ بترتبهما أيضا على موافقة الامر الغيري ومخالفته لمكان تحقق عنوان التسليم والانقياد بذلك ، ويدفع الاشكال المزبور من جهة وحدة التسليم والطغيان ووحدة الغرض بما ذكرناه من البيان ويقال بعدم استحقاقه على فعل واجب له مقدمات الا مثوبة واحدة ولا على تركه بترك ما له من المقدمات ما لا تحصى الا عقوبة واحدة ، كما لايخفى. وعلى ذلك فلو فرض انه يعطى على فعل كل مقدمة ثوابا مستقلا فلابد وأن يكون ذلك من باب التفضل لا من باب الاستحقاق ، كما أنه من ذلك أيضا ما ورد في فضل زيارة مولانا أبي عبد الله الحسين روحي وارواح العالمين فداه بأنه لكل قدم ثواب حج وعمرة ، وان الامر بقصر الاقدام أيضا انما هو من جهة ان تكثر المقدمات فيزداد بذلك مقام التفضل عليه باعطائه ذلك الأجر والثواب العظيم الذي وعد الله زائريه ، نسأل الله سبحانه ان يكتبنا من زوار قبره الشريف ويحشرنا معه ولا يسلب عنا مجاورة قبر أبيه عليه‌السلام.

وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا من قابلية الأوامر الغيرية لترتب المثوبة والعقوبة وقابليتها أيضا للمقربية باتيان متعلقها بداعي أمرها ، يظهر لك اندفاع الاشكال المعروف

٣٢٧

على الطهارات الثلاث التي ثبت عباديتها من بين المقدمات ، من تقريب انه كيف المجال لمقربيتها ولترتب المثوبة عليها مع أن الامر الغيري بما هو امر غيري من جهة توصليته لا إطاعة له ولا قرب في موافقته ولا مثوبة على امتثاله ، إذ نقول بان ذلك كله مبني على تخصيص المثوبة والعقوبة والقرب والبعد بموافقة الامر النفسي ومخالفته والا فعلى ما ذكرنا من المدار في استحقاق المثوبة والعقوبة بكونه على عنوان التسليم للمولى وبالفارسي ( فرمانبردارى از مولى وتن زير بار مولى دادن ) فلا جرم يندفع تلك الاشكالات وذلك : اما اشكال ترتب المثوبة فمن جهة تحقق موضوعه وهو عنوان التسليم كما أوضحناه ، واما اشكال المقربية فكذلك أيضا من جهة تحقق القرب حينئذ باتيانها بداعي محبوبيتها ومراديتها للمولى ولو بإرادة غيرية.

وعلى ذلك لايحتاج في التفصي عن الاشكال إلى الجواب عنه تارة بما أفيد في الكفاية من كشف رجحان نفسي في هذه الطهارات بدعوى ان مقربيتها حينئذ انما هي لكونها في نفسها أمورا عبادية ومستحبات نفسية لا لكونها مطلوبات غيرية وان الاكتفاء بأمرها الغيري لمكان أنه لايدعو الا إلى ما هو عبادة في نفسه ، وأخرى بكشف عنوان بسيط يكون هو المأمور به كما عن الشيخ بدعوى انه ربما لا تكون تلك الحركات والسكنات محصلة لما هو المقصود منها من العنوان الذي صارت بهذا العنوان مقدمة وموقوفا عليها ، فلابد حينئذ في اتيانها بذلك العنوان من حيلة وهي قصد ذلك الامر المقدمي وذلك أيضا لا من جهة اقتضاء الامر الغيري لذلك بل من جهة الإشارة إلى ذلك العنوان نظراً إلى عدم دعوة هذا الامر الا إلى ما هو الموقوف عليه فالاتيان بالطهارات حينئذ بقصد أمرها كان من جهة احراز العنوان الذي لأجله صارت تلك الحركات والسكنات مقدمة وموقوفا عليها ، كي يورد عليه بما في الكفاية من امكان الإشارة الاجمالية حينئذ إلى ذلك العنوان البسيط بوجه آخر ولو بقصد أمرها وصفا لا غاية وداعيا مع كون الداعي إليها شيئا آخر من شهوة أو غيرها ، وعدم وفائه أيضا بدفع اشكال ترتب المثوبة بلحاظ ان قصد الامر لأجل احراز عنوان المقدمة لا لكون المأمور به مطلوبا على جهة التعبد به غير موجب لاستحقاق المثوبة عليه من جهة ، وثالثة بغير ذلك مما هو مذكور في التقريرات وغيره.

وبالجملة فهذه الأجوبة كلها كما ترى مبنية على عدم قابلية الأوامر الغيرية من جهة

٣٢٨

توصليتها للمقربية ولاستحقاق المثوبة على موافقتها ، والا فعلى ما ذكرنا من قابليتها كالأوامر النفسية لكلا الامرين لايتوجه أصلا هذا الاشكال حتى يحتاج إلى تلك الأجوبة.

نعم قد يتوجه هنا اشكال آخر على الطهارات ولو مع البناء على قابلية الامر الغيري كالنفسي للمقربية ولاستحقاق المثوبة على موافقته وذلك انما هو بتقريب ان الامر الغيري انما يتعلق بالمقدمة فارغا عن كونها مقدمة وموقوفا عليها ، والمقدمة في مثل الوضوء والغسل بعد أن كانت عبادة لابد من عباديتها في رتبة سابقة على الامر حتى يتعلق بها الامر الغيري ، وحينئذ فإذا كانت مقدميتها بما هي عبادة متوقفة خارجا على هذا الامر الغيري يلزم الدور وهو محال. ولكن يدفع هذا الاشكال أيضا بما دفعنا به في مبحث قصد القربة عن كلية العبادات بالالتزام بأمرين يتعلق هذا الامر الغيري بذات الوضوء وذات الغسل باعتبار كونها مما لها الدخل في تحقق ذيها ومما يتوقف عليها وجود الواجب ولو بنحو الضمنية لأنها أيضا مما يلزم من عدمها العدم مع الكشف أيضا عن تعلق امر غيري آخر بوصفها وهو اتيانها بداعي أمرها المتعلق بها ، فإذا اتى المكلف حينئذ بالوضوء في الخارج بداعي امره الغيري يتحقق الوضوء القربى الذي جعل مقدمة للصلاة. وعليه أيضا لايحتاج في الجواب عنه إلى كشف رجحان نفسي في نفس هذه الطهارات كما صنعه في الكفاية كما لايخفى. خصوصا مع ما يرد عليه على مسلكه من عدم اجداء تعدد الرتبة لمحذور اجتماع الحكمين المتماثلين أحدهما الرجحان النفسي القائم بذات المقدمة في رتبة سابقة على الامر الغيري وثانيهما رجحانه الثابت في رتبة متأخرة عن الامر الغيري فتأمل.

وكيف كان فقد يشكل على التقسيم المزبور بلزوم خروج أكثر الواجبات النفسية في الشرعيات بل العرفيات أيضا نظراً إلى غيريتها بحيث لب الإرادة من جهة انتهائها بالآخرة إلى امر واحد هو غرض الاغراض الذي هو في الشرعيات تكميل العباد وقربهم إلى المبدء الاعلى وفى العرفيات استراحة النفس ، كما يتضح ذلك في امرك بشراء اللحم المعلوم كونه لأجل الطبخ الذي هو لغرض الاكل الذي هو لرفع الجوع الذي هو لغرض استراحة النفس ، وهكذا سائر الواجبات العرفية حيث إنها من جهة انتهائها بالآخرة إلى استراحة النفس التي هي غرض الاغراض تكون الإرادة المتعلقة بها إرادة غيرية.

٣٢٩

وقد تصدى في الكفاية لدفع الاشكال ، وقال ما حاصله : ان الفرق بينهما من جهة الداعي والباعث فإذا كان الداعي والباعث على طلب شيء وارادته المصلحة الكائنة في نفس العمل فالواجب نفسي وان كان فيه أيضا ملاك المقدمية ، واما لو كان الداعي والباعث على طلبه المصلحة المقدمية فالواجب غيري وان كان فيه أيضا مصلحة مستقلة فإنه يخرج حينئذ عن كونه نفسيا ويكون واجبا غيريا. ولكنه كما ترى فإنه لو فرض تصوره في الشرعيات غير جار في الواجبات العرفية المتداولة بين أنفسنا ، وذلك من جهة وضوح ان الداعي والباعث في جميع الواجبات العرفية هو حيث مقدميتها ومن ذلك ترى انه لو أمرت عبدك باتيان الماء فسألك عن انك لأي غرض أمرت باتيان الماء تقول بأنه لغرض الشرب ولو سأل عن ذلك أيضا تقول بأنه أريد الشرب لغرض رفع العطش وهو لغرض استراحة النفس التي هي غرض الاغراض ، وحينئذ فإذا كان لب الإرادة في جميع الواجبات العرفية غيريا يتوجه الاشكال المزبور بأنه كيف الحال لهذا التقسيم.

وقد أجيب أيضا عن الاشكال بان حقيقة الإرادة التشريعية بعد ما كانت عبارة عن إرادة الفعل من الغير يكون الواجب النفسي عبارة عما كان مرادا من المكلف لا لأجل مراد آخر منه ، والواجب الغيري ما كان مرادا لأجل مراد آخر منه أيضا ، فإذا أراد شراء اللحم من زيد لغرض الطبخ فان كان طبخه أيضا مرادا منه يكون ذلك واجبا غيريا وان لم يكن طبخه مرادا منه يكون واجبا نفسيا ، وعليه فمثل الصلاة والصوم والحج ونحوها مما لم يرد من المكلف مصالحها يكون من الواجب النفسي ، فيرتفع حينئذ الاشكال المزبور ، ولكن فيه ان الإرادة التشريعية ليست الا عبارة عن إرادة وجود العمل بما انه فعل اختياري للمكلف وان إضافة نشو كونه منه انما هو من جهة اقتضاء توجيه التكليف بالايجاد إليه ، وذلك أيضا بلحاظ انه من جهة كونه فعلا الاختياري غير قابل للتحقق الا من قبله والا فلايكون المراد بالإرادة التشريعية الا نفس فعل الغير. وعليه نقول : بأنه إذا لايكون الامر بشراء اللحم من جهة مطلوبية الشراء نفسا مع قطع النظر عن الطبخ بل كان ذلك من جهة مقدميته لغرض الطبخ الذي هو لغرض الاكل فلا جرم لا تكون هذه الإرادة الا غيرية ، ومعه يتوجه الاشكال المزبور من لزوم خروج أكثر الواجبات النفسية كما لايخفى.

٣٣٠

وحينئذ فالأولى في الجواب انما هو بجعل التقسيم المزبور بلحاظ مقام التحميل ومرحلة البعث والا لزام لا بلحاظ لب الإرادة وعليه يكون الواجب الغيري هو الذي امر به لأجل التوصل به إلى وجود واجب آخر ثبت وجوبه بتحميل مستقل ، والواجب النفسي ما لايكون كذلك ، فيرتفع حينئذ الاشكال المزبور في الواجبات النفسية في مثل الصوم والصلاة والحج ونحوها في الشرعيات ، ومثل شراء اللحم وسقى الماء في العرفيات ، لأنه فيما لما لم يثبت تحميل وايجاب على ما يترتب عليها من الاغراض كان ايجابها ايجابا نفسيا بحسب مقام التحميل ، وان كان غيريا بحسب لب الإرادة على ما عرفت. ولا منافاة أيضا بين غيرية الشيء ومقدميته بحسب لب الإرادة وبين نفسيته بحسب مرحلة التحميل والايجاب ، إذ يمكن ان يكون الشيء مع كونه غيريا بحسب لب الإرادة نفسيا بحسب مقام التحميل. ثم انه مما يشهد على ما ذكرنا أيضا من كون التقسيم بلحاظ مقام التحميل لا بلحاظ لب الإرادة تعريفهم الواجب الغيري بما ذكرنا ، بأنه ما امر به لأجل التوصل إلى وجود واجب آخر لا ما امر به لأجل التوصل به إلى امر آخر ولو لم يرد تحميل بالنسبة إليه ، كما هو واضح.

ومن التقسيمات تقسيمه أيضا إلى النفسي والتهيئي

والمراد من الواجب التهيئي هو ما كان المقصود من ايجابه التوصل به إلى ايجاب شيء آخر. وعمدة الغرض من هذا التقسيم انما هو الفرار عن شبهة المقدمات المفوتة للواجبات الموقتة قبل وقتها ، فإنهم بعد أن بنوا على عدم فعلية التكليف بالموقت قبل حصول وقته أشكل عليهم وجوب مقدماته الوجودية قبل حصول الوقت ، فمن ذلك التزموا بوجوبها وجوبا تهيئيا فرارا عن محذور وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها ، فصاروا في مقام هذا التقسيم ، والا فعلى ما ذكرنا من فعلية الوجوب في الموقتات والمشروطات قبل حصول وقتها وشرائطها لايحتاج إلى مثل هذا التقسيم ، ومن ذلك أيضا لم يكن لهذا القسم من الواجب عين ولا اثر في كلمات القدماء ، وانما حدث ذلك في زمان المتأخرين من جهة شبهة وجوب المقدمات المفوتة في الموقتات والمشروطات قبل حصول وقتها وشرائطها. وعلى كل حال نقول : بان هذا التقسيم أيضا كسابقه كان بلحاظ مقام التحميل والايجاب المنتزع عن مرحلة ابراز الإرادة واظهارها ، لا بلحاظ لب الإرادة والاشتياق ، والا فبحسب لب الإرادة لا تخلو إرادة الشيء عن النفسية والغيرية ، كما لايخفى.

٣٣١

ومن التقسيمات أيضا تقسيمه إلى الأصلي والتبعي

فالأصلي هو ما كان ايجابه مقصودا بخطاب مستقل كالصلاة والوضوء في مثل قوله عليه‌السلام : ( إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور ) والتبعي ما كان ايجابه لا بخطاب مستقل بل بتبع خطاب متعلق بأمر آخر. والغرض من هذا التقسيم أيضا انما هو الفرار عما يورد على القول بوجوب المقدمة بأنه كيف ذلك مع أنه كثيرا ما تكون المقدمة غير ملتفت إليها بل وكثيرا ما يكون الآمر قاطعا من باب الاتفاق بعدم مقدمية الشيء لمطلوبه ، كما نظيره كثيرا في العرفيات في مثل الامر بشراء اللحم مع الغفلة عن مقدمية المشي إلى السوق لذلك ، ومع هذه الغفلة كيف يمكن دعوى وجوب المقدمة بقول مطلق ، فمن ذلك صاروا بصدد هذا التقسيم لبيان انه لا يلزم في وجوب الشيء غيريا أم نفسيا ان يكون بايجاب أصلي وخطاب مستقل بل يكفي فيه كونه تبعا لايجاب امر آخر عند ثبوت الملازمة بينهما ، كما في المتلازمين في الحكم ، حيث إنه بعد ثبوت الملازمة بين الشيئين في الحكم يكون ايجاب أحدهما كافيا عن ايجاب الاخر وصيرورته موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال ، بلا احتياجه إلى خطاب على حدة. ففي المقام أيضا نقول : بأنه بعد التلازم بين إرادة الشيء وإرادة مقدماته يكون نفس ايجاب الشيء قهرا مستتبعا لايجاب جميع ما يتوقف عليه الشيء من المقدمات بنحو الاجمال ، فتكون كل واحدة من المقدمات حينئذ واجبة بعين ايجاب ذيها وان لم يكن الآمر ملتفتا إليها بنحو التفصيل ولا أوجبها بخطاب أصلي مستقل ، وعليه فيرتفع الاشكال على وجوب المقدمات التي لم تقع بالاستقلال تحت خطاب اصلى مستقل.

ومن ذلك ظهر أيضا ان هذا التقسيم كسابقه انما كان بلحاظ مقام التحميل ومرحلة الايجاب المنتزع عن مقام ابراز الإرادة لا بلحاظ لب الإرادة ولذلك يجرى القسمان في الواجب النفسي أيضا من كون ايجابه وطلبه تارة أصليا كالصلاة والصوم والحج ونحوها ، وأخرى تبعيا كما في المتلازمين في الحكم ، والا فبحسب لب الإرادة لا مجال للتبعية والأصلية بهذا المعنى ، كما هو واضح.

هل الواجب مطلق المقدمة أم لا

وكيف كان فبعد ان ظهر لك هذه الأمور يبقى الكلام في أن المقدمة بناء على وجوبها هل هي واجبة على الاطلاق بلا دخل لحيث قصد الايصال إلى ذيها ولا إلى حيث ايصالها إليه خارجا ، أو انها واجبة بشرط قصد التوصل بها إلى ذيها اما بكون القصد

٣٣٢

المزبور قيدا للوجوب أو قيد للواجب كما هو ظاهر التقريرات اما مطلقا أو في فرض انحصار المقدمة بالفرد المحرم كما في انقاذ الغريق المتوقف على التصرف في مال الغير وارضه فيعتبر فيه قصد التوصل إلى الواجب في وجوبها ووقوعها على صفة الوجوب دون غيره ، أو انها واجبة بشرط الايصال خارجا إلى ذيها كما عليه الفصول وذلك أيضا اما بكونه أي الايصال قيدا للوجوب أو للواجب ، فيه وجوه وأقوال : أقواها في النظر الوجه الأول وسيظهر وجهه من ابطال التفاصيل المزبورة إن شاء الله تعالى.

فنقول : اما عدم اعتبار حيث قصد التوصل ودخله في اتصافها بالوجوب فظاهر ، بلحاظ ان ملاك الحكم الغيري انما كان ثابتا لذات المقدمة وحيثية القصد المزبور كانت أجنبية عن ذلك بالمرة ، ومن ذلك لو أتى بالمقدمة لا بقصد التوصل كان اتيانه ذلك محصلا لما هو غرض الآمر بلا كلام ، وحينئذ فمع أجنبية القصد المزبور عن ذلك لايكاد يترشح الوجوب الغيري أيضا الا على نفس ذات المقدمة وهو واضح ، هذا إذا أريد من دخل قصد التوصل في الواجب دخل التقيد به في موضوع الوجوب ، واما ان أريد به إناطة موضوع الوجوب بكونه في ظرف القصد إلى ذي المقدمة ، نظير إناطة التجارة بكونها عن تراض الملازم ذلك لاعتبار الموضوع في عالم الجعل في رتبة متأخرة عن القيد والمنوط به ففساده أفحش بلحاظ استلزامه لكون المقدمة التي هي موضوع الوجوب الغيري في الرتبة المتأخرة عن القصد المزبور التي هي رتبة وجود ذيها ، وهو كما ترى من المستحيل ، فان المقدمة لابد من كونها في رتبة سابقة عن وجود ذيها فيستحيل حينئذ اخذها في رتبة وجود ذيها كما هو واضح ، هذا كله ، مضافا إلى ما عرفت من أجنبية القصد المزبور عن ذلك هذا كله فيما لو أريد كونه قيدا وشرطا للواجب ، واما لو أريد كونه قيدا للوجوب فبطلانه أظهر من جهة استلزامه حينئذ لتوجه الايجاب نحو الشيء في ظرف أرادته للتوصل الملازم لإرادة المقدمة ، ومرجعه إلى تعلق الايجاب بالشيء في ظرف وجوده تكوينا لأنه في ظرف إرادة المقدمة يكون الوجود قهري الحصول والتحقق ، وهو كما ترى من المستحيل ، من جهة وضوح أن مثل هذا الظرف ظرف لسقوط الوجوب عنه ، فيستحيل كونه ظرفا لثبوته وهو أيضا واضح.

وحينئذ فعلى كل تقدير لا مجال لاخذ قصد التوصل قيدا وشرطا لا للواجب ولا للوجوب ، خصوصا بعد ملاحظة سائر الواجبات الشرعية والعرفية التي تكون ارادتها

٣٣٣

بحسب اللب غيرية للتوصل بها إلى وجود ما هو المراد والمطلوب النفسي الذي هو غرض الاغراض وغاية الغايات ، مع بداهة عدم اعتبار قصد التوصل فيها حتى في العباديات منها وكفاية الاتيان بها بداعي أمرها في وقوعها على صفة الوجوب وفي مقربيتها.

ومن ذلك اندفع ما قيل في تقريب اعتبار القصد المزبور في الواجب في وقوعه على صفة الوجوب ، بأن ذلك لايكون من جهة تقيد موضوع الوجوب بذلك بل وانما هو من جهة اقتضاء الغرض الداعي إلى ايجابه ، بتقريب ان الغرض من الامر بالمقدمة بعد أن كان هو التوصل بها إلى ذيها لا مطلوبيتها في ذاتها فالمطلوب الجدي الحقيقي قهرا بحكم العقل يكون عبارة عن نفس التوصل ، وحينئذ فلابد في وقوعها على صفة الوجوب وصيرورتها مصداقا للواجب بما هو واجب من الاتيان بها عن قصد التوصل بها إلى ذيها ، والا فمع عدم الاتيان بها كذلك لايكاد وقوعها على صفة الوجوب ومصداقا له وان كان يجتزى بها حينئذ وكانت محصلة لغرضه ، ففي الحقيقة كان قضية اعتبار القصد المزبور من جهة قصور الوجوب المتعلق بالمقدمة عن الشمول لها في حال عدم اقترانها بقصد التوصل لا من جهة تقيد موضوع الوجوب بالقصد المزبور.

وجه الاندفاع يظهر مما عرفت في أكثر الواجبات الشرعية والعرفية التي لا تكون إراداتها بحسب اللب الا غيرية مع وضوح عدم اعتبار قصد التوصل فيها ، لا في وقوعها على صفة الوجوب ولا في مقربيتها ، على أن كون الغرض من المقدمة هو التوصل لايقتضي اعتبار قصده فيها في وقوعها على صفة الوجوب ، وان حصول القرب باتيانها عن قصد التوصل بها إلى ذيها غير موجب لانحصار القرب بذلك ، بل هو كما يتحقق بذلك يتحقق أيضا باتيانها بداعي أمرها ومراديتها للمولى ، ومن ذلك نقول بان شأن الأوامر الغيرية كلية انما كان هو التوسعة في مقام التقرب باتيان متعلقه عن دعوته ، وعليه فلا مجال أيضا لاثبات اعتبار قصد التوصل في المقدمة في وقوعها على صفة الوجوب بمثل هذا البيان أيضا كما هو واضح.

ثم انه من هذا البيان ظهر أيضا حال ما إذا كانت المقدمة منحصرة بالفرد المحرم مع تقديم جانب الوجوب بمقتضي أهمية مصلحة الوجوب من مفسدة الحرمة كانقاذ الغريق المتوقف على المشي في الأرض المغصوبة حيث نقول فيه أيضا بان الواجب حينئذ لايكون الا ذات المقدمة قصد بها التوصل إلى ذيها أم لم يقصد لعدم دخل حيث قصد

٣٣٤

التوصل في وقوعها على صفة الوجوب وصيرورتها مصداقا للواجب بما هو واجب ، وحينئذ ( فما أفيد ) كما عن بعض الاعلام من لزوم قصد التوصل في مثل هذا الفرض مع بناءه على عدم لزومه في غيره بتقريب أن اذن الشارع حينئذ في الغصب مع كونه مبغوضا ذاتا من جهة أهمية مصلحة الانقاذ من مفسدة فعل الغصب انما يوجب الاذن في الغصب على الاطلاق ولولا بدون قصد التوصل إذا لم تكن في البين مزية راجحة في الفرد المشتمل على الخصوصية بالنسبة إلى الفرد الفاقد لها ، والا فلابد من الاقتصار في مقام الضرورة على خصوص ما فيه المزية الراجحة من جهة ان الضرورة انما تتقدر بقدرها فإذا كانت الضرورة تدفع بما فيه تلك المزية الخاصة لا مجال لاختيار الفرد الآخر الذي لايكون فيه تلك المزية ، وحينئذ ففي المقام الغصب المقصود به التوصل إلى الانقاذ والغصب غير المقصود به التوصل إليه وان كانا متساويين من جهة ملاك المقدمية للانقاذ الواجب ، ولكن القسم الأول لاشتماله على الخصوصية لما كان فيه مزية زائدة على القسم الثاني فقهرا بحكم العقل يكون هو المتعين في مقام دفع الضرورة ويكون غيره على حرمته ( منظور فيه ) إذ نقول بان ذلك لو تم فإنما هو في مثل الكلي المتواطئ الذي يشتمل كل فرد منه على حصة من الطبيعي غير الحصة المأخوذة في الفرد الآخر كما قيل بان الطبيعي مع الافراد كالآباء مع الأولاد في أنه مع كل فرد أب من الطبيعي غير الأب الذي يكون مع الفرد الآخر إذ حينئذ بانضمام الخصوصيات يتعدد الحصص والافراد حقيقة ومع تعددها يتوجه الاشكال بان أهمية مصلحة الانقاذ لاتقتضي الا مطلوبية الجامع بين الفردين والحصتين وهو انما يقتضي تخيير المكلف بين الفردين إذا لم تكن هناك لاحد الفردين باعتبار الخصوصية المأخوذة فيه مزية راجحة على الفرد الاخر والا يتعين خصوص ما فيه المزية الراجحة ، لا في مثل المقام الذي هو من قبيل التشكيكيات إذ في مثله لايكاد اقتضاء الخصوصية لتغير في الذات بحيث تباين الذات في حال عدم وجدانها للخصوصية فتكون هناك حصتان وفردان أحدهما واجد للخصوصية والآخر فاقد لها كما في افراد المتواطئ بل الذات حينئذ حال وجدانها للخصوصية بعينها هي تلك الذات حال فقدانها لها وانما كان الاختلاف ممحضا في الوجدان والفقدان.

وعلى ذلك نقول بأنه إذا اقتضى أهمية الانقاذ في المثال مطلوبية شخص هذه الذات المحفوظة بين الحالتين وهو الغصب ومغلوبية مفسدته فلا جرم بعد هذه المغلوبية لا يفرق

٣٣٥

بين حال وجدانها لخصوصية قصد التوصل وبين حال فقدانها لها ، ومعه فلا يتعين عليه قصد التوصل بها إلى الواجب ، بل كان له الخيار حينئذ بين الاتيان بها مقرونة بقصد التوصل وبين الاتيان بها غير مقرونة بذلك كما هو واضح ، على أنه مع الاغماض عن ذلك وتسليم كون المقام من قبيل الكلي والجامع المتواطي لا من قبيل الجامع التشكيكي نقول بأنه انما يتعين ويجب عليه قصد التوصل إذا كان تلك المزية القائمة بالخصوصية في نفسها بنحو من الاهتمام بحيث تمنع عن النقيض وتمنع عن تأثير المفسدة في المبغوضية إذ حينئذ يتعين عليه اختيار الفرد الواجد للخصوصية بحكم العقل جمعا بين الغرض القائم بالجامع وبين الغرض القائم بالخصوصية وإلا فإذا لم تكن المزية بالغة إلى مرتبة المنع عن النقيض وعن تأثير المفسدة في المبغوضية فلا جرم كان مقتضى أهمية مصلحة الانقاذ وتأثيرها في مطلوبية الجامع بين الفردين هو التخيير بينهما ، نعم غاية ما هناك حينئذ هو استحباب اختيار الفرد الواجد للخصوصية لا انه يتعين عليه ذلك.

ومن هذا البيان ظهر بطلان مقايسة المقام بصورة وجود فرد مباح وعدم انحصار المقدمة بالحرام في لزوم اختيار الفرد المباح ، إذ نقول بان لزوم اختيار الفرد المباح هناك انما كان من جهة اقتضاء تلك المفسدة غير المزاحمة القائمة بالخصوصية فإنها من جهة خلوها عن المزاحم لما كانت مؤثرة في المبغوضية الفعلية في الخصوصية كان العقل يحكم بمقتضي الجمع بين الغرضين بتعين خصوص الفرد المباح وتطبيق الجامع عليه ، وهذا بخلاف المقام الذي لا يوجد فيه فرد مباح ، إذ فيه بعد لا بدية الاتيان بأحد الفردين بمقتضي أهمية الانقاذ فقهرا يكون نتيجة الامر بالجامع فيهما بعد عدم بلوغ رجحان الخصوصية إلى مرتبة المنع عن النقيض هو التخيير بينهما ، كما هو واضح.

كما أنه من ذلك البيان ظهر أيضا عدم صحة المقايسة بمسألة المتوسط في الأرض المغصوبة التي لها طريقان للخروج عنها أحدهما أقرب من الآخر من حيث تعين اختيار الأقرب منهما بحكم العقل ، إذ نقول بان حكم العقل هناك بلزوم اختيار سلوك الأقرب منهما في مقام الخروج انما هو من جهة استلزام غيره لزيادة التصرف في مال الغير التي هي محرمة شرعا فلايرتبط حينئذ بالمقام الذي لايكون الامر فيه كذلك كما لايخفى.

فلا محيص حينئذ ولو على البناء بكون المقام من قبيل الجامع المتواطي من المصير إلى التخيير بين الفردين وعدم تعين الفرد الواجد للخصوصية فيسقط القول باعتبار قصد

٣٣٦

التوصل ولزومه على كل تقدير ، هذا كله بالنسبة إلى قصد التوصل.

واما نفس الايصال الخارجي فعدم اعتباره أيضا واضح لو أريد دخله بنحو القيدية للوجوب أو الواجب كما هو ظاهر الفصول ، وذلك اما عدم اعتباره ودخله في الوجوب فظاهر من جهة ان حيثية الايصال والترتب نظير عنوان الموضوعية انما كانت منتزعة عن رتبة متأخرة عن وجود ذي المقدمة ، وحينئذ فإناطة الوجوب المتعلق بها بالوصف المزبور تكون ملازمة لإناطته بوجود موضوعه ، وهو من المستحيل ، من جهة كونه حينئذ من تحصيل الحاصل ، من دون فرق في ذلك بين ان نقول بمقالة المشهور في الواجب المشروط أو بما ذكرنا بجعل المنوط به هو الشيء بوجوده العلمي اللحاظي طريقا إلى الخارج ، فإنه بعد ما لابد في مقام الايجاب والإناطة من لحاظه في ظرف لحاظ قيده فقهرا في هذا الظرف أي في ظرف القيد يرى كون الوجود متحققا إذ يرى كونه ظرفا لوجود المقدمة الذي هو ظرف سقوط الامر عنها ، ومعه يستحيل كونه ظرفا لثبوت الامر بها كي أمكن البعث نحوها بالايجاد ، كما هو واضح ، هذا كله بناء على احتمال كونه قيدا للوجوب

واما بناء على احتمال كونه قيدا للواجب لا للوجوب كما لعله ظاهر الفصول فلا يخلو اما ان يراد من اعتبار الايصال ودخله كونه على نحو الظرفية للواجب ، بجعل موضوع الوجوب الغيري عبارة عن ذات المقدمة لكن في ظرف الايصال وترتب ذيها عليها الملازم لاعتبار الذات في عالم معروضيتها للوجوب في رتبة متأخرة عن القيد المزبور نظير قوله تجارة عن تراض الظاهر في أن موضوع الحكم في جواز التصرف ونحوه هو التجارة الناشئة عن تراضي الطرفين ، واما ان يراد من اعتبار الايصال دخله في موضوع الوجوب بنحو خروج القيد ودخول التقيد كما في سائر المقيدات ، بحيث كان معروض الوجوب وموضوعه عند التحليل مركبا من أمرين أحدهما ذات الموضوع والاخر حيثية التقيد بقيد الايصال إلى ذيها ، فكان الفرق حينئذ بين ذلك وسابقه انه على الأول يكون معروض الوجوب الغيري عبارة عن نفس الذات محضة وكان حيث الايصال والترتب المزبور من جهة اخذه ظرفا مقدمة لنفس الذات بلحاظ انه بدونه لايكاد يتحقق ما هو موضوع الحكم أعني الذات الخاصة بخلافه على الوجه الأخير فإنه عليه كان موضوع الوجوب الغيري عبارة عن الذات مع وصف التقيد فكان حيث الترتب والايصال مقدمة بالنسبة إلى اجزاء الموضوع وهو التقيد لا بالنسبة إلى تمام الموضوع حتى حيثية الذات أيضا.

٣٣٧

وعلى أي حال نقول : بأنه كان المراد من اعتبار حيث الايصال ودخله في الواجب بنحو القيدية اعتباره فيه على الوجه الأول فبطلانه ظاهر من جهة استلزامه لاخذ موضوع الوجوب الغيري في رتبة متأخرة عن وجود ذيها ، وهو كما ترى من المستحيل ، حيث إنه ينافي جدا مقدمية الذات لوجود ذيها ، وترتب مثل هذا المحذور عليه انما هو من جهة اقتضاء الترتب المزبور بنحو الظرفية للذات تقدمه عليها الملازم لتأخر المقدمة رتبة عنه وعن وجود ذيها أيضا وهذا كما عرفت مناف لمقدمية الذات لوجود ذيها وكونها في رتبة سابقة عليه كما هو واضح ، وان كان المراد من اعتبار الايصال دخله في الواجب على الوجه الثاني فعليه وان يسلم عن هذا الاشكال بلحاظ عدم اقتضائه حينئذ الا تقدمه على حيث وصف التقيد لا على نفس الذات ، فكانت الذات حينئذ محفوظة في رتبة سابقة على ذي المقدمة وعلى حيثية وصف الايصال والترتب ، الا انه يتوجه عليه كونه مخالفا لما يقتضيه الوجدان إذ بداهة الوجدان قاض بأنه لا مدخلية لعنوان الايصال والترتب فيما هو معروض الوجوب الغيري وان ما هو المعروض للوجوب الغيري لايكون الا ذات المقدمة لا هي مع التقيد بوصف الايصال إلى ذيها وان حيثية الايصال انما كانت من الاغراض الداعية إلى ايجابها فكانت من الجهات التعليلية لا من الجهات التقييدية كما لايخفى.

ثم انه أورد عليه أيضا بوجوه آخر لم يتعرض لها الأستاذ :

منها استلزامه لمحذور اتصاف ذي المقدمة مع كونه واجبا نفسيا بالوجوب الغيري ببيان ان اخذ التقيد بالايصال المنتزع عن مرحلة ترتب ذي المقدمة على المقدمة في موضوع الوجوب يقتضي كونه مشمولا للوجوب الغيري فيجب حينئذ تحصيله كوجوب تحصيل ذات المقدمة ، ولازمه هو صيرورة ذي المقدمة بلحاظ مقدمية التقيد المزبور متصفا بالوجوب الغيري ، فيلزمه اجتماع الوجوبين فيه : أحدهما الوجوب النفسي والاخر الوجوب الغيري بملاك مقدميته للمقدمة ، وهو كما ترى من المستحيل ، خصوصا في مثل المقام الذي يستلزم سراية الوجوب من ذي المقدمة بتوسيط مقدمته إلى نفسه.

ومنها لزوم اتصاف المقدمة بالوجوب بعد وجود ذيها وهو من المحال ، من جهة ان مثل هذا الصقع هو صقع سقوط الامر عن ذيها الملازم لسقوطه عنها أيضا فلايمكن ان يكون صقعا لثبوته

٣٣٨

ومنها استلزامه لمحذور تقدم الشيء على نفسه وتأخره عنه رتبة نظراً إلى ما هو المفروض من مقدمية المقيد لوجود ذي المقدمة ومقدمية ذي المقدمة لتحقق التقيد المزبور. ولكن يمكن ان يدفع هذه المحاذير ، وذلك : اما المحذور الأول فبدعوى قصور الوجوب الغيري حينئذ في سرايته وعوده إلى ذي المقدمة بعد سرايته منه إلى المقدمة إذ حينئذ وان كان ملاك المقدمية متحققا في ذي المقدمة ولكنه بعد قصور الوجوب الغيري وعدم قابليته لايكاد اتصاف ذي المقدمة الا بوجوب واحد وهو الوجوب النفسي.

واما المحذور الثاني فدفعه انما هو بدعوى ان معروض الوجوب الغيري ، انما كان المقيد لكن بالنظر التصوري الذي لايقتضي المفروغية في الوجود الخارجي كما في القضايا التقييدية في المركبات الناقصة كزيد القائم الذي يحمل عليه الوجود تارة والعدم أخرى ، كقولك زيد القائم موجود أو معدوم ، لا بالنظر التصديقي الذي يقتضي مفروغية موضوعه في الخارج كما في القضايا التصديقية في المركبات التامة كزيد قائم وعمر وقاعد ، والاشكال المزبور انما يتوجه على الوجه الثاني دون الأول فإنه بعد عدم اقتضائه مفروغية الموضوع في الخارج في لحاظه بشهادة صحة حمل الوجود عليه تارة والعدم أخرى لايترتب عليه كون صقعه صقع وجود ذي المقدمة الذي هو صقع سقوط الامر عن المقدمة حتى يتجه الاشكال المزبور ، ومن ذلك أيضا يتضح الفرق بين هذا الفرض وبين فرض كونه قيدا للوجوب الذي قلنا باستحالته لمثل هذا المحذور فان عدم امكان اخذه قيدا لأصل الوجوب انما هو من جهة احتياج شرائط الوجوب وقيوده لدخلها في اتصاف الموضوع بالمصلحة والصلاح إلى لحاظها بالنظر التصديقي الذي يقتضي مفروغية وجودها في الخارج في مقام البعث والتكليف نظراً إلى أنه لولا لحاظها كذلك لايرى اتصاف الموضوع بكونه صلاحا ومصلحة كي يطلبه ويريده ، وهذا بخلافه في قيود الواجب التي لايكون دخلها الا في وجود المتصف فارغا عن أصل الاتصاف فإنها حينئذ لا تحتاج في مقام معروضيتها للوجوب الا إلى اللحاظ التصوري.

اما الاشكال الثالث فله وجه بل لا محيص عنه لو قيل بمقدمية التقيد أيضا كذات المقدمة لما هو الواجب والمطلوب النفسي ، ولكنه ليس كذلك بل ولا يظن أيضا التزام القائل بدخل حيث الايصال والترتب في الواجب به ، وذلك من جهة وضوح ان تمام همه من اخذ الايصال قيدا في الواجب انما هو اثبات ان موضوع الوجوب الغيري و

٣٣٩

معروضه هي الذات الخاصة دون الذات المجردة عن القيد المزبور مع تسليمه لان ما هو المقدمة وما فيه ملاك الوجوب الغيري عبارة عن ذات المقدمة ، لا هي مع وصف التقيد بالايصال بحيث كان للوصف المزبور دخل في تحقق الواجب كما هو واضح.

وحينئذ فالعمدة في الاشكال عليه هو الذي ذكرنا من مخالفته لمقتضي الوجدان باعتبار ان ترشح الوجوب الغيري انما يكون على ما فيه ملاك المقدمية والتوقف ، وما فيه الملاك المزبور بعد ، لايكون الا ذات المقدمة لا هي مع وصف التقيد بالايصال فلا جرم لايترشح الوجوب أيضا الا على الذات المقدمة كما لايخفى.

ثم انه قد يقرب القول المزبور أيضا بوجه آخر ، وهو ان الغرض من مطلوبية المقدمة وايجابها حيثما كان هو التوصل بها إلى وجود ذيها في الخارج فلا جرم يقتضي ذلك تخصيص الوجوب بخصوص المقدمة الموصلة ولا نعنى من اعتبار الايصال إلى الواجب في المقدمة وفي موضوع الوجوب الغيري الا هذا المعنى من عدم تعدي الوجوب عن المقدمة الموصلة إلى غيرها ، ولكن فيه ما لايخفى ، إذ نقول بان الغرض من الامر بكل مقدمة ليس الا ما يترتب على وجودها من الملاك وحينئذ فإذا كان دخل كل مقدمة من حيث كونها سادة لباب من أبواب عدم ذيها في الخارج فلا جرم لايكاد يكون الغرض من ايجاب كل مقدمة الا ذلك ، وفي مثله يستحيل كونه هو التوصل إلى الوجود وترتب الواجب عليها ، كيف وانه بعد مدخلية الإرادة أيضا في تحقق الواجب يستحيل كون الترتب المزبور من آثار مجموع المقدمات فضلا عن كل واحدة منها ، وحينئذ فإذا لم يكن دخل كل مقدمة الا كونها سادة لباب من أبواب عدم ذيها ولا كان الغرض من ايجاب كل مقدمة أيضا الا ما يترتب عليها من الحفظ من جهتها لاترتب الوجود ، فلا محيص بمقتضي البيان المزبور من الالتزام بان الواجب هو نفس ذات المقدمة لا هي بما انما موصلة نظراً إلى وضوح ترتب مثل هذا الغرض حينئذ بمحض تحقق المقدمة في الخارج وان لم يتحقق بقية المقدمات ولم يترتب عليها ذوها في الخارج أصلا كما لايخفى.

نعم لنا مسلك آخر في تخصيص الوجوب الغيري بخصوص المقدمة الموصلة لكن لا بمناط تقييد الواجب بالايصال إلى ذيها ، كما يقتضيه ظاهر الفصول ، بل من جهة قصور الوجوب الغيري في نفسه عن الشمول للمقدمة الا في حال الايصال إلى ذيها ، نظير ما ذكرنا غير مرة في الأوامر الضمنية المتعلقة بالاجزاء في المركبات الارتباطية في

٣٤٠