نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

موضوعها ، من جهة ان المنوط به والموضوع كما ذكرنا لايكون الا لحاظ الموضوع وفرضه لا وجوده الخارجي ، غايته انه لابد وأن يكون الملحوظ الذهني بنحو يرى خارجيا على وجه لايلتفت إلى ذهنيته ، كما هو الشأن أيضا في مثل القطع والظن في تعلقهما بالموضوع وما أنيط به. وحينئذ فبعد ان كان الموضوع للإرادة والاشتياق هو فرض وجود الموضوع ولحاظه طريقا إلى الخارج فلا جرم في ظرف فرض وجود الموضوع وفرض وجود المنوط به يتحقق حقيقة الاشتياق والإرادة ، لا انه يتحقق من فرضه فرض الاشتياق وفرض الإرادة ، كما هو الشأن أيضا في العلم بالمصلحة على ما بيناه.

ومن ذلك البيان ظهر انه لا يفرق في ذلك بين اخذ القيود في الواجبات المشروطة في ناحية الموضوع أيضا وبين عدم اخذها فيه كما هو المختار ، فإنه على الأول أيضا نقول بأنه في ظرف فرض وجود الموضوع ولحاظه حيثما يعلم بوجود المصلحة فيه يتحقق حقيقة الاشتياق والإرادة لا فرضه ، غاية ما هناك انه لايكون الاشتياق وإرادة على نحو الاطلاق كما في الواجبات المطلقة بل كان الاشتياق منوطا بالفرض المزبور ، كما في مثال الحج فإنه إذا لا حظ الشارع الحج في ظرف لحاظ الاستطاعة طريقا إلى الخارج يقطع منوطا بالفرض المزبور بكونه ذا مصلحة محضة ومع قطعه ذلك بمقتضي تبعية الإرادة للعلم بالمصلحة يتوجه نحوه الميل والمحبة والاشتياق فعلا فيطلبه ويريده منوطا بالفرض المزبور ، كيف وان الغرض من الانشاء بعد أن كان هو التوصل إلى وجود المراد لا جهة مطلوبيته نفسا يكون نفس الانشاء الفعلي في الواجبات المشروطة كاشفا قطعيا عن فعلية اشتياقه وارادته للمطلوب بلحاظ تبعية الإرادة الغيرية للإرادة النفسية في الفعلية والشأنية وعدم امكان التفكيك بينهما ، وحينئذ فكان ذلك أقوى شاهد وأعظم برهان على ما ذكرنا من عدم إناطة الطلب في فعليته في القضايا المشروطة بوجود المناط به وهو الشرط خارجا وأجنبية القضايا الطلبية شرطية كانت أم حملية عن القضايا الحقيقية التي يلزم من فرض الموضوع فرض الحكم فيها ومن فعليته فعلية وجود الحكم ، والا فعلى القول بعدم فعلية الطلب الا بعد حصول المنوط به في الخارج يلزم اما الالتزام بمطلوبية الانشاء المزبور نفسيا واما الالتزام بالتفكيك بين الإرادة الغيرية في المقدمات وبين إرادة ذيها في الفعلية ، وهو كما ترى! فان الأول منهما مخالف للوجدان وكذا الثاني لان تبعية الإرادة الغيرية للإرادة النفسية في الفعلية والشأنية في الوضوح كالنار على المنار وكالشمس في

٣٠١

رابعة النهار وانه لايمكن فعلية الإرادة الغيرية بدون فعلية الإرادة النفسية لذيها باعتبار رجوعه إلى تحقق المعلول بدون تحقق علته.

فلا محيص حينئذ بمقتضى ما ذكرنا من الالتزام في جميع الواجبات المشروطة بفعلية الطلب فيها قبل حصول شرطها ، غايته انه يفكك فيها كما ذكرنا بين الفعلية وبين الفاعلية فيجعل فاعلية الطلب في ظرف حصول المنوط به في الخارج الذي هو ظرف اتصاف الذات بالمصلحة.

فتمام المنشأ حينئذ لتوهم عدم فعلية الطلب في المشروطات قبل حصول الشرط في موطن الخارج وجعل القضايا الطلبية من سنخ القضايا الحقيقية بالمعنى المصطلح انما هو من جهة خلط هذه الصفات الذهنية من الإرادة والاشتياق والمحبة وغيرها بالاعراض الخارجية التي ظرف عروضها الخارج كالحرارة والبرودة والاحكام المجعولة كالملكية ونحوها مما ظرف عروضها واتصافها هو الخارج ومقايسة أحدهما بالآخر ، ولكنك بعد التأمل فيما ذكرنا في هذه الصفات من عدم احتياجها في فعليتها إلى وجود المتعلق خارجا لكونها مما ظرف عروضها الذهن وان الخارج ظرف اتصافها ترى أجنبية القضايا الطلبية بقول مطلق عن القضايا الحقيقية وانها ليست مما يوجب فرض وجود الموضوع فيها فرض الحكم كما في الأحكام الوضعية من نحو الملكية.

نعم لو قيل بان الأحكام التكليفية مجعولة بحقايقها كالأحكام الوضعية في المعاملات لأمكن دعوى كونها من سنخ القضايا الحقيقية التي كان فرض وجود الموضوع موجبا لفرض محموله وفعلية وجود الموضوع لفعلية محموله ، ولكن ذلك أيضا فاسد جدا من جهة وضوح ان لب الأحكام التكليفية وروحها ليس الا عبارة عن الإرادة الفعلية وابرازها بانشاء أو اخبار ، وشيء منهما لايكون مجعولا ، من جهة كون أحدهما من مقولة الكيف والآخر من مقولة الفعل ، فلم يكن حينئذ شيء يكون من الاعتبارات الجعلية حتى يتعلق به الجعل حتى يحتاج في فعليته إلى فعلية وجود موضوعه في الخارج كما في الأحكام الوضعية في المعاملات من نحو الملكية ونحوها كما هو واضح. نعم الذي تحتاج إلى فعلية وجود الموضوع خارجا انما هو مرتبة فاعلية هذه الإرادة المبرزة ومحركيتها بحيث يحتاج إلى تطبيق الموضوع في الخارج ، ولكن هذه المرتبة كما ذكرنا مرتبة تأثير الخطاب في حكم العقل بلزوم الامتثال لا مرتبة نفس الخطاب بمضمونه فلايقتضي حينئذ احتياج الإرادة في مقام

٣٠٢

محركيتها إلى تطبيق الموضوع خارجا إناطة أصل وجودها وفعليتها بوجوده في الخارج.

ثم إن الثمرة بين القولين تظهر في المقدمات الوجودية للواجب فإنه على ما اخترناه من فعلية الإرادة والتكليف في المشروطات يترتب عليه وجوب الاتيان بالمقدمات الوجودية المفوتة حالا عند العلم بحصول المنوط به والشرط في الخارج فيما بعد ، لان الوجوب النفسي بعد أن كان فعليا بالنسبة إلى ذيها لا جرم يقتضي على الملازمة ترشح الوجوب الغيري إلى مقدماته فيصير مقدماته الوجودية حينئذ واجبة من الحين بالوجوب الغيري فيجب الاتيان بها مع العلم بحصول المنوط به والشرط في الخارج. وهذا بخلافه على مسلك المشهور في المشروط فأنه على هذا المسلك لما كان لايكون التكليف بالنسبة إلى ذيها فعليا الا بعد حصول المنوط به والشرط في الخارج فلا مجال لدعوى وجوب مقدماته الوجودية من الحين بالوجوب الغيري ، فلابد حينئذ اما من الالتزام بعدم وجوبها رأسا أو الالتزام بكونها واجبة بالوجوب النفسي التهيئي العقلي ، وهذا وان التزم به المشهور المنكرون لفعلية التكليف في المشروطات قبل حصول شرطها نظراً إلى دعوى استقلال العقل في نحو هذه المقدمات بوجوب تحصيلها فرارا عن تفويت الواجب في ظرفه ، ولكنه مع كونه التزاما بما لا يلزم لا يخلو عن اشكال واضح ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى في تنبيهات المسألة.

في تصوير المعلق

ثم انه من التأمل فيما ذكرنا في الواجب المشروط على المختار يظهر لك امكان تصوير الواجب المعلق أيضا وهو الذي يكون الوجوب فيه فعليا مطلقا غير منوط بشيء ولكن الواجب فيه مقيد بأمر استقبالي غير اختياري حتى في ظرفه ولو لكونه قهري الحصول والتحقق في موطنه كالوقت مثلا ، كما في الحج في الموسم ، أو مقيدا بأمر اختياري لكن لا بمطلق وجوده بل بوجوده الاتفاقي الناشي من جهة غير اختيار المكلف ، أو بوجوده الناشي من قبل سائر الدواعي غير دعوة الامر والتكليف ، إذ نقول حينئذ بان مثل هذه القيود بعد أن كانت راجعة إلى مقام الدخل في وجود المحتاج إليه والمتصف بالصلاح والمفسدة لا في أصل الاحتياج واتصاف الذات بالمصلحة والصلاح كما في قيود التكليف كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج فلا جرم تبعا للعلم الفعلي بقيام المصلحة التامة المطلقة

٣٠٣

بالمقيد المزبور يتعلق به الاشتياق الفعلي المطلق البالغ إلى حد الانقداح المعبر عنه بالإرادة أيضا بلا حالة منتظرة في البين ولا إناطة لها في فعليتها بحصول القيود المزبورة في الخارج ، بل ولا بفرضها ولحاظها أيضا بوجه أصلا.

نعم غاية ما هناك هو خروج القيود المزبورة من جهة عدم قابليتها لتعلق الإرادة بها عن حيز التكليف بالايجاد محضا لا عن مباديها أيضا فكان جميع مبادئ الإرادة من الميل والمحبة والاشتياق متحققة بالنسبة إليها ، ولكنها من جهة عدم قابليتها لتعلق الإرادة بها كانت خارجة عن حيز التكليف بالايجاد ، ولكن مجرد خروجها عن حيز التكليف أيضا غير مقتض لإناطة أصل التكليف في فعليته بحصولها في الخارج كما في قيود الوجوب في المشروطات على مسلك المشهور بل ولا بفرضها ولحاظها أيضا ، كيف وان قضية كونها قيودا للواجب ليست الا دخل تقيداتها في المطلوب بنحو الجزئية ، وحينئذ فكما ان الامر بالمركب من الاجزاء الخارجي لايكون في فعليته بكل جزء منوطا بوجود الجزء الآخر بل ولا بفرضه ولحاظه أيضا بل كانت الاجزاء في عرض واحد في كونها متعلقا للامر والتكليف ، غاية الامر انه لايكون للتكليف المتعلق بها اطلاق يقتضي مطلوبية المركب حتى في ظرف فقد بعض الاجزاء ، وذلك أيضا لمكان توئمية الاجزاء في مشموليتها للطلب ثبوتا وسقوطا أيضا ، كذلك المركب من الاجزاء التحليلية وهي التقيدات ففيها أيضا لايكون الامر بالمقيد ببعض القيود منوطا في فعليته بحصول قيوده في الخارج ولا بفرضها ولحاظها أيضا من غير فرق في ذلك بين أن يكون القيد من القيود الاختيارية أو من القيود الغير الاختيارية ، غاية الامر في فرض عدم اختيارية القيد أو فرض كون الدخيل في الغرض هو وجوده الاتفاقي ولو مع اختياريته يخرج القيد حينئذ عن حيز نفس التكليف بالايجاد ، فلايكون التكليف بالمقيد حينئذ مطلقا بنحو يقتضي حفظ وجود المقيد على الاطلاق حتى من ناحية ما هو خارج عن اختيار المكلف أو من ناحية ما كان دخله بوجوده من باب الاتفاق ، لا أنه يوجب نفى التكليف الفعلي بالمقيد بقول مطلق قبل حصول قيده كما هو واضح ، فيكون مرجع التكليف الفعلي بالمقيد بقول مطلق قبل خارجا عن الاختيار إلى التكليف بسد باب عدمه فعلا من ناحية ما هو تحت قدرة المكلف واختياره من المقدمات الوجودية والأضداد في ظرف العلم بانسداد عدمه من ناحية القيود الخارجة عن الاختيار ونتيجة ذلك انما هي لزوم حفظ المقيد فعلا من قبل

٣٠٤

مقدماته الوجودية الاختيارية عند العلم بانحفاظه من ناحية القيود الخارجة عن الاختيار كما هو واضح.

وعلى ذلك فحيثما أمكن تصور الواجب المعلق أيضا في قبال المشروط منه فلا جرم يكون الأقسام في الواجب ثلاثة لا انه ينحصر بالقسمين المطلق والمشروط كما قيل من امتناع المعلق واستحالته ، وذلك لما عرفت بما لا مزيد عليه من امكان تصور قسم ثالث للواجب أيضا ، وراء المطلق المنجز والمشروط ، وهو الذي يكون الواجب أمرا استقباليا مقيدا بزمان الاستقبال وكان الوجوب فيه فعليا مطلقا غير منوط بشيء حتى في الفرض واللحاظ ، في قبال المشروط المشهور الذي يكون الوجوب فيه منوطا بوجوب الشرط والمنوط به في موطن الخارج الملازم لعدم فعليته أيضا قبل حصول شرطه في الخارج ، وفي قبال المشروط لدى المختار الذي يكون الوجوب فيه فعليا لكن منوطا بفرض الشيء ولحاظه لا مطلقا كما هو واضح.

ثم انه قد يقرب وجه ابطال المعلق واستحالته وامتناع تعلق التكليف الفعلي بالامر الاستقبالي قبل حصول ظرفه بان حقيقة الإرادة بعد أن لم تكن عبارة عن مجرد الميل والمحبة والاشتياق نحو الشيء بل كانت عبارة من تلك الحالة الانقداحية الحاصلة في النفس المستتبعة لتحريك العضلات نحو المراد فلا جرم تحتاج في فعليتها وتحققها إلى أن تكون في ظرف الاشراف على المراد الذي هو ظرف القدرة عليه من جهة انه بدونه يستحيل تحقق تلك الحالة الانقداحية الخاصة الموجبة لتحريك العضلات ، من غير فرق في ذلك بين الإرادة التكوينية والتشريعية ، فكما انه في الإرادة التكوينية لايتحقق حقيقة تلك الحالة الانقداحية المحركة للعضلات الا في ظرف اشراف المريد على العمل وفي ظرف القدرة عليه كذلك أيضا في الإرادة وفعليتها من كونها في ظرف اشراف المأمور والمكلف على المراد وفي ظرف القدرة عليه.

ومحصل هذا التقريب انما هو دعوى احتياج الإرادة في فعليتها وتحققها إلى كون المراد مقدورا بلا واسطة في ظرف الإرادة وانه بدونه لايكاد تحقق تلك الحالة الانقداحية المعبر عنها بالإرادة بوجه أصلا ، فيقال حينئذ بان الامر الاستقبالي لما كان غير مقدور للمكلف قبل حصول قيده أو ظرفه فلا جرم يمتنع توجيه التكليف الفعلي أيضا نحوه بالايجاد ، فمن ذلك لابد من جعل التكليف الفعلي به منوطا بحصول قيده الخارج عن

٣٠٥

الاختيار في الخارج ، ومعه يرجع تلك المعلقات إلى المشروط إذ لا نعنى من المشروط الا ما كان الوجوب فيه منوطا بوجود قيده في الخارج فيبطل حينئذ القول بالمعلق بواسطة امتناع تعلق الوجوب الفعلي بالامر الاستقبالي والمقيد ببعض القيود الغير الاختيارية ، ومن أجل هذا البيان أيضا قيل بلزوم المصير إلى تدريجية فعلية التكليف بالاجزاء في المركبات التدريجية كالصلاة ونحوها وان فعلية التكليف بكل جزء من المركب انما هو في ظرف الاشراف عليه الذي هو ظرف الفراغ عن الاتيان بالجزء السابق عليه ، لا ان التكيف بالجميع كان فعليا من الأول ، هذا

ولكنك خبير بما في هذا التقريب ، إذ نقول بأنه وان كان لابد في صحة توجيه التكليف الفعلي نحو الشيء من كونه مقدورا للمكلف وبدون القدرة عليه لايصح الطلب والبعث إليه فعلا ، ولكنه نمنع اعتبار كونه مقدورا له بلا واسطة في ظرف الإرادة ، بل نقول بأنه يكفي في فعلية الإرادة والتكليف بالعمل مطلق القدرة على ايجاده في ظرفه ولو بتوسيط مقدماته ، لان قدرته الفعلية على المقدمات هي عين القدرة على ايجاد العمل في ظرفه ، حيث إنه كان له فعلا حفظ المطلوب الاستقبالي بايجاد مقدماته الوجودية الاختيارية كما كان له عدم حفظه وتفويته بعدم ايجاد مقدماته الوجودية فعلا ، ومن المعلوم حينئذ انه يكفي هذا المقدار من القدرة الفعلية على المطلوب الاستقبالي في صحة توجيه البعث والتكليف الفعلي نحوه

كيف وان لازم البيان المزبور من اعتبار القدرة بلا واسطة على العمل في صحة البعث الفعلي هو الالتزام بعدم فعلية التكليف في الواجبات المطلقة أيضا فيما كان منها يحتاج إلى مقدمات عديدة لأنها أيضا غير مقدورة قبل حصول مقدماتها في الخارج ، فلابد وأن يكون فعلية التكليف فيها أيضا في ظرف حصول مقدماتها الذي هو ظرف الاشراف على المطلوب وظرف القدرة عليه ، ولازمه هو انكار الإرادة الغيرية رأسا في كلية الواجبات بالنسبة إلى المقدمات الوجودية لأنه في ظرف عدم حصول المقدمات إذا لم تكن الإرادة النفسية متحققة بالنسبة إلى ذيها بملاحظة عدم امكان الانبعاث نحوه فلا جرم يمتنع تصور الإرادة الغيرية أيضا بالنسبة إلى مقدماته الوجودية ، وحينئذ فلابد من نفى الوجوب الغيري عن تلك المقدمات رأسا والالتزام بكونها واجبة بالوجوب النفسي التهيئي ، وهذا وان التزم به بعض من سلك مثل هذا المسلك كصاحب تشريح الأصول

٣٠٦

فيما حكاه الأستاذ دام ظله ولكن مثل هذا الالتزام كما ترى لايمكن المصير إليه وذلك لما فيه من مخالفته لما عليه اطباق العقلاء بل وبداهة الوجدان القاضي بغيرية تلك الإرادة المتعلقة بالمقدمات الوجودية كما في إراداتنا التكوينية المتعلقة بمثل المشي إلى السوق لشراء اللحم والى الحمام للغسل من الجنابة والى مسجد الكوفة للصلاة فيه ونحو ذلك ، وعليه فيتوجه عليهم الاشكال بأنه إذا كانت تلك الإرادة المتعلقة بالمقدمات الوجودية إرادة غيرية توصلية بالوجدان لا نفسية ولو تهيئية فيستحيل انفكاكها عن فعلية الإرادة بذيها لان تبعية الإرادة الغيرية للإرادة النفسية في الفعلية والشأنية في الوضوح كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار.

وحينئذ فبمقتضى هذا البرهان بعد قضاء الوجدان بكون الإرادة المتعلقة بالمقدمات إرادة غيرية توصيلة لا محيص من الالتزام بفعلية الإرادة النفسية بالنسبة إلى ذيها أيضا قبل حصول مقدماته ، كي منها يترشح إرادة غيرية نحو مقدماته والمصير إلى كفاية مطلق مقدورية العمل ولو بالواسطة في صحة توجيه التكليف الفعلي نحوه وعدم احتياجها أي الإرادة في فعليتها إلى اعتبار كون المتعلق مقدورا بلا واسطة في ظرف الإرادة والتكليف كي تحتاج إلى لزوم كونها في ظرف الاشراف على العمل ، كما هو واضح.

وعلى ذلك نقول بأنه إذا كان ذلك شأن الإرادة في الواجبات المطلقة المنجزة وفي الإرادات التكوينية فأمكن فعلية الإرادة فيها قبل حصول المقدمات الوجودية فليكن كذلك في الواجبات المعلقة أيضا ، فأمكن فيها تعلق الإرادة الفعلية حالا بالمقيد بالقيد الاستقبالي كالزمان قبل حصوله ، فلا تحتاج إلى كونها في ظرف الاشراف على الواجب الذي هو ظرف حصول قيده ، كما كان يشهد لذلك أيضا نفس الانشاء الصادر من المولى حيث إنه بعد أن كان ذلك لأجل التوصل به إلى وجود المراد البعدي لا من جهة مطلوبية الانشاء نفسا فلا محالة تكون الإرادة المتعلقة به إرادة غيرية توصلية ، ومعه بمقتضي عدم انفكاكها عن إرادة ذيها لابد من الالتزام بكون الإرادة المتعلقة بالفعل البعدي فعلية حال الانشاء كي منها يترشح إرادة غيرية إلى الانشاء المزبور ، نعم غاية ما في الباب ان محركية هذه الإرادة لنفس المطلوب كانت في ظرف الاشراف عليه الذي هو ظرف حصول قيده ، واما قبل ذلك فلا تكون محركيتها الا لمقدماتها الوجودية كما هو الشأن أيضا في الواجبات المطلقة المنجزة التي تحتاج إلى مقدمات عديدة ، حيث كانت الإرادة بحدوثها محركة و

٣٠٧

باعثة نحو مقدمات المطلوب وببقائها إلى حين حصول المقدمات محركة نحو نفس المطلوب ، لا انه عند حصول المقدمات يحدث في النفس حالة أخرى توجب البعث نحو المطلوب ، كما هو واضح.

وقد يقرب ابطال المعلق واستحالته بوجه آخر ولو مع تسليم كفاية مطلق المقدورية ولو بالواسطة في صحة التكليف الفعلي بالعمل وذلك بتقريب ان المقيد بالقيد الغير الاختياري كالزمان مثلا تبعا لعدم اختيارية قيده قبل حصول قيده غير مقدور للمكلف بقول مطلق لا بالواسطة ولا بدونها ، من جهة وضوح عدم قدرة المكلف والمأمور على الاتيان بالعمل البعدي قبل حصول قيده وظرفه لا بالواسطة ولا بدونها ، فان ما هو مقدور له حينئذ انما كان ذات المقيد لا بوصف كونه مقيدا ، وذات المقيد لم تكن مما يترتب عليه الغرض والمصلحة ، بل المترتب عليه الغرض والمصلحة هو المقيد بوصف كونه مقيدا فإذا كان ذلك غير مقدور له قبل حصول قيده في الخارج فلا جرم يستحيل تعلق التكليف الفعلي بايجاده ومعه فلا محيص وأن يكون التكليف الفعلي به منوطا بحصول قيده في الخارج. ومن هذه الجهة أيضا يندفع شبهة الانتقاض المزبور بالواجبات المطلقة التي لها مقدمات وجودية حيث نقول بان صحة التكليف الفعلي في الواجبات المطلقة قبل حصول مقدماتها الوجودية مع كونه في الحقيقة من البعث إلى امر متأخر انما هو من جهة كونه مقدورا للمكلف ولو بواسطة القدرة على مقدماته ، حيث إنه من اجل ذلك يصير البعث الفعل والانبعاث إليه متصفا بصفة الامكان بخلافه في الفعل المتقيد بأمر غير مقدور كالمتقيد بالزمان المتأخر ، حيث إنه باعتبار امتناع تحققه قبل حضور وقته وحصول قيده غير مقدور للمكلف على الاطلاق حتى بالواسطة ، فمن ذلك لايكاد يصح البعث الفعلي نحوه الا بعد حضور وقته وحصول قيده ، بجعل فعلية التكليف منوطة بوجود القيد في موطن الخارج ولا نعنى من المشروط الا هذا.

وقد يقرب ذلك بعبارة أخرى وهي ان المعتبر في صحة البعث الفعلي نحو الشيء انما هو امكان انبعاث المكلف إليه وقوعيا علاوة عن الامكان الذاتي فيقال حينئذ بأنه لا ريب في تحقق هذا المعنى حينئذ في فعل له مقدمات اختيارية غير حاصلة بالفعل ، وذلك انما هو من جهة كونه في نفسه أمرا ممكنا قابلا للوقوع في كل آن ولو في زمان عدم وجود علته ، كما في الاحراق ، حيث إنه امر ممكن قابل للتحقق في كل زمان حتى في زمان عدم حصول علته غير أن عدم

٣٠٨

تحققه وامتناعه كان من جهة عدم حصول علته لا من جهة امتناعه في نفسه بالامتناع الوقوعي ، وحينئذ فإذا كان الامكان الذاتي والوقوعي محفوظا فيه مع عدم حصول علته وامتناعه بالغير فلا جرم أمكن البعث الفعلي نحوه أيضا ، من جهة المعيار في صحة البعث الفعلي انما كان هو امكان الانبعاث إليه بالامكان الوقوعي ، فإذا أمكن الانبعاث إليه بالامكان الوقوعي أمكن البعث الفعلي نحوه أيضا ، وهذا بخلافه في الفعل المتقيد بالزمان المتأخر فإنه لما كان يمتنع تحققه في نفسه قبل حضور وقته وحصول قيده فلايكاد اتصاف الانبعاث إليه بوصف الامكان الوقوعي ومعه لايكاد يصح البعث الفعلي نحوه أيضا من جهة ما عرفت من الملاك في صحة البعث الفعلي نحو الشيء وانه امكان الانبعاث إليه بالامكان الوقوعي ، فعلى ذلك الفرق بين فعل له مقدمات وجودية اختيارية غير حاصلة وبين الفعل المتقيد بأمر غير مقدور كالمتقيد بالزمان المتأخر من حيث صحة البعث الفعلي في الأول وعدم صحته في الثاني الا بعد حصول الواجب انما هو من جهة محفوظية الامكان الوقوعي في الأول وعدم محفوظيته في الثاني ، باعتبار امتناع تحققه في نفسه قبل حضور وقته وحصول قيده ، فمن ذلك لا محيص من جعل الطلب في نحو هذه الأمور منوطا بحصول قيده في الخارج كما في المشروطات. هذا غاية ما أفيد في وجه بطلان المعلق وفى الفرق بينه وبين المطلق الذي له مقدمات اختيارية غير حاصلة بالفعل.

ولكنه كما ترى لايكاد يجدي شيئا ، إذ نقول أولا : بان ما أفيد من الفرق المزبور بالملاك المسطور انما يفيد في مثل الاحراق ونحوه من الأمور التي لم يكن لها ما يمنع عن قابلية وقوعها في زمان علتها ، لا في فعل كل ما له مقدمات اختيارية غير حاصلة بالفعل كالصلاة ونحوها مما اعتبر فيها الهيئة الخاصة المعهودة التي ينافيها ويضادها بعض الأمور فان مثل الصلاة باعتبار ما لها من الهيئة الاتصالية المعهودة لا اشكال في كونها مضادة مع فعل مثل الوضوء والغسل ونحوهما كمضادتها مع سائر المنافيات من الافعال التي يوجب وقوعها في أثنائها خروج تلك الهيئة عن كونها هيئة صلاتية ، وعلى ذلك نقول بأنه من الواضح انه مع تلك المضادة لايكاد اتصاف الصلاة بالامكان الوقوعي في كل زمان حتى في زمان عدم وجود مقدمتها التي عبارة عن الوضوء والغسل ، وحينئذ يتوجه شبهة الانتقاض بالواجبات المطلقة إذ يقال حينئذ بأنه يكفي في امتناعها الوقوعي تلك المضادة الجائية من قبل ما اعتبر فيها من الهيئة الخاصة وان كان في الفعل المتقيد بالزمان المتأخر

٣٠٩

جهة أخرى زائدة وهي امتناع تحققه بذاته قبل حضور وقته.

وثانيا نقول : بان امكان الانبعاث نحو المطلوب وان كان مما لابد منه عقلا في صحة البعث الفعلي ولكن نقول : بان لا دليل على اعتباره في ظرف التكليف بل يكفي فيه امكانه في ظرف العمل لان الذي يحكم العقل باستحالته من التكليف بما لايقدر عليه المكلف انما هو في مورد خروج الفعل عن المقدورية بقول مطلق حتى في ظرفه لا مطلقا كما هو واضح.

ومع الغض عن ذلك نقول : بأنه انما يجدي ذلك في ابطال المعلق إذا كان المقصود من اثبات المعلق اقتضاء البعث الفعلي نحو الفعل المتقيد بالزمان المتأخر لحافظية وجود المقيد بقول مطلق حتى من ناحية قيوده الخارجة عن الاختيار ولكنه ليس كذلك ، والا لاقتضى هذا البيان عدم صحة البعث الفعلي نحوه حتى في ظرف حصول قيده من باب الاتفاق من جهة ان مجرد حصول القيد غير الاختياري لايوجب صيرورة المقيد بما هو مقيد اختياريا بقول مطلق ، بل المقصود اقتضاء التكليف المزبور للامر بسد باب عدمه من قبل ما هو تحت اختيار المكلف من المقدمات في ظرف انسداد عدمه من ناحية القيود الخارجة عن الاختيار ، وعليه نقول : بان ذلك كما أنه يوجب صحة التكليف بالمقيد بعد حصول قيده في الخارج وكان مرجع التكليف به حينئذ إلى التكليف بسد باب عدمه من ناحية بقية القيود الاخر الاختيارية كذلك يوجب صحة التكليف الفعلي نحوه أيضا قبل حصول قيده في الخارج نظراً إلى تمكنه فعلا من هذا المقدار من الحفظ كتمكنه من عدم حفظه أيضا بتفويت تلك المقدمات وعدم ابقاء قدرته إلى ظرف حصول القيد الذي هو ظرف الواجب ، وحينئذ فإذا فرض تمكنه فعلا من حفظ المقيد بالوقت الاستقبالي من قبل المقدمات الاختيارية وكانت المصلحة أيضا تامة في قيامها بالمقيد فعلا فلا جرم قضية الاشتياق الفعلي إلى المقيد المزبور البعث الفعلي نحوه يوجب ذلك وجوب الاتيان بما له من المقدمات الاختيارية التي لولا تحصيلها في الحال لما كان له القدرة على تحصيلها في ظرف الواجب من جهة ترشح الوجوب الغيري حينئذ إلى تلك المقدمات ولا نعنى من فعلية الوجوب في المعلق قبل حصول قيده الا هذه المقدار

فعلى ذلك لايبقى مجال لانكار المعلق والمصير إلى رجوعه إلى المشروط ونفى التكليف الفعلي فيه قبل حصول قيده بمثل البيانات المزبورة ، كيف وان نفس صدور الانشاء من

٣١٠

المولى في هذه الموارد بعد معلومية كونه لأجل التوصل إلى وجود المراد البعدي لا من جهة مطلوبية نفسا بمقتضي تبعية الإرادة الغيرية للإرادة النفسية في الفعلية والشأنية واستحالة الانفكاك بينهما أقوى شاهد وأعظم برهان على فعلية إرادة المطلوب وتحققها أيضا ، كيف وان كثيرا ما لايكون للمولى إرادة فعلية في ظرف حصول قيد الواجب وذلك لما يعرض عليه من الحالات المنافية معها كالنوم والغشوة والغفلة ونحو ذلك كما لو قال افعل غدا كذا مع كونه في الغد نائما أو مغشيا عليه ، فعلى هذا المسلك يلزم القول بخلو هذا الانشاء عن الطلب والمصير إلى عدم وجوب شيء على المأمور في ظرف الغد ، مع أنه كما ترى ، فإنه لا شبهة في أنه يجب عليه الاتيان بما امره المولى به في الغد وانه لو تركه يصح للمولى ان يعاقبه ، ولايصح له الاعتذار بأنه لم يصدر من المولى طلب ولا بعث فعلى ، لان الانشاء منه غير متكفل للبعث الفعلي وفي ظرف الغد كان المولى نائما غير مريد للفعل بإرادة فعلية ، وهكذا فيما لو علق المولى طلبه بما هو ضده كالنوم والغشوة بقوله : ( ان نمت فافعل كذا في حال نومي وان غشي على فاصنع كذا واعط زيدا كذا وان مت فافعل كذا ) فإنه على ما ذكرنا من عدم فعلية الإرادة في ظرف الانشاء يلزم عدم وجوب شيء على العبد في الأمثلة المزبورة من جهة عدم ملزم عليه في البين يقتضي وجوب الاتيان بالمأمور به بعد فرض خلو الانشاء المزبور عن الطلب وانتفائه أيضا بالوجدان في حال النوم والغشوة ، مع أنه كما ترى ، فان بداهة الوجدان قاض بوجوب الاتيان عليه بما هو المأمور به في ظرف واستحقاقه للعقوبة على الترك فيما لو خالف ، ومعلوم ان لايكون له وجه الا انشائه المتكفل لفعلية طلبه ومن ذلك يصح للمولى ان يحتج عليه بذلك بقوله : « اني بعثتك نحو العمل وطلبته منك بقولي افعل كذا في الغد ان نمت أو غشي على » كما هو واضح وحينئذ فكان ذلك كله من الموهنات للقول بانكار المعلق وارجاعه إلى المشروط فتدبر.

نعم لو كان لابد من انكاره وارجاعه إلى المشروط ، فكان الحري حينئذ ارجاعه إلى المختار من المشروط الذي لاينافي مع فعلية الإرادة كما صنعه بعض الاعلام في درره فيلتزم حينئذ بفعلية الإرادة المنوطة بالفرض واللحاظ كما حققناه المستتبعة لعدم محركيتها نحو المطلوب الا في ظرف تحقق الشرط والمنوط به في الخارج مع تأثيرها أيضا في نفس المكلف فعلا بالنسبة إلى المقدمات المفوتة ، وان كان ذلك أيضا خلاف التحقيق ، كما مر

٣١١

سابقا عند بيان اختلاف أنحاء القيود في كيفية دخلها في المطلوب وعدم كونها على نمط واحد ، بان قيود المحتاج إليه غير راجعة إلى الطلب كي يكون الطلب بمباديه منوطا بوجودها ولو في الفرض واللحاظ ، وانما كان ذلك شأن قيود الاحتياج حيث إنها كانت راجعة إلى الطلب دون المتعلق ، من غير فرق في ذلك بين أنحاء القيود من حيث الاختيارية وغير الاختيارية غايته انه في فرض عدم اختيارية القيد أو دخله بوجوده الاتفاقي تكون خارجة عن الطلب نفسه لا عن مباديه أيضا ، ومجرد هذا المقدار من الخروج أيضا عن حيز الطلب غير مقتض لإناطة الطلب بوجوده ولو في الفرض واللحاظ فضلا عن الخارج ، كما هو واضح.

وحينئذ فعلى التحقيق تكون الأقسام في الواجب ثلاثة : أحدها الواجب المنجز ، وثانيها المعلق الذي يكون الوجوب فيه فعليا مطلقا غير منوط بشيء ولو في الفرض واللحاظ والواجب مقيدا استقباليا ، وثالثها المشروط الذي يكون الوجوب فيه لدى المختار فعليا منوطا بفرض القيد ولحاظه وغير فعلى لدى المشهور الا بعد حصول الشرط في الخارج في قبال المعلق الذي عرفت فعلية الوجوب فيه واطلاقه ، فكان الفرق حينئذ بين المعلق وبين المختار من المشروط من جهة اطلاق الإرادة وإناطته والا فهما مشتركان لدى المختار في فعلية الوجوب والتكليف.

ثم انه بعد أن ظهر امكان كل من المعلق والمشروط ثبوتا يبقى الكلام في مقام الاثبات في امكان كون القيد في حيز الخطاب من قيود الطلب والهيئة أو قيود المتعلق وعدم امكانه.

فنقول : الذي يظهر من جماعة منهم الشيخ قدس‌سره على ما في التقريرات هو المنع عن جواز كون الشرط من قيود الهيئة والطلب ، حيث منع عن جواز كونه من قيود الطلب والتزم بتعين رجوعه إلى المادة والمتعلق ولو مع اقتضاء القواعد العربية خلافه ، ولكن الظاهر بقرينة الاستدلالي الآتي اختصاص المنع المزبور بما إذا كان الطلب منشأ لا بمادة الوجوب والطلب بل بالهيئة محضا كقوله ان جاءك زيد فأكرمه والا ففي فرض انشائه بمادة الوجوب كقوله ان جاءك زيد يجب عليك اكرامه أو اطلب منك كذا لايتوجه المنع المزبور ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فعمدة ما أفيد في تقريب امتناع كون الشرط من قيود الهيئة و

٣١٢

الطلب ولزوم كونه من قيود المادة وجهان : تارة بما اختاره الكفاية من المسلك في الحروف والهيئات : من جعل معانيها معاني آلية لمتعلقاتها وجعل الفارق بينها وبين الأسماء من جهة اللحاظ الآلي والاستقلالي بتقريب ان لازم آلية المعنى فيها ومرآتيته هو عدم جوازه تقييده نظراً إلى اقتضاء التقييد لكونه ملحوظا استقلالا واستلزام ذلك لانقلاب المعنى عن كونه معنى حرفيا إلى المعنى الأسمى بل واستلزامه لاجتماع النظرين أيضا النظر الآلي والاستقلالي ، وأخرى بان معاني الهيئات كالحروف معان جزئية لكونها من قبيل الوضع العام وخاص الموضوع له ، فلا اطلاق للفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة حتى يصح تقييده ، مع أن تفرع تقيد الشيء على اطلاقه كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار هذا.

ولكن يرد على الوجهين المزبورين المنع عن أصل المبني فإنه قد تقدم في محله ان الحروف وكذا الهيئات معانيها عبارة عن الإضافات الخاصة والارتباطات القائمة بالطرفين ، فكان الفرق حينئذ بينها وبين الأسماء من جهة نفس المعنى والملحوظ لا من جهة اللحاظ الآلي والاستقلالي كما عليه مسلك الكفاية ، كما أنه قد تقدم أيضا عموم الموضوع له فيها كالوضع نظراً إلى تحقق القدر المشترك بين الإضافات الخاصة من كل سنخ منها ، وعليه فلا مانع عن ورود القيد على الهيئة بوجه أصلا ، على أنه لو سلم كون المعنى فيها جزئيا وخاصا فإنما هو باعتبار الخصوصيات الذاتية ، وهذا المقدار لايقتضي خروج المعنى فيها عن الاطلاق وعن قابلية التقييد بالنظر إلى الطواري والعوارض اللاحقة ، ولذلك ترى ان زيدا مع كونه جزئيا وخاصا كان مطلقا بالنظر إلى الحالات والطوارئ العارضة عليه من نحو القيام والقعود ونحوهما.

نعم لو أريد من خصوصية المعنى فيه وجزئيته كونه خاصا وجزئيا بقول مطلق على معنى اشتماله على جميع ما بفرض من الخصوصيات حتى الناشئة من الطوارئ الخارجية بحيث كان انشاء مدلول الهيئة مساوق انشاء الطلب المقيد لكان لما ذكر من عدم قابلية المعنى في الهيئة للتقييد كمال مجال ، وعليه أيضا لايكاد يتوجه الاشكال الكفاية قدس‌سره بأنه انما يمنع عن التقييد فيما لو أنشأ أولا غير مقيد لا ما إذا أنشأ من الأول مقيدا بنحو الدالين والمدلولين فإنه غير انشائه أولا ثم تقييده ثانيا ، إذ نقول بأنه على هذا الفرض لا محالة يكون القيد المزبور من خصوصيات الطلب المدلول بالهيئة حيث كان

٣١٣

انشاء مدلول الهيئة مساوق انشاء الطلب المقيد ومعه لايبقى مجال لتقيده بالقيد المزبور ، كيف وانه على فرض عدم كون ذلك من خصوصياته لابد وأن يكون المدلول في الهيئة هو الطلب المجامع مع الخصوصية تارة وغير الجامع معها أخرى فيلزم كونه مطلقا من هذه الجهة وهو خلف بالفرض ، لأن المفروض هو كونه جزئيا غير قابل للتقييد. ومن ذلك ظهر عدم المجال لما افاده أيضا من حديث تعدد الدال والمدلول لان ذلك انما يكون في فرض تجريد الهيئة عن تلك الخصوصية بجعلها عبارة عن الطلب المجامع معها تارة والمفارق عنها أخرى كي يكون الدال على ذات الطلب الهيئة وعلى الخصوصية القيد الخارجي والا فمع عدم تجريد ها عنها كما هو الفرض من اخذ الخصوصية فيها لا جرم يكون الدال على الذات والخصوصية هو الهيئة فقط ، كما هو واضح.

ولكن الذي يسهل الخطب هو بطلان أصل الفرض فان جزئية المعنى في الحروف والهيئات لو قيل بها فإنما هي باعتبار الخصوصيات الذاتية لا مطلقا حتى بالنظر إلى الخصوصيات الناشئة من الطوارئ والعوارض الخارجية خصوصا الناشئة منها من الجهات التعليلية كالعلة والشرط فإنها مما لايكاد يمكن اخذها في ذات المعنى ، ومن ذلك ترى الفرق الواضح بين مثل قوله : أكرم زيدا لعلمه أو ان كان عالما وبين قوله أكرم زيدا العالم من حيث كون تمام الموضوع للحكم في الأول هو زيدا وفى الثاني زيدا المتقيد بالخصوصية بنحو خروج القيد ودخول التقيد بحيث كان زيد جزء الموضوع والجزء الآخر هو التقيد بالعلم والخصوصية ، وعليه فلا يمنع مجرد جزئية المعنى في الهيئة عن تقيدها وارجاع الشرط إليها فأمكن اثباتا أيضا كل من المعلق والمشروط.

واما ما افاده قدس‌سره من البرهان الآخر في امتناع كون الشرط من قيود الطلب ولزوم كونه من قيود المتعلق فقد عرفت الجواب عنه سابقا بأنه من الخلط بين أنحاء القيود بجعل دخلها في المطلوب على نمط واحد وليس كذلك فراجع هناك تعرف. نعم لو اغمض عن ذلك لايتوجه عليه اشكال الكفاية بان الشيء المقيد مع العلم بقيام الغرض به كما يمكن ان يبعث إليه فعلا ويطلبه حالا كذلك يمكن ان يبعث إليه ويطلبه استقبالا وعلى تقدير تحقق شرط متوقع الحصول ولو لأجل مانع في البين عن الطلب والبعث إليه فعلا قبل حصوله وحينئذ فلايكون طلبه وبعثه الفعلي الا في ظرف حصول ذلك القيد الملازم لارتفاع المانع ، إذ مضافا إلى منافاته مع ما يقتضيه ظهور القضايا

٣١٤

الشرطية في كون المنوط به للطلب هو نفس القيد والشرط لا أمرا آخر ملازما لوجوده كما يقتضي البيان المزبور من جعل الطلب من تبعات عدم المانع الذي هو ملازم لوجود القيد ، نقول بأنه مع تمامية المصلحة في المتعلق وهو المقيد وعدم مزاحمتها مع مفسدة أهم وجودا لا محالة يكون مجرد الالتفات إلى تلك المصلحة غير المزاحمة مع المفسدة علة تامة للاشتياق التام البالغ إلى حد الإرادة ، وفي مثله لايكاد يمنع عنه ما ذكر من المانع والمفسدة المزبورة بعد عدم مزاحمتها وجودا مع مصلحة المطلوب ، وذلك من جهة ان تلك المفسدة حسب ترتبها على الإرادة والطلب تكون معلولة للطلب وفى رتبة متأخرة عنه فيستحيل حينئذ مانعيتها عن نفس الطلب فضلا عن ممانعتها عن مصلحة المطلوب والمتعلق. وتوهم ان المانع حينئذ عن الطلب حقيقة هو العلم بترتب المفسدة على الطلب لا نفس المفسدة فلا محذور مدفوع بان مانعية العلم انما تكون باعتبار كشفه عن معلومه فكان ما هو المانع بنظر العقل هو نفس المعلوم والمنكشف دون العلم وحينئذ يتوجه المحذور المزبور بأنه كيف يمكن مانعية ما هو معلول الشيء وفي رتبة متأخرة عنه عن ذلك الشيء؟ ومن ذلك أيضا نقول بامتناع تبعية الاحكام لمصالح في نفسها وانها لابد من كونها تابعة لمصالح في متعلقاتها فتصح الكلية المدعاة بان الواجبات الشرعية ألطاف في الواجبات العقلية وان كل ما حكم الشرع بوجوبه يحكم العقل بحسنه.

ومن ذلك البيان ظهر أيضا عدم صحة ما افاده من المقايسة المزبورة بما في موارد الأصول والامارات المؤدية إلى خلاف الواقع وفى الاحكام التي لم يكشف عنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا الأئمة عليهم‌السلام فبقيت إلى زمان القائم عجل الله فرجه الشريف إذ نقول بان عدم فعلية تلك الأحكام في الموارد المزبورة يمكن ان يكون من جهة مزاحمة مصالحها لمصالح أخرى أهم ولو كانت هي مصلحة التسهيل أو لمفسدة كذلك بحسب الوجود ، فلايرتبط حينئذ بالمقام المفروض خلو المتعلق فيه عن المفسدة ، وحينئذ نقول : بان المولى بعد أن لاحظ المقيد وعلم بان فيه مصلحة غير مزاحمة مع المفسدة لا جرم يحدث في نفسه الاشتياق التام فيريده فعلا من دون حالة منتظرة أصلا.

نعم ابراز تلك الإرادة واظهارها ربما يحتاج إلى عدم المانع إذ لايكفي فيه مجرد العلم بالمصلحة ولا الاشتياق التام نحوه ، ومن ذلك نرى بالوجدان ان الانسان ربما يشتاق إلى الشيء بل يريده أيضا من عبده بإرادة فعلية ولكن مع ذلك لا يتمكن من ابراز الإرادة و

٣١٥

اظهارها خوفا عما يترتب عليه من المفاسد في نظره ، كما لو فرض انه كان هناك عدو له يقتله بمحض اظهاره للإرادة أو يحسد عليه فيضره ونحو ذلك من المفاسد ، كما لعله من هذا القبيل ولاية ولى الله عليه‌السلام حيث كان عدم اظهار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للولاية للناس من أول الامر لمكان خوفه صلى‌الله‌عليه‌وآله من أن يرتد الناس عن دينهم لما يرى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ثقل الولاية عليهم ، فمن ذلك أخر اظهارها مدة متمادية مع ما فيها من المصالح أعلاها إلى أن شدد عليه ونزل الآية المباركة : « يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك »

نعم إذا كان عدم اظهار الإرادة علة تامة لعدم تحقق الوجود في الخارج مع فرض قيام المصلحة به فحينئذ يستكشف من عدم اظهار الإرادة عدم بلوغها إلى مرتبة الفعلية من جهة كشفه إنا عن ابتلاء المصلحة المزبورة فيه بمفسدة أخرى أهم وجودا كما في الاحكام التي لم يكشف عنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومون عليهم‌السلام وكما في موارد الامارات والأصول المؤدية إلى خلاف الواقع. ولكن مثل ذلك كما عرفت غير مرتبط بالمقام المفروض خلو مصلحة المتعلق عن الابتلاء بالمفسدة وجودا خصوصا مع تحقق الانشاء الفعلي أيضا من المولى. وحينئذ فلايكاد يجدي ذلك لدفع ما أورده الشيخ قدس‌سره في لزوم صرف القيود عن الهيئة وارجاع المشروطات إلى المعلقات ثبوتا واثبات كون الطلب في القضايا الشرطية منوطا بحصول الشرط وتحققه في الخارج بحيث لا طلب ولا إرادة قبل حصول الشرط خارجا ، بل العمدة في الجواب عنه هو الذي ذكرناه من الفرق بين أنحاء القيود في مقام دخلها في المطلوب وعدم كونها على نمط واحد فراجع تعرف.

وحينئذ فعلى التحقيق بعد ما أمكن كل من المعلق والمشروط ثبوتا واثباتا أيضا برجوع القيد الواقع في القضية إلى الهيئة تارة والمادة أخرى فلا جرم يكون المتبع في استفادة انه من أي القبيل هو لسان الدليل ، وفي مثله يفرق بين مثل قوله : ان جاءك زيد فأكرمه أو يجب اكرامه أو قوله : أكرم زيدا ان جاءك الظاهر في إناطة الوجوب بمادته بالمجيء وبين قوله : أكرم زيدا الجائي بنحو القضية الوصفية الظاهر في اطلاق الوجوب وفي كون الموضوع هو الذات المتقيدة والمتصفة بالوصف العنواني في قبال القضايا الشرطية الظاهرة في أن تمام الموضوع للحكم في القضية هو نفس الذات محضا.

٣١٦

ثم انه يظهر من بعض الاعلام عدم صحة ما في التقريرات من لزوم صرف القيود عن الهيئة وارجاعها إلى المادة لدى الشيخ قدس‌سره حيث قال نقلا عن أستاذه السيد العلامة الشيرازي قدس‌سره بأنه ليس المراد من تقييد المادة لدى الشيخ قدس‌سره ما يقتضيه ظاهر التقريرات بل المراد هو تقييد المادة من حيث ورود النسبة عليها وبعبارة أخرى المادة المنتسبة ، لان الشيء قد يكون متعلقا للنسبة الطلبية مطلقا من غير تقييد وقد يكون متعلقا لها حين اتصافه بقيد في الخارج ، كما في الحج مثلا فإنه مطلقا غير متصف بالوجوب بل المتصف بالوجوب هو الحج المقيد بالاستطاعة الخارجية فما لم يجد هذا القيد يستحيل تعلق الطلب الفعلي به وكونه طرفا للنسبة الطلبية ( انتهى )

أقول : وأنت خبير بعدم اجداء مثل هذا الحمل أيضا لدفع ما أورده من الاشكال على المشروط ، فإنه ان أريد بالمادة المنتسبة المادة المتقيدة بمفهوم الانتساب الذي هو معنى اسمى لا حرفي فهو كما عرفت خارج عن محل الكلام ومن ذلك خصصنا الاشكال من الأول بما إذا كان الطلب منشأ لا بمادة الوجوب والطلب بل منشأ بالهيئة وان أريد بها المادة المتقيدة بالنسبة بما هي معنى حرفي ولو بنحو خروج القيد ودخول التقيد فلا شبهة حينئذ في أنه غير واف حينئذ بدفع ما ذكر من الاشكال من حيث جزئية المعنى أو مرآتيته فان النسبة بما هي معنى حرفي حيثما يكون جزئيا ومغفولا عنه بالفرض تمنع عن جواز ارجاع القيد إلى المادة المنتسبة والا فمن الأول أيضا يجوز ارجاعه إلى نفس الهيئة فلايحتاج إلى التجشم المزبور كما هو واضح وان أريد بها المادة في حال كونها منسوبة إلى الهيئة لا بما هي متقيدة بالانتساب إليها بنحو دخول التقيد وخروج القيد فهذا غير ما ذكره التقريرات من جهة وضوح انه ليس المراد من تقيد المادة في كلامه تقيدها بما هي مطلقة وعارية عن ورود النسبة عليها بل المراد هو تقيدها في حال كونها تحت الهيئة لا مطلقة ولا مقيدة بالانتساب ، كما لايخفى.

تنبيهان :

الأول : لاينبغي الاشكال في عدم وجوب تحصيل مقدمات الوجوب وقيوده في المشروط وخروجها عن حريم النزاع ، وهكذا الحال في القيود الوجودية للواجب في المعلق

٣١٧

مما اخذ وجودها فيه من باب الاتفاق ، فإنها أيضا غير واجبة التحصيل ولو كانت مقدورة للمكلف ، والسر في ذلك واضح. وذلك اما بالنسبة إلى قيود الوجوب في المشروط ، فلما تقدم من خروجها عن حيز الإرادة والطلب بمباديه من الاشتياق والمحبوبية أيضا ، واما بالنسبة إلى القيود الوجودية للواجب في العلق مما اخذ وجودها فيه من باب الاتفاق ولو مع مقدوريتها فكذلك أيضا ، وذلك اما على القول برجوعه أيضا إلى المشروط فظاهر ، واما على المختار فلأنها حسب دخلها في وجود المتصف والمحتاج إليه وان كانت غير خارجة عن حيز مبادئ الإرادة من المحبوبية والاشتياق حتى مع عدم مقدوريتها ولكن قضية اخذها بوجودها من باب الاتفاق توجب خروجها حينئذ عن حيز الطلب بنحو يستحيل ترشح التكليف. إليها.

واما سائر القيود الوجودية للواجب من المقدمات المفوتة التي لايقدر على تحصيلها فيما بعد في زمان الواجب في المعلق وفي ظرف حصول المنوط به والشرط في المشروط ، فلا اشكال فيها أيضا في ثبوت الوجوب لها في الحال بحيث يجب على المكلف تحصيلها في الحال قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج. وهذا بناء على ما اخترنا سابقا من فعلية الإرادة والتكليف في المعلق والمشروط قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج في غاية الوضوح ، لان مقتضي فعلية الوجوب والتكليف فيهما حينئذ هو ترشح الوجوب الغيري إلى تلك المقدمات فتصير حينئذ واجبة بالوجوب الغيري المقدمي. واما بناء على القول بعدم فعلية الإرادة والتكليف بهما قبل حصول القيد في الخارج ففيه اشكال ، من جهة انه من المستحيل حينئذ ثبوت الوجوب الغيري لتلك المقدمات في الحال مع عدم فعلية الوجوب بالنسبة إلى ذيها ، فعلى ذلك لو قيل بوجوبها في الحال فلابد وأن يكون بوجوب نفسي ولو تهيئي لا غيري مقدمة ، وهو أيضا مما يحتاج إلى قيام دليل عليه بالخصوص من اجماع أو غيره يقتضي وجوب تحصيلها بوجوب نفسي تهيئي ، وحينئذ فان قام في البين نص أو اجماع على وجوب تحصيل تلك المقدمات تعبدا فهو والا فمقتضى القاعدة بعد عدم فعلية الوجوب والتكليف بالنسبة إلى ذيها هو عدم وجوبها وان كان أدى تركها في الحال إلى ترك الواجب في ظرفه عند حصول قيده وشرطه من جهة امتناع تحققه في ظرفه حينئذ بعد ترك تلك المقدمات في الحال.

واما ما أفيد كما عن بعض الاعلام من ثبوت الوجوب العقلي لها حينئذ بمناط تلك

٣١٨

القاعدة العقلية المسلمة ، وهي قاعدة ان الامتناع بالاختيار لاينافي الاختيار عقابا كما في السقوط إلى الأرض لمن ألقى نفسه بالاختيار من شاهق ، بتقريب انه وان كان بترك تحصيل مقدمات الواجب قبل حصول شرط الوجوب يمتنع حصول الواجب في ظرفه وعند تحقق شرائط الوجوب ، ولكن هذا الامتناع حيثما كان مستندا إلى سوء اختياره لتركه تحصيل مقدماته الوجودية في أول أزمنة الامكان لا محالة يعاقب على ترك الواجب في ظرفه ، فمن ذلك يحكم بداهة العقل بوجوب تحصيل المقدمات في أول أزمنة الامكان لتحصيل القدرة حتى لايترتب على تركها فوت الواجب والملاك في ظرفه ، فمدفوع بان قضية الامتناع بالاختيار انما لاينافي العقاب إذا كان الامتناع ناشيا عن سوء الاختيار لا مطلقا ولو كان ناشيا عن حسن الاختيار بواسطة ترخيص شرعي أو عقلي في البين على الترك ، إذ حينئذ لاينبغي الاشكال في أنه ينافيه العقاب ، كما يكشف ذلك موارد القطع بعدم حصول المنوط به والشرط في الخارج مع مخالفة قطعة للواقع وحصول الشرط والمنوط به في الخارج ، فإنه حينئذ لا اشكال في أنه ترك الاتيان بالمقدمات الوجودية المفوتة للواجب فامتنع بذلك الاتيان بالواجب في ظرفه لايكاد يترتب عليه العقوبة بوجه أصلا ، وهكذا في موارد الجهل بأصل وجوب الامر البعدي حيث لايترتب العقوبة على تركه في موطنه بمجرد عدم اتيانه في الحال بالمقدمات الوجودية المفوتة ، كما هو واضح.

وحينئذ فإذا كان موضوع العقاب في القاعدة المزبورة عبارة عن الامتناع الناشئ عن سوء الاختيار لا مطلق الامتناع ولولا عن سوء الاختيار نقول بأنه لابد حينئذ مع قطع النظر عن تلك القاعدة من اثبات وجوب تلك المقدمات عقلا أو شرعا في الحال كي يترتب على ترك تحصيلها كون الامتناع امتناعا عن سوء الاختيار فيترتب عليه الحكم باستحقاق العقوبة عليه بمقتضي القاعدة المزبورة ، والا فلايمكن اثبات وجوبها وكونه امتناعا عن سوء الاختيار بمقتضي تلك القاعدة من جهة ما فيه من الدور الواضح. وحينئذ نقول بأنه إذا لم يقم دليل خاص من اجماع أو غيره على كونها واجبة بالوجوب النفسي ولو التهيئي وامتنع أيضا كونها واجبة بالوجوب الغيري الترشحي من جهة ما هو الفرض من انتفاء التكليف الفعلي بذيها قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج فلا جرم تبقى المقدمات تحت الترخيص العقلي ، وحينئذ فإذا ترك المقدمات المزبورة فامتنع الواجب في ظرفه لأجل تركه تحصيل المقدمات من الأول فلا جرم لايكاد يكون الامتناع

٣١٩

المزبور امتناعا عن سوء الاختيار حتى يترتب عليه بمقتضي القاعدة المزبورة الحكم باستحقاق العقوبة عن التفويت ، كما هو واضح. وحينئذ فمن أين يمكن اثبات وجوب المقدمات المزبورة بمقتضي القاعدة المزبورة حتى أمكن استكشاف وجوبها الشرعي أيضا ولو بنحو متمم الجعل؟

واما توهم كفاية العلم بتوجه التكليف الفعلي إليه فيما بعد وابتلائه بغرض المولى بعد حصول الشرط في حكم العقل بلزوم تحصيل المقدمات من الحين واستحقاقه للعقوبة على تفويته بترك تحصيل مقدماته الوجودية من الحين ، من جهة انتهاء امتناعه في ظرفه إلى اختياره ، كما يشهد عليه ضرورة الوجدان فيمن يعلم ابتلائه بعد ساعة بعطش شديد في بر لايكون فيه ماء مع كونه قادرا في الحال على تحصيل الماء وحفظه لوقت احتياجه إلى الشرب لرفع عطشه ، فإنه لا شبهة في أنه يجب عليه تحصيل الماء في وقته وحفظه إلى وقت احتياجه بحيث لو لم يحصل الماء ولم يحفظه فأصابه من العطش ما أصاب يكون مذموما عند العقلاء على ما اصابه من العطش بواسطة عدم تحفظه وعدم تحصيله الماء عند تمكنه منه ، ومن المعلوم انه لايكون له وجه الا وجوبه عليه من الأول

فمدفوع أيضا بأنه ان أريد بذلك كونه مكلفا من الحين بحفظ الواجب فيما بعد من قبل مقدماته الوجودية الاختيارية فهو صحيح ، ولكنه يرجع إلى ما ذكرناه من فعلية الوجوب والتكليف في المعلق والمشروط قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج ، من جهة انه لا نعنى من فعلية الوجوب والتكليف فيهما قبل حصول الشرط الا هذا المقدار وعليه أيضا يكون وجوب المقدمات الوجودية وجوبا غيريا ترشحيا لا نفسيا تهيئيا ، وان أريد انه لايكون في الحال تكليف فعلى بالنسبة إلى ذيها ولو بهذا المقدار وان فعلية التكليف بقول مطلق انما يكون فيما بعد وفي ظرف حصول المنوط به والشرط في الخارج الا ان مجرد العلم بحصول الشرط في الخارج وثبوت التكليف فيما بعد موجب لوجوب تحصيل مقدماته الوجودية من الحين واستحقاق العقوبة على تفويت الواجب في ظرفه بترك تحصيل مقدماته الوجودية بلحاظ انتهاء فوت الواجب في ظرفه إلى اختياره ، فهو ممنوع جدا ، حيث نقول بان ما هو المصحح للعقوبة على تفويت الواجب انما هو البيان في ظرف التكليف لا مطلقه ولو في القبل ، كما هو الشأن أيضا في طرف العكس حيث كان اللابيان الموضوع لقبح العقوبة هو خصوص اللابيان في ظرف التكليف لا مطلق عدم البيان ولو

٣٢٠