نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

لايكاد يلزم انخرام قاعدة عقلية أصلا من لزوم تحقق المعلول والأثر قبل وجود علته ومؤثره ، إذ لا مؤثرية ولا متأثرية حينئذ في البين حتى يتوجه المحذور المزبور وانما غايته هو تأخر ما به الحدود زمانا عن الحدود وهو مما لا ضير فيه بوجه أصلا ، كما لايخفى.

ومن ذلك البيان يظهر لك ضعف ما أفيد أيضا على بطلان الشرط المتأخر كما عن بعض الاعلام ، من تقريب : ان تعلق التكاليف بمتعلقاتها في القضايا الطلبية انما هو على نحو القضايا الحقيقية التي يلزم في فعليتها فعلية متعلقاتها بما لها من الاجزاء والقيود التي لها دخل في تحققها ، وحينئذ فلابد أولا من تحقق تلك القيود التي لها دخل في الموضوع حتى يتحقق الموضوع بما له من الحدود والخصوصيات فيترتب عليه الوجوب والحرمة ومثل هذا المعنى مناف عقلا مع تأخر القيود المفروض دخلها فيه لضرورة اقتضائه لزوم مجيء الحكم قبل وجود موضوعه ومتعلقه ، لما ذكرنا من عدم تحقق الموضوع خارجا الا بعد تحقق القيود التي لها دخل فيه ، وهو كما ترى من المستحيل.

إذ نقول : بان ما أفيد من لزوم تحقق الموضوع بما له من الاجزاء والتقييدات والحدود قبل مجيء الحكم وان كان صحيحا ، ولكن المدعي هو تحقق بجميع ما يعتبر فيه من الحدود والتقييدات فعلا بمحض تحقق القيود في مواطنها مقارنا أو سابقا أو لا حقا نظراً إلى كشف تحقق القيد في موطنه المتأخر في الواقع عن كون الامر السابق محدودا بالحدود التي بها يترتب عليه الأثر. واما دعوى لزوم تحقق تلك القيود وما به الحدود المزبورة أيضا في فعلية الحكم فلا دليل يساعد عليه من جهة ان الذي يقتضيه البرهان المزبور انما هو توقف الحكم في فعليته على فعلية وجود موضوعه بما له من الحدود والإضافات المأخوذة فيه. واما توقفه على فعلية الموضوع بماله من الحدودات وما به الإضافات والقيود فلا ، لان ما هو الداخل في الموضوع لايكون الا الحدود والتقيدات واما ما به الحدود والتقيد فهي خارجة عن الموضوع ومع خروجها عنه لايكاد يقتضي البرهان المزبور لزوم تحققها أيضا في فعلية الحكم ، كما هو واضح.

وحينئذ نقول : بأنه بعد ما أمكن ثبوتا شرطية الامر المتأخر للسابق على ما ذكرنا من وقوعه طرفا للإضافة للامر المتقدم فلو ورد دليل يقتضي بظاهره إناطة شيء بأمر متأخر لا مجال للاستيحاش وصرف الدليل عن ظاهره إلى شرطية التعقب بالامر المتأخر بجعل التعقب نفسه الذي هو من الأمور المقارنة شرطا كما عن بعض الاعلام تبعا للفصول إذ

٢٨١

مثل هذا التكلف ليس منشأه الا تخيل انحصار ملاك المقدمية بما في المقتضي من المؤثرية والغفلة عن أن في البين ملاكا آخر متصورا في المقدمية وهو كون الشيء طرفا للإضافة والحدود ، كما كان ذلك قطعا في مثل عدم المانع الذي يستحيل دخله بملاك المؤثرية ، على أن في الالتزام بكون الشرط هو التعقب بالامر المتأخر لا نفس الامر المتأخر في موطنه ما لايخفى فإنه مضافا إلى منافاة ذلك لما عليه القائل المزبور من كون التقيدات باعتبار كونها أمورا اعتبارية غير قابلة للمؤثرية في الغرض ولتعلق الامر بها وان الامر والتكليف لابد من تعلقه بما هو منشأ اعتبارها وهو الامر المتأخر ، نسئل عنه بان دخل ذلك الامر المتأخر في موطنه في التقيد المزبور المعبر عنه بالتعقب هل هو بنحو المؤثرية أو على نحو دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري فعلى الأول يعود محذور انخرام القاعدة العقلية من لزوم تحقق الأثر قبل وجود المؤثر وعلى الثاني نقول بأنه لا داعي حينئذ إلى ارتكاب خلاف الظاهر في تلك القضايا ، بل بعد ما أمكن ان يكون الشيء بوجوده المتأخر في موطنه منشأ لتحقق الإضافة والتقيد المزبور فمن الأول لم لا تجعل الشرط نفس الامر المتأخر في موطنه وتجعل ظواهر الأدلة على حالها في اقتضائها لكون المنوط به للامر الفعلي هو الشيء بوجوده المتأخر وهل الالتزام بالتعقب المزبور حينئذ الا من قبيل الفرار من المطر إلى الميزاب؟.

وحينئذ فلا محيص في حل الأعضال المزبور عن الشرائط المتأخرة في الواجبات الشرعية من المصير إلى ما ذكرنا بجعل الشروط طرا طرفا للإضافات وجعل دخلها في المشروط من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري ، كما افاده في الكفاية بأحسن بيان في شرح شرائط الواجب وان خالف في شرائط الوضع والتكليف فجعل الشرط فيهما عبارة عن الشيء بوجوده علمي اللحاظي الذي هو امر مقارن دائما مع المشروط.

ثم انه مما ذكرنا ظهر حال شرائط الوجوب والتكليف وقيوده أيضا ، فان قيود الوجوب بعد أن كانت راجعة إلى مقام الدخل في أصل الاحتياج إلى الشيء واتصاف الذات بوصفه العنواني بكونه صلاحا ومحتاجا إليه كما يأتي بيانه في المبحث الآتي في شرح الواجب المشروط في مثال قيود الواجب الراجعة إلى كون دخلها في تحقق المحتاج إليه ووجودها هو المتصف بالمصلحة والصلاح فارغا عن أصل الاتصاف بالوصف العنواني فلا جرم يكون قضية دخلها أيضا من باب دخل طرف الإضافة في الإضافة ودخل ما به التقيد في التقيد ومعه أمكن فيها أيضا تصوير الشرطية للامر المتأخر بالنسبة

٢٨٢

إلى التكليف ، بداهة ان قضية كون الشيء شرطا له حينئذ ليس الا كونه بحيث يحصل للشيء بالإضافة إليه خصوصية يكون بتلك الخصوصية متصفا بكونه صلاحا ومصلحة وهذا كما أنه قد يكون بالنسبة إلى المقارن كذلك قد يكون بالنسبة إلى المتقدم والمتأخر فيمكن ان يكون الشيء بوجوده المتأخر منشأ لإضافة وخصوصية خاصة في الامر السابق توجب اتصافه بتلك الخصوصية بكونه مصلحة وصلاحا بحيث لولا حدوث المتأخر في موطنه لما كان للسابق تلك الإضافة الموجبة لتعنونه بالوصف العنواني المزبور ومع امكان ذلك فلا بأس في تصوير الشرطية في الامر المتأخر بالنسبة إلى الوجوب والتكليف غايته انه يحتاج حينئذ في فعلية الإرادة والتكليف من القطع بتحقق المنوط به في موطنه حيث إنه مع القطع المزبور يرى كون المتعلق متصفا فعلا بالصلاح ومحتاجا إليه فيتوجه إليه الإرادة فعلا من دون ان تخرج عن الإناطة أيضا إلى الاطلاق ، كما نظيره في العرفيات في مثال شراء اللحم اليوم للضيافة لمن يرد عليه الضيف في الغد حيث إنه ترى من نفسك مع العلم بورود الضيف عليك في الغد احتياجك فعلا إلى شراء اللحم واتصافه بكونه محتاجا إليه ، ومن ذلك تصير بصرافة طبعك بصدد شرائه وهكذا في اكرامك اليوم من يكرمك في الغد فيما لو كان اكرامه إياك في الغد منشأ لاتصاف اكرامك اليوم إياه بالمصلحة والصلاح حيث إنه مع العلم بصدور الاكرام منه في الغد ترى احتياجك اليوم إلى اكرامه لما ترى فيه حينئذ مع الصلاح والمصلحة فمن ذلك يتوجه منك الإرادة والاشتياق فعلا إلى اكرامه منوطا باكرامه الآتي الذي تعلم بتحققه في موطنه.

وعلى ذلك فيمكن المصير في شرائط التكليف أيضا من المقارن والمتقدم والمتأخر إلى كون المنوط به هو نفس الشرط بوجوده في موطنه مقارنا أو متقدما أو متقدما أو متأخرا من دون احتياج إلى جعل الشرط عبارة عن الشيء بوجوده العلمي اللحاظي كما افاده في الكفاية في التفصي عن الاشكال المعروف حيث جعل الشرط في المتقدم والمتأخر مجرد لحاظه إذ نقول : بان ذلك انما يتم بالنسبة إلى مرحلة تعلق الإرادة وفعليتها حيث كان ما له الدخل فيها هو الشيء بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي ، كما هو الشأن أيضا في كلية الغايات. واما بالنسبة إلى مقتضيات الاحكام من المصالح والاغراض فلا شبهة في أن ماله الدخل فيها في اتصاف الشيء بالصلاح والمصلحة بنحو الشرطية أو غيرها انما كان هو الشيء بوجوده الخارجي لا بوجوده العلمي واللحاظي ، بل العلم واللحاظ في ذلك لايكون الا

٢٨٣

طريقا محضا ولذلك قد يتخطى عن الواقع فيكشف عدم تحققه عن فقد العمل المشروط للمصالح ، ولذلك ترى المولى الذي يتصور في حقه الخطأ كالموالي العرفية قد يحصل له الندم على فعله وطلبه بأنه لم امر به مع كونه في الواقع غير ذي المصلحة ، فلو انه كان الدخيل فيها أيضا هو الشيء بوجوده العلمي كما في الإرادة والاشتياق لما كان وجه لانكشاف الخلاف وكشف فقد الشرط في موطنه المتأخر عن فقد العمل للمصلحة وحينئذ فكان ذلك برهانا تاما على أن ماله الدخل في مقام المصالح والاغراض هو الشيء بوجوده الخارجي وكون العلم واللحاظ فيه طريقا محضا ، ومعه لا محيص في حل الأعضال المزبور من المصير إلى ما ذكرناه بجعل الشرائط طرا طرفا للإضافات وجعل دخلها من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري.

ولعله إلى ذلك أيضا يرجع ما أفاده في شرح شرائط الواجب والمأمور به في مقام التفصي عن الاشكال المزبور ، حيث إن كلامه ظاهر بل صريح في أن دخل الشروط انما هو باعتبار وقوعها طرفا للإضافات. ولكن الأستاذ دام ظله نسب إليه القول بشرطية اللحاظ في جميع القيود حتى الراجعة إلى الواجب والمأمور به ولعله من جهة ما سمعه مه مشافهة في درسه الشريف ، والا فكلامه في الكفاية ينادي بظاهره بالتفصيل بين شرائط الوجوب والوضع وبين شرائط الواجب فلاحظ كلامه تعرف ما ذكرناه.

ثم إن هذا كله بناء على عدم ارجاع مثل هذه القيود أيضا إلى المتعلق كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى في مبحث الواجب المشروط واما بناء على رجوعها أيضا إلى المتعلق كما هو مبنى القول برجوع المشروطات إلى المطلقات فالامر أوضح ، من جهة رجوعه حينئذ إلى ما تقدم من دخل الامر المتأخر في حدود الموضوع وخصوصياته التي بها يكون منشأ للآثار ومتعلقا للغرض بنحو يكشف عدم وجوده في موطنه المتأخر عن عدم كون السابق محدودا بالحدود التي بها يكون منشأ للآثار. واما توهم استلزام ذلك لوجود الحكم وفعليته قبل وجود موضوعه بما له من الحدود فقد عرفت الجواب عنه بمنع الاستلزام المزبور نظراً إلى تحقق الموضوع حينئذ بماله من الحدود والإضافات والتقيدات فعلا بمحض تحقق ما به الحدود في موطنه المتأخر. وما افاده من كون التكاليف الشرعية بنحو القضايا الحقيقية أيضا لايقتضي أزيد من لزوم فعلية الموضوع بما له من الحدود والإضافات في فعلية الحكم وتحققه.

٢٨٤

واما لزوم تحقق ما به الحدود والإضافات أيضا في فعلية الحكم ، فلايقتضيه البرهان المزبور بعد فرض خروج القيود بنفسها عن الموضوع وكون الداخل فيه هو التقيد بها ، ولذلك لا شبهة في صحة التكليف الفعلي باكرام من يقوم في الغد أو يموت في العام البعد بنحو خروج القيد ودخول التقيد ولو بنحو القضية الحقيقية وانه يجب على المأمور والمكلف فعلا اكرامه إذا علم ولو باخبار المعصوم عليه‌السلام إياه بان زيدا يقوم في الغد أو يموت في العام البعد وليس ذلك الا من جهة فعلية الموضوع حينئذ بما له من الإضافة والتقيد الخاص بمحض تحقق القيد في الموطن المتأخر.

وحينئذ فالذي يقتضيه التحقيق في حل الاعضال الوارد على الشرائط المتأخرة سواء في شرائط التكليف أو شرائط الواجب والمأمور به هو ما ذكرنا من اخراج الشرائط طرا عن كونها معطيات الوجود ومؤثرات وجعلها طرفا للإضافات والتقيدات والمصير إلى كون دخلها من قبيل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري ، فإنه على ما ذكرنا يندفع الاشكال المزبور من رأسه فيما ورد من الأدلة المقتضية لشرطية الامر المتأخر للتكليف أو الواجب والمأمور به ، فأمكن الاخذ حينئذ بظاهرها من الإناطة بالامر المتأخر من دون احتياج إلى صرف تلك الأدلة عن ظاهرها والتكلف فيها بارجاعها إلى الشرط المقارن تارة بالالتزام بان الشرط في الحقيقة عبارة عن تعقب الشيء الحالي بالامر المتأخر لا نفس الامر المتأخر بوجوده في موطنه المتأخر ، وأخرى بان الشرط عبارة عن امر واقعي مقارن مع المشروط حقيقة وكان الكاشف عنه الامر المتأخر ، وثالثة بان الشرط هو الامر المتأخر لكن لا بوجوده الخارجي المتأخر بل بوجوده العلمي اللحاظي ، ورابعة بان الشرط هو الامر المتأخر لكن بوجوده الدهري دون الزماني والالتزام بان تلك المتفرقات بحسب الزمان مجتمعات في وعاء الدهر ، كما هو المنسوب إلى العلامة الشيرازي قدس‌سره وان كان نفى هذه النسبة عنه بعض الاعلام مدعيا باني كنت سألته عن هذه النسبة شفاها فأنكرها وبالغ في الانكار ثم قال بأني انما ذكرت ذلك في أثناء البحث احتمالا لا مختارا. وعلى كل حال فهذا كله في شرائط التكليف والواجب ولقد عرفت بان تصوير شرط المتأخر فيها بمكان من الامكان.

٢٨٥

تصوير الشرط المتأخر في الأحكام الوضعية

واما الأحكام الوضعية فهي باعتبار كونها من الاعتبارات الجعلية يكون امر تصوير الشرط المتأخر فيها أوضح مما في باب التكاليف. ولتوضيح المرام في المقام لابد من الإشارة الاجمالية إلى حقيقة الأحكام الوضعية كالملكية والزوجية ونحوهما ، فنقول :

اعلم أن الأحكام الوضعية كالملكية والزوجية وان كانت من سنخ الإضافات والاعتبارات ولكنها لا تكون من سنخ الإضافات الخارجية المقولية المحدثة لهيئة في الخارج التي قيل بان لها حظا من الوجود وان الخارج ظرف لوجودها ، كالفوقية والتحتية والتقابل ونحوها من الإضافات والهيئات القائمة بالأمور الخارجية كالإضافة الخاصة بين ذوات أخشاب السرير المحدثة للهيئة السريرية في الخارج وذلك لما نرى بالعيان والوجدان من عدم كون الملكية كذلك وانه لايوجب ملكية شيء لشخص احداث هيئة خارجية بينه وبين الشخص كما يوجبه الإضافات الخارجية ، إذ يرى أن المال المشتري بعد صيرورته ملكا للمشتري بواسطة البيع كان على ما له من الإضافة الخارجية بينه وبين البايع قبل ورود الشراء عليه من دون ان يكون صيرورته ملكا للمشتري منشأ لتغير وضع أو هيئة بينهما في الخارج أصلا. نعم لا تكون أيضا من سنخ الاعتباريات المحضة التي لا صقع لها الا الذهن ولا كان لها واقعية في الخارج ، كالنسب بين الاجزاء التحليلية في المركبات العقلية كالانسان والحيوان الناطق وكالكلية والجزئية وكالوجودات الا دعائية التنزيلية التي لا واقعية لها في الخارج وكان واقعيتها بلحاظها واعتبارها.

بل وانما تلك الأحكام سنخها متوسطة بين هاتين فكانت من الإضافات التي لها واقعية في نفسها مع قطع النظر عن لحاظ لا حظ واعتبار معتبر في العالم وكان الخارج تبعا لطرفها ظرفا لنفسها ولولا لوجودها ، نظير كلية الملازمات ، فكما ان الملازمة بين النار والحرارة مما لها واقعية في نفسها بحيث كان اللحاظ طريقا إليها لا مقوما لها كما في الاعتباريات المحضة ولذا لو لم يكن في العالم لا حظ كانت الملازمة المزبورة متحققة كذلك الملكية والزوجية ونحوهما أيضا فإنها أيضا بعد تحقق منشأ اعتبارها الذي هو الجعل مما لها واقعية في نفسها حيث كانت مما يعتبرها العقل عند تحقق منشأ اعتبارها

٢٨٦

بنحو كان اللحاظ طريقا محضا إليها لا مقوما لها ، كما هو الشأن في العلقة الوضعية الحاصلة بين اللفظ والمعنى من جهة تخصيص الواضع أو كثرة الاستعمال فإنها أيضا مما لها واقعية في نفسها غير منوطة بلحاظ لا حظ واعتبار معتبر بل كان اللحاظ والاعتبار بعد تحقق منشأ اعتبارها الذي هو الوضع طريقا إليها ، ومع ابائك عن تسميتك هذه بالإضافة وتقول بان المصطلح منها هي الإضافات الخارجية ، فسمها بالإضافة النحوية أو بغيرها مما شئت ، حيث لا مشاحة في الاسم بعد وضوح المعنى.

وبعد ذلك نقول : بان مثل هذه الإضافات النحوية لكونها خفيف المؤنة جدا يكفي في اعتبارها وتحققها تحقق منشأ اعتبارها فيتحقق بمجرد جعل الجاعل واعتباره من دون احتياج إلى مؤنة زائدة بوجه أصلا ، كما في قولك : المال لزيد ، فإنه بهذا التخصيص يتحقق الملكية له ، كما كان هو الشأن أيضا في العلقة الوضعية بين اللفظ والمعنى حيث كان تحققها بتحقق منشأ اعتبارها الذي هو وضع الواضع أو كثرة الاستعمال. وحينئذ فإذا كانت هذه الإضافات من الاعتباريات الجعلية التي قوام تحققها بالجعل ، نقول : بأنها لا محالة تكون تابعة لكيفية جعل الجاعل واعتباره ، وحينئذ فمتى اعتبر الجاعل بجعله الملكية السابقة أو المتأخرة أو المقارنة يلزمه تحقق الملكية واعتبارها على نحو كيفية جعله ولايمكن اعتبارها بوجه آخر غير ما يقتضيه الجعل.

فعلى ذلك نقول : بأنه لو أنيط أصل جعل الملكية برضا المالك واجازته بمقتضي قضية ( تجارة عن تراض ) لايلزمه ان يكون المجعول والمحكوم به وهو الملكية أيضا من حين تحقق الرضا ، نظراً إلى وضوح كون المحكوم به حينئذ عاريا عن القيد المزبور كما هو الشأن في كلية شرائط الوجوب في الواجبات المشروطة ـ كما سنحققه من امتناع رجوعها إلى الموضوع بل لابد حينئذ من لحاظ ان المجعول والمحكوم به في هذا الجعل هو الملكية المقارنة أو الملكية المتأخرة أو المتقدمة ، فإذا كان المحكوم به هو الملكية من حين العقد ولو من جهة اقتضاء الاطلاق لا جرم يلزمه اعتبار الملكية من الحين بمعنى الحكم في ظرف الإجازة بتحقق الملكية حقيقة من حين العقد ، ولايكون فيه محذور ، من جهة ان غاية ما في الباب حينئذ انما هو اختلاف ظرف منشأ الاعتبار وهو الجعل مع ظرف المعتبر وهو الملكية زمانا ، ومثل ذلك مما لا ضير فيه بعد عدم جريان المؤثرية والمتأثرية في الأمور الاعتبارية بالنسبة إلى مناشئها.

٢٨٧

وعلى ذلك فيمكن لنا الالتزام بالكشف الحقيقي المشهوري من دون لزوم انخرام قاعدة عقلية أصلا ، فان مبنى الانخرام انما هو جعل دخل الشرائط دخلا تأثيرها ، والا فعلى ما ذكرنا من رجوعها إلى مقام الدخل في القابلية ولو من جهة محدديتها لدائرة الماهيات المنوط بها القابلية المزبورة ، فلا مجال لدعوى انخرام القاعدة أصلا ، خصوصا في الاعتباريات الجعلية التي عرفت خروج شرائطها وأسبابها عن حيز المؤثرية وامكان اختلاف ظرف الجعل زمانا مع ظرف المجعول ، كما في المقام ، حيث كان الكاشف فيه كما عرفت من باب تقدم المجعول زمانا على الجعل الذي هو منشأ اعتباره.

ثم لايخفى عليك ان هذا المعنى من الكشف غير مرتبط بالكشف على مذاق الفصول الذاهب إلى شرطية التعقب بالإجازة المتأخرة ، إذ على ما ذكرنا يكون أصل الجعل حسب اقتضاء إناطة التجارة بالرضا في ظرف الإجازة ، ولكن المجعول والمحكوم به انما هو الملكية من حين العقد ، على معنى انه في ظرف الإجازة يتعلق الجعل بالملكية من حين العقد فيتحقق من حين الرضا حقيقة الملكية من حين العقد ، والا فقبل الإجازة حيثما لاتحقق للجعل كان المال باقيا على ملك البايع حقيقة ، فكان الإجازة من حين وجودها موجبة لقلب الملكية السابقة التي كان للبايع إلى ملكية أخرى للمشتري ، لكن ذلك بخلافه على مشرب الفصول ، إذ على مسلكه قدس‌سره كان أصل الجعل واعتبار التجارة والمجعول الذي هو الملكية متحققة للمشتري من حين العقد على تقدير تحقق الإجازة فيما بعد ، ومن ذلك على مسلكه لو علم بتحقق الإجازة من المالك فيما بعد يجوز للمشتري التصرف والمبيع باعتبار كونه ملكا له حقيقة دون البايع ، بخلافه على ما ذكرنا ، فإنه لايجوز له ذلك ولو مع القطع بتحقق الإجازة من المالك في الموطن المتأخر نظراً إلى كونه بعد ملكا للبايع.

ومن ذلك البيان ظهر الفرق بين ما ذكرنا وبين الكشف الحكمي الذي هو مسلك الشيخ قدس‌سره فإنه على الكشف الحكمي يكون كل من الجعل والمجعول وهو الملكية من حين الإجازة كما على النقل الا انه تعبدا يترتب عليه احكام الملكية من حين العقد ، بخلافه على ما ذكرنا ، فإنه عليه يكون ترتيب آثار الملكية من حين العقد ، من جهة تحقق الملكية حقيقة بهذا الجعل المتأخر من حينه لا من جهة التعبد الشرعي وتنزيل ما لايكون ملكا بمنزلة الملك.

نعم على ما ذكرنا ربما يتوجه اشكال ، وحاصله : هو لزوم ملكية العين المبيعة في الأزمنة

٢٨٨

المتخللة بين العقد والإجازة على هذا المعنى من الكشف الحقيقي لمالكين وهما البايع والمشتري ، بخلافه على الكشف الحكمي أو الكشف الحقيقي بمذاق الفصول حيث لا يلزم منه هذا المحذور. ولكنه يندفع هذا المحذور أيضا باختلاف الرتبة بين الملكيتين ، حيث كان ملكية البايع للمبيع في رتبة قبل الإجازة وملكية المشتري لها في الرتبة المتأخرة عنها ، ومع هذا الاختلاف بحسب الرتبة لا مانع من ذلك كما لايخفى.

ثم إن ذلك كله انما هو بحسب مقام الثبوت ونفس الامر ، ولقد عرفت ان كون الشيء شرطا متأخرا للشيء سواء في الأحكام التكليفية أو الوضعية بمكان من الامكان بعد اخراج الشرائط عن حيز المؤثرية.

واما بحسب مقام الاثبات والدلالة : ففيما لم يكن في البين قرينة واضحة على مدخلية الشيء منوط به بوجوده المتأخر أمكن استفادة الشرط المقارن بمقتضي ظهور الهيئة الكلامية في اتحاد ظرف وجود المنوط به مع ظرف الإناطة ، كما هو كذلك في كلية العناوين الاشتقاقية وغيرها ، ولذلك قلنا في مبحث المشتق ، بأنه لابد في استنتاج النتيجة المعروفة في مثل كراهة البول تحت الشجرة المثمرة ووجوب اكرام العالم من اثبات ظهور الهيئة الكلامية في اتحاد ظرف النسبة وهي إضافة البول إلى الشجرة والاكرام إلى العالم مع ظرف جرى العنوان وتطبيقه على الذات الملازم لاتصاف الشجرة فعلا بالمثمرية في حال إضافة البول إليه ، والا فمع قطع النظر عن ظهور الهيئة الكلامية في ذلك لا مجال لانتاج النتيجة المعروفة بين القولين في النزاع المعروف في مدلول كلمة المشتق ، من جهة احتمال كون الجري في الحكم بالكراهة فعلا على المصداق المتلبس بالمبدء سابقا أو المصداق المتلبس به فيما يأتي من الزمان أو المصداق الحالي. وحينئذ ففي المقام أيضا نقول بان طبع الإناطة بشيء وان كان يلائم ثبوتا مع التقدم والتقارن والتأخر من جهة ما ذكرنا من عدم اقتضائها الا تقدم المنوط به على المنوط رتبة لا زمانا ، الا انه في مرحلة الاثبات ظهور الهيئة الكلامية في اتحاد ظرف المنوط به مع ظرف الإناطة التي هي عبارة عن نسبة المنوط به إلى الشيء يقتضى كون المنوط به شرطا مقارنا ، فبمقتضى هذا الظهور لابد في جميع الموارد من المصير إلى استفادة كون المنوط به شرطا مقارنا الا إذا كان هناك قرينة على خلاف الظهور المزبور تقتضي كونه شرطا متقدما أو متأخرا.

نعم في مثل الرضا والإجازة في بيع الفضولي يمكن ان يقال بعدم اقتضاء البيان المزبور

٢٨٩

في إناطة التجارة بالرضا في قوله تجارة عن تراض الا كون الإجازة شرطا مقارنا في أصل الجعل واعتبار المبادلة بثبوت التجارة التي هي مضمون عقده ، واما اقتضائه لكون المحكوم به وهو الملكية أيضا من حين الإجازة والرضا ، فلا ، وحينئذ فإذا اقتضى العقد ثبوتها من حينه ولو من جهة اعتبار العقد علة لوجودها المستتبع لتوجه القصد إلى الملكية من الحين فلازمه ليس الا الحكم في ظرف الرضا بثبوت الملكية وتحققها من حين العقد لا من حين الإجازة كما ذكرنا ، ولازمه هو المصير في مثله إلى الكشف الحقيقي دون النقل ودون الكشف الحكمي أو الكشف الحقيقي بمذاق الفصول. نعم لو كان القيد وهو الرضا في قوله : تجارة عن تراض راجعا إلى المحكوم به وهو الملكية لا إلى أصل اعتبار المبادلة والحكم بثبوت التجارة ، يتعين بمقتضي الظهور المزبور في الجملة الكلامية القول بالنقل إذا لم يكن في البين دليل على التنزيل في لزوم ترتب آثار الملكية من حين العقد ، والا فالقول بالكشف حكما بمقتضي دليل التعبد. ولكنك عرفت عدم رجوعه الا إلى أصل الجعل وان المجعول وهو الملكية كان عاريا عن القيد المزبور كما هو شأن جميع الواجبات المشروطة ، ومعه لا بد من القول بالكشف الحقيقي عند المشهور لا غير ، فتدبر.

تذييل

قد يظهر مما قدمناه سابقا من اختلاف المقدمات في كيفية دخلها في المطلوب من حيث كونها مؤثرات ومعطيات الوجود تارة كما في المقتضي ، ومعطيات القابلية أخرى باعتبار محدديتها للماهية المنوط به القابلية المزبورة كما في الشرائط والموانع طرا اختلافها لا محالة في مناط ترشح الوجوب الغيري إليها أيضا ، فإذا كان للمطلوب حينئذ مقدمات عديدة راجعة بعضها إلى مقام الدخل في التأثير وبعضها إلى مقام الدخل في حدود الماهية والمطلوب على اختلاف أنحاء الحدود والإضافات التي بها يكون المطلوب قابلا للتحقق فلا جرم يلزمها حينئذ اختلافها بحسب مناط الوجوب الغيري الملازم لاختلافها بحسب الوجوب الغيري المترشح إليها أيضا ، فيكون من تعلق الوجوب النفسي بالمطلوب يترشح وجوبات غيرية متعددة بالنسبة إلى كل مقدمة وجوب مستقل بلحاظ ما فيها من

٢٩٠

المناط الخاص في قبال المقدمة الأخرى. نعم لو فرض تركب مقدمة من تلك المقدمات من اجزاء متعددة كالوضوء والغسل فحينئذ تكون اجزاء هذه المقدمة واجبة بوجوب ضمني غيري لا بوجوبات غيرية مستقلة ، نظراً إلى أن دخل الجميع حينئذ نحو دخل واحد في المطلوب ، فمن ذلك لايترشح إليها وجوب واحد غيري ، ولازمه صيرورة كل واحد من الاجزاء واجبا بوجوب ضمني غيري لا بوجوب غيري استقلالي ، كما هو واضح.

ولايخفى انه على ذلك البيان يندفع الاشكال المعروف على وجوب المقدمات من تقريب : ان مناط ترشح الوجب الغيري على المقدمة ان كان هو ترتب الوجود عليه مستقلايلزمه في فرض تعدد المقدمة عدم وجوب شيء منها باعتبار عدم كون هذه المقدمات شيء منها مما يترتب عليه الوجود ، وان كان مناط الوجوب الغيري هو ترتب الوجود ولو على مجموع المقدمات في صورة تعددها فحينئذ يلزمه تعلق وجوب واحد بمجموع المقدمات ولازمه هو اتصاف كل واحد منها بوجوب ضمني غيري لا بوجوب غيري مستقل ، وهو أيضا مما لايمكن الالتزام به ـ لان كل من قال بوجوب المقدمة قال بوجوب كل مقدمة في صورة تعددها مستقلا لا ضمنا وان كان المناط الوجوب الغيري من جهة لزوم الانتفاء عند الانتفاء فعليه وان يصحح هذا اللازم ولكنه يترتب عليه محذور آخر وهو لزوم وجوب كل واحد من اجزاء المقدمة بوجوب غيري مستقل ، لان الاجزاء كل واحد منها مما فيه المناط المزبور وهو الانتفاء عند الانتفاء مع أن ذلك أيضا كما ترى ، فإنه مضافا إلى عدم التزامهم به لعله يكون من المستحيل باعتبار استلزامه حينئذ لاجتماع المثلين فيها : أحدهما الوجوب الضمني الغيري باعتبار تعلق الوجوب الغيري بالمجموع ، والآخر الوجوب الغيري المستقل باعتبار ما في كل واحد منها من الملاك المزبور.

وتوضيح الدفع يظهر مما ذكرنا ، فإنه على ما ذكرنا من اختلاف المقدمات في مناط الدخل في المطلوب لايكاد مجال لتوجه الاشكال المزبور ، إذ نقول حينئذ : بان وجوب كل واحد من هذه المقدمات بوجوب غيري مستقل انما هو باعتبار ما يخصه من الملاك الخاص المغاير مع الملاك الخاص في المقدمة الأخرى ، لأنه باختلاف تلك المناطات يختلف تلك الوجوبات الترشحية أيضا فيتعلق بكل مقدمة وجوب مغاير مع الوجوب المتعلق بالمقدمة الأخرى ، واما عدم وجوب اجزاء المقدمة الا بوجوب ضمني غيري فإنما هو باعتبار قيام مناط خاص وحداني بالمجموع وعدم تصور نحو دخل على حدة للاجزاء يوجب ترشح

٢٩١

الوجوب الغيري المستقل إليها ، فتمام المنشأ حينئذ لتوهم الاشكال المزبور انما هو من جهة عدم التفرقة بين المقدمات في مناط دخلها في المطلوب وتخيل اتحاد الجميع في كيفية الدخل في المطلوب الذي هو مناط ترشح الوجوب الغيري إليها ، والا فبناء على ما ذكرنا من اختلافها في مناط الدخل لايكاد مجال لأصل الاشكال كما لايخفى ، كيف وانه لو اغمض عما ذكرنا لايكاد يجدي أيضا ما أفيد في التفصي عنه كما في التقريرات من دعوى المغايرة باعتبار لحاظ الاجزاء منضما تارة ومستقلا أخرى ، ووجهه يظهر مما قدمناه سابقا في بيان امتناع اتصاف الاجزاء في الواجبات النفسية بالوجوب الغيري ولو مع تسليم ملاك المقدمية فيها ، فراجع هناك تعرف.

ومن التقسيمات : تقسيمها إلى مقدمة الوجوب

ومقدمة الواجب وتقسيم الثاني إلى المعلق والمنجز

ولا اشكال بينهم في خروج مقدمات الوجوب عن حريم النزاع وعدم وجوبها ، وهو كذلك من جهة خروج مثل هذه القيود عن حيز الطلب بمباديه من الميل والمحبة أيضا ، كما ستطلع عليه.

ولتنقيح المرام في المقام لابد من بيان مقدمة في شرح اختلاف القيود في كيفية دخلها في المصلحة وعدم كونها على نمط واحد ، فنقول : اعلم بان القيود في دخلها في المصلحة على ضربين : منها ما يكون راجعا إلى مقام الدخل في أصل الاحتياج إلى الشيء واتصاف الذات بكونها صلاحا ومحتاجا إليها بحيث لو لاه لما كاد اتصاف الذات بكونه مصلحة وصلاحا ، ومنها ما يكون راجعا إلى مقام الدخل في وجود المحتاج إليه وتحقق ما هو المتصف بالمصلحة والصلاح فارغا عن أصل اتصافه بالوصف العنواني ، كما يوضح ذلك ملاحظة الاسهال بالقياس إلى وجود المرض وشرب الدواء والمسهل ، حيث ترى ان دخل المرض فيه انما هو في أصل اتصاف الاسهال بكونه صلاحا ومصلحة بملاحظة ان اتصافه بكونه صلاحا ومحتاجا إليه انما هو في ظرف تحقق المرض وفوران الأخلاط والا ففي ظرف صحة المزاج وتعادل الأخلاط لايكاد يكون فيه المصلحة بل ربما كان فيه كمال المفسدة من جهة أوله إلى تلف النفس ، وهذا بخلافه في شرب الدواء والمسهل

٢٩٢

فان دخله في ظرف المرض لايكون الا في وجود ما هو المتصف بكونه مصلحة ومحتاجا إليه فارغا عن أصل الاتصاف بالوصف العنواني ، وحينئذ فكل واحد من المرض وشرب الدواء والمسهل وان كان دخيلا في مصلحة الاسهال الا ان دخل كل على نحو يغاير دخل الآخر ، من حيث كون دخل أحدهما في أصل الاحتياج واتصاف الأثر بكونه صلاحا ومصلحة مع قطع النظر عن تحققه في الخارج ، وكون دخل الآخر في وجود ما هو المتصف بالمصلحة والصلاح وتحققه فارغا عن أصل اتصافه بالوصف العنواني المزبور.

ومن ذلك البيان ظهر اختلاف مثل هذين القيدين بحسب المرتبة أيضا باعتبار دخل الأول في اتصاف الذات بالوصف العنواني والثاني في تحقق ما هو المتصف خارجا فان في مثل ذلك لا محالة ما هو من قبيل الأول يكون في رتبة سابقة على ما كان من قبيل الثاني ، من جهة انه بدونه لايكاد يتحقق موضوع المتصف كي ينتهى إلى مقام دخل قيود وجود المتصف ، ولذلك أيضا بدون قيود الاتصاف لايكاد الانتفاء الا بنحو السلب بانتفاء الموضوع ، بخلافه في فرض تحقق قيود الاتصاف ، إذ حينئذ يكون انتفاء المصلحة بانتفاء قيود المحتاج إليه من قبيل السلب بانتفاء المحمول ، نظراً إلى تحقق الاتصاف بالوصف العنواني بمجرد تحقق قيود الاتصاف ، كما هو واضح.

وبعد ما عرفت ذلك نقول : بأنه بعد أن كان قيود الوجوب والتكليف من القيود الراجعة إلى أصل اتصاف الذات بالوصف العنواني وبكونها صلاحا ومصلحة قبال قيود الواجب الراجعة إلى وجود ما هو المتصف فارغا عن أصل الاتصاف بالوصف العنواني فلا محالة يلزمه عدم وجوب تحصيلها أيضا نظراً إلى خروجها حينئذ عن حيز الطلب والإرادة بل وعن مباديها من الاشتياق والمحبوبية أيضا وصيرورة الإرادة بمباديها منوطة بفرض تحققها من باب الاتفاق ، نظراً إلى ما يقتضيه حينئذ جبلة النفس وفطرته من عدم كون الانسان بصدد تحصيل الاحتياج إلى الشيء وجعل نفسه محتاجا إليه ، بل وعدم اشتياقه إليه أيضا الا لأجل رفع احتياج أعظم وصيرورته من مقدمات وجود محتاج إليه آخر ، كما يشهد لذلك المثال المزبور حيث ترى ان الانسان بمقتضي جبلته لايكون بصدد تحصيل المرض كي به يتصف الاسهال بالوصف العنواني ويصير في حقه ذا مصلحة وصلاح ، بل ولا كان له اشتياق ولا ميل إليه ، بل ولعله يكون مبغوضا عنده فضلا عن

٢٩٣

الميل والاشتياق إليه ، كما نظيره أيضا في مثال العصيان بالنسبة إلى الكفارة وعدم الاتيان بالصلاة في الوقت بالنسبة إلى القضاء في خارج الوقت بناء على كونه بأمر جديد ، وهكذا نظائره في الشرعيات والعرفيات. وهذا بخلافه في قيود المحتاج إليه فارغا عن أصل تحقق الاحتياج واتصاف الذات بكونها صلاحا ومصلحة فان الانسان بمقتضي جبلته ، كان بصدد تحصيلها ، الا إذا كان القيد من القيود غير الاختيارية أو من القيود التي اعتبر في مقدميتها وجودها من باب الاتفاق كما سنذكرها إن شاء الله تعالى فان مثل تلك القيود حينئذ وان كانت خارجة عن حيز الإرادة الا انها غير خارجة بالنسبة إلى مبادي الإرادة من الاشتياق والميل والمحبة كما هو واضح.

ومن هذا البيان ظهر أيضا فساد توهم رجوع جميع القيود إلى المتعلق وارجاع جميع المشروطات إلى المعلقات كما عن التقريرات بجعل منشأ الاختلاف في القيود في الخروج عن حيز الإرادة اختلاف أنحاء وجودها : من اخذ بعضها بنحو يترشح إليها الإرادة واخذ بعضها بنحو لايترشح إليها الإرادة اما لخروجها عن تحت الاختيار أو من جهة دخلها بوجودها من باب الاتفاق أو وجودها الناشئ عن سائر الدواعي غير دعوة الامر مع اتحاد الجميع في كيفية الدخل في الغرض والمطلوب ، توضيح الفساد يظهر مما قدمنا من اختلاف أنحاء القيود في كيفية دخلها في الغرض والمصلحة ، من حيث رجوع بعضها إلى الدخل في أصل الاحتياج واتصاف الذات بكونها مصلحة وصلاحا ، ورجوع بعضها وهو قيود الواجب إلى الدخل في تحقق المحتاج إليه والمتصف بالمصلحة والصلاح فارغا عن أصل اتصاف الذات بالوصف العنواني ، إذ في مثله يكون قيود الواجب باعتبار دخلها في وجود المحتاج إليه وتحقق ما هو المتصف بالوصف العنواني في رتبة متأخرة عن قيود الأصل الاتصاف.

ومعه كيف يمكن اخذ ما هو راجع إلى أصل الاتصاف في ناحية الموضوع في عرض قيود المحتاج إليه ، مع انك عرفت بخروج قيود الاحتياج والاتصاف عن دائرة الإرادة بمباديها من الميل والمحبة والاشتياق باعتبار ما يقتضيه جبلة الانسان من عدم كونه بصدد تحصيل الاحتياج لولا وجود احتياج أعظم في البين ، بل وعدم تعلق الميل والاشتياق إليه أيضا ، بل وصيرورته مبغوضا عنده ، كما في مثال المرض وفي النذر المترتب عليه وجوب الوفاء بالمنذور حيث كان أصل النذر الذي هو سبب للوجوب مكروها وكذا في

٢٩٤

العصيان المترتب عليه وجوب الكفارة. وهذا بخلافه في قيود المحتاج إليه والمتصف بالمصلحة والصلاح فإنها وان أمكن خروجها عن تحت الإرادة اما لعدم كونها اختيارية أو من جهة ان الدخيل في المطلوب هو وجودها من باب الاتفاق أو وجودها الناشي عن سائر الدواعي غير دعوة الامر والإرادة ، الا انها غير خارجة عن مباديها من الميل والمحبة والاشتياق نظراً إلى ما هو قضية الوجدان من اشتياق الانسان بمقتضي جبلته وفطرته بعد احتياجه إلى الشيء وصيرورته في حقه ذا مصلحة وصلاح إلى مقدمات وجوده وان فرض كونها خارجة عن الاختيار ، ومن ذلك ترى انه يتمنى وجودها في الليل والنهار لكي ينال بها إلى ما احتاج إليه واتصف في حقه بالمصلحة والصلاح ، وحينئذ فبعد هذا الاختلاف التام بين هذين القسمين من القيود كيف يمكن دعوى رجوع الجميع حتى ما كان منها دخيلا في أصل اتصاف الذات بالمصلحة والصلاح إلى الموضوع؟ كما لايخفى.

في تصوير الواجب المشروط على المختار

ثم انه بعد ما اتضح وجه عدم وجوب تحصيل قيود الوجوب والتكليف لخروجها عن حيز الطلب والإرادة بنحو كان الطلب والإرادة بمباديها منوطة بها يبقى الكلام في أن إناطة الطلب والإرادة بها هل تكون بوجودها خارجا بحيث لا طلب ولا إرادة الا في ظرف وجود تلك القيود في الخارج ، كما عليه المشهور ، من حيث مصيرهم إلى انتفاء الإرادة حقيقة عند انتفاء تلك القيود خارجا؟ أو ان إناطة الطلب والإرادة فيها كانت بوجودها لحاظا على نحو الطريقية للخارج وان لم تكن متحققه في الخارج في الواقع؟ فيه وجهان. وفي مثله نقول : بان الذي يقتضيه التحقيق هو الثاني من كونها تابعة فرض وجود تلك القيود في لحاظه وتصوره على نحو الطريقية إلى الخارج بنحو يلزمه فعلية الطلب وتحققه قبل تحقق المنوط به في الخارج غايته لا مطلقا بل منوطا بفرض وجوده ولحاظه ، لا تابعة وجود تلك القيود في الخارج حتى لايكون للطلب وجود الا في ظرف وجود القيود في الخارج. وتنقيح المرام يحتاج إلى بيان مقدمتين :

الأولى : ما شرحناه آنفا من اختلاف القيود في كيفية دخلها في الغرض والمصلحة ، من رجوع بعضها إلى مقام الدخل في أصل اتصاف الذات بالوصف العنواني وكونها صلاحا ومصلحة مع قطع النظر عن مقام تحقق الموضوع المتصف في الخارج ، ورجوع

٢٩٥

بعضها إلى مقام الدخل في تحقق الموضوع المتصف في الخارج فارغا عن أصل الاتصاف بالمصلحة ، ولقد عرفت أيضا بان كل ما كان من قبيل الأول يكون خارجا عن حيز الإرادة بمباديها من الميل والمحبة والاشتياق ويكون الطلب بمباديه منوطا بوجوده وان كل ما كان من قبيل الثاني يكون تحت الطلب بمباديه الا إذا كان القيد من القيود غير الاختيارية أو كان الدخيل هو وجوده الاتفاقي فيخرج حينئذ عن حيز الطلب والإرادة لا عن مباديها من الميل والمحبة والاشتياق.

المقدمة الثانية : لايخفى عليك ان قيود الاتصاف وان كان دخلها بالنسبة إلى المصلحة بوجودها الخارجي حيث يستحيل اتصاف الذات بالمصلحة والصلاح الا في ظرف تحقق هذا القيود في الخارج ، إلا ان دخلها بالنسبة إلى الإرادة ومباديها من الميل والمحبة والاشتياق لايكون الا بوجودها العلمي اللحاظي لا بوجودها الخارجي ، حيث إن الميل والمحبة وكذا الاشتياق والإرادة انما تكون تابعة للعلم بكون المتعلق ذا مصلحة وصلاح ، فمع العلم بكونه ذا صلاح ولو من جهة العلم بوجود قيود الاتصاف في الخارج لا محالة يتوجه نحوه الميل والاشتياق والإرادة فيحدث في النفس تلك الحالة الانقداحية الموجبة لطلبه وبعثه وان لم يكن كذلك في الواقع ونفس الامر ولايكون ذلك الشيء الا ذا مفسدة محضة ، كما أنه في صورة العكس والعلم بكونه غير ذي المصلحة أو ذا مفسدة محضة لا محالة لايكاد يتعلق به الميل والمحبة والشوق والإرادة وان فرض كونه في الواقع ذا مصلحة محضة ، وعلى ذلك فكم فرق بين المصلحة وبين الإرادة والاشتياق ، فان المصلحة باعتبار كونها من الاعراض التي ظرف عروضها واتصافها هو الخارج تحتاج في عروضها إلى تحقق قيود الاتصاف في الخارج بخلاف الاشتياق والإرادة ونحوهما مما كان ظرف عروضها هو الذهن حيث لايكون دخل تلك القيود فيها الا بوجودها اللحاظي دون الخارجي.

كما كان ذلك هو الشأن أيضا بالنسبة إلى معروض الإرادة كما سيجيء إن شاء الله تعالى حيث لايكون المعروض لها أيضا الا العناوين والصور الذهنية دون الخارج ، نظراً إلى أن الخارج انما كان ظرفا لسقوط الإرادة لا لثبوتها ، غايته انه لا بنحو يلتفت إلى ذهنية تلك الصورة ومغايرتها مع الخارج بل بنحو يرى كونها في لحاظها ذلك عين الخارج بلحاظ طريقية لحاظها إلى الخارج من دون سرايتها منه إلى الخارج ، وبهذه

٢٩٦

الجهة من الاتحاد والعينية بين تلك الصورة الذهنية وبين الخارج أيضا ربما تكتسب تلك الصورة الذهنية لون المصلحة من الخارج فتتصف بكونها ذات مصلحة فيتعلق بها الإرادة والشوق ، وكذا بالعكس فيكتسب الخارج لون المطلوبية والمرادية من تلك الصورة فيتصف بكونه مرادا ومطلوبا ، والا فالمصلحة لايكاد تقوم الا بالخارج ، وكذا الإرادة لاتكاد تتعلق الا بالصور الذهنية ، كما هو واضح.

وحينئذ فبعد ان كان ذلك شأن الاشتياق والإرادة من كونها تابعة للعلم بالمصلحة في المتعلق وكونه ذا صلاح لا تابعة لكونه كذلك في نفس الامر فكان العلم واللحاظ مع كونه طريقا إلى الخارج له موضوعية بالنسبة إلى مرحلة تعلق الاشتياق والإرادة نقول : بأنه لابد من لحاظ كيفية العلم بالمصلحة من حيث الإناطة والاطلاق.

وفي ذلك نقول : بأنه لا شبهة حينئذ في فرض إناطة المصلحة بشيء في اختلاف كيفية العلم بالمصلحة من حيث الإناطة والاطلاق وانه كما أنه مع العلم بوجود المنوط به وتحققه في الخارج وفي موطنه يتحقق العلم الفعلي المطلق بالمصلحة في المتعلق ويتبعه أيضا الميل والمحبة والاشتياق والإرادة ، كذلك يتحقق العلم الفعلي أيضا في فرض لحاظ المنوط به طريقا إلى الخارج حيث إنه بعد احراز أصل الملازمة والإناطة يلزمه في فرض لحاظ المنوط به العلم بالمصلحة في المتعلق بنحو لو كان في مقام تشكيل القضية يشكلها بنحو القضية الشرطية فيحكم بالحكم التصديقي في فرض لحاظ المنوط به بتحقق المصلحة في المتعلق ولو مع القطع بعدم تحقق المنوط به إلى الأبد الملازم للقطع بعدم تحقق التالي إلى الأبد ، من دون ان يكون هذا القطع المنوط بفرض وجود القيد منافيا مع القطع المطلق فعلا بالعدم كما في مثال فساد العالم على تقدير تعدد الآلهة وتحقق النهار على تقدير طلوع الشمس ، حيث إنه بمقتضي الملازمة بين الوجودين يتحقق قطع منوط بوجود التالي في فرض وجود المقدم وتحققه ، بنحو يوجب تشكيل القضية بنحو الشرطية ، كما في قولك : لو كان فيهما آلهة لفسدتا ولو كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ، فتحكم فعلا بالحكم الجزمي بفساد العالم وبوجود النهار لكن لا مطلقا بل منوطا بفرض تحقق المنوط به ووجوده في الخارج ولو مع القطع الفعلي بعدم تحقق المنوط به للتالي من جهة ان هذا العلم المنوط لا يلازم العلم بتحقق المنوط به في الخارج بل يجتمع ولو مع القطع بعدمه للتالي الملازم للقطع بعدم تحقق المنوط إلى الأبد ومن ذلك قلنا بعدم المضادة والمنافاة بين هذا

٢٩٧

العلم المنوط بفرض وجود المنوط به وبين العلم الفعلي المطلق بعدم تحقق المنوط في الخارج كما لايخفى.

نعم قد يتصور في هذا الفرض أيضا العلم الفعلي الغير المنوط بوجود المصلحة في الامر الاستقبالي بنحو يتشكل القضية على نحو القضية الحملية ، لكن مثل هذا العلم لابد وأن يكون في فرض القطع بتحقق المنوط به في الخارج وفي موطنه ، إذ حينئذ يقطع بالقطع المطلق فعلا بتحقق المصلحة في الامر الاستقبالي ، كما في القطع بوجود الحرارة في الغد الناشي من جهة القطع بتحقق النار فيه ، ومن ذلك كان له ان يخبر بوجود الحرارة في الغد من دون الإناطة بشيء بنحو القضية الحملية كما كان له ان يخبر بوجوده منوطا بنحو القضية الشرطية نظراً إلى عدم اقتضاء القطع بتحقق المنوط به في الخارج لخروج القضية عن الإناطة كي لايتصور فيه العلم المنوط. وهذا بخلافه في صورة عدم القطع بالانطباق في الخارج أو القطع بالعدم فإنه في هذا الفرض لايكاد يتصور الا العلم المنوط ولازمه انحصار القضية بالقضية الشرطية ، كما هو واضح.

وحينئذ فبعد ما اتضح لك هذه الجهة من تبعية الاشتياق والإرادة للعلم بالمصلحة في المتعلق وفعلية العلم بالمصلحة أيضا منوطا بفرض القيد ولحاظه في الذهن على نحو الطريقية إلى الخارج نقول : بأنه لا مانع حينئذ من الالتزام بفعلية الاشتياق والإرادة في الواجبات المشروطة قبل حصول شرطها في الخارج فإنه بعد ما علم منوطا بفرض القيد ولحاظه في الذهن بوجود المصلحة في المتعلق فقهرا بمقتضى التبعية المزبورة منوطا بفرض القيد ولحاظه يتوجه نحوه الاشتياق والإرادة أيضا من دون حالة منتظرة في البين أصلا كما لايخفى. نعم فاعلية مثل هذه الإرادة المنوطة ومحركيتها نحو المراد لا تكون الا في ظرف تحقق القيد خارجا الذي هو ظرف اتصاف المتعلق بالمصلحة ، فيفكك بين فعلية الإرادة وفاعليتها بجعل فعليتها في ظرف الانشاء وفاعليتها في ظرف تحقق القيد في الخارج الذي هو ظرف الاتصاف بالمصلحة ، ونتيجة فعلية الإرادة حال الانشاء انما هي لزوم تحصيل بعض المقدمات المفوتة التي لايمكن تحصيلها في ظرف تحقق قيد المصلحة في الخارج. نعم لابد في هذه المرحلة أي مرحلة فعلية الإرادة وفاعليتها بالنسبة إلى مقدماته المفوتة من القطع بتحقق القيد في موطن الخارج والا فمع قطعه بعدم تحققه للتالي لايكاد مجال لتحقق الإرادة ولو منوطا ، من جهة انه في فرض القطع بالعدم يقطع بعدم اتصاف

٢٩٨

الذات في الخارج بالمصلحة ومع قطعه ذلك يستحيل تحقق تلك الحالة الانقداحية الموجبة لطلبه وبعثه.

نعم لو كانت الإرادة عبارة عن مجرد الاشتياق إلى الشيء ولو لم يكن بالغا إلى حد الانقداح أو كان لفرض القيد ولحاظه في الذهن موضوعية محضة ولم يكن طريقا إلى الخارج كما في قول الشاعر بالفارسية :

اگر عقلت منم بگذر از اين كار

كه كار عاشقي كاريست دشوار

وبعبارة أخرى : ان كنت مولاك فافعل ذلك حيث جعل المنوط به في المثال نفس الفرض لأمكن دعوى فعلية الإرادة المنوطة حتى مع القطع بعدم حصول القيد في موطن الخارج ، ولكنهما كما ترى مخالف للوجدان ، وذلك اما الأول فواضح ، واما الثاني فكذلك أيضا لان ما له الدخل في المصلحة بعد أن كان هو الوجود الخارجي لا محالة يكون الفرض واللحاظ أيضا طريقا إلى الخارج ومعه لايكاد تعلق الإرادة الفعلية بالشيء ولو منوطا مع القطع بعدم تحقق المنوط به والقيد في موطن الخارج. نعم مع الشك في ذلك أمكن تعلق الإرادة به رجاء تحقق المنوط به في الخارج ولكن مثل هذا الفرض غير متصور في الأحكام الشرعية بالنسبة إلى الشارع الذي لايكاد يتصور في حقه الجهل.

وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا يظهر لك عدم تمامية ما عليه المشهور من المشروط في القضايا الشرعية الطلبية من عدم فعلية الإرادة والطلب الا في ظرف تحقق المنوط به في الخارج.

واما قياس الاحكام الطلبية بالاعراض الخارجية في مثل النار حارة في إناطة فعلية الحرارة بوجود النار وتحققها في الخارج فمدفوع بالفرق الواضح بين المقامين من حيث كون الخارج في القضايا الخارجية ظرف العروض والاتصاف بخلافه في القضايا الطلبية فإنه باعتبار كون المحمول فيها من الأوصاف الذهنية لايكاد يكون ظرف العروض بل الاتصاف فيها الا الذهن وانما كان الخارج ظرفا لتطبيق ما هو المعروض والمتصف على الموجود الخارجي ، وعلى ذلك فلايرتبط القضايا الطلبية بالقضايا الخارجية كي يتم المقايسة المزبورة ويصير المنوط به للطلب هو الشيء بوجود الخارجي.

وعليه فلا محيص بمقتضي ما ذكرنا من المصير إلى كون المنوط به للطلب والإرادة عبارة عن فرض القيد ولحاظه والالتزام بفعلية الإرادة والطلب في ظرف فرض القيد و

٢٩٩

لحاظه قبل تحقه في الخارج من دون حالة منتظرة في البين إلى ظرف تحقق القيد في الخارج ، وبه أيضا يجمع بين ظهور القضايا الشرطية الطلبية في رجوع القيد إلى الهيئة وبين ظهور الهيئة فيها في الدلالة على فعلية الطلب. نعم محركية هذه الإرادة وفاعليتها نحو المراد لا تكون الا في ظرف حصول القيد والمنوط به في الخارج الذي هو ظرف اتصاف الذات بالمصلحة ، ولكن مثل هذه الجهة أجنبية عما هو مفاد الانشاء في الخطابات لأنها عبارة عن مرتبة تأثير الخطاب بوجوده عند العقل في وجوب الامتثال لا مرتبة نفس الخطاب بمضمونه ، كما هو واضح.

ومما ذكرنا أيضا ظهر عدم صحة ما أفيد كما عن بعض الاعلام في تقريب عدم فعلية الإرادة والطلب في الواجبات المشروطة الا بعد حصول شرطها خارجا بأن الأحكام الشرعية في القضايا الطلبية سواء كان على نحو القضية الشرطية أو الحملية انما هي من سنخ القضايا الحقيقية المترتب فيها الحكم على العناوين المقدرة وجوداتها فيحتاج حينئذ في فعلية الحكم فيها إلى فعلية موضوعها بما له من القيود والا فقبل وجود موضوعها لايكاد يكون الا فرض الحكم لا حقيقته كما كان ذلك هو الشأن أيضا في الأحكام الوضعية كالملكية مثلا. كما في العقود التمليكية كالوصية حيث إن حقيقة الملكية انما يكون تحققها وفعليتها بعد تحقق الموت والا فقبل موت الموصى لايكون الا فرض الملكية ففي المقام أيضا كذلك فلايكون مفاد الخطابات في القضايا المشروطة وغيرها من نحو الحج وغيره الا مجعولا فرضيا بفرض وجود موضوعه الذي هو المستطيع ، ولازمه هو إناطة الحكم في فعليته بفعلية وجود موضوعه خارجا بما له من القيود كإناطة فرضه بفرضه.

إذ نقول : بان القضايا الحقيقية بالمعنى المصطلح الذي يلزم من فرض وجود الموضوع فرض الحكم ومن فعلية الموضوع خارجا فعلية الحكم أجنبية عن القضايا الطلبية ، حيث نقول : بان القضية بالمعنى المصطلح انما تتصور بالنسبة إلى الاعراض الخارجية التي كان الخارج ظرفا لعروضها واتصافها كما في النار حارة وكما في الأحكام الوضعية كالملكية ونحوها ، فإنها باعتبار كونها من الأمور التي كان الخارج ظرفا لعروضها يوجب لا محالة فرض وجود الموضوع فيها فرض محموله وفعلية الموضوع فعلية محموله ، واما بالنسبة إلى الإرادة ونحوها من الصفات الذهنية التي كان ظرف عروضها الذهن والخارج ظرف اتصافها ، فلايتصور فيها القضية الحقيقية بوجه أصلا حتى يناط فعلية الإرادة فيها بفعلية

٣٠٠