نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

وكيف كان فقد تلخص من جميع ما ذكرنا في الفعل الاضطراري ان مقتضي القاعدة الأولية المستفادة من الأدلة المثبتة للاجزاء والشرائط هو عدم الاجزاء ووجوب الإعادة في الوقت بعد ارتفاع الاضطرار أو القضاء في خارج الوقت ، ولكن مقتضي القاعدة الثانوية المستفادة من أدلة الاضطرار في باب التقية وباب التيمم حسب الجمع بين أدلتها وبين الامر بخصوصية الفرد الاختياري هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة فضلا عن القضاء في خارج الوقت مع حرمة التفويت أيضا بالاختيار بلحاظ مفوتية المأتى به الاضطراري لمصلحة الخصوصية ، ولذلك قلنا بان الاجزاء فيها كان بمناط التفويت للمقدار الباقي من المصلحة لا بمناط الوفاء بتمام الغرض والمصلحة واما في مطلق الاضطرار في غير باب التقية والتيمم مما كان دليله قاعدة الميسور وعمومات الاضطرار والحرج فعدم الاجزاء بالنسبة إلى الإعادة قطعا لعدم الموضوع له في فرض طرو الاختيار في الوقت ، وعلى اشكال أيضا في الاجزاء بالنسبة إلى القضاء ينشأ مما عرفت من عدم استفادة المفوتية لمصلحة الخصوصية من العمومات المزبورة فلابد حينئذ من الرجوع إلى اما يقتضيه الأصل العملي ، ولقد تقدم ان مقتضي الأصل مع احتمال قيام المصلحة الباقية الفائتة بالفرد الاختياري الواقع في الوقت ولو لخصوصية في نفس الوقت موجبة لكون الفرد الاختياري الواقع فيه ذا مزية زائدة على الفرد الاضطراري الواقع فيه والفرد الاختياري الواقع في خارج الوقت هو البراءة عن وجوب القضاء في خارج الوقت ، لعدم احراز بقاء مصلحة ملزمة حينئذ في خارج الوقت كي يكون الشك في القدرة على استيفائها. واما مع احراز قيام المصلحة الفائتة بالجامع بين الفرد الاختياري في الوقت والفرد الاختياري في خارجه وتمحض الشك في القدرة على استيفائها فمقتضى الأصل هو الاحتياط لا غير فتدبر.

ثم انه من التأمل فيما ذكرنا ظهر لك الحال في الحكم بجواز بدار أولى الاعذار وعدم جوازه ، فإنه فيما كان موضوعه مطلق الاضطرار إلى الطبيعة كما في باب التقية بل وباب التيمم أيضا على ما استفدناه من الآية الشريفة كان الحكم فيه هو جواز البدار ولو مع القطع بزوال الاضطرار وطرو الاختيار عليه في الوقت فضلا عن فرض الشك في زوال اضطراره فيه ، وذلك انما هو من جهة اقتضاء قضية الامر باتيان الفعل الاضطراري عند تحقق موضوعه الذي هو مطلق الاضطرار ، فإنه من ذلك ربما يستفاد الترخيص فيما يستتبعه

٢٤١

الفعل الاضطراري من تفويت مصلحة الخصوصية ، ولاينافي ذلك ما ذكرناه آنفا من حرمة التفويت ، لان ذلك انما هو بلحاظ قبل حال طرو الاضطرار لا بلحاظ حال طرو الاضطرار الذي هو مورد البحث في هذا المقام. فلا تنافي حينئذ بين حرمة اتلاف الماء مثلا في الوقت وادخال نفسه في موضوع ( من لم يجد ) وبين جوازه بداره باتيان الصلاة مع التيمم في فرض تحقق الاضطرار وان استلزم ذلك تفويت مقدار من المصلحة الملزمة من جهة امكان ابتلائها في هذا الحال بمصلحة أخرى أهم وهي مصلحة التسهيل مثلا. نعم لو لم يكن في البين حينئذ امر من الشارع باتيان الفعل الاضطراري عند تحقق موضوعه أمكن لنا دعوى عدم الجواز بلحاظ مقدمية المأتى به الاضطراري لتفويت مصلحة الخصوصية بناءا على القول بها لكن لازمه أيضا هو عدم الاجزاء بلحاظ وقوعه حينئذ حراما ومنهيا عنه وإلا فبناء على القول بمنع المقدمية وكونه مجرد التلازم الخارجي كما هو التحقيق على ما يأتي بيانه في مبحث الضد إن شاء الله تعالى لا مقتضي لعدم الجواز أيضا فيجوز له البدار وان عصى بتفويته لمصلحة الخصوصية. هذا كله فيما إذا كان موضوع التكليف هو مطلق الاضطرار بالطبيعة.

وأما ما كان موضوعه هو الاضطرار إلى الطبيعة على الاطلاق كما استفدناه من نحو قاعدة الميسور وعمومات الحرج والاضطرار ففيها لا مقتضي لعدم جواز البدار إلا من جهة التشريع ، من جهة وضوح عدم استلزام البدار باتيان الفعل الاضطراري حينئذ لتفويت مصلحة الفعل الاختياري وحينئذ فلابد من ملاحظة شقوق المسألة ، فمع العلم بطرو الاختيار في الوقت لايجوز له البدار باتيان الفعل الاضطراري بعنوان الامر به من جهة كونه حينئذ تشريعا محرما. واما مع عدم العلم بطرو الاختيار في الوقت واحتمال بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت ، فان بنينا على كفاية احتمال الامر في صحة العبادة مع الامكان ، فلا اشكال في أن لازمه هو جواز بداره فيجوز له حينئذ البدار باتيان الفعل الاضطراري بداعي احتمال الامر ، فإذا بقى اضطراره من باب الاتفاق إلى آخر الوقت يجزيه عن القضاء في خارج الوقت على التفصيل المتقدم وإذا لم يبق اضطراره إلى آخر الوقت يجب عليه الإعادة في الوقت ، من جهة كشف اختياره في الوقت عن عدم الامر بالفعل الاضطراري وعدم رجحانه حين الاتيان به. وأما ان بنينا على إعتبار الجزم بالامر في صحة العبادة ومشروعية الدخول فيها ، فلازمه هو عدم جواز البدار ووجوب تأخيره إلى

٢٤٢

وقت يقطع قطعا عاديا بعدم زوال اضطراره. نعم لو انتهى الامر إلى هذه المرحلة أمكن دعوى جواز البدار بمقتضي أصالة بقاء الاضطرار ، حيث إنه علي يقين منه فعلا وقد شك في زواله في الآنات المتأخرة قبل خروج الوقت فيستصحب بقائه ويترتب على استصحابه جواز بداره كما في صورة القطع ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت. واما توهم عدم اليقين الفعلي بالاضطرار إلى الطبيعة على الاطلاق حتى بالنسبة إلى افرادها التدريجية ، فمدفوع بأنه حين تحقق الاضطرار كما يصدق الاضطرار إلى الطبيعة بالنسبة إلى فردها الفعلي كذلك يصدق الاضطرار أيضا في ذلك الآن بالنسبة إلى بقية افرادها التدريجية في الآنات المتأخرة من جهة وضوح عدم تمكنه فعلا من الاتيان بافرادها التدريجية ، فيصدق حينئذ انه كان مضطرا إلى ترك الطبيعة بقول مطلق فعلا ، وحيث انه يشك في بقائه إلى آخر الوقت يستصحب بقائه ويترتب على استصحابه جواز بداره فعلا حتى مع الظن بزوال اضطراره فيما بعد بل ومع الاطمينان به أيضا.

وحينئذ فعلى كل تقدير التفصيل في جواز بدار أولى الاعذار وعدم جوازه بين صورة رجاء زوال العذر في الوقت والظن ببقاء العذر إلى آخر الوقت أو الشك به مما لايقتضيه القواعد ، بل فيما كان موضوعه مطلق الاضطرار كباب التقية بل التيمم على اشكال في الأخير يجوز البدار ولو مع القطع بزوال الاضطرار في الوقت فضلا عن الظن أو الشك في بقاء اضطراره إلى آخر الوقت. وفيما كان موضوعه الاضطرار إلى الطبيعة بقول مطلق لايجوز البدار مع القطع بزوال العذر لمكان التشريع ، ومع عدم القطع بذلك يجوز البدار للاستصحاب المزبور ، فتدبر.

هذا كله في المقام الثاني.

واما المقام الثالث

فمحل الكلام فيه في اجزاء الاتيان بالمأمور به الظاهري من الواقع عند كشف الخلاف إعادة وقضاء فنقول :

ان الكلام في هذا المقام يقع تارة في الامارات وأخرى في الأصول.

اما الأولى ( وهي الامارات ) ، فان بنينا فيها على الطريقية كما هو التحقيق فلاينبغي الاشكال في عدم اقتضائها للاجزاء وانه يجب الإعادة في الوقت عند انكشاف الخلاف أو القضاء في خارج الوقت ، ووجه عدم الاجزاء فيها على هذا القول واضح ، لأنه لم يحدث

٢٤٣

حينئذ بسبب قيام الامارة مصلحة في المتعلق كي أمكن القول فيها بالاجزاء اما بمناط الوفاء بتمام المصلحة الواقعية أو بمناط المفوتية لها ، بل ولو كان هناك مصلحة فإنما هي في أصل الجعل والترخيص على خلاف الواقع وهي غير مرتبطة بالمتعلق كي يجيء فيه احتمال المفوتية أو الوفاء بالتمام. ولا مجال أيضا لتوهم كفاية المصلحة في الجعل عن المصلحة القائمة بالمتعلق ، والايلزمه الاجزاء ولو مع عدم الاتيان المكلف بما هو مؤدى الامارة نظراً إلى تحقق الغرض الذي هو التسهيل على العباد وعدم وقوعهم في كلفة تحصيل الواقعيات بنفس جعل الامارة حجة ولو لم يأت المكلف بما هو مؤدى الامارة ، مع أن ذلك كما ترى لا يتوهمه ذو مسكة.

وحينئذ فإذا لم يحدث بسبب قيام الامارة مصلحة في المتعلق كما على الموضوعية ولايكون قضية الامر بسلوك الامارة في ظرف المخالفة الا أمرا صوريا منتجا للمعذورية عن تبعة مخالفة الواقع فلا جرم يلزمه عدم الاجزاء ووجوب الإعادة أو القضاء عند انكشاف الخلاف من غير فرق في ذلك بين ان يكون دليل حجية الامارة بلسان تنزيل المؤدى منزلة الواقع أو بلسان ايجاب العمل على طبق مؤدى الامارة أو بلسان تتميم الكشف والغاء احتمال الخلاف ، فان تلك الألسنة كما تجري على الموضوعية تجرى أيضا على الطريقية من جهة ان المناط في الموضوعية والطريقية انما هو كون الامر بالعمل على طبق المؤدى أمرا حقيقيا ناشئا عن مصلحة مستقلة في المتعلق في صورة المخالفة أو كونه أمرا صوريا في فرض المخالفة ، من دون اثمار لتلك الألسنة في الطريقية والموضوعية بوجه أصلا. نعم كون دليل الامارة بلسان تتميم الكشف أو بلسان تنزيل المؤدى انما يثمر في جهة أخرى أجنبية عن تلك الجهة وهي مقام تحكيم الامارة على الأصول وعدم تحكيمها ، لا بالنسبة إلى مقام الطريقية والموضوعية. فالمقصود من هذا البيان انما هو بيان عدم اثمار اختلاف تلك الألسنة في الطريقية والموضوعية كما توهم كي يقال : بأنه إذا كان بلسان تتميم الكشف لابد من القول بالطريقية وإذا كان بلسان تنزيل المؤدى لابد من الموضوعية ، فتدبر. وكيف كان فهذا كله على القول بالطريقية كما هو المختار ، ولقد عرفت بأنه على هذا المبنى لا محيص من عدم الاجزاء بمقتضي القواعد كان دليل الامارة بلسان تتميم الكشف أو بلسان تنزيل المؤدى أو بلسان آخر غير هذين.

واما على الموضوعية والسببية على معنى صيرورة المؤدى ذا مصلحة مستقلة بسبب

٢٤٤

قيام الامارة اقتضت تلك المصلحة ايجاب العمل على طبقه وان خالفت الواقع لا على معناها المستحيل الذي يوجب انقلاب الواقع عما عليه إلى التكليف بمؤدى الامارة كما يقوله القائل بالتصويب ففيها تفصيل من جهة اختلاف الحال حينئذ في الحكم بالاجزاء حسب اختلاف كيفية السنة دليل الامارة من كونه بلسان تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع تعبدا أو بلسان تنزيل المؤدى أو بلسان ثالث غير هذين ، فنقول :

أما إذا كان دليل الحجية بلسان تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع تعبدا فلازمه قهرا هو عدم الاجزاء ووجوب الإعادة أو القضاء عند انكشاف الخلاف ، ضرورة ان المصلحة الواقعية حينئذ على ما هي عليها وهي تقتضي لزوم تحصيلها باتيان المأمور به إعادة في الوقت وقضاء في خارجه وحينئذ لا وجه لتوهم الاجزاء في مثل هذا الفرض الا من جهة دعوى المضادة بين المصلحتين وعدم التمكن من استيفاء المصلحة الواقعية مع استيفاء هذه المصلحة فلا بد في الحكم بالاجزاء حينئذ من اثبات هذه المضادة ، والا فمع عدم اثبات هذه الجهة لا محيص من وجوب الإعادة ولو من جهة الشك في القدرة ، كامر تفصيله سابقا.

ومن ذلك يظهر الكلام أيضا فيما لو كان مفاد دليل الحجية مجرد ايجاب العمل على طبق المؤدى كما لو كان في لسان الدليل : انه إذا أخبر العادل بوجوب شيء أو حرمته يجب ذلك الشيء أو يحرم ، إذ نقول في هذا الفرض أيضا بعدم اقتضاء مثل هذا اللسان للاجزاء وعدم وجوب الإعادة الا بمناط المضادة والمفوتية فمع عدم احراز هذه الجهة لابد من الإعادة أو القضاء ولو بمناط الشك في القدرة.

وأما إذا كان بلسان تنزيل المؤدى منزلة الواقع فمقتضى القاعدة فيه أيضا هو عدم الاجزاء فيما لو كان بلسان التعبد بترتب آثار الواقع على المؤدى ، إذ حينئذ من حين كشف الخلاف يرتفع التعبد المزبور أيضا فيجب من حين كشف الخلاف ترتيب آثار الواقع التي منها وجوب الإعادة والقضاء : نعم في هذا الفرض لو كان بلسان اثبات التوسعة الحقيقية في الأثر الواقعي بما يعم الواقع والظاهر كما لو كان بلسان : أن ما هو الشرط في لباس المصلي مثلا أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية ، فمقتضى القاعدة فيه قهرا هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة بل على هذا الفرض لا مجال لكشف الخلاف نظراً إلى وقوع المأمور به حينئذ في ظرف ايقاعه واجدا لما هو شرطه حقيقة.

٢٤٥

وحينئذ فصار متحصل الكلام في الامارات هو عدم الاجزاء ووجوب الإعادة والقضاء على الطريقية مطلقا وعلى الموضوعية أيضا كذلك الا في صورة واحدة وهي صورة كون مفاد دليل الامارة بلسان تنزيل المؤدى مع اقتضائه أيضا لتوسعة الأثر الذي هو موضوع التكليف الواقعي حقيقة لا عناية وتعبدا. هذا كله على الطريقية والموضوعية بمعناها الممكن منه ، وأما على الموضوعية بمعناها المستحيل كما يدعيه القائل بالتصويب فالاجزاء فيها واضح نظراً إلى عدم تصور كشف الخلاف حينئذ.

واما الأصول العملية فهي على أنحاء حسب اختلاف ألسنتها من كونها تارة بلسان التنزيل كالاستصحاب وأخرى بلسان رفع المشكوك فيه كما في حديث الرفع ودليل الحجب ونحوهما وثالثة بلسان اثبات الصغرى لما هي الكبرى الكلية المستفادة من الأدلة الواقعية كما في قاعدتي الحلية والطهارة فلابد من افراز كل واحد منها بالبحث مستقلا في استفادة الاجزاء وعدمه فنقول :

اما الاستصحاب فإن بنينا على رجوع التنزيل فيه في لا تنقض اليقين إلى نفس اليقين ، على معنى اخذ اليقين فيه استقلالا لامرآة إلى المتيقن كما هو التحقيق أيضا على ما حقق في محله فلاينبغي الاشكال في عدم اقتضائه للاجزاء بل لا مجال لتوهمه من جهة ان قضية النهى عن نقض اليقين حينئذ ليست الا المعاملة مع اليقين الزائل معاملة الباقي في لزوم الحركة على طبقه من دون اقتضائه لمصلحة حينئذ في نفس العمل كي أمكن تصور الاجزاء فيه بأحد المناطين المزبورين سابقا وحينئذ فعند انكشاف الخلاف لما كانت المصلحة الواقعية على حالها بلا استيفاء تماما أو بعضا فلا جرم تقتضي وجوب الإعادة في الوقت أو القضاء في خارج الوقت وهو واضح.

واما ان بنينا على رجوع التنزيل فيه إلى المتيقن وان اليقين في دليله لو حظ مرآة إلى المتيقن لا استقلالا كما هو مختار الكفاية قدس‌سره فان قلنا : بان مفاد لا تنقض عبارة عن جعل مما ثل الأثر للمشكوك في ظرف الشك كما اختاره في الكفاية في مبحث الاستصحاب فلا اجزاء أيضا فإنه إذا كان الشرط في الصلاة مثلا بحسب ظواهر الأدلة هو الطهارة الواقعية الثابتة للشيء بعنوانه الأولى فلا جرم لايكاد يفيد مثل هذه الطهارة الظاهرية الاستصحابية في الحكم بالاجزاء بل لايكاد يجدي أيضا في أصل جواز الاتيان بالصلاة مع مثل هذه الطهارة الا إذا فرض ان ما هو الشرط في دليل الكبرى هو الأعم

٢٤٦

من الطهارة الواقعية والظاهرية الاستصحابية فيجوز له الدخول معها حينئذ في الصلاة ويجزى المأتى به معها أيضا عن الإعادة والقضاء باعتبار اتيانه حينئذ بما هو المأمور به واجدا لما هو شرطه وهو الطهارة.

واما ان قلنا : بأنه ليس مفاد لا تنقض عبارة عن جعل المماثل وانه ليس مفاده الا مجرد التعبد بالطهارة في ظرف الشك بمحض اليقين بالطهارة سابقا فحينئذ القول بالاجزاء وعدمه مبني على إفادة مثل هذا التنزيل لا ثبات التوسعة الحقيقية لدائرة الشرطية في كبرى الدليل بما يعم الطهارة الحقيقية الواقعية والطهارة التعبدية التنزيلية فبناء على استفادة هذه الجهة كما اختاره في الكفاية في مبحث الاجزاء لا جرم يلزمه الاجزاء قهرا وعدم وجوب الإعادة ، بل على هذا المسلك لا معنى لانكشاف الخلاف أيضا لأنه بعد استفادة التوسعة لدائرة الشرطية من دليل حرمة النقض يكون المأتى به مع الطهارة التعبدية الاستصحابية واجدا لما هو شرطه بحسب الواقع ومعه لا معنى لانكشاف الخلاف كما لايخفى ، والا فبناء على عدم إفادة مثل هذا التنزيل الا مجرد التعبد بوجود ما هو الشرط الواقعي في المورد بلا نظر له إلى اثبات التوسعة الحقيقية في الأثر فلا مجال أيضا للاجزاء بوجه أصلا كما لايخفى ، إذ حينئذ بعد انكشاف الخلاف تقتضي الشرطية والجزئية الواقعية لوجوب الإعادة أو القضاء.

وحينئذ فاستفادة الاجزاء في المأتى به بالامر الاستصحابي الجاري في تنقيح ما هو موضوع التكليف بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره منوط بأحد الامرين : اما استفادة إفادة مثل هذا التنزيل للتوسعة الحقيقية في دائرة ما هو شرط المأمور به في كبرى الدليل بما يعم الطهارة الواقعية الحقيقية التعبدية التنزيلية ، واما استفادة إفادته لجعل مماثل الأثر حقيقة للمشكوك مع الالتزام أيضا بان ما هو الشرط في كبرى الدليل أعم من الواقع والظاهر ليكون دليل حرمة النقض من باب الورود دون الحكومة كما على الأول ، ولكن مسلك الكفاية في باب الاستصحاب حيث كان على استفادة جعل مماثل الأثر كان الحري عليه في المقام تقريب الاجزاء بمناط الأخير وهو الورود دون الحكومة.

ولكن الذي يسهل الخطب في المقام هو كون مثل هذا المسلك بل وسابقه خلاف التحقيق ، فان التحقيق على ما حققناه في محله هو رجوع التنزيل في حرمة النقض إلى نفس اليقين ملحوظا كونه استقلالا لامرآة إلى المتيقن كما هو مسلك الكفاية ، ومن ذلك

٢٤٧

أيضا نلتزم بقيام الاستصحاب مقام الامارات والقطع الطريقي كما في باب الشهادة ، ونلتزم أيضا بتقديم مثل الاستصحاب على قاعدة الحلية والطهارة بمناط الحكومة دون الورود ودون التخصيص ، وعليه كما عرفت لابد من القول بعدم الاجزاء ووجوب الإعادة والقضاء عند انكشاف الخلاف. بل وعلى فرض تسليم اخذ اليقين في دليل حرمة النقض مرآة إلى المتيقن وعبور التنزيل من اليقين إليه نقول : بان غاية ما يقتضيه التنزيل المزبور حينئذ انما هو مجرد التعبد بوجود الأثر وتحققه عند الشك لا التوسعة الحقيقية لدائرة الأثر والشرطية الواقعية ولا اقتضاء جعل مماثل الأثر للمشكوك حقيقة كي يحتاج إلى التصرف في ظاهر دليل كبرى الأثر بجعله عبارة عن الأعم من الطهارة الواقعية والظاهرية حتى يترتب عليه الاجزاء وعدم وجوب الإعادة والقضاء بعد انكشاف الخلاف ، وعليه لا محيص من القول بعدم الاجزاء ، من جهة انه بانكشاف الخلاف وحصول العلم بالنجاسة يرتفع التعبد المزبور ومع ارتفاعه لابد بمقتضي شرطية الطهارة الواقعية والحلية الواقعية من الإعادة والقضاء الا إذا كان هناك دليل بالخصوص على عدم وجوب الإعادة والقضاء كما في الطهارة الخبثية.

كيف وان نفس الالتزام بجعل مماثل الأثر حقيقة أو التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر لا يخلو عن محذور شديد بلحاظ ما يترتب عليهما من التوالي الفاسدة : فإنه مما يترتب على الأول لزوم عدم جريان استصحاب الطهارة في ماء تالف فعلا قد غسل به ثوب نجس أو توضأ به سابقا باعتقاد الطهارة ، من جهة انه في ظرف الشك الذي هو ظرف جريان الاستصحاب لا وجود للماء المغسول به الثوب النجس حتى أمكن جعل الطهارة الحقيقية ولو ظاهرية له ، فلابد حينئذ اما من القول بجواز جعل الطهارة الحقيقية حينئذ للماء التالف أو الالتزام بعدم جريان الاستصحاب في مثل الفرض عند الشك في طهارة الماء التالف الذي غسل به الثوب النجس سابقا ، مع أنهما كما ترى ، فان الأول منهما مستحيل في نفسه والثاني منهما خلاف الاجماع فإنه جماع منهم يجرى استصحاب الطهارة بالنسبة إلى الماء التالف ويحكم بطهارة الثوب المغسول به وبصحة الوضوء السابق وصحة الصلاة المأتى بها مع ذلك الوضوء بلا كلام. ومما يترتب عليه بل وعلى الأخير أيضا من التوالي الفاسدة في نحو قوله : كل ثوب نجس غسل بماء طاهر يطهر ، فإنه بناء على أعمية الطهارة في الماء في كبرى الأثر من الطهارة الحقيقية الواقعية والطهارة الظاهرية

٢٤٨

الاستصحابية يلزمه الحكم بطهارة الثوب المغسول بالماء المستصحب الطهارة حتى بعد انكشاف الخلاف ، فيلزمه الحكم أيضا بطهارة ملاقيه وجواز الدخول معه في الصلاة بمحض انغساله سابقا بماء محكوم بالطهارة شرعا بمقتضي الاستصحاب ، لكونه مما صدق عليه انه ثوب نجس وقد غسل في زمان غسله بماء طاهر مع أنه كما ترى لايكاد التزام أحد به.

فلا محيص حينئذ من اجل هذه المحاذير والتوالي الفاسدة من المصير إلى أن الطهارة المعتبرة في ناحية الماء في دليل كبرى الأثر عبارة عن خصوص الطهارة الواقعية ، وان ما هو مفاد دليل حرمة النقض في فرض رجوع التنزيل فيه إلى المتيقن عبارة عن مجرد التعبد بوجود الأثر وتحقق الطهارة في المورد الراجع إلى الامر بالمعاملة مع المشكوك معاملة الطهارة الواقعية ما دام الشك بلا نظر له إلى اثبات التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر ولا اقتضاء لجعل مماثل الأثر حقيقة للمشكوك ، وعليه فلا محيص من القول بعدم الاجزاء ووجوب الإعادة والقضاء عند انكشاف الخلاف ، كما هو واضح.

واما ما كان منها بلسان رفع المشكوك فيه كحديث الرفع والحجب فتوهم الاجزاء فيها انها هو من جهة خيال اقتضاء مثل هذا اللسان لرفع الجزئية والشرطية الواقعية واقتضائها بالملازمة لتحديد دائرة المأمور به بما عدا الجزء أو الشرط المشكوك الجزئية والشرطية ، ولكنه من الغفلة عن استحالة اقتضاء اللسان المزبور لرفع الجزئية الواقعية نظراً إلى أن العلة للرفع حينئذ انما كان هو الجهل والشك بالجزئية وهو من جهة تأخره الرتبي عن الجزئية الواقعية لايكاد يقتضي رفع ما هو في الرتبة السابقة بوجه أصلا بل ما هو المرفوع حينئذ لايكون الا ما هو نقيض هذا الرفع المتأخر عن الشك وهو لايكون الا الوجود في تلك المرتبة المتأخرة عن الشك لا الوجود في الرتبة السابقة عن الشك وهو الجزئية الواقعية لأنه لايكون نقيضا لهذا الرفع المتأخر ، فيستحيل حينئذ تعلق الرفع في المرتبة المتأخرة حقيقة بالوجود في المرتبة السابقة على الشك أعني الجزئية الواقعية. وحينئذ فبعد عدم اقتضاء اللسان المزبور لرفع الجزئية الواقعية حقيقة فلا بد وأن يكون الرفع رفعا تعبديا تنزيليا بلحاظ عدم وجوب الاحتياط في مقام العمل وعليه نقول : بأنه بعد انكشاف الخلاف لابد من الإعادة ، لاقتضاء الجزئية الواقعية حينئذ وجوب الإعادة والقضاء عند انكشاف الخلاف ، هذا.

٢٤٩

على أن مثل هذا اللسان باعتبار سوقه قي مقام الامتنان لايكاد يرفع الا ما يكون في وجوده ضيق على المكلف وهو لايكون الا ايجاب الاحتياط لأنه هو الذي يكون المكلف في ضيق من جهته وهو الذي في رفعه امتنان على المكلف دون التكليف الواقعي أو الجزئية الواقعية ، لعدم كونهما بوجود هما الواقعي ضيقا على المكلف حال الجهل حتى يقتضى الامتنان رفعه ، كما هو واضح. ومعلوم حينئذ في مثله انه لا مجال لتوهم الاجزاء بعد انكشاف الخلاف كما لايخفى ، هذا. ولكن الأستاذ دام ظله اقتصر في بحثه على الاشكال الأول ولم يتعرض لهذا الاشكال ولعله من جهة عدم جريان هذا الاشكال في مثل حديث الحجب لعدم كونه كحديث الرفع مسوقا في مقام الامتنان.

وكيف كان قد يورد عليه اشكال آخر في أصل اقتضاء اللسان المزبور لا ثبات التكليف بالبقية ، بتقريب : ان ثبوت التكليف بما عدا الجزء المشكوك الجزئية انما هو من لوازم عدم كونه جزء واقعيا ، وبعد عدم اقتضاء مثل هذا اللسان لرفع الجزئية الواقعية حقيقة لا مجال أيضا لا ثبات التكليف بالبقية بمحض جريان دليل الرفع واقتضائه لنفى الجزئية ظاهرا الا على القول بالمثبت ، وذلك أيضا بعد الفراغ عن عدم اقتضاء أدلة نفس الاجزاء والشرائط المعلومة أيضا لاثبات وجوب الاتيان بها مطلقا حتى في فرض عدم انضمام بقية الاجزاء لعدم اطلاق لها يقتضى التكليف بها حتى في حال عدم انضمام بقية الاجزاء الاخر ، كما يكشف عنه عدم تمسكهم باطلاق أدلة الاجزاء المعلومة لا ثبات التكليف بها في مبحث الأقل والأكثر ، هذا. ولكنه يمكن التفصي عن هذا الاشكال بان ثبوت التكليف بما عدا المشكوك الجزئية حينئذ وان كان مبنيا على المثبت ولكنه من جهة جلاء الواسطة فيه لا يضر به جهة المثبتية ، إذ هو حينئذ نظير الأبوة والبنوة من حيث فهم العرف من جهة شدة الملازمة بينهما عدم انفكاك تنزيل أحدهما عن تنزيل الآخر ، فتأمل.

واما قاعدة الحلية المستفادة من قوله عليه‌السلام : كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام ) فيتصور فيها وجوه : فإنه تارة يكون المراد من تلك الحلية خصوص الحلية الاقتضائية الناشئة من مثل مصلحة التسهيل أو غيرها ، وأخرى يكون المراد ما يعمها والحلية اللا اقتضائية الناشئة من جهة عدم اقتضاء الحرمة فيه. فان كان الأول فلازمه عدم صحة تطبيقها على شرط المأمور به في كبرى الأثر من

٢٥٠

نحو قوله : يجوز الصلاة فيما يحل اكله ، لان موضوع الأثر في هذا الدليل عبارة عن خصوص الحلية اللااقتضائية فمع الشك في كون الوبر من حلال الاكل بالحلية اللااقتضائية لا يفيد تلك القاعدة في تطبيق كبرى الأثر على المورد حتى يترتب عليه جواز الدخول في الصلاة كما هو واضح.

وان كان الثاني فتارة نقول بان القاعدة من الأصول التنزيلية المحرزة للواقع كما هو الشأن في قاعدة الطهارة أيضا وان مفادها عبارة عن اثبات الحلية الواقعية في المورد تعبدا وتنزيلا لا اثبات الحلية الحقيقية الظاهرية للشيء بعنوان كونه مجهول الحكم ، وأخرى نقول بأنها من القواعد المتكلفة لا ثبات الحلية الظاهرية للشيء حقيقة بعنوان كونه مجهول الحكم في طول الحلية الواقعية ، وعلى الأول فمفاد القاعدة تارة يكون هو التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر وهو الشرطية نظير الاستصحاب بناء على القول باقتضاء دليل حرمة النقض لجعل المماثل للأثر حقيقة ، وأخرى يكون مفادها مجرد التعبد بوجود الشرط والبناء على كون المشكوك حلالا واقعيا بلا اقتضائها للتوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر وهي الشرطية فضلا عن اقتضائها للتوسعة الحقيقية في دائرة نفس الشرط وهي الحلية. فهذه وجوه متصورة في تلك القاعدة.

وربما يختلف هذه الوجوه بعضها مع بعض بحسب اللوازم ، فإنه بناء على اقتضائها لجعل الحلية الظاهرية الحقيقية في المورد لا اشكال في أنه لايكاد يثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد ، لان الأثر في كبرى الدليل في نحو قوله : يجوز الصلاة في ما يحل اكله ، انما هو مترتب على محلل الاكل الواقعي لا على ما يعمه والحلية الظاهرية ، وحينئذ فمع الشك في كون الوبر من محلل الاكل الواقعي لا يثمر في التطبيق مجرد كون المورد محللا ظاهريا ومعه لايكاد يترتب عليه جواز الدخول في الصلاة حتى ينتهى الامر بعد ذلك إلى البحث عن الاجزاء وعدمه ، كما هو واضح. نعم إنما يثمر ذلك في مقام التطبيق فيما إذا استفيد من دليل كبرى الأثر تعميم الحلية بما يعم الواقع والظاهر ، إذ حينئذ بجريان القاعدة المزبورة يصير المورد من المصاديق الحقيقية لما هو شرط المأمور به ولازمه قهرا حينئذ هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة باعتبار وقوع العمل حينئذ واجدا حقيقة لما هو شرطه وعدم تصور انكشاف الخلاف معه.

ومن ذلك البيان يظهر انه كذلك الامر أيضا في فرض اقتضائها للتوسعة الحقيقية في

٢٥١

دائرة كبرى الأثر وهو الشرطية ، إذ لازم هذا المعنى أيضا قهرا يكون هو الاجزاء. واما توهم امتناع الحكومة بهذا المعنى من التوسعة الحقيقية باعتبار عدم كون الدليل الحاكم حينئذ في رتبة المحكوم وامتناع ان يكون للحلية الواقعية سعة اطلاق يشمل المرتبة المتأخرة عن نفسها ، فمدفوع بان ذلك كذلك بالنسبة إلى نفس الشرط وهو الحلية الواقعية ، فإنه بعد امتناع سعة الدائرة فيها بنحو تشمل المرتبة المتأخرة عن الشك بها يستحيل اقتضاء القاعدة المزبورة للتوسعة الحقيقية فيها حتى بالنسبة إلى مرتبة الشك المتأخر عنها ، واما بالنسبة إلى اثرها الذي هو الإناطة والشرطية فلا وجه لدعوى استحالته بل هو امر ممكن في نفسه فإنه من الممكن جدا التوسعة الحقيقية في دائرة الشرطية على معنى قيامها بما يعم الحلية الواقعية الحقيقية والحلية التعبدية التنزيلية ، لأنها مما أمرها بيد الشارع والجاعل فكما ان للشارع جعل الإناطة لخصوص الحلية الواقعية كذلك له جعلها لما يعمها والحلية التعبدية التنزيلية. وحينئذ فإذا عبدنا الشارع في مورد بأنه حلال الاكل واقعا وكان لسان دليل التعبد بلسان التوسعة الحقيقية لدائرة كبرى الأثر ، فلا جرم يلزمه جواز الدخول معه في الصلاة ، كما أن لازمه القهري هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة عند انكشاف الخلاف وتبين كونه من محرم الاكل. هذا بناء على اقتضاء القاعدة للتوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر.

واما بناء على عدم اقتضائها الا مجرد التعبد بالبناء على الحلية الواقعية فعليه وان كان يثمر أيضا في تطبيق كبرى الأثر على المورد فيجوز الدخول معه في الصلاة ولكن لايلزمه حينئذ نفى وجوب الإعادة والاجزاء عند انكشاف الخلاف بل مقتضي دليل شرطية الحلية الواقعية انما هو عدم الاجزاء وجوب الإعادة والقضاء عند تبين الخلاف وانكشاف كونه غير حلال الاكل ، من جهة انه من حين انكشاف الخلاف يرتفع التعبد المزبور فيقتضي قضية الشرطية الواقعية من ذاك الحين وجوب الإعادة ، كما هو واضح. هذا كله حسب مقام التصور.

وأما بحسب مقامين التصديق فلاينبغي الارتياب في أن المتعين من الوجوه المزبورة هو الوجه الأخير ، فان دعوى كون القاعدة مسوقة لا ثبات الحقيقية الظاهرية للشيء المشكوك الحكم بعيدة غايته لاستلزامه عدم جواز تطبيق كبرى الأثر على الموارد المشكوكة الا بالالتزام بترتب كبرى الأثر في الخطاب الواقعي في نحو قوله : يجوز الصلاة فيما

٢٥٢

يحل اكله ، على الأعم من الحلال الواقعي والظاهري ، وهو كما ترى خلاف ظاهر الخطاب ، من جهة وضوح ظهورها في خصوص الحلال الواقعي دون الأعم ، كما هو واضح. كما أن مثلها في البعد أيضا دعوى كونها مسوقة للتوسعة الحقيقية في دليل كبرى الأثر ، إذ نقول حينئذ : بأنه على ذلك وإن لم يلزم رفع اليد عن ظهور الأدلة المتكلفة لكبري الأثر ، ولكنه أيضا خلاف الظاهر جدا ، فان القدر الذي يقتضيه هذا اللسان في القاعدة من التنزيل المزبور انما هو مجرد التعبد بالبناء على وجود الشرط وتحققه وكون المشكوك حلالا واقعيا ، واما اقتضائه للتوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر فلا ، وعليه كما عرفت كان مقتضي القاعدة هو وجوب الإعادة وعدم الاجزاء ، من جهة اقتضاء دليل الشرطية الواقعية حينئذ بعد تبين الخلاف وارتفاع التعبد المزبور وجوب الإعادة. هذا كله في تطبيق دليل الحلية على شرط المأمور به.

واما تطبيقها على نفس ترك الجزء أو الشرط المشكوك الجزئية أو الشرطية فتقريبه انما هو باعتبار تأدية ترك المشكوك على تقدير اعتباره إلى ترك المركب ، حيث إنه حينئذ يشك في حرمة ترك المركب من جهة ترك المشكوك الجزئية والشرطية ، فيقال بمقتضي القاعدة بحليته ويستفاد منها بنحو الان أيضا كون المأمور به عبارة عن ما عدا الجزء المشكوك الجزئية فيترتب عليها جواز الاقتصار على ما عدا الجزء أو الشرط المشكوك الجزئية والشرطية ، هذا. ولكن فيه أيضا ان مجرد تكفل القاعدة لحلية ترك الكل والمركب من جهة ترك مشكوك الجزئية والشرطية ظاهرا لايقتضي نفى الجزئية الواقعية حتى يترتب عليه تحديد المأمور به بالبقية ، وعلى فرض اقتضائها لذلك لايكاد يترتب عليه تحديد دائرة الوجوب بما عدا المشكوك الجزئية ، إذ تعلق الوجوب حينئذ بالبقية ليس من الآثار الشرعية لعدم جزئية المشكوك فيه بل هو من اللوازم العقلية لعدم مدخلية الجزء المشكوك في المركب ، فان من لازمه العقلي حينئذ محدودية دائرة الوجوب بحد أقل ، فحينئذ اثبات الوجوب للبقية بمقتضي القاعدة المزبورة لا يخلو عن مثبت واضح. هذا كله في قاعدة الحلية.

واما قاعدة الطهارة فيأتي فيها أيضا المحتملات المتصورة في قاعدة الحلية وتقريب الاجزاء فيها أيضا بأحد الامرين : اما بدعوى ترتب الأثر في كبرى الخطاب الواقعي على مطلق الطهارة أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية مع الالتزام بأن مفاد

٢٥٣

قاعدة الطهارة اثبات الطهارة الظاهرية الحقيقية ، أو بدعوى كون مفاد القاعدة مع كونها بلسان التنزيل لا بلسان جعل الطهارة الظاهرية هو اثبات التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر بما يعم الطهارة التعبدية التنزيلية أيضا مع الالتزام بظهور الأدلة في خصوص الطهارة الواقعية ، فإنه على هذين التقريبين لا محالة يلزمها الاجزاء وعدم وجوب الإعادة من جهة واجدية المأمور به حينئذ لما هو مصداق الشرط حقيقة ، والا فبناء على فرض اختصاص دليل كبرى الأثر بخصوص الطهارة الواقعية وعدم تكفل القاعدة أيضا أزيد من التعبد بثبوت الطهارة الواقعية في المورد والمعاملة مع المشكوك معاملة الطهارة الواقعية فلا مجال لتوهم الاجزاء فيها بوجه من الوجوه ، من جهة انه بانكشاف الخلاف يرتفع التعبد المزبور من حينه فبقى دليل اشتراط الطهارة الواقعية حينئذ على حاله فيقتضي وجوب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه.

ولقد عرفت ان التحقيق حينئذ من الوجوه المزبورة هو الوجه الأخير من كون القاعدة ممحضة لمحض اثبات الطهارة تعبدا وتنزيلا بلحاظ المعاملة مع المشكوك معاملة الواقع بلا اقتضائها لا ثبات التوسعة الحقيقية في دائرة كبرى الأثر ولا لا ثبات جعل الطهارة الظاهرية للمشكوك كي يحتاج في صحة التطبيق على شرط المأمور به إلى التصرف في دليل كبرى الأثر بارتكاب خلاف الظاهر فيه ، وذلك لما عرفت آنفا من بعد هذين غاية البعد خصوصا مع استلزامهما لبعض التوالي الفاسدة التي لايمكن الالتزام به من نحو لزوم القول بطهارة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة والنجاسة حتى بعد انكشاف الخلاف وتبين نجاسة الماء ، وذلك انما هو من جهة انغسال الثوب حينئذ بماء طاهر حقيقي بمقتضى القاعدة وعدم ورود نجاسة عليه بعد ذلك فكان انكشاف الخلاف على هذين المسلكين من قبيل ما لو ورد نجاسة على الماء بعد غسل الثوب به ، فكما ان ورود النجاسة على الماء لايوجب نجاسة الثوب المغسول به في الزمان السابق كذلك انكشاف الخلاف ، فإذا كان الماء بمقتضى القاعدة محكوما بالطهارة الحقيقية وغسل به الثوب المزبور في حال محكوميته بالطهارة يلزمه لا محالة طهارة الثوب بمقتضي ما دل على : ان الثوب النجس إذا غسل بماء طاهر يطهر ، ولازمه عدم مؤثرية انكشاف الخلاف البعدى في زوال الحكم بالطهارة في طرف الثوب ، فيلزمه حينئذ جواز لبسه في الصلاة بعد ذلك على هذين المسلكين وكذا الكلام فيما لو توضأ من الماء المزبور في زمان محكوميته بالطهارة ، فإنه

٢٥٤

على المسلكين المزبورين يلزم القول بجواز الدخول في الصلاة مع ذلك الوضوء حتى بعد انكشاف نجاسة الماء ، وكذا نظائر ذلك ، مع أن ذلك كما ترى لايمكن الالتزام به لاستلزامه تأسيس فقه جديد. وحينئذ كان مثل هذه التوالي الفاسدة مما يكشف بها كشفا قطعيا عن بطلان الوجهين الأولين ومعه يتعين الوجه الأخير ، فإنه على هذا المسلك لايكاد يتوجه شيء من تلك المحاذير ، لان الماء المزبور على هذا المسلك انما كان محكوما بالطهارة تعبدا وتنزيلا ، وحينئذ فبانكشاف الخلاف يرتفع التعبد بالطهارة من حينه وبعد ارتفاعه يبقى دليل شرطية الطهارة الواقعية على حاله ، فيقتضي هذا الدليل بطلان الوضوء المزبور وعدم طهارة الثوب المزبور ، كما يقتضي أيضا وجوب إعادة الصلاة المأتية بذلك الوضوء وفي ذلك الثوب.

هذا كله مضافا إلى ما يرد على الوجه الأول أيضا إذ نقول فيه مضافا إلى ما فيه من مخالفته لظاهر الأدلة من الاختصاص بالطهارة الواقعية انه من المستحيل أيضا إرادة الطهارة الواقعية والظاهرية من لفظ واحد في نحو قوله : كل ثوب غسل بماء طاهر فقد طهر ووجهه يظهر بعد ملاحظة طولية المحكيين وهما الحكمان في كون أحدهما في رتبة متأخرة عن الشك بالآخر الموجب لعدم امكان اجتماعهما في لحاظ واحد وامتناع حكاية قوله ( طاهر ) عنهما ، إذ حينئذ في حكايته عن الطهارة الواقعية لم يلحظ الا نفس الحكم الواقعي بخلافه في حكايته عن الطهارة الظاهرية فإنها باعتبار كونها في رتبة متأخرة عن الشك بالواقع يحتاج إلى لحاظ الواقع ولحاظ الشك به أيضا وهو كما ترى ولعل ذلك هو السر أيضا في عدم ذهابهم إلى استفادة التعميم من الأدلة المتكلفة لكبري الأثر كما لايخفى.

بقى أمور لم يتعرض لها الأستاذ دام ظله

الأول : لا اشكال في عدم جريان هذا النزاع في موارد القطع بالامر مع انكشاف الخلاف بعده ، ووجهه واضح ، من جهة أنه حينئذ لا امر شرعي في البين حتى يجرى فيه النزاع المزبور ، بل وانما هو امر زعمي تخيلي من المكلف ومعه كان الامر الواقعي باقيا على حاله بلا موافقة فيجب الإعادة حينئذ إطاعة للامر الواقعي. نعم لو كان القطع مأخوذا شرعا بنحو الموضوعية كما في ذوي الأعذار بناء على جواز البدار لهم بمجرد القطع ببقاء العذر إلى آخر الوقت يدخل في محل البحث فيجري فيه النزاع المزبور من حيث الاجزاء وعدمه بعد انكشاف الخلاف.

٢٥٥

الثاني : ان انكشاف الخلاف قد يكون بالقطع وأخرى بأمارة ظنية معتبرة وعلى التقديرين : تارة يقطع أو ظن بالخطأ في اجتهاده الأول وأخرى يقطع أو يظن بخطأ الامارة عن الواقع لا في اجتهاده ، والأول كما لو قام عنده امارة على عدم وجوب السورة مثلا فبان بعد ذلك عدم جامعية الامارة المزبورة لشرائط الحجية ، والثاني كما لو قطع بخطأ الامارة عن الواقع أو ظن بذلك مع القطع في الحال بكونها واجدة لشرائط الحجية وبعد ذلك نقول :

اما في فرض كشف الخطأ في اجتهاده فسواء كان ذلك بالقطع أو بالظن المعتبر فلاينبغي الاشكال في أن لازمه هو عدم الاجزاء بل لا مجال لتوهمه خصوصا في فرض كشف الخلاف بالقطع ، من جهة كشفه حينئذ عن عدم امر ظاهري في البين ، لان الامارة الغير الجامعة لشرائط الحجية وجودها كعدمها ، فلابد حينئذ من الإعادة ، هو واضح.

واما في الصورة الثانية من فرض الكشف عن خطأ الامارة عن الواقع ، فان كان كشف الخلاف قطعيا فالاجزاء أو عدمه مبني على ما تقدم من حجية الامارة على الكشف والطريقية أو على نحو السببية والموضوعية ، واما ان كان كشف الخلاف أيضا ظنيا من جهة قيام أمارة ظنية أخرى على خلاف الامارة الأولى ففي هذا الفرض تارة يكون في البين ما يوجب ترجيح الامارة الثانية بحسب السند أو الدلالة من نحو موافقة الكتاب ومخالفة العامة ونحوهما من المرجحات ، وأخرى لايكون في البين ما يوجب ترجيحها عليها لا بحسب السند ولا بحسب الدلالة بل كانتا متساويتين من تمام الجهات ، فعلى الأول حكمه حكم صورة انكشاف الخلاف بالقطع فيبتني على ما تقدم من الموضوعية أو الطريقية في الامارات ، وعلى الثاني ينتهي الامر إلى التخيير في الاخذ بين الخبرين ، فان اخذ بالامارة الأولى فلا اشكال ، وان اخذ بالامارة الثانية فلابد من إعادة الأعمال الواقعية على طبق الامارة الأولى على الطريقية كما هو المختار ، من جهة انه بالأخذ بالامارة الثانية يصير مدلولها حجة عليه وحيث إن مفادها عبارة عن وجوب السورة مثلايجب عليه إعادة ما صلى من الصلوات بدونها ، وهذا واضح. نعم على الموضوعية لايجب عليه الإعادة على التفصيل المتقدم سابقا.

الثالث : قد تبين مما قدمناه في الاجزاء في الامارات أنه لا تلازم بين القول بالاجزاء وبين القول بالتصويب الباطل وانه يمكن القول بالاجزاء فيها ولو على الموضوعية و

٢٥٦

السببية من دون استلزامه للقول بالتصويب كما في الاجزاء بمناط المفوتية أو الوفاء بتمام الغرض ، ضرورة ان الاجزاء بأحد المناطين المزبورين غير ملازم للقول بالتصويب المحال ، فان التصويب الباطل انما هو الذي يدور التكليف معه مدار قيام الامارة أو الذي يوجب قيام الامارة انقلاب الواقع عما هو عليه حتى بمرتبة اقتضائه إلى التكليف بالمؤدى ، ومثل هذا المعنى كما عرفت غير ملازم مع القول بالاجزاء ، كما لايخفى.

هذا تمام الكلام في الأصول والامارات.

٢٥٧

المبحث الرابع : في مقدمة الواجب

قد وقع الكلام بين الاعلام في أن ايجاب الشيء يقتضي ايجاب مقدماته أم لا وذلك بعد الفراغ عن وجوبها عقلا بمناط اللابدية ، فمحل الكلام انما هو وجوبها شرعا بالوجوب الغيري نظراً إلى دعوى الملازمة بين إرادة الشيء وإرادة مقدماته ، واما وجوبها بالوجوب الشرعي النفسي فهو أيضا مما لو يتوهمه أحد كالوجوب الشرعي الطريقي وكيف كان فتحقيق المرام في المقام يحتاج إلى بيان أمور :

الامر الأول :

قد عرفت أن مورد الكلام في المقام بين الاعلام انما هو وجوب المقدمة بالوجوب الشرعي الغيري ، لا مطلق وجوبها ولو عقليا بمناط اللابدية ، ولا وجوبها الشرعي النفسي أو الطريقي ، من جهة ان الأول منها كما عرفت مورد اطباق الفريقين والأخيرين أيضا مورد اطباقهم بالعدم خصوصا الأخير منها وهو الطريقي باعتبار عدم تصور الوجوب الطريقي بالنسبة إلى المقدمة ، فمرجع هذا البحث في الحقيقة عندهم إلى البحث عن الملازمة بين إرادة الشيء وإرادة مقدماته. ومن ذلك أيضا لايختص هذا النزاع بخصوص مقدمة الواجب بل يجري في مقدمة الحرام والمكروه والمستحب كما هو واضح. كما أن الظاهر هو عدم اختصاص النزاع بخصوص المقدمات التبعية غير الواقعة تحت الخطاب المستقل كما لعله يظهر من بعضهم حسب جعلهم مورد النزاع الوجوب التبعي الغيري الشرعي بل يعم البحث هذه وما وقع منها مورد الامر في حيز خطاب مستقل كالوضوء والغسل ونحوهما

٢٥٨

لان مجرد وقوعها تحت خطاب اصلى مستقل لايقتضي وجوبها شرعا بالوجوب الغيري لامكان كون الامر بها في تلك الخطابات ارشاديا إلى وجوبها العقلي بمناط اللابدية ، فتأمل.

الامر الثاني :

هل المسألة من المسائل الفرعية ، أو هي من المسائل الأصولية العقلية ، أو من المبادي الاحكامية الراجعة إلى البحث عن لوازم وجوب الشيء ، أو من المسائل الكلامية باعتبار رجوعها إلى البحث عن استحقاق المثوبة على الموافقة والعقوبة على المخالفة؟ فيه وجوه أبعدها الأخير من جهة وضوح أن المقدمة على القول بوجوبها ليست مما يترتب عليها المثوبة والعقوبة عند الموافقة والمخالفة فان المثوبة والعقوبة كانتا من تبعات موافقة الواجب النفسي ومخالفته لا من تبعات مطلق الواجب ولو غيريا ، وما يرى من استحقاق العقوبة عند ترك المقدمة فإنما هو من جهة تأدية تركها إلى ترك ذيها الذي هو الواجب النفسي لا من جهة انما مما يقتضي مخالفتها في نفسها مع قطع النظر عن ترتب ترك ذيها استحقاق العقوبة عليها ، كما لايخفى. ومعه لا مجال لعد المسألة من المسائل الكلامية ، وحينئذ يدور الامر بين كونها من المسائل الفرعية أو من المسائل الأصولية أو المبادي الاحكامية.

نعم قد يقال حينئذ بتعين كونها من المسائل الفرعية نظراً إلى ظاهر عنوان البحث وكون المقدمة أيضا فعلا من أفعال المكلف ، فيكون البحث عن وجوبها حينئذ كالبحث عن حكم سائر أفعال المكلف في كونه فرعيا محضا لا أصوليا ، وعليه فكان ذكرها في المقام حينئذ لمحض الاستطراد.

ولكن فيه أن عنوان البحث وان كان هو البحث عن وجوب المقدمة وعدم وجوبها ولكن المهم المبحوث عنه كما عرفت لما كان ثبوت الملازمة بين حكم شيء بواحد من الأحكام الأربعة وبين حكم مقدماته بلا نظر إلى خصوص الوجوب ، فلا جرم لا تكون من المسائل الفرعية غير المناسبة لتعرض الأصولي إياها في الأصول ، بل عليه تكون المسألة أصولية محضة ، إذ البحث عن الملازمة حينئذ كالبحث عن سائر الأحكام العقلية غير المستقلة فلا ترتبط حينئذ بالمسألة الفرعية.

ومع الغض عن ذلك والاخذ بظاهر عنوان البحث نقول بعدم ارتباطها أيضا بالمسألة الفرعية لان الملاك في المسألة الفرعية ، على ما يقتضيه الاستقراء في مواردها انما هو

٢٥٩

وحدة الملاك والحكم والموضوع ، فكان المحمول فيها دائما حكما شخصيا متعلقا بموضوع وحداني بملاك خاص كما في مثل الصلاة واجبة في قبال الصوم واجب والحج واجب ، ومثل هذا الملاك غير موجود في المقام فلايكون تعلق الوجوب بعنوان المقدمة من باب تعلق شخص حكم بموضوع وحداني بمناط وحداني خاص ، بل بعد أن كان عنوان المقدمية من الجهات التعليلية لا التقييدية لا جرم الحكم المحمول على العنوان المزبور يكون حاكيا عن وجوبات متعددة مختلفة شدة وضعفا بموضوعات عديدة بملاكات متعددة ، فكان حال المقدمة حينئذ بعد كون وجوبها بمناط دخلها في ذيها حال كل واجب يترشح إليه الوجوب من جهة دخله في ترتب المصلحة الخاصة عليه ، فيختلف الوجوب فيها حينئذ حقيقة وملاكا باختلاف ما يترتب على المقدمات نظير اختلاف الوجوبات باختلاف المصالح المترتبة عليها ، وعليه فلايكون هذا العنوان في المقام حاكيا عن محمول واحد متعلق بموضوع واحد بملاك واحد كما في الصلاة واجبة ، والصوم واجب بل هو يكون حاكيا ومرآة موضوعا ومحمولا عن موضوعات متعددة محكومة بأحكام متعددة بمناطات مختلفة ، ومن المعلوم حينئذ أنه لايكون في البين حينئذ جهة وحدة في البحث المزبور الا حيثية الملازمة التي عرفت كونها محط النظر والبحث ، وعليه لايكاد ارتباطها بالمسألة الفرعية بوجه أصلا ، مضافا إلى ما عرفت أيضا من عدم اختصاص مورد البحث بخصوص مقدمة الواجب بل عمومه في مقدمات الحرام والمكروه والمستحب أيضا مع مالها من الاختلاف بحسب المراتب والمناط ، فكان المقام من هذه الجهة من قبيل البحث عن أن فعل المكلف هل يكون محكوما بالأحكام الخمسة أم لا ومعلوم حينئذ عدم ارتباطها بالمسألة الفرعية ، كما هو واضح.

على أنه ينطبق عليه أيضا ميزان المسألة الأصولية ، فان ميزان كون المسألة أصولية كما أفادوه هو ما يكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الحكم الفرعي على معنى وقوع نتيجتها كبرى في القياس لصغرى يقيد الحكم الفرعي ، ومثل هذا الميزان ينطبق على المسألة كما في قولك : ( هذه مقدمة الواجب وكل مقدمة الواجب واجبة فهذه واجبة ) كما ينطبق في فرض جعل النزاع في ثبوت الملازمة ، غايته انه على ذلك يحتاج إلى تشكيل قياسين في انتاج الحكم الفرعي ، بخلافه على ظاهر عنوان البحث ، فإنه لايحتاج الا إلى تشكيل قياس واحد. واما توهم انتقاضه بمثل الشرط المخالف للكتاب والسنة لوقوع نتيجتها أيضا كبرى

٢٦٠