نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

كان يحكم العقل أيضا بوجوب المبادرة والاستعجال باتيان الواجب في أول وقته وأول أزمنة تمكنه منه. واما مع الظن غير الاطميناني أو الشك فالظاهر هو جواز التأخير للاستصحاب فتدبر. هذا كله فيما يتعلق بمسألة الفور والتراخي ، ولكن الأستاذ دام ظله لم يتعرض لهذا الفرع الأخير فافهم.

٢٢١

المبحث الثالث : في الاجزاء

قد وقع الخلاف والكلام بين الأصحاب في اقتضاء الاتيان بالمأمور به على وجهه للاجزاء وعدمه. وقبل الخوض في المرام ، ينبغي تمهيد مقدمة لبيان عناوين الألفاظ الواقعة في حيز البحث.

فنقول : ان من العناوين الواقعة في حيز موضوع البحث كلمة ( على وجهه ) والظاهر أن المراد منها كما قربة في الكفاية هو النهج الذي ينبغي ان يؤتى المأمور به على ذلك النهج شرعا وعقلا كقصد الامتثال مثلا ، لا الاتيان بالمأمور به على وجه وجوبه أو استحبابه وكونه متميزا عن غيره كما يدعيه القائل بوجوب قصد الوجه والتميز كما يشهد لذلك تعرضهم طرا لهذا البحث بهذه العناوين المزبورة مع ذهاب كثير منهم بل أكثرهم على عدم اعتبار قصد الوجه والتميز في المأمور به لا شرعا ولا عقلا ولا الكيفية الخاصة المعتبرة في المأمور به شرعا مثل عنوان الظهرية والعصرية ونحوهما من العناوين الخاصة التي بها صار المأمور به متعلقا للامر والطلب ، كيف وانه مضافا إلى بعد ذلك في نفسه يلزمه لغوية القيد المزبور إذ عليه كان في ذكر المأمور به غنى وكفاية عن ذكر كلمة ( على وجهه ) نظراً إلى عدم خلو المأمور به عن مثل هذه الكيفيات فيكون القيد المزبور حينئذ توضيحيا محضا. وحينئذ فيتعين ما ذكرناه من كون المراد منها النهج الذي ينبغي ان يؤتى المأمور به على ذلك النهج شرعا وعقلا كقصد التقرب والامتثال ، وعليه يكون القيد المزبور احترازيا لا توضيحيا ، لكن ذلك أيضا بناء على تجريد متعلق الامر في العبادات عن قصد التقرب وجعله من الكيفيات المعتبرة في المأمور به عقلا لا شرعا كما هو مسلك

٢٢٢

الكفاية ، والا فبناء على القول باعتباره في المأمور به شرعا يكون توضيحيا محضا ، كما أنه كذلك أيضا بناء على جعل المأمور به عبارة عن الحصة الملازمة مع قصد التقرب الناشي عن دعوة الامر بنحو القضية الحينية لا التقييدية بالتقرب الذي ذكرناه في مبحث التعبدي والتوصلي من عدم انفكاك المأمور به بما هو مأمور به عن قصد دعوة الامر حتى في التوصليات ، إذ عليه أيضا يكون كلمة ( على وجهه ) لمحض التوضيح ، لأنه بعد عدم اتصاف الذات غير المقرونة بقصد التقرب بكونها مأمورا بها يكون في ذكر كلمة المأمور به غنى وكفاية عن ذكر كلمة ( على وجهه ) كما هو واضح.

ومن العناوين كلمة ( الاجزاء ) والظاهر أن المراد منه انما هو معناه اللغوي أعني الكفاية كما في الكفاية وان اختلف ما يكفي عنه من حيث سقوط التعبد به ثانيا تارة ، وسقوط القضاء أخرى فالمراد منه انما هو كفاية الاتيان بالمأمور به على وجهه في عدم التعبد باتيانه ثانيا في الوقت أو في خارجه ، كان قضية عدم التعبد به بنحو العزيمة أو بنحو الرخصة.

ومن العناوين كلمة ( الاقتضاء ) والظاهر أن المراد منها أيضا هو الاقتضاء بحو العلية والتأثير بحسب مقام الثبوت لا الاقتضاء بنحو الكشف والدلالة بحسب مقام الاثبات ، ومن ذلك أيضا نسب الاجزاء في عنوان البحث إلى الاتيان دون مدلول الصيغة. نعم في الاجزاء بالنسبة إلى المأمور به بالامر الاضطراري والظاهري يمكن ان يقال : بان الاقتضاء فيهما هو الاقتضاء بنحو الكشف والدلالة ، نظراً إلى رجوع جهة البحث حينئذ إلى مدلول الصيغة من جهة الدلالة على وفاء المأتى به الاضطراري بمصلحة المأمور به الاختياري.

وعلى كل حال فلايرتبط هذا البحث بالبحث المتقدم من دلالة الصيغة على المرة أو التكرار كما توهم بخيال ان القول بعدم الاجزاء هو عين القول بالتكرار في المسألة السابقة كعينية القول بالاجزاء مع القول بالمرة ، إذ نقول : بان البحث في المسألة المتقدمة انما هو في تعين ما هو المأمور به بأنه هل هو مجرد الطبيعة؟ أو المرة بمعنى الفرد أو الدفعة؟ أو التكرار بمعنى الموجودات أو الدفعات؟ بخلافه في المقام فان البحث فيه انما هو في ذاك المأمور به المتعين هناك بان الاتيان به على وجهه يجزي عن التعبد به ثانيا أم لا ومعه لايرتبط إحدى المسئلتين بالأخرى كما هو واضح ، خصوصا إذا جعلنا الاقتضاء في المقام بمعنى العلية والتأثير لسقوط الامر ثبوتا إذ عليه يكون الفرق بين المقامين أوضح ، نظراً إلى رجوع

٢٢٣

البحث في تلك المسألة إلى دلالة الصيغة على المرة أو التكرار ، ورجوعه في المقام إلى اقتضاء الاتيان بالمأمور به ثبوتا لسقوط الامر.

ومما ذكرنا ظهر أيضا جهة الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة تبعية القضاء للأداء وعدم ارتباط إحديهما بالأخرى ، كما توهم أيضا بخيال أن التعبية بعينها عبارة عن القول بعدم الاجزاء كعينية القول بالاجزاء مع القول بكونه بأمر جديد ، وتوضيح الفرق هو ان البحث هو تلك المسألة انما هو في مورد عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه اما لعدم الاتيان به رأسا أو الاتيان به على غير وجهه المعتبر فيه شرعا ، بخلاف المقام فان البحث فيه انما هو في مورد الاتيان بالمأمور به على وجهه ، فهما متقابلان حينئذ كما هو واضح.

وإذ تمهدت هذه الجهة فلنرجع إلى هو المهم والمقصود فنقول : ان الكلام في الاجزاء وعدمه يقع تارة في اجزاء الاتيان بالمأمور به الواقعي الاختياري عن الاتيان به ثانيا وكذا الاتيان بالمأمور به الاضطراري والمأمور به بالامر الظاهري عن مثله ، وأخرى في اجزاء الاتيان بالمأمور به الاضطراري عن المأمور به الاختياري في عدم التعبد به بعد رفع الاضطرار ، وثالثة في اجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري عن المأمور به بالامر الواقعي في سقوط التعبد به بعد انكشاف الخلاف ، فهنا مقامات ثلاثة وينبغي اشباع الكلام في كل واحد من المقامات المزبورة ، فنقول :

اما المقام الأول فيقع الكلام فيه في اجزاء الاتيان بالمأمور به الواقعي الاختياري عن التعبد به ثانيا ، فنقول لاينبغي الاشكال في أن الاتيان بالمأمور به الواقعي بجميع ما اعتبر فيه شرعا وعقلا كان موجبا لسقوط الامر عن الطبيعة المأمور بها ومجزيا عن التعبد به ثانيا من جهة انه بمجرد الاتيان بالطبيعي في الخارج في فرض مطلوبية صرف الوجود لا الوجود الساري يتحقق الامتثال وينطبق عليه عنوان الإطاعة ومعه يسقط الامر والتكليف عنه لا محالة ولايبقي مقتض للاتيان به ثانيا بوجه أصلا ، كما لايخفى. هذا إذا كان قضية الاتيان بالمأمور به في الخارج علة تامة لحصول الغرض الداعي على الامر به ولقد عرفت ان الاجزاء في مثله عقلي محض لاستقلال العقل حينئذ بسقوط الغرض وسقوط الامر بسقوطه بمجرد الموافقة وإيجاد المأمور به ، واما لو لم يكن مجرد الاتيان بالمأمور به علة تامة لحصول الغرض وتحققه بل كان لاختيار المولى أيضا دخل في حصول غرضه كما نظيره في العرفيات في مثل أمر المولى عبده باتيان الماء واحضاره عنده لأجل الغرض

٢٢٤

الذي هو رفع عطشه بشر به إياه حيث إنه في مثل هذا الفرض لايكون مجرد الاتيان بالماء واحضاره عند المولى علة لحصول غرضه الذي هو رفع عطشه بل كان لاختيار المولى وارادته إياه للشرب أيضا دخل في تحققه لكونه هو الجزء الأخير من العلة لحصول غرضه الذي هو رفع عطشه ، ففي مثل حيثما كان الإرادة المتعلقة بايجاد الماء بحسب اللب إرادة غيرية وتكون الإرادة النفسية لبا هي المتعلقة بحيث رفع العطش ، فلا جرم يبتنى جواز الاتيان بالمأمور به ثانيا وعدم جوازه على القولين في باب مقدمة الواجب : بان الواجب هل هو مطلق المقدمة ولو لم توصل أو ان الواجب هو خصوص الموصلة منها؟ فعلى القول بوجوب مطلق المقدمة يكون حال هذا الغرض حال الفرض السابق من علية الاتيان بالمأمور به لسقوط الامر وحصول الغرض ، فكما انه في ذلك الفرض باتيان المأمور به يسقط الامر والتكليف ولايجب على المكلف بل لايجوز عليه الاتيان به ثانيا بعنوان امتثال الامر بالطبيعة ، كذلك في هذا الفرض فباتيان المأمور به في هذا الفرض أيضا يسقط الامر به فلايجوز له الاتيان به ثانيا بعنوان امتثال الامر الأول فضلا عن وجوبه. واما على القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة لا مطلقها فلازمه هو جواز الاتيان بالمأمور به ثانيا بعنوان امتثال الامر بالطبيعة مع عدم اختيار المولى إياه ، إذ ما دام عدم اختيار المولى للمأتي به الأول حيثما كان الغرض الداعي على الامر بعد بحاله كان الامر بالايجاد والآتيان أيضا على حاله من الفعلية ، غايته ان ليس له الفاعلية والمحركية بعد الاتيان بالمأمور به أولا بملاحظة صلاحية المأتي به للوفاء بالغرض لا انه يسقط رأسا بمجرد الاتيان بالمأمور به ، ونتيجة ذلك التفكيك بين فعلية الامر وفاعليته هو جواز الاتيان بالمأمور به ثانيا ما دام بقاء الماتى به الأول على صلاحيته للوفاء بغرض المولى ووجوب الاتيان به في فرض خروجه عن القابلية المسطورة كما في المثال من فرض إراقة الماء المأتى به لغرض الشرب قبل اختيار المولى إياه إذ حينئذ ربما يجب على العبد والمأمور مع علمه بذلك الاتيان بفرد آخر من الطبيعي المأمور به كما لايخفى ، ونتيجة ذلك في فرض تعدد الاتيان بالمأمور به هو وقوع الامتثال بخصوص ما اختاره المولى منهما لا بهما معا وصيرورة الفرد الآخر غير المختار لغوا محضا لا انه يتحقق به الامتثال أيضا كي يكون قضية الاتيان بالمأمور به متعددا من باب الامتثال عقيب الامتثال ، فعلى ذلك فما وقع في كلماتهم من التعبير عن المأتى به ثانيا بكونه من الامتثال بعد الامتثال لا يخلو عن تسامح واضح كما هو واضح ، لأنه على كل

٢٢٥

تقدير لايكاد يكون قضية الاتيان بثاني الوجود حقيقة من باب الامتثال بعد الامتثال.

ثم إن ما ذكرناه من التشقيق بين كون الاتيان بالمأمور به تارة علة لحصول الغرض وأخرى مقتضيا لذلك على معنى مدخلية اختيار المولى إياه في تحقق غرضه انما هو بحسب مقام الثبوت. واما بحسب مقام الاثبات فربما أمكن دعوى ظهور الأدلة في علية الاتيان بالمأمور به لحصول الغرض وسقوط الامر نظراً إلى تحقق الامتثال بمحض ايجاد المأمور به في الخارج ، وعليه فلا مجال للاتيان بالمأمور به ثانيا بعنوان إطاعة الامر الأول الا إذا قام دليل بالخصوص على جوازه ومشروعيته ، كما في باب إعادة من صلى فرادى جماعة حيث ورد الامر فيه بالخصوص على إعادة الصلاة جماعة معللا فيه بان الله يختار أحبهما فيستكشف منه حينئذ عدم كون مجرد الاتيان بالمأمور به علة لحصول الغرض بل وان لاختيار المولى أيضا دخلا في حصول غرضه ، كما نظيره في مثال الامر بالماء لأجل غرض رفع العطش ، اللهم الا ان يقال : بان الامر بإعادة من صلى منفردا جماعة انما هو لأجل تحصيل المصلحة القائمة بخصوصية الجماعة حيث إنه لما كان لايمكن استيفاء تلك المصلحة الا بإعادة الصلاة امر جديدا استحبابا بإعادة أصل الصلاة على الكيفية الخاصة ، وعليه فلا مجال لاستكشاف عدم علية مجرد الاتيان بالمأمور به لحصول الغرض الداعي على الامر به ومدخلية اختيار المولى أيضا في ذلك ، ولكن مثل هذا المعنى ينافيه قضية التعليل الوارد في الخبر ( بان الله سبحانه يختار أحبهما إليه ) فان مقتضي التعليل المزبور هو مدخلية اختيار المولى أيضا في حصول غرضه ومرامه ولازمه وقوع الامتثال بخصوص ما اختاره المولى وأحبه منهما وصيرورة الآخر لغوا محضا فتدبر.

وعلى ذلك أيضا يمكن ان يحمل عليه كلام الجبائي من مصيره إلى عدم الاجزاء ، وذلك بارجاع كلامه إلى عدم الاجزاء بالمعنى الذي ذكرناه امكانا ، نظراً إلى احتمال عدم كون المأتى به علة تامة لحصول الغرض وسقوط الامر بشهادة التعليل الوارد في الامر بإعادة من صلى فرادى جماعة ، وعلى كل فهذا كله فيما يتعلق بالمقام الأول.

وأما المقام الثاني فيقع البحث فيه في اجزاء المأتى به الاضطراري عن المأمور به الواقعي الاختياري ، على معنى عدم وجوب الإعادة بعد طرو الاختيار في الوقت وعدم وجوب القضاء في خارج الوقت ، في قبال عدم اجزائه ولزوم الاتيان بالمأمور به الاختياري بعد طرو الاختيار إعادة في الوقت وقضاء في خارجه ، فنقول :

٢٢٦

ان الكلام في هذا المقام تارة يكون بالنسبة إلى الإعادة في الوقت فيما لو طرء الاختيار قبل انقضاء الوقت وأخرى بالنسبة إلى القضاء في خارج الوقت.

اما الأول فتنقيح الكلام فيه يحتاج إلى بيان ما يمكن أن يقع عليه الفعل الاضطراري ثبوتا أولا ثم في تعيين ما وقع عليه اثباتا ، فنقول : اما الأول فالامر فيه كما افاده في الكفاية : من أن الفعل الاضطراري تارة يكون وافيا بتمام مراتب المصلحة التي تكون في الفعل الاختياري وأخرى لايكون كذلك بل يبقى مقدار من المصلحة والغرض ، وعلى الثاني فتارة يكون المقدار الباقي مما يمكن استيفائه وأخرى لايمكن استيفائه مع استيفاء مرتبة منها بالفعل الاضطراري ، وعلى الأول من فرض قابلية المقدار الباقي للاستيفاء فتارة يكون مما يجب استيفائه باعتبار كونه لازم التحصيل في نفسه وأخرى لايجب استيفائه بل يستحب. فهذه الشقوق المتصورة فيما يمكن ان يقع عليه الفعل الاضطراري.

وربما يختلف هذه الشقوق بحسب اللوازم من حيث الاجزاء وعدمه ، فان من لوازم الشق الأول الاجزاء وعدم وجوب الإعادة نظراً إلى سقوط الامر حينئذ بسقوط الغرض الداعي عليه ولو مع كون الاضطرار ناشئا عن سوء اختيار المكلف فان لازم وفائه بتمام الغرض والمصلحة هو قيام الغرض والجامع بين الفعل الاختياري والاضطراري كما في الواجب المخير غايته ان ظرف أحد الفردين هو ظرف عدم التمكن من الفرد الآخر ، ولازم ذلك هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة عقلا بملاحظة سقوط الامر بسقوط أصل الغرض والمصلحة : واما جواز البدار في هذا الفرض ولو مع القطع بطرو الاختيار بعد ساعة فيبنى على أن الاضطرار الموضوع لهذا الحكم هو مطلق الاضطرار أو هو الاضطرار الباقي إلى آخر الوقت فعلى الأول يجوز له البدار وباتيانه للفعل الاضطراري يسقط الامر والتكليف ولايجب عليه الاتيان بالفعل الاختياري بعد رفع الاضطرار وعلى الثاني لايجوز له البدار لعدم الموضوع حينئذ للفعل الاضطراري.

كما أن من لوازم الشق الثالث أيضا الاجزاء وعدم وجوب الإعادة بلحاظ عدم التمكن حينئذ من استيفاء المقدار الباقي من المصلحة مع استيفاء مرتبة منها بالفعل الاضطراري ، نعم في هذا الفرض ربما يلزم عدم جواز البدار مع العلم بطرو الاختيار فيما بعد ، من جهة ما يلزمه حينئذ من تفويت مقدار من المصلحة الملزمة بلا وجه يقتضيه ، نعم

٢٢٧

مع العلم ببقاء الاضطرار أو الاطمينان بذلك يجوز له البدار باتيان الفعل الاضطراري بل وكذلك أيضا مع الشك في ذلك للاستصحاب أي استصحاب اضطراره إلى آخر الوقت فإذا انكشف الخلاف وارتفع اضطراره قبل خروج الوقت يجزيه ما اتى به من الفعل الاضطراري ، لكن ذلك أيضا مبنى على أن يكون موضوع الحكم هو مطلق الاضطرار لا الاضطرار الباقي إلى آخر الوقت والا فلا مجال للاجزاء ، كما هو واضح.

واما الشق الثاني فمن لوازمه هو عدم الاجزاء وجواز البدار بلا كلام والوجه فيه واضح بعد ملاحظة بقاء مقدار من المصلحة الملزمة الممكنة الاستيفاء.

واما على الشق الرابع فمن لوازمه أيضا هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة كما في الشق الأول والثالث ، نعم يستحب حينئذ الإعادة تحصيلا لذلك المقدار الباقي من المصلحة غير الملزمة الممكنة الاستيفاء ، واما جواز البدار في هذا القسم وعدم جوازه فيبتنى على التفصيل : من أن الموضوع هو مطلق الاضطرار أو هو الاضطرار الباقي إلى آخر الوقت.

واما تنقيح هذه الجهة فيحتاج إلى المراجعة إلى كيفية السنة أدلة الاضطرار من عمومات نفى الحرج وأدلة الاضطرار وقاعدة الميسور ونحوها ، وفي مثله أمكن دعوى ان المستفاد من نحو تلك العمومات التي مصبها الاضطرار إلى الطبيعة هو خصوص الاضطرار الباقي إلى آخر الوقت نظراً إلى قضية ظهورها في الاضطرار إلى الطبيعة على الاطلاق ، إذ حينئذ لايكاد تحقق الاضطرار إلى الطبيعة كك الا بعدم التمكن من شيء من الافراد التدريجية للمأمور به الاختياري ، وهذا لايكون الا في صورة بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت والا ففي فرض طرأ عليه الاختيار قبل خروج الوقت بمقدار يمكنه الاتيان بالمأمور به الاختياري لايكاد يصدق الاضطرار إلى الطبيعة على الاطلاق كما هو واضح. وعلى ذلك ربما يسقط النزاع المزبور في الاجزاء وعدمه بالنسبة إلى الإعادة كما لايخفى.

نعم بالنسبة إلى مثل أدلة التيمم كقوله سبحانه : « إذا أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم » إلى قوله سبحانه : « فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا » (١) أمكن استفادة ان الموضوع هو مطلق الاضطرار لا الاضطرار إلى الطبيعة إلى آخر الوقت نظراً إلى دعوى

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية ٦.

٢٢٨

ظهورها بقرينة صدر الآية وهو قوله : « إذا أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا » الخ في كفاية مجرد عدم القدرة على الطهارة المائية في أول الوقت وعند القيام إلى الصلاة في مشروعية الطهارة الترابية وجواز الدخول معها في الصلاة ، كما ربما يؤيد ذلك أيضا ملاحظة الصدر الأول في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من تفكيكهم بين الصلوات واتيان كل صلاة في وقت فضيلتها وعدم تأخيرها إلى ما بعد وقت فضلها ، حيث إنه يستفاد من ذلك حينئذ ان الاضطرار المسوغ للطهارة الترابية هو مطلق الاضطرار لا الاضطرار الباقي إلى آخر الوقت.

ومثل ذلك أيضا الأدلة الآمرة بالتقية بايجاد العبادات على وفق مذهبهم بالحضور في جماعاتهم والصلاة معهم والوضوء على كيفية وضوئهم ، حيث إنه يستفاد من تلك الأدلة أيضا كفاية مجرد الابتلاء بهم ولو في جزء من الوقت في جواز الاتيان بالمأمور به تقية وعلى وفق مذهبهم من دون احتياج إلى بقاء الابتلاء بهم إلى آخر الوقت خصوصا بعد ملاحظة ما هو الغالب من عدم ابتلاء الانسان بهؤلاء الفسقة الفجرة ( خذلهم الله تعالى ) في تمام أوقات الصلوات من أول وقتها إلى آخره ، إذ حينئذ من الامر بايجاد العبادة تقية يستفاد ان الاضطرار الموضوع لهذا الحكم هو مطلق الاضطرار. وعليه ففي مثله ربما كان كمال المجال البحث في اجزاء المأتى به الاضطراري عن الإعادة بالنسبة إلى المأمور به الاختياري.

وحينئذ فلابد في الاجزاء بالنسبة إلى الإعادة من لحاظ الموارد ودليل الاضطرار الجاري فيها بأنه من قبيل أدلة التيمم وأدلة التقية؟ أو من قبيل عمومات نفى الحرج وعمومات الاضطرار من نحو حديث الرفع وغيره؟ ففي الأول يكون المجال للبحث عن اجزاء المأتي به الاضطراري عن الإعادة في الوقت ، بخلافه في الثاني فإنه عليه لا مجال للبحث عن اجزاء الفعل الاضطراري الا بالنسبة إلى القضاء في خارج الوقت كما هو واضح.

وعلى كل حال فهذا كله فيما يمكن ان يقع عليه الفعل الاضطراري ثبوتا : من الوفاء بتمام مصلحة الفعل الاختياري ، أو الوفاء ببعضها مع كون البعض الباقي ممكن التحصيل في نفسه ولو بفعل آخر في الوقت أو في خارجه وذلك أيضا بنحو اللزوم أو الاستحباب ، أو غير ممكن التحصيل.

واما تعيين ما وقع عليه الفعل الاضطراري من الوجوه المزبورة فيحتاج إلى المراجعة

٢٢٩

إلى أدلة الاضطرار وملاحظة كيفية ألسنتها.

وقبل الخوض في هذه الجهة ينبغي بيان ما يقتضيه الأصل في المسألة عند الشك في وفاء الفعل الاضطراري بتمام مصلحة الفعل الاختياري وعدم وفائه بتمامه وعند الشك في مفوتية المأتى به الاضطراري لمصلحة الفعل الاختياري وعدم مفوتيته في فرض احراز عدم وفائه الا ببعض مراتب مصلحة الفعل الاختياري فنقول :

اما لو كان الشك من الجهة الثانية فلاينبغي الاشكال في أن المرجع فيه هو حكم العقل بعدم الاجزاء ووجوب الاحتياط كما هو الشأن في جميع الموارد الراجعة إلى الشك في القدرة على الامتثال وتحصيل الغرض ، حيث إنه بالفرض قد علم ببقاء مقدار من المصلحة الملزمة من جهة عدم وفاء الفعل الاضطراري بتمام مراتب مصلحة الفعل الاختياري ، وانما الشك في القدرة على استيفاء تلك المرتبة من المصلحة باعتبار الشك في مفوتية المأتى به الاضطراري لتلك المرتبة الباقية ولو من جهة مضادته معها وفي مثله يكون المرجع هو الاحتياط عقلا لا غير ، كما هو واضح.

واما لو كان الشك من الجهة الأولى بان كان الشك في وفاء المأتى به الاضطراري بتمام مصلحة الفعل الاختياري أو عدم وفائه الا ببعض مراتب مصلحته ، فالمرجع فيه أيضا هو الاحتياط ، لاندارجه حينئذ في باب التعيين والتخيير باعتبار رجوع الشك حينئذ إلى قيام تلك المرتبة من المصلحة المحتملة للبقاء بخصوص الفعل الاختياري أو بالجامع بين الفعل الاختياري والاضطراري ، كي يكون لازمه عدم وفاء الفعل الاضطراري بتمام مصلحة الفعل الاختياري على الأول ووفائه به على الثاني ، فيندرج حينئذ في تلك المسألة ويكون من صغريات ذلك الباب وفي مثله لابد من الاحتياط بناء على ما هو التحقيق في تلك المسألة من مرجعية الاحتياط فيها دون البراءة.

نعم لو اغمض عن ذلك لابد من البراءة في مثل هذا الفرض ولا ينتهى المجال إلى اثبات عدم الاجزاء ووجوب الإعادة ببعض الاستصحابات كاستصحاب بقاء المصلحة واستصحاب بقاء التكليف بالفعل الاختياري واستصحاب عدم مسقطية المأتي به الاضطراري للتكليف بالفعل الاختياري ونحوها ، إذ نقول :

اما الأول وهو أصالة بقاء المصلحة فلما فيه من عدم اقتضائه لا ثبات التكليف بالفعل الاختياري بعد ارتفاع الاضطرار الا على المثبت باعتبار عدم كون ترتب الوجوب

٢٣٠

والتكليف على بقاء المصلحة الا عقليا محضا لا شرعيا من جهة انه من لوازم بقاء المصلحة والغرض على حاله وحينئذ فالاستصحاب المزبور لايكاد يجدي شيئا حيث لايكون المستصحب بنفسه اثرا شرعيا بل ولا موضوعا أيضا لاثر شرعي ، واما نفس هذا الوجوب فهو وان كان اثرا شرعيا الا ان لايكون ترتبه على بقاء المصلحة شرعيا كما هو واضح.

واما أصالة بقاء الاشتغال بالتكليف الاختياري فهو أيضا غير جارية من جهة القطع بانتقاض الحالة السابقة حال طرو الاضطرار والقطع بارتفاع التكليف الاختياري عند الاضطرار ، وحينئذ فبعد ارتفاع الاضطرار كان الشك في أصل التكليف بالفعل الاختياري.

ومن ذلك البيان ظهر أيضا حال أصالة عدم مسقطية الفعل الاضطراري إذ ذلك أيضا مما لا مجال لتوهمه بعد فرض القطع بارتفاع التكليف الاختياري حال الاضطرار ، ومن ذلك البيان ظهر فساد مقايسة المقام بباب الماليات فيما يثبت اشتغال الذمة بعين مخصوص ولم يتمكن من أدائها فدفع ما هو بدل عنها ثم تمكن من أداء تلك العين حيث تجري فيها أصالة عدم المسقطية ويحكم بوجوب أداء تلك العين ، إذ نقول : بان جريان أصالة عدم المسقطية في المثال انما هو باعتبار ثبوت الاشتغال بالمبدل حين أداء البدل وهذا المعنى لايتحقق في مثل المقام المفروض ارتفاع التكليف الاختياري حال طرو الاضطرار فتدبر.

واما الاستصحاب التعليقي وهو أصالة وجوب الفعل الاختياري على فرض طرو الاختيار بتقريب : انه قبل الاتيان بالصلاة مع الطهارة الترابية مثلا يقطع بأنه لو طرأ الاختيار لوجب عليه الاتيان بالصلاة مع الطهارة المائية وبعد الاتيان بها مع الطهارة الترابية يشك في ذلك والأصل يقتضي بقائه ، وحينئذ فبعد زوال الاضطرار يحكم بمقتضى الاستصحاب المزبور بوجوب الإعادة ففيه أيضا ما لايخفى ، إذ نقول : بأنه من المعلوم اجمالا حينئذ عدم جريان هذا الاستصحاب اما من جهة عدم الموضوع له واما لعدم كون البقاء مستندا إلى حيث الاختيار ، فإنه على تقدير وفاء الفعل الاضطراري بتمام مصلحة الفعل الاختياري يقطع بسقوط الوجوب والتكليف فلا موضوع حينئذ للاستصحاب المزبور ، وعلى تقدير عدم وفائه بتمام مصلحته لايكون الوجوب المزبور

٢٣١

بقائه مستندا إلى حيث الاختيار بل وانما هو مستند إلى ذاته باعتبار اقتضاء تلك المرتبة من المصلحة الملزمة الباقية ، وفي مثله حيثما شك في بقائه من جهة الشك في وفاء الفعل الاضطراري بتمام المصلحة أو ببعضها لا مجال لا ثبات الوجوب بمقتضي الاستصحاب المزبور.

وحينئذ فلو اغمض عما ذكرناه من اندراج المسألة عند الشك في صغريات مسألة التعيين والتخيير الجاري فيها الاحتياط لا محيص في المسألة الا من البراءة باعتبار رجوع الشك حينئذ بعد الاتيان بالفعل الاضطراري في أصل فوت مصلحة الفعل الاختياري وفي أصل التكليف به ، وحينئذ فكان العمدة في تقريب عدم الاجزاء بمقتضي الأصول عند الشك هو ما ذكرنا من الاندراج في مسألة التعيين والتخيير بالتقريب الذي قربناه فتدبر.

هذا كله بالنسبة إلى الإعادة في الوقت ولقد عرفت بان مقتضي الأصل في ذلك عند الشك في كلا الفرضين هو عدم الاجزاء ووجوب الإعادة.

واما بالنسبة إلى القضاء في خارج الوقت في فرض بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت فان كان الشك في أصل وفاء الفعل الاضطراري بتمام مصلحة الفعل الاختياري وعدم وفائه الا ببعض مراتب مصلحته فمقتضى الأصل فيه أيضا كما تقدم بالنسبة إلى الإعادة من جهة رجوع الشك حينئذ أيضا إلى قيام تلك المرتبة من المصلحة الملزمة المشكوك وفاء الفعل الاضطراري بها بالجامع بين الفعل الاختياري والاضطراري في الوقت أو بخصوص الفرد الاختياري ولو في خارج الوقت فيندرج في مسألة التعيين والتخيير والمختار فيها هو الاحتياط ، كما عرفت.

واما ان كان الشك في قابلية المقدار الباقي من المصلحة للاستيفاء في خارج الوقت مع القطع بعدم وفاء الفعل الاضطراري الا ببعض مراتب مصلحة الفعل الاختياري ، فان احتمل ان يكون تلك المرتبة من المصلحة الباقية لخصوصية وقوع الفرد الاختياري في الوقت ولو لخصوصية في نفس الوقت تقتضيه ، فلا اشكال في أن مقتضي الأصل حينئذ هو البراءة عن القضاء باعتبار رجوع الشك حينئذ في أصل وجود المصلحة في خارج الوقت كي يترتب عليه وجوب التدارك بالقضاء ، من غير فرق في ذلك بين القول : بان القضاء بالامر الأول وانه من باب تعدد المطلوب ، أو القول : بكونه بأمر جديد اما بمناط الجبران أو

٢٣٢

بمناط آخر غير ذلك أو بمناط اقتضاء فوت المصلحة في الوقت لحدوث مصلحة ملزمة في خارج الوقت أو غير ذلك ، واما ان لم يحتمل ذلك بل أحرز ولو من جهة قضية الاطلاق ان تلك المرتبة من المصلحة غير المستوفاة مترتبة على الجامع بين الفعل الاختياري في الوقت وخارجه بحيث كان الشك ممحضا في القدرة على استيفائها من جهة الشك في مفوتية الفعل الاضطراري لها ، ففي هذا الفرض لابد من الاحتياط بمناط قاعدة الشك في القدرة من دون فرق أيضا بين القول بتبعية القضاء للأداء أو القول بكونه بأمر جديد.

ثم إن ذلك أيضا مع قطع النظر عن أدلة القضاء بان يمنع شمولها لصورة فوت بعض المصلحة في الوقت اما لانصرافها إلى صورة فوت التمام من رأس كما لعله هو التحقيق أيضا أو لا أقل من كون فرض فوت التمام هو القدر المتيقن منها في مقام التخاطب والا فمع فرض اطلاق تلك الأدلة حتى لصورة فوت بعض المصلحة أيضا فلا ينتهي الامر إلى تلك الأصول من جهة وجود دليل اجتهادي حينئذ على عدم الاجزاء ووجوب القضاء بمحض فوت المصلحة في الوقت ولو ببعض مراتبها. واما توهم عدم تكفل أدلة القضاء لا ثبات قابلية المحل للوجود فمع الشك في القابلية المزبورة حينئذ لا مجال للتمسك بأدلة القضاء لا ثبات الوجوب الفعلي ، فمدفوع بان شأن أدلة القضاء دائما انما هو رفع الشك عن هذه الجهة واثبات قابلية المحل للوجود ففي كل مورد امر فيه بالقضاء لا محالة من نفس الامر به يستكشف قابلية المحل للتحقق كما هو واضح. وحينئذ فالعمدة في الاشكال عليها انما هو الاشكال عليها من الجهة الأولى : من منع اطلاقها لصورة فوت بعض المصلحة وانصرافها إلى صورة فوت التمام أو مانعية ذلك عن الاخذ باطلاقها باعتبار كون فرض فوت التمام هو القدر المتيقن منها في مقام التخاطب ، وعليه فينتهى الامر عند الشك إلى الأصول العلمية العقلية ولقد عرفت بان مقتضاها عند القطع بفوت بعض المصلحة والشك في القدرة على استيفائه هو البراءة في فرض والاحتياط في فرض آخر فتدبر. وكيف كان فهذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الفعل الاضطراري ثبوتا من الوفاء بتمام الغرض أو بعضه وكون البعض الباقي ممكن الاستيفاء أو غير ممكن الاستيفاء.

وأما تعيين ما وقع عليه الفعل الاضطراري إثباتا فيحتاج استفادته إلى ملاحظة كيفية الأدلة المتكلفة للفعل الاضطراري ، من نحو قوله : التراب أحد الطهورين يكفيك عشر سنين ، وقوله عليه‌السلام : رب الصعيد رب الماء. ونحو أوامر التقية المتكلفة لا ثبات

٢٣٣

الاتيان بالمأمور به على وفق مذهبهم تقية ، ونحو قاعدة الميسور ، وعمومات أدلة الحرج والاضطرار من نحو قوله سبحانه : ما جعل الله عليكم في الدين من حرج ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله ، وحديث الرفع من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وما اضطروا إليه ) ونحو ذلك من الأدلة والعمومات فنقول :

أما الأدلة الواردة في التيمم عند عدم التمكن من استعمال الماء في الوضوء والغسل ، من نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : التراب أحد الطهورين فلا شبهة في ظهوره في نفسه في قيام المصلحة بالجامع بين الطهارة المائية والترابية نظراً إلى ظهوره في فردية التيمم حقيقة أو جعلا وتنزيلا لما هو الطهور المأمور به في مثل قوله : لا صلاة الا بطهور فان لازم فرديته للطهور حينئذ هو وفائه بجميع ما يفي به الطهارة المائية من المصلحة ، ولازمه هو الاجزاء عقلا وعدم وجوب الإعادة في الوقت ولا القضاء في خارج الوقت ، كما أن لازمه أيضا هو جواز البدار وجواز تفويت الفرد الاختياري بإراقة الماء عمدا ولو بعد دخول الوقت وجعل نفسه غير واجد للماء كما نظيره في مثل الحاضر والمسافر.

نعم ربما يعارض هذا الظهور ظهور قوله سبحانه : « إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم » الخ فان ظاهره هو كون الطهارة المائية بخصوصيتها دخيلا في المطلوب لا بما انها مصداق لجامع الطهور وان ما هو الشرط هو الجامع بين الطهارة المائية والطهارة الترابية كي يكون الامر بالخصوصية في حال وجدان الماء ارشادا إلى حصر مصداق الجامع في هذا الحال بهذا المصداق ، ضرورة ان ذلك كله خلاف ما يقتضيه ظاهر الامر بالخصوصية ، وحينئذ فإذا كان كذلك يلزمه لا محالة أيضا قيام المصلحة بالخصوصية لا بالجامع بين الفردين ، وإلا فيستحيل تعلق الإرادة والطلب بالخصوصية مع فرض قيام المصلحة بالجامع. وعلى هذا فيتحقق التنافي بين هذا الظهور وبين ظهور مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : التراب أحد الطهورين ، بناء على ما قربناه من ظهوره ولو بالاطلاق في فردية التيمم لما هو الطهور المأمور به في الصلاة ووفائه بجميع ما يفي به الطهارة المائية من المصلحة ، وفي مثله لابد من تقديم ظهور قوله سبحانه من الامر بالغسل على ظهور دليل التيمم لمكان اقوائية ظهوره من ظهوره لكونه ظهورا وضعيا وهذا ظهور اطلاقي ناش من مقدمات الحكمة ، وحينئذ فيرفع اليد عن حجية ظهور دليل التيمم في حيث وفائه بتمام المصلحة بدليل الامر بالغسل ، لا عن أصل ظهوره كما قد يتوهم بان

٢٣٤

الظهور الاطلاقي منوط ومتعلق بعدم ورود البيان على خلافه والظهور الوضعي صالح للبيانية وللقرينية عليه وبمجرد تحقق الظهور الوضعي يرتفع أصل ظهوره الاطلاقي ، إذ قد مر منا مكررا بطلان هذا التوهم بتقريب : ان عدم البيان الذي هو من جملة مقدمات الاطلاق انما هو عدم البيان متصلا بالكلام الذي يقع به التخاطب لا عدم البيان على الاطلاق ولو إلى آخر الدهر ، وحينئذ فإذا لم يقم المتكلم في كلامه الذي أوقع به التخاطب قرينة متصلة به كما في المقام فلا جرم يستقر الظهور الاطلاقي لكلامه ومع استقرار هذا الظهور يتحقق التنافي والتعارض لا محالة بينه وبين ما ينافيه في كلام آخر منفصل عنه ومعه لابد في تقديم أحدهما على الآخر من لحاظ اقوائية أحد الظهورين على الآخر ونتيجة ذلك هو الاخذ بما هو الأقوى منهما في مقام الحجية ورفع اليد عن حجية ظهور الآخر لا عن أصل ظهوره كما في المقام ـ حسب ما قررناه من لزوم رفع اليد عن حجية ظهور قوله : ( التراب أحد الطهورين ) في قيام المصلحة بالجامع ووفاء التيمم بجميع ما يفي به الطهارة المائية من المصلحة.

ثم إن هذا كله بالنسبة إلى حيث ظهور دليل التيمم بمدلوله المطابقي في قيام المصلحة بالجامع ، واما بالنسبة إلى حيث ظهوره بمدلوله الالتزامي في الاجزاء وعدم وجوب الإعادة والقضاء بعد ارتفاع الاضطرار والتمكن من استعمال الماء فيؤخذ بظهوره ذلك نظراً إلى عدم ظهور لدليل وجوب الوضوء على خلاف ظهوره يقتضي عدم الاجزاء ووجوب الإعادة ، وذلك من جهة سكوته من جهة قابلية المقدار الباقي من المصلحة للاستيفاء وعدمه ، وحينئذ فيكون ظهور دليل التيمم في الاجزاء ونفى الإعادة بمدلوله الالتزامي على حاله سليما من المعارض فيجب الاخذ حينئذ بظهوره ذلك ونتيجة ذلك حينئذ بعد هذا الجمع هو الحكم بالاجزاء وعدم وجوب الإعادة والقضاء ولكن بمناط المفوتية للمصلحة القائمة بالخصوصية ، لا بمناط الوفاء بجميع ما يفي به الطهارة المائية من المصلحة.

ومن ذلك أيضا يترتب عليه حرمة التفويت بمقتضي قضية الامر بالخصوصية ، فلايجوز عليه حينئذ إراقة الماء عند دخول الوقت وجعل نفسه غير واجد للماء بإراقته وان كان لو فعل ذلك يجزي ما أتى به من التيمم عن الطهارة المائية ولايجب عليه إعادة الصلاة بعد ارتفاع الاضطرار ووجدان الماء ، كما يشهد عليه أيضا اجماعهم على عدم جواز اتلاف الماء واراقته بعد دخول الوقت. خصوصا في فرض استمرار الاضطرار إلى آخر

٢٣٥

الوقت ، إذ لولا ما ذكرنا : من قيام المصلحة بالخصوصية لا بالجامع ومفوتية المأتى به الاضطراري لمصلحة الخصوصية لما كان وجه لاجماعهم على عدم جواز التفويت كما هو واضح.

وأما توهم عدم امكان الجمع بين قيام المصلحة بالخصوصية وحرمة التفويت وبين الاجزاء بمناط الوفاء ببعض الغرض فلابد اما من القول بعدم الاجزاء رأسا بناء على فرض قيام المصلحة بالخصوصية أو القول بالاجزاء بمناط الوفاء بتمام الغرض ولازمه هو عدم حرمة التفويت أيضا فالجمع بين الامرين مما لا وجه له ، فمدفوع بأنه كذلك إذا كانت المصلحة المزبورة مرتبة واحدة تدور أمرها بين قيامها بالجامع أو الخصوصية وليس كذلك بل نقول : بأن لها مراتب مرتبة منها كانت قائمة بالجامع بين الفعل الاختياري والاضطراري ومرتبة أخرى ملزمة منها كانت قائمة بالخصوصية ، وحينئذ فبإتيان الفعل الاضطراري تتحقق تلك المرتبة من المصلحة القائمة بالجامع وتبقى تلك المرتبة الأخرى القائمة بالخصوصية فحيث انها بعد استيفاء المرتبة القائمة بالجامع غير قابلة للتحصيل يحكم بالاجزاء مع حرمة التفويت فتدبر.

ومن ذلك البيان ظهر أيضا حال الأدلة المتكلفة للتقية مما كان مصبها الوضع مثل الأدلة الدالة على اتيان العبادة على وفق مذهبهم كالصلاة مع التكتف والافطار حين غروب الشمس لا ما كان منها مصبها التكليف خاصة كالافطار في سلخ شهر رمضان المبارك ، إذ نقول فيها أيضا : بأن المستفاد من أدلتها بقرينة ما في بعض تلك الأخبار من امر الإمام عليه‌السلام باتيان الصلاة أولا في الدار ثم الحضور في جماعتهم انما هو اجزاء الفعل الاضطراري تقية عن الفعل الاختياري بنحو لايجب مع اتيانه الإعادة في الوقت فضلا عن القضاء في خارجه ، لكن الاجزاء المزبور لا بمناط الوفاء بجميع ما يفي به الفعل الاختياري من المصلحة بل بمناط الوفاء ببعض مراتب المصلحة ومفوتيته للمراتب الاخر.

وعمدة النكتة في استفادة هذين الامرين منها انما هي من جهة قضية الامر باتيان الصلاة في الدار أولا والحضور بعد ذلك في جماعتهم ، وذلك لما فيه من الدلالة ولو بالالتزام على نقصان الفرد الاضطراري بحسب الغرض والمصلحة عن الفرد الاختياري ، كدلالته أيضا على عدم امكان تحصيل المقدار الباقي من المصلحة بعد الاتيان بالفرد الاضطراري ، والا فمع فرض وفائه بجميع مراتب المصلحة المترتبة على الفعل الاختياري الذي لازمه

٢٣٦

قيامها بالجامع بينهما لا مجال للامر بالاتيان بالصلاة أولا في الدار. كما أنه في فرض عدم اجزائه وعدم مفوتيته للمقدار من المصلحة الملزمة لا مجال أيضا للامر بالاتيان بها أولا في الدار نظراً إلى تمكن المكلف حينئذ من اعادتها بعد ارتفاع التقية خصوصا بعد ملاحظة ما هو الغالب من عدم كون الابتلاء بالتقية في تمام الوقت فيكون نفس الامر بالاتيان بها في الدار كاشفا قطعيا عن أن الفرد المأتى به تقية غير واف بتمام ما في الفرد الاختياري من الغرض والمصلحة وانه يبقى بعد مرتبة منها ملزمة في نفسها غير قابلة للاستيفاء بعد استيفائها ببعض مراتبها بالفرد الاضطراري ، من غير فرق في هذه الجهة بين القول ببدلية الفعل الاضطراري أو فرديته للطبيعة ، إذ على الفردية أيضا يمكن القول بالاجزاء بمناط المفوتية من جهة كون الطبيعي من التشكيكيات وكون الفرد الاضطراري مرتبة ضعيفة منها والفرد الاختياري مرتبة شديدة منها ، كما في مثل النور والبياض والحمرة ونحوها ، فمن هذه الجهة كان التكليف أولا متعلقا بمرتبة شديدة من الطبيعة وهو الفرد الاختياري ثم بعد تعذر ذلك كان التكليف متعلقا بالمرتبة الضعيفة منها التي هي الفرد الاضطراري لما فيه أيضا من الوفاء ببعض مراتب الغرض والمصلحة. ومن ذلك أيضا نقول : بأنه لا مجال لاستفادة الاجزاء بمجرد احراز فردية الفعل الاضطراري للطبيعة المأمور بها الا باحراز أحد الامرين : اما احراز قيام تمام المصلحة الملزمة بما لها من المراتب بالجامع بينهما كي يلزمه وفائه بتمام المصلحة الملزمة ، أو احراز مفوتية الفعل الاضطراري للمقدار الباقي من المصلحة الملزمة القائمة بالخصوصية ، كما استفدناها من قضية الجمع بين الامر بالخصوصية والامر بالفعل الاضطراري في باب التيمم وباب التقية.

هذا كله بالنسبة إلى أدلة التقية ولقد عرفت ان المستفاد منها جمعا بينها وبين الأدلة المثبتة للتكليف بالخصوصية هو الاجزاء مطلقا حتى بالنسبة إلى الإعادة فضلا عن القضاء لكن لا بمناط الوفاء بتمام الغرض والمصلحة بل بمناط الوفاء ببعض مراتبها مع مفوتيته لبعض المراتب الباقية.

واما مثل قاعدة الميسور وعمومات الاضطرار كحديث الرفع وقوله : كل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله ، فمحل الكلام في البحث عن الاجزاء وعدمه فيها كما عرفت يختص بالاجزاء بالنسبة إلى خصوص القضاء دون الإعادة ، من جهة ما تقدم من

٢٣٧

ان المستفاد منها هو كون مصبها مورد الاضطرار إلى الطبيعة على الاطلاق ، إذ عليه لايكاد يتحقق موضوع لهذا البحث بالنسبة إلى الإعادة باعتبار اقتضاء الاضطرار إلى الطبيعة بقول مطلق للاضطرار إليها في تمام الوقت ، وعلى ذلك نقول :

اما مثل قاعدة الميسور فلا شبهة في أن فيها اقتضاء عدم وفاء المأتي به الاضطراري بتمام الغرض والمصلحة ، لوضوح ان الميسور من الشيء الذي هو نصفه أو ربعه لايكون تمام الشيء حتى في مرحلة الوفاء بالمصلحة ، وحينئذ فباب احتمال الاجزاء عن القضاء فيها بمناط الوفاء بتمام الغرض والمصلحة مسدود قطعا ، وحينئذ فلو كان هناك إجزاء لابد وأن يكون بمناط المفوتية لمصلحة الخصوصية وفي مثله أمكن دعوى عدم استفادة الاجزاء من مثلها نظراً إلى عدم اقتضاء مجرد الامر بالميسور من الطبيعة في الوقت لعدم وجوب القضاء في خارج الوقت ولو من جهة عدم قابلية المقدار الفائت من المصلحة للاستيفاء. وحينئذ فإذا شك في قابليته للاستيفاء وعدم قابليته لذلك يرجع إلى الأصول على التفصيل المتقدم ، وذلك أيضا بعد الفراغ عن عدم شمول دليل القضاء لصورة فوت بعض المصلحة واختصاصه صرفا أو انصرافا بفرض فوت تمام المصلحة كما هو التحقيق أيضا ، والا فلا تنتهي النوبة إلى مقام الأصول بل يحكم بعدم الاجزاء ووجوب القضاء بنفس أدلة القضاء ، كما هو واضح. هذا إذا كان مصب القاعدة هو الطبيعة كما في الاضطرار الطاري قبل الاشتغال بالعمل.

واما لو كان مصبها هو الفرد كما في الاضطرار الطاري في حال الاشتغال بالعمل فيمكن استفادة الاجزاء من القاعدة المزبورة حتى بالنسبة إلى الإعادة بناء على جريانها حينئذ حتى مع القطع بطرو الاختيار فيما بعد بتقريب : ان قضية قاعدة الميسور حينئذ انما هو لزوم الاتيان بالميسور من هذا الفرد الذي اقتضى وجوب اتمامه دليل الامر بالطبيعة وقضية لزوم اتيانه بالميسور منه انما هو اتيانه بعنوان الفردية للطبيعة كما لو كم يطرء في البين اضطرار ، وقضية ذلك هو الاجزاء لا محالة وعدم وجوب الإعادة والقضاء. ولكن الأستاذ دام ظله لم يفرق بين الاضطرار الطاري قبل الاشتغال بالعمل وبين الاضطرار الطاري بعد الاشتغال بالعمل ، ولكن عمدة نظره إلى انكار متعلق الامر بالاتمام بالنسبة إلى مثل هذا الفرد الذي طرأ الاضطرار بترك بعض اجزائه وشرائطه ولو مع العلم بالتمكن من الاتيان بالطبيعة في ضمن فرد آخر.

٢٣٨

واما عمومات الاضطرار كحديث الرفع وقوله ( كل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله ) بناء على كونها جملة مستقلة كما ادعاه بعض الاعلام بان الموجود في بعض النسخ الصحيحة هكذا ( التقية في كل شيء وكل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله ) لا مربوطا بقضية الصدر كما في أكثر النسخ بأن ( التقية في كل شيء اضطر إليه ابن آدم ) الخ (١) إذ عليه لايرتبط بمطلق الاضطرار بل تختص بالاضطرار في التقية الذي عرفت الحال فيه مفصلا ، فتطبيقها تارة يكون على نفس الجزء أو الشرط أو المانع المضطر إليه ، وأخرى على نفس المركب والمقيد باعتبار ان الاضطرار إلى الجزء أو الشرط يوجب الاضطرار إلى نفس المركب والمقيد ، فعلى الثاني لا اشكال في أنه لا مقتضى للاجزاء ، لان مفاد دليل الاضطرار بعد تطبيقه على المركب والمشروط انما هو جواز ترك المركب والمشروط تكليفا عند تعذر جزئه وشرطه وحينئذ فبعد طرو الاختيار يجب القضاء بلا كلام ، واما على الأول من فرض تطبيقه على نفس الجزء أو الشرط المتعذر فمقتضاه هو الاجزاء لا محالة من جهة اقتضاء تطبيقه حينئذ على الجزء أو الشرط المتعذر لرفع جزئية ما كان جزء وشرطية ما كان شرطا في حال الاختيار وقضية ذلك لا محالة كانت هو الاجزاء.

وهكذا الحال في عمومات الحرج من نحو قوله سبحانه ( ما جعل الله عليكم في الدين من حرج ) حيث إنه بتطبيقها على الجزء أو الشرط الحرجي يستفاد الاجزاء بلحاظ اقتضائها لتحديد دائرة الشرطية والجزئية والمانعية بغير صورة الحرج كما يشهد له أيضا ما في خبر عبد الاعلى مولى آل سام من تطبيقه عليه‌السلام تلك القاعدة على شرطية المباشرة في المسح بقوله عليه‌السلام : ( يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل ، قال الله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح على المرارة ) ، حيث إنه عليه‌السلام اخذ بأصل المسح والقى قيد مباشرة البشرة بنفس تلك القاعدة فأمر بايجاد المسح على المرارة هذا.

ولكن الأستاذ دام ظله منع عن تطبيق تلك العمومات على الجزء والشرط والمانع ببيان ان مفاد تلك العمومات انما كان أحكاما امتنانية ولابد في تطبيقها على مورد ان لا

__________________

١ ـ الوسائل ، ج ١١ ، الباب ٢٥ من أبواب الأمر والنهي ، الحديث ٢.

٢٣٩

يلزم منها خلاف امتنان على المكلف من جهة أخرى فمن هذه الجهة لا مجال لتطبيقها على الجزء أو الشرط المتعذر باعتبار ما يلزمها حينئذ من اثبات التكليف بما عدا الجزء أو الشرط المتعذر وهو بنفسه خلاف الارفاق على المكلف لأنه لو لاها لكان المكلف في الراحة عن مشقة التكليف بالفاقد للجزء أو الشرط المتعذر نظراً إلى قضية انتفاء المركب والمقيد بانتفاء اجزائه وقيده فينحصر حينئذ تطبيقها على نفس المركب والمقيد كي لازمه سقوط التكليف بالمرة عن المكلف بالنسبة إلى الفاقد للجزء أو الشرط المتعذر. ثم انه لما كان يرد عليه اشكال تطبيق الإمام عليه‌السلام قاعدة نفى الحرج على الشرط المتعذر كما في رواية عبد الاعلى المتقدمة أجاب عنه بان قضية التطبيق على الشرط المتعذر في تلك الرواية انما هي باعتبار وقوع المكلف على كل تقدير في مشقة التكليف : اما التكليف بالتيمم في فرض سقوط التكليف بالوضوء من جهة تعذر المسح على البشرة واما التكليف بالوضوء بالغاء شرطية المباشرة على ما هو قضية التطبيق على شرطية مباشرة الماسح للبشرة فمن هذه الجهة لم يلزم من التطبيق على الشرط المتعذر خلاف امتنان على المكلف ، بخلافه في غير ذلك المقام مما كان المكلف في الراحة عن مشقة التكليف بالفاقد للجزء أو الشرط المتعذر فإنه في أمثال تلك المقامات لو طبق تلك العمومات على الجزء أو الشرط المتعذر يلزم منها اثبات التكليف بالفاقد فيلزم من تطبيقها خلاف الامتنان على المكلف هذا.

ولكن أقول : بأنه يتوجه عليه انه في غير ذلك المورد أيضا لا يخلوا المكلف عن مشقة التكليف : اما التكليف بالقضاء بناء على فرض تطبيقها على نفس المركب والمقيد واما التكليف بالفاقد للجزء أو الشرط المتعذر على فرض تطبيقها على الجزء أو الشرط المتعذر وحينئذ فإذا كان المكلف في كلفة التكليف على كل تقدير لا بأس بتطبيقها على الجزء أو الشرط المتعذر في سائر المقامات أيضا. ولئن قيل : بان ثبوت التكليف بالقضاء في خارج الوقت انما هو من لوازم عدم الاتيان بالمأمور به خارجا في الوقت لا من لوازم تطبيق دليل الحرج أو الاضطرار على المركب والمقيد ، نقول : بأنه يكفي لنا حينئذ في اثبات التكليف بالبقية كما في باب الصلاة ما دل على انها لا تترك بحال ، من دون احتياج إلى اثبات وجوب البقية بأدلة الحرج والاضطرار حتى يرد عليه اشكال خلاف الارفاق في فرض تطبيقها على الجزء والشرط المتعذر فتدبر.

٢٤٠