نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

حقيقته لا في مفهومه ، فحيث ان المنسبق من مثل القائم والقاعد ونحوهما في الذهن كان هو الشكل الخاص على النحو الذي كان في الخارج من الهيئة الخاصة وكان ذلك الشكل والصورة الخاصة منحلا بحسب التحليل إلى ذات ومبدأ قائم بها ، وقع الخلاف بينهم في أن كلمة المشتق ، وهو القائم مثلا ، موضوع لمجموع هذه الأمور الثلاثة بحيث كان جهة الذات أيضا جزء للمدلول؟ أم لا بل تكون جهة الذات خارجة عن المدلول رأسا؟ ثم على فرض خروج الذات عن المدلول فهل المشتق عبارة عن المبدأ وجهة قيامه بالذات؟ أم لا بل يكون المشتق عبارة عن نفس المبدء محضا بحيث كان جهة قيامه بالذات كنفس الذات خارجة عن المدلول؟

وعلى هذا ربما تكون المحتملات المتصورة على البساطة أيضا ثلاثة : الأول كونه أي المشتق عبارة عن المبدأ وجهة قيامه بالذات التي هي معنى حرفي مع خروج الذات عن مدلوله ، فبساطته على هذا المعنى انما هي بالإضافة إلى الذات والا ففي الحقيقة يكون أيضا مركبا من الامرين ، الثاني كونه عبارة عن امر وحداني وهو المبدأ محضا مع خروج جهة قيامه بالذات أيضا كنفس الذات عن المدلول. وهذا أيضا يتصور على وجهين : الأول كونه عبارة عن المبدأ محضا لكن لا مطلقا بل في حال قيامه بالذات واتحاده معها بنحو القضية الحينية لا التقييدية ، الثاني كونه عبارة عن نفس المبدأ محضا قبالا للذات لكن بما هو مأخوذ بعنوان اللابشرطي فيكون الفرق بينه وبين المصدر ـ كما أفادوه كالفرق بين الجنس والفصل والهيولي والصورة من جهة اللابشرطية والبشرط لائية.

فهذه الصور المتصورة من التركب والبساطة في المقام. وربما يختلف بعضها مع بعض آخر منها بحسب اللوازم ، فان من لوازم المعنى الأول وكذلك المعنى الثاني من البساطة عدم جواز حمل المشتق على الذات من جهة انتفاء شرط الحمل الذي هو الاثنينية بحسب المفهوم في الذهن ، فان المبدأ على المعنيين بعد ما لايرى في الذهن منفكا عن الذات بل يرى متحدا معها فلا جرم لايكون مثل هذا الصقع من صقع الحمل على الذات كي يصح فيه الحمل ، نعم في مقام الحمل على المصداق كما في قولك : زيد عالم أو ضارب صح الحمل لتحقق أركانه التي هي اثنينية الموضوع والمحمول في الذهن واتحادهما بنحو من الاتحاد في الخارج ، ولكنه أجنبي عن مقام حمل المبدأ على الذات في مدلول الكلمة. وهذا بخلافه على البساطة بالمعنى الأخير ، فإنه عليه باعتبار اخذ المشتق عبارة عن مجرد

١٤١

المبدأ المقابل للذات كان لصحة الحمل على الذات كمال مجال وذلك من جهة تحقق ركنية وهما اثنينية الموضوع والمحمول في الذهن واتحادهما في الخارج.

ومن جملة اللوازم أيضا انه على المعنيين الأولين من البساطة ربما صح جعل العناوين الاشتقاقية كالعالم والعادل ونحوهما موضوعا للأحكام من نحو الاطعام والاكرام كما في قولك : أطعم العالم وأكرم العادل وقبل يد العالم ورجله ، فإنه بعد ما كان المشتق اخذ وجهة وعنوانا للذات بنحو كان النظر إلى الذات استقلاليا والى العنوان تبعيا كما في النظر إلى زيد الذي يتبعه النظر إلى لباسه كما سيجيء ، فلا جرم من هذه الجهة صح جعلها موضوعا للأحكام المزبورة ، ولايتوجه الاشكال عليه بأنه كيف يصح إضافة الاكرام والاطعام وتقبيل اليد والرجل إلى عنوان العالم مع أنه لا يد للمبدأ ولا بطن له حتى يصح تعلق التكليف باطعامه وتقبيل يده ، فإنه على ما ذكرنا يكون ما أضيف إليه الاكرام والاطعام هو نفس الذات خاصة غايته لا مطلقا بل بما هي متجلية بجلوة العلم والعدالة. وذلك بخلافه على المعنى الأخير من البساطة من جعله عبارة عن نفس المبدأ قبالا للذات ، إذ عليه لا مجال لإضافة الاحكام المزبورة إلى العناوين المزبورة ولو اعتبر كونها لا بشرط الف مرة ، فان لازمها كونها منظورة بالنظر الاستقلالي من دون نظر إلى الذات في عالم من العوالم الا تبعا للعنوان ، ولازمه هو توقف الحكم في مقام إضافة الاكرام والاطعام على نفس العنوان وهو المبدأ فيتوجه حينئذ الاشكال المزبور.

ومن ذلك البيان ظهر الحال بناء على القول بالتركيب أيضا ، حيث إن الاشكال يتوجه بالنسبة إلى جزئه الذي هو المبدأ.

كما أنه من البيان المزبور ظهر أيضا نكتة الفرق بين البساطة بالمعنى الثاني وبين البساطة بالمعنى الأخير ، فإنهما وان اشتركا في بساطة العنوان وكونه عبارة عن نفس المبدأ خاصة الا انهما يفترقان من تلك الجهة ، فان المبدأ على البساطة بالمعنى الثاني لما اخذ كونه متحدا مع الذات بنحو القضية الحينية لا التقييدية فلا جرم بهذا الاعتبار يكون ملحوظا وجهة وعنوانا للذات وبهذا الاعتبار يكون النظر إلى الذات استقلاليا والى العنوان المتحد معها تبعيا ، فيصح حينئذ إضافة الاكرام والاطعام إليه في قولك : أكرم العالم واطعم العادل ولكن مثل هذا الاعتبار لا يتأتى على البساطة بالمعنى الأخير كما شرحناه فتدبر.

١٤٢

وكيف كان فبعد ان ظهر لك هذه الجهة فلنذكر ما يقتضيه التحقيق في المقام من المحتملات المزبورة للتركب والبساطة.

فنقول : اما احتمال تركب المشتق من المبدأ والذات فلا شبهة في كونه بمعزل عن التحقيق ويظهر وجهه مما قدمناه سابقا في كيفية أوضاع المشتقات وانحلال الوضع في كل واحد منها إلى وضعين : وضع المادة ووضع الهيئة ، إذ نقول : بأنه لو كان الذات مأخوذة في الأوصاف فلا جرم الدال عليها اما ان يكون هي المادة أو الهيئة ، مع أنه ليس في شيء منها الدلالة عليها أصلا ، إذ لمادة لاتدل حسب وضعها النوعي الساري في جميع الصيغ الا على نفس الحدث ، واما الهيئة الخاصة فيها ففي أيضا لاتدل الا على قيام هذا المبدأ بالذات الذي هو معنى حرفي وحينئذ فأين الدال على الذات؟ نعم لو قيل بان الوضع في خصوص الأوصاف من بين المشتقات من قبيل الوضع في الجوامد من دعوى وضع المادة والهيئة فيها مجموعا للذات المتلبسة بالمبدأ لكان لدعوى تركب المشتق من المبدأ والنسبة والذات كمال مجال ، ولكنه كما عرفت خلاف التحقيق وخلاف ما عليه المحققون في كلية المشتقات التي منها الأوصاف من انحلال الوضع فيها كما هو واضح.

وحينئذ فبعد بطلان القول بالتركيب من المبدأ والذات يدور الامر بين المحتملات الثلاثة المتصورة على البساطة من الوضع لامرين : المبدأ وإضافة قيامه بالذات كي يكون دلالته على الذات من جهة الملازمة ، أو الوضع لأمر واحد وهو المبدأ خاصة لكنه في حال كونه متحدا مع الذات بنحو القضية الحينية لا التقييدية فتكون الإضافة أيضا كنفس الذات خارجة عن المدلول ، أو الوضع للمبدأ قبالا للذات لكنه بما هو ملحوظ بعنوان اللا بشرطي كما تقدم بيانه ، وفي مثله لاينبغي الاشكال في أن المتعين منها هو المعنى الأول من البساطة : من جعله عبارة عن المبدأ القائم بالذات غايته بما انه ملحوظ وجها وعنوانا للذات وطورا من أطوارها ، فان هذا المعنى هو الذي تقتضيه قاعدة انحلال أوضاع المشتقات بحسب المادة والهيئة ، حيث نقول : بان المادة في الأوصاف وضعت للدلالة على نفس الحدث ، والهيئة فيها وضعت للدلالة على إضافة قيام المبدأ بالذات ، وهذا بخلافه على المعنى الثاني والثالث فإنه عليها لابد من اخراج الأوصاف عما يقتضيه قاعدة انحلال الوضع في المشتقات المصير إلى دعوى كون الوضع في خصوص الأوصاف من قبيل الوضع في الجوامد من وضع مجموع المادة والهيئة فيما بوضع وحداني لمعنى حدثي خال عن

١٤٣

الإضافة والنسبة على خلاف بقية الصيغ من المصادر والافعال وهو كما ترى ، وخصوصا مع ما في المعنى الثالث من استلزامه لبعض التوالي الفاسدة التي منها ما ذكر ، ومنها عدم صحة جعل تلك الأوصاف موضوعات للأحكام الخاصة من مثل الاكرام والاطعام وتقبيل اليد والرجل كما مرت الإشارة إليه ، فان لحاظ المبدأ بالعنوان اللابشرطي لو كان يجدي فإنما هو بالنسبة إلى مقام الحمل لا في مقام إضافة الاحكام المزبورة إليه من نحو قولك : أكرم العالم واطعم العالم والنظر إلى وجه العالم عبادة والى باب داره عبادة ، وذلك من جهة وضوح ان ما هو الموضوع للأحكام المزبورة في مقام النسبة الحكمية ليس الأنفس الذات دون المبدأ وان لو حظ كونه بالعنوان اللابشرطي الف مرة كما هو واضح ، ومنها عدم تصور جريان النزاع المعروف في المشتق في أنه للأعم أو المتلبس الفعلي على هذا القول من جهة عدم تصور الانقضاء فيه كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، ومنها غير ذلك من التوالي الفاسدة.

ومن ذلك نقول : بان أردأ المباني والمسالك في المقام هو المسلك الأخير بملاحظة ما فيه من التوالي الفاسدة التي لايمكن الالتزام بواحد منها ، بخلافه على المسلك الأول من البساطة الذي اخترناه وسلكناه فإنه عليه لايتوجه شيء من التوالي الفاسدة بل عليه يجمع بين ما يقتضيه ظواهر القضايا من مثل قوله ( أكرم العالم ) من إناطة الاكرام إلى نفس العنوان وبين كون المتعلق وما أضيف إليه الاكرام هو نفس الذات دون المبدأ ودونها والمبدأ معا ، مع الالتزام أيضا ببساطة المشتق وعدم تركبه من المبدأ والذات كما هو قضية القول بالتركيب وعدم الخروج أيضا عن قاعدة انحلالية الأوضاع في المشتقات في خصوص الأوصاف ، فان الجمع بين الأمور المزبورة لايكاد يمكن الا بالمصير إلى ما ذكرنا من جعل مفاد الأوصاف عبارة عن المبدأ القائم بالذات غايته لا بما ان المبدأ يكون ملحوظا استقلالا في قبال الذات بل بما انه وجه وعنوان للذات بنحو لايرى من مثل العالم والقائم والقاعد الا الذات المتجلية بجلوة العلم والقيام والقعود. وربما يؤيد ذلك بل يشهد عليه أيضا ما وقع منهم من الصدر الأول إلى الآن من التعبير عن المشتق في مقام تحرير أصل عنوان المسألة وغيره بالذات المتلبسة بالمبدأ فان في تعبيرهم بالتلبس بالمبدأ شهادة على أن المبدأ في الأوصاف لايكون الا مأخوذا كونه لباسا للذات ووجها لها بنحو كان النظر إلى الذات في مقام الحكم على العنوان استقلاليا والى نفس المبدأ تبعيا

١٤٤

نظير النظر الذي إلى زيد الذي يتبعه النظر إلى لباسه أيضا كما هو ذلك أيضا في مقام الخارج.

وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا ظهر لك أيضا وجه صحة جعل الأوصاف محمولات في القضايا في مثل قولك : زيد قائم أو عالم ، إذ نقول : بان لحاظ المبدء بالعنوان اللابشرطي أعني لحاظه لا في قبال الغير وان كان مصححا للحمل كما أفادوه في مقام الفرق بين الأوصاف والمصادر من حيث اباء الثاني وعصيانه عن الحمل دون الأول وكذا في اجزاء المركب في المركبات الخارجية والتحليلية في نحو الجنس الفصل والهيولي الصورة لكن ما هو المصحح للحمل في الحقيقة بعينه هو المصحح في صورة وقوع الأوصاف موضوعا للأحكام ، وذلك لما يرى بالوجودان من عدم الفرق بين صورة جعل تلك الأوصاف موضوعا للأحكام في القضايا وبين صورة جعلها محمولا فيها ، وان ما هو المحمول في مثل زيد ضارب بعينه هو الموضوع للحكم في مثل قوله : أطعم الضارب ، من دون رعاية عناية في البين أصلا ، فيكون يكشف ذلك عما ذكرناه من المناط وانه انما هو باعتبار اخذ المبدء ولحاظه وجها وعنوانا للذات وطورا من أطوارها لا من جهة اعتباره بعنوان اللابشرطية والايلزمه الاحتياج إلى رعاية عناية في البين في صورة جعل الأوصاف موضوعا في القضايا. وحينئذ ففي ذلك أيضا شهادة على بطلان المسلك الثالث في البساطة ، لأنه على ذلك المسلك لايكون المشتق الا عبارة عن صرف المبدء المقابل للذات فليس هناك ذات حينئذ كي يصح ان يجعل المبدء وجها وعنوانا لها كما لايخفى.

لايقال : بأنه على المعنيين الأولين من البساطة كما يمكن ان يكون المبدء ملحوظا تبعا للذات ووجها لها كذلك يمكن ان يكون ملحوظا استقلالا لا تبعا للذات وعليه فلايختص الاشكال بالمسلك الأخير.

فإنه يقال : نعم انه وان أمكن ذلك أيضا الا ان المعين لتبعيته للذات في مقام اللحاظ انما هو وقوعها موضوعا لبعض الاحكام الخاصة من نحو وجوب الاكرام والاطعام وتقبيل اليد والرجل ونحوهما مما لايصح الا بنفس الذات فكان مثل هذا المعنى قابلا للسريان في جميع الموارد بخلافه على المعنى الآخر كما هو واضح.

اخطار : قد تقدم في أصل المسألة قول لبعض الاعلام بالتفصيل في كون المشتق حقيقة في الأعم أو المتلبس الفعلي بين كون المشتق مركبا أو بسيطا وانه على الأول يتعين القول بكونه حقيقة في الأعم وعلى الثاني يكون حقيقة في خصوص المتلبس الفعلي

١٤٥

نظرا إلى أن الحمل لايكون الا بملاك الاتحاد في الوجود والاتحاد لايكون الا في ظرف الوجود. ولكن التحقيق يقتضي خلافه ، إذ نقول : بأنه اما على القول بالتركب سواء كان ثلاثيا أو ثنائيا فلا شبهة في أنه قابل في نفسه للاختصاص بالمتلبس الفعلي أيضا ولا يتعين القول به للقول بالحقيقة في الأعم ، كما عرفت شرحه مفصلا ، بل قد عرفت فيما سبق بمقتضي الأدلة المتقدمة تعين القول بالمتلبس الفعلي ، واما على القول بالبساطة فعلى البساطة بالمعنى الثاني أيضا يكون قابلا للامرين إذ مرجع النزاع حينئذ إلى أن المشتق حقيقة في المبدأ بمقدار اتحاده مع الذات وتطابقه معها كي يختص بالمتلبس الفعلي ، أو انه حقيقة فيه لا بهذا النحو بل مع تجويز كون الذات أوسع منه كي يعم حال التلبس وغيره. نعم على المعنى الثالث في البساطة لما كان لم يؤخذ فيه ذات ولم تلحظ الأنفس المبدأ في قبال الذات يتعين عليه القول بخصوص المتلبس الفعلي لكن ذلك أيضا لا من جهة انه هو المختار في المسألة بل من جهة عدم تصور جريان هذا النزاع فيه لعدم تصور الانقضاء فيه. وهذا بخلافه على المعاني الاخر فإنه فيها تكون الذات ملحوظة اجمالا اما ضمنا أو استقلالا بلحاظ المبدأ تبعا لها فتكون قابلة بهذه الجهة لجريان النزاع فيها في كونه للأعم أو المتلبس الفعلي. وعليه فالتفصيل المزبور بين القول بالتركب وبين القول بالبساطة خال عن التحصيل كما لايخفى.

بقى الكلام فيما استدل به الشريف

على بساطة المشتق وعدم تركبه من الوجوه العقلية.

فنقول : انه استدل على البساطة فيما حكى عنه بما مفاده انه لو كان المشتق مركبا من الذات والمبدأ فلا يخلو : اما ان يكون المأخوذ هو مفهوم الذات والشيئية المطلقة أو مصداقها والشيئية الخاصة ، وعلى التقديرين لايمكن دعوى اخذ الذات في مفهومه ومعناه لعدم خلوه عن المحذور ، وذلك اما على الأول ( من فرض اخذ مفهوم الذات فيه ) فمن جهة لزوم دخول العرض العام في الفصل فيما لو كان المشتق من الذاتيات كالناطق وبطلان هذا المحذور انما هو من جهة استلزامه لعدم كون الناطق ذاتيا للانسان وفصلا له ، لأنه على هذا التقدير اما ان يكون جزئه الاخر ذاتيا أو لا وعلى التقديرين يصير

١٤٦

الناطق خارجا لان المركب من الخارجين كما يكون خارجا ولايكون فصلا ومقوما للانسان كذلك المركب من الخارج والداخل ، فهو أيضا يكون خارجا ولايكون فصلا ومقوما للانسان ، مع لزومه أيضا دخول العرض في النوع بنفس دخوله في الفصل وهو الناطق ، وهو واضح. واما على الثاني ( وهو ان يكون المأخوذ فيه مصداق الذات والشيئية الخاصة ) فمن جهة لزومه محذور انقلاب القضايا الممكنة في مثل الانسان ضاحك ضرورية ، لان مصداق الذات حينئذ لايكون الا الانسان وثبوته لنفسه ضروري ، بل ولزومه أيضا دخول النوع في الفصل في مثل الناطق. هذا ملخص ما أفيد من البرهان على بساطة المشتق وعدم تركبه.

ولكن لايخفى عليك ان هذا البرهان لو تم فإنما هو على احتمال تركب المشتق من حيث المفهوم فإنه على هذا الاحتمال ربما يرد عليه هذه المحاذير : من لزوم دخول العرض في الفصل والنوع تارة ولزوم انقلاب القضايا الممكنة ضرورية أخرى ، ولكنك قد عرفت مفروغية بساطة مفهوم المشتق وحقيقته باصطلاح أهل المعاني والبيان عند الجميع وانه لايكون مفهوم العالم والضارب ونحوهما الا معنى بسيطا ، وان ما هو محل البحث والنزاع بينهم من حيث التركب والبساطة انما هو حقيقة المشتق بما هو مصطلح أهل المعقول بأنه علاوة عن بساطة أصل المفهوم هل هو بسيط أيضا بحسب الحقيقة عند الحكيم ومنشأ انتزاع هذا المفهوم؟ أم لا؟ بل هو بحسب الحقيقة مركب بحيث في مقام الانحلال ينحل إلى جهة مبدأ وذات ، كما في الانسان فإنه مع بساطة أصل مفهومه مركب بحسب الحقيقة عند التحليل ، ومن المعلوم بداهة انه على ذلك لو قلنا فيه بالتركب من المبدأ والذات والنسبة لايترتب عليه شيء من المحاذير من جهة ان القول بذلك لايقتضي دخول مفهوم الذات ولا مصداقه في طرف المفهوم. ثم على فرض الاغماض عن ذلك والبناء على جريان هذا الترديد في حقيقة المشتق وما هو منشأ انتزاع مفهومه نقول : بان ما أفيد من الاشكال من محذور دخول العرض العام في الفصل في فرض كون المأخوذ هو مفهوم الذات انما يرد بناء على إرادة القائل بالتركب دخول مفهوم الذات بما هي هذا المفهوم من دون كونها عبرة ومرآة إلى ما هو المعروض الحقيقي والا فبناء على إرادة دخولها بما هي مرآة جمالية لما هو المعروض الحقيقي الذي تارة يكون جوهرا وأخرى عرضا وثالثة جسما في قولك النامي ورابعة حيوانا كما في الماشي وخامسة انسانا وسادسة غير ذلك

١٤٧

على حسب اختلاف المبادي وما يناسبها من المعروضات ، فلايتوجه هذا المحذور إذ يمكن ان يقال حينئذ : بان ما هو المحمول والمعروض الحقيقي في مثل الناطق الذي يحكى عنه الذات انما هو النفس الناطقة ونحو الوجود الخاص وعليه فلا يلزم محذور دخول العرض العام في الذاتي والفصل بوجه أصلا كما لايخفى. ومن ذلك البيان أيضا نقول : بان ما افاده الشريف من الترديد بين الشقين بناء على التركب من كون المأخوذ تارة مفهوم الذات وأخرى مصداقها ليس على ما ينبغي ، وانما الحري حينئذ هو الترديد بين الشقوق الثلاثة : من كون المأخوذ تارة مفهوم الذات بما هي هذا المفهوم ، وأخرى هذا المفهوم بما هي مرآة اجمالية لما هو المعروض الحقيقي الذي يختلف باختلاف المبادي حسب ما يناسبها ، وثالثة مصداق الذات ، ولقد عرفت انه على القول بالتركب كان المتعين هو الشق الأوسط من الشقوق الثلاثة.

وعليه قد عرفت اندفاع الاشكالات بأسرها كما هو واضح من دون احتياج إلى التفصي عن الاشكال المزبور بما في الفصول بان كون الناطق فصلا مبني على عرف المنطقيين حيث اعتبروه مجردا عن الذات فلاينافي حينئذ مع وضعه لغة لذلك كي يتوجه عليه اشكال الكفاية قدس‌سره بأنه من المقطوع ان الناطق قد اعتبر فصلا بما له من المعنى دون تصرف فيه ، ولا إلى سلب الفصلية عن الناطق حقيقة والمصير إلى كونه من أظهر الخواص وانه فصل مشهوري كما في الكفاية ولا إلى التفصي عنه بوجه ثالث من دعوى ان المراد من النطق في الناطق انما هو النطق الجوهري كما افاده بعض الاعلام ، كيف وانه على الأخير يعود المحذور المزبور أيضا بأنه بناء على التركب فهل المأخوذ هو مفهوم الذات أو مصداقها؟ وعلى مقالة الكفاية من سلب الفصلية عن الناطق وجعله فصلا مشهوريا ومن أظهر الخواص يتوجه عليه محذور لزوم دخول الخارج المحمول في الخاصة التي هي من المحمولات بالضميمة من جهة ان مفهوم الذات لايكون الا أمرا اعتباريا منتزعا عن منشئه من دون ان يكون له ما بإزاء في الخارج أصلا ومعلوم أيضا ان محذور دخول الخارج المحمول في الخاصة لايكون بأقل من محذور دخول العرض في الذاتي. وهذا بخلافه على ما ذكرنا إذ عليه أمكن لنا ان نقول : بان الناطق فصل حقيقي للانسان ومع ذلك لايتوجه الاشكال لزوم دخول العرض في الذاتي وذلك بجعل المأخوذ هو منشأ انتزاع مفهوم الذات والشيء الذي تارة يكون جوهرا وأخرى عرضا وثالثة جسما و

١٤٨

رابعة حيوانا وخامسة غير ذلك حسب ما شرحناه آنفا فتدبر. هذا كله فيما افاده من الاشكال الأول من لزوم دخول العرض في الذاتي في مثل الناطق.

واما ما افاده من الاشكال الثاني من لزوم محذور انقلاب القضايا الممكنة ضرورية في مثل الضاحك بناء على كون المأخوذ هو مصداق الذات والشيئية الخاصة ، فيمكن دفعه على هذا الفرض أيضا بما في الفصول : من أن المحمول إذا كان هو الذات المقيدة بالوصف دون الذات المطلقة فلا يلزم الانقلاب لأنه إذا لم يكن ثبوت القيد ضروريا فكذلك المقيد أيضا فلايكون ثبوته أيضا للموضوع ضروريا ، وعليه فقضية زيد كاتب أوضاحك قضية ممكنة لا ضرورية.

ولا يرد عليه ما في الكفاية : من عدم اضرار ذلك بدعوى الانقلاب من تقريب ان المحمول حينئذ اما ان يكون هو الذات المقيدة بنحو خروج القيد ودخول التقيد بما هو معنى حرفي فالقضية تكون ضرورية لضرورة ثبوت الانسان المقيد بالضحك للانسان ، واما ان يكون هو المقيد بنحو دخول القيد أيضا فكذلك أيضا لان قضية الانسان ضاحك تنحل بحسب عقد الوضع والحمل إلى قضيتين : قضية الانسان انسان وهي ضرورية وقضية الانسان له الضحك وهي ممكنة ، وذلك من جهة ان الأوصاف قبل العلم بها اخبار والاخبار بعد العلم بها أوصاف. وتوضيح هذه الجملة التي أفادها هو ان النسبة كما تقدم سابقا على صنفين : ايقاعية ووقوعية والمراد من الأول هو حصول النسبة وتحققها خارجا من العدم إلى الوجود ومن الثاني هو وقوع النسبة وثبوتها فارغا عن أصل ثبوتها وتحققها ، فكانت النسبة الوقوعية دائما في رتبة متأخرة عن النسبة الايقاعية التي هي مفاد القضايا التامة بملاحظة ترتب الوقوع دائما على الايقاع ، وكانت القضايا المشتملة على النسبة الايقاعية مسماة بالقضايا التامة كزيد قائم وضرب زيد والقضايا المشتملة على النسب الثانية مسماة بالقضايا الناقصة والمركبات التقييدية كزيد القائم ، فعلى ذلك لو قيل ( الانسان ضاحك أو كاتب ) يتولد من هذه القضية الايقاعية قضية تقييدية وهي الانسان الذي له الضحك فإذا جعل ما هو الموضوع في هذه القضية محمولا في القضية الأولى يصير الحاصل الانسان انسان له الضحك فيعود محذور الانقلاب من جهة ضرورية ثبوت الانسان لنفسه ولو كان بلحاظ الاتصاف بالضحك فلا يجدي حينئذ تقيد المحمول بوصف امكاني في رفع غائلة الانقلاب هذا.

١٤٩

أقول : ولايخفى عليك انه لا مجال لا يراد هذا الاشكال على الفصول لان المحمول بعد أن كان عبارة عن المقيد بالوصف بما هو مقيد يلزمه لا محالة كونه أخص وأضيق من الموضوع ومعه لايكون ثبوت الخاص للعام ضروريا بل انما هو يكون بالامكان ، هذا بناء على فرض دخول التقيد. واما على فرض دخول القيد فكذلك أيضا من جهة ان دائرة المحمول لا محالة تكون أخص وأضيق من الموضوع ومعه يكون ثبوته له بالامكان لا بالضرورة. واما قضية الانحلال فأجنبية عن المقام إذ لايكاد يجدي تلك في المقام بعد عدم اقتضائه لجملتين مستقلتين في الحمل كما هو واضح. بل ولئن تدبرت ترى كونه كذلك ولو بناء على خروج القيد والتقيد جميعا من جهة وضوح ان ما هو المحمول حينئذ انما يكون أيضا عبارة عن الانسان التوأم مع القيد الامكاني دون الانسان المطلق وثبوت هذا المعنى التوأم للانسان أيضا يكون بالامكان لا بالضرورة. وحينئذ فما افاده في الفصول في اثبات عدم الانقلاب في غاية المتانة والصواب وان كان قد شطر هو قدس‌سره فيه ويا ليته لم يشطر في كلام نفسه.

تذييل ( وفيه إشارة إلى ما سبق )

وهو انه قد عرفت فيما تقدم اختيار المعنى الثاني من المعاني الأربعة المتصورة في المشتق وهو الانحلال إلى المبدأ ونسبة ناقصة مع وحدة أصل المفهوم وبساطته. وحينئذ نقول : بأنه كما على القائل بالتركب من المبدء والنسبة والذات تعين ان المأخوذ هو مفهوم الذات أو مصداقها ، كذلك علينا أيضا تعين ذلك وان الذات التي هي طرف هذه الإضافة والنسبة هل هو مفهوم الذات والشيء أو مصداقها؟ بل ولابد أيضا ذلك على المعنى الثالث. نعم القائل بالمعنى الرابع في فسحة عن ذلك فإنه على ذلك المسلك لم يؤخذ الذات في المشتق ولم تلحظ أصلا إذا المشتق عليه عبارة عن صرف المبدء المقابل للذات ولذا التجأ في مقام الفرق بين المشتق والمصدر بالتفرقة بينهما باعتبار اللابشرطية والبشرط لائية.

وحينئذ نقول مقدمة : بان العناوين المأخوذة في لسان الدليل موضوعا للحكم تارة تكون مأخوذة في نفسها وبنحو الاستقلال بلا كونها مرآة لشيء آخر وأخرى تكون مأخوذة مرآة إلى الغير كما في قولك : أكرم من في الصحن مشيرا به إلى الأشخاص الخاصة

١٥٠

من زيد وعمرو وبكر وعلى الثاني فتارة يجعل ذلك مرآة إلى الأشخاص والمصاديق الخاصة على كثرتها وأخرى لا بل يجعل ذلك مرآة إلى الأنواع والأصناف. والفرق بينهما واضح كوضوح الفرق بينهما وبين الأول حيث تظهر الثمرة في عالم قصد الامتثال بالخصوصية من حيث التشريع وعدمه كما في صورة اكرام زيد العالم بقصد الخصوصية الزيدية لا بعنوان انه فرد من افراد العالم في مثل خطاب أكرم العالم فإنه على بعض التقادير فعل تشريعا محرما وعلى بعضها الاخر تحقق منه الامتثال بذلك.

وبعد ما عرفت ذلك نقول : بان تلك المحتملات الثلاثة وان كانت جارية في الذات ولكن المتعين منها هو الاحتمال الأخير من كونها مرآة إلى الأنواع والأصناف ، فان الاحتمال الأول مما لايمكن الالتزام به من جهة عدم خلوه عن المحاذير التي منها لزوم دخول العرض في الفصل في مثل الناطق ، ومنها عدم المناسبة لإضافة بعض الأحكام إليه كما في قوله : أكرم العالم ، ومنها غير ذلك. وكذا الاحتمال الثاني فإنه أيضا بعيد في نفسه غاية البعد لما يلزمه من محذور دخول جميع المصاديق بخصوصياتها في المشتق الواحد كالعالم والضاحك ، مع أنه ليس كذلك قطعا. وحينئذ فبعد بطلان الوجهين الأولين يتعين الوجه الثالث من كونه مأخوذا مرآة إلى الأنواع والأصناف بما يناسب في كل مشتق حسب اختلاف المبادي المأخوذة فيها وما يناسبها ، وبذلك نجمع بين اتحاد المشتقات من وجه واختلافها من وجه فنقول : بأنها في عين اتحاد وضعها تنسبق من كل مشتق خصوصية دون الأخرى. وحينئذ فما هو الموضوع للأحكام من نحو وجوب الاكرام والاطعام في كل مشتق كالعالم والقائم والضارب ونحوها عبارة عن نفس المرئي بهذا العنوان غايته بما هو موجه بوجه المبدء المأخوذ فيه ، كما أنه هو المحمول أيضا في كلية القضايا ، ولذلك أيضا دفعنا ما أورده المحقق الشريف من الاشكال في مثل الناطق فقلنا : بان ما هو الفصل الحقيقي في مثل الناطق عبارة عن النفس الناطقة الانسانية لكونها هي الموجهة والمتصفة بوجه المبدأ دون نفس المبدأ كي نحتاج إلى جعله عبارة عن النطق الجوهري فتدبر.

الامر الثاني :

لايخفى عليك انه لا فرق فيما ذكرنا في المشتقات بين الأوصاف الجارية على الممكنات

١٥١

وبين الأوصاف الجارية على الواجب سبحانه ، فكما انه في الأوصاف الجارية على غيره سبحانه تجرى المحتملات المتصورة الأربعة في التركب الانحلالي والبساطة ، كذلك تجري في الأوصاف الجارية عليه سبحانه كالعالم والقادر والحي ، إذ لا وجه لتخصيص النزاع المزبور بالأوصاف الجارية على الممكن الا ملاحظة عدم تصور المغايرة في الواجب بين الذات والوصف نظراً إلى رجوع جميع الصفات الثبوتية الكمالية إلى ذاته تعالى وكون علمه سبحانه عين ذاته وذاته المقدسة عين قدرته وارادته وهكذا بلا ان يكون فيه سبحانه حيث وحيث ، فإنه من اجل ملاحظة هذه الجهة ربما يتوهم تعين القول الرابع بالنسبة إلى الأوصاف الجارية عليه سبحانه ، بل ولعل مثل هذه الجهة أيضا ألجأ أهل المعقول في مصيرهم إلى بساطة المشتق مطلقا وجعلهم إياه عبارة عن صرف المبدأ المقابل للذات. ولكنه توهم فاسد إذ نقول بأنه في الواجب سبحانه وان لم يكن حيثية دون حيثية ولا مغايرة بين علمه وقدرته وارادته وذاته فكان هو سبحانه بحتا بسيطا من جميع الجهات وكان علمه بين ذاته وذاته عين قدرته وارادته لرجوع جميع الكمالات إلى ذاته ووجوده ، ولكن نقول بان عقول الممكنات طرا لما كانت قاصرة على الإحاطة بذلك الواحد الأحد ولم تدرك منه سبحانه الا بقدر قابليتها واستعدادها فلا جرم إذا كان هم عقول الممكن جهة دون جهة وقصر النظر على علمه أو قدرته أو حياته أو ارادته سبحانه يصير مدركه لا محالة محدودا في نظره بحيث ينتزع من حد ما أدركه حيثية الذات تارة ، والعلم أخرى ، وحيثية الإرادة والقدرة ثالثة ، وهكذا ، من دون ان يكون تلك الحيثيات الانتزاعية الناشئة من جهة قصور النظر راجعة إليه سبحانه. وحينئذ فإذا كانت تلك المغايرة والحيثيات ناشئة من جهة قصور درك عقول الممكن لذلك الواحد الأحد ، فلا جرم المحتملات الأربعة المزبورة تجري في الأوصاف الجارية عليه سبحانه من كونه موضوعا للمبدء مع الذات والتلبس بأجمعها كما هو قضية القول بالتركب الانحلالي أو موضوعا للمبدء والنسبة ، أو لنفس المبدأ فقط. كما أن المصحح للحمل فيها أيضا هو المغايرة المزبورة ذهنا الناشئة من جهة قصور درك العقل إذ لايحتاج في صحة الحمل إلى أزيد من المغايرة بين المفهومين من وجه واتحادهما خارجا. نعم غاية ما هناك هو كون الاتحاد بالنسبة إلى الأوصاف الجارية عليه سبحانه عينيا وبالنسبة إلى الأوصاف الجارية على غيره سبحانه اينيا فتدبر.

١٥٢

الامر الثالث

قد علم مما سبق ان الهيئة في المشتق تدل على قيام المبدء بالذات على اختلاف أنحاء القيام حسب اختلاف المبادي صدورا أو حلولا أو وقوعا ، ففي المبادئ اللازمة تدل الهيئة على قيام المبدأ بالذات بنحو الحلول كالميت والقائم والذاهب ونحوها وفي المبادي المتعدية كالضارب ونحوه تدل الهيئة على قيام المبدأ بالذات بنحو الصدور وفي مثل المقتول والمضروب والمقتل تدل الهيئة على قيام المبدء بالذات بنحو الوقوع عليه أو فيه ، وفي مثل العالم الجاري على الممكن تدل على القيام بنحو الحلول ، وفى الجاري عليه سبحانه تدل على القيام بنحو الاتحاد العيني لكونه منتزعا عن بعض الجهات المدركة من الذات ، والجامع في الكل هو القيام بذات المجري عليه بنحو من أنحائه.

نعم في مثل المولم والمقيم ربما يقع الاشكال بلحاظ ان المبدأ وهو الأعم والقيام فيهما لايكون له قيام بذات المجري عليه بل قيامهما انما كان بالغير وجهة ايجادهما واصدارهما كان قائما بذات المجري عليه ، نعم هذا الاشكال لايتوجه في مثل الضارب فان الايجاد فيه مستفاد من نفس المبدء وقيام الايجاد والاصدار كاف فيه ، بخلافه في مثل المؤلم والمقيم إذا المبدأ فيهما كان لازما ولايكون باصداري وحينئذ فجعل مثل الضارب في عداد المؤلم والمقيم في الاشكال كما في الكفاية مما لا وجه له. وعلى كل حال فلابد حينئذ في التفصي عن الاشكال من الالتزام بأحد الامرين اما رفع اليد عما ذكرناه من لزوم قيام المبدء في المشتقات بنفس ذات المجري عليه والاكتفاء بمطلق القيام ولو بالغير ، أو الالتزام باختلاف الهيئات وان الهيئة في بعضها تدل على صرف قيام المبدء بالذات وبعضها على قيام ايجاد المبدء كما في المؤلم والمقيم.

واما توهم ان المبدأ في المؤلم والمقيم انما كان هو الايلام والإقامة وهما دالان على الايجاد فالهيئة فيهما تدل على قيام هذا الايجاد بالذات من دون احتياج إلى دلالة الهيئة عليه كي يلتزم باختلاف الهيئات ، فمدفوع بما تقدم بان المبدأ في المشتقات لايكون هو المصدر بل وانما المبدأ في الجميع هو المعنى الساري في جميع الصيغ من الافعال والمصادر والأسماء والمزيد وغيره ، وارجاع علماء الأدب صيغ كل باب من المزيد وغيره إلى

١٥٣

مصدره وجعلهم المصدر من كل باب أصلا ومبدأ لسائر الصيغ استحساني محض ، والا ففي الحقيقة ما هو المبدأ والأصل في جميع الهيئات من كل باب لايكون الا المعنى المحفوظ الساري في ضمن الجميع ، وعليه فألف اكرام مثلا لايكون جزء للمادة بل وانما هي مقوم للهيئة نظير الف ضارب وميم مقتول ومضروب.

كما أن توهم ان الهيئة الطارية على المادة في نحو المؤلم والمقيم هيئتان طوليتان دالة إحديهما على الايجاد والأخرى على القيام بالذات ، مدفوع بأنه من المستحيل ، لكونه أشبه شيء بطرو الصورتين على مادة واحدة في زمان واحد ، وبطلان هذا المعنى واضح لايحتاج إلى البيان.

وحينئذ فلا محيص الا من الالتزام بأحد الامرين المزبورين اما الالتزام باختلاف الهيئات أو رفع اليد عما ذكرناه من دلالة الهيئة على قيام المبدأ بالذات والاكتفاء في هيئات المشتقات بمطلق القيام بالذات ولولا بذات المجري عليه ، وفي مثله ربما كان المتعين هو الأول فنلتزم باختلاف الهيئات في المشتقات باختلاف الأبواب الثلاثي والمزيد ولكنه لا بنحو التباين بل بنحو القلة والكثرة فكان هيئة اسم الفاعل في أبواب الثلاثي المجرد مثلاتدل على قيام المبدء وتزداد في مثل باب الافعال فتدل هيئة اسم الفاعل فيها على قيام ايجاد المبدأ بالذات المجري عليها ، وكذا في باب الانفعال والافتعال فتدل الهيئة على قيام القبول والتطوع بالذات ، وقد تزيد أيضا فتدل على قيام المضاعفة كما في باب التفعيل ، وهكذا فتدبر.

دفع وهم : قد يقال بعدم دلالة المشتق على النسبة التي هي معنى حرفي نظراً إلى اقتضائه حينئذ تضمن المعنى الحرفي فيلزمه لا محالة كونه مبنيا لا معربا ، بل ومن هذه الجهة أنكر دلالة سائر الصيغ على النسبة الناقصة حتى المصدر أيضا. ولكنه مدفوع حيث نقول بان ما دل على النسبة الناقصة انما هي الهيئة القائمة بالمادة العارية عن النسبة وانه لايكاد يقتضي مجرد ذلك بناء الاسم إذ الأسماء المبنية هي التي وضعت بوضع واحد لما اشتمل على النسبة وأين ذلك والمقام الذي كان الدال على النسبة نفس الهيئة! كيف وان لازم هذا المعنى هو الغاء الهيئة عن الوضع المستقل رأسا والمصير إلى كون وضع المشتقات من قبيل وضع الجوامد وهو كما ترى.

الامر الرابع : لايخفى عليك انه لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات تلبس

١٥٤

الذات بالمبدأ حقيقة ، بل يكفي فيه مطلق تلبسها به ولو عناية أو ادعاء كما في الميزاب جار بأي نحو فرض من العنايات ، اما بتصرف في مدلول الكلمة واستعمالها في غير معناها الحقيقي ، واما بتصرف في الاسناد مع ابقاء الكلمة على معناها الحقيقي بان كان الاسناد أي اسناد الجريان إلى غير ما هو له ، واما بتصرف في الامر العقلي بمعنى التصرف في موضوع الجريان بادعاء كون الميزاب من مصاديق ما هو موضوع الجريان ثم اسناد الجريان إليه مع ابقاء الكلمة والاسناد على حالهما نظير قولك رأيت أسدا مريدا به الرجل الشجاع بعد ادعائك كونه هو الأسد ، فإنه على كل تقدير يصح جرى المشتق على الذات ، وان كان المتعين من بين المحتملات المزبورة هو الأخير لكونه أقل عناية من غيره وأقرب إلى الاعتبار وما يقتضيه الوجدان ، فعلى ذلك لا وجه لما في الكفاية من المصير إلى المجاز في الاسناد في مقام الرد على الفصول ، وان كان لا مجال أيضا لما افاده الفصول من الالتزام باعتبار الاسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة كما لايخفى. هذا تمام الكلام في المشتقات.

١٥٥

الكلام في المقاصد فنقول :

المقصد الأول في الأوامر

وفيه مباحث : المبحث الأول فيما يتعلق بمادة الامر ، ويقع الكلام فيه في جهات :

الجهة الأولى في معنى الامر فنقول وبه نستعين ان الامر يطلق على معان : منها الطلب كما يقال امره بكذا أي طلب منه كذا. ومنها الشأن ومنه شغلني امر كذا أي شأن كذا. ومنها الفعل ومنه وما امر فرعون برشيد أي فعله. ومنها الشيء كقولك رأيت اليوم أمرا عجبا. ومنها الحادثة والغرض كقولك وقع اليوم امر كذا وجئتك لأمر كذا. ومنها غير ذلك. ولكن التحقيق كونه حقيقة في خصوص الشيء الذي هو من الأمور العامة العرضية لجميع الأشياء الشامل للفعل والشأن والحادثة والشغل ونحو ذلك فكان اطلاقه في تلك الموارد المختلفة بمعناه غايته من باب الدالين والمدلولين حيث أريد تلك الخصوصيات بدوال أخر من غير أن يكون الامر مستعملا في تلك الموارد في مفهوم الغرض والتعجب والفعل ولا في مصداقها بوجه أصلا. نعم ذلك كله بالنسبة إلى غير المعنى الأول وهو الطلب واما بالنسبة إليه فهو وان كان أيضا أمرا من الأمور وشيئا من الأشياء فكان من مصاديق ذلك العنوان العام العرضي ، ولكن الظاهر كونه موضوعا بإزائه بالخصوص أيضا قبالا لوضعه لذلك المعنى العام العرضي ، كما أن الظاهر هو كونه من باب الاشتراك اللفظي دون الاشتراك المعنوي بملاحظة عدم جامع قريب بينهما ، كما يشهد لذلك قضية اختلافهما من حيث الاشتقاق وعدمه فإنه بمعنى الطلب يكون معناه اشتقاقيا فيشتق منه صيغ كثيرة من المصدر والفعل الماضي والمضارع واسمى الفاعل و

١٥٦

المفعول كما يقال : امر يأمر آمر مأمور بخلافه على كونه بمعنى الشيء فإنه عليه يكون من الجوامد. وربما يشهد لذلك أيضا قضية الجمع فيهما ، من مجيئه على الأول على الأوامر وان كان على غير القياس ، وعلى الثاني على الأمور ، والجمع يرد الأشياء إلى أصولها وحينئذ فلاينبغي الاشكال في كونه موضوعا بالخصوص للطلب أيضا.

ثم إن محل الكلام في المقام انما هو الامر بمعنى الطلب دونه بمعنى الشيء فلابد حينئذ من بيان انه هل هو موضوع للطلب الحقيقي والإرادة القائمة بالنفس بحيث كان القول أو الإشارة مبرزا لها وكاشفا عنها؟ أو انه موضوع للطلب المبرز بالقول أي مفهومه المبرز بالقول أو بالأعم منه ومن الإشارة ونحوها؟ أو انه موضوع لنفس ابراز الطلب بالقول أو الإشارة؟ حيث إن فيه وجوها ، أبعدها الأول ، لما يرى من عدم صدق الامر على مجرد الإرادة النفسانية الغير البالغة إلى مرحلة الابراز حيث لا يصدق على من كان طالبا لشيء من عبده ومريدا له منه بلا ابراز ارادته بالقول أو نحوه أنه آمر به ، بل الصادق عليه انه طالب ومريد غير آمر ، على أن لازم ذلك هو ان يكون استعماله دائما في غير معناه الموضوع له لان ما يجيء في الذهن عند الاستعمال لايكون الا صورة الإرادة ومفهومها لا حقيقتها وعليه فلايكون استعماله في معناه الحقيقي الذي هو الإرادة القائمة بالنفس.

وحينئذ فبعد بطلان هذا المعنى يدور الامر بين كونه حقيقة في الطلب المبرز بما هو مبرز بالقول أو الإشارة بنحو خروج القيد ودخول التقيد أو كونه حقيقة في ابراز الطلب وهو القول الحاكي عنه ، ولكل منهما وجه وجيه ، وان كان قد يقال بتعين الأخير نظراً إلى ظهور العنوان وهو الامر في الاختيارية وكونه على الأخير اختياريا بتمامه من الابراز والتقيد بالطلب ، بخلافه على الأول ، فإنه من جهة جزئه الركني وهو الطلب غير اختياري. ولكنه توهم فاسد ، فان ما ذكر مجرد استحسان لا يثبت به الوضع خصوصا مع استلزام الأخير لعدم صحة الاشتقاقات منه باعتبار عدم كون معناه حينئذ معنى حدثيا قابلا للاشتقاق ، لان ما هو المبرز حينئذ انما كان هو الهيئة ومعناه لايكون الا معنى جامديا غير حدثي بخلافه على الأول فان المعنى عليه بنفسه يكون معنا حدثيا قابلا للاشتقاق منه. وما قيل من أنه على الأول أيضا يلزمه خروج الصيغ كلها عن المصداقية للامر من جهة عدم كونها عبارة عن نفس الطلب وانما هي مبرزات عنه ، مدفوع بأنه لو سلم ذلك فإنما يرد هذا المحذور لولا كونها وجوها للطلب ولو من جهة شدة حكايتها عنه و

١٥٧

الا فبهذا الاعتبار تكون عين الطلب ويحمل عليها الطلب بالحمل الشايع.

وبالجملة نقول : بأنه بعد لم يقم دليل معتد به على تعين أحد الاحتمالين بالخصوص حتى يؤخذ به ، وما ذكر من الوجوه تقريبات استحسانية محضة خصوصا مع عدم ترتب ثمرة في البين على كونه حقيقة في الطلب المبرز أو في ابراز الطلب ، من جهة ان القائل بكونه حقيقة في ابراز الطلب انما يدعى كونه حقيقة فيه بما انه حاك عن الطلب وبما هو وجه له لا بما انه نفس الابراز ولو مع عدم الحكاية عن الطلب ، وحينئذ فالأولى هو صرف الكلام عن تلك الجهة.

نعم ينبغي ان يعلم بأنه على كلا التقديرين لا خصوصية لخصوص الابراز بالقول في صدق الامر بل الابراز بما انه يعم القول والإشارة ونحوها ، واما ما يرى في بعض الكلمات من التعبير عنه بالطلب بالقول فإنما هو لمكان الغلبة لا من جهة خصوصية في الابراز القولي ، كما هو واضح.

نعم يبقى الكلام في جهة أخرى وهي ان الامر هل هو عبارة عن نفس الطلب أي المفهوم المتنزع عن حقيقته غايته بما انه يرى عين الخارج لا بما انه مفهوم ذهني ولا بما هو كما في كلية مداليل الألفاظ كي يكون لازمه عدم انطباقه على مجرد الطلب الانشائي؟ أو أنه عبارة عن هذا المفهوم لكنه بما هو موقع باستعمال اللفظ فيه بقصد الايقاع المعبر عنه بالطلب الانشائي؟ حيث إن فيه وجهين اختار ثانيهما في الكفاية حيث قال : بان لفظ الامر حقيقة في الطلب الانشائي الذي لايكون طلبا بالحمل الشايع بل طلب انشائي سواء أنشأ بمادة الامر أو بمادة الطلب ، مثل آمرك واطلب منك كذا ، أو بصيغة افعل. ولكن التحقيق يقتضي خلافه وانه لايكون الامر حقيقة الا في نفس المفهوم بما هو حاك عن الطلب الحقيقي الخارجي ، فما هو المستعمل فيه في مثل اطلب منك بداعي الانشاء لايكون الأنفس المعنى وصرف المفهوم ، غايته ان استعماله فيه مكيف باستعمال انشائي بمعنى كونه بداعي موقعية المفهوم وموجديته ، فكان حيث الانشائية من شؤون نحو الاستعمال وكيفياته القائمة به لا انه مأخوذ في ناحية المستعمل فيه ولو بنحو خروج القيد ودخول التقيد ، لأنه من المستحيل اخذ مثل هذه الجهة ولو تقيدا في ناحية المستعمل فيه ، وهذا واضح بعد وضوح تأخر الاستعمال عن المستعمل فيه تأخر الحكم عن موضوعه. وحينئذ فلا محيص من دعوى ان المعنى انما كان عبارة عن صرف المفهوم بما انه حاك عن الطلب

١٥٨

الحقيقي الخارجي الذي بوجه عينه دون الطلب الانشائي ، على أن لازم هذا القول هو صدق الامر والطلب ولو لم يكن في البين في الواقع طلب ولا إرادة كما في الأوامر الامتحانية والأوامر المنشأة بداعي السخرية ، مع أنه كما ترى ، إذ المتبادر من قوله : امر بكذا ، انما هو البعث نحو الشيء عن إرادة جدية دون البعث بغيرها من الدواعي. واما احتمال ان المراد من الطلب المذكور في عبارته هو الطلب الموقع بالاستعمال بما هو موصوف بوصف الموجدية ولو باعتبار كاشفية المستعمل فيه اللفظ عن الإرادة الجدية دون الطلب الانشائي بما هو طلب انشائي ، فمدفوع بأنه وان أمكن هذا الحمل فيرتفع به المحاذير ويصدق عليه أيضا الطلب الانشائي باعتبار كونه موقعا باستعمال اللفظ في مفهومه بعنوان مرآتية المفهوم عن الطلب الحقيقي ويصدق عليه أيضا بهذا الاعتبار الطلب الحقيقي بنحو الحمل الشايع ، ولكنه يبعده ما صرح به هو قدس‌سره بان مدلول الامر ليس هو الطلب الذي يصدق عليه الطلب بالحمل الشايع ، وعليه فيتجه الاشكال المزبور من لزوم صدق الامر عند الخلو عن الإرادة. فتلخص ان الامر على مسلك الكفاية قدس‌سره عبارة عن الطلب بما هو منشأ وموقع ، فكان الانشاء الذي هو من شؤون نحو الاستعمال ومن كيفياته مقوما لتحقق الامر ، ومن هذه الجهة يكون الامر على مسلكه منتزعا عن الرتبة التي بعد الانشاء المتأخر عن الاستعمال ، فيكون تأخره عن نفس مفهوم الطلب المستعمل فيه اللفظ بمرتبتين من دون دخل للإرادة الجدية أيضا في صدق الامر وتحققه. واما على ما سلكناه فيكون الامر عبارة عن نفس الطلب أي مفهومه بما هو حاك عن الطلب الحقيقي القائم بالنفس ، فبهذا الاعتبار يصدق عليه الطلب الحقيقي ويحمل عليه بالحمل الشايع.

الجهة الثانية :

بعد ما عرفت من أن الامر حقيقة في الطلب المبرز أو في ابراز الطلب ، فهل يعتبر فيه أيضا العلو؟ أو انه لا يعتبر فيه ذلك فيصدق الامر على مطلق الطلب الصادر ولو كان صدوره من المساوي أو السافل؟ فيه وجهان : أقويهما الأول لصحة سلبه عن الطلب الصادر عن السافل والمساوي حيث يصح ان يقال : انه ليس بأمر حقيقة بل هو سؤال والتماس ،

١٥٩

كيف وان الامر انما هو مساوق ل‍ ( فرمان ) بالفارسية ، وهو يختص بما لو كان الطالب هو العالي دون السافل أو المساوي إذ لا يصدق ( فرمان ) على الطلب الصادر عن غير العالي. واما ما يرى من تقبيح السافل المستعلى فيما لو امر سيده بأنك لم أمرت سيدك ومولاك فإنما هو على استعلائه وتنزيل نفسه عاليا الموجب لصدور الامر منه ، لا ان التقبيح على امره ، لصدق الامر عليه حقيقة بعد استعلائه. ومن ذلك البيان ظهر أيضا بطلان توهم كفاية أحد الامرين في تحقق حقيقة الامر : اما العلو والاستعلاء ، وذلك فان غير العالي لايكاد يصدق على طلبه الامر الذي هو مساوق ( فرمان ) ولو استعلى غاية الاستعلاء ، كما أن العالي بمحض صدور الامر منه يصدق على طلبه وأمره ، الامر و ( فرمان ) وان لم يكن مستعليا في امره بل كان مستخفضا لجناحه. وعليه فما هو المعتبر في حقيقة الامر انما كان هو العلو خاصة ، واما الاستعلاء زائدا عن جهة العلو فلا يعتبر فيه بوجه من الوجوه ، كما هو واضح.

الجهة الثالثة :

في أن الامر هل هو حقيقة في خصوص الطلب الوجوبي؟ أو انه حقيقة في مطلق الطلب الجامع بين الوجوبي والاستحبابي؟ فيه وجهان : أظهر هما الثاني ، لصدق الامر حقيقة على الطلب الصادر من العالي إذا كان طلبه استحبابيا حيث يقال له : انه امر وبالفارسية ( فرمان ) من دون احتياج في صحة اطلاق الامر عليه إلى رعاية عناية في البين ، حيث إن ذلك كاشف عن كونه حقيقة في مطلق الطلب والا لكان يحتاج في صدق الامر وصحة اطلاقه على الطلب الاستحبابي إلى رعاية عناية في البين ، كما هو واضح. ومما يشهد لذلك بل يدل عليه أيضا صحة التقسيم إلى الوجوب والاستحباب في قولك : الامر اما وجوبي واما استحبابي ، وهو أيضا علامة كونه حقيقة في الجامع بينهما.

نعم لا اشكال في ظهوره عند اطلاقه في خصوص الطلب الوجوبي بحيث لو أطلق وأريد منه الاستحباب لاحتاج إلى نصب قرينة على الرخصة في الترك ، ومن ذلك أيضا ترى ديدن الأصحاب ( رضوان الله تعالى عليهم ) في الفقه في الأوامر الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمة عليهم‌السلام ، حيث كانوا يحملون الأوامر الواردة عنهم على

١٦٠