نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ١ و ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-272-7
الصفحات: ٥٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

في المصداقية لهذا المفهوم الكلي الذي هو مدلول كلمة القائم وهو الذات المتلبسة بالمبدأ بقول مطلق فإنه كما أن القطعة المتلبسة بالقيام فعلا مصداق حقيقي للقائم فيصدق عليه هذا المفهوم كذلك أيضا القطعة المتلبسة به سابقا فإنه بمجرد تلبسها بالقيام يصير تلك القطعة فردا ومصداقا حقيقيا للقائم ويصدق عليه هذا المفهوم كصدقه على المتلبس الحالي بالمبدأ من دون ان يخرج تلك القطعة عن الفردية بوجه أصلا ، وهكذا الكلام بالنسبة إلى القطعة المتلبسة بالقيام لا حقا فإنه بعد ما يرى العقل تلبسها بالقيام في الغد يرى كونها مما ينطبق عليها مفهوم القائم فيحكم فعلا بكونها فردا ومصداقا له وان لم يكن لها وجود في الخارج فعلا ، لان مصداقية شيء وفرديته لعنوان كلي غير منوط بوجوده فعلا في الخارج لان الخارج دائما ظرف وجود الفرد فارغا عن مصداقيته وفرديته ، ومن ذلك لو وقع مثل هذا العنوان موضوعا لحكم الشرعي في لسان الدليل كقوله أكرم العالم مع كون المطلوب هو صرف وجود الاكرام المضاف إلى طبيعة العالم المنطبق على أول وجود منه ترى حكم العقل في مثله بالتخيير بين اكرام الفرد الفعلي الموجود حال الخطاب وبين اكرام غيره من الافراد التدريجية التي توجد بعد ذلك ، نظير حكمه بالتخيير بين الافراد التدريجية من الصلاة من أول الظهر إلى الغروب في الفرائض اليومية فلو لا مصداقية الموجود المتأخر للعام فعلا لما كان وجه لحكمه بالتخيير بين الاتيان بالفرد الفعلي وبين الاتيان بالفرد الاستقبالي في موطنه كما هو واضح فتدبر. وحينئذ نقول : بأنه إذا كانت تلك القطعات الثلاث من الذات أي القطعة المتلبسة بالمبدأ سابقا والقطعة المتلبسة به حالا والمتلبسة به لاحقا كل واحدة منها مصداقا لمفهوم القائم وينطبق عليها هذا المفهوم الكلي بنحو الحقيقة فلا جرم يلزمه صحة جرى مفهوم القائم فعلا على القطعة السابقة واللاحقة كصحة جريه على القطعة المتلبسة بالقيام فعلا فيصح حينئذ ان يجرى المشتق فعلا ويطبقه على تلك القطعة من الذات التي تلبست سابقا بالقيام أو التي تتلبس به في المستقبل كما هو واضح.

ومن ذلك البيان ظهر نكتة أخرى وهي عدم كفاية مجرد هذا النزاع في مدلول كلمة المشتق بأنه حقيقة في المتلبس الفعلي أو الأعم منه والمنقضي عنه المبدأ في استنتاج النتيجة المعروفة من وجوب الاكرام وعدم وجوبه في مثل قوله : يحب اكرام العالم ، وكراهة البول تحت الشجرة المثمرة في قوله : يكره البول تحت الشجرة المثمرة ما لم ينضم إليه

١٢١

دعوى ظهور الهيئة الكلامية في اتحاد ظرف الاكرام خارجا مع ظرف وجود المصداق الذي هو ظرف التلبس ، ولو للانصراف ، إذ لولا دعوى مثل هذا الظهور للهيئة الكلامية في اتحاد الظرفين أمكن في أمثال تلك الموارد دعوى ان الجري الفعلي فيها كان على المجرى عليه السابق لا على المصداق الفعلي ، ولقد عرفت كون الجري المزبور حينئذ على نحو الحقيقة ولو على القول بالتلبس الفعلي ولازمه حينئذ هو وجوب الاكرام وكراهة البول على كلا القولين ولو مع عدم تلبس الذات بالمبدأ فعلا بان كان تلبسها به في سابق الزمان ، وعليه فتنتفي الثمرة المزبورة التي جعلوها ثمرة البحث بين القولين في المسألة. نعم لو ورد في لسان الدليل : بأنه أكرم من كان عالما بالأمس أو أكرم العالم الفعلي بنحو يستفاد منه كون ظرف الجري فيه بعينه هو ظرف المجرى عليه لكان المجال لاستنتاج النتيجة المزبورة فإنه على القول بالأعم يجب الاكرام في المثالين المزبورين ولو لم يكن التلبس بالمبدأ متحققا بالأمس في المثال الأول وبالفعل في الثاني ، بخلافه على القول بالتلبس الفعلي فإنه عليه لايجب الاكرام في المثالين إلا إذا كان التلبس بالمبدأ متحققا في ظرف الجري الذي هو الأمس أو الآن كما هو واضح ، ولكن مثل هذا اللسان لعدم وجوده في الأدلة أو لندرته يحلق بالعدم ومعه يتوجه الاشكال المزبور في استنتاجهم الثمرة المزبورة بين القولين في المسألة بقول مطلق. وحينئذ فلا محيص في استنتاج النتيجة المزبورة على الاطلاق من نزاع آخر في مدلول الهيئة الكلامية من نحو قوله : أكرم العالم واهن الفاسق ويكره البول تحت الشجرة المثمرة علاوة عن النزاع في مدلول كلمة المشتق وهي العالم والفاسق ونحوهما ، من دعوى ظهور الهيئة في الكلام في اتحاد ظرف الاكرام المضاف إلى العالم مع ظرف وجود المصداق الذي هو ظرف التلبس كما هو الظاهر أيضا ، كي بعد اثبات هذا الظهور للهيئة في نحو تلك القضايا في اتحاد الظرفين ولو من جهة الانصراف يترتب النتيجة المزبورة فتدبر.

الامر الثالث لايخفى عليك خروج المصادر والافعال عن حريم هذا النزاع لان المشتق المبحوث عنه في المقام انما هو المفاهيم الجارية على الذوات المنتزعة عنها بلحاظ اتصافها بالمبدأ واتحادها معه وجودا ، وعليه فيخرج قهرا المصادر المجردة والمزيدة ، وكذا الافعال ماضيها ومضارعها وأمرها ونهيها ، نظراً إلى انها غير جارية على الذوات ، من جهة ان المصادر وكذا الافعال لا دلالة فيها بمقتضي وضعها الا على مجرد المبدأ ونسبة له إلى ذات

١٢٢

ما بنسبة تصورية كما في المصدر ، أو نسبة تصديقية كما في الافعال ، وحينئذ فلايكون فيها ما يكون وجهة وعنوانا للذات وجاريا عليها ، ومجرد الاسناد بين الفعل والفاعل في قولك : زيد ضرب غير الحمل والاتحاد كما لايخفى. ومن ذلك البيان ظهر أيضا نكتة الفرق بين المشتق ومبدئه من حيث اباء الثاني عن الجري على الذات والحمل عليها دون الأول ، حيث كان السر في امتناع الأول عن الجري على الذات من جهة اخذه بنحو يرى كونه في قبال الذات فمن هذه الجهة يأبى ويعصى عن الجري عليها ، بخلاف المشتق فإنه باعتبار اخذه وجهة وعنوانا للذات وطورا من أطوارها لا يأبى عن الجري على الذات والحمل عليها ، وسيجيء مزيد بيان لذلك في تنبيهات المسألة إن شاء الله تعالى ، فالمهم والمقصود في هذا المقام انما هو اخراج المصادر والافعال عن حريم النزاع وتخصيص مورد النزاع بما يكون جاريا على الذات.

على أن هذا النزاع انما يختص بمورد يتصور فيه الانقضاء والبقاء وهذا المعنى غير متصور في المصادر والافعال فان المصادر وكذا الفعل الماضي لايتصور فيهما الذات القابلة للتلبس بالمبدأ تارة والخلو عنه أخرى وكذا فعل المضارع فإنه لايتصور فيه أيضا الانقضاء كما لايخفى.

ثم انه لما انجر الكلام إلى هنا ينبغي عطف البيان إلى ذكر شطر من المباحث الراجعة إلى المشتقات وكيفية أوضاعها من المصادر والافعال والأسماء وبيان الفارق بين الافعال والأسماء وان كان الأنسب هو ذكر هذه الجهة في التنبيهات عند التعرض لبيان مفهوم المشتق من حيث التركيب والبساطة فنقول : ان هنا جهتين من الكلام

الجهة الأولى : اعلم أن كل باب من أبواب المشتقات من مصادرها وأفعالها مثل الضرب ( بالسكون ) وضرب ( بالفتح ) وضارب ومضروب ونحوها كان كل واحد منها مشتملا على هيئة مخصوصة ومادة مشتركة بينه وبين غيره من الصيغ سارية في جميعها بحيث لايكاد يمكن التلفظ بها باعتبار اندكاكها الا في ضمن هيئة مخصوصة ولو كانت تلك الهيئة هيئة ضاد وراء وباء ، ولهذه المادة السارية المحفوظة في جميع تلك الصيغ أيضا معنى هو مثلها في التجرد بنحو لايمكن تصوره واخطاره في الذهن الا بتعين خاص كان ذلك التعين هو المعنى الاسم المصدري أو غيرهما ، وحينئذ فكانت تلك المادة المحفوظة في جميع تلك الصيغ من المصادر والافعال والأسماء بما لها من المعنى

١٢٣

الساري فيها هو الأصل المحفوظ في المشتقات ، دون غيرها كالمصدر أو الفعل ، كما اشتهر ان الأصل في المشتقات هو المصدر كما عن جماعة من علماء الصرف أو هو الفعل كما عن جماعة أخرى منهم ، إذ من الواضح انه لا أصل لهذا الأصل بعد وضوح المباينة التامة بين المعنى المصدري بما له من الحدود مع غيره من المشتقات كوضوح البينونة بين بعضها وبعضها الاخر ، ومعه كيف يمكن ان يكون المصدر أو الفعل هو الأصل المحفوظ في المشتقات ومادة سارية فيها ، كيف وان المصدر أيضا كغيره من الصيغ من الماضي والمضارع وأسماء الفاعلين والمفعولين ، فكان له أيضا هيئة خاصة ومادة مشتركة بينه وبين غيره ، تدل المادة فيه على معنى حدثي والهيئة على إضافة هذا المبدأ إلى ذات ما ونسبته إليها بنسبة تصورية ، وحينئذ فما هو الأصل المحفوظ والساري في جميع المشتقات لايكون الا ذلك المعنى الحدثي المجرد عن جميع التعينات وان لم يمكن تصوره واخطاره في الذهن الا في ضمن تعين خاص ، نعم لما كان الأقرب إلى ذلك المعنى المجرد هو المصدر من بين سائر المشتقات باعتبار دلالته على مجرد المبدأ وهو الحدث المضاف إلى ذات ما وعرائه عن خصوصية الزمان ، وبعده كان الأقرب إليه الفعل الماضي والمضارع بالنسبة إلى أسماء الفاعلين والمفعولين نظراً إلى تقدمهما الرتبي عليها من جهة اشتمالهما على النسب التامة كما هو الشأن في كلية المركبات التامة بالقياس إلى القضايا التقييدية والمركبات الناقصة فبهذا الاعتبار أمكن دعوى ان ما هو أقرب إلى ذلك المعنى المجرد ، من جهة قلة وجدانه للخصوصيات بحسب اللفظ والمعنى ، يكون أصلا بالنسبة إلى ما كثر فيه الخصوصية بحسب المعنى أو اللفظ ، فنجعل مدار الأصلية والفرعية على مثل هذه الأقربية الاعتبارية ، وندعي ان المصدر أصل بالنسبة إلى الفعل الماضي والمضارع وغيرهما من المشتقات ، وان فعل الماضي أصل بالنسبة إلى المضارع لمكان اشتمال فعل المضارع على خصوصية زائدة ولو بحسب اللفظ ، وان فعل مضارع أصل بالنسبة إلى أسماء الفاعلين والمفعولين باعتبار تقدمه الرتبي عليها.

وعلى ذلك أيضا أمكن توجيه كلامهم في أصلية المصدر بالنسبة إلى سائر المشتقات بجعل مدار الأصلية على الأقربية إلى ذلك المعنى المجرد الساري في جميع المشتقات بتقريب ان المصدر حيثما كان أقرب إلى ذلك المعنى المجرد من سائر المشتقات أوجب ذلك كونه أصلا لسائر المشتقات ومادة سارية فيها بالنظر العرفي المسامحي فأطلقوا عليه بأنه هو

١٢٤

الأصل في المشتقات. لايقال : على ذلك لم لا يجعل الأصل فيها المعنى الاسم المصدري مع أنه من جهة تجرده عن خصوصية النسبة أيضا يكون أقرب من المعنى المصدري ، فإنه يقال : نعم ، ولكنه باعتبار تجرده عن النسبة بل وعدم كون الوضع فيه وضعا انحلاليا وكونه من قبيل وضع الجوامد عد كونه مبائنا مع سائر المشتقات وخارجا عنها فلذلك لم يعتنوا بجهة أقر بيته فجعل الأصل فيها ما كان من سنخ المشتقات مما يكون واجدا للنسبة ويكون وضعه انحلاليا ، ومن المعلوم ان الأقرب منها حينئذ لايكون الا المصدر كما هو واضح.

واما ما يظهر من بعضهم : من أن الأصل فيها هو الفعل الماضي أو المضارع فلعل الوجه فيه هو جهة تقدم الفعل رتبة باعتبار اشتماله على النسب التامة على المصدر واسم الفاعل والمفعول لأنهما أي المصدر والوصف لاشتمالهما على النسب الناقصة يكونان من القضايا التقيدية المتأخرة رتبة عن القضايا التامة كما عرفت بيانه في مبحث الحروف ، هذا ، ولكن لايخفى عليك ان ذلك كله انما هو لمحض المماشاة مع القائلين بان المصدر أو الفعل هو الأصل في المشتقات وإلا فقد عرفت ان حديث الأصلية والفرعية مما لا أصل له وان كلا من المصدر والفعل أصل برأسه في قبال البقية كما هو واضح.

وكيف كان فمما ذكرنا ظهر لك حال الوضع في المشتقات من كونه وضعا انحلاليا باعتبار المادة والهيئة لا وضعا جامديا كي يكون مجموع المادة والهيئة في كل واحد من الصيغ موضوعا لمعنى خاص ، فكانت المادة السارية في كل واحد من المصدر وغيره من كل باب موضوعة بوضع نوعي للدلالة على نفس الحدث وهو المعنى المجرد المحفوظ فيها ، وكانت الهيئة أيضا في كل واحد من الصيغ موضوعة بوضع شخصي للدلالة على نسبة الحدث إلى الذات فوضع من الهيئة مثلا ما كان على زنة فعل ( بالسكون ) للدلالة على نسبة الحدث إلى الذات وهكذا ما كانت على زنة فعل ( بالتحريك ) ويفعل وفاعل ومفعول وفعيل ومفعل ومفعال ونحو ذلك كل ذلك للدلالة على النسبة على اختلاف أنحائها من الصدور والايجاد والوقوع والحلول والظرفية وغيرها كما هو واضح.

الجهة الثانية : قد اشتهر في كلماتهم دلالة الفعل على زمان حتى أنهم أخذوا الاقتران بالزمان في تعريفه وجعلوه فارقا بينه وبين الأسماء ، فعرفوا الاسم بأنه كلمة تدل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، والفعل بأنه كلمة تدل على معنى في نفسه

١٢٥

مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، قال شارح الجامي : ( الفعل ما كان دالا على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة باعتبار معناه التضمني أعني الحدث ) ونحوه كلام ابن مالك في منظومته قال :

( المصدر اسم ما سوى الزمان من

مدلولي الفعل كامن من امن )

وظاهر كلامهما هو كون الزمان مدلولا تضمنيا للفعل. وأصرح من ذلك عبارة نجم الأئمة حيث قال فيما حكى عنه ، في شرح قول ابن الحاجب : الاسم ما دل على معنى غير مقترن بأحد الأزمنة ، ما لفظه المحكى عنه : ( قوله غير مقترن صفة بعد الصفة لقوله معنى ، ويبين معنى قوله غير مقترن ببيان قوله في حد الفعل : بأنه ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، أي على معنى واقع في أحد الأزمنة الثلاثة معينا بحيث يكون ذلك الزمان المعين أيضا مدلول ذلك اللفظ الدال على ذلك المعنى بوضعه له أولا ، فيكون الظرف والمظروف مدلولي لفظ واحد بالوضع الأصلي ) إنتهى ، ومثله أو ما يقرب منه عبائر غيره من النحويين فراجع حيث ترى اطباقهم ظاهرا على دلالة الفعل على الزمان بمقتضى وضعه هذا.

ولكن الذي يقتضيه التحقيق هو خلافه كما يظهر وجهه بالتأمل فيما ذكرنا من انحلال الوضع في المشتقات إلى وضع نوعي للمادة فيها ووضع شخصي للهيئة في كل واحد من الصيغ ، إذ نقول : بان الدلالة المزبورة لو كانت فاما ان تكون من طرف المادة أو من طرف الهيئة مع أنه لايكون في شيء منهما الدلالة وضعه على ذلك ، وذلك اما المادة فلما تقدم بان وضعهما انما هو للدلالة على نفس المعنى الحدثي خاصة ولذلك لا ينسبق في الذهن جهة خصوصية الزمان في مثل المصدر والوصف، واما الهيئة فكذلك أيضا لأنها انما وضعت للدلالة على مجرد النسبة بين المبدأ والفاعل وحينئذ فأين الزمان الذي ادعى كونه جزء من مدلولي الفعل؟ وأين الدال عليه بعد عدم دلالة شيء من المادة والهيئة عليه؟ نعم لو قيل : بان الوضع في المشتقات أو في خصوص الافعال كان من قبيل الوضع في الجوامد كان لما ذكروه كمال مجال حيث أمكن حينئذ دعوى وضع مجموع المادة والهيئة للمعنى المقيد بالزمان ، ولكنه خلاف التحقيق وخلاف ما عليه المحققون من انحلال الوضع في المشتقات طرا إلى وضعين : وضع للمادة نوعيا ووضع للهيئة شخصيا ، بل وخلاف ما هو المنساق المتبادر في الذهن أيضا من مثل قوله : ضرب زيد من جهة وضوح انه لا يجيء ولا ينسبق في الذهن منه الا الحدث المرتبط بالذات لا المعنى التركيبي من

١٢٦

الحدث والزمان. هذا كله مضافا إلى ما أورد عليه أيضا بلزوم الالتزام بالمجاز أو تعدد الوضع في الافعال المنسوبة إلى المجردات مثل ( كان الله ولم يكن معه شيء ) و « كان الله على كل شيء قدير » وفى الافعال المنتسبة إلى نفس الزمان كقولك : مضى الزمان وانقضى الدهر ، فإنه بعد وضوح عدم مأخوذية الزمان في نحو هذه الأفعال في الأمثلة المزبورة ، فلا بد على تقدير اخذ الزمان جزء لمدلول الفعل اما من التجريد عن خصوصية الزمان والالتزام بالمجاز واما الالتزام بتعدد الوضع وكلاهما فاسدان كما هو واضح.

نعم : حيثما ان في الافعال في مثل الفعل الماضي والمضارع خصوصية زائدة عن المعنى الحدثي الذي هو مبدء الاشتقاق بنحو ينسبق منها في الذهن جهة السبق في الماضي واللحوق في المضارع أمكن دعوى الدلالة عليه بنحو الالتزام ، بتقريب انه كما أن للمبدأ نحو خصوصية وربط خاص بالنسبة إلى ما يقوم به وهو الفاعل كذلك له نحو خصوصية وربط بالنسبة إلى الظرف الذي يقع فيه بنحو ينتزع عنه مفهوم السبق في الماضي واللحوق في المضارع وذلك أيضا لا بمعنى خصوص السبق واللحوق الزمانيين بل الأعم منه ومن غيره ، فيكون السبق زمانيا فيما لو انتسب إلى الزمانيات ، وذاتيا فيما لو انتسب إلى نفس الزمان ، ورتبيا فيما لو انتسب إلى المجردات كقولك وجد العلة فوجد المعلول مع وضوح عدم تأخر المعلول عن علته بحسب الزمان. وحينئذ فيقال : بان المادة في الافعال موضوعة للدلالة على نفس الحدث والهيئة فيها لتلك الخصوصية والربط الخاص القائم به بنحو ينحل ذلك الربط بالتحليل إلى نحوين من الربط : ربط له بالنسبة إلى ما يقوم به وهو الفاعل والذات وربط له بالنسبة إلى الظرف الذي يقع فيه من حيث السبق واللحوق ، وحينئذ فبهذا الاعتبار تكون الهيئة في الافعال دالة على الزمان ولكنه لا بالمطابقة ولا بالتضمن بل بنحو الالتزام نظير دلالتها على الفاعل والذات حيث كانت تلك أيضا بنحو الالتزام كما لايخفى. ولعله إلى ذلك أيضا نظر صاحب الكفاية قدس‌سره من قوله : نعم لايبعد ان يكون لكل من الماضي والمضارع خصوصية موجبة للدلالة على وقوع النسبة في الزمان الماضي في الماضي وفى الحال أو الاستقبال في المضارع. ثم انه بمثل هذا البيان أيضا أمكن ان يوجه كلامهم بدلالة الفعل على الزمان وذلك بحمل الدلالة في كلامهم على الدلالة بنحو الالتزام بالبيان الذي ذكرنا ودخول الزمان فيه على الدخول بنحو خروج القيد ودخول التقيد وان كان لا يساعد لهذا الحمل كلام بعضهم فتدبر.

١٢٧

الامر الرابع لايخفى عليك اختصاص هذا النزاع بخصوص الأوصاف التي تنتزع من امر خارج عن الذات بنحو أمكن تخلف الذات عنها ويتصور فيها الانقضاء فيخرج حينئذ الأوصاف المنتزعة عن حاق ذات الشيء التي لايكاد يتصور تخلف الذات عنها كالمحمولات بالضميمة كالحيوانية والانسانية والناطقية والصاهلية ، فإنها بملاحظة عدم تخلف الذات عنها لايكاد يتصور فيها الانقضاء حتى تكون مطرحا للنزاع كما لايخفى.

نعم قد يشكل الامر حينئذ بالنسبة إلى بعض المفاهيم كأسماء الزمان ونحوها من الأمور التدريجية الغير القارة فإنه لما لم يكن فيها ذات ممتدة قارة قابلة للتلبس بالمبدأ تارة والخلو عنه أخرى أشكل عليهم بلزوم خروجها عن موارد النزاع فمن ذلك وقعوا في حيص وبيص وصاروا بصدد دفع الاشكال بوجوه :

منها : ما افاده صاحب الكفاية قدس‌سره حيث أجاب عن الاشكال بان انحصار مصداق مفهوم عام كلي بفرد كما في المقام لايكون موجبا لوضع اللفظ بإزاء الفرد دون المفهوم العام فلا غرو في مثل أسماء الزمان بالمصير فيها إلى الوضع للأعم غايته انحصار مصداق هذا المفهوم في الخارج في فرد خاص كانحصار فرد واجب الوجود بالذات فيه تعالى مع كونه كليا قابلا للانطباق على الكثير بمعنى انه لو فرض محالا مصداق آخر له لكان ينطبق عليه هذا المفهوم بلا كلام.

أقول : ولايخفى عليك انه لما كان الاشكال في المقام بعينه هو الاشكال المعروف في استصحابات الأمور التدريجية الغير القارة من حيث عدم بقاء الموضوع وعدم اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة كان الحري عليه قدس‌سره ان يجيب عنه في المقام بما أجاب عنه في ذلك المقام فإنه قدس‌سره فصل في ذلك المقام بين الحركة القطعية والحركة التوسطية فقال : بان الانصرام والتدرج انما هو في الحركة القطعية وهي كون الشيء في كل آن في حد أو مكان لا التوسطية وهي كونه بين المبدء والمنتهى لأنه بهذا المعنى يكون قارا مستمرا ، إذ لا يحقى عليك انه لو تم ذلك هناك أمكنه أيضا في هذا المقام تصوير الامر القار بين حالتي التلبس والانقضاء فلا وجه حينئذ لالتزامه في المقام بأصل الاشكال ثم الجواب بمثل البيان المزبور بان انحصار مفهوم عام بفرد ( الخ ).

ولكن أصل هذا الجواب أيضا غير مجد لدفع الاشكال المزبور هناك أيضا ، إذ قلنا في ذلك البحث بان مثل هذه الوحدة المنتزعة عما بين المبدأ والمنتهى انما هي وحدة اعتبارية

١٢٨

عرضية منتزعة عن تعاقب الافراد وتلاحقها والا ففي الخارج لايكون الا اشخاص تلك الحصص المتبادلة المتعاقبة لا انه كان في الخارج جهة وحدة شخصية ذاتية حقيقية. وحينئذ فإذا لايكون في الخارج الا الافراد المتعددة المتعاقبة فلا جرم يبقى الاشكال على حاله ولايكاد يجدي في دفعه مجرد اعتبار مثل تلك الوحدة العرفية وانتزاعها عن تعاقب تلك الحصص والافراد بعد أن لا قرار لنفس تلك الحصص في الخارج.

وحينئذ فالعمدة في الجواب عن الاشكال هو ما ذكرناه هناك بان الأزمنة والآنات وان كانت وجودات متعددة متعاقبة متحدة بالسنخ ولكنه حيثما لايتخلل بينهما سكون يكون المجموع يعد عند العرف موجودا واحدا مستمرا نظير الخط الطويل من نقطة إلى نقطة كذائية فبهذا الاعتبار يكون أمرا واحدا شخصيا مستمرا من أوله إلى اخره ، فيصدق عليه كلما شك فيه ( انه شك في بقاء ما علم بحدوثه ) فيشمله دليل حرمة النقض. وحينئذ فبعين هذا الجواب نجيب عن اشكال المقام أيضا حيث أمكن لنا تصور امر قار وحداني يتصور فيه الانقضاء بمثل البيان المزبور وان بلغ تلك الافراد المتعاقبة ما بلغ إلى انقضاء الدهر فان مناط الوحدانية حينئذ انما هو بعدم تخلل سكون في البين فيما بين تلك الافراد فما لم يتخلل عدم بينهما يكون المجموع موجودا واحدا شخصيا مستمرا. نعم ذلك انما هو فيما لم يكن تلك القطعات المتعاقبة من الزمان مأخوذة موضوعا للأثر في لسان الدليل معنونة بعنوان خاص كالسنة والشهر واليوم والساعة ونحوها والا فلا بد من لحاظ جهة الوحدانية في خصوص ما عنون بعنوان خاص من القطعات فيلاحظ جهة المقتلية مثلا في السنة أو الشهر أو اليوم أو الساعة بجعل مجموع الآنات التي فيما بين طلوع الشمس مثلا وغروبها أمرا واحدا مستمرا فيضاف المقتلية إلى اليوم والشهر والسنة فتدبر.

الامر الخامس الظاهر أنه لا اختصاص لهذا النزاع بخصوص اسمى الفاعل والمفعول وما بمعنا هما من الصفات المشبهة بالفعل وما يلحق بها بل يعم كل ما كان جاريا على الذات وان كان من الجوامد كالرقية والزوجية ونحوهما ، كما يشهد له ما عن فخر المحققين في الايضاح في باب الرضاع فيمن كان له زوجتان كبيرتان أرضعتا زوجة صغيرة له ، حيث قال فيما حكى عنه : انه تحرم المرضعة الأولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرة الأولى واما المرضعة الأخرى ففي تحريمها خلاف فاختار الوالد المصنف رحمه‌الله وابن إدريس تحريمها لان هذه يصدق عليها أم زوجته لأنه لا يشترط في المشتق

١٢٩

بقاء المشتق منه ( انتهى ) ومن الواضح صراحة كلامه قدس‌سره في دخول مثل هذا النحو من الجوامد أيضا في محل النزاع ومن ذلك بنى الحرمة في المرضعة الثانية على عدم اشتراط التلبس الفعلي في المشتق، وربما يشهد لذلك أيضا بل يدل عليه ما رواه في الوسائل عن علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه‌السلام ففيه قيل له عليه‌السلام : ان رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة له أخرى فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه فقال أبو جعفر عليه‌السلام : أخطأ ابن شبرمة تحرم عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولا فاما الأخيرة فلم تحرم عليه كأنها أرضعت ابنته ( الخبر ) (١) فان تعليله عليه‌السلام لعدم حرمة الكبيرة الثانية بقوله : لأنها أرضعت ابنته ظاهر في أنه لايكون الحكم المزبور تعبديا وانه على طبق القواعد، وفيه أيضا تخطئة لابن شبرمة لما تخيله من كون المشتق حقيقة في الأعم ودلالة على أن المشتق حقيقة في المتلبس الفعلي هذا.

نعم قد يشكل تحريم المرضعة الأولى أيضا بمقتضي القواعد بتقريب ان السبب الموجب لنشر الحرمة وهو عشر رضعات أو خمس عشرة رضعة كما كان موجبا لاتصاف المرضعة بالأمومة فتحرم كذلك موجب أيضا لخروج الصغيرة عن الزوجة واتصافها بالبنتية فيكون العنوانان أي الأمومة والبنتية كلا هما معلولين عرضيين للرضاع يترتب فاء واحد بينه وبينهما من دون تقدم لأحدهما على الاخر ولو بحسب المرتبة ، وحينئذ فيشكل بأنه كيف الحكم بتحريم الأمومة مع أنه لايكون في البين زمان بصدق فيه عليها انها أم الزوجة لأنه قبل كمال الرضعة الأخيرة وان كان يصدق الزوجة على الصغيرة الا ان الكبيرة في ذلك الآن لم تكن بأم لها وبعد اكمال الرضعة الأخيرة وان تحققت الأمومة لها ولكنه في رتبة تحقق هذا العنوان خرجت الصغيرة عن الزوجية وتعنونت بالبنتية ، فلابد حينئذ وأن يكون حرمة الكبيرة الأولى أيضا مبنية على عدم اعتبار بقاء المشتق منه في صدق المشتق ، مع أن ظاهر الايضاح بل ظاهر الرواية هو كون الحكم بالتحريم بالنسبة إلى المرضعة بمقتضي القواعد.

واما توهم ان التحريم حينئذ في الرواية انما هو بلحاظ جرى الزوجية للصغيرة بحال تلبسها الذي هو آن قبل تحقق عشر رضعات لا بلحاظ الحال الفعلي الذي هو ظرف تلبس

__________________

١ ـ الوسائل ، الباب ١٤ مما يحرم بالرضاع ، الحديث ١.

١٣٠

المرضعة بالأمومة ، فمدفوع بأنه مناف للحكم بعدم تحريم المرضعة الثانية معللا بأنها أرضعت ابنته والا فبهذا الاعتبار يصدق على الثانية أيضا انها أم زوجته فلا وجه حينئذ للتفكيك بينهما كما لايخفى.

كما أن توهم عدم تكفل الرواية الا لبيان عدم تحريم الثانية التي أفتى بحرمتها ابن شبرمة وسكوتها عن حكم المرضعة الأولى ولو من جهة كونه مطابقا للواقع وان لم يكن بمقتضى القواعد بل من جهة التعبد المحض ، يدفعه ظهور الرواية في كون الحكم في الفقرتين على طبق مقتضى القواعد هذا.

وحينئذ فالتفصي عن الاشكال المزبور لايكون الا بالتشبث بفهم العرف بدعوى ان المعيار في اتحاد الظرفين انما هو على الأنظار العرفية لا على النظر الدقى العقلي وان العرف في مثل الفرض يرى ظرف الأمومة متحدا مع ظرف الزوجية بملاحظة شدة اتصال أحد الظرفين بالآخر فيرون المرضعة الأولى من هذه الجهة اما لزوجته الفعلية وان لم يكن كذلك بحسب الدقة العقلية ، بل ولئن تدبرت ترى كونه كذلك بحسب الدقة أيضا نظراً إلى أن الأمومة وان كانت في رتبة متأخرة عن علتها التي هي الرضعة الأخيرة لكنها متقارنة معها زمانا كما هو شأن كل معلول مع علته. وحينئذ فإذا كانت الأمومة متحدة ظرفها زمانا مع ظرف علتها وكانت الزوجية أيضا متحققة للصغيرة في ذلك الظرف فلا جرم يلزمه اتحاد ظرفي الأمومة والزوجية أيضا بحسب الزمان على نحو الدقة العقلية ، وحينئذ فإذا لم يكن المعيار في اتحاد الظرفين على الاتحاد بحسب المرتبة بل على الاتحاد بحسب الزمان وكان الظرفان أيضا متحدين بحسب الزمان فقهرا يندفع الاشكال المزبور من رأسه بلا حاجة أيضا إلى التشبث بفهم العرف والمصير إلى تسامحهم في مدلول الكلام كما هو واضح فتدبر.

الامر السادس قال في الكفاية : ( ان اختلاف المشتقات حسب اختلاف مباديها من كون المبدأ حرفة في بعضها أو صنعة وبعضها القوة أو الملكة أو الاعداد لايوجب تفاوتا واختلافا في الهيئة التي هي الجهة المبحوث عنها في المقام إذ لا يتفاوت حالها باختلاف ما يراد من مباديها من الأمور المذكورة ) ومقصوده قدس‌سره من ايراد هذا التنبيه انما هو منع القائل بالأعم عن التشبث بمثل التاجر والقاضي والكاسب والمجتهد ونحوها مما يصح اطلاقها على غير المتلبس الفعلي بالمبدأ وانه ليس للقائل بالأعم

١٣١

الاستدلال بالأمثلة المزبورة لاثبات الوضع للأعم باعتبار انه في الأمثلة المزبورة أريد من المبدأ فيها الحرفة أو الصناعة أو الملكة أو الاعداد ، فلا يضر حينئذ تلك الأمثلة بالقائل بالوضع لخصوص المتلبس الفعلي بوجه أصلا هذا محصل مرامه قدس‌سره.

أقول : ولايخفى ان ما افاده قدس‌سره بحسب الكبرى وان كان تاما الا ان تمام الاشكال في تحقق صغرياتها ، إذ نمنع كون الأمثلة المزبورة مما أريد من المبدأ فيها الحرفة أو الصناعة أو الملكة وإلا يلزم كونه كذلك في غير الأسماء من المصادر والافعال أيضا لأنه بعد انحلال الوضع في المشتقات إلى وضعين : وضع المادة ووضع الهيئة لايكاد يفرق بين الأسماء والمصادر والافعال ، مع أنه كما ترى! حيث لايكاد ينسبق الذهن من اطلاق لفظ اتجر يتجر واتجار والتجارة وكذا لفظ قضى يقضى قضاء واقض ( بصيغة الامر ) واجتهد يجتهد اجتهادا ونحو ذلك الا المبدأ الفعلي المنسوب إلى الذات دون الحرفة أو الصناعة أو الملكة ، وحينئذ فعلى ما سلكه قدس‌سره لابد اما من الالتزام بتعدد الوضع في المواد بدعوى وضع المادة في غير الأوصاف للمبدأ الفعلي أعني الحدث الخاص وفي الأوصاف للحرفة أو الصناعة أو الملكة ، أو الالتزام بالمجاز في خصوص الأوصاف ، وهما كما ترى ، ضرورة بعد أن يكون للمواد وضعان في الأمثلة المزبورة وضع في خصوص الأوصاف ووضع في غير الأوصاف من المصادر والافعال كبعد المجازية أيضا في خصوص الأوصاف ، لعدم مساعدة العرف والوجدان عليه كما لايخفى.

وحينئذ فالذي يقتضه التحقيق هو ان يقال : بان ما يرى من صحة اطلاق التاجر والقاضي والمجتهد والبقال والنجار ونحوها حتى في حال عدم الاشتغال الفعلي بالتجارة والقضاوة والاستنباط بل وفي حال الاشتغال بما يضادها كالأكل والشرب والنوم انما هو من جهة ان في الذات اقتضاء وجود المبدأ وفعليته الناشي ذلك الاقتضاء من جهة تكرر المبدأ منه في الخارج وجعله حرفة أو صنعة له كما في الكاسب والتاجر والبقال ونحوها ، أو من جهة جعل جاعل كالحاكم والقاضي ونحوهما ، أو من جهة تحقق الملكة له كما في المجتهد والمستنبط والمهندس ونحوها أو من جهة أخرى غير ذلك ، ففي الحقيقة لما كان قضية الحرفة والصناعة والملكة ونحوها تحقق المبدأ في الخارج أوجب ذلك اعتبار العرف بل العقلاء وجود المقتضى ( بالفتح ) أيضا عند تحقق مقتضيه ( بالكسر ) فمن هذه الجهة يحكمون بوجوده فيطلقون عليه الكاسب والتاجر والقاضي والمجتهد ولو في حال

١٣٢

الاشتغال بما يضاد التجارة والقضاوة كما هو الشأن أيضا في غير المقام حيث كان بنائهم على الحكم بوجود المقتضى ( بالفتح ) وترتيب آثار الوجود عليه عند تحقق مقتضيه ( بالكسر ) ومن ذلك مسألة اشتراط سقوط الخيار في حين العقد مع أنه لا وجود له بعد واسقاطه من قبل اسقاط ما لم يجب ، ومسألة إجارة الدار والدكاكين وتمليك منافعها فعلا بعد السنة والسنتين مع أنه لا وجود للمنفعة فعلا حال الانشاء والتمليك. وحينئذ فعلى ذلك يكفي هذا المقدار في صحة اطلاق التاجر والقاضي والمجتهد على الذات حتى في حال الاشتغال بما يضاد التجارة والقضاوة بلا اضراره بالقائل بالوضع لخصوص المتلبس الفعلي ، بلا احتياج أيضا إلى رفع اليد عما يقتضيه قضية وضع المادة من الفعلية في الأوصاف على خلاف المصادر والافعال بالحمل على إرادة الملكة أو الحرفة والصنعة فيها في الأوصاف بل تبقى المادة حينئذ على حالها كما في المصادر والافعال ويصار إلى صحة الاطلاق بما ذكرناه من البيان كما لايخفى.

الامر السابع قد عرفت في بعض الأمور المتقدمة ان مجرد هذا النزاع في مدلول كلمة المشتق بأنه للأعم أو المتلبس الفعلي لا يثمر في استنتاج النتيجة المعروفة الا بانضمام دعوى ظهور الهيئة الكلامية في القضايا في اتحاد ظرف النسبة مع ظرف التلبس الذي هو ظرف وجود المصداق. ولقد عرفت ظهور الهيئة الكلامية في القضايا طرا في ذلك ولو من جهة الانصراف ، ولكن نقول : بان هذا الظهور انما يكون ويتبع فيما لو يكن في البين قرينة حالية أو مقالية أو عقلية على الخلاف والا فلا مجال لهذا الظهور ولا لاتباعه على فرض الظهور أيضا مثل ما لو فرض كون المبدأ أو اتصاف الذات به آنيا غير قابل للدوام والاستمرار كالضرب والقتل ونحوهما ، فإنه في تلك الموارد من جهة عدم قابلية المبدأ للدوام والاستمرار لايكون للقضايا ذلك الظهور بل ربما يكون فيها الظهور على الخلاف من مغايرة الظرفين ، وكذا الامر في الموارد التي كان للمبدأ قرار واستمرار ولكنه قامت في البين قرينة حالية أو مقالية على اختلاف الظرفين كما لو كان الحكم المترتب في البين استقباليا بالنسبة إلى عنوان المبدأ فإنه في تلك الموارد يستفاد ان تلبس الذات بالمبدأ واتصافها به في آن علة لترتب الحكم عليه إلى الأبد بلا حاجة في ابقاء الحكم عليه إلى بقاء تلبسه بالمبدأ كما في مثل ( السارق والسارقة فاقطعوا الخ ) وعلى ذلك نقول : بأنه ليس للقائل بالأعم التمسك ببعض الأمثلة لاثبات مطلوبه من نحو قوله : اقتل القاتل أو

١٣٣

الضارب ، وقوله سبحانه : « السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما » « والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما » الخ إذ نقول : بان هذه كلها من الموارد التي قامت القرينة العقلية أو غيرها على مغايرة ظرف الحكم مع ظرف وجود المصداق وان الجري والتطبيق فيها كان على المجري عليه السابق أي القطعة المتلبسة بالمبدأ في السابق لا على القطعة الفعلية كي يلزمه اتحاد الظرفين فيكون تلبس الذات في تلك الموارد علة لترتب حكم الجلد أو القطع عليه إلى الأبد ولو بعد انقضاء المبدأ عنه ، كما يشهد لذلك قضية التفريع أيضا في قوله سبحانه : السارق والسارقة فاقطعوا ، والزانية والزاني فاجلدوا ، وحينئذ فلاينافي قضية وجوب الجلد وقطع اليد عدم صحة اطلاق السارق والزاني الفعلي عليه كي يشكل بأنه كيف ذلك مع فرض عدم صدق السارق الفعلي عليه فتدبر.

الثامن من الأمور : لايخفى عليك انه لا أصل في المسألة يحرز به أحد الاحتمالين من الوضع للأعم أو المتلبس الفعلي ، وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية معارضة بأصالة عدم ملاحظة العمومية ، ومع تسليم عدم احتياج الثانية إلى ملاحظة العمومية وانها يكفيها عدم ملاحظة الخصوصية ، نقول بأنه لايكاد يثبت بها الوضع للأعم ، من جهة عدم الدليل على اعتبار مثل هذا الأصل في مقام تعيين الأوضاع ، ولا سيرة من العقلاء أيضا على ذلك كي بمعونة عدم الردع يستكشف الامضاء ، وانما القدر الذي عليه سيرة العقلاء انما هو في الشكوك المرادية وأين ذلك ومقام تعيين الأوضاع! كما لايخفى. وحينئذ فلو ورد دليل على وجوب اكرام العالم أو إهانة الفاسق فينتهى الامر إلى الأصول العلمية من استصحاب وجوب أو حرمة إذا كان في البين حالة سابقة ، كما لو رود دليل على وجوب اكرام زيد العادل حال تلبسه بالعدالة فانقضى عنه العدالة بعد ذلك واتصف بما هو ضدها فإنه حينئذ يشك في وجوب اكرامه فيستصحب حكمه السابق وهو وجوب الاكرام ، وأما إذا لم يكن في البين حالة سابقة فيرجع إلى البراءة للشك في أصل التكليف بالاكرام بالنسبة إليه ، ويفرض ذلك فيما لو كان ورود الدليل على وجوب اكرام العادل بعد انقضاء العدالة عن زيد. وبالجملة فبعد انتهاء الامر إلى الأصول العلمية يختلف مجاريها بحسب اختلاف الموارد استصحابا أو براءة واشتغالا فلابد من لحاظ خصوصيات الموارد باعطاء كل حكمه.

وإذا عرفت هذه الأمور فلنشرع فيما هو المهم والمقصود من الوضع للأعم أو

١٣٤

لخصوص المتلبس الفعلي ، فنقول : ان الأقوال في المسألة وان كثرت من القول بالوضع لخصوص المتلبس الفعلي ، والقول بالوضع للأعم ، والتفصيل بين المحكوم والمحكوم عليه ، وغيره من التفاصيل المذكورة في المطولات الا انا نكتفي بذكر القولين الأولين لكونهما هما العمدة في الباب.

فنقول : ان المختار من القولين المزبورين هو الأول من الوضع لخصوص المتلبس الفعلي.

لنا على ذلك أولا : التبادر حيث كان المتبادر من اطلاق قولك زيد قائم أو عادل هو خصوص المتلبس الفعلي بالمبدأ دون الأعم منه وما انقضى عنه المبدأ ، بل وصحة سلب القائم والعادل عن المنقضي عنه القيام والعدالة حقيقة ، فإنه يصح ان يقال : انه ليس بقائم أو عادل فعلا حقيقة بل هو قاعد وفاسق فعلا ، فان من الواضح انه لو كان المشتق حقيقة في الأعم لما صح السلب المزبور عمن كان سابقا متلبسا بالقيام والعدالة ، مع أن صحة سلب القائم والعادل عنه في الوضوح كالنار على المنار والشمس في رابعة النهار ، كيف وقد عرفت بأنه يصدق عليه فعلا ما يضاده بحسب الارتكاز لضرورة صدق القاعد الفعلي عليه بعد انقضاء القيام عنه وصدق الجاهل والفقير عليه فعلا بعد انقضاء العلم والغنى عنه ، وهكذا في مثل الاكل والفارغ عن الاكل والمشتغل به فإنه بعد فراغه عن الاكل لايكاد يصدق عليه عنوان المشتغل بالاكل بل يصدق عليه بالضرورة عنوان الفارغ ، والمشتغل والفارغ أيضا من المشتقات.

بل ولئن تدبرت ترى كون هذا الوجه برهانا تاما مستقلا على عدم كون المشتق حقيقة الا في خصوص المتلبس الفعلي كما قرب أيضا بتقريب انه لا ريب في مضادة الأوصاف المتقابلة المأخوذة من المبادي المتضادة بحسب الارتكاز كالأبيض والأسود والعالم والجاهل ونحوها بنحو يأبى الارتكاز عن صدقها على موضع واحد في زمان واحد ، ومن المعلوم ان مثل هذه المضادة الارتكازية انما يتم على مسلك من اعتبر التلبس الفعلي لان لازمه حينئذ كون شخص واحد في زمان واحد مصداقا فعليا للأبيض والأسود والعالم والجاهل والقائم والقاعد والمشتغل والفارغ ونحوها وهو مما يكذبه الوجدان السليم بحسب ما له من الارتكاز بالمضادة بين تلك الأوصاف. واما بناء على القول بالأعم فلا يتم ذلك لان لازمه ان لايكون مضادة بين الأوصاف المزبورة بل كان بينها المخالفة التي لازمها عدم الاباء عن الاجتماع في موضوع واحد ، كما هو الشأن في كلية المتخالفين

١٣٥

كالسواد والحلاوة ، مع أنه ليس كذلك قطعا لقضاء الوجدان حسب ما له من الارتكاز بالمضادة التامة بين القائم والقاعد وبين العالم والجاهل والصحيح والمريض والأبيض والأسود ، كالمضادة بين مبدئيها. وحينئذ فكان نفس تلك المضادة الارتكازية بين الأوصاف المزبورة أقوى شاهد وأعظم برهان على بطلان القول بالأعم.

ولايخفى عليك بأنه هذا التقريب لايبقى موقع للاشكال عليه بما أفيد من منع المضادة بين نفس الأوصاف لكون التلبس بالوجود المطلق أعم من التلبس الفعلي ، فيمكن ان يكون جسم واحد مثلا يصدق عليه مفهوم الأبيض بمعنى اتصافه بالبياض الذي وجد فيه فانقضى عنه حال النسبة ويصدق عليه مفهوم الأسود أيضا على معنى اتصافه بالسواد المتلبس به في الحال فهذان العنوانان مما لا تضاد بينهما أصلا وانما التضاد بين مبدئيهما ولا يلزم من ذلك اجتماعهما في موضوع واحد بوجه أصلا. إذ فيه ما لايخفى فإنه بعدان كان مراد القائل بالأعم هو صدق المشتق حقيقة فعلا على المنقضى عنه المبدأ في الحال كصدقة على المتلبس الفعلي نظراً إلى دعوى كونه من المصاديق الحقيقية لمفهوم الأبيض والأسود بحيث يصح اطلاقه عليه فعلا بقولك هذا الجسم ابيض فعلا بمحض تلبسه بالبياض سابقا ، فلا جرم لا موقع لهذا الاشكال لأنه بعد تحقق المضادة الارتكازية بينهما كما فيما بين مبدئيهما واباء الوجدان عن صدق القائم والمشتغل عليه فعلا في حال تلبسه بالقعود وفراغه عن المبدأ يتم المطلوب ويبطل به دعوى القائل بالأعم ، واما المنع عن أصل تلك المضادة حتى بحسب الارتكاز فليس الا المكابرة مع الوجدان.

ثم انه من هذا البيان ظهر أيضا اندفاع ما أورد من الاشكال على صحة السلب المزبور كما عن الفصول قدس‌سره فيما حكى عنه : من تقريب انه ان أريد من صحة السلب صحته مطلقا فغير سديد إذ لا يصدق على من انقضى عنه القيام انه ليس بقائم مطلقا لا في الحال ولا في الماضي بل يصدق عليه انه قائم في الجملة ولو في الماضي ، وان أريد به صحته مقيدا فغير مفيد لان علامة المجاز انما هو صحة السلب مطلقا وفيما انقضى عنه المبدأ انما يصح السلب مقيدا بالحال لا مطلقا ومثل ذلك لايكون من علائم المجاز كما لايخفى. وجه الاندفاع هو ما عرفت من أن هم القائل بالأعم إنما هو صدق المشتق حقيقة فعلا على المنقضي عنه المبدأ كصدقه على المتلبس الفعلي ، نظراً إلى كونه من الافراد الحقيقية لهذا العنوان بمحض التلبس السابق ، ومن المعلوم انه يكفي في ابطاله صحة سلب

١٣٦

القائم الفعلي عنه إذ عدم صدق القائم الفعلي عن المنقضي عنه القيام يكفي في عدم كونه من المصاديق الحقيقية للعنوان كما هو واضح. نعم لو اعتبر التقيد المزبور في طرف المادة لا في طرف الاتصاف بالعنوان كما في قولك في زيد الذي انقضى عنه القيام فعلا : انه ليس بقائم بالقيام الفعلي بل هو قاعد بالقعود الفعلي لاتجه الاشكال المزبور بان سلب القائم بالقيام الفعلي عن زيد لايقتضي سلبه عنه بمطلق القيام ولو في الماضي. ولكن نقول أيضا : بان سلب القائم بالقيام الحالي عن زيد لما كان يلازم صحة سلب الاتصاف بالقائم الفعلي فبهذا لاعتبار يتم السلب المزبور في ابطال قول مدعى الوضع للأعم ، وذلك لما تقدم من أن هم القائل بالأعم انما هو صدق المشتق بما له من المعنى فعلا وفى الحال على المنقضى عنه المبدأ كصدقه على المتلبس الفعلي بالمبدأ. وحينئذ فيكون صحة السلب المزبور كاشفا عن عدم كون المنقضى عنه القيام حالا من المصاديق الحقيقة لعنوان القائم والا لما كاد يصح السلب المزبور كما في المتلبس الفعلي من جهة منافاة هذا المعنى بالضرورة مع صحة سلب العنوان الحالي عنه كما هو واضح.

ثم إن هذا كله بناء على جعل التقيد بالحال معتبرا في ناحية المسلوب الذي هو المحمول أي الوصف أو المبدأ ولقد عرفت بأنه على التقديرين يتم السلب المزبور لا ثبات المطلوب بلا ورود اشكال عليه. واما بناء على اعتباره في ناحية السلب أو الموضوع فالامر أوضح ، فإنه على الأول قد سلب معنى القائم بقول مطلق عن الموضوع المطلق غايته بالسلب المقيد كونه بلحاظ الحال الفعلي وهو حال الانقضاء ، وعلى الثاني قد سلب معنى القائم أيضا بقول مطلق بالسلب المطلق عن الذات المقيدة بكونها في حال انقضاء المبدأ عنها وعلى التقديرين يكون صحة السلب المزبور وافيا لاثبات المطلوب فلا يفرق حينئذ بين السلب المقيد ( بالإضافة ) والسلب المقيد ( بالتوصيف ) والسلب عن المقيد فتدبر. ولكن الأستاذ ( دام ظله ) لم يتعرض لفرض صورة ارجاع القيد إلى السلب أو إلى الموضوع وانما تعرضه كان لصورة ارجاعه إلى المسلوب الذي هو المحمول.

ثم انه من التأمل فيما ذكرنا ظهر لك أيضا اندفاع ما أورد أيضا على التبادر المدعى : من دعوى ان مثل هذا التبادر لايكون مستندا إلى حاق اللفظ وانما هو من جهة قضية الاطلاق الناشي من جهة غلبة الاطلاق على المتلبس الفعلي ، ولا أقل من احتمال ذلك فلايكون دليلا على المدعى لان التبادر الذي يثبت به الوضع انما هو التبادر المستند إلى

١٣٧

حاقّ اللفظ لا مطلقا ولو المستند إلى قضية الاطلاق. توضيح الدفع : انه لو كان الامر كما ذكر من استناد التبادر إلى قضية الاطلاق الناشي من جهة الغلبة يلزمه لا محالة صحة اطلاقه أيضا على المنقضى عنه المبدأ بلا رعاية عناية في البين كما في اطلاقه على المتلبس الفعلي ، من جهة بداهة انه لايمنع مجرد الغلبة وكثرة الاطلاق عن صحة الاطلاق على الفرد النادر ، ومن ذلك ترى صحة اطلاق الانسان على من له رأسان وأياد أربع مع أنه من الندرة ما لايخفى ، مع أنه بشهادة الارتكاز نرى عدم صحة اطلاق المشتق على من انقضى عنه المبدأ فعلا بل وصحة سلبه عنه كما عرفت وحينئذ فيتم دعوى القائل بالوضع لخصوص المتلبس الفعلي بالمبدأ.

ثم لايخفى عليك انه على ما ذكرناه من التقريب لا ثبات الحقيقة في خصوص المتلبس الفعلي لايكاد يفرق في أنحاء المشتقات بين كونه محكوما أو محكوما عليه وبين اسم الفاعل والمفعول وبين المأخوذ من المبادئ اللازمة أو المتعدية إلى غير ذلك من التفاصيل ، فلا بد من المصير إلى كونه حقيقة في خصوص المتلبس الفعلي بقول مطلق كما هو واضح.

بقى الكلام في ذكر أدلة القول بالأعم ، فنقول : انه استدل للأعم أيضا بوجوه :

منها : التبادر الذي قد عرفت خلافه وان التبادر لايكون الا خصوص المتلبس الفعلي بالمبدأ.

ومنها : صحة الاطلاق وعدم صحة السلب كما في نحو مظلوم ومقتول وشهيد ونحو ذلك وفيه ان ما يرى من صحة الاطلاق فإنما هو بلحاظ حال التلبس لا بلحاظ حال النسبة وحال الجري والتعليق ، ولقد عرفت كونه بنحو الحقيقة حتى عند القائل بالتلبس الفعلي نظراً إلى أن المجري عليه بهذا الجري انما كان عبارة عن قطعة خاصة من الذات التي تلبست سابقا بالمبدأ ولكنه لا يجدي ذلك للخصم. نعم انما يجدي ذلك له فيما لو كان المجري عليه أيضا عبارة عن القطعة الفعلية من الذات ولكن نحن نمنع حينئذ عن صحة الاطلاق المزبور بل نقول بصحة سلبه عنه وانه لايصح ان يقال لزيد المضروب سابقا انه مضروب فعلا كما يصح ذلك في المضروب الفعلي ، واما اطلاق مقتل الحسين عليه‌السلام على اليوم العاشر من المحرم فهو من باب التشبيه لا من باب انه حقيقة في الأعم.

١٣٨

ومنها : صحة الاطلاق في مثل التاجر والقاضي والمجتهد حتى في حال النوم ونحوه. والجواب عنه قد تقدم في الامر السادس فراجع.

ومنها : استدلال الإمام عليه‌السلام بقوله سبحانه ( لا ينال عهدي الضالمين ) لا ثبات عدم لياقة عابد الصنم والوثن لمنصب الخلافة والإمامة بتقريب : انه لولا الوضع للأعم لما تم الاستدلال بالآية المباركة لعدم اللياقة لمنصب الإمامة. وفيه ما تقدم بان الجري فيه انما هو بلحاظ حال التلبس السابق لا بلحاظ الحال الفعلي فيكون مبني استدلاله عليه‌السلام على أن التلبس بعبادة الصنم ( التي هي أعظم أنحاء الظلم ولو في زمان ) علة لعدم النيل بمنصب الخلافة والإمامة إلى الأبد وعليه لايكاد يفيد ذلك للقول بالأعم كما هو واضح. نعم غاية ما هناك انما هو لزوم رفع اليد عما يقتضيه ظاهر الهيئة الكلامية من اتحاد ظرف النسبة والحكم مع ظرف وجود المصداق الذي هو ظرف التلبس فإنه على ذلك يختلف الظرفان حيث كان ظرف الحكم بعدم النيل بالخلافة فعليا وظرف وجود المصداق فيما مضى من الزمان المتقدم ، ولكنه نقول : بأنه لا ضير في ذلك بعد قيام القرينة الخارجية أو الداخلية على المغايرة بين الظرفين وكون الشرك بالله عز وجل علة لحدوث الحكم بعدم النيل بمنصب الخلافة وبقائه إلى الأبد خصوصا بعد عدم كون الظهور المزبور ظهورا وضعيا بل ظهور اطلاقيا ، مع أنه لو فرض كونه ظهورا وضعيا لا اطلاقيا وقلنا بجريان أصالة الظهور فيه حتى مع وجود القرينة على الخلاف نقول بأنه لايقتضي ذلك أيضا اثبات الوضع في مدلول الكلمة وهي المشتق ، كما هو واضح.

ومنها : آيتا حد السارق والزاني من قوله سبحانه : « السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما » (١) و « الزانية والزاني فاجلدوا » الخ (٢) والجواب عن ذلك أيضا هو ما تقدم في الامر السادس ومحصله في جميع ذلك كله : هو ان تلك الموارد التي يكون الاتصاف بالعنوان ولو في آن علة لحدوث الحكم وبقائه إلى الأبد من دون احتياج في بقاء الحكم إلى بقاء الاتصاف بالعنوان أصلا ، كما هو واضح.

هذا كله فيما استدل به للقول بالأعم ، ولقد عرفت عدم تمامية شيء من الوجوه

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية ٣٨.

٢ ـ سورة النور ، الآية ٢.

١٣٩

المزبورة لا ثبات كون المشتق حقيقة في الأعم وان التحقيق هو كونه حقيقة في خصوص المتلبس الفعلي ، لما ذكرنا من التبادر وصحة السلب عن المنقضي عند المبدأ وارتكاز المضادة ، من غير فرق بين وقوعه محكوما أو محكوما عليه وبين كونه مأخوذا من المبادئ المتعدية أو اللازمة وبين اسم الفاعل والمفعول كما مرت الإشارة إليه.

نعم في المقام قول آخر بالتفصيل بين القول بتركيب المشتق من المبدأ والذات وبساطته وجعله عبارة عن نفس المبدأ لا بشرط : من دعوى كونه حقيقة في الأعم على الأول وفي خصوص المتلبس الفعل على الثاني ، نظراً إلى عدم تصور الانقضاء عليه ، وسيجيء الكلام فيه وفي عدم صحته أيضا في تنبيهات المسألة عند التعرض لبيان بساطة المشتق وتركبه إن شاء الله تعالى.

وينبغي التنبيه على أمور

الامر الأول : انه قد وقع الكلام بين الاعلام في أن المشتق بسيط أم مركب من المبدأ والذات. ولتنقيح المرام لابد من بيان المتحملات المتصورة في التركب والبساطة في المقام.

اما تركبه فله صورتان : الأولى تركب المشتق بحسب المفهوم على معنى ان يكون مفهوم المشتق عبارة عن معنى تركيبي ، وهو الذات التي تثبت لها المبدأ وفي قباله بساطة مفهومه وعدم تركبه. الثانية تركبه بحقيقته وبمنشأ انتزاعه مع بساطة أصل مفهومه كما نظيره في مثل الانسان ، حيث إنه مع بساطة مفهومه وعدم تركبه يكون حقيقته مركبة من الامرين عند التحليل : الحيوان والناطق فيقال فيه : انه حيوان ناطق ، من دون ان يكون مثل هذا التركيب التحليلي العقلي في منشأه موجبا لتركب مفهومه وفي قبال ذلك بساطته حتى بحقيقته ومنشأ انتزاعه علاوة عن بساطة مفهومه هذا. ولكن الظاهر هو عدم إرادة القائل بالتركيب التركب بالمعنى الأول ، كيف وانه من البعيد كله دعويهم كون المفهوم من المشتق هو المعنى التركي أي الذات الثابت لها المبدأ بل الظاهر هو ارادتهم من التركب تركبه بحقيقته وما هو منشأ انتزاع هذا المفهوم مع بساطة أصل مفهومه وتسليم انه لايكاد ينسبق في الذهن من مثل القائم والقاعد الا الشكل الخاص على النحو الذي كان في الخارج. وعليه فيكون مركز النزاع في المشتق من جهة التركب والبساطة في أصل

١٤٠