الاعجاز العلمي في القرآن

الدكتور السيد الجميلي

الاعجاز العلمي في القرآن

المؤلف:

الدكتور السيد الجميلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٠

من النجوم ، ولكن هذا العدد يتضاعف إلى أكثر من ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢ من النجوم حين نستعمل تلسكوبا عادياnormal telescope. وأقوى تلسكوب في العالم هو الموجود في مرصد (ماؤنت بالومار) في الولايات المتحدة الأمريكية ، ويستطيع مشاهدة بلايين النجوم.

ثم يقول أيضا :

إن الفضاء الكوني فسيح جدا متحرك فيه كواكب لا حصر لها ، بسرعة خارقة ، بعضها يواصل رحلته وحده ، ومنها أزواج تسير مثنى مثنى ، ومنها ما يتحرك في مجموعات ، ولو أنك لاحظت ضوء الشمس الذي يدخل غرفتك من الشباك ، سترى فيه ذرات وجزئيات كثيرة من الغبار تسير وتتحرك في الهواء.

ولو أنك تصورت وتخيّلت هذا الكون البعيد المدى ، المترامي الأطراف قياسا على شهد ذرات الغبار في شعاع الشمس ، لقربت إلى الذهن الصورة مع الفارق الكبير بين الواقع في الأولى وبين الواقع في الثانية إذ أن مجاميع ذرات الغبار والأتربة تروح وتجيء هنا وهناك مضطربة المسار يصطدم بعضها بالبعض بيد أن مجموعات المجرات والكواكب في الفضاء الكوني لا يمكن أن يصطدم بعضها بالبعض الآخر لأنها مقهورة مسيّرة غير مختارة ، ولو أنها عشوائية السير أو الدوران لاصطدم أحدها بغيره وحدث الخلل والانهيار في النظام الكوني ، إنما كان قيام العناية الإلهية برعاية هذه المنظومات وراء رتابتها وانتظامها ودقة أدائها لدورها.

وقد ثبت أيضا أن الكون يتسع بالتسلسل الدائم ، وأن النجوم والأجرام والأجسام الفلكية الكونية تتباعد بسرعة رهيبة عن بعضها

٦١

البعض.

ويعزو بعد العلماء وجود هذا الكون نتيجة انفجار قد حدث منذ ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥ سنة.

وهذا القول وإن كان صادرا من الباحثين أو الدارسين لعلوم الفلك والجيولوجيا والدراسات الكونية بيد أننا يجب أن نحمله على الظن ، ومن الاسراف غير المقبول بل غير المعقول أن نجعلها من المسلمات المقطوع بها فهذا هو الشطط والإسراف بعينه ، لأننا نرى أن هذه الفترة الزمنية مهما حشد لدعمها من حجج وبراهين لا يمكن أن تخرج عن نطاق الغيب المظنون الذي يقوى بالترجيح وغلبة الاعتقاد وليس بالقطع الصادر عن اليقين.

يقدر الفلكيون أن هذا الوجود يتكون من خمسمائة مليون مجموعة نجمية مضروبا هذا العدد في ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥ من الملايين ، وفي كل مجموعة منها مائة مليار من النجوم ، قد يزيد أو يقل عن هذا العدد بقليل أو كثير ، وأرضنا هذه تبعد عن هذه النجوم (عن مركزها) بمقدار ثلاثين ألف سنة ضوئية.

وهذه المجموعات النجمية الكونية تتسع من كل اتجاه ومن كل جانب ، فلا يتوقف امتدادها أمر يتقاعس برهة من الزمان ، وقد شبهها الفلكيون بالبلون المصنوع من المطاط المرن الذي يتسع في كل اتجاه إذا ما شددته.

٦٢

وقد رصد كوبرنيكس copernicus المولود سنة ١٤٧٣ م. والمتوفي سنة ١٥٤٣ م. رصد السماء وانتهى إلى أن الشمس موضوعة في مركز النظام الشمس.

وقد قال كوبرنيكس أن النجوم تبعد عن الأرض بعدا كبيرا هائلا وقد صوّر هذا بمثال لطيف وهو لو أن ألفا من الناس على شتى أنحاء الكرة الأرضية قد صوّبوا أذرعهم إلى نجم منها في الوقت الواحد ، لتوازت هذه الأذرع جميعا ، ولما ضلع أو مال بعضها على بعض ، والسبب في ذلك هو شدة بعد النجم ، فكأنها تشير جميعا إلى بعد لا نهاية بعده.

٦٣

توازن الكرة الأرضيّة

لما كانت الكرة الأرضية تدور في الفضاء ، ولما كنا نحن قائمون عليها فالصحيح أن نقول إننا معلّقون من أرجلنا ، ملقون على رءوسنا.

وزيادة في الإيضاح فلو تصورنا الأرض وهي كروية الشكل ومعلقة في الفضاء وأهلها على سطحها في مختلف أرجائها فمعنى ذلك أن وضع الناس في متباين الأمكنة سيكون غريبا بالنسبة للبعض الآخر ومعنى هذا أن سكان الولايات المتحدة الأمريكية مثلا سيكونون تحت سكان أهالي الهند ، وسكان الهند سيكونون تحت أقدام سكان أمريكا.

وإذا سأل سائل : لما ذا لا نتأثر نحن سكان الأرض بدورانها؟؟!! والجواب أن الأرض تدور بسرعة تقرب من ألف ميل في الساعة الواحدة وما نحن على سطحها إلا مثل حصاة موضوعة على محيط عجلة تدور بسرعة مذهلة ، توشك أن تقذف بها في الفضاء ، لكن الأرض لا تقذفنا بعيدا عنها بل تجذبنا إليها بقوة الجاذبية الأرضية.

خلق الله سبحانه وتعالى الأرض بل جميع المخلوقات بنظام متقن دقيق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لأنه صنع الذي أتقن كل شيء صنعه فجل شأنه وتعالت قدرته.

والأرض بتكوينها الجيولوجي والفيزيائي والطبوغرافي تناسب حياة المخلوقات عليها ، ولو أن عنصر كل أبعاضها أو أجزائها على حده

٦٤

اختلف عما هو عليه بالزيادة أو بالنقصان كثيرا أو نزرا يسيرا لاضطرب النظام والتناسق بل لاستحالت الحياة على هذا الكوكب.

لو كانت الكرة الأرضية مثلا في حجم القمر أي لو أصبح قطرها الحالي ربع قطرها تماما كانت جاذبيتها تصبح سدس جاذبيتها الحالية ، من ثم يصعب عليها بل يستحيل أن تمسك الماء والهواء من حولها ، فإن ذلك سيقتضي ابتعاد الهواء عن مجالها إلى الفضاء الكوني البعيد ، ثم انسكاب مياه البحار والمحيطات بعيدا عن مجاريها الحالية.

ثم إن هذا التغيير سيصحبه ازدياد البرودة ليلا حتى يتجمد كل ما فيها ، وازدياد الحرارة نهارا حتى يحترق كل ما عليها.

وعلى النقيض من هذا لو أن قطر الأرض كان ضعف قطرها الحالي لتضاعفت جاذبيتها الحالية ، وحينئذ ينكمش غلافها الجوي (١) وسيترتب على ذلك أن يزيد تحمل كل بوصة مربعة من خمسة عشر رطلا إلى ثلاثين رطلا من الضغط الجوي ، وهو ضغط له تأثيره البالغ السوء على الحياة.

ولو أن الأرض تضاعف حجمها فصار مثل حجم الشمس مثلا لبلغت قوة جاذبيتها أكثر مما هي عليه الآن ١٥٠ مائة وخمسين مرة ، ولاقترب غلافها الهوائي حتى يصبح على بعد أربعة أميال فقط ، بدلا من خمسمائة ميل ، ولاقتضى ذلك ارتفاع الضغط الجوي إلى معدل طن واحد على كل بوصة مربعة ، وهذا يعني أن الرطل الحالي يصبح وقتئذ يزن خمسمائة رطل ، كما أن حجم الإنسان يهبط إلى حجم أصغر وأصغر بل

__________________

(١) والغلاف الجوي يقع على بعد خمسمائة ميل إلى ما دون ذلك.

٦٥

يصل إلى حجم فأر كبير (١) ، وهذا ما يستحيل معه وجود المسخ في الإنسان الذي يقتضي وجوده حجما معينا وتكوينا لازما في الجسم ، فإذا نقص حجم الأرض أو زاد عما هو عليه الآن لكان شديد الاستحالة أن يتناسب مع الحياة عليها ، كذا فإن ازدياد حجم الأرض عما هو عليه الآن يؤدي إلى نفس النتيجة حتى لا يمكن ممارسة وظائف الحياة عليها. وهذا يعني أن الأرض بوصفها الحالي أنسب ما تكون لحياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى.

ويجب أن يعرف أن الأرض وهي تدور في الفضاء إنما يتم ذلك بانحراف قدره زاوية مقدارها ٣٣ درجة وهذا هو السبب في حدوث المواسم الأربعة ، وهذا يترتب عليه صلاحية أكثر مناطق الأرض للسكنى والزراعة وحياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى من دواب وماشية وطيور وغيرها (٢).

فلو انعدمت هذه الزاوية لغمر الظلام القطبين طوال السنة ، ولسار بخار البحار شمالا وجنوبا ، ولما بقي على الأرض غير جبال الثلج وفيافي الصحراوات ، ومهامه البيد ، ومعامي القفار ، وهكذا تنجم متغيرات تجعل الحياة على كوكب الأرض مستحيلة تماما.

قال الجيولوجيون : لو أن قشرة الأرض كانت أكثر سمكا مما هي عليه الآن بمقدار عشرة أقدام لاختفي الأوكسجين وهو بدوره عصب الحياة ، من غيره وفي غيابه لا يمكن أن تقوم للحياة قائمة.

__________________

(١) راجع الإسلام يتحدى ص ٥٦ وما بعدها بتصرف.

(٢) المرجع السابق ص ٥٩. بتصرف.

٦٦

ولو كان الغلاف الهوائي للأرض ألطف مما هو عليه الآن لاخترقت النيازك والشهب كل يوم غلاف الأرض ، ولأصبح المجال الأرضي دريئة للأجرام الضالة أو المقذوفة من الفضاء الكوني البعيد.

وسيكون ذلك سببا مباشرا لأن ترى الأرض مضيئة في الليل (١).

قال تعالى في كتابه الكريم : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) (٢).

يقول الشيخ الصابوني : أي أنبتنا في الأرض من الزروع والثمار من كل شيء موزون بميزان الحكمة بدقة وإحكام وتقدير (٣). والذي لا مدية فيه أن كل دقيقة من دقائق هذا الكون قد وضعت في دقة بالغة في موضع لا يمكن أن تتخطاه أو تتعداه إلى غيره ، بل لو حدث ذلك لحدث الخلل والاضطراب.

__________________

(١) الإسلام يتحدى لوحيد الدين خان ص ٦٠ بتصرف.

(٢) الحجر (١٥ / ١٩).

(٣) انظر صفوة التفاسير (١٤ / ٧٠٣).

٦٧

الحياة على الكواكب الأخرى

أشار القرآن الكريم إلى أن ثمة أحياء في الكواكب الأخرى يسبحون بحمد الله ، ويستغفرونه ، وقد ورد هذا في أكثر من موضع.

وقد اهتم الدارسون من الفلكيين بهذه المسألة ومحّصوها ومحضوها إذ شغلتهم ردحا طويلا من الزمان ، ثم استقرت آراؤهم آخر الأمر على أن الحياة على الكواكب الأخرى غير الأرض غير مستبعدة لوجود جميع مقوماتها. قال تعالى : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (١).

ومعنى الآية أن له سبحانه وتعالى من في السموات والأرض من مخلوقاته وكلهم قانتون أي مقرون له بالعبودية (٢). ويقول أيضا : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ ، وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (٣).

ويقول عز من قائل : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ) (٤).

يقول الفخر الرازي : أما قوله تعالى (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)

__________________

(١) الروم (٣٠ / ٢٦).

(٢) راجع الطبري (٢١ / ٢٣) والقرطبي (١٤ / ٢٠) بتصرف.

(٣) النمل (٢٧ / ٦٥).

(٤) النحل (١٦ / ٤٩).

٦٨

فهو صفة لأهل السموات والأرض ، نفي أن يكون لهم علم بالغيب (١).

ولعل القرآن الكريم كان أول الكتب السماوية التي تعرضت للإشارة إلى وجود الأحياء على المنظومات السيارة الأخرى غير كوكب الأرض وقد أثبت العالم الروسي الكبير «البروفيسور ليابونوف» بعد دراسة خمسة وأربعين عاما (٢) أن هناك سفينة كوكبية آتية من كوكب آخر قد ارتطمت بالأرض وتفتتت وتهمشت ، وكان هذا تعليقا منه على حادث انفجار هائل نتيجة سقوط شهاب سماوي جبار في سيبيريا في ٣٠ يونيو سنة ١٩٠٨ م واختلف في حقيقة أمره.

وبعد فترة قصيرة نسبيا وبالتحديد في مارس سنة ١٩٥٩ صدر كتاب في روسيا يقطع بأن هذا الحادث كان ناجما عن سفينة قادمة من كوكب الزهرة ، وأن موتى هذا الحادث كان بأعراض مرض غامض ينطبق على من يموت بالإشعاع الذري ، atomic radiation وأن الحديد المتبقى لا يشبه حديد الأرض ، ولا حديد النيازك إطلاقا.

وفي ربيع سنة ١٩٥٦ (٣) وجد في (كنكت) بالولايات المتحدة الأمريكية كرة معدنية غريبة يبلغ قطرها مترا ، بداخلها اسطوانة تدور بسرعة كبيرة ، وتم نقل هذه الكرة الغريبة الغامضة في الحال إلى المعامل لتحليلها.

ونزلت نتيجة التحليل على علماء الطبيعة والكيمياء كالصاعقة ، فقد

__________________

(١) راجع التفسير الكبير (٢٤ / ٢١١).

(٢) كان ذلك في عام سنة ١٩٥٣ م.

(٣) راجع الله والعلم الحديث للدكتور عبد الرزاق نوفل ص ١٩٠ بتصرف.

٦٩

استولى عليهم الذعر ، واحتوشهم الفرق والفزع والذهول فقد ثبت أن الكرة تتكون من الكوبالت في حالته الطبيعية الخالصة ، وهذا المعدن في هذه الحالة غير موجود على الإطلاق على وجه الكرة الأرضية ، ولا تفسير ولا تعليل لهذه الظاهرة إلا أن هذه الكرة وهذه الاسطوانة سقطت من كوكب آخر.

وأخيرا استقر في ضمير العلماء والفلكيين أن هناك ألوف بل ملايين الكواكب مسكونة بمخلوقات عاقلة فاهمة مدركة ، وقد لاحظ الفلكي الياباني المشهور «تسوينو ساهيكي» أن هناك دلائل قاطعة على وجود مخلوقات على درجة عالية من الذكاء في الكواكب الأخرى (١).

وقد صرح الأميرال بلمر فاهرناي المشرف على توجيه الطائرات والقذائف الموجهة بأمريكا في حديث له في ١٧ من يناير سنة ١٩٥٧ م.

بأنه شاهد أجساما طائرة مجهولة يبدو أنها موجهة بفعل كائنات مخلوقة عاقلة مفكرة جاءت تخترق طبقات الغلاف الجوي للأرض ، وهذه الأجسام تطير بسرعة مذهلة.

وحكى أحد الطيارين الأمريكيين أن جسما غريبا قد اعترض طائرته وهي في منتصف الطريق بين نيويورك وسان جون ، وقد حاول الطيار أن يتفادى هذا الجسم الغريب بأعجوبة ، وتم له ذلك وكان قد أصيب برعب

__________________

(١) وقد أبدي البروفيسور «تسوينو ساهيكي» عناية خاصة واهتماما بدراسة المريخ ومراقبته ، وكان ذلك في عام سنة ١٩٣٣ م. وقد حدث انفجار غامض يوم ٩ ديسمبر سنة ١٩٤٩ م. وهذا الانفجار تولد عنه ضوء ساطع خلال عدة دقائق تكونت على إثره سحابة رمادية مضيئة مائلة للاصفرار وقد بلغ ارتفاعها ٦٤ كيلومترا وقطرها ١١٢ كيلومترا.

٧٠

ووهل وفزع لأن كارثة محققة كانت على وشك الوقوع له ولطاقم طائرته (١).

ثم أعلنت العقول الالكترونية بعد ذلك أن هذه الأطباق الطائرة حقيقة وأنها آتية من كواكب أخرى وهي مدفوعة بمخلوقات عاقلة مفكرة بل إن بها مخلوقات (٢).

إذا اختلف العلماء في روسيا وأمريكا على تفاصيل رحلات الفضاء ، فإن هؤلاء العلماء جميعا قد اتفقوا على حدث غريب وقع يوم ٢٦ نوفمبر سنة ١٩٥٨ م أي بعد أن أطلقت روسيا أول قمر صناعي في التاريخ في أكتوبر سنة ١٩٥٨ م. فقد سجلت المراصد الفلكية الأمريكية والأوروبية ظهور جسم غريب مجهول في الفضاء ، وهذا الجسم يصدر أصواتا إنسانية غير مفهومة.

ثم سجلت هذه المراصد إشارات قادمة من الفضاء الخارجي وأن هذه الأصوات قد أصبحت أمرا مألوفا ، لكن جميعها تتشابك وتتضافر في إعطاء مدلول قوي وهو أن هناك عقولا كبيرة في أماكن مجهولة من الكون ترصد حركاتنا وما نحن إلا دريئة لتجاربها.

نعود مرة أخرى إلى قوله تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) (٣).

__________________

(١) ورد هذا في تقرير نشر في ١١ مارس سنة ١٩٥٧ م. لأحد طياري شركة «بان أمريكان» «pan american».

(٢) الله والعلم الحديث بتصرف.

(٣) الإسراء (١٧ / ٤٤). وقال تعالى أيضا : (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ). الأنبياء (٢١ / ٤). ونستنبط أن هناك مخلوقات تتكلم وتتقول في السماء ، ويقول هو فصل الخطاب بين الكائن والموجودات غير العاقلة وبين الأخرى العاقلة.

٧١

وقد اتفقت آراء العلماء على أن المريخ والزهرة هما أكثر الكواكب ملاءمة ومواءمة ومناسبة للحياة ، وهذا أمر مجمع عليه من غير نكير.

وكان تعديل العلماء على وجود الحياة في إحدى هذين الكوكبين لظهور كل مقدمات الحياة ومخايل وأمارات وقرائن تقوّي غلبة الظن بذلك.

يقول الجيولوجيون إن ذرة الكربون ومشتقاتها هي أصل الحياة لأنها مركبات متعددة ذوات حلقات وسلاسل طويلة معقدةComplex chains لا تنتهي وهي تذوب في غير الماء من سوائل بسهولة.

لا غنى أيضا عن النيتروجين في بناء الخلايا الحية للجسد البشري ، أو الكائن الحي.

والسليكونات أيضاSilicons مركبات غير منتهية تتحمل درجات الحرارة العالية.

هذه السليكونات موجودة على هذه الكواكب وهي من القرائن القوية التي تدعم الرأي القائل بوجود الحيوان على هذه الكواكب.

٧٢

سرعة دوران الجبال

تدور الجبال بسرعة فائقة غير مرئية ، ولكن الناظر إليها يراها راسخة ثابتة مستقرة على غير الواقع.

فالجبال بتكوينها وطبيعتها وثقلها تشكل ضرورة حتمية لحفظ اتزان الأرض ، ولولاها لاضطربت الكرة الأرضية وفقدت توازنها ، وهي تدور مع الأرض لأنها تشكل جزءا هاما غير مهمل متصل بالأرض اتصالا وثيقا ، ومن غير المعقول ، أن تدور الأرض ولا تدور معها الجبال الراسخات ، والأعلام (١) الرواسي ، لأن معنى ذلك أن تنهار وتندك هذه الجبال ، وهذا على غير الحقيقة فإنها تدور مع الأرض بنفس سرعتها ، ولكن الدهماء والبسطاء من سواد الناس إذا حدثتهم بذلك أنكروا عن غير علم وفهم.

قال تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً ، وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (٢).

__________________

(١) الأعلام : الجبال. وتبلغ سرعة دوران الأرض حول نفسها ٠٠٠ ، ٦٠ ستين ألف ميل في الساعة ، أو نحو ألف ميل في الدقيقة. وعلى وجه العموم فإن المنظومة الشمسية كافة تنهب الفضاء بسرعة تقارب عشرين ألف ميل في الساعة أي أكثر من خمسين ميلا في الثانية الواحدة.

(٢) النمل (٢٧ / ٨٨). جامدة : واقفة ، وربما أريد بقوله تعالى : (تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) أن يكون ذلك يوم القيامة ، وهذا لا يتعارض مع احتمال أن يكون تنويها عن سرعتها في الدوران مع سرعة دوران الأرض. أرجو مراجعة القرطبي (١٣ / ٢٤٢) والطبري (٢٠ / ١٤ ، ١٥).

٧٣

وقال أيضا : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) (١).

وقال : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) (٢).

وقال عز من قائل : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ، وَالْجِبالَ أَوْتاداً؟) (٣).

يقول ابن كثير رضي الله عنه : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) أي ممهدة للخلائق ذلولا لهم ، قارة ساكنة ثابتة.

(وَالْجِبالَ أَوْتاداً) أي جعلها لها أوتادا أرساها بها وثبتها ، وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها (٤).

وفي غاية الدقة العلمية والبيانية يبين الحق سبحانه وتعالى أنواع الجبال ، وتركيب هذه الأنواع في قوله تعالى :

(وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها ، وَغَرابِيبُ سُودٌ) (٥).

يقول الإمام الفخر الرازي رضي الله عنه :

والجدد : جمع جادة ، وجدة وهي الخطة أو الطريقة ، فإن قيل : الواو في (وَمِنَ الْجِبالِ) ما تقديرها؟ نقول هي تحتمل وجهين : أحدهما أن تكون للاستئناف ، ثانيهما : أن تكون للعطف تقديرها وخلق من الجبال ، قال الزمخشري : أراد ذو جدد.

__________________

(١) النحل (١٦ / ١٥).

(٢) الأنبياء (٢١ / ٣١).

(٣) النبأ (٧٨ / ٦ ، ٧).

(٤) تفسير ابن كثير (٤ / ٤٦٢).

(٥) فاطر (٣٥ / ٢٧).

٧٤

واللطيفة الثالثة : ذكر الجبال ، ولم يذكر الأرض كما قال في موضع آخر (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) مع أن هذا الدليل مثل ذلك ، وفي الجبال واختلافها دليل القدرة والارادة لأن كون الجبال في بعض نواحي الأرض دون بعضها دليل القدرة والاختيار (١).

__________________

(١) التفسير الكبير للفخر الرازي (٢٦ / ٢٠) بتصرف يسير. ثم يقول الرازي في نفس المرجع ص ٢١ : قيل بأن الغربيب مؤكد للأسود ، يقال أسود غربيب ، والمؤكد لا يجيء إلا متأخرا فكيف جاء غرابيب سود؟ فذكر الرازي قول الزمخشري ثم قال : هو على التقديم والتأخير ، ونسبه لبعض المفسرين.

٧٥

في كلّ شيء له آية

قال الشاعر :

وفي كل شيء له آية

تدلّ على أنه الواحد

مثل قول الشاعر لبيد وهي كلمة حق غير مسبوق فيها :

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

وكل نعيم لا محالة زائل

في كل موجود مخلوق وفي كل كائن يرزق برهان ودليل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى وقيوميته وفي هذا العبرة والموعظة لأولى الألباب ولأولى النهي الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وبالنسبة لخلق الإنسان وأطوار حياته في بطن أمه ، ثم أطوار حياته خارج بطن أمه فقد ناقشناها في دراسة علمية دقيقة في كتابنا الشهير المتواضع : «الاعجاز الطبي في القرآن» فليرجع إليها من أراد التوسع في مباحث خلق الإنسان وتكوينه الفطري وكل الدوافع النفسية ، والمحركات الحسية وتقييمها في ميزان الدراسات العلمية الإسلامية.

قال تعالى : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (١).

وقال عز من قائل : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً

__________________

(١) الأنعام (٦ / ١٠٢).

٧٦

مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (١).

وإذا كان هذا موقف الجبل إذا نزّل عليه القرآن ، فالأحرى بالإنسان المخلوق العاقل الذي كرّمه الله سبحانه وتعالى وأولاه عنايته ورعايته وخوّله كثيرا من آلائه ونعمه حرى به وقمين به أن يكون أكثر خشية وخشوعا لله سبحانه وتعالى وقد نزل القرآن الكريم إليه يخاطب عقله وفكره ووجدانه.

قال تعالى أيضا : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) (٢).

__________________

(١) النحل (١٦ / ٧٨).

(٢) السجدة (٣٢ / ٩) /

٧٧

عجائب المملكة الحيوانيّة

تحتوي المملكة الحيوان على عجائب وغرائب جديرة بالبحث والاعتبار إذ أنها تشمل أكثر من مليوني فصيلة كما يقدرها العلماء البيولوجيون biologists ولم يهتد العلم إلا إلى الندر اليسير منها ولا يزال البحث موصولا لاستكشاف المزيد منها.

قال تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (١).

يقول الإمام الفخر الرازي : «قال القاضي : أنه تعالى لما قدم ذكر الكفار وبيّن أنهم يرجعون إلى الله ويحشرون ، بيّن أيضا بعده بقوله (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) في أنهم يحشرون ، والمقصود بيان أن الحشر والبعث كما هو حاصل في حق الناس فهو أيضا حاصل في حق البهائم» (٢).

__________________

(١) الأنعام (٦ / ٣٨).

(٢) راجع التفسير الكبير للفخر الرازي (١٢ / ٢٢٢). ثم يقول المؤلف ـ رحمه‌الله ـ في نفس المرجع : من الحيوان ما لا يدخل في هذين القسمين مثل حيتان البحر وسائر ما يسبح في الماء ويعيش فيه والجواب لا يبعد أن يوصف بأنها دابة من حيث أنها تدب في الماء أو هي كالطير ، لأنها تسبح في الماء كما أن الطير يسبح في الهواء.

٧٨

الغرائب في عالم النّبات

قال تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١). في الأرض بقاع مختلفة متلاصقة قريب بعضها من بعض لكل منها نفس ظروف الأخرى من الماء والهواء والتربة والغذاء ولكن فيها الفاضل والمفضول ، والأفضل.

وفي هذه البساتين ، والمروج الخضراء ، والجنّات الفيحاء ممدودة الظلال والأفياء من شجر العنب ، بل وأنواع الزروع والحبوب والنخيل والرطب تسقى جميعها بماء واحد ، ولكن بعضها حلو وبعضها مر.

يقول الحق تبارك وتعالى عز من قائل :

(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ ، فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢).

__________________

(١) الرعد (١٣ / ٤). قال ابن عباس رضي الله عنهما : أرض طيبة وأرض سبخة تنبت هذه ، وهذه إلى جنبها لا تنبت. راجع تفسير الطبري (١٣ / ٩٧) بتصرف. راجع أيضا مجاز القرآن (١ / ٣٢٢).

(٢) الأنعام (٦ / ٩٩). القنوان : هي عذوق النخل ، واحدها قنو ، جمع على لفظ تثنيته غير أن الحركات تلزم نونه في الجمع ، وهي في الاثنين مكسورة ، مثل صنو وصنوان في التثنية ، وصنوان في الجمع. انظر مجاز القرآن (١ / ٢٠٢).

٧٩

قال الإمام الطبري : أي أخرجنا بالماء ما ينبت كل شيء ، وينمو عليه ويصلح به (١).

والمملكة النباتية تساهم بنصيب وفير في تجميل الطبيعة ، ولا أحد يدرك قيمة هذه المشاهد الجمالية وروعة جمالها وجمال روعتها إلا بعد أن ينظر إلى القفار المهجورة ، والمهامة القاحلة التي تفتقد الخضرة والماء والحياة.

وبقدر استمتاع الإنسان بمشاهد النبات الجميلة الخلابة تكون مسئوليته في إقامة الحجة عليه ، فهي متعة له وشهادة عليه ، إن نزول الماء من السماء ، وإخراج النبات من الأرض الميتة لا تدع حجة بعدها ولا برهان لمنكري البعث من الجاحدين المرجفين.

واختلاف النباتات والثمار على الرغم من تشابه ظروفها جميعا خير دليل على قدرة الخالق المبدع المصور ، إن هذه المشاهد لا تدع مجالا للتردد أو التقاعس عن الإيمان والتسليم بقدرته سبحانه وتعالى وقيوميته.

إن هذه الآيات البينات والبراهين الناطقة والأدلة القوية تتضافر جميعا لتدحض افتراء الجاحدين ، وتدفع افتراء الباطل اللجوج الممتري فيه ، المطعون فيه.

ليس هذا فحسب ، لكن لا يجب إغفال دور النبات الحيوي في توازن الغازات في الطبيعة ، فإن له دورا كبيرا في ثبات معدل الأوكسجين في الكون فلولاه لنقص معدل الأوكسجين وكانت النتيجة الهلاك المحقق

__________________

(١) جامع البيان (١١ / ٥٧٣).

٨٠