الاعجاز العلمي في القرآن

الدكتور السيد الجميلي

الاعجاز العلمي في القرآن

المؤلف:

الدكتور السيد الجميلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٠

سبع سماوات

خلق الله سبحانه وتعالى الأرض ذلولا للإنسان يحيا فيها مرزوقا بالمأكل والمشرب ، والبيئة والمناخ الملائمين لحياته ونشاطاته ، ثم توجهت قدرته إلى السماء فعمد إليها إذ جعلها سبع سماوات.

قال تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١).

قال الحائدون عن الصواب ـ بحسن نية طبعا ـ أريد بالسماوات السبع مدارات الكواكب السيارة التابعة للمنظومة الشمسية التي تدور حول الشمس.

وقد وهم هذا الرأي الإمام محمد عبده رضي الله عنه ـ رغبة منه في التفهيم ـ ورأى البعض أنها ربما أريد بها طبقات الأرض (٢).

ولكن للعقل أن يذهب في تأويلها أي مذهب كيفما شاء بشرط ألا يتعارض في أي منها مع نص شرعي واضح ، كذلك عليه أن يجعل هذا التصور مجرد رأي ظني راجح لا يصل إلى درجة من درجات اليقين إلا إذا اتصل بعنصر الثبات. وقد وردت في المعاني العلمية والإشارات الكونية لهذه الآية آراء غير شديدة ضربنا عنها صفحا ولم نشأ مجرد سردها أو مناقشتها لأنها غير جديرة بذلك.

__________________

(١) البقرة (٢ / ٢٩). قيل إن كل من كان يعمل عملا فتركه بفراغ أو غير فراغ وعمد لغيره ، فقد استوى له ، واستوى عليه. راجع رأي الطبري أيضا في ذلك في جامع البيان (١ / ٤٢٩).

(٢) وهذا رأي باطل أيضا غير متوافق مع العلم أو المنطق.

٢١

منازل القمر

قيل إن القمر قد اقتطع من الأرض عند ما كانت الأرض مائعة ، ولو صح قول هؤلاء الزاعمين كان عمر القمر هو نفس عمر القشرة الأرضية عند ما بدأت تبرد وتتجمد ، والأرض أثقل من القمر ٨٢ مرة. وقد بلغ بعد القمر عن أرض مسافة ٠٠٠ ، ٢٤٠ ميلا ، ولكن قطر الأرض يبلغ نحوا من ٨٠٠٠ ميلا.

وقطر القمر يزيد قليلا عن ربع قطر الأرض.

ويوجد بالقمر فوهات وبراكين ووهاد وجبال مختلفة الأشكال والهيئات ، وعليه قمم مرتفعة شاهقة. لكن العلماء انتهوا إلى أن القمر خلو من الماء كما لا يوجد عليه هواء ، وهو بلقع وخراب يباب.

وترى الأرض قمرا عند سطح القمر ، ويدور القمر حول الأرض ، والأرض تدور حول نفسها وحول الشمس وكذلك القمر يدور حول نفسه وحول الأرض في آن واحد.

قال تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (١).

ومعنى الآية عند جمهور المفسرين : والقمر جعلناه منازل كالشمس ،

__________________

(١) يس (٣٦ / ٣٨ ، ٣٩). وقد قرئت لا مستقر لها أي لا قرار ولا سكون لها ، بل سائرة ليلا ونهارا ، لا تفتر ولا تقف. راجع مختصر ابن كثير (٣ / ١٦٢).

٢٢

وهو يزيد وينقص حتى يصبح كالعذق المقوس أو السباطة اليابسة التي يحول عليها الحول أو العام فأصبحت جافت وصارت مقوسة (١).

وقد انتهت بحوث الفلكيين إلى أن القمر أول الشهر يكون (المحاق) لانمحاق نوره ولاختفائه ، ثم بعد سبعة أيام يصير إلى (التربيع الأول) ثم يصير (بدرا) وسط الشهر ثم يتحول إلى (التربيع الثاني) بعد الأسبوع الثالث ، ثم يكون في المحاق آخر الشهر ، وهكذا دواليك.

ولا يمكن للشمس أن تحتل مكان أحد المنظومات السيارة ، وليس في مقدور أحدها أن يحتل محل الآخر إنما لكل واحد من هذه المسيّرات فلك خاص به ومدار يسير عليه فلا يخرج على دائرته.

قال تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٢).

كذلك يستنبط من الآية الشريفة أن كلا من الشمس والقمر لا يجتمعان معا بحال ، لأن كلا منهما يجري في مداره الذي يوازي مدار الآخر ، ولا يمكن بل يستحيل تماما أن يلتقي كلاهما.

ولا يفوت الليل النهار ، فيذهب قبل مجيئة ، وقوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)

__________________

(١) لأن العرجون هو الكناسة. وقد شبه الحق سبحانه وتعالى به القمر ـ آخر ليلة يطلع ـ لتقوسه ودقته بعد أن يمر عليه العام ، وقد عبر عنه بالعرجون القديم. راجع لسان العرب لابن منظور (١٧ / ١٥٦). وتفسير الطبري (٢٣ / ٦) والقرطبي (١٥ / ٣٠ ، ٣١).

(٢) يس (٣٦ / ٤٠).

٢٣

يقصد الشمس والقمر والنجوم يجرون ويسبحون (١).

وتقدير القمر منازل إنما كان تقديرا من الله سبحانه وتعالى ليعلم الناس عدد السنين والحساب ، هذا فضلا عن نفع الشمس بالدفء والنور والضياء ، ونور القمر الذي يهدي السراة (٢).

قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٣). وقوله تعالى (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) يقصد جعله ينزل كل ليلة منزلا من النجوم ، وهي ثمانية وعشرون منزلا كل شهر ، وتسمى هذه المنازل البروج (٤).

ومن هذه الآية أميط اللثام ، وبرح الخفاء عن حقيقة ثابتة قديمة مقطوع بصحتها وسلامتها ألا وهي أن الشمس نجم تنبعث منه الحرارة والضوء كما هو شأن سائر النجوم (٥).

__________________

(١) راجع لسان العرب (٣ / ٢٩٩) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٥ / ٣٣) وجامع البيان (٢٣ / ٧) ومختصر ابن كثير للصابوني (٣ / ١٦٢).

(٢) السراة : الذين يمشون ليلا ، جمع مفرده ساري.

(٣) يونس (١٠ / ٥).

(٤) بالشمس تعرف الأيام وبدوران القمر تعرف الشهور والأعوام ، وبهذا يعرف الإنسان الأعوام والشهور والأيام.

(٥) لأن الشمس هي أكبر النجوم على الإطلاق ، والنجم معروف بأنه جرم يشع ضوءا وحرارة ، ولكن القمر كوكب يتكون من جسم بارد مظلم ضوؤه مستمد من الشمس.

٢٤

نقص الأرض من أطرافها

إن المؤمنين قد قضى لهم بالنصر على أعدائهم لأن الله يدافع عن الذين آمنوا ، وهو ولي المؤمنين ولكن الذين كفروا وليهم الشيطان وقمين بمن كان الله سبحانه وتعالى مدافعا عنه أن ينتصر ويفلج الله حجته ، ويبير أعداءه ، ويمحق ذكرهم ويفرقهم أيدي سبأ (١) فلما انتصر المسلمون على المشركين وضيقوا الخناق عليهم ، ضاقت الأرض على الكفار بما رحبت.

قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٢).

وقد رأى بعض العلماء المفسرين أن إنقاص الأرض من أطرافها يقصد به موت الصالحين والعلماء والعباد (٣). قيل أيضا بالفتوح على المسلمين.

وبقدر ظفر المسلمين يكون النقص في متاع الكافرين ومما في أيديهم (٤).

وإذا كان هذا ما انتهى إليه المفسرون من بيان معاني الآية الشريفة ،

__________________

(١) يقال تفرقوا أيدي سبأ : أي تفرقوا في البلاد هنا وهناك.

(٢) الرعد (١٣ / ٤١).

(٣) وهذا هو رأي ابن عباس ومجاهد كما ورد في الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (٤ / ٦٨) وجامع البيان للطبري (١٣ / ١١٧).

(٤) وهذا هو الرأي المختار عند شيخ المفسرين الطبري في السابق.

٢٥

بيد أن العلماء الجيولوجيين الدارسين للعصور السحيقة قد وقفوا على قضية فلكية غاية في الأهمية ، يتسع لها معنى الآية الكريمة أيضا ، وهي أن هؤلاء العلماء قد ثبت لهم أن الكرة الأرضية قد تفلطحت عند القطبين وانبعجت عند خط الاستواء بسبب سرعة دورانها حول نفسها (١).

وقد حدث أن كميات كبيرة من الغازات والعناصر التي تحيط وسط الكرة الأرضية قد انطلقت بقوة الطرد المركزية إلى الخارج بعيدا حول خط الاستواء مما ساعد على انبعاج الكرة الأرضية عند خط الاستواء ، ونقص طرفيها عند القطبيين ، الشمالي والجنوبي.

وإذا كان هذا الرأي هو ما اطمأن إليه الفلكيون واستقرت عليه آراؤهم ، فليس عندنا ما يرده أو يرفض كونه أحد المعاني التي يجب أخذها في الاعتبار (٢) في تأويل الآية الشريفة.

__________________

(١) حيث تصل سرعة دوران الأرض حول نفسها ألف ميل في الساعة تقريبا.

(٢) وهذه من أعظم نواحي عظمة القرآن الكريم ، وقد فطن الصحابة وأعلام السلف ـ رحمهم‌الله ـ إلى هذه الناحية فقد قال الإمام علي رضي الله عنه لبعد الله بن عباس حينما بعثه إلى الخوارج : «ولا تخاصمهم بالقرآن ، فإنه حمّال ذو وجوه ، ولكن حاججهم بالسنة ، فإنهم لن يجدوا عنها محيصا» وهذه الوجوه المحمول عليها معاني القرآن تعطي تجويزا لتعدد الفهم والإحساس.

٢٦

مرج البحرين يلتقيان

لقد لوحظ أن مياه الأنهار إذا انسابت واختلطت بمياه البحار لا تمتزج بها لأن ثمة حاجزا يمنع طغيان كل منهما على الأخرى ، وقيل إنهما على رغم التماس بين سطحيهما يباعد بينهما حاجز من قدرة الله عزوجل ، قال تعالى :

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١).

ومرج البحرين أي خلّاهما ، تقول مرجت دابتي إذا خليتها ، وأمرجت الدابة إذا رعيتها (٢).

وقد ثبت أن عدم اختلاط مياه الأنهار ، ومياه البحار نعمة من نعم الحق سبحانه وتعالى حيث يحتفظ ماء النهر بعذوبته ، وكذلك يحتفظ ماء البحر بملوحته ، وأيضا فإن أحياء كل منهما لا تختلط بأحياء الآخر.

والمشاهد أن مستوى ماء النهر عادة أعلى من مستوى ماء البحر وقد لوحظ هذا عند التقاء فرعي نهر النيل عند دمياط وعند رشيد بالبحر

__________________

(١) الرحمن (٥٥ / ١٩ ، ٢٠) قال ابن كثير رحمه‌الله في تفسيره (٤ / ٢٧٢) ط. المكتبة التوفيقية : «المراد بقوله (الْبَحْرَيْنِ) الملح والحلو ، واختار ابن جرير الطبري هاهنا أن المراد بالبحرين بحر السماء وبحر الأرض وهو مروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطية. راجع القرطبي (١٧ / ١٦٢) والطبري (٢٧ / ٧٧).

(٢) الجامع لأحكام القرآن (١٧ / ١٦٢).

٢٧

الأبيض المتوسط ، حيث تندفع مياه النهر العذبة بقوة شديدة إلى مياه البحر الملحة وكل منهما يحتفظ بمذاقها وبأحيائها.

قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ ، وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) (١) فبأي نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ يا معشر الإنس والجن.

__________________

(١) الفرقان (٢٥ / ٥٣) يقول ابن منظور : «يقال أمرج الدابة إذا رعاها والغراب : العذب» اللسان (٣ / ١٨٨) «والأجاج : الشديد الملوحة الذي يخالطه مراره ، يقال ماء ملح ؛ ولا يقال مالح» راجع البحر المحيط (٦ / ٥٧).

٢٨

أنواع الجبال

قال تعالى : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) (١).

قال أبو عبيدة رضي الله عنه : الغربيب الشديد السواد ؛ ففي الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : ومن الجبال سود غرابيب والعرب تقول للشديد السواد الذي لونه كلون الغراب : أسود غربيب.

والمتدبر للمعاني اللطيفة في الآية الشريفة يرى توازن الألوان في نعوت أنواع الجبال المختلفة ودقة تدرجها فتبدأ بالبيض وتنتهي بالسود ، ويتوسط هذه وتلك حمر متدرجة الألوان.

__________________

(١) فاطر (٣٥ / ٢٧). الجدد : هي الطرائق والخطوط تكون في الجبال ، جمع مفرده جادة ، والغرابيب جمع غربيب. انظر لسان العرب لابن منظور (٤ / ٧٩) وجامع البيان (٢٢ / ٨٦ ، ٨٧) لكن القرطبي (١٤ / ٣٤٢) يقول : الجدد جمع جدة ، وهي الطرائق المختلفة الألوان ، وإن كان الجميع حجرا أو ترابا.

٢٩

كرويّة الأرض

حتى عهد قريب لم يكن أحد يصدق أن الأرض كروية ...! ولكن الذي ثبت بالأدلة القطعية غير المطعون فيها أو المقدوح في صوابها أن الأرض كرة ولكن البسطاء وسواد الناس لا يزالون ممتارين في هذه الحقيقة التي سبق إليها القرآن الكريم فنوّه عنها وأشار إليها في قوله تعالى :.

(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ ، وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) (١).

ومعنى الآية الشريفة : أي يغشى الليل على النهار ، ويغشى النهار على الليل ، وكأنه يلف عليه لف اللباس على اللابس (٢). والمنقول عن قتادة أن تكوير الليل على النهار تغشيته إياه حتى يذهب ضوؤه ، ويغشى النهار على الليل فيذهب ظلمته (٣). وقال أبو عبيدة : وأصل التكوير اللف والجمع ومنه كوّر العمامة (٤).

__________________

(١) الزمر (٣٩ / ٥).

(٢) الصابوني (٢٣ / ١٢٣٤).

(٣) راجع الجامع لأحكام القرآن (١٥ / ٢٣٥) ط. دار الكتب.

(٤) راجع جامع البيان (٢٣ / ١٢٣) والقرطبي (١٥ / ٢٣٤ ، ٢٣٥).

٣٠

بروج السّماء

قال تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً ، وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (١).

والبروج هي منازل الكواكب السيارة ، وقد سميت بالبروج لأنها تشبه القصور العالية.

قبل إن البروج هي تلك المنظومات التي تدور حول الشمس وتعتبر البروج منازل الشمس أثناء دورانها طوال العام. وكل ثلاثة بروج (٢) أو منازل تمثل فصلا من فصول السنة وعدد هذه الفصول أربعة الربيع ، والصيف ، والخريف والشتاء ، وقد أفاد القرآن الكريم في إشارة لطيفة إلى الطاقة الحرارية المبعوثة من الشمس من جراء الطاقة الناجمة عن التفاعلات الذرية في داخلها.

لكن أشعة القمر معكوسة من الشمس عند سطحه وليس هو مصدرها.

__________________

(١) الفرقان (٢٥ / ٦١).

(٢) البروج الاثنا عشر هي : الحمل والثور والجوزاء والسرطان والاسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت.

٣١

الشمس تجري لمستقرّ لها

إنها أكبر نجم في المجموعة السيارة ، وتتكون من نار ومن نور أيضا أما الكواكب فإن نورها من الشمس يرتد عنها انعكاسا (١). والكواكب السيارة حول الشمس محكومة بقانوني الجاذبية المركزية من ناحية ، وقوة الطرد المركزية من ناحية أخرى.

وحتى يستقيم أمر هذه المنظومات السيارة فإن القوتين لا بد أن تكون كل منهما مساوية للأخرى تماما ، أي قوة جذب الشمس مساوية لقوة الطرد والإبعاد عنها.

ونجم الشمس الضخم هذا دائم النشاط دائب الحركة فإنها تجري لمستقر لها لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء ، قال تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٢).

يقول ابن قتيبة ـ رحمه‌الله ـ عن الشمس : أنها تجري إلى أي موضع تنتهي إليه فلا تجاوزه ثم ترجع (٣).

وقد ثبت للعلماء الجيولوجيين أن المذنبات والأجرام السائرة حول

__________________

(١) انظر (مع الله في السماء) للدكتور أحمد زكي ، سلسلة كتاب الهلال العدد ٢١١ ـ نوقمبر سنة ١٩٧٦ م.

(٢) يس (٣٦ / ٣٨).

(٣) تفسير غريب القرآن ص ٣٦٥ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٥ / ٢٧) ط. دار الكتب.

٣٢

الشمس يتخذ كل منها لنفسه شكلا ثابتا مميزا له يدور في مدار بيضاوي الشكل.

وتجري هذه المجموعة المنظومة بسرعة تبلغ نحو ٧٠٠ كيلومترا في الثانية الواحدة ، ولم يصل الباحثون إلى هذه الحقيقة العلمية إلا مؤخرا.

قال الإمام ابن كثير ـ رضي الله عنه ـ في تفسير هذه الآية : في قوله تعالى (لِمُسْتَقَرٍّ لَها) قولان : أحدهما أن المراد مستقرها المكاني وهو تحت العرش مما يلي الأرض لحديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس» قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ...» الحديث (١). والثاني : أن المراد بالمستقر هو منتهى سيرها يوم القيامة حيث يبطل سيرها ، وتسكن حركتها ، وتكور وينتهي هذا العالم إلى غايته (٢).

والمستفاد من الآية الكريمة أن التكوير وهو لف الشيء على الشيء ، وهذا التكوير يدل دليلا قويا على كروية الأرض وعلى دورانها حول نفسها.

وقد ذكر الدكتور أحمد زكي أن الأرض كروية الشكل تقريبا ، وأن قطر هذه الكرة يتناقض تدريجيا كلما ذهبنا به من عند خط الاستواء إلى أي من قطبي الأرض ، قطبها الشمالي ، أو قطبها الجنوبي أي أن الأرض

__________________

(١) حديث صحيح رواه البخاري في الصحيح.

(٢) راجع مختصر ابن كثير (٣ / ١٦٢). وقد قرئ أيضا لا مستقر لها أي لا قرار ولا سكون ، لا فتور ولا جمود يعتريها ، ولا عائق يعوقها عن دورانها المنظم الدقيق.

٣٣

تتفرطح كلما اتجهنا نحو أي من القطبين شمالا أو جنوبا (١).

والأرض تدور حول نفسها وحول محورها مرة واحدة في اليوم الواحد ، فيتعاقب عليها النهار نورا والليل ظلاما في الأربع وعشرين ساعة.

__________________

(١) مع الله في السماء للدكتور أحمد زكي ص ٨٥ بتصرف يسير. وقال الشيخ محمد إبراهيم : «وقد ثبت بالوسائل والأجهزة الفلكية ويرى العلماء أن للشمس نهاية عند ما تستنفد وقودها الذري».

٣٤

والأرض بعد ذلك دحاها

قال تعالى في كتابه الكريم : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (١) يقصد الأرض بسطها ثم مدّها ومهدها وبسطها لسكني المخلوقات وهذا بالطبع لا يتعارض مع كروية الأرض ، وقد قال الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير : «كانت الأرض أولا كالكرة المجتمعة ثم إن الله سبحانه وتعالى مدها وبسطها وليس معنى (دحاها) مجرد البسط بل المراد أنه بسطها بسطا مهيئا لنبات الأقوات» (٢) وقال صاحب القاموس المحيط : دحا الله الأرض يدحوها ويدحاها دحوا بسطها وادحوى أبسط ، ودحيت الشيء أدحاه دحيا بسطته» (٣).

وفسر ابن منظور دحاها بمعنى بسطها (٤). ومعنى الدحية كما فسرها صاحب القاموس هي بيضة النعام وهي مستديرة الشكل ، والذي يجدر ذكره أن هذه الأرض المبسوطة إزاءنا بمجرد النظر إنما هي مستديرة كالبيضة سبحان الله.

__________________

(١) النازعات (٧٩ / ٣٠).

(٢) راجع التفسير الكبير للفخر الرازي (٣١ / ٤٨).

(٣) انظر القاموس المحيط للفيروزآبادي (٤ / ٣٢٩) ط. الحلبي. بتصرف. ط ثانية سنة ١٩٥٢ م.

(٤) راجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٢٠ / ٢٠٢) ولسان العرب (٦ / ٢٨٠).

٣٥

تنبّؤ القرآن الكريم بوسائل المواصلات الحديثة

كثير من الإعجازات القرآنية الغيبة التي لم يعرفها الأقدمون الذي سمعوا القرآن وصدقوه وآمنوا به ، فوّضوا تأويلها وتفسيرها وفهم معانيها إلى الله سبحانه وتعالى ، بيد أنهم أفرغوا مجهودهم ، وبذلوا قصارى جهودهم في فهم معانيها ، واستطاعوا تأويل بعض منها بظنون مرجوحة لا تقدر على الارتقاء إلى أدنى درجات اليقين ، لأن اليقين متطلب جزما وقطعا من غير نكير.

من هذه الغيبيات ما أخبر عنه القرآن الكريم من وسائل المواصلات الحديثة في قوله تعالى :

(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ، وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) (١) والمقصود من الآية الشريفة هو ما يركبون في البر مما يشابه الفلك المشحون مثل السيارات الناقلة الكبيرة العملاقة التي تحمل الكثرة الكثيرة من الناس وأمتعتهم.

__________________

(١) يس (٣٦ / ٤١). لكن ابن عباس ذكر في تفسير القرطبي (١٥ / ٣٣) أنها الإبل وسائر المركوبات ، فهي في البر مثل السفن في البحر ، وهذا التفسير الذي قال به ابن عباس مقبول مناسب لعصر النبوة.

٣٦

وإذا العشار عطّلت

ظن بعض الباحثين أن الآيات القرآنية التي قال فيها القدماء رأيا تفسيريا لا يجب إعادة النظر فيها من الجانب العلمي.

وهذا الظن فيه فساد كبير ، وشر مستطير ، إذ أنه يحرمنا من متعة التأمل والتدبر في القرآن الكريم ، فضلا عن أنه يفسح المجال أمام فتنة العلم المعاصر والتطور السريع الذي انتهت إليه البشرية ، بدلا من اكتشاف العلاقة بينها وبين الاشارات القرآنية العلمية اللطيفة التي تقرب الناس من الجادة المستقيمة.

وهذه الآية الكريمة أشارت إشارة بعيدة إلى المستقبل البعيد الذي كان في عصر تنزيل القرآن عصرا بعيد اللحوق به قال تعالى : (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) (١) ومعنى الآية ان يوما سيأتي تتعطل فيه العشار ويستغنى عنها بالطائرات والقطارات والسيارات والمستحدثات العصرية وغيرها من وسائل المواصلات.

__________________

(١) التكوير (٨١ / ٤) والعشار من الإبل : هي الحوامل التي أتي على حملها عشرة أشهر ؛ ثم لا يزال اسمها كذلك حتى تضع ، وبعد أن تضع أيضا. والعشار جمع مفرده عشراء. قال ابن كثير في تفسيره (٤ / ٤٧٥) ط. التوفيقية : (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) : أي «قال أهلها قد أهملوها».

٣٧

الغوّاصات والمتفجّرات

قال تعالى : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً ، فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً ، وَالنَّاشِراتِ نَشْراً ، فَالْفارِقاتِ فَرْقاً ، فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً ، عُذْراً أَوْ نُذْراً ، إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ) (١).

في الآيات الخمس الأولى اختلف المفسرون اختلافا كبيرا في تأويلها ، فبعض العلماء حملها جميعا على الرياح ، وآخرون حملوها جميعا على الملائكة ، ولكن ابن جرير الطبري لم يبد رأيا في ذلك ، لكن ابن جزي قال : الأظهر في المرسلات والعاصفات أنها الرياح والأظهر في الناشرات والفارقات أنها الملائكة. قال المفسرون كما ذكر الفخر الرازي :

أقسم الحق سبحانه وتعالى بخمسة أشياء ، تنبيها على جلالة قدر المقسم به ، وتعظيما لشأن المقسم عليه.

راجع التفسير الكبير للفخر الرازي (٣٠ / ٢٦٥) وهنا وصف دقيق للطائرات الحربية الخاطفة بسرعة البرق وهى تروح وتجيء تعصف بقنابلها المدمرة كالحميم وتترك الناس عصفا ماكولا.

__________________

(١) المرسلات (٧٧ / ١ ، ٧). المرسلات : الملائكة ، عرفا : متتابعة ، ومن ذلك قيل هم إليه عرف واحد راجع البحر المحيط لأبي حيان (٨ / ٤٠٣) ويقال : أرسلت بالعرف أي بالمعروف كما ذكر القرطبي (١٩ / ١٥١). العاصفات : الرياح ، والناشرات : هي الرياح الممطرة. راجع تفسير الطبري (٢٩ / ١٤١) والفارقات : الملائكة تنزل تفرق بين الحق والباطل ، الملقيات ذكرا : الملائكة التي تلقن الوحي إلى أنبياء الله ، عذرا أو نذرا : ترغيبا وترهيبا.

٣٨

أفادت هذه الآيات الشريفة كل أنواع الطائرات المعاصرة التي تستعملها البلاد المتحاربة لتعصف بخصومها ، وإن كانت هذه الطائرات والمتفجرات المهلكة المقذوفة من الطائرات إن كانت غير معروفة وقت نزول القرآن الكريم ، بيد أنه لا يوجد دليل يمنع من حمل هذه الآيات على تلك المعاني العلمية أو يعارض هذا الرأي.

ونحن نرى أن يوضع في الاعتبار هذا التفسير العلمي ليس على سبيل القطع ، وإنما على سبيل الترجيح وغلبة الظن.

يقول الدكتور صلاح الدين خطاب (١) في تفسير هذه الآيات : وهذا وصف علمي دقيق للطائرات الحربية الحديثة بمختلف حركاتها ، وبجميع أفعالها ، فهي تعصف بقنابلها كالحميم ، وتترك الناس كالعصف المأكول وفي أثناء قيامها بذلك تنشر المنشورات وتلقيها على الجنود وعلى غيرهم في ميادين الحرب وعلى الأهالي والسكان المدنيين للإخبار بما تريده الدولة المحاربة ، وتفرق بصولتها الجبارة بين الكتائب والفصائل والتجمعات فرقا حيث أنه لا يستقر تحتها ولا يثبت أي جمع بل بمجرد رؤيتها يتفرق الناس ، ويختفون في الكهوف والملاجئ والمخابئ.

قال تعالى : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) (٢).

والعذاب من تحت الأرجل مقصود به الألغام ، والغواصات المنصوبة

__________________

(١) من كتابه «الجانب العلمي في القرآن» ط. الناشر العربي. ص ١٧ وما بعدها.

(٢) الأنعام (٦ / ٦٥).

٣٩

في الأرض وفي البحر فيمر عليها المقصود إهلاكه فتدمره تدميرا.

«بتصرف من السابق».

ثم يردف الدكتور صلاح خطاب :

ومن أعجب ما تنبأ به القرآن الكريم قول الحق سبحانه : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ ، وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) (١).

هذه الآية تدل دلالة قاطعة على القنابل الذرية (٢). والقنابل الذرية تحمل كل معاني الهدم والتخريب والدمار.

__________________

(١) يونس (١٠ / ٢٤) قوله تعالى (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) يعني كأن لم تكن عامرة بالأمس ، والمغاني : هي المنازل جمع مفرده مغنى ، يقال غنيت بالمكان أي عدنت به وأقمت فيه.

(٢) السابق ص ١٨.

٤٠