تراثنا ـ العدد [ 57 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 57 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٨

١

محتويات العدد

كلمة التحرير :

التراث والوسائل التقنية الحديثة

.......................................................... هيئة التحرير ٧

* تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات (١٣)

........................................... السيد علي الحسيني الميلاني ١٣

* عدالة الصحابة (١)

.................................................... الشيخ محمد السند ٣٨

* السنة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

................................................. السيد علي الشهرستاني ٦٩

* دور الشيخ الطوسي في علوم الشريعة الإسلامية (٤)

.............................................. السيد ثامر هاشم العميدي ٩٤

* معجم مؤرخي الشيعة (٢).

................................................... صائب عبد الحميد ١٢١

٢

* دليل المخطوطات (٥) ـ مكية مدرسة الإمام الصادق عليه‌السلام.

...................................... السيد أحمد الحسيني الأشكوري ١٤٥

* فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين / العامة / النجف الأشرف (٣).

...................................... السيد عبد العزيز الطباطبائي قدس‌سره ١٦٩

* مصطلحات نحوية (١٢)

................................................ السيد علي حسن مطر ١٩٤

*من ذخائر التراث :

* رسالة في شرح حديث حبنا أهل البيت يكفر الذنوب ، للشيخ علي بن عبد الله البحراني.

............................................ تحقيق : مشتاق المظفر ٢٠٧

*من أنباء التراث

......................................................... هيئة التحرير ٢٦١

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة رسالة في شرح حديث حبّنا أهل البيت يكفّر الذنوب للشيخ علي بن عبدالله البحراني اللنجاوي ، المتوفّى سنة ١٣١٩ هـ ، المنشورة في هذا العدد ، ص ٢٠٧ ـ ٢٦٠.

٣
٤

٥
٦

كلمة العدد :

التراث والوسائل التقنية الحديثة

بسم الله الرحمن الرحيم

تميز عصرنا الحاضر بتطورات كبيرة في وسائل الحياة والثقافة ، وكان من أبرزها ما يطلقون عليه اسم (الثورة المعلوماتية).

وهي تشمل التجديد في وسائل الطباعة والنشر ، وخدمات الجهاز الحاسب المتعددة ، وخدمات شبكات المعلومات العالمية ، وأشهرها شبكة (الإنترنيت) التي تعد تطورا نوعيا في عرض المعلومات ونقلها إلى أنحاء العالم ...

وأمام هذا الواقع يواجه العاملين في حقل التراث العلمي سؤال مهم ، وهو : ما هي آثار الوسائل التقنية الحديثة على التراث؟

ويطرح هذا السؤال عادة من زوايا متعددة .. وبعضها يدخل في نطاق اهتمامنا.

وقبل الدخول فيها نشير إلى أننا نقصد بالتراث العلمي : مصادر الثقافة الإسلامية الموروثة عن علماء المسلمين عبر الأجيال .. وصولا إلى مصدرها

٧

الأصلي : الرسول وآله الطاهرين صلى الله عليه وعليهم.

ومن الواضح أن الكتاب هو محور هذا التراث المبارك.

ونقصد بالوسائل التقنية الحديثة : مجموعة الابتكارات والتطورات المتعلقة بعرض المعلومات وإيصالها ، وتبادلها ، من تطور الطباعة ، والبرمجة الكمبيوترية ، والتلفزيونية ، وشبكات المعلومات ، المحلية والعالمية ...

ومن الواضح فقهيا أن الوسائل الحديثة التي تدخل في عملنا التراثي لا حكم لها في نفسها .. بل حكمها يتبع المادة التي تتضمنها ، والهدف الذي يهدف منها ، وأحيانا تؤثر على حكمها الشرعي الأمور الجانبية التي ترافق استعمالها.

ولهذا لم نجد أحدا من فقهائنا يستشكل في طباعة كتاب إسلامي بأحدث وسائل الطباعة ، ولا بجعله في برنامج كمبيوتري ، أو بتسجيله في شريط صوتي ، أو تلفزيوني ، أو في شبكة معلومات عالمية مثل (الإنترنيت).

لهذا يتركز السؤال على عملية الاستفادة ، وليس على حليتها ..

وأول ما ينبغي هنا ملاحظة حالة المصادر التراثية أولا.

ثم حالة الإنسان المعاصر المقصود بها ، ثانيا.

فالمصادر : قسم منها ما زال مخطوطا لم ير الطباعة ، وقسم مطبوع نادر النسخة ، فهو يشبه المخطوط ، وقسم مطبوع بطبعة رديئة أو غير محققة أو ناقصة أو محرفة ... والقسم الأقل هو المطبوع بطبعات جيدة جامعة الشرائط.

أما نشر الكتاب التراثي فمشكلاته كثيرة ، نذكر أهم ثلاث مشكلات

٨

منها :

*مشكلة تحقيق الكتاب ، بتوفير نسخه وتوفير المحققين من أهل الخبرة والأمانة ، وتوفير المصارف اللازمة لعملهم.

*ثم مشكلة ثمن الكتاب ، التي تصاعدت في السنين الأخيرة ، فسببت تقليل عدد القراء!

*ثم مشكلة سياسة منع الكتاب ، التي ما زالت تتبعها أكثر الدول العربية والإسلامية!

وهنا يأتي السؤال : ما هو تأثير ثورة المعلوماتية على وضع التراث الإسلامي؟

والجواب : إن لذلك تأثيرات إيجابية دون شك ، منها : تيسير التحقيق والطباعة ، وتيسير نشر الكتاب عن طريق شبكات المعلوماتية.

أما نشره عن طريق الكتاب المطبوع فما زال يراوح مكانه ، ويعاني من مشكلة التحقيق والتوزيع وارتفاع الثمن!

وهنا تبرز المفارقة في سياسة وزارات الإعلام في البلاد الإسلامية ، إذ تسمح عمليا بدخول الكتاب المرئي والمسموع ، وتمنع دخول الكتاب المطبوع!!

وفي اعتقادنا أن الزمن يسير لمصلحة نشر التراث الإسلامي ووصوله إلى جميع الناس ، وأن سياسة منع الكتاب والتعتيم على التراث الإسلامي ، في طريقها إلى الزوال.

إن الذين يتخيلون أن باستطاعتهم مواصلة فرض التعتيم العلمي وحرمان الباحثين في الجامعات والمعاهد الدينية من قراءة آراء مذاهب المسلمين من مصادرها الأصلية .. إنما يعيشون في خطأ فكري وعملي!

٩

وجهاز الحاسب وشبكة الإنترنيت شاهدان عليهم ، وسيكشفان للعالم حقائق مثيرة عن التعتيم العلمي الذي هو أسوأ من التعتيم الإعلامي ، ولكنه أقصر منه عمرا!

ونحن على ميعاد من الله تعالى بأن التعتيم والتجهيل سوف ينتهي ويموت قبيل ظهور الإمام المهدي الموعود عليه‌السلام ..

وقد بدأ طغيان التعتيم العلمي ينكسر ، وإن كان التعتيم الإعلامي ما زال يصول ويجول .. إن هذه الوسائل التي هيئت في عصرنا نعمة كبيرة ..

وإنما يتحقق شكرها بحسن الاستفادة منها ، وعدم الخوف من الحقائق الجديدة التي قد تنكشف بواسطتها .. سواء كان ذلك في مجال التاريخ والسيرة ، أو في مجال الفقه والعقائد .. فطالب الحق ، لا يخاف من انكشاف الحق ، سواء كان عند هذا الفقيه أو ذاك ، وعند هذا المذهب أو ذاك!

أما حالة الإنسان المعاصر المقصود بكتب التراث :

فقد أثرت (الثورة المعلوماتية) على المسلم المعاصر تأثيرات شديدة ، وكانت النتيجة إلى الآن في غير مصلحة الثقافة التراثية.

وقد كان أكبر تأثير سيئ على المسلم : أن هذه الوسائل ساعدت نمط الحياة المعاصرة على سرقة وقت المسلم ، فلم تترك له وقتا كافيا للقراءة والعيش مع مصادر التراث من القرآن والحديث والسيرة والفقه ومسائل الأخلاق الإسلامية ...

إن حركة الحياة المعاصرة ومتطلبات المعيشة تأخذ أكثر وقت الإنسان

١٠

في عصرنا .. فإن بقي عنده وقت فإن محطات الإرسال المرئية والمسموعة كامنة لمصادرة ما بقي من وقته .. أما إذا كان من أهل الهوى والفساد ، فإنها تصادر دينه ووقته وماله وصحته!!

من هذا الواقع برزت أمام المراجع والعلماء والمصلحين والوعاظ الإسلاميين ، والعاملين في حقل التراث والتبليغ كافة .. حقائق جديدة صار من اللازم عليهم أن يتعاملوا معها ويجيدوا التعاون على النهوض بمسؤولياتها.

فقد كانت القراءة في الماضي تحتل الدرجة الثانية في هداية الناس وتثقيفهم ، بعد التدريس والخطابة والشعائر الإسلامية ..

أما اليوم ، فإن الإعلام المرئي والمسموع الميسر عن طريق هذه الوسائل الجديدة يتقدم ليحتل مكان القراءة.

ومن هنا صار اللازم على العاملين في نشر التراث الإسلامي بطباعته ، أن ينشروا أيضا في برنامج كمبيوتري ، وفي برامج شبكات المعلوماتية العالمية.

وفي اعتقادنا أن هذا الحقل من النشر سوف يؤثر تأثيرا معنويا إيجابيا على حقل الكتاب المطبوع ، وإن كان له تأثير مادي سلبي في تقليل قرائه!

ومن هنا وجدت مؤسستنا نفسها ملزمة بأن تدخل شبكة الإنترنيت ب : (مؤسسة آل البيت للمعلوماتية) وتبدأ بنشر أهم مصادر التراث الإسلامي في موقع (رافد) الذي يشتمل على أهم نتاجات المؤسسة والمؤسسات المرتبطة بها ..

١١

يبقى السؤال الذي يطرحه بعضهم وهو :

هل تؤثر الوسائل الحديثة على قيمة التراث؟

يطرحه بعضهم وكأنه يتخوف من حدوث تأثيرات سلبية على مصادرنا التراثية .. بينما المسألة بالعكس تماما ، فإن قيمة تراثنا تكمن في ذاته وحقيته وأسلوبه الفريد في مخاطبة العقل البشري ..

وكلما تقدمت وسائل المخاطبة واتسعت وتنوعت ، فإنها ستوفر لملايين جديدة فرصة الاطلاع على جوانب من هذا التراث المبارك ، وستكشف عظمته وأصالته ، وأنه حق منزل من عند الله تعالى .. وبالتالي ستزداد قيمته ولا تنقص ..

إن ما توفره الوسائل الجديدة من سهولة الاطلاع على المخطوطات وتبادلها ، وسهولة الاطلاع على الكتب المطبوعة والصادرة في أنحاء العالم ، والاطلاع على أفكار وآراء مراجع الدين والمتخصصين في المسائل والقضايا الإسلامية .. كلها تحولات تخدم مصادر التراث ، وتساعد في تعميمه على العالم .. وبالتالي سوف ترفع من قيمة المخطوط والمطبوع منه ، وإن قل التداول الحسي في نفس المخطوطات والمطبوعات.

هيئة التحرير

١٢

تشييد المراجعات

وتفنيد المكابرات

(١٣)

السيد علي الحسيني الميلاني

قوله تعالى : (سأل سائل بعذاب واقع) (١)

قال السيد :

«ألم تر كيف فعل ربك يومئذ بمن جحد ولايتهم علانية ، وصادر بها رسول الله صلى الله وآله وسلم جهرة؟! فقال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو آتنا بعذاب أليم. فرماه الله بحجر من سجيل كما فعل من قبل بأصحاب الفيل ، وأنزل في تلك الحال : (سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع)».

قال في الهامش :

«أخرج الإمام الثعلبي في تفسيره الكبير هذه القضية المفصلة ، ونقلها العلامة المصري الشبلنجي في أحوال علي من كتابه نور الأبصار ، فراجع

__________________

(١) سورة المعارج ٧٠ : ١.

١٣

ص ٧١ ، والقضية مستفيضة ، ذكرها الحلبي في أواخر حجة الوداع من الجزء ٣ من سيرته ، وأخرجها الحاكم في تفسير المعارج من المستدرك فراجع ص ٥٠٢ من جزئه الثاني».

فقيل :

«ما ذكره المؤلف في سبب نزول هاتين الآيتين باطل باتفاق أهل العلم من وجوه كثيرة ، أهمها :

١ ـ الرافضة تعتقد أن قصة سبب نزول هاتين الآيتين حصلت بعد يوم غدير خم ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، بعد حجة الوداع ، وهم يتخذون من هذا اليوم عيدا.

وهذه السورة ـ سورة (سأل سائل) ـ مكية ، باتفاق أهل العلم ، نزلت بمكة قبل غدير خم بعشر سنين أو أكثر من ذلك ، فكيف نزلت بعده؟!

٢ ـ وأيضا : قوله تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق ...) الآية من سورة الأنفال ، وقد نزلت ببدر بالاتفاق قبل غدير خم بسنين كثيرة ، وأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قال المشركون للنبي قبل الهجرة ، كأبي جهل وأمثاله. (منهاج السنة ٤ / ١٣).

وأما قول المؤلف في الحاشية : (القضية مستفيضة ...) ، فقد أخرجها الحاكم ، عن سعيد بن جبير ، أنه سئل ، فقال : (ذي المعارج) : ذي الدرجات. (سأل سائل) : هو النضر بن الحارث بن كلدة ، قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.

وأشار الذهبي إليه ب : (خ). المستدرك ٢ / ٥٠٢.

١٤

فأين دلالة هذه الرواية مما ذهب إليه المؤلف وأوهم به؟!».

أقول :

نذكر أولا أسماء طائفة من رواة الخبر من أبناء العامة ، ليظهر بطلان قول القائل ـ تقليدا لابن تيمية ـ : «باطل باتفاق أهل العلم» ، فنقول :

لقد وردت الرواية في كتب القوم عن عدة كبيرة من الأعلام ، ورواها الكثيرون من المحدثين والمفسرين المشهورين في كتبهم ، وإليك الأسماء :

١ ـ أبو بكر السبيعي ، المتوفى سنة ١٢٦.

٢ ـ سفيان بن سعيد الثوري ، المتوفى سنة ١٦١.

٣ ـ سفيان بن عيينة ، المتوفى سنة ١٩٨.

٤ ـ أبو نعيم الفضل بن دكين ، المتوفى سنة ٢١٩.

٥ ـ أبو عبيد الهروي ، المتوفى سنة ٢٢٣ أو ٢٢٤.

٦ ـ إبراهيم بن حسين الكسائي ، ابن ديزيل ، المتوفى سنة ٢٨١.

٧ ـ أبو بكر النقاش الموصلي ، المتوفى سنة ٣٥١.

٨ ـ أبو إسحاق الثعلبي ، المتوفى سنة ٤٢٧ أو ٤٣٧.

٩ ـ أبو الحسن الواحدي ، المتوفى سنة ٤٦٨.

١٠ ـ الحاكم الحسكاني النيسابوري ، المتوفى سنة ٤٧٠.

١١ ـ سبط ابن الجوزي ، المتوفى سنة ٦٥٤.

١٢ ـ أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي ، المتوفى سنة ٦٧١.

١٣ ـ شيخ الإسلام الحموئي الجويني ، المتوفى سنة ٧٢٢.

١٤ ـ الشيخ محمد الزرندي المدني الحنفي ، المتوفى بعد سنة ٧٥٠.

١٥ ـ ملك العلماء شهاب الدين الدولة آبادي ، المتوفى سنة ٨٤٩.

١٥

١٦ ـ نور الدين ابن الصباغ المالكي ، المتوفى سنة ٨٥٥.

١٧ ـ نور الدين علي بن عبد الله السمهودي ، المتوفى سنة ٩١١.

١٨ ـ شمس الدين الخطيب الشربيني القاهري ، المتوفى سنة ٩٧٧.

١٩ ـ أبو السعود محمد بن محمد العمادي ، المتوفى سنة ٩٨٢.

٢٠ ـ جمال الدين المحدث الشيرازي ، المتوفى سنة ١٠٠٠.

٢١ ـ زين الدين عبد الرؤوف المناوي ، المتوفى سنة ١٠٣١.

٢٢ ـ نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي ، المتوفى سنة ١٠٤٤.

٢٣ ـ أحمد بن باكثير المكي ، المتوفى سنة ١٠٤٧.

٢٤ ـ شمس الدين الحفني الشافعي ، المتوفى سنة ١١٨١.

٢٥ ـ أبو عبد الله الزرقاني المالكي ، المتوفى سنة ١١٢٢.

٢٦ ـ محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني ، المتوفى سنة ١١٨٢.

٢٧ ـ السيد مؤمن الشبلنجي المصري ، المتوفى بعد سنة ١٣٢٢.

٢٨ ـ الشيخ محمد عبده ، المتوفى سنة ١٣٢٣.

القضية كما في الروايات :

والقضية في مجملها كما في الروايات : إنه لما خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطبته في غدير خم ، وقال فيها ما شاء الله أن يقول ، وذكر أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم‌السلام حتى قال : «أيها الناس! ألست أولى بكم من أنفسكم؟! قالوا : بلى. قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ...» ، وبايع القوم عليا ... ، وطار الخبر في الأقطار ، وشاع في البلاد والأمصار ، فبلغ الناس الذين لم يكونوا مع رسول الله في حجته ...

١٦

أتاه رجل (١) على ناقة له ، فأناخها على باب مسجده ، ثم عقلها ، فدخل في المسجد ، ورسول الله جالس وحوله أصحابه ، فجثا بين يديه ، فقال :

يا محمد! إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، فقبلنا منك ذلك.

وإنك أمرتنا أن نصلي خمس صلوات في اليوم والليلة ، ونصوم رمضان ، ونحج البيت ، ونزكي أموالنا ، فقبلنا منك.

ثم لم ترض بهذا ، حتى رفعت بضبعي ابن عمك ، وفضلته على الناس ، وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه!

فهذا شئ منك أو من الله؟!

فقال رسول الله ـ وقد احمرت عيناه ـ : والله الذي لا إله إلا هو ، إنه من الله وليس مني. قالها ثلاثا.

فقام الرجل وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا ، فأرسل علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم.

قال الراوي : فوالله ما بلغ ناقته حتى رماه الله من السماء بحجر ، فوقع على هامته ، فخرج من دبره ، ومات. وأنزل الله تعالى : (سأل سائل بعذاب واقع).

*رواة هذا الخبر من الأئمة عليهم‌السلام والأصحاب :

وقد جاء هذا الخبر في كتب القوم بأسانيدهم عن :

__________________

(١) سيأتي الكلام في اسم هذا الرجل.

١٧

١ ـ الإمام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

٢ ـ الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام.

٣ ـ الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام.

٤ ـ عبد الله بن العباس.

٥ ـ حذيفة بن اليمان.

٦ ـ سعد بن أبي وقاص.

٧ ـ أبي هريرة.

*من رواته من الأعلام :

ومن رواة الخبر من كبار الأئمة وأعلام القوم :

١ ـ سفيان بن عيينة :

وهذه نصوص في الثناء الجميل عليه :

قال النووي : «روى عنه : الأعمش ، والثوري ، ومسعر ، وابن جريج ، وشعبة ، وهمام ، ووكيع ، وابن المبارك ، وابن مهدي ، والقطان ، وحماد بن زيد ، وقيس بن الربيع ، والحسن بن صالح ، والشافعي ، وابن وهب ، وأحمد بن حنبل ... واتفقوا على إمامته ، وجلالته ، وعظيم مرتبته. ولد سفيان سنة ١٠٧ ، وتوفي يوم السبت غرة رجب سنة ١٩٨» (١).

وقال الذهبي : «العلامة الحافظ ، شيخ الإسلام ، كان إماما ، حجة ، وحافظا ، واسع العلم ، كبير القدر» (٢).

__________________

(١) تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٢٤ رقم ٢١٧.

(٢) تذكرة الحفاظ ١ / ٢٢٤.

١٨

وقال : «أحد الأعلام ، ثقة ، ثبت ، حافظ ، إمام» (١).

٢ ـ سفيان الثوري :

وهذه نصوص في الثناء الجميل عليه :

قال شعبة ، وسفيان بن عيينة ، وأبو عاصم النبيل ، ويحيى بن معين ، وغير واحد من العلماء : سفيان أمير المؤمنين في الحديث.

وقال سفيان بن عيينة : أصحاب الحديث ثلاثة : ابن عباس في زمانه ، والشعبي في زمانه ، والثوري في زمانه.

وقال عباس الدوري : رأيت يحيى بن معين لا يقدم على سفيان في زمانه أحدا في الفقه ، والحديث ، والزهد ، وكل شئ.

وقال شعبة : إن سفيان ساد الناس بالورع والعلم.

وقال الخطيب : كان إماما من أئمة المسلمين ، وعلما من أعلام الدين ، مجمعا على إمامته بحيث يستغنى عن تزكيته ، مع الإتقان والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد.

وهو من رجال الصحاح الستة.

واجتمعوا على أنه توفي بالبصرة سنة ١٦١ (٢).

٣ ـ ابن ديزيل :

ومن رواة هذا الخبر من الأعلام :

أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين الهمداني الكسائي ، ويعرف بابن

__________________

(١) الكاشف عن أسماء رجال الصحاح الستة ١ / ٣٧٩.

(٢) تهذيب الكمال ١١ / ١٦٤ ـ ١٦٩.

١٩

ديزيل ، المتوفى سنة ٢٨١.

وتوجد ترجمته في : تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٠٨ ، الوافي بالوفيات ٥ / ٣٤٦ ، البداية والنهاية ١١ / ٧١ ، طبقات القراء ١ / ١١ ، وغيرها ... ونحن نكتفي بموجز ما جاء في سير أعلام النبلاء ، حيث ترجم له الذهبي قائلا :

«ابن ديزيل ، الإمام الحافظ ، الثقة ، العابد ، سمع بالحرمين ومصر والشام والعراق والجبال ، وجمع فأوعى. ولد قبل المئتين بمديدة ، وسمع أبا نعيم ، و ...

حدث عنه : أبو عوانة ، و ...

وكان يصوم يوما ويفطر يوما.

قال الحاكم : هو ثقة ، مأمون.

وقال ابن خراش : صدوق اللهجة.

قلت : إليه المنتهى في الإتقان. روي عنه أنه قال : إذا كان كتابي بيدي وأحمد بن حنبل عن يميني ويحيى بن معين عن شمالي ، ما أبالي. يعني : لضبط كتبه.

قال صالح بن أحمد في تاريخ همدان : سمعت جعفر بن أحمد يقول : سألت أبا حاتم الرازي عن ابن ديزيل ، فقال : ما رأيت ولا بلغني عنه إلا صدق وخير ...»(١).

*نقل القوم عن تفسير الثعلبي واعتمادهم عليه :

وروى كثير من العلماء هذا الخبر عن تفسير الثعلبي مرتضين إياه

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٣ / ١٨٤.

٢٠