تراثنا ـ العدد [ 57 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 57 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٨

ومعتمدين عليه ، في مختلف الكتب ، وإليك بعض عباراتهم :

قال سبط ابن الجوزي : «اتفق علماء السير أن قصة الغدير بعد رجوع النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم من حجة الوداع ، في الثامن عشر من ذي الحجة ، جمع الصحابة ـ وكانوا ١٢٠ ألفا ـ وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه .. الحديث. نص صلى الله عليه [وآله] وسلم على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة.

وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده : إن النبي لما قال ذلك ، طار في الأقطار ، وشاع في البلاد والأمصار ، وبلغ ذلك الحارث بن نعمان الفهري ... " (١).

وقال السمهودي : «وروى [الإمام] الثعلبي في تفسيره : إن سفيان ابن عيينة ـ رحمه‌الله ـ سئل عن قول الله عزوجل : (سأل سائل بعذاب واقع) في من نزلت؟ فقال للسائل : سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك ، حدثني أبي ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه : إن رسول الله لما كان بغدير خم ، نادى الناس فاجتمعوا ، فأخذ بيد علي ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه. فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان ...» (٢).

وقال المناوي : بشرح «من كنت مولاه فعلي مولاه» : «وفي تفسير الثعلبي عن ابن عيينة : إن النبي لما قال ذلك طار في الآفاق ، فبلغ الحارث بن النعمان ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :

__________________

(١) تذكرة خواص الأمة : ٣٠.

(٢) جواهر العقدين ـ القسم الثاني ـ ١ / ٩٨.

٢١

يا محمد ...»(١).

وقال الزرقاني : «وفي تفسير الثعلبي عن ابن عيينة : إن النبي لما قال ذلك طار في الآفاق ، فبلغ الحرث بن النعمان ، فأتى رسول الله فقال : يا محمد ...» (٢).

وقال ابن الصباغ : «ونقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي رحمه‌الله في تفسيره : إن سفيان بن عيينة سئل عن قول الله عزوجل : (سأل سائل بعذاب واقع) فيمن نزلت؟ فقال للسائل ...» (٣).

وقال الزرندي : «ونقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي رحمه‌الله في تفسيره : إن سفيان بن عيينة سئل عن قول الله : (سأل سائل بعذاب واقع) في من نزلت؟ ...» (٤).

*رواية الحموئي الجويني عن الثعلبي بالإسناد :

ورواه شيخ الإسلام الحموئي بالإسناد عن الواحدي عن الثعلبي ، حيث قال : «أخبرني الشيخ عماد الدين عبد الحافظ بن بدران ـ بمدينة نابلس ، في ما أجاز لي أن أرويه عنه ـ ، إجازة عن القاضي جمال الدين عبد القاسم بن عبد الصمد الأنصاري ، إجازة عن عبد الجبار بن محمد الخواري البيهقي ، إجازة عن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي ،

__________________

(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٦ / ٢١٨.

(٢) شرح المواهب اللدنية ٦ / ١٣.

(٣) الفصول المهمة في معرفة الأئمة : ٤٢.

(٤) نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين : ٩٣.

٢٢

قال : قرأت على شيخنا الأستاذ أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره :

إن سفيان بن عيينة سئل عن قوله عزوجل : (سأل سائل بعذاب واقع) في من نزلت؟ ...» (١).

الحموئي شيخ الذهبي :

والحموئي هذا من مشايخ الحافظ الذهبي ، إذ ذكره في معجمه المختص ، وترجم له قائلا :

«إبراهيم بن محمد المؤيد بن عبد الله بن علي بن محمد بن حمويه ، الإمام الكبير ، المحدث ، شيخ المشايخ ، صدر الدين ، أبو المجامع ، الخراساني الجويني الصوفي. ولد سنة ٦٤٤ ، وسمع بخراسان وبغداد والشام والحجاز ، وكان ذا اعتناء بهذا الشأن ، وعلى يده أسلم الملك غازان. توفي بخراسان في سنة ٧٢٢.

قرأنا على أبي المجامع إبراهيم بن حمويه سنة ٦٩٥ ...»(٢).

كلمات في الثعلبي وتفسيره :

وهذه كلمات في الثعلبي وتفسيره عن أكابر علماء القوم :

١ ـ ابن خلكان : «أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري ، المفسر المشهور ، كان أوحد أهل زمانه في علم التفسير ، وصنف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير ... ، وقال أبو القاسم

__________________

(١) فرائد السمطين ١ / ٨٢.

(٢) المعجم المختص : ٦٥.

٢٣

القشيري : رأيت رب العزة عزوجل في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه ، فكان في ذلك أن قال الرب تعالى اسمه : أقبل الرجل الصالح. فالتفت فإذا أحمد الثعلبي مقبل!

وذكره عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في كتاب سياق تاريخ نيسابور وأثنى عليه ، وقال : هو صحيح النقل موثوق به ، حدث عن أبي طاهر ابن خزيمة والإمام أبي بكر ابن مهران المقري ، وكان كثير الحديث كثير الشيوخ. توفي سنة ٤٢٧ ، وقال غيره : توفي في محرم سنة ٤٢٧ ، وقال غيره : توفي يوم الأربعاء لسبع بقين من المحرم سنة ٤٣٧ رحمه‌الله تعالى» (١).

٢ ـ الذهبي : «وفيها توفي أبو إسحاق الثعلبي ، وكان حافظا ، واعظا ، رأسا في التفسير والعربية ، متين الديانة» (٢).

٣ ـ الصفدي : «كان حافظا ، عالما ، بارعا في العربية ، موثقا» (٣).

٤ ـ اليافعي : «المفسر المشهور ، وكان حافظا ، واعظا ، رأسا في التفسير والعربية والدين والديانة ، فاق تفسيره الكبير سائر التفاسير» (٤).

٥ ـ ابن قاضي شهبة : «أخذ عنه أبو الحسن الواحدي. روى عن أبي القاسم القشيري. قال الذهبي : كان حافظا ، رأسا في التفسير والعربية ، متين الديانة» (٥).

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ٦١.

(٢) العبر في خبر من غبر : حوادث سنة ٤٢٧.

(٣) الوافي بالوفيات ٨ / ٣٣.

(٤) مرآة الجنان : حوادث سنة ٤٢٧.

(٥) طبقات الشافعية ١ / ٢٠٧.

٢٤

٦ ـ السيوطي : «كان كبيرا إماما ، حافظا للغة ، بارعا في العربية» (١).

أسانيد الخبر في شواهد التنزيل :

وقد روى الحافظ الحاكم الحسكاني ـ المترجم في البحوث السابقة (٢) ـ هذا الخبر بأسانيد عديدة ، عن بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وعدة من الصحابة ، فرواه قائلا :

١ ـ «أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي ، أخبرنا أبو بكر الجرجرائي ، حدثنا أبو أحمد البصري ، قال : حدثني محمد بن سهل ، حدثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصاري ، حدثنا محمد بن أيوب الواسطي ، عن سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي ...».

٢ ـ «حدثونا عن أبي بكر السبيعي ، حدثنا أحمد بن محمد بن نصر أبو جعفر الضبعي ، قال : حدثني زيد بن إسماعيل بن سنان ، حدثنا شريح بن النعمان ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي ابن الحسين ، قال : نصب رسول الله عليا ...».

٣ ـ «ورواه في التفسير العتيق ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الكوفي ، قال : حدثني نصر بن مزاحم ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن محمد بن جهل ، قال : أقبل الحارث بن عمرو الفهري إلى النبي ...».

«وفي الباب عن : حذيفة ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي هريرة ، وابن

__________________

(١) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ١ / ٣٥٦.

(٢) أنظر : تراثنا ، العدد ٤٩ ، صفحة ٧٠.

٢٥

عباس».

٤ ـ «حدثني أبو الحسن الفارسي ، حدثنا أبو الحسن محمد بن إسماعيل الحسيني ، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي ، حدثنا إبراهيم.

وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد البغدادي ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني ، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي ، حدثنا إبراهيم بن الحسين الكسائي ، حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا سفيان بن سعيد ، حدثنا منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : لما قال رسول الله لعلي : من كنت مولاه فهذا مولاه ، قام النعمان بن المنذر الفهري ، فقال ...».

٥ ـ «وأخبرنا عثمان ، أخبرنا فرات بن إبراهيم الكوفي ، حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب البجلي ، حدثنا أبو عمارة محمد بن أحمد المهدي ، حدثنا محمد بن أبي معشر المدني ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : أخذ رسول الله بعضد علي بن أبي طالب ...» (١).

أقول :

ولو أردنا تصحيح كل هذه الأسانيد لطال بنا المقام ، لكنا نكتفي ببيان صحة واحد منها ، وهو الطريق الثاني للخبر الرابع ، فنقول :

* أما أبو بكر محمد بن محمد البغدادي ، فقد قال الحافظ

__________________

(١) شواهد التنزيل ٢ / ٣٨١ ـ ٣٨٥.

٢٦

عبد الغافر النيسابوري بترجمته : «محمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر العطار الوراق الحنيفي الحيري ، أبو بكر بن أبي سعيد البغدادي ، الفقيه. فاضل ، دين ، ظريف ، قصير القامة ، مليح الشمائل ، حدث عن ... توفي سنة ٤١٦» (١).

* وأما عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني النيسابوري ، فقد ترجم له الخطيب البغدادي ، فقال ما ملخصه :

كان له ثروة ظاهرة ، فأنفق أكثرها على العلم وأهل العلم وفي الحج والجهاد وغير ذلك من أعمال البر ، وكان من أكثر أقرانه سماعا للحديث ، كتب الناس عنه ، روى عنه : يوسف بن عمر القواس ، وابن الثلاج ، وإبراهيم بن مخلد بن جعفر ، وأبو الحسن بن رزقويه ، وغيرهم ، وكان ثقة. توفي سنة ٣٧٢ (٢).

* وأما عبد الرحمن بن الحسن الأسدي ، فقد ترجم له الخطيب البغدادي كذلك ، فقال :

«عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد ... الأسدي القاضي. من أهل همدان. حدث عن إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمداني ، ... وقدم بغداد وحدث بها ، فكتب عن الشيوخ القدماء ، وروى عنه : الدارقطني ، وحدثنا عنه أبو الحسن بن رزقويه بكتاب تفسير ورقاء وغيره ، وحدثنا عنه أيضا أبو الحسن ابن الحمامي المقرئ ، وأبو علي بن شاذان ، وأحمد بن علي البادا ...» (٣).

__________________

(١) السياق في تاريخ نيسابور : ٣٧.

(٢) تاريخ بغداد ٩ / ٣٩١.

(٣) تاريخ بغداد ١٠ / ٢٩٢.

٢٧

وجعله الذهبي من (أعلام النبلاء) وترجم له (١).

ووفاته سنة ٣٥٢.

وقد ذكروا تكلم بعض معاصريه فيه بسبب روايته عن إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ، بدعوى أنه لم يدركه ، ومن هنا أورده الذهبي في ميزان الاعتدال (٢) ، وأوضح ذلك الحافظ ابن حجر في لسان الميزان بأن أبا حفص بن عمر والقاسم بن أبي صالح أنكرا روايته عن إبراهيم ، وقالا : بلغنا أن إبراهيم قرأ كتاب التفسير قبل سنة سبعين ، وادعى هذا ـ أي : عبد الرحمن بن الحسن الأسدي ـ أن مولده سنة سبعين ، وبلغنا أن إبراهيم قل أن يمر له شئ فيعيده (٣).

أقول :

لقد كان الرجل محدثا جليلا يروي عنه الدارقطني وأمثاله من الأئمة النقدة المتقنين ، وهذا القدر من الكلام فيه لا يضر بوثاقته :

أما أولا : فلأن كلام المعاصر في معاصره غير مسموع ، كما نص عليه الذهبي وابن حجر في غير موضع من كتبهما (٤).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٦ / ١٥.

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ٥٥٦.

(٣) لسان الميزان ٣ / ٤١١.

(٤) من ذلك : قول الذهبي في الميزان ١ / ١١١ : «كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد ، ما ينجو منه إلا من عصم الله ، وما علمت أن عصرا من الأعصار سلم أهله من ذلك ، سوى الأنبياء والصديقين ، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس» ، وقول ابن حجر في اللسان ٥ / ٢٣٤ : «ولا نعتد ـ بحمد الله ـ بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعض».

٢٨

وأما ثانيا : فلأن مبنى هذا الكلام هو ولادة عبد الرحمن سنة ٢٧٠ ، وأن ابن ديزيل قرأ التفسير قبل هذه السنة ـ كما بلغ القائل ـ ، وأن ابن ديزيل قل أن يعيد قراءة شئ.

لكن إذا كانت ولادته سنة ٢٧٠ ، ووفاة ابن ديزيل سنة ٢٨١ ـ كما تقدم ـ ، فإن من الجائز أن يكون قد سمع منه ما رواه عنه ، أو سمع بعضه وسمعه أبوه البعض الآخر ، وإذ لا جرح في الرجل من ناحية أخرى ، جاز لنا الاعتماد على خبره ، مع رواية الأكابر عنه ، ولا يعارض ذلك كلام بعض معاصريه فيه خاصة إذا كان استنادا إلى «بلغنا» و«بلغنا».

* وأما إبراهيم بن الحسين الكسائي ، فهو «ابن ديزيل» وقد تقدمت ترجمته.

* وأما الفضل بن دكين ، فمن رجال الصحاح الستة. قال ابن حجر الحافظ : «ثقة ، ثبت ، وهو من كبار شيوخ البخاري» (١).

* وأما سفيان بن سعيد ، فهو الثوري ، المتقدمة ترجمته.

* وأما منصور ، فهو منصور بن المعتمر ، وهو من رجال الصحاح الستة ، قال الحافظ : «ثقة ثبت ، وكان لا يدلس» (٢).

* وأما ربعي ، فهو ربعي بن خراش ، من رجال الصحاح الستة ، قال الحافظ : «ثقة ، عابد ، مخضرم» (٣).

* وأما حذيفة بن اليمان ، فهو الصحابي الجليل.

__________________

(١) تقريب التهذيب ٢ / ١١٠.

(٢) تقريب التهذيب ٢ / ١٧٧.

(٣) تقريب التهذيب ١ / ٢٤٣.

٢٩

دلالة الخبر على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام :

ثم إن هذا الخبر من أوضح الدلائل على أن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمير المؤمنين يوم الغدير : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» ، نص قطعي على إمامته الكبرى وولايته العظمى من بعده بلا فصل .. لأن هذا الكلام من النبي إن كان معناه «الحب» أو «النصرة» أو ما شابه ذلك من المعاني ، لم يكن أي اعتراض من ذلك الأعرابي على رسول الله قائلا : «هذا منك أو من الله؟!».

بل إن كلامه : «أمرتنا ... وأمرتنا ... ، ثم لم ترض بهذا ، حتى رفعت بضبعي ابن عمك وفضلته على الناس ، وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه» صريح في دلالة حديث الغدير على الإمامة والخلافة ..

وإلا .. فلماذا هذا الاعتراض؟! وبهذه الوقاحة؟! حتى يضطر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن يحلف قائلا ـ وقد احمرت عيناه ـ : «والله الذي لا إله إلا هو إنه من الله وليس مني» ، ويكرر ذلك ثلاثا؟!

وإلا .. فلماذا يناشد علي الناس بحديث الغدير؟!

وإلا .. فلماذا يكون في نفس أبي الطفيل شئ؟!

أخرج أحمد بسند صحيح عن أبي الطفيل ، قال : «جمع علي الناس في الرحبة ، ثم قال لهم : أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله يقول يوم غدير خم ما سمع ، لما قام ، فقام ثلاثون من الناس ...

قال : فخرجت وكأن في نفسي شيئا ، فلقيت زيد بن أرقم ، فقلت له :

٣٠

إني سمعت عليا يقول كذا وكذا! قال : فما تنكر؟! قد سمعت رسول الله يقول له ذلك» (١).

وإلا .. وإلا .. إلى غير ذلك مما سيأتي بحول الله وقوته في مباحث حديث الغدير.

مع ابن تيمية :

نعم ، لولا دلالة حديث الغدير على إمامة الأمير عليه الصلاة والسلام ، لم يعترض ذاك الأعرابي على الله ورسوله ، فخرج بذلك عن الإسلام ، ولاقى جزاءه في دار الدنيا ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ...

ولولا دلالته على إمامة الأمير لما تبع ابن تيمية ذاك الأعرابي الجلف الجاف ، وزعم أن أهل المعرفة بالحديث قد اتفقوا على أن هذا الحديث من الكذب الموضوع.

وقد ظهر أن للحديث طرقا كثيرة ، بعضها صحيح ، ورواته كبار الأئمة والحفاظ والأعلام من أبناء العامة ، فهو حديث معتبر مستفيض.

ثم ذكر وجوها في إبطال الحديث ، كشف بها عن جهله المفرط وتعصبه الشديد ، حتى أعرض عنها بعض أتباعه ، وجعل أهمها :

١ ـ كون السورة مكية.

٢ ـ كون الآية : (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق ...) من سورة الأنفال ، وهي نازلة ببدر ، قبل قضية غدير خم بسنين.

وهذا نص كلام ابن تيمية المشتمل على المطلبين :

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٤ / ٣٧٠.

٣١

«فيقال لهؤلاء الكذابين : أجمع الناس كلهم على أن ما قاله النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بغدير خم كان مرجعه من حجة الوداع ، والشيعة تسلم هذا وتجعل ذلك اليوم عيدا ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، والنبي لم يرجع إلى مكة بعد ذلك ، بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة ، وعاش تمام ذي الحجة والمحرم وصفر ، وتوفي في أول ربيع الأول.

وفي هذا الحديث أنه بعد أن قال هذا بغدير خم وشاع في البلاد جاء الحرث وهو بالأبطح ، والأبطح بمكة ، فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم ، فإن هذه السورة ـ سورة (سأل سائل) ـ مكية باتفاق أهل العلم ، نزلت بمكة قبل الهجرة ، فهذه نزلت قبل غدير خم بعشر سنين أو أكثر من ذلك ، فكيف نزلت بعده؟!

وأيضا : قوله : (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك) في سورة الأنفال ، وقد نزلت ببدر بالاتفاق ، قبل غدير خم بسنين كثيرة ، وأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي قبل الهجرة ، كأبي جهل وأمثاله ...»(١).

أقول :

هذا لفظ ابن تيمية ، وقد أسقط منه مقلده بعضه لوضوح بطلانه وسقوطه ، وحذف منه قوله : «أجمع الناس كلهم» ، وبدل لفظ «الشيعة» ب : «الرافضة» ، وغير ذلك من التصرفات.

__________________

(١) منهاج السنة ٤ / ١٣ ، الطبعة القديمة.

٣٢

فكان مما أسقط منه : إن الأبطح بمكة ... فإن هذا جهل من ابن تيمية ، لأن الأبطح في اللغة هو : المسيل الواسع فيه دقاق الحصى ، كما لا يخفى على من راجع الكتب اللغوية من الصحاح والقاموس والنهاية وغيرها في مادة «بطح» ، قالوا : «ومنه بطحاء مكة».

بل ذكر السمهودي في كتابه في تاريخ المدينة المنورة في بقاعها ما يسمى بالبطحاء (١).

*وأما أن سورة المعارج مكية ، فالجواب :

أولا : إن كونها مكية لا يمنع من كون بعضها مدنيا ، حتى الآيات الأولى ، لوجود نظائر لذلك في القرآن الكريم ، كما هو مذكور في كتب هذا الشأن ، بل تكفي مراجعة كتب التفسير في أوائل السور ، حيث يقولون مثلا : مكية إلا كذا من أولها ، أو الآية الفلانية.

وثانيا : إنه لا مانع من تكرر نزول الآية المباركة ، ولهذا أيضا نظائر في القرآن الكريم ، وقد عقد له باب في كتب علوم القرآن ، مثل الإتقان للحافظ السيوطي.

*وأما أن الآية (وإذ قالوا اللهم ...) مدنية نزلت في واقعة بدر ، فالاعتراض به عجيب جدا ، وقد كان على مقلده أن يسقطه أيضا ، إذ ليس في الرواية عن سفيان بن عيينة ذكر لنزول هذه الآية في قضية غدير خم ، وإنما جاء فيها أن الأعرابي خرج وهو يقول : اللهم إن كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء ... فما هو وجه الإشكال؟!

هذا ، وقد تعرضنا للجواب عن جميع جهات كلام ابن تيمية في

__________________

(١) خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى : ٢٤٦.

٣٣

الآية في كتابنا الكبير (١).

وبقي شئ :

وهو : أنه إذا كانت الآية (وإذ قالوا اللهم ...) من (سورة الأنفال) ، ونازلة في واقعة بدر ، ولا علاقة لها بقضية الأعرابي المعترض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد واقعة غدير خم ، فلماذا ذكر الحاكم النيسابوري الخبر التالي في تفسير (سورة المعارج) من كتاب التفسير من المستدرك؟!

وهذا نص عبارته :

«تفسير سورة (سأل سائل). بسم الله الرحمن الرحيم : أخبرنا محمد بن علي الشيباني بالكوفة ، ثنا أحمد بن حازم الغفاري ، ثنا عبيد الله ابن موسى ، عن سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير : (سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع * من الله ذي المعارج) : ذي الدرجات.

(سأل سائل). قال : هو النضر بن الحارث بن كلدة ، قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».

ووافقه الذهبي على التصحيح (٢).

__________________

(١) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ٨ / ٣٦٤ ـ ٣٨١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢ / ٥٠٢.

٣٤

بل إذا رجعت إلى المستدرك في سورة الأنفال ، لا تجد الرواية هناك أصلا ..

وبماذا يجيب ابن تيمية وأتباعه عن هذا الذي فعله الحاكم والذهبي وهما الإمامان الحافظان الكبيران؟!

لا سيما وأن راوي هذا الخبر الصحيح هو سفيان الثوري ، وقد وقع في طريق خبر صحيح آخر في القضية ـ كما تقدم بالتفصيل ـ ، والمروي عنه هو سعيد بن جبير ، ولا بد وأنه أخذ الخبر من ابن عباس ، وهو أحد رواة خبر نزول آية (سأل سائل) في قضية غدير خم ... مضافا إلى أن أغلب رواته من الشيعة.

الحقيقة : إن هذا الخبر من جملة الأخبار الصحيحة في نزول (سأل سائل) في قضية غدير خم ، ويشهد بذلك كلام بعض المفسرين بتفسير الآية مع ذكر القضية ، حيث يذكر عن ابن عباس أن السائل للعذاب بعد قضية غدير خم هو «النضر بن الحارث بن كلدة».

ففي تفسير الخطيب الشربيني ما نصه : «اختلف في هذا الداعي ، فقال ابن عباس : هو النضر بن الحارث ، وقيل : الحارث بن النعمان. وذلك أنه لما بلغه قول النبي : من كنت مولاه فعلي مولاه ...» (١).

وفي تفسير القرطبي : «وهو النضر بن الحارث ... قال ابن عباس ومجاهد. وقيل : إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري ، وذلك أنه لما بلغه ...» (٢).

__________________

(١) السراج المنير في تفسير القرآن الكريم ٤ / ٣٨٠.

(٢) تفسير القرطبي ١٨ / ٢٧٨.

٣٥

فذكرا قولين ، أحدهما مطابق لرواية الحاكم ، والآخر مطابق لرواية الثعلبي.

وعن تفسير أبي عبيدة الهروي أنه : «جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة» (١).

ومنهم من صحف «الحارث بن النعمان» إلى «النعمان بن المنذر» وهو أيضا عن سفيان الثوري ، وسنده صحيح (٢).

ومنهم من صحفه إلى «النعمان بن الحارث» (٣).

ومنهم من صحفه إلى «الحارث بن عمرو» (٤).

ومنهم من قال : «فقام إليه أعرابي» (٥).

ومنهم من قال : «بعض الصحابة» (٦).

ومنهم من قال غير ذلك ...

والموضوع بحاجة إلى تحقيق أكثر ليس هذا موضعه ...

لكن الأكثر على أنه «الحارث بن النعمان» كما في تفسير الثعلبي.

وهنا اعترض ابن تيمية قائلا :

«هذا الرجل لا يعرف في الصحابة ، بل هو من جنس الأسماء التي تذكرها الطرقية».

__________________

(١) الغدير ١ / ٢٣٩.

(٢) شواهد التنزيل ٢ / ٣٨٤.

(٣) شواهد التنزيل ٢ / ٣٨١.

(٤) شواهد التنزيل ٢ / ٣٨٢.

(٥) شواهد التنزيل ٢ / ٣٨٥.

(٦) حاشية الحفني على الجامع الصغير ٢ / ٣٨٧.

٣٦

وهو مردود بأن هذا الرجل مرتد برده على الله والرسول ، وكتب الصحابة قد اشترط أصحابها أن يذكروا فيها من مات من الصحابة على الإسلام.

وإن كان ابن تيمية يراه ـ مع ذلك ـ مسلما ، فإن كتب الصحابة لم تستوعب كل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم على مسلكهم يعدون بعشرات الآلاف.

هذا موجز الكلام حول نزول الآية في قضية يوم غدير خم ، وبالله التوفيق.

للبحث صلة ...

٣٧

عدالة الصحابة

(١)

الشيخ محمد السند

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد :

فالكلام يقع في عدة مفردات ، منها : مؤدى العدالة المقصودة ، ومنها : دائرة الصحابة المتصفين بذلك ، ومنها : ثمرة القول بذلك ، وهي : حجية أقوالهم وأفعالهم ، ووجوب الاعتقاد بفضيلتهم وموالاتهم.

فإن تحرير المقصود من كل مفردة أمر بالغ الأهمية ، كي يتضح أن الأدلة المعتمدة لكل قول هل هي مثبتة له ، أم إن هناك تباين بين الدليل والمدعى؟

فمثلا يقع الترديد في المراد من العدالة التي تسند ويوصف بها الصحابة أو بعضهم ، فإنها تستعمل بمعنى يمانع إمكان صدور الخطأ أو

٣٨

المعصية منه ، ولا شك أن هذا المعنى يساوق العصمة!

وكذلك يقع الترديد في المراد من الصحابة ، هل هم الذين اتفقوا على بيعة أبي بكر ، وكان هواهم ورأيهم على ذلك ، أم إنه يشمل من خالف بيعته ولم يبايعه إلى نهاية المطاف؟

فهل دائرة البحث هي في الصحابة والصحبة؟! أم هي في شرعية بيعة السقيفة؟!!

وكذا الترديد في معنى الحجية لقول الصحابي وفعله ، هل هي بمعنى حجية قوله كراو من الرواة وأخبار الآحاد ، وكذا فعله من جهة كونه أحد المتشرعة ، الكاشف فعله عن الحكم المتلقى من الشارع ، فلا موضوعية لقوله وفعله في نفسه؟ ..

أم إن حجية قوله وفعله من باب حجية اجتهاده ، ورأيه كمجتهد قد يصيب وقد يخطئ؟!

وإنه هل يحدد اجتهاده بموازين الاجتهاد ، أم لا ينضبط رأيه بقيود الأدلة والموازين؟!

أم إن حجية قوله وفعله ـ ولو لبعض الصحابة ـ هي من باب التفويض له في حق التشريع ، وإنه مشرع يخصص إطلاق وعموم الكتاب والسنة ، وقد ينسخ السنة ويحكم بكون ما يراه من حكم يؤخذ به بمنزلة السنة النبوية في ما لم يأت به الكتاب والسنة ، وعلى ذلك فلا تصدق على مخالفته ومباينته للكتاب والسنة أنها مخالفة ، وأنها رد لهما ، بل هي نسخ أو تقييد وتخصيص لهما؟!

والمتصفح لكلمات القوم يلوح له تراوحها بين هذه الاحتمالات ،

٣٩

وتقلبها بين هذه الوجوه ، وإليك بعض الكلمات المتعلقة بالبحث :

قال الشريف المرتضى في كتابه الذريعة إلى أصول الشريعة عند رده للتصويب ، وتخطئة الصحابة بعضهم لبعض ، قال : «واعلم أننا أسقطنا بهذا الكلام الذي بيناه إلزام المخالفين لنا في خطأ الصحابة أن يكون موجبا للبراءة بذكر الكبير والصغير الذي هو مذهبهم دون مذهبنا فكأننا قلنا لهم : ما ألزمتمونا إياه لا يلزمنا على مذاهبكم في أن الصغائر تقع محبطة من غير أن يستحق بها الذم وقطع الولاية ، وإذا أردنا أن نجيب بما يستمر على أصولنا ومذاهبنا ، فلا يجوز أن نستعير ما ليس هو من أصولنا.

والجواب الصحيح عن هذه المسألة أن الحق في واحد من هذه المسائل المذكورة ، ومن كان عليه ومهتديا إليه من جملة الصحابة كانوا أقل عددا وأضعف قوة وبطشا ممن كان على خلافه مما هو خطأ ، وإنما لم يظهر النكير عليهم والبراءة منهم تقية وخوفا ونكولا وضعفا.

فأما تعلقهم بولاية بعضهم بعضا مع المخالفة في المذهب ، وأن ذلك يدل على التصويب ، فليس على ما ظنوه ، وذلك أنه لم يول أحد منهم واليا لا شريحا ولا زيدا ولا غيرهما إلا على أن يحكموا بكتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما أجمع عليه المسلمون ، ولا يتجاوز الحق في الحوادث ولا يتعداه» (١).

قال ابن السبكي في جمع الجوامع : «الصحابي من اجتمع مؤمنا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يرو ولم يطل ، بخلاف التابعي مع الصحابي ، وقيل : يشترطان ، وقيل : أحدهما ، وقيل : الغزو أو سنة .... والأكثر على عدالة

__________________

(١) الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ / ٧٦٧ ـ ٧٦٩.

٤٠