تراثنا ـ العدد [ 52 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 52 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٦٢

اختلاف في اللفظ ـ في فضائل الصحابة ١ / ٨٣ رقم ٤٩ ، وضعف المحقق إسناده» (١).

أقول :

وهذا نص ما جاء في الكتاب المذكور :

«حدثنا عبد الله ، قال : حدثني هدية بن عبد الوهاب ، قال : ثنا أحمد ابن إدريس ، قال : ثنا محمد بن طلحة ، عن أبي عبيدة بن الحكم ، عن الحكم بن جحل ، قال : سمعت عليا يقول : لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري» (٢).

وهو من زيادات عبد الله بن أحمد.

قال محققه في الهامش «إسناده ضعيف لأجل أبي عبيدة بن الحكم».

قال : «ومحمد بن طلحة لم يتبين لي من هو؟ ...».

قلت :

وما ذكرناه حول سنده ومعناه كاف في سقوطه ، وأنه موضوع قطعا.

* * *

__________________

(١) منهاج السنة ٦ / ١٣٨.

(٢) فضائل الصحابة ١ / ٨٣ رقم ٤٩.

٢١

قوله تعالى : (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم) (١).

قال السيد رحمه‌الله :

«أليسوا من الذين أنعم الله عليهم ، وأشار في السبع المثاني والقرآن العظيم إليهم فقال : (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم)؟!».

فقال في الهامش :

«أخرج الثعلبي في تفسير الفاتحة من تفسيره الكبير ، عن أبي بريدة : إن الصراط المستقيم هو صراط محمد وآله.

وعن تفسير وكيع بن الجراح ، عن سفيان الثوري ، عن السدي ، عن أسباط ومجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : (اهدنا الصراط المستقيم) قال : قولوا : أرشدنا إلى حب محمد وأهل بيته».

أقول :

وأخرج الحافظ الحاكم الحسكاني كلا الخبرين بإسناده ، حيث قال : «أخبرنا الحاكم الوالد أبو محمد عبد الله بن أحمد ، قال : حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ببغداد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني حامد بن سهل ، قال : حدثني عبد الله بن محمد العجلي ، قال :

__________________

(١) سورة الفاتحة ١ : ٦ و ٧.

٢٢

حدثنا إبراهيم ، قال : حدثنا أبو جابر ، عن مسلم بن حيان :

عن أبي بريدة ، في قول الله تعالى : (اهدنا الصراط المستقيم) قال : صراط محمد وآله.

أخبرنا عقيل بن الحسين النسوي ، قال : حدثنا علي بن الحسين بن فيدة الفسوي ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن عبيد ببغداد ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا ، قال : حدثنا وكيع بن الجراح ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن السدي ، عن أسباط ومجاهد :

عن ابن عباس ، في قول الله تعالى : (اهدنا الصراط المستقيم) قال : يقول : قولوا معاشر العباد : أرشدنا إلى حب النبي وأهل بيته» (١).

وكذلك رواه غير واحد من أصحابنا ، قال الحافظ ابن شهرآشوب السروي ، المتوفى سنة ٥٨٨ : «ومن تفسير وكيع بن الجراح ، عن سفيان الثوري ، عن السدي ، عن أسباط ومجاهد ، عن عبد الله بن عباس ، في قوله : (اهدنا الصراط المستقيم) قال : قولوا معاشر العباد : أرشدنا إلى حب النبي وأهل بيته.

تفسير الثعلبي ، وكتاب ابن شاهين : عن رجاله ، عن مسلم بن حيان ، عن بريدة ، في قول الله (اهدنا الصراط المستقيم) قال : صراط محمد وآله» (٢).

وهذا تفسير أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام (٣).

__________________

(١) شواهد التنزيل إلى قواعد التفضيل ١ / ٧٤ ـ ٧٥.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٧٣ ، ط إيران ، وفيه : «عن بريدة» والظاهر أنه الصحيح.

(٣) وهو في شواهد التنزيل ١ / ٧٦.

٢٣

وإلى هنا ، فالتفسير عن أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، وابن عباس وبريدة بن الحصيب.

وروى الحافظ الحسكاني عن عدة من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن عليا هو «الصراط المستقيم» ، ومن ذلك ما رواه بسنده عن الحافظ ابن أبي حاتم ، قال : «حدثنا هارون بن إسحاق ، قال : حدثني عبدة بن سليمان ، قال : حدثنا كامل بن العلاء ، قال : حدثنا حبيب ابن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير :

عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي بن أبي طالب : أنت الطريق الواضح ، وأنت الصراط المستقيم ، وأنت يعسوب المؤمنين» (١).

هذا ، ولا يخفى أن «عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي» من كبار أئمة القوم في الحديث والتفسير والرجال ، قال الذهبي : «قال أبو يعلى الخليلي : أخذ أبو محمد علم أبيه وأبي زرعة ، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال ، صنف في الفقه ، وفي اختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار ، قال : وكان زاهدا ، يعد من الأبدال».

وذكر الذهبي عن أبي الحسن الرازي الخطيب : «سمعت عباس بن أحمد يقول : بلغني أن أبا حاتم قال : ومن يقوى على عبادة عبد الرحمن! لا أعرف لعبد الرحمن ذنبا».

وقال الذهبي ـ في ذكر كتبه ـ : «وله تفسير كبير ، في عدة مجلدات ، عامته آثار بأسانيده ، من أحسن التفاسير» (٢).

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ / ٧٥ ـ ٧٦.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٦٤ و ٢٦٥.

٢٤

قلت :

وقد أثنى ابن تيمية على تفسير ابن أبي حاتم ، حيث ذكره في عداد التفاسير المعتبرة المقبولة فقال :

«أهل العلم الكبار أهل التفسير ، مثل الطبري ، وبقي بن مخلد ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وأمثالهم ، لم يذكروا الموضوعات».

وقال عن الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر وجماعة : «الذين لهم في الإسلام لسان صدق ، وتفاسيرهم متضمنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير» (١).

وروى الحافظ الحسكاني بأسانيد فيها جمع من الأئمة الأعلام ـ كعبد الرزاق بن همام ، والثوري ، والمطين ، والحاكم النيسابوري ـ عن حذيفة بن اليمان ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «وإن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم».

وقال الحاكم الحسكاني الحافظ :

«حدثني أبو عثمان الزعفراني ، قال : أخبرنا أبو عمرو السناني ، قال : أخبرنا أبو الحسن المخلدي ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :

عن أبيه ، في قول الله تعالى : (صراط الذين أنعمت عليهم) قال : النبي ومن معه ، وعلي بن أبي طالب وشيعته» (٢).

وهذا صحيح على أصولهم :

__________________

(١) منهاج السنة ٧ / ١٣ وص ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٢) شواهد التنزيل ١ / ٨٥.

٢٥

فأما «أبو عثمان الزعفراني» فهو : سعيد بن محمد بن أحمد البحيري ، ذكره الحافظ السمعاني ـ بعد أن ترجم لأبيه وجده ـ فقال : «كان شيخا ، جليلا ، ثقة ، صدوقا ، من بيت التزكية ، رحل إلى العراق والحجاز ، وأدرك الأسانيد العالية ، وعمر العمر الطويل ، حتى حدث بالكثير وأملى. سمع بنيسابور أبا عمرو محمد بن أحمد بن حمدان الحيري ... ووفاته في ربيع الآخر سنة ٤٥١» (١).

وترجم له أبو الحسن عبد الغافر النيسابوري فقال : «أبو عثمان البحيري ، سعيد بن محمد ... شيخ كبير ثقة ، من بيت التزكية والعدالة ، وقد ذكر الحاكم بيته وأسلافه في التاريخ. وهذا أبو عثمان من وجوه أهل البيت ، من جملة المتصوفة ، سمع الكثير بخراسان والعراق ...

قال أبو الحسن : ولدت بعد وفاته بخمسة أيام ، ليلة الثامن من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين» (٢).

وأما «أبو عمرو السناني» فقد ترجم له الحافظ السمعاني كذلك ، حيث قال :

«أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان بن علي بن سنان الحيري ، من الثقات الأثبات ، سمع أبا يعلى الموصلي والحسن بن سفيان والبغوي والباغندي ، وغيرهم. روى عنه : الحاكم أبو عبد الله الحافظ ، وأبو نعيم الأصبهاني. وآخر من روى عنه : أبو سعد الكنجرودي ، توفي في سنة ٣٨٠» (٣).

__________________

(١) الأنساب ١ / ٢٩٠ «البحيري».

(٢) المنتخب من السياق في تاريخ نيسابور : ٧٢٩.

(٣) الأنساب ٢ / ٢٩٨ «الحيري».

٢٦

وقال الذهبي بترجمته : «الإمام المحدث الثقة ، النحوي البارع ، الزاهد العابد ، مسند خراسان : أبو عمرو محمد بن حمدان بن علي بن سنان الحيري ... ومناقبه جمة. رحمه‌الله»

ثم ذكر مشايخه والرواة عنه ، وطرفا من ترجمة الحاكم له ، وتنصيصه على أن سماعاته صحيحة ... ثم قال الذهبي : «وقال الحافظ محمد بن طاهر المقدسي : كان يتشيع. قلت : تشيعه خفيف كالحاكم. وقع لي جملة من عواليه ، وخرجت من طريقه كثيرا» (١).

وأما «أبو الحسن المخلدي» فهو : محمد بن عبد الله بن محمد بن مخلد الهروي المخلدي النيسابوري ، ذكره الحافظ السمعاني فقال : «يروي عن أبي طاهر ابن السراج ، وأبي الربيع ابن أخي رشدين ، وأحمد بن سعيد الهمذاني ، وطبقتهم. روى عنه : أبو عمرو الحيري ، وأبو بكر بن علي ، وأبو حفص ابن حمدان ، وغيرهم» (٢).

وأما «يونس بن عبد الأعلى» فمن رجال مسلم والنسائي وابن ماجة. وممن حدث عنه من الأعلام : أبو حاتم ، وأبو زرعة ، وابن خزيمة ، وأبو عوانة ، والطحاوي ...

وصفه الذهبي ب : «الإمام ، شيخ الإسلام» وقال : «كان كبير المعدلين والعلماء في زمانه بمصر» فنقل ثقته عن النسائي وأبي حاتم وغيرهما. وقال : «بين مشايخنا وبينه خمسة أنفس ولقد كان قرة عين ، مقدما في العلم والخير والثقة» (٣).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٥٦ ـ ٣٥٨ ، وأرخ وفاته نقلا عن الحاكم بسنة ٣٧٦.

(٢) الأنساب ٥ / ٢٢٧ «المخلدي».

(٣) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٤٨.

٢٧

وقال الحافظ : «ثقة» (١).

وأما «ابن وهب» فهو : عبد الله بن وهب ، من رجال الصحاح الستة ، وثقه ابن معين ، وقال أبو حاتم : «صدوق ، صالح الحديث» ، وأطنب الذهبي في ترجمته من السير (٢).

وأما «عبد الرحمن بن زيد بن أسلم» فهو ـ وإن ضعفه بعضهم ـ من رجال كتابي الترمذي وابن ماجة ، وهما من الصحاح الستة.

وأما «زيد بن أسلم» فهو من رجال الصحاح الستة ، وقال الذهبي : «لزيد تفسير ، رواه عنه ابنه عبد الرحمن ، وكان من العلماء العاملين. أرخ ابنه وفاته في ذي الحجة سنة ١٣٦» (٣).

تنبيه :

إنه يكفي دليلا على صحة هذه الأحاديث وتمامية استدلال السيد بها سكوت بعض المفترين على ذلك ، وعليه فلا مناص له من الإقرار بالضلال ، والعودة إلى طريق النبي والآل ، والله الهادي في المبدأ والمآل.

* * *

__________________

(١) تقريب التهذيب ٢ / ٣٨٥.

(٢) سير أعلام النبلاء ٩ / ٢٢٣ ـ ٢٣٤.

(٣) سير أعلام النبلاء ٥ / ٣١٦.

٢٨

قوله تعالى : (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ...) (١).

قال السيد رحمه‌الله :

«وقال : (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)».

فقال في الهامش :

«أئمة أهل البيت من سادات الصديقين والشهداء والصالحين بلا كلام».

فقيل :

«لا نزاع في أن أئمة أهل البيت من الذين أنعم الله عليهم ، ولا في أنهم من سادات الصديقين والشهداء والصالحين ، فقد يكون الإنسان متصفا بكل هذه الصفات وليس من أهل الولاية العامة.

والذين أنعم الله عليهم ليسوا أهل البيت فقط ، بل كل من أطاع الله ورسوله ، والله تعالى يقول : (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا).

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٦٩.

٢٩

أما قول المؤلف : أئمة أهل البيت من سادات الصديقين والشهداء والصالحين بلا كلام ، فنحن ـ أعني أهل السنة ـ مع احترامنا وحبنا لآل البيت وتنزيلنا لهم منزلتهم ، نعتبر الكلام العاري عن الدليل دعوى تحتاج إلى إثبات.

ولعله يريد أن يقابل ما استقر في عقول وقلوب الكافة من كون الصديق هو أبو بكر ـ رضي‌الله‌عنه ـ فأردف هذه الجملة بالعبارة السوقية (بلا كلام) ، فهل هذا منطق علماء أو منطق أدعياء؟!».

أقول :

هنا نقاط :

١ ـ إنه لم يدع السيد رحمه‌الله لأهل البيت عليهم‌السلام منزلة هي فوق ما هم عليه ، وإنما قال : «أئمة أهل البيت من سادات الصديقين ...» مع أن اعتقادنا هو أنهم هم «سادات الصديقين ...» وليس غيرهم على الإطلاق ، وقد جاء كلامه مسايرة ومجاراة للقوم ، ولكن النواصب لا يعترفون لهم عليهم‌السلام حتى بهذا القدر ...!!

٢ ـ ولعل مسايرة السيد رحمه‌الله كانت بالنظر إلى ما جاء في روايات القوم بتفسير الآية المباركة ، كالخبر الذي رواه الحافظ الحاكم الحسكاني بإسناده عن أبي مسلم الكجي (١) ، عن القعنبي (٢) ، عن مالك (٣) ،

__________________

(١) إبراهيم بن عبد الله ، الشيخ الإمام الحافظ المعمر ، شيخ العصر ، المتوفى سنة ٢٩٢.

(٢) عبد الله بن مسلمة ، الإمام الثبت القدوة ، شيخ الإسلام ، المتوفى سنة ٢٢١.

(٣) مالك بن أنس ، صاحب المذهب ، المتوفى سنة ١٧٩.

٣٠

عن سمي (١) ، عن أبي صالح (٢) ، عن عبد الله بن عباس :

«في قوله تعالى : (ومن يطع الله) يعني في فرائضه (والرسول) في سننه ، (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين) يعني محمدا (والصديقين) يعني علي بن أبي طالب ـ وكان أول من صدق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ (والشهداء) يعني علي بن أبي طالب وجعفرا الطيار وحمزة بن عبد المطلب والحسن والحسين ، هؤلاء سادات الشهداء (والصالحين) يعني سلمان وأبا ذر وصهيبا وبلالا وخبابا وعمارا ...» (٣).

إلا أن من الواضح عدم منافاة هذا الخبر وأمثاله لكون «أئمة أهل البيت» هم «سادات الصديقين ...» ، لأن الجماعة المذكورين فيه هم من شيعة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، كما هو معلوم ومعروف.

٣ ـ قد ذكر المفسرون أن (الذين أنعم الله) هم الأقسام الأربعة أنفسهم ، فتكون (من) بيانية (٤) ، فالذين أنعم الله ـ كما في الروايات المفسرة للآية ـ هم : رسول الله ، وعلي ، والحسنان عليهم الصلاة والسلام ، ومن ذكر فيها من شيعتهم الأبرار ... وكل (من يطع الله ورسوله) في الفرائض والسنن فيكون من شيعتهم وفي رفقتهم (وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما) (٥).

٤ ـ وعلي وسائر أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أصحاب الولاية

__________________

(١) مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، من رجال الستة. تقريب التهذيب ١ / ٣٣٣.

(٢) ميزان البصري ، مقبول. تقريب التهذيب ٢ / ٢٩١.

(٣) شواهد التنزيل ١ / ١٩٦.

(٤) لاحظ منها : تفسير البيضاوي : ١١٧ ، وتفسير الآلوسي ٥ / ٧٥.

(٥) سورة النساء ٤ : ٦٩ ـ ٧٠.

٣١

العامة ، لأن الله جعل عاقبة (من يطع الله ورسوله) أن يكون معهم ، فالكون معهم هو رمز الهداية والفلاح ، والفوز والنجاح. فهذا وجه لدلالة الآية على الولاية العامة لأئمة أهل البيت.

ووجه آخر ، هو : أن هذه الآية تفسير لقوله تعالى : (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم) كما نص عليه القرطبي (١) ، وقد تقدم دلالة تلك الآية على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ووجه ثالث ، هو : إن الله تعالى لما ذكر مراتب أوليائه في كتابه بدأ بالأعلى منهم وهم النبيون ، ثم ثنى بالصديقين ، ثم ذكر الشهداء ، فالصالحين ، وهذه الصفات الثلاثة مجتمعة في أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، ولا ريب في أن من اجتمعت فيه تلك الصفات مقدم على الذين وجدت فيهم وتفرقت بينهم.

بل قال بعضهم : إن المراد في هذه الآية هو الشخص الواحد الموصوف بها (٢) ، وليس إلا أمير المؤمنين ، فهو المتعين للخلافة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٥ ـ ولعل ما تقدم هو المقصود من قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتري» (٣).

__________________

(١) تفسير القرطبي ٥ / ٢٧١.

(٢) تفسير الرازي ١٠ / ١٧١.

(٣) أخرجه الحاكم وصححه على شرطهما في المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٢ ، وهو بسند صحيح عند ابن ماجة في سننه ١ / ٤٤ ، وفي الخصائص ـ للنسائي ـ : ٤٦ ، وله مصادر كثيرة.

٣٢

وقال ابن تيمية في معنى «الصديق» : «قد يراد به الكامل في الصدق ، وقد يراد به الكامل في التصديق» (١).

قلت :

وسواء كان المراد هذا أو ذاك فليس إلا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ولولا أن أبا ذر الغفاري ـ رضي‌الله‌عنه ـ من شيعته لما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه : «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر» (٢) ، ولما حسده عمر بن الخطاب على ذلك (٣).

٦ ـ ومع ذلك كله ، فلم يسم الجمهور ب «الصديق» عليا ولا أبا ذر!! وجعلوه لقبا لأبي بكر ، مع اعترافهم بعدم ورود ذلك عن رسول الله فيه بسند معتبر ، فخالفوه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرتين!!

ثم حاول بعضهم توجيه ذلك بأنه لكون أبي بكر أول من آمن وصدق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا أول الكلام ، فقد ثبت وتحقق في محله أن أول من أسلم وصدق هو : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وأما أبو بكر فقد جاء في الرواية الصحيحة عن محمد بن سعد بن أبي وقاص : «قال : قلت لأبي : أكان أبو بكر أولكم إسلاما؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين» (٤).

__________________

(١) منهاج السنة ٤ / ٢٦٦.

(٢) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٨ ، مسند أحمد ١ / ١٦٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٤٢ وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي ، سنن ابن ماجة ١ / ٥٥.

(٣) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٨.

(٤) تاريخ الطبري ٢ / ٣١٦.

٣٣

٧ ـ والكلام في أن الذين يسمون أنفسهم «أهل السنة» يحبون ويحترمون آل البيت عليهم‌السلام طويل ، وليس هذا موضعه ، غير أنا نقول لصاحب هذا الكلام :

أولا : إن حب النبي والآل يقتضي الإطاعة والاتباع ، قال الله تعالى : (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (١).

وثانيا : كيف يمكن الجمع بين حب أهل البيت واحترامهم ، وبين حب واحترام من ظلمهم بشتى أنواع الظلم؟!

وثالثا : هل من الحب والاحترام قول بعضهم في استشهاد الإمام السبط عليه‌السلام : «إن الحسين قتل بسيف جده» (٢)؟!

وهل من الحب والاحترام قول بعضهم في الإمام الصادق عليه‌السلام : «في نفسي منه شئ» (٣)؟!

وكذا قول بعضهم نحو ذلك في غيره من أئمة أهل البيت!!

وهل من الحب والاحترام ما تفوه به ابن تيمية في أمير المؤمنين وأهل البيت أجمعين ، مما لا يطاق نقله؟!

أترى أن كتابه هو منهاج السنة كما سماه أو لا؟!!

الحقيقة : إن «السنة» التي عليها هؤلاء القوم هي السنة الأموية لا السنة المحمدية!

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ / ٣١.

(٢) أنظر : فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢٠٥ حيث أورد هذا الكلام عن ابن العربي المالكي ، والضوء اللامع ٤ / ١٤٧ بترجمة ابن خلدون ، حيث أورد هذا الكلام عنه بترجمته.

(٣) الكاشف ـ للذهبي ـ ١ / ١٨٦ عن القطان.

٣٤

وهذا حال كل من ينكر مناقب أهل البيت ومقاماتهم ، ومنهم هذا المتقول على السيد ، والذي قال في بعض البحوث المتقدمة : «من أين الدليل على أن قول الباقر والصادق هنا صحيح»!!

٨ ـ وأما ما في كلامه من سوء الأدب مع السيد ، فلا نقابله بالمثل ، ونوكل أمره إلى الله ، وهو الحكم العدل.

للبحث صلة ...

٣٥

دور الشيخ الطوسي قدس‌سره

في علوم الشريعة الإسلامية

(١)

السيد ثامر هاشم العميدي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا لا يحصى بعد ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين قادة أهل الحل والعقد ، وصحبه الأخيار المخلصين الموفين بالعهد ، ومن اتبعهم بإحسان إلى الأبد.

وبعد :

ليست الغاية من الحديث عن دور العظماء والعباقرة في تاريخ الثقافة الإسلامية ، اكتشاف نبوغهم ، أو بيان منزلتهم ، أو تثقيف العقول برصيدهم الفكري وعطائهم الثر ، فحسب.

ولا الهدف من إقامة المؤتمرات والندوات العلمية في ذكراهم موقوفا على إظهار ما لهم ، والتغني بآثارهم وأمجادهم وإن كان كل ذلك مقصودا ، بل الغاية أبعد ، والهدف أعمق من ذلك بكثير ، وتحقيقهما لا يكون إلا عن

٣٦

طريق تحويل تلك الأدوار الزاخرة بالعلم والمعرفة إلى قوة جديدة وطاقة محركة للحياة ، مع تشخيص ما في ذلك العطاء القيم من نقاط انطلاق لم تبلها سعة المسافات الزمنية الفاصلة بيننا وبين عصور أولئك العباقرة العظام.

وليس هناك ذرة شك بأن على رأس العباقرة العظام الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام (ت ١٤٨ ه) ، ذلك الإمام العظيم الفذ ، والعبقري الفرد ، عديم النظير في عصره شرفا وعلما وأدبا وأخلاقا وفضلا ونبلا وسموا.

فقد استطاع وبكل جدارة أن يعيد للإسلام قوته ، ويرسي قواعد الفكر الصحيح على أسسه ، فاضطلع عليه‌السلام بمهمة التغيير الكبرى على أوسع نطاق ، خصوصا وقد شاهد خطورة الموقف الإسلامي إزاء تلوث المجتمع بالمفاهيم الدخيلة الوافدة إليه عن طريق الفلسفات الأجنبية التي تسللت رويدا إلى ساحته عبر القنوات الكثيرة التي شقتها فتوحات العصر الأموي (٤٠ ـ ١٣٢ ه) وأوائل العصر العباسي (١٣٢ ـ ٢٣٤ ه) ، وما نتج عن ذلك من نشوء التيارات الفكرية الخطيرة ، مع بروز حركة الزندقة بفعل تلك الرواسب الثقافية الدخيلة ، فضلا عن استشراء الفساد الخلقي في عاصمة الخلافة ـ دمشق ثم بغداد ـ على أثر تصدير الانحراف إلى شرائح المجتمع من قصور الخلفاء أنفسهم ، ويشهد على ذلك الكثير مما وصل إلينا من أدب البلاط في ذينك العصرين.

وقف الإمام الصادق عليه‌السلام كالطود الأشم بوجه تلك العواصف الكثيرة التي كادت أن تعصف بالإسلام ، وجاهد جهادا علميا عظيما حتى استطاع بحكمته وعطائه وإخلاصه لله عز شأنه أن يصبغ الساحة الفكرية والثقافية

٣٧

ـ التي تدنت بها القيم والأخلاق ـ بمعارف الإسلام العظيم ومفاهيمه الراقية ، وتمكن من تحويل تلك المفاهيم إلى غذاء روحي يومي ، فنقلها من الواقع النظري إلى حيز التطبيق الفعلي ابتداء بمدرسته العظيمة التي كانت تضم ما يزيد على أربعة آلاف رجل وكلهم من تلامذته ورواد مدرسته عليه‌السلام ، فكانوا مشاعل نور أضاءت لكل ذي عينين من أفراد الأمة ما أظلم عليه.

ونتيجة لهذا الجهاد العلمي المتواصل فقد اكتسب الواقع الثقافي الإسلامي بفضل مدرسته المباركة مناعة قوية ضد وباء الانحراف.

لقد استمرت مدرسة الإمام الصادق عليه‌السلام في أداء رسالتها ، يغذيها الأئمة من ولده عليهم‌السلام من بعده بفيض من علم النبوة ونور الولاية ، ولم يخب ضوؤها بتعاقب الزمان وتجدد الملوان ، ويشهد لذلك : أنك واجد في كل عصر قطبا من أقطابها يشار له بالبنان ، وتشد إليه الرحال من كل فج عميق.

وما الشيخ الطوسي رحمه‌الله إلا واحد من أولئك الأقطاب الذين كان دورهم مميزا فيها على صعيد العلوم الإسلامية بأسرها. وهو كما يقول أحد أبرز علماء العصر واصفا جانبا من دوره العظيم :

«إن الشيخ الطوسي لم يكن وجوده ودوره على الخط العلمي تعبيرا عن مجرد إضافة عددية إلى العلماء الذين سبقوه ، وإنما كان منطلق رحلة جديدة من تطور الفكر الفقهي والأصولي في الإطار الشيعي. وبالرغم من أن طاقات علمية تدريجية ـ مهدت لهذا المنطلق ـ اندمجت فيه من قبيل العطاءات العلمية التي تعاقبت من ابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، والشيخ المفيد ، والسيد المرتضى قدس الله أرواحهم ، فإن نبوغ الشيخ الطوسي هو الذي استطاع أن يصب كل تلك الطاقات في بناء علمي واحد ، ويضيف إليها من عطائه وإبداعه ما هيأ للعلم أسباب الانتقال إلى مرحلة جديدة من

٣٨

مراحل النمو والتطور» (١).

ومن هنا يعلم أن الإحاطة التامة بدور الشيخ الطوسي رحمه‌الله في العلوم الإسلامية غير ممكنة في بحث سريع كهذا ، لسعة تلك العلوم أولا ، وكثرة جهود الشيخ الطوسي رحمه‌الله المبذولة حولها ثانيا.

وكلنا نعلم أن الشيخ رضي‌الله‌عنه كان إماما من أئمة المفسرين لكتاب الله العزيز ، ومعنى هذا أن بيان دور الشيخ في هذا الحقل بنحو التفصيل لا يتم ما لم نعلم أن القرآن الكريم قد أثار جملة كثيرة من المسائل لم تزل مورد اختلاف المسلمين إلى اليوم ، فضلا عما أثاره من جوانب علمية أخرى انضوت تحت عنوان «علوم القرآن الكريم» ، والتي تعد من أهم الأدوات اللازم توفرها لمن يخوض لجج التفسير.

ترى فما هو دور الشيخ الطوسي رحمه‌الله في علاج ما بينه القرآن من تلك المسائل ، خصوصا وهو قد تعرض إلى تفسير القرآن الكريم آية بعد أخرى؟!

كما نعلم أيضا أن الشيخ من أساطين المحدثين ، والثابت أن العناية بالحديث الشريف وتنقيته مما لحق به على أيدي الوضاعين قد أفرزت جملة واسعة من العلوم المرتبطة به ارتباطا وثيقا بحيث يؤدي إهمالها إلى التخبط في فهم النص على وجهه ، إذ الباب موصدة أمام الوصول إلى غاياته ومعرفة مراميه ، وتشخيص أهدافه ، والوقوف على مقاصده. ولا يمكن أن يكون المحدث محدثا ما لم يلم بأطراف تلك العلوم ، خصوصا الشيخ قدس‌سره ،

__________________

(١) من رسالة السيد الخوئي قدس‌سره إلى المؤتمر الألفي الذي عقد في مشهد المقدسة سنة ١٣٨٥ ه ، بمناسبة الذكرى الألفية لولادة الشيخ الطوسي قدس‌سره ، والرسالة مطبوعة في بداية الجزء الثاني من أعمال المؤتمر.

٣٩

لاتباعه منهجا في الحديث لم يسلكه أحد قبله ، هذا فضلا عما في جمع الحديث ، وتدوينه ، وتبويبه ، وإفراد كل موضوع بعنوان ، وإعطاء كل مسألة فقهية أو أخلاقية أو عقائدية حقها لا يتأتى لكل أحد.

وهكذا الحال إذا رجعنا إلى العلوم الإسلامية الأخرى كالفقه ، والأصول ، والعقائد ، والفلسفة ، والكلام ، والأخلاق ، والتاريخ ، وغيرها.

وإذا أدركنا أن حاجة تلك العلوم إلى اللغة العربية أمر لا بد منه باعتبارها الأداة المعبرة عن ذلك ولا شئ سواها في مؤلفات الشيخ قاطبة ، اتضح لنا تضلع الشيخ بفروعها المتعددة كالنحو ، والصرف ، والبلاغة ، والأدب ، ونحوها.

وهذا يعني أن بيان دور الشيخ في العلوم الإسلامية تفصيلا يتطلب ـ زيادة على ما تقدم ـ بيان كيفية توظيفه للغة العربية وفروعها لخدمة أغراضه العلمية من جهة الاستدلال بها على صحة المطلوب.

وعليه ، فما ذكرناه من تعذر الإحاطة التامة بدور الشيخ الطوسي رحمه‌الله في جميع تلك الميادين لا يبرر الإعراض عنه تماما ، وما لا يدرك كله لا يترك جله ، ولهذا سوف نبدأ بتعريف موجز عن حياة الشيخ الطوسي ، ثم نعقب بلمحات في دوره الكبير في علوم الشريعة الإسلامية ، وربما قد نعرض بعض النكات العلمية في منهجه في تناول تلك العلوم حيثما تتطلب الحاجة إلى إبراز دوره فيها ، والله الموفق للصواب.

* * *

٤٠