تفسير أبي السّعود - ج ١

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي

تفسير أبي السّعود - ج ١

المؤلف:

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٨٠

وتارة فى السماء وأخرى فى الجنة فأخذه العجب فكان من أمره ما كان وقال أكثر الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم فى أنهم كل الملائكة لعموم اللفظ وعدم المخصص وقوله تعالى (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فى حين النصب على أنه مقول قال وصيغة الفاعل بمعنى المستقبل ولذلك عملت عمله وفيها ما ليس فى صيغة المضارع من الدلالة على أنه فاعل ذلك لا محالة وهى من الجعل بمعنى التصيير المتعدى إلى مفعولين فقيل أولهما خليفة وثانيهما الظرف المتقدم على ما هو مقتضى الصناعة فإن مفعولى التصيير فى الحقيقة اسم صار وخبره أولهما الأول وثانيهما الثانى وهما مبتدأ وخبر والأصل فى الأرض خليفة ثم قيل صار فى الأرض خليفة ثم مصير فى الأرض خليفة فمعناه بعد اللتيا والتى إنى جاعل خليفة من الخلائف أو خليفة بعينه كائنا فى الأرض فإن خبر صار فى الحقيقة هو الكون المقدر العامل فى الظروف ولا ريب فى أن ذلك ليس مما يقتضيه المقام أصلا وإنما الذي يقتضيه هو الإخبار بجعل آدم خليفة فيها كما يعرب عنه جواب الملائكة عليهم‌السلام فإذن قوله تعالى (خَلِيفَةً) مفعول ثان والظرف متعلق بجاعل قدم على المفعول الصريح لما مر من التشويق إلى ما أخر أو بمحذوف وقع حالا مما بعده لكونه نكرة وأما المفعول الأول فمحذوف تعويلا على القرينة الدالة عليه كما فى قوله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) حذف فيه المفعول الأول وهو ضمير الأموال لدلالة الحال عليه وكذا فى قوله تعالى (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) حيث حذف فيه المفعول الأول لدلالة يبخلون عليه أى لا يحسبن البخلاء بخلهم هو خيرا لهم ولا ريب فى تحقيق القرينة ههنا أما إن حمل على الحذف عند وقوع المحكى فهى واضحة لوقوعه فى أثناء ذكره عليه‌السلام على ما سنفصله كأنه قيل إنى خالق بشرا من طين وجاعل فى الأرض خليفة وأما إن حمل على أنه لم يحذف هناك بل قيل مثلا وجاعل إياه خليفة فى الأرض لكنه حذف عند الحكاية فالقرينة ما ذكر من جواب الملائكة عليهم‌السلام قال العلامة الزمخشرى فى تفسير قوله تعالى (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) إن قلت كيف صح أن يقول لهم بشرا وما عرفوا ما البشر ولا عهدوا به قلت وجهه أن يكون قد قال لهم إنى خالق خلقا من صفته كيت وكيت ولكنه حين حكاه اقتصر على الاسم انتهى. فحيث جاز الاكتفاء عند الحكاية عن ذلك التفصيل بمجرد الاسم من غير قرينة تدل عليه فما ظك بما نحن فيه ومعه قرينة ظاهرة ويجوز أن يكون من الجعل بمعنى الخلق المتعدى إلى مفعول واحد هو خليفة وحال الظرف فى التعلق والتقديم كما مر فحينئذ لا يكون ما سيأتى من كلام الملائكة مترتبا عليه بالذات بل بالواسطة فإنه روى أنه تعالى لما قال لهم إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا ربنا وما يكون ذلك الخليفة قال تعالى يكون له ذرية يفسدون فى الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا فعند ذلك قالوا ما قالوا والله تعالى أعلم والخليفة من يخلف غيره وينوب منابه فعيل بمعنى الفاعل والتاء للمبالغة والمراد به إما آدم عليه‌السلام وبنوه وإنما اقتصر عليه استغناء بذكره عن ذكرهم كما يستغنى عن ذكر القبيلة بذكر أبيها كمضر وهاشم ومنه الخلافة فى قريش وإما من يخلف أو خلف يخلف فيعمه عليه‌السلام وغيره من خلفاء ذريته والمراد بالخلافة إما الخلافة من جهته سبحانه فى إجراء أحكامه وتنفيد أوامره بين الناس وسياسة الخلق لكن لا لحاجة به تعالى إلى ذلك بل لقصور استعداد المستخلف عليهم وعدم لياقتهم لقبول الفيض بالذات فتختص

٨١

بالخواص من بنيه وإما الخلافة ممن كان فى الأرض قبل ذلك فتعم حينئذ الجميع (قالُوا) استئناف وقع جوابا عما ينساق إليه الأذهان كأنه قيل فماذا قالت الملائكة حينئذ فقيل قالوا (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) وهو أيضا من الجعل المتعدى إلى اثنين فقيل فيهما ما قيل فى الأول والظاهر أن الأول كلمة من والثانى محذوف ثقة بما ذكر فى الكلام السابق كما حذف الأول ثمة تعويلا على ما ذكرهنا قال قائلهم[لا تخلنا على عزائك إنا طالما قد وشى بنا الأعداء] بحذف المفعول الثانى أى لا تخلنا جازعين على عزائك والمعنى أتجعل فيها من يفسد فيها خليفة والظرف الأول متعلق بتجعل وتقديمه لما مر مرارا والثانى بيفسد وفائدته تأكيد الاستبعاد لما أن فى استخلاف المفسد فى محل إفساده من البعد ما ليس فى استخلافه فى غيره هذا وقد جوز كونه من الجعل بمعنى الخلق المتعدى إلى مفعول واحد هو كلمة من وأنت خبير بأن مدار تعجبهم ليس خلق من يفسد فى الأرض كيف لا وأن ما يعقبه من الجملة الحالية الناطقة بدعوى أحقيتهم منه يقضى ببطلانه حتما إذ لا صحة لدعوى الأحقية منه بالخلق وهم مخلوقون بل مداره أن يستخلف لعمارة الأرض وإصلاحها بإجراء أحكام الله تعالى وأوامره أو يستخلف مكان المطبوعين على الطاعة من من شأن بنى نوعه الإفساد وسفك الدماء وهو عليه‌السلام وإن كان منزها عن ذلك إلا أن استخلافه مستتبع لاستخلاف ذريته التى لا تخلو عنه غالبا وإنما أظهروا تعجبهم استكشافا عما خفى عليهم من الحكم التى بدت على تلك المفاسد وألغتها واستخبارا عما يزيح شبهتهم ويرشدهم إلى معرفة ما فيهعليه‌السلام من الفضائل التى جعلته أهلا لذلك كسؤال المتعلم عما ينقدح فى ذهنه لا اعتراضا على فعل الله سبحانه ولا شكا فى اشتماله على الحكمة والمصلحة إجمالا ولا طعنا فيه عليه‌السلام ولا فى ذريته على وجه الغيبة فإن منصبهم أجل من أن يظن بهم أمثال ذلك قال تعالى (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) وإنما عرفوا ما قالوا إما بإخبار من الله تعالى حسبما نقل من قبل أو بتلق من اللوح أو باستنباط عما ارتكز فى عقولهم من اختصاص العصمة بهم أو بقياس لأحد الثقلين على الآخر. (وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) السفك والسفح والسبك والسكب أنواع من الصب والأولان مختصان بالدم بل لا يستعمل أولهما إلا فى الدم المحرم أى يقتل النفوس المحرمة بغير حق والتعبير عنه بسفك الدماء لما أنه أقبح أنواع القتل وأفظعه وقرىء يسفك بضم الفاء ويسفك ويسفك من أسفك وسفك وقرىء يسفك على البناء للمفعول وحذف الراجع إلى من موصولة أو موصوفة أى يسفك الدماء فيهم. (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) جملة حالية مقررة للتعجب السابق ومؤكدة له على طريقة قول من يجد فى خدمة مولاه وهو يأمر بها غيره أتستخدم العصاة وأنا مجتهد فيها كأنه قيل أتستخلف من من شأن ذريته الفساد مع وجود من ليس من شأنه ذلك أصلا والمقصود عرض أحقيتهم منهم بالخلافة واستفسار عما رجحهم عليهم مع ما هو متوقع منهم من الموانع لا العجب والتفاخر فكأنهم شعروا بما فيهم من القوة الشهوية التى رذيلتها الإفراطية الفساد فى الأرض والقوة الغضبية التى رذيلتها الإفراطية سفك الدماء فقالوا ما قالوا وذهلوا عما إذا سخرتهما القوة العقلية ومرنتهما على الخير يحصل بذلك من علو الدرجة ما يقصر عن بلوغ رتبة القوة العقلية عند انفرادها فى أفاعيلها كالإحاطة بتفاصيل أحوال الجزئيات واستنباط الصناعات واستخراج منافع الكائنات من

٨٢

(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٣١)

____________________________________

القوة إلى الفعل وغير ذلك مما نيط به أمر الخلافة والتسبيح تنزيه الله تعالى وتبعيده اعتقادا وقولا وعملا عما لا يليق بجنابه سبحانه من سبح فى الأرض والماء إذا أبعد فيهما وأمعن ومنه فرس سبوح أى واسع الجرى وكذلك تقديسه تعالى من قدس فى الأرض إذا ذهب فيها وأبعد ويقال قدسه أى طهره فإن مطهر الشىء مبعده عن الأقذار والباء فى بحمدك متعلقة بمحذوف وقع حالا من الضمير أى ننزهك عن كل ما لا يليق بشأنك ملتبسين بحمدك على ما أنعمت به علينا من فنون النعم التى من جملتها توفيقنا لهذه العبادة فالتسبيح لإظهار صفات الجلال والحمد لتذكير صفات الإنعام واللام فى لك إما مزيدة والمعنى نقدسك وإما صلة للفعل كما فى سجدت لله وإما للبيان كما فى سقيالك فتكون متعلقة بمحذوف أى نقدس تقديسا لك أى نصفك بما يليق بك من العلو والعزة وننزهك عما لا يليق بك وقيل المعنى نطهر نفوسنا عن الذنوب لأجلك كأنهم قابلوا الفساد الذى أعظمه الإشراك بالتسبيح وسفك الدماء الذى هو تلويث النفس بأقبح الجرائم بتطهير النفس عن الآثام لا تمدحا بذلك ولا إظهارا للمنة بل بيانا للواقع (فَقالَ) استئناف كما سبق (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) ليس المراد به بيان أنه تعالى يعلم ما لا يعلمونه من الأشياء كائنا ما كان فإن ذلك مما لا شبهة لهم فيه حتى يفتقروا إلى التنبيه عليه لا سيما بطريق التوكيد بل بيان أن فيه عليه الصلاة والسلام معانى مستدعية لاستخلافه إذ هو الذى خفى عليهم وبنوا عليه ما بنوا من التعجب والاستبعاد فما موصولة كانت أو موصوفة عبارة عن تلك المعانى والمعنى إنى أعلم ما لا تعلمونه من دواعى الخلافة فيه وإنما لم يقتصر على بيان تحققها فيه عليه‌السلام بأن قيل مثلا إن فيه ما يقتضيه من غير تعرض لإحاطته تعالى به وغفلتهم عنه تفخيما لشأنه وإيذانا بابتناء أمره تعالى على العلم الرصين والحكمة المتقنة وصدور قولهم عن الغفلة وقيل معناه إنى أعلم من المصالح فى استخلافه ما هو خفى عليكم وأن هذا إرشاد للملائكة إلى العلم بأن أفعاله تعالى كلها حسنة وحكمة وإن خفى عليهم وجه الحسن والحكمة وأنت خبير بأنه مشعر بكونهم غير عالمين بذلك من قبل ويكون تعجبهم مبنيا على ترددهم فى اشتمال هذا الفعل لحكمة ما وذلك مما لا يليق بشأنهم فإنهم عالمون بأن ذلك متضمن لحكمة ما ولكنهم مترددون فى أنها ماذا هل هو أمر راجع إلى محض حكم الله عزوجل أو إلى فضيلة من جهة المستخلف فبين سبحانه وتعالى لهم أولا على وجه الإجمال والإبهام أن فيه فضائل غائبة عنهم ليستشرفوا إليها ثم أبرز لهم طرفا منها ليعاينوه جهرة ويظهر لهم بديع صنعه وحكمته وينزاح شبهتهم بالكلية. (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) شروع فى تفصيل ما جرى بعد الجواب الإجمالى تحقيقا لمضمونه وتفسيرا لإبهامه وهو عطف على قال والابتداء بحكاية التعليم يدل بظاهره على أن ما مر من المقاولة المحكية إنما جرت بعد خلقه عليه‌السلام بمحضر منه وهو الأنسب بوقوف الملائكة على أحواله عليه‌السلام بأن قيل إثر نفخ الروح فيه إنى جاعل إياه خليفة فقيل ما قيل

٨٣

كما أشير إليه وإيراده عليه‌السلام باسمه العلمى لزيادة تعيين المراد بالخليفة ولأن ذكره بعنوان الخلافة لا يلائم مقام تمهيد مباديها وهو اسم أعجمى والأقرب أن وزنه فاعل كشالخ وعاذر وعابر وفالغ لا أفعل والتصدى لاشتقاقه من الأذمة أو الأدمة بالفتح بمعنى الأسوة أو من أديم الأرض بناء على ما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أنه تعالى قبض قبضة من جميع الأرض سهلها وحزنها فخلق منها آدم ولذلك اختلفت ألوان ذريته أو من الأدم والأدمة بمعنى الألفة تعسف كاشتقاق إدريس من الدرس ويعقوب من العقب وإبليس من الإبلاس والاسم باعتبار الاشتقاق ما يكون علامة للشىء ودليلا يرفعه إلى الذهن من الألفاظ والصفات والأفعال واستعماله عرفا فى اللفظ الموضوع لمعنى مفردا كان أو مركبا مخبرا عنه أو خبرا أو رابطة بينهما واصطلاحا فى المفرد الدال على معنى فى نفسه غير مقترن بالزمان والمراد ههنا إما الأول أو الثانى وهو مستلزم للأول إذ العلم بالألفاظ من حيث الدلالة على المعانى مسبوق بالعلم بها والتعليم حقيقة عبارة عن فعل يترتب عليه العلم بلا تخلف عنه ولا يحصل ذلك بمجرد إضافة المعلم بل يتوقف على استعداد المتعلم لقبول الفيض وتلقيه من جهته كما مر فى تفسير الهدى وهو السر فى إيثاره على الإعلام والإنباء فإنهما إنما يتوقفان على سماع الخبر الذى يشترك فيه البشر والملك وبه يظهر أحقيته بالخلافة منهم عليهم‌السلام لما أن جبلتهم غير مستعدة للإحاطة بتفاصيل أحوال الجزئيات الجسمانية خبرا فمعنى تعليمه تعالى إياه أن يخلق فيه إذ ذاك بموجب استعداده علما ضروريا تفصيليا بأسماء جميع المسميات وأحوالها وخواصها اللائقة بكل منها أو يلقى فى روعه تفصيلا أن هذا فرس وشأنه كيت وكيت وذاك بعير وحاله ذيت وذيت إلى غير ذلك من أحوال الموجودات فيتلقاها عليه‌السلام حسبما يقتضيه استعداده ويستدعيه قابليته المتفرعة على فطرته المنطوية على طبائع متباينة وقوى متخالفة وعناصر متغايرة قال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد وابن جبير رضى الله تعالى عنهم عليه أسماء جميع الأشياء حتى القصعة والقصيعة وحتى الجفنة والمحلب وأنحى منفعة كل شىء إلى جنسه وقيل أسماء ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة وقيل معنى قوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ) خلقه من أجزاء مختلفة وقوى متباينة مستعدا لإدراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات والمتخيلات والموهومات وألهمه معرفة ذوات الأشياء وأسمائها وخواصها ومعارفها وأصول العلم وقوانين الصناعات وتفاصيل آلاتها وكيفيات استعمالاتها فيكون ما مر من المقاولة قبل خلقه عليه‌السلام وقيل التعليم على ظاهره ولكن هناك جملا مطوية عطف عليها المذكور أى فخلقه فسواه ونفخ فيه الروح وعلمه الخ (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) الضمير للمسميات المدلول عليها بالأسماء كما فى قوله تعالى (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) والتذكير لتغليب العقلاء على غيرهم وقرىء عرضهن وعرضها أى عرض مسمياتهن أو مسمياتها فى الحديث أنه تعالى عرضهم أمثال الذر ولعله عزوجل عرض عليهم من أفراد كل نوع ما يصلح أن يكون أنموذجا يتعرف منه أحوال البقية وأحكامها (فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) تبكيتا لهم وإظهارا لعجزهم عن إقامة ما علقوا به رجاءهم من أمر الخلافة فإن التصرف والتدبير وإقامة المعدلة بغير وقوف على مراتب الاستعدادات ومقادير الحقوق مما لا يكاد يمكن والإنباء إخبار فيه إعلام ولذلك يجرى مجرى كل منهما والمراد ههنا ما خلا عنه وإيثاره

٨٤

(قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(٣٢)

____________________________________

على الإخبار للإيذان برفعة شأن الأسماء وعظم خطرها فإن النبأ إنما يطلق على الخبر الخطير والأمر العظيم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أى فى زعمكم أنكم أحقاء بالخلافة ممن استخلفته كما ينبئ عنه مقالكم والتصديق كما كما يتطرق إلى الكلام باعتبار منطوقه قد يتطرق إليه باعتبار ما يلزمه من الأخبار فإن أدنى مراتب الاستحقاق هو الوقوف على أسماء ما فى الأرض وأما ما قيل من أن المعنى فى زعمكم أنى أستخلف فى الأرض مفسدين سفاكين للدماء فليس مما يقتضيه المقام وإن أول بأن يقال فى زعمكم أنى استخلف من غالب أمره الإفساد وسفك الدماء من غير أن يكون له مزية من جهة أخرى إذ لا تعلق له بأمرهم بالإنباء وجواب الشرط محذوف لدلالة المذكور عليه (قالُوا) استئناف واقع موقع الجواب كأنه قيل فماذا قالوا حينئذ هل خرجوا عن عهدة ما كلفوه أو لا فقيل قالوا (سُبْحانَكَ) قيل هو علم للتسبيح ولا يكاد يستعمل إلا مضافا وقد جاء غير مضاف على الشذوذ غير منصرف للتعريف والألف والنون المزيدتين كما فى قوله [سبحان من علقمة الفاخر] وأما ما فى قوله [سبحانه ثم سبحانا نعوذ به] فقيل صرفه للضرورة وقيل إنه مصدر منكر كغفران لا اسم مصدر ومعناه على الأول نسبحك عما لا يليق بشأنك الأقدس من الأمور التى من جملتها خلو أفعالك من الحكم والمصالح وعنوا بذلك تسبيحا ناشئا عن كمال طمأنينة النفس والإيقان باشتمال استخلاف آدم عليه‌السلام على الحكم البالغة وعلى الثانى تنزهت عن ذلك تنزها ناشئا عن ذاتك وأراد به أنهم قالوه عن إذعان لما عملوا إجمالا بأنه عليه‌السلام يكلف ما كلفوه وأنه يقدر على ما قد عجزوا عنه مما يتوقف عليه الخلافة وقوله عز وعلا (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) اعتراف منهم بالعجز عما كلفوه إذ معناه لا علم لنا إلا ما عملمتناه بحسب فابليتنا من العلوم المناسبة لعالمنا ولا قدرة بنا على ما هو خارج عن دائرة استعدادنا حتى لو كنا مستعدين لذلك لأفضته علينا وما فى ما علمتنا موصولة حذف من صلتها عائدها أو مصدرية ولقد نفوا عنهم العلم بالأسماء على وجه المبالغة حيث لم يقتصروا على بيان عدمه بأن قالوا مثلا لا علم لنا بها بل جعلوه من جملة ما لا يعلمونه وأشعروا بأن كونه من تلك الجملة غنى عن البيان (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) الذى لا يخفى عليه خافية وهذا إشارة إلى تحقيقهم لقوله تعالى (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (الْحَكِيمُ) أى المحكم لمصنوعاته الفاعل لها حسبما يقتضيه الحكمة والمصلحة وهو خبر بعد خبر أو صفة للأول وأنت ضمير الفصل لا محل له من الإعراب أوله محل منه مشارك لما قبله كما قاله الفراء أو لما بعده كما قاله الكسائى وقيل تأكيد للكاف كما فى قولك مررت بك أنت وقيل مبتدأ خبره ما بعده والجملة خبر إن وتلك الجملة تعليل لما سبق من قصر علمهم بما علمهم الله تعالى وما يفهم من ذلك من علم آدم عليه‌السلام بما خفى عليهم فكأنهم قالوا أنت العالم بكل المعلومات التى من جملتها استعداد آدم عليه‌السلام لما نحن بمعزل من الاستعداد له من العلوم الخفية المتعلقة بما فى الأرض من أنواع المخلوقات التى عليها بدور فلك خلافة الحكيم الذى لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة ومن جملته تعليم آدم عليه‌السلام ما هو قابل له من العلوم الكلية والمعارف الجزئية المتعلقة بالأحكام الواردة على ما فى الأرض وبناء أمر الخلافة

٨٥

(قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)(٣٣)

____________________________________

عليها (قالَ) استئناف كما سلف (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ) أى أعلمهم أوثر على أنبئى كما وقع فى أمر الملائكة مع حصول المراد معه أيضا وهو ظهور فضل آدم عليهم عليهم‌السلام إبانة لما بين الأمرين من التفاوت الجلى وإيذانا بأن علمه عليه‌السلام بها أمر واضح غير محتاج إلى ما يجرى مجرى الامتحان وأنه عليه‌السلام حقيق بأن يعلمها غيره وقرىء بقلب الهمزة ياء وبحذفها أيضا والهاء مكسورة فيهما (بِأَسْمائِهِمْ) التى عجزوا عن علمها واعترفوا بتقاصر هممهم عن بلوغ مرتبتها (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) الفاء فصيحة عاطفة للجملة الشرطية على محذوف يقتضيه المقام وينسحب عليه الكلام للإيذان بتقرره وغناه عن الذكر وللإشعار بتحققه فى أسرع ما يكون كما فى قوله عزوجل (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) بعد قوله سبحانه (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) وإظهار الاسماء فى موقع الإضمار لإظهار كمال العناية بشأنها والإيذان بأنه عليه‌السلام أنبأهم بها على وجه التفصيل دون الإجمال والمعنى فأنبأهم بأسمائهم مفصلة وبين لهم أحوال كل منهم وخواصه وأحكامه المتعلقة بالمعاش والمعاد فعلموا ذلك لما رأوا أنه عليه‌السلام لم يتلعثم فى شىء من التفاصيل التى ذكرها مع مساعدة ما بين الأسماء والمسميات من المناسبات والمشاكلات وغير ذلك من القرائن الموجبة لصدق مقالاته عليه‌السلام فلما أنبأهم بذلك (قالَ) عزوجل تقريرا لما مر من الجواب الإجمالى واستحضارا له (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لكن لا لتقرير نفسه كما فى قوله تعالى (أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) ونظائره بل لتقرير ما يفيده من تحقق دواعى الخلافة فى آدم عليه‌السلام لظهور مصداقه وإيراد ما لا يعلمون بعنوان الغيب مضافا إلى السموات والأرض الممبالغة فى بيان كمال شمول علمه المحيط وغاية سعته مع الإيذان بأن ما ظهر من عجزهم وعلم آدم عليه‌السلام من الأمور المتعلقة بأهل السموات وأهل الأرض وهذا دليل واضح على أن المراد بما لا تعلمون فيما سبق ما أشير إليه هناك كأنه قيل ألم أقل لكم إنى أعلم فيه من دواعى الخلافة ما لا تعلمونه فيه هو هذا الذى عاينتموه وقوله تعالى (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) عطف على جملة ألم أقل لكم لا على أعلم إذهو غير داخل تحت القول وما فى الموضعين موصولة حذف عائدها أى أعلم ما تبدونه وما تكتمونه وتغيير الأسلوب للإيذان باستمرار كتمهم قيل المراد بما يبدون قولهم أتجعل الخ وبما يكتمون استبطانهم أنهم أحقاء بالخلافة وأنه تعالى لا يخلق خلقا أفضل منهم. روى أنه تعالى لما خلق آدم عليه‌السلام رأت الملائكة فطرته العجيبة وقالوا ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أكرم عليه منه وقيل هو ما أسره إبليس فى نفسه من الكبر وترك السجود فإسناد الكتمان حينئذ إلى الجميع من قبيل قولهم بنو فلان قتلوا فلانا والقاتل واحد من بينهم قالوا فى الآية الكريمة دلالة على شرف الإنسان ومزية العلم وفضله على العبادة وأن ذلك هو المناط للخلافة وأن التعليم يصح إطلاقه على الله تعالى وإن لم يصح إطلاق المعلم عليه لاختصاصه عادة

٨٦

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ)(٣٤)

____________________________________

بمن يحترف به وأن اللغات توقيفية إذ الأسماء تدل على الألفاظ بخصوص أو بعموم وتعليمها ظاهر فى إلقائها على المتعلم مبينا له معانيها وذلك يستدعى سابقة وضع وما هو إلا من الله تعالى وأن مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم وإلالزم التكرار وأن علوم الملائكة وكمالاتهم تقبل الزيادة والحكماء منعوا ذلك فى الطبقة العليا منهم وحملوا على ذلك قوله تعالى (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) وأن آدم أفضل من هؤلاء الملائكة لأنه عليه‌السلام أعلم منهم وأنه تعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) عطف على الظرف الأول منصوب بما نصبه من المضمر أو بناصب مستقل معطوف على ناصبه عطف القصة على القصة أى واذكر وقت قولنا لهم وقيل بفعل دل عليه الكلام أى أطاعوا وقت قولنا الخ وقد عرفت ما فى أمثاله وتخصيص هذا القول بالذكر مع كون مقتضى الظاهر إيراده على منهاج ما قبله من الأقوال المحكية المتصلة به للإيذان بأن ما فى حيزه نعمة جليلة مستقلة حقيقة بالذكر والتذكير على حيالها والالتفات إلى التكلم لإظهار الجلالة وتربية المهابة مع ما فيه من تأكيد الاستقلال وكذا إظهار الملائكة فى موضع الإضمار والكلام فى اللام وتقديمها مع مجرورها على المفعول كما مر وقرىء بضم تاء الملائكة اتباعا لضم الجيم فى قوله تعالى (اسْجُدُوا لِآدَمَ) كما قرىء بكسر الدال فى قوله تعالى الحمد لله اتباعا لكسر اللام وهى لغة ضعيفة والسجود فى اللغة الخضوع والتطامن وفى الشرع وضع الجبهة على الأرض على قصد العبادة فقيل أمروا بالسجود له عليه‌السلام على وجه التحية والتكرمة تعظيما له واعترافا بفضله وأداء لحق التعليم واعتذارا عما وقع منهم فى شأنه وقيل أمروا بالسجود له تعالى وإنما كان آدم قبلة لسجودهم تفخيما لشأنه أو سببا لوجوبه فكأنه تعالى لما برأه أنموذجا للمبدعات كلها ونسخة منطوية على تعلق العالم الروحانى بالعالم الجسمانى وامتزاجهما على نمط بديع أمرهم بالسجود له تعالى لما عاينوا من عظيم قدرته فاللام فيه كما فى قول حسان رضى الله عنه[أليس أول من صلى لقبلتكم وأعرف الناس بالقرآن والسنن] أو فى قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) والأول هو الأظهر وقوله عزوجل (فَسَجَدُوا) عطف على قلنا والفاء لإفادة مسارعتهم إلى الامتثال وعدم تلعثمهم فى ذلك روى عن وهب أن أول من سجد جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم عزرائيل ثم سائر الملائكة عليهم‌السلام وقوله تعالى (إِلَّا إِبْلِيسَ) استثناء متصل لما أنه كان جنيا مفردا مغمورا بألوف من الملائكة متصفا بصفانهم فغلبوا عليه فى فسجدوا ثم استثنى استثناء واحد منهم أو لأن من الملائكة جنسا يتوالدون يقال لهم الجن كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما وهو منهم أو لأن الجن أيضا كانوا مأمورين بالسجود له لكن استغنى بذكر الملائكة عن ذكرهم أو منقطع وهو اسم أعجمى ولذلك لم ينصرف ومن جعله مشتقا من الإبلاس وهو إلباس قال إنه مشبه بالعجمة حيث لم يسم به أحد فكان كالاسم الأعجمى واعلم أن الذى تقتضيه هذه الآية الكريمة والتى فى سورة الأعراف من قوله

٨٧

تعالى (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) الآية والتى فى سورة بنى إسرائيل وسورة الكهف وسورة طه من قوله تعالى (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) الآية أن سجود الملائكة إنما ترتب على الأمر التنجيزى الوارد بعد خلقه وتسويته ونفخ الروح فيه البتة كما يلوح به حكاية امتثالهم بعبارة السجود دون الوقوع الذى به ورد الأمر التعليقى ولكن ما فى سورة الحجر من قوله عز وعلا (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) وما فى سورة ص من قوله تعالى (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) إلى آخر الآية يستدعيان بظاهر هما ترتبه على ما فيهما من الأمر التعليقى من غير أن يتوسط بينهما شىء غير ما تفصح عنه الفاء الفصيحة من الخلق والتسوية ونفخ الروح فيه عليه‌السلام وقد روى عن وهب أنه كان السجود كما نفخ فيه الروح بلا تأخير وتأويل الآيات السابقة بحمل ما فيها من الأمر على حكاية الأمر التعليقى بعد تحقق المعلق به إجمالا فإنه حينئذ يكون فى حكم التنجيز يأباه ما فى سورة الأعراف من كلمة ثم المنادية بتأخر ورود الأمر عن التصوير المتأخر عن الخلق المتأخر عن الأمر التعليقى والاعتذار بحمل التراخى على الرتبى أو التراخى فى الإخبار أو بأن الأمر التعليقى قبل تحقق المعلق به لما كان فى عدم إيجاب المأمور به بمنزلة العدم جعل كأنه إنما حدث بعد تحققه فحكى على صورة التنجيز يؤدى بعد اللتيا واللتى إلى أن ما جرى بينه وبينهم عليهم‌السلام فى شأن الخلافة وما قالوا فيه وما سمعوا إنما جرى بعد السجود المسبوق بمعرفة جلالة منزلته عليه‌السلام وخروج إبليس من البين باللعن المؤبد لعناده وبعد مشاهدتهم لذلك كله عيانا وهل هو إلا خرق لقضية العقل والنقل والالتجاء فى التفصى عنه إلى تأويل نفخ الروح بحمله على ما يعم إفاضة ما به حياة النفوس التى من جملتها تعليم الأسماء تعسف ينبئ عن ضيق المجال فالذى يقتضيه التحقيق ويستدعيه النظر الأنيق بعد التصفح فى مستودعات الكتاب المكنون والتفحص عما فيه من السر المخزون أن سجودهم له عليه‌السلام إنما ترتب على الأمر التنجيزى المتفرع على ظهور فضله عليه‌السلام المبنى على المحاورة المسبوقة بالإخبار بخلافته المنتظم جميع ذلك فى سلك ما نيط به الأمر التعليقى من التسوية ونفخ الروح إذ ليس من قضيته وجوب السجود عقيب نفخ الروح فيه فإن الفاء الجزائية ليست بنص فى وجوب وقوع مضمون الجزاء عقيب وجود الشرط من غير تراخ للقطع بعدم وجوب السعى عقيب النداء لقوله تعالى (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا) الآية وبعدم وجوب إقامة الصلاة غب الاطمئنان لقوله تعالى (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) بل إنما الوجوب عند دخول الوقت كيف لا والحكمة الداعية إلى ورود ما نحن فيه من الأمر التعليقى أثر ذى أثير إنما هى حمل الملائكة عليهم‌السلام على التأمل فى شأنه عليه‌السلام ليتدبروا فى أحواله طرا ويحيطوا بما لديه خبرا ويستفهموا ما عسى يستبهم عليهم فى أمره عليه‌السلام لابتنائه على حكم أبية وأسرار خفية طويت عن علومهم ويقفوا على جلية الحال قبل ورود الأمر التنجيزى وتحتم الامتثال وقد قالوا بحسب ذلك ما قالوا وعاينوا ما عاينوا وعدم نظم الأمر التنجيزى فى سلك الأمور المذكورة فى السورتين عند الحكاية لا يستلزم عدم انتظامه فيه عند وقوع المحكى كما أن عدم ذكر الأمر التعليقى عند حكاية الأمر التنجيزى

٨٨

فى السورة الكريمة المذكورة لا يوجب عدم مسبوقيته به فإن حكاية كلام واحد على أساليب مختلفة حسبما يقتضيه المقام ويستدعيه حسن الانتظام ليست بعزيزة فى الكتاب العزيز وناهيك بما نقل فى توجيه قوله تعالى (بُشْراً) مع عدم سبق معرفة الملائكة عليهم‌السلام بذلك وحيث صير إليه مع أنه لم يرد به نقل فما ظنك بما قد وقع التصريح به فى مواضع عديدة فلعله قد ألقى إليهم ابتداء جميع ما يتوقف عليه الأمر التنجيزى إجمالا بأن قيل مثلا إنى خالق بشرا من كذا وكذا وجاعل إياه خليفة فى الأرض فإذا سويته ونفخت فيه من روحى وتبين لكم شأنه فقعوا له ساجدين فخلقه فسواه ونفخ فيه الروح فقالوا عند ذلك ما قالوا أو ألقى إليهم خبر الخلافة بعد تحقق الشرائط المعدودة بأن قيل أثر نفخ الروح فيه إنى جاعل هذا خليفة فى الأرض فهناك ذكروا فى حقه عليه‌السلام ما ذكروا فأيده الله عزوجل بتعليم الأسماء فشاهدوا منه ما شاهدوا فعند ذلك ورد الأمر التنجيزى اعتناء بشأن المأمور به وتعيينا لوقته وقد حكى بعض الأمور فى بعض المواطن وبعضها فى بعضها اكتفاء بما ذكر فى كل موطن عما ترك فى موطن آخر والذى يحسم مادة الاشتباه أن ما فى سورة ص من قوله تعالى (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) الخ بدل من قوله تعالى (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) فيما قبله من قوله تعالى (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) أى بكلامهم عند اختصامهم والمراد بالملأ الأعلى الملائكة وآدم عليهم‌السلام وإبليس حسبما أطبق عليه جمهور الأمة وباختصامهم ما جرى بينهم فى شأن خلافة آدم عليه‌السلام من التقاول الذى من جملته ما صدر عنه عليه‌السلام من الإنباء بالأسماء ومن قضية البدلية وقوع الاختصام المذكور فى تضاعيف ما ذكر فيه تفصيلا من الأمر التعليقى وما علق به من الخلق والتسوية ونفخ الروح فيه وما ترتب عليه من سجود الملائكة عليهم‌السلام وعناد إبليس وما تبعه من لعنه وإخراجه من بين الملائكة وما جرى بعده من الأفعال والأقوال وإذ ليس تمام الاختصام بعد سجود الملائكة ومكابرة إبليس المستتبعة لطرده من بينهم لما عرفت من أنه أحد المختصمين كما أنه ليس قبل الخلق ضرورة استحالة الإنباء بالأسماء حينئذ فهو إذن بعد نفخ الروح وقبل السجود حتما بأحد الطريقين والله سبحانه أعلم بحقيقة الأمر (أَبى وَاسْتَكْبَرَ) استئناف مبين لكيفية عدم السجود المفهوم من الاستثناء وأنه لم يكن للتردد أو للتأمل والإباء الامتناع بالاختيار والتكبر أن يرى نفسه أكبر من غيره والاستكبار طلب ذلك بالتشبع أى امتنع عما أمر به واستكبر من أن يعظمه أو يتخذه وصلة فى عبادة ربه وتقديم الإباء على الاستكبار مع كونه مسببا عنه لظهوره ووضوح أثره واقتصر فى سورة ص على ذكر الاستكبار اكتفاء به وفى سورة الحجر على ذكر الإباء حيث قيل أبى أن يكون مع الساجدين (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) أى فى علم الله تعالى إذ كان أصله من كفرة الجن فلذلك ارتكب ما ارتكبه على ما أفصح عنه قوله تعالى (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) فالجملة اعتراضية مقررة لما سبق من الإباء والاستكبار أو صار منهم باستقباح أمره تعالى إياه بالسجود لآدم عليه‌السلام زعما منه أنه أفضل منه والأفضل لا يحسن أن يؤمر بالخضوع للمفضول كما يفصح عنه قوله أنا خير منه حين قيل له ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من العالين لا بترك الواجب وحده فالجملة معطوفة على ما قبلها وإيثار الواو على الفاء للدلالة على أن محض الإباء والاستكبار كفر لا أنهما سببان له كما تفيد الفاء.

٨٩

(وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)(٣٥)

____________________________________

(وَقُلْنا) شروع فى حكاية ما جرى بينه تعالى وبين آدم عليه‌السلام بعد تمام ما جرى بينه تعالى وبين الملائكة وإبليس من الأقوال والأفعال وقد تركت حكاية توبيخ إبليس وجوابه ولعنه واستظهاره وإنظاره اجتزاء بما فصل فى سائر السور الكريمة وهو عطف على قلنا للملائكة ولا يقدح فى ذلك اختلاف وقتيهما فإن المراد بالزمان المدلول عليه بكلمة إذ زمان ممتد واسع للقولين وقيل هو عطف على إذ قلنا بإضمار إذ وهذا تذكير لنعمة أخرى موجبة للشكر مانعة من الكفر وتصدير الكلام بالنداء فى قوله تعالى (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) للتنبيه على الاهتمام بتلقى المأمور به وتخصيص أصل الخطاب به عليه‌السلام للإيذان بأصالته فى مباشرة المأمور به واسكن من السكى وهو اللبث والإقامة والاستقرار دون السكون الذى هو ضد الحركة وأنت ضمير أكد به المستكن ليصح العطف عليه واختلف فى وقت خلق زوجه فذكر السدى عن ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين أن الله تعالى لما أخرج إبليس من الجنة وأسكنها آدم بقى فيها وحده وما كان معه من يستأنس به فألقى الله تعالى عليه النوم ثم أخذ ضلعا من جانبه الأيسر ووضع مكانه لحما وخلق حواء منه فلما استيقظ وجدها عند رأسه قاعدة فسألها ما أنت قالت امرأة قال ولم خلقت قالت لتسكن إلى فقالت الملائكة تجربة لعلمه من هذه قال امرأة قالوا لم سميت امرأة قال لأنها من المرء أخذت فقالوا ما اسمها قال حواء قالوا لم سميت حواء قال لأنها خلقت من شىء حى وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال بعث الله تعالى جندا من الملائكة فحملوا آدم وحواء على سرير من ذهب كما يحمل الملوك ولباسهما النور حتى أدخلوهما الجنة وهذا كما ترى يدل على خلقها قبل دخول الجنة والمراد بها دار الثواب لأنها المعهودة وقيل هى جنة بأرض فلسطين أو بين فارس وكرمان خلقها الله تعالى امتحانا لآدم عليه‌السلام وحمل الإهباط على النقل منها إلى أرض الهند كما فى قوله تعالى (اهْبِطُوا مِصْراً) لما أن خلقه عليه‌السلام كان فى الأرض بلا خلاف ولم يذكر فى هذه القصة رفعه إلى السماء ولو وقع ذلك لكان أولى بالذكر والتذكير لما أنه من أعظم النعم ولأنها لو كانت دار الخلد لما دخلها إبليس وقيل إنها كانت فى السماء السابعة بدليل اهبطوا ثم إن الإهباط الأول كان منها إلى السماء الدنيا والثانى منها إلى الأرض وقيل الكل ممكن والأدلة النقلية متعارضة فوجب التوقف وترك القطع (وَكُلا مِنْها) أى من ثمارها وإنما وجه الخطاب إليهما تعميما للتشريف والترفيه ومبالغة فى إزالة العلل والأعذار وإيذانا بتساويهما فى مباشرة المأمور به فإن حواء أسوة له عليه‌السلام فى الأكل بخلاف السكنى فإنها تابعة له فيه (رَغَداً) صفة للمصدر المؤكد أى أكلا واسعا رافها (حَيْثُ شِئْتُما) أى أى مكان أردتما منها وهذا كما ترى إطلاق كلى حيث أبيح لهما الأكل منها على وجه التوسعة البالغة المزيحة للعلل ولم يحظر عليهما بعض الأكل ولا بعض المواضع الجامعة للمأكولات حتى لا يبقى

٩٠

(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)(٣٦)

____________________________________

لهما عذر فى تناول ما منعا منه بقوله تعالى (وَلا تَقْرَبا) بفتح الراء من قربت الشىء بالكسر أقربه بالفتح إذا التيست به وتعرضت له وقال الجوهرى قرب بالضم يقرب قربا إذا دنا وقربته بالكسر قربانا دنوت منه (هذِهِ الشَّجَرَةَ) نصب على أنه بدل من اسم الإشارة أو نعت له بتأويلها بمشتق أى هذه الحاضرة من الشجرة أى لا تأكلا منها وإنما علق النهى بالقربان منها مبالغة فى تحريم الأكل ووجوب الاجتناب عنه والمراد بها الحنطة أو العنبة أو التينة وقيل هى شجرة من أكل منها أحدث والأولى عدم تعيينها من غير قاطع وقرىء هذى بالياء وبكسر شين الشجرة وتاء تقربا وقرىء الشيرة بكسر الشين وفتح الياء (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) مجزوم على أنه معطوف على تقربا أو منصوب على أنه جواب للنهى وأياما كان فالقرب أى الأكل منها سبب لكونهما من الظالمين أى الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعصية أو نقصوا حظوظهم بمباشرة ما يخل بالكرامة والنعيم أو تعدوا حدود الله تعالى (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) أى أصدر زلتهما أى زلقهما وحملهما على الزلة بسببها ونظيرة عن هذه ما فى قوله تعالى (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) أو أزلهما عن الجنة بمعنى أذهبهما وأبعدهما عنها يقال زل عنى كذا إذا ذهب عنك ويعضده قراءة أزالهما وهما متقاربان فى المعنى فإن الإزلال أى الإزلاق يقتضى زوال الزال عن موضعه البتة وإزلاله قوله لهما هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى وقوله مانها كما ربكما عن الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ومقاسمته لهما إنى لكما لمن الناصحين وهذه الآيات مشعرة بأنه عليه‌السلام لم يؤمر بسكنى الجنة على وجه الخلود بل على وجه التكرمة والتشريف لما قلد من خلافة الأرض إلى حين البعث إليها. واختلف فى كيفية توصله إليهما بعد ما قيل له اخرج منها فإنك رجيم فقيل إنه إنما منع من الدخول على وجه التكرمة كما يدخلها الملائكة عليهم‌السلام ولم يمنع من الدخول للوسوسة ابتلاء لآدم وحواء وقيل قام عند الباب فناداهما وقيل تمثل بصورة دابة فدخل ولم يعرفه الخزنة وقيل دخل فى فم الحية فدخل معها وقيل أرسل بعض أتباعه فأزلهما والعلم عند الله سبحانه (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) أى من الجنة إن كان ضمير عنها للشجرة والتعبير عنها بذلك للإيذان بفخامتها وجلالتها وملابستهما له أى من المكان العظيم الذى كانا مستقرين فيه أو من الكرامة والنعيم إن كان الضمير للجنة (وَقُلْنَا اهْبِطُوا) الخطاب لآدم وحواء عليهما‌السلام بدليل قوله تعالى (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) وجمع الضمير لأنهما أصل الجنس فكأنهما الجنس كلهم وقيل لهما وللحية وإبليس على أنه أخرج منها ثانية بعد ما كان يدخلها للوسوسة أو يدخلها مسارقة أو اهبط من السماء وقرىء بضم الباء (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) حال استغنى فيها عن الواو بالضمير أى متعادين يبغى بعضكم على بعض بتضليله أو استئناف لا محل له من الإعراب وإفراد العدو إما للنظر إلى لفظ البعض وإما لأن وزانه وزان المصدر كالقبول (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ) التى هى محل الإهباط والظرف متعلق بما تعلق به الخبر أعنى لكم من

٩١

فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٣٨)

____________________________________

الاستقرار. (مُسْتَقَرٌّ) أى استقرار أو موضع استقرار (وَمَتاعٌ) أى تمتع بالعيش وانتفاع به. (إِلى حِينٍ) هو حين الموت على أن المغيا تمتع كل فرد من المخاطبين أو القيامة على أنه تمتع الجنس فى ضمن بعض الأفراد والجملة كما قبلها فى كونها حالا أى مستحقين للاستقرار والتمتع أو استئنافا. (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) أى استقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها حين علمها ووفق لها وقرىء بنصب آدم ورفع كلمات دلالة على أنها استقبلته بلغته وهى قوله تعالى (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) الآية وقيل سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك لا إله إلا أنت ظلمت نفسى فاغفر لى إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال يا رب ألم تخلقنى بيدك قال بلى قال يا رب ألم تنفخ فى من روحك قال بلى قال يا رب ألم تسبق رحمتك غضبك قال بلى قال ألم تسكنى جنتك قال بلى قال يا رب إن تبت وأصلحت أراجعى أنت إلى الجنة قال نعم والفاء للدلالة على أن التوبة حصلت عقيب الأمر بالهبوط قبل تحقق المأمور به والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إليه عليه‌السلام للتشريف والإيذان بعليته لإلقاء الكلمات المدلول عليه بتلقيها. (فَتابَ عَلَيْهِ) أى رجع عليه بالرحمة وقبول التوبة والفاء للدلالة على ترتبة على تلقى الكلمات المتضمن لمعنى التوبة التى هى عبارة عن الاعتراف بالذنب والندم عليه والعزم على عدم العود إليه واكتفى بذكر شأن آدم عليه‌السلام لما أن حواء تبع له فى الحكم ولذلك طوى ذكر النساء فى أكثر مواقع الكتاب والسنة. (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ) أى الرجاع على عباده بالمغفرة أو الذى يكثر إعانتهم على التوبة وأصل التوب الرجوع فإذا وصف به العبد كان رجوعا عن المعصية وإذا وصف به البارى عز وعلا أريد به الرجوع عن العقاب إلى المغفرة. (الرَّحِيمُ) المبالغ فى الرحمة وفى الجمع بين الوصفين وعد بليغ للتائب بالإحسان مع العفو والغفران والجملة تعليل لقوله تعالى (فَتابَ عَلَيْهِ). (قُلْنَا) استئناف مبنى على سؤال ينسحب عليه الكلام كأنه قيل فماذا وقع بعد قبول توبته فقيل قلنا. (اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) كرر الأمر بالهبوط إيذانا بتحتم مقتضاه وتحققه لا محالة ودفعا لما عسى يقع فى أمنيته عليه‌السلام من استتباع قبول التوبة للعفو عن ذلك وإظهارا لنوع رأفة به عليه‌السلام لما بين الأمرين من الفرق النير كيف لا والأول مشوب بضرب سخط مذيل ببيان أن مهبطهم دار بلية وتعاد لا يخلدون فيها والثانى مقرون بوعد إيتاء الهدى المؤدى إلى النجاة والنجاح وأما ما فيه من وعيد العقاب فليس بمقصود من التكليف قصدا أوليا بل إنما هو دائر على سوء اختيار المكلفين قيل وفيه تنبيه على أن الحازم يكفيه فى الردع عن مخالفة حكم الله تعالى مخافة الإهباط المقترن بأحد هذين الأمرين فكيف بالمقترن بهما فتأمل وقيل الأول من الجنة إلى السماء الدنيا والثانى منها إلى الأرض ويأباه التعرض لاستقرارهم فى الأرض فى الأول ورجوع الضمير

٩٢

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٣٩)

____________________________________

إلى الجنة فى الثانى وجميعا حال فى اللفظ وتأكيد فى المعنى كأنه قيل اهبطوا أنتم أجمعون ولذلك لا يستدعى الاجتماع على الهبوط فى زمان واحد كما فى قولك جاءوا جميعا بخلاف قولك جاءوا معا (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) الفاء لترتيب ما بعدها على الهبوط المفهوم من الأمر به وإما مركبة من أن الشرطية وما المزيدة المؤكدة لمعناها والفعل فى محل الجزم بالشرط لأنه مبنى لاتصاله بنون التأكيد وقيل معرب مطلقا وقيل مبنى مطلقا والصحيح التفصيل إن باشرته النون بنى وإلا أعرب نحو هل يقومان وتقديم الظرف على الفاعل لما مر غير مرة والمعنى إن يأتينكم منى هدى برسول أبعثه إليكم وكتاب أنزله عليكم وجواب الشرط قوله تعالى (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) كما فى قولك إن جئتنى فإن قدرت أحسنت إليك وإيراد كلمة الشك مع تحقق الإتيان لا محالة للإيذان بأن الإيمان بالله والتوحيد لا يشترط فيه بعثة الرسل وإنزال الكتب بل يكفى فى وجوبه إفاضة العقل ونصب الأدلة الآفاقية والأنفسية والتمكين من النظر والاستدلال أو للجرى على سنن العظماء فى إيراد عسى ولعل فى مواقع القطع والجزم والمعنى أن من تبع هداى منكم فلا خوف عليهم فى الدارين من لحوق مكروه ولا هم يحزنون من فوات مطلوب أى لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا أنه يعتريهم ذلك لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا أنه لا يعتريهم نفس الخوف والحزن أصلا بل يستمرون على السرور والنشاط كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال الله سبحانه وهيبته واستقصارا للجد والسعى فى إقامة حقوق العبودية من خصائص الخواص والمقربين والمراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما كما يتوهم من كون الخبر فى الجملة الثانية مضارعا لما تقرر فى موضعه أن النفى وإن دخل على نفس المضارع يفيد الدوام والاستمرار بحسب المقام وإظهار الهدى مضافا إلى ضمير الجلالة لتعظيمه وتأكيد وجوب اتباعه أو لأن المراد بالثانى ما هو أعم من الهدايات التشريعية وما ذكر من إفاضة العقل ونصب الأدلة الآفاقية والأنفسية كما قيل وقرىء هدى على لغة هذيل ولا خوف بالفتح. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) عطف على من تبع الخ قسيم له كأنه قيل ومن لم يتبعه وإنما أوثر عليه ما ذكر تفظيعا لحال الضلالة وإظهارا لكمال قبحها وإيراد الموصول بصيغة الجمع للإشعار بكثرة الكفرة والجمع بين الكفر والتكذيب للإيذان بتنوع الهدى إلى ما ذكر من النوعين وإيراد نون العظمة لتربية المهابة وإدخال الروعة وإضافة الآيات إليها لإظهار كمال قبح التكذيب بها أى والذين كفروا برسلنا المرسلة إليهم وكذبوا بآياتنا المنزلة عليهم وقيل المعنى كفروا بالله وكذبوا بآياته التى أنزلها على الأنبياء عليهم‌السلام أو أظهرها بأيديهم من المعجزات وقيل كفروا بالآيات جنانا وكذبوا بها لسانا فيكون كلا الفعلين متوجها إلى الجار والمجرور والآية فى الأصل العلامة الظاهرة قال النابغة[توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع] ويقال للمصنوعات من حيث دلالتها على الصانع تعالى وعلمه وقدرته ولكل طائفة من كلمات القرآن المتميزة عن غيرها بفصل لأنها علامة لانفصال ما قبلها مما بعدها وقيل لأنها تجمع كلمات منه فيكون من قولهم خرج بنو فلان بآيتهم أى

٩٣

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)(٤٠)

____________________________________

بجماعتهم قال[خرجنا من البيتين لا حى مثلنا بآيتنا نزجى النعاج المطافلا] واشتقاقها من أى لأنها تبين أيا من أى أو من أوى إليه أى رجع وأصلها أوية أو أية فأبدلت عينها ألفا على غير قياس أو أوية أو أبية كرمكة فأعلت أو آئية كقائلة فحذفت الهمزة تخفيفا (أُولئِكَ) إشارة إلى الموصوف باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة من الكفر والتكذيب وفيه إشعار بتميزهم بذلك الوصف تميزا مصححا للإشارة الحسية وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم فيه وهو مبتدأ وقوله عزوجل (أَصْحابُ النَّارِ) أى ملازموها وملابسوها بحيث لا يفارقونها خبره والجملة خبر للموصول أو اسم الإشارة بدل من الموصول أو عطف بيان له وأصحاب النار خبر له وقوله تعالى (هُمْ فِيها خالِدُونَ) فى حيز النصب على الحالية لورود التصريح به فى قوله تعالى (أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها) وقد جوز كونه حالا من النار لاشتماله على ضميرها والعامل معنى الإضافة أو اللام المقدرة أو فى محل الرفع على أنه خبر آخر لأولئك على رأى من جوز وقوع الجملة خبرا ثانيا وفيها متعلق بخالدون والخلود فى الأصل المكث الطويل وقد انعقد الإجماع على أن المراد به الدوام (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى طائفة خاصة من الكفرة المعاصرين للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتذكيرهم بفنون النعم الفائضة عليهم بعد توجيهه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمره بتذكير كلهم بالنعمة العامة لبنى آدم قاطبة بقوله تعالى (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) الخ وإذ قلنا للملائكة الخ لأن المعنى كما أشير إليه بلغهم كلامى واذكر لهم إذ جعلنا أباهم خليفة فى الأرض ومسجودا للملائكة عليهم‌السلام وشرفناه بتعليم الأسماء وقبلنا توبته والإبن من البناء لأنه مبنى أبيه ولذلك ينسب المصنوع إلى صانعه فيقال أبو الحرب وبنت فكر وإسرائيل لقب يعقوب عليه‌السلام ومعناه بالعبرية صفوة الله وقيل عبد الله وقرىء إسرائل بحذف الياء وإسرال بحذفهما وإسرايل بقلب الهمزة ياء وإسرائل بهمزة مفتوحة وإسرئل بهمزة مكسورة بين الراء واللام وتخصيص هذه الطائفة بالذكر والتذكير لما أنهم أوفر الناس نعمة وأكثرهم كفرا بها (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) بالتفكر فيها والقيام بشكرها وفيه إشعار بأنهم قد نسوها بالكلية ولم يخطروها بالبال لا أنهم أهملوا شكرها فقط وإضافة النعمة إلى ضمير الجلالة لتشريفها وإيجاب تخصيص شكرها به تعالى وتقييد النعمة بهم لما أن الإنسان مجبول على حب النعمة فإذا نظر إلى ما فاض عليه من النعم حمله ذلك على الرضى والشكر قيل أريد بها ما أنعم به على آبائهم من النعم التى سيجىء تفصيلها وعليهم من فنون النعم التى أجلها إدراك عصر النبى عليه‌السلام وقرىء اذكروا من الافتعال ونعمتى بإسكان الياء وإسقاطها فى الدرج وهو مذهب من لا يحرك الياء المكسور ما قبلها (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) بالإيمان والطاعة (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) بحسن الإثابة والعهد يضاف إلى كل واحد ممن يتولى طرفيه ولعل الأول مضاف إلى الفاعل والثانى إلى المفعول فإنه تعالى عهد إليهم بالإيمان والعمل الصالح

٩٤

(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)(٤١)

____________________________________

بنصب الدلائل وإرسال الرسل وإنزال الكتب ووعد لهم بالثواب على حسناتهم وللوفاء بهما عرض عريض فأول مراتبه منا هو الإتيان بكلمتى الشهادة ومن الله تعالى حقن الدماء والأموال وآخرها منا الاستغراق فى بحر التوحيد بحيث نغفل عن أنفسنا فضلا عن غيرنا ومن الله تعالى الفوز باللقاء الدائم وأما ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أوفوا بعهدى فى اتباع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوف بعهدكم فى رفع الآصار والأغلال وعن غيره أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب أو أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم أوف بالكرامة والنعيم المقيم فبالنظر إلى الوسائط وقيل كلاهما مضاف إلى المفعول والمعنى أوفوا بما عاهدتمونى من الإيمان والتزام الطاعة أوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة وتفصيل العهدين قوله تعالى (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) إلى قوله (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ) الخ وقرىء أوف بالتشديد للمبالغة والتأكيد (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) فيما تأتون وما تذرون خصوصا فى نقض العهد وهو آكد فى إفادة التخصيص من إياك نعبد لما فيه مع التقديم من تكرير المفعول والفاء الجزائية الدالة على تضمن الكلام معنى الشرط كأنه قيل إن كنتم راهبين شيئا فارهبونى والرهبة خوف معه تحرز والآية متضمنة للوعد والوعيد ودالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد وأن المؤمن ينبغى أن لا يخاف إلا الله تعالى. (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ) أفرد الإيمان بالقرآن بالأمر به لما أنه العمدة القصوى فى شأن الوفاء بالعهود (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) من التوراة والتعبير عنها بذلك للإيذان بعلمهم بتصديقه لها فإن المعية مئنة لتكرر المراجعة إليها والوقوف على ما فى تضاعيفها المؤدى إلى العلم بكونه مصدقا لها ومعنى تصديقه للتوراة أنه نازل حسبما نعت فيها أو من حيث أنه موافق لها فى القصص والمواعيد والدعوة إلى التوحيد والعدل بين الناس والنهى عن المعاصى والفواحش وأما ما يتراءى من مخالفته لها فى بعض جزئيات الأحكام المتفاوتة بسبب تفاوت الأعصار فليست بمخالفة فى الحقيقة بل هى موافقة لها من حيث أن كلا منها حق بالإضافة إلى عصره وزمانه متضمن للحكم التى عليها يدور فلك التشريع وليس فى التوراة دلالة على أبدية أحكامها المنسوخة حتى يخالفها ما ينسخها وإنما تدل على مشروعيتها مطلقا من غير تعرض لبقائها وزوالها بل نقول هى ناطقة بنسخ تلك الأحكام فإن نطقها بصحة القرآن الناسخ لها نطق بنسخها فإذن مناط المخالفة فى الأحكام المنسوخة إنما هو اختلاف العصر حتى لو تأخر نزول المتقدم لنزل على وفق المتأخر ولو تقدم نزول المتأخر لوافق المتقدم قطعا ولذلك قال عليه‌السلام لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعى وتقييد المنزل بكونه مصدقا لما معهم لتاكيد وجوب الامتثال بالأمر فإن إيمانهم بما معهم مما يقتضى الإيمان بما يصدقه قطعا (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) أى لا تسارعوا إلى الكفر به فإن وظيفتكم أن تكونوا أول من آمن به لما أنكم تعرفون شانه وحقيته بطريق التلقى مما معكم من الكتب الإلهية كما تعرفون أبناءكم وقد كنتم تستفتحون به وتبشرون

٩٥

(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٤٢)

____________________________________

بزمانه كما سيجىء فلا تضعوا موضع ما يتوقع منكم ويجب عليكم ما لا يتوهم صدوره عنكم من كونكم أول كافر به ووقوع أول كافر به خبرا من ضمير الجمع بتاويل أول فريق أو فوج أو بتأويل لا يكن كل واحد منكم أول كافر به كقولك كسانا حلة ونهيهم عن التقدم فى الكفر به مع أن مشركى العرب أقدم منهم لما أن المراد به التعريض لا الدلالة على ما نطق به الظاهر كقولك أما أنا فلست بجاهل لأن المراد نهيهم عن كونهم أول كافر من أهل الكتاب أو ممن كفر بما عنده فإن من كفر بالقرآن فقد كفر بما يصدقه أو مثل من كفر من مشركى مكة وأول أفعل لا فعل له وقيل أصله أو أل من وأل إليه إذا نجا وخلص فأبدلت الهمزة واوا تخفيفا غير قياسى أو أأول من آل فقلبت همزته واوا وأدغمت (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي) أى لا تأخذوا لأنفسكم بدلا منها (ثَمَناً قَلِيلاً) من الحظوظ الدنيوية فإنها وإن جلت قليلة مسترذلة بالنسبة إلى مافات عنهم من حظوظ الآخرة بترك الإيمان قيل كانت لهم رياسة فى قومهم ورسوم وهدايا فخافوا عليها لو اتبعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاختاروها على الإيمان وإنما عبر عن المشترى الذى هو العمدة فى عقود المعاوضة والمقصود فيها بالثمن الذى شأنه أن يكون وسيلة فيها وقرنت الآيات التى حقها أن يتنافس فيها المتنافسون بالباء التى تصحب الوسائل إيذانا بتعكيسهم حيت جعلوا ما هو المقصد الأصلى وسيلة والوسيلة مقصدا (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) بالإيمان واتباع الحق والإعراض عن حطام الدنيا ولما كانت الآية السابقة مشتملة على ما هو كالمبادى لما فى الآية الثانية فصلت بالرهبة التى هى من مقدمات التقوى أو لأن الخطاب بها لما عم العالم والمقلد أمر فيها بالرهبة المتناولة للفريقين وأما الخطاب بالثانية فحيث خص بالعلماء أمر فيها بالتقوى الذى هو المنتهى (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) عطف على ما قبله واللبس الخلط وقد يلزمه الاشتباه بين المختلطين والمعنى لا تخلطوا الحق المنزل بالباطل الذى تخترعونه وتكتبونه حتى يشتبه أحدهما بالآخر أو لا تجعلوا الحق ملتبسا بسبب الباطل الذى تكتبونه فى تضاعيفه أو تذكرونه فى تأويله (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ) مجزوم داخل تحت حكم النهى كأنهم أمروا بالإيمان وترك الضلال ونهوا عن الإضلال بالتلبيس على من سمع الحق والإخفاء عمن لم يسمعه أو منصوب بإضمار أن على أن الواو للجمع أى لا تجمعوا بين لبس الحق بالباطل وبين كتمانه ويعضده أنه فى مصحف ابن مسعود وتكتمون أى وأنتم تكتمون أى كاتمين وفيه إشعار بأن استقباح اللبس لما يصحبه من كتمان الحق وتكرير الحق إما لأن المراد بالأخير ليس عين الأول بل هو نعت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذى كتموه وكتبوا مكانه غيره كما سيجىء فى قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) وإما لزيادة تقبيح المنهى عنه إذ فى التصريح باسم الحق ما ليس فى ضميره (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أى حال كونكم عالمين بأنكم لا بسون كاتمون أو وأنتم تعلمون أنه حق أو وأنتم من أهل العلم وليس إيراد الحال لتقييد النهى به كما فى قوله تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) بل لزيادة تقبيح حالهم إذ الجاهل عسى يعذر.

٩٦

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(٤٤)

____________________________________

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) أى صلاة المسلمين وزكاتهم فإن غيرهما بمعزل من كونه صلاة وزكاة أمرهم الله تعالى بفروع الإسلام بعد الأمر بأصوله (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) أى فى جماعتهم فإن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة لما فيها من تظاهر النفوس فى المناجاة وعبر عن الصلاة بالركوع احترازا عن صلاة اليهود وقيل الركوع الخضوع والانقياد لما يلزمهم الشارع قال الأضبط بن قريع السعدى[لا تحقرن الضعيف علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه] (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) تجريد للخطاب وتوجيه له إلى بعضهم بعد توجيهه إلى الكل والهمزة فيها تقرير مع توبيخ وتعجيب والبر التوسع فى الخير من البر الذى هو الفضاء الواسع يتناول جميع أصناف الخيرات ولذلك قيل البر ثلاثة بر فى عبادة الله تعالى وبر فى مراعاة الأقارب وبر فى معاملة الأجانب (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أى تنركونها من البر كالمنسيات عن ابن عباس رضى الله عنهما أنها نزلت فى أحبار المدينة كانوا يأمرون سرا من نصحوه باتباع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يتبعونه طمعا فى الهدايا والصلات التى كانت تصل إليهم من أتباعهم وقيل كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدقون وقال السدى إنهم كانوا يأمرون الناس بطاعة الله تعالى وينهونهم عن معصيته وهم يتركون الطاعة ويقدمون على المعصية وقال ابن جريج كانوا يأمرون الناس بالصلاة والزكاة وهم يتركونهما ومدار الإنكار والتوبيخ هى الجملة المعطوفة دون ما عطفت هى عليه (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) تبكيت لهم وتقريع كقوله تعالى (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أى والحال أنكم تتلون التوراة الناطقة بنعوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم الآمرة بالإيمان به أو بالوعد بفعل الخير والوعيد على الفساد والعناد وترك البر ومخالفة القول العمل (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أى أتتلونه فلا تعقلون ما فيه أو قبح ما تصنعون حتى ترتدعوا عنه فالإنكار متوجه إلى عدم العقل بعد تحقق ما يوجبه فالمبالغة من حيث الكيف أو ألا تتأملون فلا تعقلون فالإنكار متوجه إلى كلا الأمرين والمبالغة حينئذ من حيث الكم والعقل فى الأصل المنع والإمساك ومنه العقال الذى يشد به وظيف البعير إلى ذراعه لحبسه عن الحراك سمى به النور الروحانى الذى به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية لأنه يحبسه عن تعاطى ما يقبح ويعقله على ما يحسن والآية كما ترى ناعية على كل من يعظ غيره ولا يتعظ بسوء صنيعه وعدم تأثره وإن فعله فعل الجاهل بالشرع أو الأحمق الخالى عن العقل والمراد بها كما أشير إليه حثه على تزكية النفس والإقبال عليها بالتكميل لتقوم بالحق فتقيم غيرها لا منع الفاسق عن الوعظ يروى أنه كان عالم من العلماء مؤثر الكلام قوى التصرف فى القلوب وكان كثيرا ما يموت من أهل مجلسه واحدا أو اثنان من شدة تأثير وعظه وكان فى بلده عجوز لها ابن صالح رقيق القلب سريع الانفعال وكانت تحترز عليه وتمنعه من حضور مجلس الواعظ فحضره يوما على حين غفلة منها فوقع من أمر الله تعالى ما وقع ثم إن العجوز لقيت الواعظ يوما فى الطريق فقالت [لتهدى الأنام

٩٧

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (٤٧)

____________________________________

ولا تهتدى(ألا إن ذلك لا ينفع)[فيا حجر الشحذ حتى متى تسن الحديد ولا تقطع فلما سمعه الواعظ شهق شهقة فخر من فرسه مغشيا عليه فحملوه إلى بيته فتوفى إلى رحمة الله سبحانه (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) متصل بما قبله كأنهم لما كلفوا ما فيه مشقة من ترك الرياسة والإعراض عن المال عولجوا بذلك والمعنى استعينوا على حوائجكم بانتظار النجح والفرج توكلا على الله تعالى أو بالصوم الذى هو الصبر عن المفطرات لما فيه من كسر الشهوة وتصفية النفس والتوسل بالصلاة والالتجاء إليها فإنها جامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية من الطهارة وستر العورة وصرف المال فيهما والتوجه إلى الكعبة والعكوف على العبادة وإظهار الخشوع بالجوارح وإخلاص النية بالقلب ومجاهدة الشيطان ومناجاة الحق وقراءة القرآن والتكلم بالشهادة وكف النفس عن الأطيبين حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب وجبر المصائب روى أنه عليه‌السلام كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ويجوز أن يراد بها الدعاء (وَإِنَّها) أى الاستعانة بهما أو الصلاة وتخصيصها برد الضمير إليها لعظم شأنها واشتمالها على ضروب من الصبر كما فى قوله تعالى (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) أو جملة ما أمروا بها ونهوا عنها (لَكَبِيرَةٌ) لثقيلة شاقة كقوله تعالى (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) الخشوع الإخبات ومنه الخشعة للرملة المتطامنة والخضوع اللين والانقياد ولذلك يقال الخشوع بالجوارح والخضوع بالقلب وإنما لم تثقل عليهم لأنهم يتوقعون ما أعد لهم بمقابلتها فتهون عليهم ولأنهم يستغرقون فى مناجاة ربهم فلا يدركون ما يجرى عليهم من المشاق والمتاعب ولذلك قال عليه‌السلام وقرة عينى فى الصلاة والجملة حالية أو اعتراض تذييلى (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) أى يتوقعون لقاءه تعالى ونيل ما عنده من المثوبات والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إليهم للإيذان بفيضان إحسانه إليهم أو يتيقنون أنهم يحشرون إليه للجزاء فيعملون على حسب ذلك رغبة ورهبة وأما الذين لا يوقنون بالجزاء ولا يرجون الثواب ولا يخافون العقاب كانت عليهم مشقة خالصة فتثقل عليهم كالمنافقين والمرائين فالتعرض للعنوان المذكور للإشعار بعلية الربوبية والمالكية للحكم ويؤيده أن فى مصحف ابن مسعود رضى الله عنه يعلمون وكان الظن لما شابه العلم فى الرجحان أطلق عليه لتضمين معنى التوقع قال[فأرسلته مستيقن الظن أنه مخالط ما بين الشراسيف جائف] وجعل خبر أن فى الموضعين اسما للدلالة على تحقيق اللقاء والرجوع وتقررهما عندهم (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) كرر التذكير للتأكيد ولربط ما بعده من الوعيد الشديد به (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ) عطف على نعمتى عطف الخاص على العام لكماله أى فضلت آباءكم (عَلَى الْعالَمِينَ) أى عالمى زمانهم بما منحتهم من العلم والإيمان والعمل الصالح وجعلتهم أنبياء وملوكا مقسطين وهم آباءهم

٩٨

(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨) وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)(٤٩)

____________________________________

الذين كانوا فى عصر موسى عليه‌السلام وبعده قبل أن يغيروا (وَاتَّقُوا يَوْماً) أى حساب يوم أو عذاب يوم (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) أى لا تقضى عنها شيئا من الحقوق فانتصاب شيئا على المفعولية أو شيئا من الجزاء فيكون نصبه على المصدرية وقرىء لا تجتزىء أى لا تغنى عنها فيتعين النصب على المصدرية وإيراده منكرا مع تنكير النفس للتعميم والإقناط الكلى والجملة صفة يوما والعائد منها محذوف أى لا تجزى فيه ومن لم يجوز الحذف قال اتسع فيه فحذف الجار وأجرى المجرور مجرى المفعول به ثم حذف كما حذف فى قول من قال [فما أدرى أغيرهم تناء وطول العهد أم مال أصابوا] أى أصابوه (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) أى من النفس الثانية العاصية أو من الأولى والشفاعة من الشفع كأن المشفوع له كان فردا فجعله الشفيع شفعا والعدل الفدية وقيل البدل وأصله التسوية سمى به الفدية لأنها تساوى المفدى وتجزى مجزاه (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أى يمنعون من عذاب الله عزوجل والضمير لما دلت عليه النفس الثانية المنكرة الواقعة فى سياق النفى من النفوس الكثيرة والتذكير لكونها عبارة عن العباد والأناسى والنصرة ههنا أخص من المعونة لاختصاصها بدفع الضرر وكأنه أريد بالآية نفى أن يدفع العذاب أحد عن أحد من كل وجه محتمل فإنه إما أن يكون قهرا أولا والأول النصرة والثانى إما أن يكون مجانا أولا والأول الشفاعة والثانى إما أن يكون بأداءعين ما كان عليه وهو أن يجزى عنه أو بأداء غيره وهو أن يعطى عنه عدلا وقد تمسكت المعتزلة بهذه الآية على نفى الشفاعة لأهل الكبائر والجواب أنها خاصة بالكفار للآيات الواردة فى الشفاعة والأحاديث المروية فيها ويؤيده أن الخطاب معهم ولردهم عما كانوا عليه من اعتقاد أن أباءهم الأنبياء يشفعون لهم (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) تذكير لتفاصيل ما أجمل فى قوله تعالى (نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) من فنون النعماء وصنوف الآلاء أى واذكروا وقت تنجيتنا إياكم أى آباءكم فإن تنجيتهم تنجية لأعقابهم وقرىء أنجيتكم وأصل آل أهل لأن تصغيره أهيل وخص بالإضافة إلى أولى الأخطار كالأنبياء عليهم‌السلام والملوك وفرعون لقب لمن ملك العمالقة ككسرى لملك الفرس وقيصر لملك الروم وخاقان لملك الترك ولعتوه اشتق منه تفرعن الرجل إذا عتا وتمرد وكان فرعون موسى عليه‌السلام مصعب بن ريان وقيل ابنه وليدا من بقايا عاد وقيل إنه كان عطارا أصفهانيا ركبته الديون فأفلس فاضطر إلى الخروج فلحق بالشام فلم يتسن له المقام به فدخل مصر فرأى فى ظاهره حملا من البطيخ بدرهم وفى نفسه بطيخة بدرهم فقال فى نفسه إن تيسر لى أداء الدين فهذا طريقه فخرج إلى السواد فاشترى حملا

٩٩

(وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(٥٠)

____________________________________

بدرهم فتوجه به إلى السوق فكل من لقيه من المكاسين أخذوا منه بطيخا فدخل البلد وما معه إلا بطيخة فذة باعها بدرهم ومضى لوجهه ورأى أهل البلد متروكين سدى لا يتعاطى أحد سياستهم وكان قد وقع بهم وباء عظيم فتوجه نحو المقابر فرأى ميتا يدفن فتعرض لأوليائه فقال أنا أمين المقابر فلا أدعكم تدفنونه حتى تعطونى خمسة دراهم فدفعوها إليه ومضى لآخر وآخر حتى جمع فى مقدار ثلاثة أشهر ما لا عظيما ولم يتعرض له أحد قط إلى أن تعرض يوما لأولياء ميت فطلب منهم ما كان يطلب من غيرهم فأبوا ذلك فقالوا من نصبك هذا المنصب فذهبوا به إلى فرعون فقال من أنت ومن أقامك بهذا المقام قال لم يقمنى أحد وإنما فعلت ما فعلت ليحضرنى أحد إلى مجلسك فأنبهك على اختلال حال قومك وقد جمعت بهذا الطريق هذا المقدار من المال فأحضره ودفعه إلى فرعون فقال ولنى أمورك ترنى أمينا كافيا فولاه إياها فساربهم سيرة حسنة فانتظمت مصالح العسكر واستقامت أحوال الرعية ولبث فبهم دهرا طويلا وترامى أمره فى العدل والصلاح فلما مات فرعون أقاموه مقامه فكان من أمره ما كان وكان فرعون يوسف ريان وكان بينهما أكثر من أربعمائة سنة (يَسُومُونَكُمْ) أى يبغونكم من سامه خسفا إذا أولاه ظلما وأصله الذهاب فى طلب الشىء (سُوءَ الْعَذابِ) أى أفظعه وأقبحه بالنسبة إلى سائره والسوء مصدر من ساء يسوء ونصبه على المفعولية ليسومونكم والجملة حال من الضمير فى نجيناكم أو من آل فرعون أو منهما جميعا لاشتمالها على ضميريهما (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) بيان ليسومونكم ولذلك ترك العطف بينهما وقرىء يذبحون بالتخفيف وإنما فعلوا بهم ما فعلوا لما أن فرعون رأى فى المنام أو أخبره الكهنة أنه سيولد منهم من يذهب بملكه فلم يرد اجتهادهم من قضاء الله عزوجل شيئا قيل قتلوا بتلك الطريقة تسعمائة ألف مولود وتسعين ألفا وقد أعطى الله عزوجل نفس موسى عليه‌السلام من القوة على التصرف ما كان يعطيه أولئك المقتولين لو كانوا أحياء ولذلك كانت معجزاته ظاهرة باهرة (وَفِي ذلِكُمْ) إشارة إلى ما ذكر من التذبيح والاستحياء أو إلى الإنجاء منه وجمع الضمير للمخاطبين فعلى الأول معنى قوله تعالى (بَلاءٌ) محنة وبلية وكون استحياء نسائهم أى استبقائهن على الحياة محنة مع أنه عفو وترك للعذاب لما أن ذلك كان للاستعمال فى الأعمال الشاقة وعلى الثانى نعمة وأصل البلاء الاختبار ولكن لما كان ذلك فى حقه سبحانه محالا وكان ما يجرى مجرى الاختيار لعباده تارة بالمحنة وأخرى بالمنحة أطلق عليهما وقيل يجوز أن يشار بذلكم إلى الجملة ويراد بالبلاء القدر المشترك الشامل لهما (مِنْ رَبِّكُمْ) من جهته تعالى بتسليطهم عليكم أو ببعث موسى عليه‌السلام وبتوفيقه لتخليصكم منهم أو بهما معا (عَظِيمٌ) صفة لبلاء وتنكيرهما للتفخيم وفى الآية الكريمة تنبيه على أن ما يصيب العبد من السراء والضراء من قبيل الاختبار فعليه الشكر فى المسار والصبر على المضار (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) بيان لسبب التنجية وتصوير لكيفيتها إثر تذكيرها وبيان عظمها وهو لها وقد بين فى تضاعيف ذلك نعمة جليلة أخرى هى الإنجاء من الغرق أى واذكروا إذ فلقناه بسلوككم أو متلبسا بكم كقوله تعالى (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أو بسبب إنجائكم وفصلنا بين بعضه وبعض حتى حصلت مسالك وقرىء

١٠٠